Grace to You Resources
Grace to You - Resource

إنَّهُ لامتيازٌ عَظيمٌ أنْ نَفْتَحَ كَلِمَةَ اللهِ. وَإنَّهُ لامْتيازٌ عَظيمٌ أنْ نَسْمَعَ صَوْتَ اللهِ وَهُوَ يُكَلِّمُنا عَبْرَ صَفَحاتِ الكِتابِ المُقَدَّس. النَّصُّ الكِتابِيُّ في هَذا الصَّباح هُوَ مِنْ إنْجيل لُوْقا 23 (لوقا، الأصْحاح الثَّالِث وَالعِشْرون). وَنَحْنُ مَا زِلْنا، طَبْعًا، عِنْدَ صَليبِ المَسيح. وَأثْناءَ قِراءَتِنا لِبِشارَةِ لُوقا هَذِهِ، بَاشَرْنا الرِّحْلَةَ مَعَ المُؤرِّخِ لُوْقا مُنْذُ البِدايَةِ إذْ قَرَأنا عَنْ زَكَرِيَّا وَأليصابات، وَالبِشَارَةِ بِوِلادَةِ ذَاكَ المَوْلودِ الَّذي سَيأتي قَبْلَ المَسيَّا (أيْ: يُوْحَنَّا المَعْمَدان) إلى أنْ وَصَلْنا إلى وِلادَةِ الرَّبِّ يَسوعَ نَفْسِه. وَقَدْ سَبَّحْنا مَعَ مَرْيَمَ تِلْكَ التَّسْبِحَةَ الَّتي تَتَحَدَّثُ عَنْ قُرْبِ وِلادَةِ الفَادي. وَقَدْ رَأيْنا يَسوعَ يَتَقَدَّمُ في القَامَةِ وَالخِدْمَةِ، وَرَافَقْناهُ في كُلِّ آلامِهِ وَانْتِصاراتِه. وَها نَحْنُ نَجِدُ أنْفُسَنا الآنَ مَعَهُ، وَاقِفينَ في الجُلْجُثَة بِذُهولٍ إذْ نُراقِبُ وَاقِعَ صَلْبِ المَسيح. سَأقْرَأُ عَلى مَسامِعِكِمْ مَا وَرَدَ ابْتِداءً مِنَ العَدَد 32 حَتَّى نِهايَةِ العَدَد 39، وَهُوَ المَقْطَعُ الَّذي أَشَرْتُ إليهِ في عِظَتي السَّابِقَةِ. وَسَوْفَ نَتَأمَّلُ في هَذا المَقْطَعِ بِعُمْقٍ أكْبَر في هَذا الصَّباح.

وَجَاءُوا أَيْضًا بِاثْنَيْنِ آخَرَيْنِ مُذْنِبَيْنِ لِيُقْتَلاَ مَعَهُ. وَلَمَّا مَضَوْا بِهِ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُدْعَى «جُمْجُمَةَ» صَلَبُوهُ هُنَاكَ مَعَ الْمُذْنِبَيْنِ، وَاحِدًا عَنْ يَمِينِهِ وَالآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ. فَقَالَ يَسُوعُ: «يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ». وَإِذِ اقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ اقْتَرَعُوا عَلَيْهَا. وَكَانَ الشَّعْبُ وَاقِفِينَ يَنْظُرُونَ، وَالرُّؤَسَاءُ أَيْضًا مَعَهُمْ يَسْخَرُونَ بِهِ قَائِلِينَ: «خَلَّصَ آخَرِينَ، فَلْيُخَلِّصْ نَفْسَهُ إِنْ كَانَ هُوَ الْمَسِيحَ مُخْتَارَ اللهِ!» وَالْجُنْدُ أَيْضًا اسْتَهْزَأُوا بِهِ وَهُمْ يَأْتُونَ وَيُقَدِّمُونَ لَهُ خَلا، قَائِلِينَ: «إِنْ كُنْتَ أَنْتَ مَلِكَ الْيَهُودِ فَخَلِّصْ نَفْسَكَ!» وَكَانَ عُنْوَانٌ مَكْتُوبٌ فَوْقَهُ بِأَحْرُفٍ يُونَانِيَّةٍ وَرُومَانِيَّةٍ وَعِبْرَانِيَّةٍ: «هذَا هُوَ مَلِكُ الْيَهُودِ». وَكَانَ وَاحِدٌ مِنَ الْمُذْنِبَيْنِ الْمُعَلَّقَيْنِ يُجَدِّفُ عَلَيْهِ قَائِلاً: «إِنْ كُنْتَ أَنْتَ الْمَسِيحَ، فَخَلِّصْ نَفْسَكَ وَإِيَّانَا!»

في تَأمُّلِنا الأخِيرِ في هَذا المَقْطَعِ، اسْتَخْدَمْتُ العُنوان "المَهْزَلَة عِنْدَ الصَّليب". وأنا أُدركُ أنَّ القَوْلَ بأنَّ مَا حَدَثَ عِنْدَ الصَّليبِ كانَ مَهْزَلَةٌ هُوَ قَوْلٌ يُثيرُ الاسْتياء. وَلَكِنَّ هَذا هُوَ تَمامًا مَا قَصَدَهُ مَنْ صَلَبُوا يَسوع. فَفي نَظَرِهِمْ، كانَ يَسوعُ مَوْضِع هُزْءٍ شَديد. فَالادِّعاءُ بأنَّهُ مَلِكٌ كانَ أمْرًا يُثيرُ الضَّحِك. وَكَانَ القَصْدُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ هُوَ أنْ يَسْخَرُوا مِنَ القَوْلِ بأنَّهُ مَلِك. فَهُوَ لَمْ يَكُنْ لَهُ جَيْشٌ. وَهُوَ لَمْ يَكُنْ يُهَيْمِنُ عَلى أيِّ شَيْءٍ أوْ مَكانٍ. وَقَدْ كَانَ أتْباعُهُ ضَئيلونَ وَقَليلون. وَلَمْ يَكُنْ قَدْ غَزا أيَّ بَلَدٍ وَلَمْ يُحَرِّر أَحَدًا. وَلَمْ يَكُنْ فيهِ شَيءٌ يَجْعَلُ المَرْءَ يَتَصَوَّرُ أنَّهُ يَمْتَلِكُ قُوَّةً هَائِلَةً، بَلْ كانَ ضَعْفُهُ يَزْدادُ، وَيَزْدادُ، وَيَزْداد. لِذَلِكَ كَانَ الأمْرُ كُلُّهُ مُضْحِكًا حَتَّى إنَّهُمْ صَيَّروهُ مَسْخَرَةً. وَكانَ الأشْخاصُ الواقِفونَ عَلى مَقْرُبَةٍ مِنَ الصَّليبِ يَسْخَرونَ مِنْ يَسوعَ، وَيَسْتَهْزِئونَ بِهِ، وَيُجَدِّفونَ عَلَيْه. وَقَدْ كانُوا يَفْعَلونَ كُلَّ مَا في وُسْعِهِمْ لِمُعامَلَةِ ابْنِ اللهِ بِأحَطِّ ِاحْتِقارٍ مُمْكِنٍ، وَبأكْبَرِ قَدْرٍ مِنَ الازْدِراءِ وَالاسْتِخْفافِ وَالإهانَة.

وَبالرَّغْمِ مِنْ هَذا كُلِّهِ، كَانَ هَذا، في الحَقيقَةِ، اللهُ الابْن. لِذَلِكَ، كانَ هَذا، في وَاقِعِ الأمْرِ، تَجْديفًا لا مَثيلَ لَهُ. وَنَرى هُنا الخَطِيَّةَ في أَوْجِها. أوْ بالحَرِيِّ، نَرى هُنا الخَطِيَّةَ في أَحَطِّ مُسْتَوياتِها. وَنَرى هُنا تَجْديفًا في ذِرْوَتِهِ. فَقَدْ كَانُوا يَحْتَقِرونَ اللهَ، وَيَهْزَأونَ باللهِ المُتَجَسِّدِ، وَيَسْخَرونَ سُخْرِيَةً شَديدَةً مِنَ الخَالِقِ وَالفَادي – المَلِكِ الحَقيقيِّ، وَالمَسِيَّا الحَقيقيّ. وَلَمْ يَجِدْ هَؤلاءِ الخُطاةُ مَا هُوَ أسْوَأُ مِنْ ذَلِكَ لِيَفْعَلوه. فَلا تُوْجَدُ خَطيئَة أسْوَأُ لَدى الخُطاةِ مِنْ أنْ يُوَجِّهُوا الإهانَةَ إلى الله. وَلا يُمْكِنُ للتَّجْديفِ عَلى اللهِ أنْ يَكونَ أسْوَأَ مِنْ ذَلِك. وَقَدْ نُسَارِعُ إلى القَوْلِ إنَّهُ في ضَوْءِ بَشاعَةِ ذَلِكَ، لا بُدَّ أنَّ الوَقْتَ قَدْ حَانَ لِيَقومَ اللهُ بِعَمَلٍ مَا. فَنَحْنُ نَتَوَقَّعُ مِنَ اللهِ القُدُّوسِ البَارِّ أنْ يَرُدَّ عَلى هَذا النَّوْعِ مِنَ التَّجْديفِ الشَّديدِ بِأنْ يَسْكُبَ غَضَبَهُ وَنَقْمَتَهُ وَسُخْطَهُ عَلى أولئكَ الَّذينَ يُوَجِّهونَ كُلَّ الإساءاتِ إليه. وَحَتَّى في عَالَمِ الآلِهَةِ الزَّائِفَةِ الَّتي اخْتَرَعَها البَشَرُ وَالشَّياطينُ، فَإنَّ أَحَدًا لا يَتَوَقَّعُ مِنْ تِلْكَ الآلِهَةِ أنْ تَحْتَمِلَ أيَّ شَيْءٍ مِنْ هَذا القَبيل. لِذَلِكَ، ألا يَجْدُرُ باللهِ الحَقيقيِّ القُدُّوسِ أنْ يُدافِعَ عَنْ كَرامَتِهِ إلى حَدٍّ مَا؟ ألا يَجْدُرُ بِهِ أنْ يُحافِظَ عَلى جَلالِهِ إلى حَدٍّ مَا؟ ألا يَجْدُرُ بالإلَهِ الحَقيقيِّ القُدُّوسِ الَّذي أَعْلَنَ عَنْ ذَاتِهِ بأنَّهُ كَذَلِكَ في أَسْطَعِ دَليلٍ عَلى لاهُوتِهِ، وَهُوَ يُجَدَّفُ عَلَيْهِ الآنَ؟ ألا يَجْدُرُ بِهِ أنْ يَرُدَّ بِغَضَبٍ مُقَدَّسٍ وَأنْ يُعَاقِبَ هَؤلاءِ بِالمَوْتِ وَالدَّيْنونَةِ حَالًا وَدُوْنَما إبْطاء؟ وَلَكِنَّ الدَّيْنونَةَ كَانَتْ سَتَأتي بَعْدَ أرْبَعينَ سَنَة مِنْ ذَلِكَ مِنْ خِلالِ دَمارِ أُورُشَليم عَلى يَدِ الرُّومان. فَالكَثيرونَ مِنْ هَؤلاءِ الأشْخاصِ الَّذينَ كَانُوا مُجْتَمِعينَ عِنْدَ الصَّليبِ وَظَلُّوا عَلى قَيْدِ الحَياةِ بَعْدَ أرْبَعينَ سَنَة، إنْ لَمْ يَكُنْ أغْلَبُهُمْ، سَيَهْلِكونَ في تِلْكَ الدَّيْنونَة. وَكَانَ كَثيرونَ مِنْهُمْ سَيَموتونَ قَبْلَ أنْ يَحْدُثُ ذَلِك. وَلَكِنْ ألا يَبْدو ذَلِكَ صَبْرًا في غَيْرِ مَحَلِّه؟ فَإلى أيِّ مَدَىً يُمْكِنُ للقَداسَةِ أنْ تَحْتَمِل؟ وإلى أيِّ حَدٍّ يُمْكِنُ للبِرِّ أنْ يَصْبِر؟ وَمَا أبْعادُ رَحْمَةِ اللهِ وَنِعْمَتِه؟ فَإنْ كَانَ هُناكَ وَقْتٌ يُمْكِنُ لِغَضَبِ اللهِ أنْ يَكونَ فيهِ مُبَرَّرًا إنْ سُكِبَ حَالًا، فَإنَّهُ ذَلِكَ الوَقْت.

وَيا للغَرابَة! فَقَدْ سُكِبَتْ دَيْنونَتُهُ سَريعًا عَلى الصَّليب، وَلَكِنَّها لَمْ تُسْكَبْ سَريعًا على الجُموع. فَقَدْ سُكِبَتْ عَلى يَسوعَ نِيابَةً عَنْ أولئكَ الَّذينَ كَانُوا يُجَدِّفونَ عَلَيْهِ. وَالعَهْدُ القَديمُ وَاضِحٌ بِشَأنِ التَّجْديف. فَنَحْنُ نَقْرَأُ في سِفْرِ اللَّاوِيِّين 24: 16: "مَنْ جَدَّفَ عَلَى اسْمِ الرَّبِّ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ". فَقَدْ كانَ التَّجْديفُ عَلى اسْمِ اللهِ جَريمَةً عُقوبَتُها المَوْت. وَقَدْ كانَ هَؤلاءِ مُجَدِّفين. وَكانُوا يَعْلَمونَ ذَلِك. وَكانُوا رَاضِينَ بِالتَّجْديفِ عَلَيْهِ، وَشَتْمِهِ، وَتَحْقيرِهِ. فَقَدْ كَانَ هَذا هُوَ بالضَّبْطْ مَا فَعَلوه. وَلَكِنْ في تَعْويجٍ للحَقِّ، اتَّهَموهُ هُوَ بأنَّهُ المُجَدِّف. فَعِنْدَما أَظْهَرَ يَسوعُ في وَقْتٍ سَابِقٍ مِنْ خِدْمَتِهِ قُدْرَته عَلى أنْ يَغْفِرَ الخَطِيَّة، في مَتَّى 9، قَالُوا إنَّهُ يُجَدِّف. وَفي نِهايَةِ إنْجيل مَتَّى، أوْ بالقُرْبِ مِنْ نِهايَةِ إنْجيل مَتَّى، في الأصْحاح 26، قَالَ يَسُوعُ (لِرَئيسِ الكَهَنَةِ): "أَنْتَ قُلْتَ! وَأَيْضًا أَقُولُ لَــكُمْ: مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ". فَمَزَّقَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ حِينَئِذٍ ثِيَابَهُ قَائِلاً: "قَدْ جَدَّفَ! مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شُهُودٍ؟ هَا قَدْ سَمِعْتُمْ تَجْدِيفَهُ! مَاذَا تَرَوْنَ؟" فَأَجَابُوا وَقَالوُا: "إِنَّهُ مُسْتَوْجِبُ الْمَوْت". حِينَئِذٍ بَصَقُوا فِي وَجْهِهِ وَلَكَمُوهُ، وَآخَرُونَ لَطَمُوهُ.

إنَّهُمُ المُجَدِّفون، وَلَكِنْ في تَعْويجٍ للحَقِّ، جَعَلُوهُ هُوَ المُجَدِّف – ظَنًّا مِنْهُمْ أنَّهُمُ يَتَمَسَّكونَ بالبِرِّ. وَفي إنْجيل يُوحَنَّا، في الأصْحاح 10، هُناكَ بِضْعُ آياتٍ. العَدَد 33: "أَجَابَهُ الْيَهُودُ قَائِلِينَ: «لَسْنَا نَرْجُمُكَ لأَجْلِ عَمَل حَسَنٍ، بَلْ لأَجْلِ تَجْدِيفٍ، فَإِنَّكَ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلهًا»". ثُمَّ في العَدَد 36 يَتَحَدَّثُ يَسوعُ قَائِلًا: "فَالَّذِي قَدَّسَهُ الآبُ وَأَرْسَلَهُ إِلَى الْعَالَمِ، أَتَقُولُونَ لَهُ: إِنَّكَ تُجَدِّفُ، لأَنِّي قُلْتُ: إِنِّي ابْنُ اللهِ؟" لِذَلِكَ، كَانَ مَا قالوهُ تَعْويجًا للحَقِّ. وَكانَ يَنْبَغي أنْ تُسْكَبَ الدَّيْنونَةُ عَلَيْهِم. وَلَكِنَّها سُكِبَتْ عَلى يَسوع. وَكانَ يَنْبَغي لَها أنْ تَسْحَقَهُمْ. وَلَكِنَّها سَحَقَتْ يَسوع. لَقَدِ اتَّهَموهُ بالتَّجْديف، وَلَكِنَّهُمْ هُمُ المُجَدِّفُون. وَلا شَكَّ أنَّ رَبَّنا كَانَ يَمْلِكُ كُلَّ الحَقِّ في إدانَتِهِمْ، وَكُلَّ الحَقِّ في إهْلاكِهِمْ حَالًا وَطَرْحِهِمْ في جَهَنَّمَ إلى الأبَد. وَهُناكَ مَنْ فَكَّرَ في ذَلِكَ قَبْلَنا مِنْ أنْبياءِ العَهْدِ القَديم. وَأنا أَتَحَدَّثُ هُنا عَنِ النَّبِيِّ حَبَقُّوقَ الَّذي لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ فَهْمِ سَبَبِ عَدَمِ حُلولِ دَيْنونَةِ اللهِ عَلى إسْرائيلَ المُرْتَدَّة. لِذَلِكَ فإنَّهُ يَقولُ في الأصْحاحِ الأوَّلِ مِنْ نُبوءَتِهِ، وَالعَدَدِ الثَّاني: "حَتَّى مَتَى يَا رَبُّ؟" ... حَتَّى مَتى؟ ... حَتَّى مَتى سَتَحْتَمِلُ إسْرائيلَ الخَاطِئَةَ الزَّانِيَة؟ وَأنا أُشيرُ أيْضًا إلى سِفْرِ الرُّؤيا 6: 10 إذْ إنَّ الشُّهَداءَ في الأيَّامِ الأخيرَةِ، أيْ في فَتْرَةِ الضِّيقَةِ العَظيمَةِ الَّتي سَتَأتي عَلى العَالَمِ، وَهُمُ الَّذينَ سَيَنَالونَ الشَّهادَةَ عَلى أيْدي ضِدِّ المَسيحِ، نَقْرَأُ أنَّهُمْ كَانُوا تَحْتَ المَذْبَحِ وَأنَّهُمْ صَرَخُوا إلى اللهِ قَائِلين: "حَتَّى مَتَى أَيُّهَا السَّيِّدُ الْقُدُّوسُ وَالْحَقُّ، لاَ تَقْضِي وَتَنْتَقِمُ لِدِمَائِنَا مِنَ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ؟"

وَحَتَّى إنَّ القِدِّيسينَ في المَاضي وَالمُسْتَقْبَلِ، وَبالتَّأكيدِ في الحَاضِرِ، يَتَعَجَّبونَ أحْيانًا مِنْ طُوْلِ أَناةِ الله. وَما أَعْجَبَ أنْ يَقِفَ هَؤلاءِ عِنْدَ الصَّليبِ مَعَ أنَّهُ كَانَ يَنْبَغي لِغَضَبِ اللهِ أنْ يُسْكَبَ عَلَيْهِمْ. وَلَكِنْ عِوَضًا عَنْ ذَلِكَ فَقَدْ سُكِبَ عَلى المَسيحِ نِيابَةً عَنِ الجُمُوعِ، نِيابَةً عَنْهُم! وَلَكِنْ هَلْ تَعْلَمونَ أنَّ هَذا لا يَتَعارَضُ مَعَ صِفاتِ اللهِ؟ وَسَوْفَ أُقَدِّمُ لَكُمْ تَوْضيحًا عَلى ذَلِكَ مِنَ العَهْدِ القَديم. فَفي سِفْرِ إشَعْياء، لِنَفْتَحْ عَلى سِفْرِ إشَعْياء. وَإذا لَمْ تَكونُوا عَلى دِرايَةٍ بِنُبوءَةِ إشَعْياء، فَإنِّي أُشَجِّعُكُمْ عَلى الاطِّلاعِ عَلَيْها. وَيُمْكِنُكُمْ أنْ تَفْعَلوا ذَلِكَ مِنْ خِلالِ قِراءَتِها. أجَل! فَمِنَ الجَيِّدِ أنْ تَقْرَأُوها، وَتَقْرَأوها، وَتُعيدونَ قِراءَتَها لأنَّها تَتَحَدَّثُ عَنِ الدَّيْنونَة. فَهِيَ تَحْوي الكَثيرَ عَنِ الدَّيْنونَةِ المُعْلَنَة. وَهِيَ تَحْوي الكَثيرَ مِنَ الوُعودِ عَنِ الخَلاص. وَيُمْكِنُكُمْ أنْ تَرَوْا قَلْبَ اللهِ المُحِبِّ مِنْ خِلالِها. وَهِيَ تُقَدِّمُ وَصْفًا دَقيقًا لِحَالِ الخُطاةِ، وَإعْلانًا حَقيقيًّا عَنِ الدَّيْنونَةِ القَادِمَةِ. وَلَكِنَّها تُقَدِّمُ، في الوقتِ نَفْسِهِ، رَحْمَةً وَنِعْمَةً حَتْمِيَّةً لَهُمْ. فَمَثَلًا، يُمْكِنُكُمْ أنْ تَرَوا نَموذَجًا عَلى ذَلِكَ في الأصْحاحِ الأوَّلِ مِنْ سِفْرِ إشَعْياء. فالرَّبُّ يَقولُ في العَدَدِ الثَّاني: "رَبَّيْتُ بَنِينَ وَنَشَّأْتُهُمْ، أَمَّا هُمْ فَعَصَوْا عَلَيَّ". وَفي العَدَدِ الثَّالِث: "اَلثَّوْرُ يَعْرِفُ قَانِيَهُ وَالْحِمَارُ مِعْلَفَ صَاحِبِهِ، أَمَّا إِسْرَائِيلُ فَلاَ يَعْرِفُ. شَعْبِي لاَ يَفْهَمُ». وَيْلٌ لِلأُمَّةِ الْخَاطِئَةِ، الشَّعْبِ الثَّقِيلِ الإِثْمِ، نَسْلِ فَاعِلِي الشَّرِّ، أَوْلاَدِ مُفْسِدِينَ! تَرَكُوا الرَّبَّ، اسْتَهَانُوا بِقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ، ارْتَدُّوا إِلَى وَرَاءٍ". يا لَها مِنْ مَأسَاة! ويا لَهُ مِنْ أمْرٍ مُؤسِفٍ! ثُمَّ نَقْرَأُ في العَدَدِ الخَامِسِ، في النِّصْفِ الثَّاني مِنَ الآيَة: "كُلُّ الرَّأسِ مَرِيضٌ، وَكُلُّ الْقَلْبِ سَقِيمٌ". يا للأسَف! العَدَد السَّادِس: "مِنْ أَسْفَلِ الْقَدَمِ إِلَى الرَّأسِ لَيْسَ فِيهِ صِحَّةٌ، بَلْ جُرْحٌ وَأَحْبَاطٌ وَضَرْبَةٌ طَرِيَّةٌ لَمْ تُعْصَرْ وَلَمْ تُعْصَبْ وَلَمْ تُلَيَّنْ بِالزَّيْتِ". فَكما هِيَ حَالُ الجِسْمِ المَرْضوضِ، وَالمَضْروبِ، وَالمَسْحوقِ، وَالمَريضِ، وَالضَّعيفِ، هَكَذا هِيَ حَالُ إسْرائيل. وَقَدْ أَعْلَنَ اللهُ دَيْنونَتَهُ: "بِلاَدُكُمْ خَرِبَةٌ. مُدُنُكُمْ مُحْرَقَةٌ بِالنَّارِ" (العَدَد السَّابِع) "أَرْضُكُمْ تَأْكُلُهَا غُرَبَاءُ قُدَّامَكُمْ، وَهِيَ خَرِبَةٌ كَانْقِلاَبِ الْغُرَبَاءِ".

هَذا هُوَ النَّمَطُ السَّائِدُ في سِفْرِ إشَعْياء: الخَطِيَّة ثُمَّ الدَّيْنونَة. ثُمَّ نَقْرَأُ ابْتِداءً مِنَ العَدَد 14: "رُؤُوسُ شُهُورِكُمْ وَأَعْيَادُكُمْ بَغَضَتْهَا نَفْسِي. صَارَتْ عَلَيَّ ثِقْلاً. مَلِلْتُ حَمْلَهَا. فَحِينَ تَبْسُطُونَ أَيْدِيَكُمْ أَسْتُرُ عَيْنَيَّ عَنْكُمْ، وَإِنْ كَثَّرْتُمُ الصَّلاَةَ لاَ أَسْمَعُ. أَيْدِيكُمْ مَلآنَةٌ دَمًا". فَقَدْ كَانُوا في حَالٍ سَيِّئَةٍ جِدًّا. ثُمَّ نَقْرَأُ: "اِغْتَسِلُوا. تَنَقَّوْا. اعْزِلُوا شَرَّ أَفْعَالِكُمْ مِنْ أَمَامِ عَيْنَيَّ. كُفُّوا عَنْ فِعْلِ الشَّرِّ. تَعَلَّمُوا فَعْلَ الْخَيْرِ. اطْلُبُوا الْحَقَّ. انْصِفُوا الْمَظْلُومَ. اقْضُوا لِلْيَتِيمِ. حَامُوا عَنِ الأَرْمَلَةِ". ثُمَّ تَأتي هَذِهِ الدَّعْوَة: "هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ، يَقُولُ الرَّبُّ. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَالدُّودِيِّ تَصِيرُ كَالصُّوفِ". إنَّ هَذِهِ الآيَة الرَّائِعَة هِيَ دَعْوَة مِنْ إلَهٍ مُنْعِمٍ وَرَحيمٍ إلى شَعْبٍ خَاطِئٍ كَانَ قَدْ أَعْلَنَ دَيْنونَتَهُ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَتُبْ. وَهَذا النَّمَطُ، بالمُنَاسَبَة، يَسْتَمِرُّ في كُلِّ سِفْرِ إشَعْياء وَيَظْهَرُ بِطُرُقٍ بَديعَةٍ جِدًّا. وَلَعَلَّ الوَقْتَ يُسْعِفُنا لِقِراءَةِ بَعْضٍ مِنْ هَذِهِ الآيات. ففي الأصْحاح 40، بَعْدَ كُلِّ أنْواعِ التَّحْذيرِ بِأنَّ الدَّيْنونَةَ سَتَأتي، يَبْتَدِئُ الأصْحاحُ الأرْبَعونَ بِهَذِهِ الكَلِمات: "عَزُّوا، عَزُّوا شَعْبِي، يَقُولُ إِلهُكُمْ. طَيِّبُوا قَلْبَ أُورُشَلِيمَ وَنَادُوهَا بِأَنَّ جِهَادَهَا قَدْ كَمُلَ، أَنَّ إِثْمَهَا قَدْ عُفِيَ عَنْهُ، أَنَّهَا قَدْ قَبِلَتْ مِنْ يَدِ الرَّبِّ ضِعْفَيْنِ عَنْ كُلِّ خَطَايَاهَا". فَهُناكَ خَلاصٌ يَنْتَظِرُها. وَيا لَهُ مِنْ تَعْبيرٍ مُدْهِشٍ عَنِ الرَّحْمَة!

"صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: «أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. قَوِّمُوا فِي الْقَفْرِ سَبِيلاً لإِلَهِنَا. كُلُّ وَطَاءٍ يَرْتَفِعُ، وَكُلُّ جَبَل وَأَكَمَةٍ يَنْخَفِضُ، وَيَصِيرُ الْمُعْوَجُّ مُسْتَقِيمًا، وَالْعَرَاقِيبُ سَهْلاً. فَيُعْلَنُ مَجْدُ الرَّبِّ وَيَرَاهُ كُلُّ بَشَرٍ جَمِيعًا، لأَنَّ فَمَ الرَّبِّ تَكَلَّمَ»". فَهُناكَ خَلاصٌ عَظيمٌ وَمَجيدٌ. وَاللُّغَةُ نَفْسُها تَتَكَرَّرُ في الأصْحاح 42 ابْتِداءً مِنَ العَدَدِ السَّادِس: "أَنَا الرَّبَّ قَدْ دَعَوْتُكَ بِالْبِرِّ، فَأُمْسِكُ بِيَدِكَ وَأَحْفَظُكَ وَأَجْعَلُكَ عَهْدًا لِلشَّعْبِ وَنُورًا لِلأُمَمِ، لِتَفْتَحَ عُيُونَ الْعُمْيِ، لِتُخْرِجَ مِنَ الْحَبْسِ الْمَأْسُورِينَ، مِنْ بَيْتِ السِّجْنِ الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ. أَنَا الرَّبُّ هذَا اسْمِي، وَمَجْدِي لاَ أُعْطِيهِ لآخَرَ". وَهَذِهِ إشَارَةٌ إلى المَسِيَّا الَّذي هُوَ الخَادِمُ المَذْكورُ في بِدايَةِ الأصْحاح 42. لِذَلِكَ فإنَّهُ يَعِدُ هَذِهِ الأُمَّةَ العَاصِيَةَ وَالخَاطِئَةَ وَالشِّرِّيرَةَ وَالمُدانَةَ، إنْ جَازَ القَوْلُ، يَعِدُها بِخَلاصٍ قَادِمٍ، وَمَمْلَكَةٍ قَادِمَةٍ، وَمَسِيَّا سَيَأتي. وَيُمْكِنُكُمْ أنْ تَجِدُوا الفِكْرَةَ نَفْسَها في بِدايَةِ الأصْحاح 43. وَيُمْكِنُكُمْ أنْ تَجِدُوها في الأصْحاح 52. وَأيْضًا في الأصْحاح 53.

وَلَكِنِ افْتَحُوا على الأصْحاح 55. فَنَحْنُ هُنا أَمامَ مَقْطَعٍ عَظيمٍ مِنَ الكِتابِ المُقَدَّس. فَبَعْدَ تَحْذيراتٍ أُخرى مِنَ العِقابِ وَإدانَةِ الخَطِيَّةِ، نَقْرَأُ: "أَيُّهَا الْعِطَاشُ جَمِيعًا هَلُمُّوا إِلَى الْمِيَاهِ، وَالَّذِي لَيْسَ لَهُ فِضَّةٌ تَعَالَوْا اشْتَرُوا وَكُلُوا. هَلُمُّوا اشْتَرُوا بِلاَ فِضَّةٍ وَبِلاَ ثَمَنٍ خَمْرًا وَلَبَنًا. لِمَاذَا تَزِنُونَ فِضَّةً لِغَيْرِ خُبْزٍ، وَتَعَبَكُمْ لِغَيْرِ شَبَعٍ؟ اسْتَمِعُوا لِي اسْتِمَاعًا وَكُلُوا الطَّيِّبَ، وَلْتَتَلَذَّذْ بِالدَّسَمِ أَنْفُسُكُمْ. أَمِيلُوا آذَانَكُمْ وَهَلُمُّوا إِلَيَّ. اسْمَعُوا فَتَحْيَا أَنْفُسُكُمْ. وَأَقْطَعَ لَكُمْ عَهْدًا أَبَدِيًّا، مَرَاحِمَ دَاوُدَ الصَّادِقَةَ". ثُمَّ تَصيرُ اللَّهْجَةُ شَخْصِيَّةً في العَدَدِ السَّادِس: "اُطْلُبُوا الرَّبَّ مَا دَامَ يُوجَدُ. ادْعُوهُ وَهُوَ قَرِيبٌ. لِيَتْرُكِ الشِّرِّيرُ طَرِيقَهُ، وَرَجُلُ الإِثْمِ أَفْكَارَهُ، وَلْيَتُبْ إِلَى الرَّبِّ فَيَرْحَمَهُ، وَإِلَى إِلهِنَا لأَنَّهُ يُكْثِرُ الْغُفْرَانَ". وَقَدْ تَقولُ: "أنا لا أَفْهَمُ الله! وَأنا لا أَدْري كَيْفَ يَنْظُرُ اللهُ إلى أُناسٍ اتَّخَذُوا إلِهَةً أُخرى غَيْرَهُ، وَإلى أُناسٍ ابْتَعَدُوا عَنْهُ، وَإلى أُناسٍ لَمْ يُظْهِروا لَهُ سِوى التَّمَرُّد وَالعِصْيان، وإلى أُناسٍ أَعْلَنَ الدَّيْنونَةَ عَلَيْهِم! وَبَعْدَ هَذا كُلِّهِ، كَيْفَ يُعْقَلُ أنْ يُقَدِّمَ اللهُ لَهُمْ مَراحِمَهُ بِهَذِهِ الطَّريقَة؟ وَهَلْ صَبْرُ اللهِ بِهَذِهِ الرَّوْعَة؟

وَنَجِدُ الجَوابَ في العَدَدِ الثَّامِنِ: "لأَنَّ أَفْكَارِي لَيْسَتْ أَفْكَارَكُمْ، وَلاَ طُرُقُكُمْ طُرُقِي، يَقُولُ الرَّبُّ. لأَنَّهُ كَمَا عَلَتِ السَّمَاوَاتُ عَنِ الأَرْضِ، هكَذَا عَلَتْ طُرُقِي عَنْ طُرُقِكُمْ وَأَفْكَارِي عَنْ أَفْكَارِكُمْ". فَعِنْدَما يَنْفَدُ صَبْرُكَ، فَإنَّ صَبْرَ اللهِ لا يَنْفَد. وَعِنْدَما تَنْظُرُ إلى شَيءٍ مَا وَتَظُنُّ أنَّ صَبْرَ اللهِ لا بُدَّ أنْ يَكونَ قَدْ نَفَدَ لأنَّ صَبْرَكَ قَدْ نَفَدَ مُنْذُ وَقْتٍ طَويل، اعْلَمْ أنَّ صَبْرَ اللهِ لَمْ يَنْفَد. وَالجَوابُ هُوَ أنَّ اللهَ يَسْمُو عَلَيْنا جَميعًا، يَسْمُو جِدًّا عَلَيْنا في طَريقَةِ تَفْكيرِهِ وَفي أعْمالِهِ. وَيَكْمُنُ تَفَرُّدُ اللهِ في أنَّهُ عِنْدَما أُهينَ بِشِدَّة، وَعِنْدَما عُوْمِلَ باحْتِقارٍ شَديدٍ، فَإنَّهُ مَا يَزالُ يَأتي إلى مَنْ يُخْطِئونَ إليهِ وَيُحَذِّرُهُمْ مِنَ الدَّيْنونَةِ الَّتي سَتَأتي، وَيُقَدِّمُ لَهُمْ الغُفْرانَ وَالرَّحْمَةَ وَالنِّعْمَةَ وَالتَّعاطُفَ، وَيَجْعَلْهُمْ أولادَهُ، وَيَأخُذُهُمْ إلى سَمائِهِ المُقَدَّسَةِ إلى الأبَد. إنَّهُ ذَاكَ الإلَه المُعَلَّق على الصَّليب. وَهُوَ إلَهٌ يَفوقُنا صَبْرًا لأنَّ طُرُقَهُ لَيْسَتْ طُرُقَنَا وَأفْكارَهُ لَيْسَتْ أفْكارَنا. وَالتَّبايُنُ الصَّارِخُ في الجُلْجُثَة هُوَ التَّبايُنُ بَيْنَ إهاناتِ الجُموعِ الَّتي لا تَرْحَم، وَالشَّفاعَةِ الرَّحيمَةِ للمَسيح. وَهاتانِ هُمَا النُّقْطَتانِ اللَّتانِ أوَدُّ أنْ تُرَكِّزُوا عَلَيْهِما. فَهُناكَ إهاناتُ الجُموعِ الَّتي لا تَرْحَمُ في العَدَد 35. وَسَوْفَ نُلْقي نَظْرَةً عَلى الإهاناتِ القَاسِيَةِ الَّتي وَجَّهَها الحَاضِرون. فَقَدْ كانَ الحَاضِرونَ يُقْسَمونَ إلى أرْبَعِ فِئاتٍ. فَهُناكَ النَّاسُ، وَهُناكَ القَادَةُ، وَهُناكَ الجُنودُ، وَهُناكَ اللِّصَّان – وَقَدْ عَامَلَ هَؤلاءِ جَميعًا يَسوعَ بالطَّريقَةِ نَفْسِها. فَقَدْ كَانُوا حَرْفِيًّا: بِلا رَحْمَة. لَقَدْ كَانُوا قُساةَ القُلوبِ، وَشَرِسينَ، وَهَمَجِيِّين.

العَدَد 35: "وَكَانَ الشَّعْبُ وَاقِفِينَ يَنْظُرُونَ". وَقَدْ قَدَّمَ لَنا لُوقا أفْضَلَ لَمْحَةٍ خَاطِفَةٍ عَنِ الجُموعِ. وَيَبْدو مِنْ إنْجيلِ لُوقا أنَّهُمْ كَانُوا في حَالَةِ ذُهولٍ كَتِلْكَ الَّتي يَخْتَبِرُها مَنْ يُشاهِدونَ الرِّياضاتِ الدَّمَوِيَّة. فَقَدْ كَانُوا يَقِفونَ هُناكَ في ذُهولٍ وَيُشاهِدونَ تِلْكَ المَسْرَحِيَّةَ الكُوميديَّة. وَالآنْ تَذَكَّرُوا أنَّ اليَهودَ وَالرُّومانَ هُمُ الَّذينَ دَبَّرُوا أنْ يَكونَ المَشْهَدُ كُوميديًّا. فَقَدِ ادَّعَى يَسوعُ أنَّهُ مَلِك! وَهَذا أمْرٌ مُضْحِك. لِذَلِكَ صَارَ هَذا الادِّعاءُ الشَّرارَةَ الَّتي أَشْعَلَتْ تِلْكَ النُّكْتَة بِرُمَّتِها. فَكُلُّ السُّخْرِيَةِ، وَكُلُّ التَّهَكُّمِ، وَكُلُّ الاسْتِهْزاءِ القَاسي كانَ قائِمًا عَلى فِكْرَةِ أنَّ يَسوعَ ادَّعَى أنَّهُ مَلِك. وَلَعَلَّكُمْ تَذْكُرونَ أنَّ الأمْرَ ابْتَدَأَ قَبْلَ ذَلِكَ كَما سَنَرى، فَقَدِ ابْتَدَأَ مَعَ الجُنودِ في وَقْتٍ سَابِقٍ عِنْدَما أَلْبَسُوهُ رِداءً وَوَضَعُوا قَصَبَةً في يَدِهِ وَغَرَزُوا إكْليلَ شَوْكٍ في رَأسِهِ. وَقَدِ اسْتَمَرَّ ذَلِكَ عِنْدَما أَحْضَروهُ إلى الصَّليبِ لأنَّهُ صُلِبَ هُناكَ مَعَ لِصَّيْنِ، وَلَكِنَّهُمْ حَرصُوا عَلى صَلْبِ لِصٍّ عَنْ يَمينِهِ وَلِصٍّ آخَرَ عَنْ يَسارِهِ لِكَيْ يُحَاكُوا، بِطَريقَةٍ سَاخِرَةٍ، مَلِكًا مَعَ أبْرَزِ مُسْتَشارَيْنِ لَدَيْه، الأوَّلُ عَنْ يَمينِهِ، وَالثَّاني عَنْ يَسارِهِ. ثُمَّ اسْتَهْزَأوا بِهِ بِكَلِماتٍ سَاخِرَةٍ قائِلينَ إنَّهُ إنْ كَانَ مَلِكًا كَمَا يَدَّعي، رُبَّما يَتَوَجَّبُ عَلَيْهِ أنْ يُظْهِرَ قُدْرَتَهُ العَظيمَة. لَقَدْ سَخِرُوا مِنْهُ. وَقَدْ فَعَلُوا ذَلِكَ بِلا شَفَقَة. فَلا نَجِدُ رَحْمَةً البَتَّةَ عِنْدَ هَذا الجَمْعِ. فَلَمْ يُظْهِرْ أيٌّ مِنْهُمْ تَعَاطُفًا مَعَهُ. بَلْ إنَّهُ مِنَ الصَّعبِ عَلى المَرْءِ أنْ يَتَخَيَّلَ وَحْشِيَّةَ المَشْهَدِ وَقَسْوَتَهُ.

رُبَّما تَوَقَّعْنا وَحْشِيَّةً مِنَ الجُنودِ الرُّومانِ لأنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلونَ ذَلِكَ كُلَّ الوَقْت. فَهُمْ جَلَّادونَ بِحُكْمِ المِهْنَةِ، وَقَدْ وَضَعُوهَ عَلى الصَّليب. بَلْ رُبَّما تَوَقَّعْنا قَسْوَةً أيْضًا مِنَ القَادَةِ، أيِ القادَةِ الدِّينيِّينَ، لأنَّهُمْ أَظْهَرُوا قَسْوَتَهُمْ حِيْنَ وَضَعُوا أحْمَالًا ثَقيلَةً عَلى النَّاسِ دُوْنَ أنْ يَفْعَلوا شَيْئًا يُساعِدُهُمْ عَلى حَمْلِها. فقَدْ كَانُوا عَديمي الرَّحْمَةِ تُجاهَ الخُطاةِ وَالعَشَّارينَ وَمَنْ شَابَهَهُمْ مِنَ الأشْخاصِ الَّذينَ كَانَ يَسوعُ يَسْتَقْبِلُهُم. وَقَدْ نَتَوَقَّعُ وَحْشِيَّةً لا هَوادَةَ فيها مِنَ اللِّصَّيْنِ لأنَّهُما كانَا مُجْرِمَيْنِ مُحْتَرِفَيْن، وَلأنَّهُ رُبَّما لَمْ يَعُدْ هُناكَ مَكانٌ للرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ في قَلبَيْهِما مُنْذُ وَقْتٍ طَويل. لِذَلِكَ فإنَّنا لا نُصْدَمُ بِهؤلاءِ الأشخاص. وَلَكِنْ رُبَّما كُنَّا نَتَوَقَّعُ أنْ يُظْهِرَ النَّاسُ بَعْضَ التَّعاطُف. ألَيْسَ كَذَلِك؟ فَهُناكَ أشْخاصٌ رُبَّما شَفاهُمْ يَسوعُ مِنْ أمْراضٍ مُعَيَّنَة. وَهُناكَ أشْخاصٌ رُبَّما شَهِدُوا مُعْجِزاتٍ أُخرى أَجْراهَا يَسوعُ في مَنْطِقَةِ اليَهوديَّةِ وَأُورُشَليم. وَكانَ كَثيرونَ مِنْهُمْ مِنْ جَميعِ الأماكِنِ، مِنَ الجَليلِ في الشَّمال. وَرُبَّما كانَ هُناكَ، بَلْ مِنَ المُؤكَّدِ أنَّهُ كانَ هُناكَ، أشْخاصٌ يَنْتَمونَ إلى الخَمْسَةِ آلافٍ الَّذينَ أَطْعَمَهُمْ يَسوع. وَمِنَ المُؤكَّدِ أنَّهُ كانَ هُناكَ أُناسٌ يَعْرِفونَ أشْخاصً نَالُوا الشِّفاءَ، رُبَّما اسْتَرْجَعُوا حَاسَّةَ السَّمْعِ أوِ البَصَرِ، أوْ مَشَوْا بَعْدَ أنْ كَانُوا مَشْلولين. وَما أعْنيهِ هُوَ: ألا نَتَوَقَّعُ أنْ نَجِدَ بَعْضَ التَّعاطُفِ مِنْ هَؤلاء؟ ألَمْ يَسْمَعُوا يَسوعَ يُعَلِّمُ؟ ألَمْ يَخْتَبِرُوا وَداعَةَ المَسيحِ وَلُطْفَ المَسيحِ وَمَحَبَّةَ المَسيحِ الَّتي كانَتْ وَاضِحَةً كُلَّ الوُضوحِ في جَمالِ وَرَوْعَةِ تَعاليمِهِ؟

وَلَكِنْ حَتَّى النَّاسَ كَانُوا بِلا رَحْمَة. وَقَدْ تَقولُ: "مَهْلًا! فَكُلُّ مَا تَقولُهُ تِلْكَ الآيَةُ هُوَ أنَّ النَّاسَ كَانُوا وَاقِفِينَ يَنْظُرُون". حَسَنًا، إنَّ هَذا، وَيا للأسَف، لَيْسَ كُلَّ مَا قِيْلَ عَنْ هَؤلاءِ النَّاسِ عَديمي الرَّحْمَة. وَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ هُنا عَنْ جَمْعٍ كَبيرٍ. فَقَدْ جَاءُوا مِنْ كُلِّ مَكانٍ لِحُضورِ عِيْدِ الفِصْح. وَكانَتِ المَدينَةُ مُزْدَحِمَةً بِمئاتِ الآلافِ مِنَ النَّاسِ. وَكانَ النَّاسُ المُتَوَجِّهونَ إلى الجُلْجُثَة عَلى الطَّريقِ العَامِّ في الصَّباحِ يَزْدادُ وَيَزْدادُ وَيَزْدادُ لأنَّ يَسوعَ كَانَ أكْثَرَ شَخْصٍ يَتَمَتَّعُ بالشَّعْبِيَّةِ في البَلَد. لِذَلِكَ فَقَدِ اجْتَذَبَ حَشْدًا هَائِلًا مِنَ النَّاسِ الذينَ تَجَمَّعُوا الآنَ حَوْلَ الصَّليب. وَقَدْ كانَ هَؤلاءِ في عِدادِ الأشْخاصِ الَّذينَ هَلَّلُوا لَهُ بِوَصْفِهِ المَلِكَ المُحْتَمَل حيْنَ جَاءَ إلى المَدينَةِ يَوْمَ الاثْنَيْن. وَهُمْ نَفْسُ الأشْخاصِ الَّذينَ كانُوا يَقِفونَ هُناكَ وَيَصْرُخونَ قائِلين: "اصْلِبْهُ! اصْلِبْهُ!" في وَقْتٍ سَابِقٍ مِنْ ذَلِكَ اليَوْم. وَهَا هُمْ (عَلى مَا يَبْدو) مُرْهَقينَ، وَيُحَدِّقونَ بِذُهولٍ كَما نَفْهَمُ مِنْ كَلامِ لُوقا. وَلَكِنَّ مَتَّى وَمَرْقُسَ يُطْلِعانا عَلى المَزيد. فَمَتَّى وَمَرْقُسُ يُخْبِرانا مَا نَحْتاجُ إلى مَعْرِفَتِه. مَتَّى 27: 39: "وَكَانَ الْمُجْتَازُونَ (أيِ المَارُّونَ) يُجَدِّفُونَ عَلَيْهِ وَهُمْ يَهُزُّونَ رُؤُوسَهُمْ (في هُزْءٍ) قَائِلِينَ: «يَا نَاقِضَ الْهَيْكَلِ وَبَانِيَهُ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، خَلِّصْ نَفْسَكَ! إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَانْزِلْ عَنِ الصَّلِيبِ!» وَكَذلِكَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ أَيْضًا ...". وَهَذا يَعْني أنَّ النَّاسَ وَالقَادَةَ اشْتَرَكُوا في ذَلِك. ثُمَّ نَقْرَأُ في إنْجيل مَرْقُس 15: 29: "وَكَانَ الْمُجْتَازُونَ يُجَدِّفُونَ عَلَيْهِ، وَهُمْ يَهُزُّونَ رُؤُوسَهُمْ قَائِلِينَ: «آهِ يَا نَاقِضَ الْهَيْكَلِ وَبَانِيَهُ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ! خَلِّصْ نَفْسَكَ وَانْزِلْ عَنِ الصَّلِيبِ!»" وَمَرَّة أُخرى، نَجِدُ فَصْلًا، بالطَّريقَةِ ذَاتِها، بَيْنَ القَادَةِ وَالنَّاسِ المُجْتازين. فَقَدْ كانَ النَّاسُ جُزْءًا مِمَّا يَحْدُث. وَكانُوا يَتْبَعونَ القَادَة. وَكانَ مِنَ السَّهْلِ عَلَيْهِمْ أنْ يَنْخَدِعُوا بِسَبَبِ شَرِّ قُلوبِهِمْ وَعَدَمِ إيمانِهِمْ. وَمِنَ السَّهْلِ أنْ يَنْخَدِعُوا بِسَبَبِ خُبْثِ قادَتِهِم. فَقَدْ دَخَلُوا اللُّعْبَةَ الكُوميديَّةَ وَرَاحُوا يُمارِسونَ سُخْرِيَتَهُم البَشِعَة عَلى يَسوع. إنَّهُمْ لا يَفْعَلونَ الصَّواب ... هَذا الشَّعْب. إنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا مَا هُوَ صَائِبٌ طَوالَ الأسْبوع. فَها هُمْ هُنا يُظْهِرونَ شَرًّا وَقَسْوَةً تُجاهَ ابْنِ اللهِ الرَّحيم. ويَا للعَجَب! يا للعَجَب! لَقَدْ كانَ هَذا الفِعْلُ أسْوَأَ سُلوكٍ قَامَ بِهِ بَنو إسْرائيل. لِذَلِكَ كانَ هُناكَ الشَّعْبُ الخَالي مِنَ الرَّحْمَة، ثُمَّ القَادَةُ الخَالينَ مِنَ الرَّحْمَة. وَنَعودُ إلى لُوقا 23: 35: "وَالرُّؤَسَاءُ أَيْضًا مَعَهُمْ يَسْخَرُونَ بِهِ". كَيْفَ لا وَهُمْ مَنْ دَبَّرُوا هَذا كُلَّهُ. وَكانُوا يَقولون: "خَلَّصَ آخَرِينَ، فَلْيُخَلِّصْ نَفْسَهُ إِنْ كَانَ هُوَ الْمَسِيحَ مُخْتَارَ اللهِ!" ثُمَّ اسْتَخْدَموا تَعْبيرَيْنِ خَاصَّيْنِ بالمَسِيَّا: "المَسيح" (المَمْسُوح – الكَلِمَة "مَسِيَّا")، وَ "مُخْتَار اللهِ" – وَهُوَ لَقَبٌ خَاصٌّ بالمَسيحِ مَأخوذُ مِنْ دانيال، الأصْحاح 9. وَهُما تَعْبيرانِ مِنَ العَهْدِ القَديمِ يَخْتَصَّانِ بالمَسِيَّا – وَلا سِيَّما عِنْدَما يَسْتَخْدِمونَ التَّعْبيرَ "مَسيحُ اللهِ". أمَّا التَّعْبيرُ "مُخْتارُ اللهِ" فَقَدْ وَرَدَ في دَانيال 9. وَهُوَ، دُوْنَ شَكٍّ، لَقَبٌ للمَسيح.

لِذَلِكَ فَقَدْ سَخِرُوا مِنْهُ بِسَبَبِ ادِّعائِهِ أنَّهُ المَسِيَّا. وَقَدِ اسْتَهْزَأُوا بِهِ بِسَبَبِ ادِّعائِهِ أنَّهُ المُخْتارُ مِنَ الله. لَقَدْ سِخِرُوا بِهِ. وَالعِبارَةُ المُتَرْجَمَةُ "يَسْخَرونَ بِهِ" هِيَ عِبارَةٌ قَوِيَّةٌ جِدًّا لا تُسْتَخْدَمُ إلَّا في هَذا المَوْضِعِ وَمَوْضِعٍ آخَرَ في إنْجيلِ لُوقا. وَلَكِنَّها لا تَرِدُ في أيِّ مَكانٍ آخَرَ في العَهْدِ الجَديد. وَهِيَ كَلِمَةٌ مُرَكَّبَةٌ. فالكَلِمَة تَعْني في اليُونانيَّة "أَنْف". وَعِنْدَ صِياغَةِ الفِعْلِ يَصيرُ المَعْنى: "يُقحِمُ أَنْفَهُ فيه". لِذَلِكَ فإنَّ هَذِهِ العِبارَةَ تَعْني أنْ تَسْخَرَ مِنْ شَخْصٍ بِطَريقَةٍ قَاسِيَةٍ لا تَخْلو مِنَ الازْدِراءِ وَالتَّحْقير. وَقَدْ كَانُوا يُجَدِّفونَ عَلَيْهِ. وَبالمُناسَبَة، أرْجُو أنْ تَلْتَفِتُوا، لَوْ سَمَحْتُمْ، إلى أنَّهُمْ لَمْ يَكُونوا يُكَلِّمونَ يَسوع. فَهُمْ لَمْ يُكَلِّموهُ قَطّ. فَلا نَقْرَأُ في أيِّ مَوْضِعٍ يَتَحَدَّثُ عَنَ الصَّلْبِ أنَّهُمْ كَلَّمُوه. بَلْ كَانُوا يُكَلِّمونَ النَّاسَ حَوْلَهُ: "خَلَّصَ آخَرِينَ، فَلْيُخَلِّصْ نَفْسَهُ إِنْ كَانَ هُوَ الْمَسِيحَ مُخْتَارَ اللهِ!" وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يُكَلِّمُوا المَسيح. فَقَدْ كَانَ هَدَفُهُمْ هُوَ تَحْريضُ الشَّعْب. لِذلكَ فإنَّهُمْ لَمْ يُخاطِبُوا يَسوع. "خَلَّصَ آخَرِينَ، فَلْيُخَلِّصْ نَفْسَهُ". وَلَكِنْ مَا الَّذي قَصَدوهُ بِذَلِك؟ مُجَرَّدَ الاسْتِهْزاءِ وَالسُّخْرِيَة! إنَّهُ لَمْ يُخَلِّصْ أَحَدًا. فَهَلْ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ خَلَّصَهُ؟ مِنْ مَاذا؟ إنَّهُ لَمْ يُخَلِّصْ أَحَدًا. وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا يُفَكِّرونَ طَبْعًا في الخَلاصِ بِمَعْناه السِّياسيِّ وَالعَسْكَرِيّ.

إذَنْ، لأنَّهُ قَامَ بِهَذا العَمَلِ العَظيمِ وَخَلَّصَ الجَميعِ وَحَرَّرَ كُلَّ إسْرائيل، لِيُخَلِّصْ نَفْسَهُ. سُخْرِيَةٌ تَامَّةٌ! وَهُمْ فَخورونَ، بالمُناسَبَة، في إلْحاقِ الهَزيمَةِ بِهَذا المَلِكِ الزَّائِف. فَخورونَ جِدًّا. وهُمْ يُعْلِنونَ أنَّهُمْ يَتَحَمَّلونَ المَسؤوليَّةَ إذْ قَالوا "دَمُهُ عَلَيْنا وَعلى أوْلادِنا". وَفْقًا لِبِشَارَةِ مَتَّى (مَتَّى 27: 42): "خَلَّصَ آخَرِينَ وَأَمَّا نَفْسُهُ فَمَا يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَهَا! إِنْ كَانَ هُوَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ فَلْيَنْزِلِ الآنَ عَنِ الصَّلِيب فَنُؤْمِنَ بِهِ! قَدِ اتَّكَلَ عَلَى اللهِ، فَلْيُنْقِذْهُ الآنَ إِنْ أَرَادَهُ! لأَنَّهُ قَالَ: أَنَا ابْنُ اللهِ!" وَلَعَلَّكُمْ تَعْلَمونَ أنَّهُمْ نَطَقُوا بِهَذِهِ الكَلِماتِ دُوْنَ أنْ يَدْرُوا مَا يَقولون. اسْتَمِعُوا إلى هَذِهِ الكَلِمات. فَالمَزْمور 22 يُشيرُ إلى صَليبِ المَسيح. إنَّهُ نُبوءَة. وَهُوَ يَبْتَدِئُ بِهَذِهِ الكَلِمات: "إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي". هَلْ تَبْدو هَذِهِ الكَلِماتُ مَألوفَةً؟ إنَّها الكَلِماتُ نُفْسُها الَّتي نَطَقَ بِها يَسوعُ مِنْ عَلى الصَّليب. وَلَكِنْ لِنَنْتَقِلْ إلى العَدَدِ السَّابِعِ، المَزْمور 22 وَالعَدَد 7: "كُلُّ الَّذِينَ يَرَوْنَنِي يَسْتَهْزِئُونَ بِي. يَفْغَرُونَ الشِّفَاهَ، وَيُنْغِضُونَ الرَّأسَ ...". [وَهَذا هُوَ مَا فَعَلوهُ تَحْديدًا]. "... قَائِلِينَ: اتَّكَلَ عَلَى الرَّبِّ فَلْيُنَجِّهِ، لِيُنْقِذْهُ لأَنَّهُ سُرَّ بِهِ". إنَّ كُلَّ تِلْكَ السُّخْرِيَة وَرَدَتْ في هَذِهِ النُّبوءَةِ في المَزْمور. وَقَدْ تَمَّمُوها بِحَذافيرِها.

وَبالمُناسَبَة، يُمْكِنُكُمْ أنْ تَرْجِعُوا إلى الأصْحاحِ التَّاسِعِ مِنْ إنْجيل لُوقا، وَتَحْديدًا إلى العَدَدَيْن 20 و 35 لِتَرَوْا أنَّ يَسوعَ كانَ يُلَقَّبُ حَقًّا "مَسيح اللهِ" وَأنَّهُ كَانَ يُلَقَّبُ "مُخْتار الله". وَقَدْ كَانُوا يَعْلَمونَ أنَّهُ يَدَّعي ذَلِك. وَبالنِّسْبَةِ إليهِمْ كَانَ الأمْرُ مُجَرَّدَ أَمْرٍ سَخيفٍ. لذَلَكَ فَقَدْ جَعَلُوا الأمْرَ نُكْتَةً. وَلَعَلَّكُمْ تَذْكُرونَ أنَّ بُوْلُسَ يَقولُ في رِسالَتِهِ الأولى إلى أهْلِ كُورِنثُوس وَالأصْحاحِ الأوَّلِ أنَّ المَسيحَ المَصْلوبَ هُوَ "لِلْيَهُودِ عَثْرَةً، وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةً!" فَقَدْ كانُوا يَظُنُّونَ أنَّ أيَّ شَخْصٍ مُعَلَّقٍ عَلى شَجَرَة (وَفْقًا لِما جَاءَ في سِفْرِ التَّثْنِيَة 21: 23) هُوَ مَلْعُونٌ مِنَ اللهِ؛ وَبالتَّالي فإنَّ يَسوعَ مَلْعُونٌ مِنَ اللهِ. لِذَلِكَ فَقَدْ وَجَّهُوا إليهِ كُلَّ السُّخْرِيَةِ بِسَبَبِ ادِّعائِهِ بِأنَّهُ المَسِيَّا وَالمَلِكُ الحَقيقيُّ الَّذي كانُوا يَتَرَقَّبونَ مَجيئَهُ. وَلَكِنْ كَيْفَ يُمْكِنُ لِذَلِكَ أنْ يَكونَ صَحيحًا؟ إنَّهُ أمْرٌ مُسْتَحيل! وَقَدْ دَبَّرَ القَادَةُ هَذا الأمْرَ وَتَلاعَبُوا بِعُقولِ النَّاسِ. ولكنَّهُم لم يكونوا يَعْلَمونَ، كَمَا ذَكَرْتُ، أنَّهُ مَلْعُونٌ مِنَ اللهِ. فَقَدْ كانَ هَذا صَحيحًا. كَذَلِكَ، نَقْرَأُ في سِفْرِ إشَعْياء 53: 4: "وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَابًا مَضْرُوبًا مِنَ اللهِ وَمَذْلُولاً". وَنَقْرَأُ في العَدَد 10: "أَمَّا الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحَزَنِ". وَقَدْ نَظَرَ بولسُ إلى الوَراءِ وَقالَ إنَّهُ صَارَ لَعْنَةً لأجْلِنا. وَلَكِنَّ الأمْرَ كَانَ مَهْزَلَةً للنَّاسِ.

وَهُناكَ فِئَةٌ ثَالِثَةٌ. فَقَدْ رَأيْنا الشَّعْبَ الذي لا يَرْحَم. وَقَدْ رَأيْنا القَادَةَ الَّذينَ لا يَرْحَمون. وَثالِثًا، هُناكَ الجُنودُ الَّذينَ لا يَرْحَمون. العَدَد 36: "وَالْجُنْدُ أَيْضًا اسْتَهْزَأُوا بِهِ وَهُمْ يَأتُونَ وَيُقَدِّمُونَ لَهُ خَلًّا، قَائِلِينَ: «إِنْ كُنْتَ أَنْتَ مَلِكَ الْيَهُودِ فَخَلِّصْ نَفْسَكَ!»" إنَّهُمْ لا يَعْرِفونَ أيَّ شَيءٍ عَنِ اللَّاهوتِ اليَهودِيِّ. وَلَكِنَّهُمْ انْضَمُّوا إلى اللُّعْبَة. وَقَدْ فَعَلُوا الشَّيءَ نَفْسَهُ. لَقَدْ سَخِرُوا مِنْهُ، هَؤلاءِ الجُنودُ الَّذينَ لا يَرْحَمون. فَقَدْ اسْتَهْزَأوا بِهِ. هَذا هُوَ مَعْنى الكَلِمَة اليُونانيَّة المُسْتَخْدَمَةُ هُنا. وَقَدْ آلَموهُ أكْثَرَ إذْ سَخِرُوا مِنْهُ في وَجْهِهِ وَهُوَ مَصْلُوبٌ ويتألَّم. وَفي مَشْهَدٍ سَاخِرٍ تَظاهَرُوا فيهِ بِتَعْظيمِهِ وَخِدْمَتِهِ كَما لَوْ كَانَ مَلِكًا، قَدَّمُوا لَهُ خَلًّا لاذِعًا. وَهُناكَ مُنَاسَبَتانِ مَعْرُوفَتانِ وَتَقْتَرِنانِ بوضوحٍ بِوَقْتِ صَلْبِ المَسيحِ قُدِّمَ لَهُ شَيْئًا لِيَشْرَب. الأولى هِيَ عِنْدَما أَخَذوهُ إلى مَوْضِعِ الصَّلْب. وَلَعَلَّكُمْ تَذْكُرونَ أنَّهُمْ قَدَّمُوا لَهُ شَرابًا مُخَدِّرًا رُبَّما كانَ يَسْتَخْدَمُ لِتَخْديرِ الشَّخْصِ قَليلًا لِتَسْهيلِ تَسْميرِهِ عَلى الصَّليبِ دُوْنَ عِراكٍ. وَلَكِنَّ يَسوعَ رَفَضَ أنْ يَشْرَبَ ذَلِك. أَتَذْكُرون؟

ثُمَّ عِنْدَما شَارَفَ عَلى المَوْتِ، أيْ بَعْدَ سِتِّ سَاعاتٍ، في النِّهايَة، في السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ بَعْدَ الظُّهْرِ عِنْدَما أَشْرَفَ عَلى المَوْتِ، قَال: "أنا عَطْشان". فَمَلأُوا إِسْفِنْجَةً خَلًّا وَوَضَعُوهَا عَلَى عَصَا وَقَدَّمُوهَا إِلَى فَمِهِ. وَيَبْدو لي أنَّ هَذِهِ المَرَّةَ كانَتْ مُخْتَلِفَةً عَنِ المَرَّتَيْنِ السَّابِقَتَيْن. فَيَبْدو لي أنَّ هَذِهِ كانَتْ جُزْءًا مِنَ اللُّعْبَةِ الَّتي كَانُوا يَلْعَبونَها. فَمِنَ المُؤكَّدِ أنَّهُمْ لَمْ يُعْطُوهُ خَلًّا اسْتِجابَةً لِطَلَبِهِ. ولا يَبْدو أنَّهُمْ قَدَّمُوا لَهُ شَرابًا مُخَدِّرًا لأنَّهُ كانَ مُعَلَّقًا هُناك وَلأنَّ السُّخْرِيَةَ كَانَتْ في أَوْجِها. وَيَبْدو لي أنَّهُمْ كَانُوا يُقَدِّمُونَ الخَلَّ لَهُ وَيَقولونَ لَهُ، في الوَقْتِ نَفْسِهِ: "إِنْ كُنْتَ أَنْتَ مَلِكَ الْيَهُودِ فَخَلِّصْ نَفْسَكَ!" فَقَدْ كَانُوا يَتَظاهَرونَ بِتَعْظيمِهِ، كَما لَوْ كَانُوا يُقَدِّمونَ خَمْرًا مُلوكِيًّا إلى المَلِك. وَقَدِ انْحَدَرَ الهُزْءُ هُنا إلى أَحَطَّ مُسْتَوياتِه. وَكانَ الجُنودُ الرُّومانُ يَشْرَبونَ خَمْرًا رَخيصًا. وَكانُوا يُقَدِّمونَهُ لَهُ في تَقْليدٍ أعْمى للقَادَةِ، وَفي تَقْليدٍ أَعْمى للنَّاسِ – مُظْهِرينَ السُّخْرِيَةَ نَفْسَها.

يُقَدِّمُ العَدَد 38 مُلاحَظَةً مُهِمَّةً جِدًّا في النَّصِّ: "وَكَانَ عُنْوَانٌ مَكْتُوبٌ فَوْقَهُ "هذَا هُوَ مَلِكُ الْيَهُودِ". وَلا شَكَّ أنَّ هَذِهِ هِيَ الفِكْرَة الَّتي مَهَّدَتْ للمَسْرَحِيَّةِ الكُوميديَّةِ بِمُجْمَلِها. فَقَدْ كَانَ كُلُّ مَا حَدَثَ يَدورُ حَوْلَ تِلْكَ الفِكْرَة. وَلَكِنْ مِنْ أيْنَ جَاءَتْ تِلْكَ اللَّافِتَة؟ إنَّ يُوحَنَّا 19 يُجيبُ عَنْ ذَلِك. فَنَحْنُ نَعْلَمُ مِنَ التَّاريخِ أنَّهُ عِنْدَما كانَ النَّاسُ يُصْلَبون، كانَتْ جَريمَتُهُمْ تُعَلَّقُ. وَحَيْثُ إنَّ يَسوعَ لَمْ يَرْتَكِبْ جَريمَةً، لَمْ تَكُنْ هُناكَ لافِتَةٌ تُعَلَّقُ فَوْقَهُ. لِذَلِكَ فَقَدْ قَرَّرَ بيلاطُس ما يَنْبَغي أنْ يُكْتَبَ عَلى اللَّافِتَة. يُوحَنَّا 19: 19. وَكَتَبَ بيلاطُسُ عُنْوانًا وَوَضَعَهُ عَلى الصَّليب. إذًا، كانَ هَذا قَرار بيلاطُس. وَكَانَ مَكْتُوبًا: "يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ مَلِكُ الْيَهُودِ". وَإذا جَمَعْتَ مَا كَتَبَهُ مَتَّى، وَمَرْقُس، وَلُوقا، وَيُوحَنَّا، فَإنَّ اللَّافِتَةَ كانَتْ تَقولُ فِعْلِيًّا: "هَذا هُوَ يَسوعُ النَّاصِرِيُّ، مَلِكُ اليَهود". فَقَدْ كَانَ كُلُّ هَذا مَكْتوبًا على اللَّافِتَة. لِذَلِكَ كانَتْ هَذِهِ هِيَ الكِتابَةُ الَّتي قَرَأها اليَهود لأنَّ المَكانَ الَّذي صُلِبَ فيهِ يَسوعُ كَانَ قَريبًا مِنَ المَدينَة. وَهَذا هُوَ، مَرَّة أُخرى، سَبَب وُجودِ حَشْدٍ كَبير. وَقَدْ كُتِبَ ذَلِكَ على اللَّافِتَة بِأَحْرُفٍ عِبْرانِيَّةٍ وَرُومَانِيَّةٍ وَيُونَانِيَّة. فَقَدْ أرادَ بيلاطُس أنْ يَعْرِفَ الجَميعُ ذَلِكَ. لِذَلِكَ فَقَدْ قالَ رُؤساءُ الكَهَنَةِ وَاليَهودُ لبيلاطُس: "لاَ تَكْتُبْ: مَلِكُ الْيَهُودِ، بَلْ: إِنَّ ذَاكَ قَالَ: أَنَا مَلِكُ الْيَهُودِ!" أَجَابَ بِيلاَطُسُ: "مَا كَتَبْتُ قَدْ كَتَبْتُ". وَهَكَذا فَقَدْ رَفَضَ بيلاطُسُ أنْ يُغَيِّرَ ما كَتَبَ لأنَّ هَذِهِ كانَتْ طَريقَةَ بيلاطُس في السُّخْرِيَةِ مِنْهُم. فَقَدْ سَخِرُوا مِنْهُ. وَقَدْ وِضَعُوهُ في مَوْقِفٍ لا يُحْسَدُ عَلَيْهِ وَابْتَزُّوهُ لِيَصْلِبَ رَجُلًا كانَ يَعْلَمُ أنَّهُ بَريء. وَحَتَّى إنَّ زَوْجَتَهُ قَالَتْ لَهُ أنْ يَغْسِلَ يَدَيْهِ مِنْ هَذا الرَّجُلِ البَريء. وَقَدْ قَالَ بيلاطُس بِضْعَ مَرَّاتٍ: "لا أَجِدُ عِلَّةً فيه". وَلَمْ يَجِدْ هيرودُسُ عِلَّةً فيه. لِذَلِكَ فَقَدْ بَدا بيلاطُسُ كَالأبْلَهِ، وَهُوَ لَنْ يَتْرُكَ الأمْرَ يَمْضي هَكَذا. لِذَلِكَ فَقَدْ أرادَ أنْ يَقْلِبَ الطَّاوِلَةَ وَأنْ يَجْعَلَهُمْ كالمُغَفَّلين. وَقَدْ كانَتْ تِلْكَ نُكْتَة بيلاطُس الصَّغيرَة. هَذا هُوَ يَسوعُ النَّاصِرِيُّ، مَلِكُ اليَهود. وَقَدْ قالُوا لَهُ أنْ يُغَيِّرَ اللَّافِتَةَ وَأنْ يَكْتُبَ إنَّ ذاكَ (أيْ: يَسوعَ) قَالَ: "أنا مَلِكُ اليَهود!" وَلَكِنَّهُ أَجابَهُمْ قائِلًا: "مَا كَتَبْتُ قَدْ كَتَبْتُ". لِذَلِكَ، كانَ النَّاسُ يَسْخَرُونَ مِنْ يَسوع، وَكانَ بيلاطُسُ يَسْخَرُ مِنَ النَّاس.

وبالمُناسَبَة، فَإنَّ وُجودَ لافِتَةٍ كَهَذِهِ في الأعْلى يُشيرُ إلى أنَّ الصَّليبَ كَانَ صَليبًا تَقْليديًّا مؤلَّفًا مِنْ خَشَبَةٍ طُوليَّةٍ تَمْتَدُّ إلى مَسافَةٍ أعلى مِنَ الخَشَبَةِ العَرْضِيَّةِ وَتُوْضَعُ عَلَيْها اللَّافِتَة. لِذا فَهُوَ لَمْ يَكُنْ صَليبًا بِشَكْلِ حَرْفِ (T) بالإنجليزيَّة – لأنَّ اللَّافِتَةَ كَانَتْ فَوْقَ رَأسِهِ. وَهُناكَ أمْرٌ آخَرُ يَخْتَصُّ بالجُنودِ في العَدَد 34، في نِهايَةِ العَدَد: "وَإِذِ اقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ اقْتَرَعُوا عَلَيْهَا". وَبالمُناسَبَة، كَانَ هَذا هُوَ الإجْراءُ المُتَّبَعُ دَائِمًا. فَقَدْ كانَ يُسْمَحُ لِمُنَفِّذي الإعْدامِ أنْ يَحْتَفِظُوا بِثِيابِ الأشْخاصِ الَّذينَ يَتِمُّ إعْدامُهُم. وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ نَوْعًا مِنَ المُكافَأةِ الصَّغيرَة عَلى عَمَلِهِم، أوْ رُبَّما حَافِزًا. وَنَجِدُ مَزيدًا مِنَ التَّفاصيلِ عَنْ هَذا الأمْرِ في إنْجيل يُوحَنَّا لأنَّ يُوحَنَّا يُقَدِّمُ لَنا مَعلوماتٍ أكْثَر عَمَّا فَعَلَهُ الجُنودُ تَحْديدًا. فَنَحْنُ نَقْرَأُ في إنْجيل يُوحَنَّا 19: 23: "ثُمَّ إِنَّ الْعَسْكَرَ لَمَّا كَانُوا قَدْ صَلَبُوا يَسُوعَ، أَخَذُوا ثِيَابَهُ وَجَعَلُوهَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ". لَقَدْ جَعَلوها أرْبَعَةَ أقْسامٍ. فَقَدْ كَانَتْ مَلابِسُ الرِّجالِ تَتَألَّفُ مِنْ أرْبَعَةِ أقْسامٍ في تِلْكَ الأيَّام. فَقَدْ كانَ هُناكَ رِداءٌ خَارِجِيٌّ يُبْقي المَرْءَ دَافِئًا، وَهُوَ يُشْبِهُ المِعْطَف. وَكانُوا يَنامونَ عَلَيْهِ وَيَسْتَخْدِمونَهُ كَبَطَّانِيَّة. وَكانَ هُناكَ الحِذاءُ أوِ الصَّنْدَل. وَكانَ هُناكَ غِطاءُ الرَّأسِ. وَكانَتْ هُناكَ مِنْطَقَةٌ أوِ حِزامٌ. أرْبَعَةُ أَقْسامٍ.

وَنَحْنُ نَعْلَمُ أنَّ مُهِمَّةَ الصَّلْبِ كَانَتْ تُوْكَلُ إلى أرْبَعَةِ جُنودٍ رُومان. وَإذا نَظَرْتُم إلى أعْمالِ الرُّسُل 12: 4، سَتَقْرَأونَ عَنْ أَرْبَعَةِ أَرَابعَ مِنَ الْعَسْكَرِ. فَقَدْ كانَتْ مَجْموعَاتٌ رُباعِيَّةٌ مِنَ الجُنود. وَالحَقيقَةُ هِيَ أنَّ المَجْموعَة الكَامِلَةَ كانَتْ تَتَألَّفُ مِنْ أرْبَعَةِ وِحْداتٍ تَتَألَّفُ كُلٌّ مِنْها مِنْ أرْبَعَةِ جُنودٍ. لِذَلِكَ، مِنَ المُرَجَّحِ أنَّ فِرْقَةَ الإعْدامِ كانَتْ تَتَألَّفُ مِنْ أرْبَعَةِ جُنودٍ. لِذَلِكَ كَانَ بِمَقْدورِهِمْ أنْ يُوَزِّعُوا القِطَعَ الأرْبَعَ عَلَيْهِمْ فَيَأخُذُ كُلٌّ مِنْهُمْ قِطْعَةً وَاحِدَةً. وَلَكِنْ كانَ هُناكَ أيْضًا قَميصٌ يُشْبِهُ الثَّوْبَ. وَكانَ هَذا القَميصُ بِغَيْرِ خِياطَة. فَقَدْ كَانَ مَنْسُوجًا قِطْعَةً واحِدَةً. لِذَلِكَ فَقَدْ قَالُوا: "لاَ نَشُقُّهُ، بَلْ نَقْتَرِعُ عَلَيْهِ لِمَنْ يَكُونُ. لِيَتِمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ: «اقْتَسَمُوا ثِيَابِي بَيْنَهُمْ، وَعَلَى لِبَاسِي أَلْقَوْا قُرْعَةً»". وَهَذا أيْضًا جَاءَ في المَزْمور 22.

إذَنْ، هَذا هُوَ مَا فَعَلوه. فَقَدْ أَلْقُوا قُرْعَةً، وَقَسَّمُوا ثِيابَهُ بَيْنَهُمْ فَأَخَذَ كُلٌّ مِنْهُمْ قِطْعَةً. وَقَدْ فَازَ أَحَدُهُمْ بالقَميص. وَعِنْدَما تُفَكِّرونَ في ذَلِكَ تُدْرِكونَ أنَّ يَسوعَ جُرِّدَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. فَقَدْ جُرِّدَ مِنْ مَلابِسِهِ وَتُرِكَ عُرْيانًا مَا خَلا قِطْعَةَ قُماشٍ تُغَطِّي عَوْرَتَهُ. وَقَدْ كَانُوا يَفْعَلونَ كُلَّ مَا في وُسْعِهِمْ لِتَجْريدِهِ مِنْ كَرامَتِهِ، إنْ تَبَقَّى شَيءٌ مِنْها. فَقَدْ أَرادُوا أنْ يَجْعَلوهُ مَهْزَلَةً لِكَيْ يَمْحُوا كُلَّ أَثَرٍ لِكَرامَتِهِ. فَقَدْ كانَ مُعَلَّقًا هُناكَ عُرْيانًا. وَلا يَسَعُنا أنْ نُفَكِّرَ في ذَلِكَ دُوْنَ أنْ نَتَذَكَّرَ أنَّهُ عِنْدَما وَقَعَ آدَمُ وَحَوَّاءُ في الخَطِيَّةِ، عَلِمَا حَالًا أنَّهُما ماذا؟ عُرْيانَان. وَالعُرْيُ يَقْتَرِنُ بالشُّعورِ بالعَارِ الأخلاقِيِّ وَيَرْمِزُ إليهِ وَإلى الشُّعورِ بالخِزْيِ أَمامَ الله. وَقَدْ حَاوَلا أنْ يُغَطِّيَا عَوْرَتَيْهِما، وَلَكِنَّهُما أَخْفَقا. ثُمَّ تَدَخَّلَ اللهُ (في الأصْحاحِ الثَّالِثِ مِنْ سِفْرِ التَّكوينِ) وَذَبَحَ حَيَوانًا وَصَنَعَ لَهُما أَقْمِصَةً لِتَغْطِيَةِ ذَاكَ العَارِ وَذاكَ العُرْيِ الَّذي هُوَ رَمْزٌ للعَارِ الأدَبِيِّ وَالشُّعورِ بالذَّنْب. وَقَدْ صَنَعَ اللهُ بِنَفْسِهِ غِطاءً. وَفي الجُلْجُثَة، صَارَ يَسوعُ عُرْيانًا بَدَلًا عَنَّا. وَقَدْ كَانَ يَسوعُ في حَالَةٍ تَرْمِزُ إلى العَارِ الأدَبِيِّ وَالشُّعورِ بالخِزْيِ أَمامَ اللهِ. وَلَكِنَّهُ لَمْ يُعْطَ غِطاءً، بَلْ دِيْنَ. فَقَدْ صَارَ مَلْعُونًا مِنَ اللهِ في عُرْيِهِ ذَاكَ الَّذي لَمْ يَكُنْ عُرْيًا خَاصًّا بِهِ، بَلْ هُوَ عَارُنا نَحْنُ. لَقَدْ كَانَ يَسوعُ عُرْيانًا بَدَلًا مِنَّا. وَيَسوعُ العُرْيانُ، رَمْزًا لِعَارِنا الأدَبِيِّ وَخِزْيِنا الأدَبِيِّ، لَمْ يَجِدْ غِطاءً مِنَ الله. بَلْ إنَّهُ دِيْنَ مِنَ اللهِ إذْ إنَّ اللهَ سَكَبَ جَامَ غَضَبِهِ عَلى ذَلِكَ العُرْي. وَيَسوعُ، الَّذي صَارَ عُرْيانًا لأجْلِنا، صَارَ غِطاءً لَنا. لَقَدْ صَارَ لَنا غِطاءً. فَهُوَ الحَمَلُ الَّذي يُغَطِّينا. وقَدْ كانَتْ هَذِهِ سُخْرِيَة إلَهِيَّة.

وَأخيرًا، نَأتي إلى اللِّصَّيْنِ اللَّذَيْنِ كَانا بِلا رَحْمَة، في العَدَد 39: "وَكَانَ وَاحِدٌ مِنَ الْمُذْنِبَيْنِ الْمُعَلَّقَيْنِ يُجَدِّفُ عَلَيْهِ قَائِلاً: «إِنْ كُنْتَ أَنْتَ الْمَسِيحَ، فَخَلِّصْ نَفْسَكَ وَإِيَّانَا!»" إنَّهُ الشَّيءُ نَفْسُه. فَقَدْ كَانُوا جَميعًا يَلْعَبونَ اللُّعْبَة نَفْسَها. وَواحِدٌ مِنَ اللِّصَّيْن ... إنَّ لُوْقا يَذْكُرُ وَاحِدًا فَقَط. لَكِنَّ مَتَّى وَمَرْقُسَ يُخْبِرانا بَقِيَّةَ القِصَّة. وَإلَيْكُمْ مَا يَقولُهُ مَتَّى (مَتَّى 27: 44): "وَبِذلِكَ أَيْضًا كَانَ اللِّصَّانِ اللَّذَانِ صُلِبَا مَعَهُ يُعَيِّرَانِهِ". كِلاهُما (بِصِيْغَةِ المُثَنَّى). وَفي إنْجيل مَرْقُس 15: 32: "وَاللَّذَانِ صُلِبَا مَعَهُ كَانَا يُعَيِّرَانِهِ". فَقَدِ اشْتَرَكا كِلاهُما. هُناكَ الشَّعْبُ، وَالرُّؤساءُ جَميعًا، وَالجُنودُ جَميعًا، وَكِلا اللِّصَّيْنِ. وَكُلُّ مَا يَفْعَلُهُ لُوقا هُوَ أنَّهُ يُدَوِّنُ لَنا مَا قَالَهُ أحَدُ اللِّصَّيْنِ، وَلَكِنَّهُما كَانا كِلَيْهِما يُعَيِّرانِهِ: "إِنْ كُنْتَ أَنْتَ الْمَسِيحَ ..." بِلَهْجَةٍ تَهَكُّمِيَّةٍ وَسَاخِرَة... "... فَخَلِّصْ نَفْسَكَ وَإِيَّانَا!" لَقَدْ كانَ الأمْرُ كُلُّهُ خَالِيًا مِنَ الشَّفَقَة. وَعلى النَّقيضِ مِنْ هَذا المَوْقِفِ وَهَذِهِ الإهانَةِ الخَالِيَةِ مِنَ الشَّفَقَة، لِنَنْظُرْ إلى شَفاعَةِ المَسيحِ الرَّحيمَة. وَيا لَهُ مِنْ أمْرٍ مُدْهِشٍ حَقًّا! بَلْ إنَّهُ صَادِمٌ! العَدَد 34: وَأمَّا يَسوعُ فَقال: "يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ". إنَّهُ أمْرٌ مُدْهِشٌ حَقًّا! فَلا جِدالَ أنَّ مَا كانَ في تِلْكَ القُلوبِ الشِّرِّيرَةِ وَمَا صَدَرَ عَنْ تِلْكَ الأفْواهِ الشِّرِّيرَةِ على ابْنِ اللهِ هُوَ تَجْديفٌ مُريعٌ، وَاعْتِداءٌ سَافِرٌ عَلى القَداسَةِ. وَهِيَ أَحَطُّ خَطِيَّةٍ اقْتُرِفَتْ. إنَّهُ الشَّرُّ في أَدْنى مُسْتَوياتِهِ. وَقَدْ كانَ ذَلِكَ يَسْتَوْجِبُ اللَّعْنَةَ الإلَهِيَّةَ، وَالتَّهْديدَ الإلَهِيَّ، وَالانْتِقامَ الإلَهِيَّ، وَالعِقابَ الإلَهِيَّ، وَالدَّيْنونَةَ الإلَهِيَّة. فَما فَعَلوهُ هُوَ ظُلْمٌ لا مَثيلَ لَهُ، وَتَعَدٍّ يَصْعُبُ وَصْفُه. أنَّهُ تَجْديفٌ فَوْقَ تَجْديف. وَهِيَ إهانَة تَعْقُبُها إهانَة، وَإسَاءَةٌ تَعْقُبُها إسَاءَة، وَتَدْنيسٌ لا يُعْقَل. وَقَدْ نَتَوَقَّعُ مِنْ يَسوعَ أنْ يَسْكُبُ غَضَبَهُ عَلَى هَؤلاءِ جَميعًا، وَأنْ يَدينَهُمْ، وَأنْ يَجْعَلَهُمْ يَدْفَعُونَ ثَمَنَ إسَاءاتِهِمْ وَتَعَدِّياتِهِمِ السَّافِرَةِ فَوْرًا وَحَالًا. وَلَكِنَّهُ لا يَفْعَلُ ذَلِك!

وَعِوَضًا عَنْ ذَلِكَ فَإنَّهُ يَقول: "يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ". إنَّهُ يَطْلُبُ مِنَ اللهِ (الآبِ) أنْ يَغْفِرَ لَهُمْ. وَقَدْ نَطَقَ يَسُوعُ بِسَبْعَةِ أقْوالٍ مِنْ عَلى الصَّليب. فَقَدْ قَالَ لأَحَدِ اللِّصَّيْنِ: "إِنَّكَ الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ". وَقَدْ خَاطَبَ أُمَّهُ وَيُوحَنَّا فَقال: "هُوَذَا ابْنُكِ. هُوَذَا أُمُّكَ". وَبِذَلِكَ فَقَدْ أَوْكَلَ مَسؤوليَّةَ العِنايَةِ بِأُمِّهِ إلى الرَّسولِ يُوحَنَّا الذي كَانَ يَقِفُ بَعيدًا، بَعيدًا عَنْهُ. ثُمَّ صَارَتْ ظُلْمَةٌ على الأرْضِ كُلِّها لِثَلاثِ سَاعاتٍ فَلَمْ يَنْطِقْ يَسوعُ بِكَلِمَة. وَبَعْدَ زَوالِ الظُّلْمَةِ، قَالَ يَسوعُ مُخاطِبًا اللهَ (الآبَ): "إلَهي! إلَهي! لِماذا تَرَكْتَني؟" ثُمَّ تَكَلَّمَ إلى الجُنودِ فَقال: "أَنَا عَطْشَانُ". فَأعْطُوهُ الإسْفِنْجَة. ثُمَّ قَالَ مُخاطِبًا نَفْسَهُ: "قَدْ أُكْمِل". ثُمَّ خَاطَبَ الآبَ قائِلًا: "فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي". وَلَكِنَّ أوَّلَ شَيءٍ قَالَهُ (قَبْلَ هَذا كُلِّهِ) هُوَ: "يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُون". لَقَدْ كانَتْ كَلِماتُهُ الأولى كَلِماتٍ طَلَبَ فيها الغُفْرانَ الإلَهِيَّ لأسْوَأِ زُمْرَةٍ مِنَ الخُطاةِ في العَالَم. وَلا شَكَّ أنَّ مَا فَعَلَهُ يَسوعُ يُذَكِّرُنا بالأبِ الَّذي رَكَضَ لاحْتِضانِ ابْنِهِ الضَّالِّ بالرَّغْمِ مِنْ رَائِحَتِهِ الكَريهَة. ألَيْسَ كَذَلِك؟ وَلَكِنْ أَلا يُفاجِئُنا ذَلِك؟ بَلْ إنَّ يَسوعَ قَالَ إنَّ مَنْ يُغْفَرْ لَهُ الكَثيرَ يُحِبُّ كَثيرًا. لِذَلِكَ فَقَدْ بَادَرَ إلى تَقْديمِ الغُفْرانِ الكَثيرِ لِهَؤلاءِ الخُطاةِ مَنْتَظِرًا مِنْهُمْ أنْ يُظْهِرُوا لَهُ حُبًّا كَبيرًا.

وَيَقولُ بُطْرُسُ إنَّهُ عْنَدما كانَ يَسوعُ يُشْتَمُ فَإنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَشْتِمُ عِوَضًا، وَإنَّهُ عِنْدَما كَانَ يُسَاءُ إليهِ لَمْ يَكُنْ يَسْعى إلى الانْتِقام. رِسالَةُ بُطْرُسَ الأولى 2: 23 و 24. وَقَدْ تَعَلَّمَ اسْتِفانُوس هَذا الدَّرْسَ. فَعِنْدَما رَأى اسْتِفانُوس أنَّهُ قَدْ أَوْشَكَ أنْ يَموتَ بِسَبَبِ رَجْمِهِ بِتِلْكَ الحِجارَةِ، قَالَ (مُتَمَثِّلًا بِسَيِّدِهِ): "يَا رَبُّ، لاَ تُقِمْ لَهُمْ هذِهِ الْخَطِيَّةَ". وَهَذِهِ صَلاةٌ عَامَّةٌ. وَلِكَيْ نَفْهَمَ مَا قَصَدَهُ بِها، فَإنَّها صَلاةٌ عَامَّةٌ مُوَجَّهَةٌ إلى جَميعِ النَّاسِ لِكَيْ يَعْلَمُوا أنَّهُ لا تُوْجَدُ خَطيئَةٌ ضِدَّ ابْنِ اللهِ أكْبَرَ مِنْ أنْ تُغْفَرَ إنْ تَابَ الإنْسانُ. هَذِهِ هِيَ الرِّسالَة. فَما دَامَ هُناكَ غُفْرانٌ لِهَؤلاءِ النَّاسِ، فَإنَّ هُناكَ غُفْرانًا لِكُلِّ إنْسان. فَلا يُمْكِنُكَ أنْ تَتَفَوَّقَ عَلى ذَلِك. وَلَكِنَّها لَيْسَتْ صَلاةً عَامَّةً فَقَط. فَهِيَ صَلاةٌ خَاصَّةٌ. فَعِنْدَما قَالَ: "يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُون"، كَانَ يَعْلَمُ مَنْ هُمْ "هَؤلاء" لأنَّهُ في يَوْمِ الخَمْسين آمَنَ بالمَسيحِ ثَلاثَةُ آلافِ يَهُودِيٍّ في أُورُشَليم وَابْتَدَأتِ الكَنيسَة. وَفي غُضونِ أسَابيعٍ قَليلَة، آمَنَ نَحْوَ خَمْسَةِ آلافِ شَخْصٍ، ثُمَّ آمَنَ آخَرونَ وَآخَرونَ وَصَارَ هُناكَ عَشَراتُ الآلافِ مِنَ الأشْخاصِ في أورُشَليمَ مِمَّنْ آمَنُوا بيسوعَ المَسيح. وَمِنَ المُؤكَّدِ أنَّ كَثيرينَ مِمَّنْ آمَنُوا بالمَسيحِ في الأسابيعِ الَّتي أَعْقَبَتْ قِيامَتَهُ كَانُوا مِنْ بَيْنِ الشَّعْبِ (الَّذي جَدَّفَ عَلَيْهِ عِنْدَ الصَّليب). لِذَلِكَ فَقَد كانَتْ صَلاةُ يَسوعَ عَامَّةً لأنَّها تَقولُ للنَّاسِ جَميعًا إنَّ الخَاطِئَ الَّذي يَتوبُ وَيَأتي إلى المَسيحِ سَيَجِدُ غُفْرانًا مِنْ أَسْوَأِ جَريمَةٍ اقْتَرَفَها. وَلَكِنَّها أيْضًا صَلاة خَاصَّة لأنَّ اللهَ يَعْلَمُ قَبْلِ تَأسيسِ العَالَمِ مَنْ مِنْ هَؤلاءِ النَّاسِ سَتُغْفَر خَطاياه حَقًّا. وَقَدْ وُلِدَتْ كَنيسَةٌ مِنْ هَؤلاءِ النَّاسِ الَّذينَ وَقَفُوا في الجُلْجُثَة وَسَخِروا مِنِ ابْنِ اللهِ. فَقَدْ صَارُوا أوَّلَ كَنيسَة. وَلَيْسَ هَذا فَقَط، بَلْ كَانَ هُناكَ جُنْدِيٌّ مِنْ بَيْنِ الجُنودِ. فَقَدْ نَالَ أحَدُهُمُ الخَلاص. فَنَحْنُ نَقْرَأُ في لُوقا 23: 47: "فَلَمَّا رَأَى قَائِدُ الْمِئَةِ مَا كَانَ، مَجَّدَ اللهَ قَائِلاً: «بِالْحَقِيقَةِ كَانَ هذَا الإِنْسَانُ بَارًّا!»" وَيَقولُ مَتَّى إنَّهُ نَطَقَ بِكَلِماتٍ إضَافِيَّةٍ هِيَ: "حَقًّا كَانَ هذَا ابْنَ اللهِ!" وَبالمُناسَبَة، لا أظُنُّ أنَّ الأمْرَ اقْتَصَرَ عَلى قَائِدِ المِئَة. فَلْنَسْتَمِعْ إلى مَا جَاءَ في إنْجيل مَتَّى 27: 54: "وَأَمَّا قَائِدُ الْمِئَةِ وَالَّذِينَ مَعَهُ يَحْرُسُونَ يَسُوعَ فَلَمَّا رَأَوْا الزَّلْزَلَةَ وَمَا كَانَ، خَافُوا جِدًّا وَقَالُوا: «حَقًّا كَانَ هذَا ابْنَ اللهِ!»" وَقَدْ سُمِعَتْ الصَّلاةُ حَالًا. لَقَدْ شَكَّلَ بَعْضُ الحَاضِرينَ الكَنيسَةَ الأولى. وَقَدْ أكَّدَ بَعْضُ الجُنودِ لاهُوتَ يَسوعَ المَسيح. وَقَدْ مَجَّدَ قَائِدُ المِئَةِ الرُّومانِيُّ إلَهَ إسْرائيل الحَقيقيّ مُؤكِّدًا، هُوَ وَآخَرونَ، أنَّ يَسوعَ هُوَ ابْنُ اللهِ حَقًّا. وبالمُناسَبَة، فَإنَّ بَعْضًا مِنَ القَادَةِ قَالُوا ذَلِكَ أيْضًا. فَنَحْنُ نَقْرَأُ في سِفْرِ أعْمالِ الرُّسُل 6: 7: "وَكَانَتْ كَلِمَةُ اللهِ تَنْمُو، وَعَدَدُ التَّلاَمِيذِ يَتَكَاثَرُ جِدًّا فِي أُورُشَلِيمَ ..." [ثُمَّ اسْتَمِع إلى هَذا:] "... وَجُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الْكَهَنَةِ يُطِيعُونَ الإِيمَان". وبالمُناسَبَة، فَقَدْ قَالَ وَاحِدٌ مِنَ اللِّصَّيْنِ: "اذْكُرْنِي يَا رَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ". فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: "الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ".

مِنْ نَاحِيَة، كانَتْ هَذِهِ الصَّلاةُ صَلاةً عَامَّةً لأنَّها فَتَحَتْ بَابَ غُفْرانِ اللهِ عَلى مِصْراعَيْهِ أمامَ جَميعِ الَّذينَ رَفَضُوا يَسوعَ (في السَّابِقِ)، بِصَرْفِ النَّظَرِ عَنْ فَظاعَةِ الإسَاءاتِ الَّتي وَجَّهُوها إليهِ. وَلَكِنْ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخرى، فَإنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ صَلاةُ خَاصَّةٌ جِدًّا إذْ إنَّها أَعْطَتْ مَفْعولًا في الحَالِ في صُفوفِ النَّاسِ، وَفي صُفوفِ الجُنودِ، وَفي صُفوفِ المُجْرِمينَ، وَحَتَّى في صُفوفِ الكَهَنَة. وَالسُّخْرِيَةُ الكُبْرى في الجُلْجُثَة هِيَ أنَّهُ بالرَّغْمِ مِنْ كُلِّ هَذِهِ السُّخْرِيَةِ الَّتي وُجِّهَتْ إلى المَسيح، فَإنَّ لَعْنَةَ اللهِ الَّتي حَمَلَها كَانَتْ أسْوَأ مِنْ أيِّ إسَاءَةٍ وَجَّهُوهَا إليهِ. فَقَدْ تَظُنُّ أنَّهُ مِنَ السَّيِّئِ أنْ يَلْعَنُهُ النَّاسُ، وَلَكِنَّهُ لُعِنَ مِنَ الله. وَلَكِنْ مِنْ خِلالِ حَمْلِ اللَّعَناتِ مِنَ البَشَرِ وَاللَّعْنَةِ مِنَ اللهِ، قَدَّمَ (يَسوعُ) الكَفَّارَةَ الَّتي جَعَلَتِ الغُفْرانَ الَّذي صَلَّى لأجْلِهِ مُمْكِنًا.

نَشْكُرُكَ، يَا رَبّ، مَرَّةً أُخرى على هَذا المَشْهَدِ النَّابِضِ بالحَياةِ، وَعَلى غِناه، وَعَلى رَوْعَتِه الَّتي تَمْلأُ نُفوسَنا فَرَحًا وَشُكْرًا. وَهَذِهِ هِيَ صَلاةُ قَلْبي: أنْ نَتَمَتَّعَ جَميعًا بِعَلاقَةٍ حَقيقيَّةً مَعَ المَسيح، وَأنْ نَتَّكِلَ جَميعُنا عَلَيْهِ بِوَصْفِهِ الفَادي وَالمُخَلِّص الوَحيد، وَأنْ نَقْبَلَ الغُفْرانَ الَّذي يُقَدِّمُهُ لَنا – بَلْ وَحَتَّى للأشْخاصِ الَّذينَ جَدَّفُوا عَلى اسْمِهِ القُدُّوس. نَشْكُرُكَ عَلى عَظَمَتِكَ وَنِعْمَتِكَ. وَنَشْكُرُكَ لأنَّكَ ارْتَضَيْتَ أنْ تَحْمِلَ كُلَّ لَعَناتِ البَشَرِ، بَلْ وَحَتَّى لَعْنَةَ اللهِ، لِكَيْ تُقَدِّمَ الغُفْرانَ لِخُطاةٍ غَيْرِ مُسْتَحِقِّينَ نَظيرِنا. نَعَظِّمُكَ وَنُسَبِّحُكَ. وَلا عَجَبَ أنَّنا لا نَجِدُ القُوَّةَ الكَافِيَةَ لِكَيْ نُسَبِّحَ وَنُرَنِّمَ بِصَوْتٍ عَالٍ لِوَقْتٍ طَويل. وَالآنْ، تَمِّمْ عَمَلَكَ، يا رَبّ، في قَلْبِ كُلِّ شَخْصٍ وَأعْطِنا أنْ نَبْتَهِجَ بِهَذا العَمَل. نَشْكُرُكَ لأنَّنا كُنَّا هُناكَ، بالمَعْنى الحَقيقيِّ للكَلِمَة، في ذِهْنِ ابْنِكَ حِيْنَ قَالَ: "يا أبَتاه، اغْفِرْ لَهُمْ". فَنَحْنُ جُزْءٌ مِنْ "هَؤلاء". وَقَدْ نِلْنَا الغُفْران. فَنَحْنُ الأشْخاصُ الَّذينَ صَلَّى لأجْلِهِمْ وَالَّذينَ سَمِعْتَ أنْتَ صَلاتَهُ لأجْلِنا. نَشْكُرُكَ عَلى عَظَمَةِ الخَلاصِ الَّذي قَدَّمْتَهُ لَنا. وَلَيْتَكَ تَسْتَخْدِمَنا لإعْلانِ هَذا الخَلاص إلى أَقَاصِي الأرْضِ. نُصَلِّي هَذا باسْمِ مُخَلِّصِنا. آمين!

This sermon series includes the following messages:

Please contact the publisher to obtain copies of this resource.

Publisher Information
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969

Welcome!

Enter your email address and we will send you instructions on how to reset your password.

Back to Log In

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize
View Wishlist

Cart

Cart is empty.

Subject to Import Tax

Please be aware that these items are sent out from our office in the UK. Since the UK is now no longer a member of the EU, you may be charged an import tax on this item by the customs authorities in your country of residence, which is beyond our control.

Because we don’t want you to incur expenditure for which you are not prepared, could you please confirm whether you are willing to pay this charge, if necessary?

ECFA Accredited
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Back to Cart

Checkout as:

Not ? Log out

Log in to speed up the checkout process.

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize