31 كانون الأوَّل/ديسمبر 1978 (العِظَة الصَّباحيَّة)
لِنَنْظُر مَرَّةً أخرى إلى الأصحاح الخامس مِن رسالة أفسس والأعداد مِن 18 إلى 21. وهذا هو درسُنا السابع في هذا النص الرائع إذْ نَتقدَّم ببطء في رسالة أفسس - وتحديدًا في الأصحاح الخامس مِن رسالة أفسس والأعداد مِن 18 إلى 21. وسيكونُ الوقتُ في هذا الصباح أقصر قليلاً. لذلك سنَدخُل في صُلْبِ الموضوع لنرى ما يُريد الربُّ أن يقوله لنا. واسمحوا لي أن أقرأ هذا النص على مسامعكم مَرَّة أخرى. وسوف أبتدئ بالعدد 18 مِن أفسس 5: "وَلاَ تَسْكَرُوا بِالْخَمْرِ الَّذِي فِيهِ الْخَلاَعَةُ، بَلِ امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ، مُكَلِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ وَأَغَانِيَّ رُوحِيَّةٍ، مُتَرَنِّمِينَ وَمُرَتِّلِينَ فِي قُلُوبِكُمْ لِلرَّبِّ. شَاكِرِينَ كُلَّ حِينٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فِي اسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، للهِ وَالآبِ. خَاضِعِينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ فِي خَوْفِ اللهِ".
وكما ذَكرتُ، فقد أَمْضَيْنا سبعة دروس، أو هذا هو دَرسُنا السابع في هذا النص الرائع. وربما تعتقدون أنَّ هذا النصَّ القصير يمكن أن يُدْرَس في أَقَلّ مِنْ خمسِ أو سِتِّ ساعاتٍ أو ما شابه ذلك. والحقيقة هي أننا لم نقترب حَتَّى مِنَ استيعابِ الغِنى الكامِنِ هنا. فأنا أَرى (وأنا على يقينٍ أنَّ هذه هي نظرتكم أيضًا) أنَّ كلمة الله تُشبه البئر التي لا قَعْرَ لها. فكُلَّما اجتهدتُم في النَّهْلِ منها، زادت تَدَفُّقًا، وغِنًى، ووضوحًا، وامتلاءً. فكُلَّما زادَ تَعَمُّقي في دراسة الكتاب المقدَّس، زادَ إدراكي لحقيقة أنه مَعينٌ لا يَنْضُب. وكُلَّما حَفَرْتُ أكثر، زادَ اتِّساعُ الكَنْزِ الذي تَراه عَيناي. فهو بَحْرٌ لا يُسْبَر غَوْرُهُ. فواحدٌ مِن أروع اختبارات الخدمة هو أن تَحفر عميقًا وعميقًا وتجد أنه كُلَّما تَعمَّقتَ، زادَ الموضوعُ اتِّساعًا.
وكما تَعلمون، فإنَّ الجهلَ نِعمةٌ أحيانًا. فالمرءُ يَظُنُّ أنه قد فَهِمَ الموضوعَ بادئَ الأمر، ولكِنْ كُلَّما زادتْ دراستك للكتاب المقدَّس، زادَ اتِّساعًا أكثر فأكثر. لذا فإننا لم نَبتدئ بعد في استقصاء الأعماق الهائلة للمعنى المقصود هنا بالرغم مِن أننا صَرَفنا سِتَّة أو سبعة دروس في التأمل في هذا النص. ولكنَّ الحقَّ الرئيسيَّ في هذا النص سَهْلُ التَّمييز. فالحقُّ الرئيسيُّ في هذا المقطع القصير يَتلَّخص في أنَّ كُلَّ حياتِنا المسيحيَّة، أيْ كُلَّ هذه المسألة المختصَّة بالحياة المسيحيَّة، والسلوكِ كما يَحِقُّ للهِ، وفِكرةِ الاختبار المسيحيِّ بِرُمَّتها، تَقومُ على مبدأ الامتلاء بالروح.
وفي نهاية العدد 18، نَجِدُ الكلمات التالية: "بَلِ امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ"، أوِ: "استمرُّوا في الامتلاءِ بالرُّوح". وهذا يَصيرُ جَوهرَ المسألة المُختصَّة بالحياة المسيحيَّة. فعندما نَمتلئ مِنْ روحِ الله، أيْ عندما نكون تحت سيطرة الروح، ونتحرك بالروح، ونخضع للروح، وننقادُ بالروح القُدُس، وعندما تَعملُ حياتُنا وفقًا لِروحِ الله، عندئذٍ فقط يمكننا حَقَّا أنْ نَعرفَ قُدرةَ اللهِ في حياتنا. فلا يمكنك أن تَختبر قدرة الله أو أنْ تتحرك وَفْقًا لمشيئة الله، أو أنْ تَعرفَ مِلْءَ بَرَكَةِ الله إلَّا إذا امتلأتَ مِنْ روحِه. وفي الأصحاح الثالث مِن رسالة غلاطيَّة، قال الرسول بولس لمؤمني غلاطيَّة في العدد الثالث: "أَهكَذَا أَنْتُمْ أَغْبِيَاءُ! أَبَعْدَمَا ابْتَدَأْتُمْ بِالرُّوحِ تُكَمَّلُونَ الآنَ بِالْجَسَدِ؟" بعبارة أخرى: "أنتم تَعلمون أنكم وُلِدْتم ثانيةً مِنَ الروح، وأنتم تعلمون أنكم خَلَصْتم بالروح، وأنتم تعلمون أنكم اتَّحَدْتُم بجسد المسيح مِنْ خلالِ الروح. فهل تَظُنُّون أنكم بعد أنِ ابتدأتم بالروح يمكنكم أن تُكَمَّلوا بالجسد؟" والجوابُ البديهيُّ هو دون شك: "لا". فقد افتُدينا بروح الله. وقد وُلِدْنا ثانيةً مِن روح الله. وقد وُلِدْنا ثانيةً لا مِنْ زَرْعٍ يَفنى، بل مِمَّا لا يَفنى، بكلمة الله الحيَّة الباقية إلى الأبد - كما يقول بطرس. وحيثُ إننا ابتدأنا بالروح، فإننا لن نُكَمَّلُ إلَّا بالروح.
بعبارة أخرى، عندما نَصعَدُ سُلَّم النُّضج، فإننا لن ننمو إلَّا بقدر امتلائنا بالروح. فعندما لا نكونُ مُمتلئين بالروح أو خاضعين له، فإننا نتوقَّفُ ولا نعود نَنمو البتَّة. فأوقاتُ النُّموِّ في حياتنا هي الأوقات التي نكون فيها خاضعين للروح القدس. وحينئذٍ، بل حينئذٍ فقط، فإنَّ قوة الله تتدفق وتعمل فينا. فكل مؤمنٍ يمتلك الروح يحتاجُ أن يَخضعَ لحظةً تلو الأخرى لروح الله. وهذا هو مِفْتَاحُ هذا المقطع. وقد صَرَفنا وقتًا في الحديث عن ذلك. ويمكنني أن أساعدكم على زيادة فَهْمِكُم لذلك مِن خلال الإشارة إلى أنَّ جميع القادة البارزين في العهد الجديد كانوا يَتَّصِفون تَحديدًا بأنهم أشخاصٌ مُمتلِئونَ بالروح.
فعلى سبيل المثال، نقرأ عن يسوع المسيح نفسه في إنجيل لوقا 4: 1: "أَمَّا يَسُوعُ فَرَجَعَ ... مُمْتَلِئًا مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ". ونقرأ في إنجيل يوحنَّا 3: 34: "لأَنَّهُ لَيْسَ بِكَيْل يُعْطِي اللهُ الرُّوحَ". بعبارة أخرى، فإنَّ اللهَ لم يُعْطِهِ جُرعةً صغيرة مِنَ الروح، بل أعطاه مِلْءَ الروح. وقد قال يسوع: "إنَّ كُلَّ ما أَفعل إنَّما أفعله بقوة روح الله". فقد كان ممتلئًا مِن الروح القدس. وفيما يختص بيوحنَّا المَعمدان الذي جاءَ لِيُمَهِّد الطريق أمام ربنا يسوع المسيح، وهو أعظم رجل عاش حتى زمانه، نقرأ عنه في الأصحاح الأول مِن إنجيل لوقا: "وَمِنْ بَطْنِ أُمِّهِ يَمْتَلِئُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُس". وقد كانت أُمُّهُ "اليصابات" وأبوهُ "زكريَّا"، كانا كِلاهما مُمتلئين بالروح القدس.
وإذْ تَسيرونَ قُدُمًا في العهد الجديد، تَجِدون على سبيل المِثال في أعمال الرُّسُل والأصحاح الرابع أنَّ بُطرس (الرسول العظيم)، كان ممتلئًا مِنْ روح الله. ونحن نَعلمُ أنه امتلأَ مِنَ الروح مع جميع الحاضرين في يوم الخمسين. ولكِنْ في الأصحاح الرابع والعدد الثامن، نَقرأ تحديدًا: "حِينَئِذٍ امْتَلأَ بُطْرُسُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُس". فقد امتلأَ بُطرسُ مِنَ الروح. كذلك، عندما ننتقل إلى الأصحاح السادس مِن سِفْر أعمال الرُّسُل، نقرأ عن الخُدَّام الأوائل الذين تَمَّ اختيارهم في الكنيسة الباكرة. ويقول النَّصُّ إنَّ هؤلاء الأشخاص كان ينبغي أن يكونوا رجالاً مَمْلُوِّيْنَ مِن الروح القدس. ونقرأ في العدد الخامس: "فَاخْتَارُوا اسْتِفَانُوسَ، رَجُلاً مَمْلُوًّا مِنَ الإِيمَانِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ، وَفِيلُبُّسَ، وَبُرُوخُورُسَ، وَنِيكَانُورَ، وَتِيمُونَ، وَبَرْمِينَاسَ، وَنِيقُولاَوُسَ دَخِيلاً أَنْطَاكِيًّا". بعبارة أخرى، فإنَّ الأشخاص الذين أُعطوا مَهَامَّ قياديَّة في الكنيسة الباكرة بِمَعْزِلٍ عن الرسل، والذين كانوا يخدمون الناس، كانوا أشخاصًا مُمتلئين مِن الروح. ولا شك أن استيفانوس كان واحدًا مِن هؤلاء الأشخاص الذين كانوا مُمتلئين مِنَ الروح. فنحن نقرأ في الأصحاح السابع والعدد 55، عندما رَجَموا استفانوس: "وَأَمَّا هُوَ فَشَخَصَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُمْتَلِئٌ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ".
ثم نلتقي لاحقًا شخصًا رائعًا آخر يَستمرُّ في الظهورِ عَمليَّا في بقيَّة العهد الجديد، وهو رجلٌ يُدعى شاول (الذي صار يُعْرَفُ باسْمِ "بُولس"). وقد قال له حَنانِيَّا إنه سيَستعيدُ بَصَرَهُ. ثم قال له في أعمال الرُّسُل 9: 17 إنه سيمتلئ مِنَ الروح القُدُس. لذا فقد كان الرسول بُولس يعرف معنى الامتلاء بالروح. ونقرأ في سفر أعمال الرسل 13: 9: "وَأَمَّا شَاوُلُ، الَّذِي هُوَ بُولُسُ أَيْضًا، فَامْتَلأَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَشَخَصَ إِلَيْهِ وقال: ...". وقد كان هناك رجلٌ رائعٌ بِصُحبة الرسول بُولس، وهو رجلٌ نعرفُ أنه كان مُشَجِّعًا للآخرين اسمه "بَرْنابا". ونقرأ عن بَرْنابا في العدد 24 مِنْ سِفْر أعمال الرُّسُل 11 أنَّهُ: "كَانَ رَجُلاً صَالِحًا وَمُمْتَلِئًا مِنَ الرُّوحِ الْقُدُس".
وكما تَرَوْنَ طَوال الطريق المُمتدَّة مِنْ يوحنا المعمدان ويسوع والأناجيل، إلى الأشخاص الرَّئيسيِّين في سِفْر أعمال الرسل (والذين صاروا بِحَقّ كُتَّابَ العهد الجديد جزئيَّا)، فإنَّ فكرة الامتلاء مِنْ روح الله هي فكرة رئيسيَّة. فلا يمكن لأيِّ مُؤمنٍ أن يَعمل بقوة الله بِمَعْزِلٍ عن هيمنة قُوَّةِ الله. لذلك فإنَّ هذه هي النُّقطة الجوهريَّة، يا أحبَّائي. وهذا هو المِعْيار الأول. فيجب علينا أن نرجع إلى النُّقطة الَّتي نُسَلِّمُ فيها دَفَّةَ قِيادة حياتنا لروح الله. ولا شك أنَّ ما حدث هو أنَّ الأشخاص الذين كانوا ممتلئين مِنْ روح الله كانوا قادرين على العمل بقوة حتى أنَّه قيل عنهم أنهم قَلَبُوا العالمَ رأسًا على عَقِب. فحقيقة الخضوع للروح القدس تُطْلق القوة الإلهيَّة التي تُمَكِّنُنا مِنَ القيام بالأشياء التي لا يستطيع أحدٌ سِوى الله أن يقوم بها. فإنْ أردتَ أن تَعمل أعمالاً أعظمَ مِنْ تلك، كما قال يسوع، وإنْ أردتَ أن تَختبرَ معنى "أَنْ تَفْعَلَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ أَكْثَرَ جِدًّا مِمَّا تَطْلُبُ أَوْ تَفْتَكِرُ بِحَسَبِ الْقُوَّةِ الَّتِي تَعْمَلُ فِيكَ"، لن تَختبرَ ذلك إلَّا إذا امتلأتَ بالروح. وقد رأينا أن ذلك يعني أن تكون تحت سيطرة الروح أو خاضعًا لسلطانه. وهذا يعني أنْ تُمِيتَ الجسد، وأنْ تُمِيت إرادتك الذاتية، وأنْ تَعترف بالخطيَّة وتُزيلَها مِنْ حياتك، وأنْ تكون مُطيعًا لروح الله.
وما يُدهشني دائمًا هو أنَّ الناس يُحاولونَ دائمًا أنْ يُقَلِّدوا الكنيسةَ الباكرةَ اليوم. وأعتقد أنَّ هذا جُزءٌ مِمَّا يجري طَوال حياتي. وصَحيحٌ أنِّي لا أستطيعُ أنْ أتحدَّثَ عنِ الأجيال التي سَبَقَتْني، ولكِنْ في الجِيْلِ الذي سَبَقَني مباشرةً (ولا أدري يقينًا إنْ كان ذلكَ يَحدُثُ بنفس الكيفيَّة التي يَحْدُثُ بها اليوم)، ولكنَّ ما يَحْدُثُ مُنذ أنْ كنتُ طالبًا في كُليِّةِ اللاهوتِ قبل سِنينَ خَلَتْ هو أنَّ هناك جهودًا عظيمةً لِفَهْمِ ما كان يَجري في الكنيسة الباكرة. وأعتقد إني شاركتُ شخصيًا في هذا الجُهْدِ الرَّامي إلى إعادة فَهْمِ كيفية قيام الكنيسة الباكرة بذلك. فكيف فعلوا ذلك في سِفر أعمال الرسل؟ وكيفَ أَسَّسُوا أنفسهم؟ وما الطريقة التي انْتَهَجوها؟ وما الأساليب الَّتي اتَّبَعوها؟ وما هي طُرُق عملهم؟ وكيف كان نِظامُهُم مِنْ جِهَة القيادة؟ وكيف كان العِلْمانِيُّون يَتجاوَبون؟ وكيف كانوا يعملون مع الأشخاص الذين يُرسلونهم إلى الحقول الإرساليَّة؟ وكيف كانوا يُعَيِّنون الخُدَّامَ ويُرسلونهم؟ وكيف كانوا يَتصرَّفون في الأمور المختصَّة بالتأديبِ الكَنَسِيِّ؟ وكيف كانوا يَكْرِزون في عالمِهِم؟ وكيف كانوا يُبَشِّرون؟ وكيف كانوا يُسْهِمونَ في بُنْيان الجَسَد؟
فنحنُ نَسعى دائمًا إلى تقليد الكنيسة الباكرة. ونحن نسمع الكثير عن تجديد الكنيسة، وعن إعادة إحْياء كنيسة القَرْنِ الأوَّل. وفي رأيي، فقد أَسْهَمنا بِطُرُقٍ عديدة في زيادة تعقيد الأمور. فالمِفتاحُ الرئيسيُّ للتَّمَثُّل بقوة الكنيسة الباكرة لا يَكْمُنُ في أسلوب العمل المختص بالكنيسة الباكرة لأنَّ الروح القدس نفسه كان يعمل في الكنيسة الباكرة. وهذا هوَ الأمرُ بِرُمَّتِه. فعندما تكون كنيسة القرن العشرين مسْكُونة بروح الله، كما هي حالها، وعندما تصيرُ مُمتلئة مِنْ روح الله، كما يُريد لها اللهُ أن تكون، فإنها ستكون كنيسة القرن العشرين بحسب التعريف الإلهيّ. فالمسألة لا تتوقَّف على تقليد الأساليب، بل تَتوقَّف على الامتلاء مِنْ روح الله. فعندئذٍ، سنقْلِبُ عالمَ القَرْنِ العشرين رأسًا على عَقِب. لذلك، ربما يجب علينا أن نُقَلِّل مِنَ اهتمامنا بالأمور الأكاديميَّة المُختصَّة بإعادة هيكلة الكنيسة، وأن نُرَكِّز أكثر على وَحْي الحياة المُمتلئة بالروح لأن هذه هي النُّقطة المهمَّة.
لِذا فإن بُولس يقولُ هنا، في رسالة أفسس 5: 18: "استمرُّوا بالامتلاء بِالرُّوح". بعبارةٍ أخرى، فإنَّ كُلَّ ما قُلْتُهُ في رسالة أفسس، أيْ إنَّ كُلَّ ما يَختصُّ بِمَقامكم في الأصحاحات مِنْ 1-3، وكُلَّ ما يَختصُّ بحياتكم العمليَّة في الأصحاحات مِنْ 4-6 يَتركَّزُ على الامتلاء مِنْ روح الله. وإلَّا فإنه لن يَتحقَّق. فهو لا يمكن أن ينجح. والآن، إذا كنتم تَذكرون، فقد تَحدَّثنا عن ثلاثِ نقاطٍ في هذا النص وهي: المُفارَقَة، والوصيَّة، والنتائج. فالمُفارقة في العدد 18 هي: "لاَ تَسْكَرُوا بِالْخَمْرِ الَّذِي فِيهِ الْخَلاَعَةُ" أو "أَسوتيا" (asotia)، [أيِ الإسراف المُؤدِّي إلى المرض والموت] "بَلِ امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ". بعبارة أخرى، لا تفعلوا ذلك كما يَفعل الوَثنيُّون، ولا تحاولوا أن تتواصلوا مع الآلهة الوثنيَّة مِنْ خِلال السُكْر. فنحن نتواصلُ معَ إلهنا ونَختبر قُدْرته مِنْ خلال الامتلاء بالروح. وهذه هي المُفارَقَة.
أمَّا الوصيَّة فهي: "بَلِ امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ". وهذا شيءٌ مُستمرٌ، يا أحبَّائي. وربما سيكون ما أَقولُهُ صَادِمًا، ولكنَّ اللهَ ليس مُهتمًا بمستقبلكم. هل تَعلمون ذلك؟ وهذا صحيح مِن جهة معينة. وقد تقول: "لحظة مِن فضلك. فأنا مُهتمٌ جدًّا بالمستقبل. وأنا مُهتمٌّ جدًّا بالنبوءاتِ، وما شابه ذلك". ولا بأسَ في ذلك. ولكنَّ اللهَ ليس مَعْنِيًّا تحديدًا بمستقبلك. وإليكَ السَّبب: أنك لن تعيش في المستقبل. هل لاحظتم ذلك؟ هل لاحظتم يومًا أنكم لن تَصِلُوا إلى المستقبل؟ ففي كُلِّ مَرَّة تتحدثُ فيها، فإنك موجودٌ وتَسمعُ نفسك. وهذا صحيح. فنحنُ نُحِبُّ أن نُفكر في الماضي، وَنَشْعُرُ بالحَنينِ إلى الماضي، أيْ إلى الأثاثِ القديمِ والأشياءِ القديمة. ونحن نُحِب أن نستعيد الذكريات، وأن نلبس ملابس القرن العشرين مَرَّةً أخرى، وما شابه ذلك. فنحن نُحِبُّ الماضي. ولكِنَّنا، مِن جِهَةٍ أخرى، نُحِبُّ المستقبل - كالمركباتِ الفضائية وحَرْبِ النجومِ، وما شَابَهَ ذلك، والمخلوقاتِ الغريبة، ومؤلَّفات "راي برادبيري" (Ray Bradbury) والخيالِ العِلميِّ. فنحن نُحِبُّ المستقبل لأننا لم نُفْسِد المستقبل بعد.
ونحنُ نُحِبُّ الماضي لأننا لا نتذكر سوى الأشياء الجيِّدة فيه. فنحن نحاول أن نتخلص مِنَ الحاضر، ولكننا لا ننجح في ذلك. ويجب عليكم أن تُصَحِّحُوا فِكركم بهذا الخصوص. وأعتقد أنَّ الأمرَ يجري بالطريقة التالية في الحياة: إذا أردتم أن تمتلئوا مِنَ الروح، فإنَّ هذا ليس أمرًا تَعِدون اللهَ أنكم ستفعلونه، بل هو شيءٌ تَعيشونه أو لا تعيشونه.
وأنا أُشَبِّهُ الأمرَ دائمًا بِزَواجي. فعندما قَرَّرَتْ "باتريشا" (Patricia) أنْ تَقول لي: "مُوافِقَة" بعدَ أنْ لاحَقْتُها وأَلَحَّيْتُ عليها، قالت: "حسنًا! ليس لدَيَّ خِيارٌ آخر. لِذا، سأوافِقُ على الزَّواجِ مِنْك"، قَرَّرْنا أنْ نَتزوَّج. وقد كنتُ أَعرفُ ما سيقوله أبي لي. فسوف يقولُ لي: "هل تَعِدُ أنك سَتُحِبُّ هذه المرأةَ إلى أنْ يُفَرِّقَ المَوتُ بينكما؟" لأنهُ كانَ يقولُ ذلك دائمًا. "هل تَعِدُ أنْ تُحِبَّ هذه المرأةَ إلى أنْ يُفَرِّقَ الموتُ بينَكُما؟" وما أعنيه هو أنَّ الإجابة عن هذا السؤال صَعْبة. أليس كذلك؟ وما أَعنيه هو أنَّني أُحِبُّها حَقَّا الآنْ، ولكِنِّي لستُ واثقًا مِمَّا سيَحدثُ في المستقبل. فالأمرُ يَتوقَّفُ على طريقةِ مُعامَلَتِها لي - إنْ كُنتُم تَفهمون قَصدي! وما أعنيه هو أنني شَابٌّ، ولكِنّي لا أدري ما قد يحدثُ مُستقبَلاً. ولكِنِّي أُحِبُّها الآن.
لذلك، أَذكرُ أنِّي كنتُ أتوقع هذا الأمر. وعند زواجنا، أردتُ أنْ أكون صادقًا بهذا الخصوص: "أَعِدُكِ أنِّي سأُحِبُّكِ إلى أنْ يُفَرِّقَ الموتُ بيننا". فهذا أمر يَصعُب قوله لأنَّ الإنسان لا يَعرف ما يُخَبِّئُهُ المستقبل. لذلك فقد قُلتُ في قلبي إنِّي أُحِبُّها الآن وإنِّي لن أقلق بخصوص المستقبل. وهل تَعلمونَ ما حدث؟ أنا ما زلتُ أَعيشُ نفس اللحظة، وما زِلْتُ أُحِبُّها. ولِعِلْمِكُم، فإنها لا تُبالي بالمستقبل البَتَّة. وما أعنيه هو أنها إنْ جاءتْ إليَّ وسألتني: "هل تُحِبُّني يا عزيزي؟ "فإنها لا تُريد أن تسمَعَني أقولُ لها: "اسأليني بعد بضعة أشهر وسوف أُخبركِ عن مشاعري". وهي لا تريد أيضًا أن تسمع: "أنتِ تَعلمينَ أنِّي أُخَطِّطُ لذلك. فهذا، دون شَكٍّ، في مُخَطَّطي. فأنا أَعتزمُ أنْ أُحِبَّكِ. هذا في تخطيطي. وأنا أَرى أنَّ ذلك سيحدث". والله لا يريد أن نُعامله بالطريقة نفسها أيضًا.
فاللهُ لا يُبالي بتعهُّداتك المستقبليَّة. واللهُ لا يُبالي بمحبَّتك المستقبليَّة، بل إنَّ اللهَ يُبالي فقط بخضوعك لروحِ الله الآنْ لأنَّهُ الوقتُ الوحيدُ الذي تعيشُه. "بَلِ امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ" - فهذه هي الوصيَّة. والنقطة الثالثة هي النتائج. أَتذكرون؟ وقد قُلنا إنَّ هناك ثلاثَ فئاتٍ مِنَ النتائج: الأولى هي تُجَاه أنفسِنا، والثانية هي تُجاه الله، والثالثة هي تُجاه الآخرين. فالنتيجةُ المُختصَّة بنا هي: الترنيم. والنتيجة المختصة بالله هي: الشُّكْر. والنتيجة المختصة بالآخرين هي ماذا؟ الخُضوع. وهناك نتيجة رابعة أيضًا وهي: الخدمة. ويمكننا أن نتحدث عن ذلك إنْ تَبَقَّى لدينا وَقْتٌ في هذا الصباح. ولكنَّ النقطة المهمة هي الآتية: عندما تعيشُ حياةً ممتلئة بالروح، فإنَّ النتيجة النهائيَّة هي البَرَكَة. وإنْ أردنا أنْ نُقَسِّمَها، يمكننا أنْ نقولَ، أولاً، إنَّ هناك نتيجة شخصيَّة وهي: الترنيم. وما معنى ذلك؟ أنَّ الشخص المُمتلئَ مِنَ الروحِ هو شخصٌ يمتلك قلبًا فَرِحًا. أليس كذلك؟ وقد تحدثنا عن هذا الأمر في الأسبوعين الماضيين. فقلبُ الشخص الممتلئ مِنَ الروح يَفيض حَرفيًّا بالترنيم. فهذا هو ما يحدث في داخلنا. وبولُس يَتحدَّثُ عن جميع التفاصيل المختصة بهذا الواقع الجميل.
ولكِنْ لنتحدث عن النوع الثاني مِنَ النتائج، وهو النوع المختصُّ بالله. فالشخص الممتلئ مِنَ الروح هو شخص يَتمتَّعُ بعلاقة سليمة مع نفسه. فهو شخصٌ يَحيا حياةً سليمةً ومُعافاة. وما أعنيه هو أنه يستطيع أن يُرنِّمَ وأنْ يبتهج، وأنَّ قلبَهُ ممتلئ بالترنيم الذي يَملأُ كِيانَهُ. لماذا؟ لأنه يَخضعُ لهيمنة روح الله، ولأنه يَتَخَلَّى عنْ كُلِّ الأشياء التي تُدَمِّر شخصيَّة الإنسان. فهو يحيا حياةً سليمةً، ومتماسكةً، ومتوازنةً، ويتمتَّعُ بعلاقة سليمة مع الله. وهذا يعني أنه يحيا حياةً سليمةً مِنَ الداخل. ولكِنْ هناك عنصرٌ آخر يَختصُّ بعلاقته بالله. فالأمر لا يتوقف على هذا الشعور الرائع بالفرح والعلاقة السليمة مع الذات، بل إنَّ الشخص الممتلئ مِنَ الروح يَتَوَجَّهُ إلى الله. والشيء المؤكَّدُ الذي يحدث هو أنه يقول لله: "شُكرًا" - كما جاء في العدد 20. وهذه هي النتيجة الثانية: "شَاكِرِينَ كُلَّ حِينٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فِي اسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، للهِ وَالآبِ".
اسمَعوني، يا أحبَّائي: إنَّ المُؤمنَ الممتلئَ مِنَ الروح، والذي يُدرك حُضورَ المسيح، والممتلئ بالكلمة، والمُطيع، والأمين، يُقدِّمُ الشكرَ للهِ على كل شيء. وقد ابتدأنا خدمتنا في هذا الصباح بقراءة المزمور المِئَة الذي يقول: "ادْخُلُوا أبوابَهُ" بماذا؟ "بِحَمْدٍ". لماذا؟ لأنَّ هذه هي الطريقة التي تَدْخُلُ بها دائمًا إلى حَضْرة الله. فهذه هي الطريقة التي تدخل بها دائمًا حَضْرَة الله، أيْ بالشكر. ويقول "ويليام هيندريكسين" (William Hendriksen): "عندما يُصَلِّي المَرْءُ مِنْ دونِ أنْ يشكر الله فإنهُ يَقُصُّ أَجْنِحَةَ الصلاةِ فلا تستطيعُ أنْ تطير. فنحن ندخل أبوابه بالحمد. ونحن ندخل ديارهُ بالتسبيح. لذلك احْمَدوهُ وباركوا اسمه". اسمعوني: "أنا أُوْمِنُ أنَّ الشخصَ المُمتلئَ بالروح هو الشخص الذي يُقدِّمُ الشكر لله.
والآن، اسمحوا لي أن أقول شيئًا ربما لم تُفَكِّروا به مِنْ قبل بهذه الطريقة: أنا مُقْتنعٌ تمامًا أنَّ أعظم عملٍ مُنفرِدٍ للعبادة الشخصيَّة يمكنكَ أنْ تُقَدِّمَهُ لله هو أنْ تكون شكورًا. وهذا أمرٌ مؤكدٌ. فهذا في نظري هو أهم شيءٍ في العبادة. فهذا أَهَمُّ مِنَ النوافذِ الزجاجيَّة الملونة وموسيقى الأورْغِن؛ مَعَ أنَّ هذا جميل. وهذا أَهَمُّ مِنَ الجلوس في الكنيسة والتَّرَنُّمِ بالترانيم العظيمة. ولكنَّ أَهَمَّ شيءٍ مُنفرِدٍ، وأَسْمَى وأفضلَ وأثمنَ شيءٍ في العبادة هو أنْ يكون لديك قلبٌ شكور. فهذا هو المِفتاحُ لأنَّ القلب الشكور يعني في نهاية المطاف صَلْبَ الذَّات. والشُكر يعني في نهاية المطاف إدراكَ أنَّ اللهَ هو مَصْدَرُ كُلِّ شيء. والشكر هو القدرة الدائمة على القول في وسط جميع الظروف، سواء كانت جيِّدة أو صعبة: "لك الشُّكر يا الله! لك الشُّكر يا الله". فالشُّكر يَتخَطَّى الظروفَ ويَرى خُطة الله. وهو يَتَخَطَّى الألمَ ويَرى سيادة الله. وهو يَرى ما جاء في رسالة رومية 8: 28. فهو يرى أنَّ: "كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ". وهو يَرى يَدَ الله في كل شيء، أي في الأشياء الصالحة وفي الضِّيقات.
والشكرُ هو أَسمى شكلٍ مِنْ أشكال التسبيح لأنه يقول لله: "أشكرك يا الله حَتَّى في وَسَطِ الأوقات الصعبة. وأشكرك حتى على الأشخاص الذين ماتوا. وأشكرك أيضًا على الأوقات العصيبة في الزواج، وأشكرك أيضًا على صعوبات العمل، وأشكرك على كل شيء لأني أعلم أنك قادر على استخدام كل شيء لخيري، وأنك قادر على استخدام كل شيء لِجعلي مُشابِهًا للمسيح". وقد قال أيوب: "عُرْيَانًا خَرَجْتُ مِنْ بَطْنِ أُمِّي، وَعُرْيَانًا أَعُودُ إِلَى هُنَاكَ". فلا بأسَ في ذلك لأنَّ "الرَّبَّ أَعْطَى وَالرَّبَّ أَخَذَ". ثم ماذا قال؟ "فَلْيَكُنِ اسْمُ الرَّبِّ مُبَارَكًا". بعبارة أخرى: "أنا أشكرك، يا رَبُّ، عندما تُعطي. وأنا أشكرك، يا رَبُّ، عندما تأخُذ". أَتَرَوْن؟
ولا شَكَّ أنَّ هذه نُضْجٌ. فهذا هو الشخص الممتلئ مِنَ الروح. وفي رسالة كورِنثوس الثانية 4: 15 يقول بُولس: "لأَنَّ جَمِيعَ الأَشْيَاءِ هِيَ مِنْ أَجْلِكُمْ". بعبارة أخرى، فإنَّ جميع الأشياء الَّتي يَفعلُها الله هي مِنْ أجلكم. فقد تكونُ عَطِيَّةً مُبارَكَةً أحيانًا، وقد تكونُ تَجربةً مُبارَكة أحيانًا أخرى. ولكنَّ جميعَ الأشياء هي مِن أجلكم. لماذا؟ "لِكَيْ تَكُونَ النِّعْمَةُ وَهِيَ قَدْ كَثُرَتْ بِالأَكْثَرِينَ، تَزِيدُ الشُّكْرَ لِمَجْدِ اللهِ". بعبارة أخرى، راقبوا ما سأقول: إنَّ الغايةَ النهائيَّةَ هي مَجْدُ الله. والطريقةُ لتمجيدِ الله هي الشُكر، والشيءُ الذي يجعلنا شكرين هو كل الأشياء التي يفعلها الله في حياتكم. فكل الأشياء هي لخيركم لكي تكونوا شاكرين لله ولكي يتمجَّد هو. فأنتم تُمَجِّدون اللهَ بأن تكونوا شاكرين. فينبغي أن يكون لِسَانُ حَالِكَ هُوَ: "أرجو، يا رَبّ، أن يَؤُولَ هذا الأمرُ إلى تَمجيدكَ بِصَرْفِ النَّظَرِ عنِ الأَسَى، وبِصرفِ النَّظر عنِ الألم، وبصرفِ النظر عنِ المشكلة". ثم نقرأ في رِسالة كورِنثوس الثانية 9: 11 "مُسْتَغْنِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ لِكُلِّ سَخَاءٍ". لماذا؟ أيْ: لماذا كُلُّ هذا السَّخاء مِنَ الله - لماذا؟ لأنَّهُ "يُنْشِئُ بِنَا شُكْرًا ِللهِ". فهذا هو السَّبب.
وكما تَرَوْن، فإنَّ أَسْمَى تعبير عن التجاوب تُجاهَ ما صنعه الله هو الشُكر. فإن لم تكُن شخصًا شكورًا فقد أَخْفَقْتَ في رؤية النقطة الجوهريَّة. فحياتُنا المسيحيَّة بأسرها ينبغي أن تكون حياة شُكر. بل إنَّ بُولس يَصِفُها في العدد 12 بأنها حياة شُكرٍ كثيرٍ لله. وهو يَخْتِم الأصحاح بالقول: "فَشُكْرًا للهِ عَلَى عَطِيَّتِهِ الَّتِي لاَ يُعَبَّرُ عَنْهَا". اسمعوني: لقد صَنَعَ اللهُ كُلَّ ما صنع لكي نُقدِّمَ إليه الشُكر - لأنه عندما نشكر الله فإنَّ شُكْرَنا يُمَجِّدُهُ لأنَّهُ إقرارٌ مِنَّا بأنَّهُ مَصْدَرُ كُلَّ شيءٍ وبأنَّهُ صاحِبُ السِّيادَةِ على كُلِّ شيء. وعندما تفعل ذلك فإنك تُعطيه المجدَ حقَّا لأنه يَستحِقُّ كُلَّ تمجيد.
والآن، لننظر إلى النَّصِّ ونَطْرَح بعض الأسئلة التي يُمكننا أن نُجيب عنها مِنْ خِلال هذا العدد. فما نوع الشُكر الذي يتحدث عنه بُولس. أولاً، مَتى ينبغي أن نُقدِّم الشُكر؟ نقرأ في العدد 20: "شَاكِرِينَ" – وما العبارة الَّتي تليها؟ "كُلَّ حِينٍ". إذًا متى ينبغي أن نكون شكورين؟ دائمًا. وقد تقول: "أنت لا تَعرِفُ مُشكلتي". ومع ذلك فإنَّ الآية تقول: "دائمًا". "أنتَ لا تعرِفُ زَوجتي". ومع ذلك فإنَّ الآيةَ تقول: "دائمًا". "أنت لا تعرِفُ أبنائي المراهقين". ومع ذلك فإنَّ الآية تقول: "دائمًا". "أنت لا تَعرِف العملَ السَّيِّءَ الذي أعمل به. وأنت لا تعرِف الظروفَ السيئة التي أعملُ بها، وأنت لا تعرِف ما فعلوه بي في مكان عملي". "دائمًا، دائمًا، دائمًا، دائمًا". لماذا؟ لأنَّ هذا إقرارٌ منك أنَّ الله رَبٌّ على حياتك، وأنَّ الله يحاول أن يُشكِّلَكَ على صورة المسيح مِن خلال كُلِّ ما يَحْدُث، وأنك مِنْ خلال جميع هذه الأشياء تُعطي المجدَ للهِ مِنْ خِلال الشُكر. لذلك فإن الآية تقول، لاحظوا ما جاء في رسالة تسالونيكي الأولى 5: 18 إذْ إنَّها جُملة عظيمة: "اشْكُرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ، لأَنَّ هذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ اللهِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ مِنْ جِهَتِكُمْ". فإنْ لم تكونوا تعرفون مشيئة الله، جَرِّبوا ذلكَ كنُقطة بداية: اشكروا! اشكروا! اشكروا! فهذه هي مشيئة الله.
والآن، لِنَعُدْ إلى أفسس 5: 19 إذْ نقرأ: "مِنْ أَجْلِ ذلِكَ لاَ تَكُونُوا أَغْبِيَاءَ بَلْ فَاهِمِينَ مَا هِيَ مَشِيئَةُ الرَّبِّ". ثم نقرأ في العدد 20: "شَاكِرِينَ كُلَّ حِينٍ". فهي الفكرة نفسُها. فمشيئة الله هي أن نكونَ شاكرين. وقد قال شكسبير: "إنَّ الشيء الذي يَحْوي سُمًّا أكثر مِنْ أنياب الأفعى هو أنْ يكون لديك ابْنٌ جَحود. فالقلبُ الجَحود هو قلبٌ قاسٍ جدًّا". فحتى شكسبير يُقِرّ بخطورة الجُحود. لذلك، فكروا في حقيقة مشاعر الله. فعندما يَسمحُ اللهُ بالضيقات في حياتكم، وعندما يسمح الله بالتجارب في حياتكم، فإننا نشتكي ونتذمر ولا نفهم معنى ما جاء في الأصحاح الأول مِن رسالة يعقوب: "احْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ، عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًا ... لِكَيْ تَكُونُوا تَامِّينَ وَكَامِلِينَ". أَتَرَوْن؟ فكما تَرَوْن، فإننا نُريد أن نُخَمِّنَ بخصوص الله، ونريدُ أن نشتكي، ونريدُ أن نتذمر - مع أنَّ كُلَّ ما يُوصينا به الكتاب المقدَّس هو أن نكون شاكرين لكي يتمكن الله مِنَ القيام بعمله الكامل. فهذه هي مشيئة الله.
وهناك ثلاث فِئات مِن الناس الشاكرين. وسوف نَرى الفئة التي تَنتمي إليها. حسنًا؟ فيمكنك أن تُخضِع نفسك لهذا الاختبار. الفئة الأولى (وهذا هو الجزءُ السهل): هناك أشخاصٌ يَشْكرون الله بعد الحصول على البركة. أليس كذلك؟ وقد تقول: "أنا واحدٌ مِن هؤلاء". وهذا هو الجزء السهل. أليس كذلك؟ بكل تأكيد. فبعد أنْ يُبَارِكَكَ اللهُ، فإنكَ تشكره. "آه! أَتدري، لقد كنتُ مريضًا. ولكِنَّ الرَّبَّ لَمَسَ جسدي وَشَفاني. لذلك فإنِّي شَكورٌ جدًّا". أو: "أتدري! لم نَكُنْ نَدري ما سنفعل. ثُمِّ إنَّ الربَّ أعطانا بيتًا جديدًا". أو: "لقد فقدنا عملنا، ولَكِنَّ الربَّ عَوَّضَنا". فبعد الحُصول على البَرَكة، هناك دائمًا أُناسٌ يَشكرون اللهَ بعد البركة. وهذا هو الجزء السهل. أليس كذلك؟ فبعد أن يباركك الله فإنك تقول: "آه، شُكراً لك يا رَبّ". وهذا هو الجزء السهل.
وبالرَّغمِ مِنْ ذلك، فإنَّ قِيامَكَ بذلك هو أَمْرٌ كتابِيٌّ. انظروا إلى ما جاء في الأصحاح 14 مِنْ سِفر الخروج. فلا خطأَ في ذلك. فاللهُ يَتوقَّعُ منك أن تكون شاكرًا بعد البركة. فمن السَّيِّئ جدًّا ألَّا تكون شاكرًا. وربما تَذكرون أنَّ بَني إسرائيل كانوا قد بَلَغوا البحرَ الأحمرَ وأنَّ مُوْسَى رَفَعَ عَصَاهُ فوقَ البحر الأحمر فانشقَّت المياهُ وعَبروا البحر. وقد قال فِرعون: "حسنًا! إنْ كان بمقدوركم أنْ تفعلوا ذلك، فإنَّ بمقدورنا أنْ نفعلَ ذلك". ولكنهم لم يتمكنوا مِنَ القيام بذلك. فقد أَمَرَ فِرْعونُ جيش مِصر بأسْرِهْ أنْ يَعبرُوا البحر فارتدَّتِ المياهُ عليهم وأغرقتهم جميعًا. ثم نقرأ في العدد 28 مِنْ سِفْر الخُروج 14: "فَرَجَعَ الْمَاءُ وَغَطَّى مَرْكَبَاتِ وَفُرْسَانَ جَمِيعِ جَيْشِ فِرْعَوْنَ الَّذِي دَخَلَ وَرَاءَهُمْ فِي الْبَحْرِ. لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ وَلاَ وَاحِدٌ. وَأَمَّا بَنُو إِسْرَائِيلَ فَمَشَوْا عَلَى الْيَابِسَةِ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ، وَالْمَاءُ سُورٌ لَهُمْ عَنْ يَمِينِهِمْ وَعَنْ يَسَارِهِمْ. فَخَلَّصَ الرَّبُّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ إِسْرَائِيلَ مِنْ يَدِ الْمِصْرِيِّينَ. وَنَظَرَ إِسْرَائِيلُ الْمِصْرِيِّينَ أَمْوَاتًا عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ". فقد انْجَرَفَت جميعُ الجُثُث. "وَرَأَى إِسْرَائِيلُ الْفِعْلَ الْعَظِيمَ الَّذِي صَنَعَهُ الرَّبُّ بِالْمِصْرِيِّينَ، فَخَافَ الشَّعْبُ الرَّبَّ وَآمَنُوا بِالرَّبِّ وَبِعَبْدِهِ مُوسَى".
وهل تعلمون ماذا فعلوا؟ في المقامِ الأوَّل، كانوا يَشعرونَ بفرحٍ عظيمٍ. لذا فإننا نقرأ في العدد الأوَّل مِنَ الأصحاح 15 أنهم رَنَّموا. أليس كذلك؟ فقد رَنَّموا: "حِينَئِذٍ رَنَّمَ مُوسَى وَبَنُو إِسْرَائِيلَ هذِهِ التَّسْبِيحَةَ لِلرَّبِّ وَقَالُوا: أُرَنِّمُ لِلرَّبِّ فَإِنَّهُ قَدْ تَعَظَّمَ. الْفَرَسَ وَرَاكِبَهُ طَرَحَهُمَا فِي الْبَحْرِ. الرَّبُّ قُوَّتِي وَنَشِيدِي، وَقَدْ صَارَ خَلاَصِي. هذَا إِلهِي فَأُمَجِّدُهُ، إِلهُ أَبِي فَأُرَفِّعُهُ. الرَّبُّ رَجُلُ الْحَرْبِ. الرَّبُّ اسْمُهُ. مَرْكَبَاتُ فِرْعَوْنَ وَجَيْشُهُ أَلْقَاهُمَا فِي الْبَحْرِ". وتستمرُّ التَّرنيمةُ إلى نهاية العدد 19. وإليكم ما رَنَّموهُ بعد البَرَكة: "شُكرًا لك يا رَبّ! شُكرا لك على ما صَنَعْتَهُ". ثم نقرأ في العدد 11: "مَنْ مِثْلُكَ بَيْنَ الآلِهَةِ يَا رَبُّ؟ مَنْ مِثْلُكَ مُعْتَزًّا فِي الْقَدَاسَةِ، مَخُوفًا بِالتَّسَابِيحِ، صَانِعًا عَجَائِبَ؟". ونقرأ في العدد 18: "الرَّبُّ يَمْلِكُ إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ".
وكما تَرَوْن، فإنَّ هذا النوع مِنَ الشُكر يأتي بعد البركة. ويمكنكم أن تجدوا مثلاً على ذلك في سِفر الرُّؤيا والأصحاح 15، وهي صورة جميلة لكيفيَّة مَجيء الرب بالدينونة العظيمة على الأرض التي غَرِقَتْ في حَمَّامِ الدَّمِ في الفترة الَّتي تُعْرَفُ بفترة الضيقة العظيمة بعد الضَّرَباتِ السَّبْعِ على الأرض. ونقرأ في العدد الثاني أنَّ بعض الأشخاصِ غَلَبوا الوحش. فسوف يكون هناك أشخاصٌ لن يَتمكَّنَ ضِدُّ المسيحِ مِنْ تدمِيرِهِم: "وَهُمْ يُرَتِّلُونَ تَرْنِيمَةَ مُوسَى ...، وَتَرْنِيمَةَ الْخَرُوفِ قَائِلِينَ: عَظِيمَةٌ وَعَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ! عَادِلَةٌ وَحَقٌّ هِيَ طُرُقُكَ يَا مَلِكَ الْقِدِّيسِينَ!" أَتَرَوْن؟ فَهُمْ يُرنمون بعد تحقيق النَّصْر، وبعد الانتصار في المعركة، وبعد إحراز النُّصرة.
والآن، اسمعوني، يا أحبَّائي: إنَّ هذا الوقت هو وقتٌ مناسبٌ لتقديم الشُكر. فهناك دائمًا أوقاتٌ نكون فيها منتصرين. وهناك دائمًا أوقاتٌ ننتصر فيها في الحروب. وهناك دائمًا أوقاتٌ نُحقق فيها الغَلَبة. وهناك دائمًا أوقاتٌ يَصنعُ اللهُ فيها شيئًا ما. وينبغي لنا أن نَشْكر الله بعد البركة. ولكنَّ القيامَ بذلك سَهْلٌ. أليس كذلك؟
ولننتقل إلى الخطوة الثانية وهي القُدرة على تقديم الشُكر قبل ابتداءِ المعركة على النُصرة التي تَعْلَمُ أنها سَتتحقَّق. هل هذا مَفهومٌ؟ فأوَّلاً، هناك الشُّكرُ بعد البَرَكَة. وثانيًا هناك الشُّكرُ قَبْلَ البَرَكة. وهذا هو المِحَكُّ الحقيقيُّ للمُؤمنين. فهؤلاءِ هُمُ الأشخاصُ الذينَ يؤمنون بالله قبل حدوث أيِّ شيء. وهؤلاءِ هُمُ الأشخاصُ الذينَ يَحتفلون بالنصر قبل الحرب. وهؤلاءِ هُمُ الأشخاصُ الذينَ يقولون: "يا رب أنا أرى المشكلة قادمة. وكم هذا رائعٌ! فسوف أُوْمِنُ بالنَّصْر في وَسَطِ هذه المشكلة حَتَّى قبل حدوثِها". ومِثالُنا في ذلكَ هُوَ يَسوع. فنحنُ نَرى يسوعَ في الأصحاح الحادي عشر مِنْ إنجيل يوحنا واقفًا عند قَبْرِ لِعازر. وقد كان جميع المحيطين به يبكون ويذرِفون الدموع. ولكنه قال: "ارفعوا الحجر". وقد انْزَعَجَتْ "مَرثا" كثيرًا بسبب ذلك. ثُمَّ نقرأ في العدد 41: "فَرَفَعُوا الْحَجَرَ حَيْثُ كَانَ الْمَيْتُ مَوْضُوعًا، وَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ إِلَى فَوْقُ، وَقَالَ: أَيُّهَا الآبُ، أَشْكُرُكَ لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي". بعبارة أخرى: "شُكرًا لك يا رَبّ على ما ستفعل". وهذا هو الإيمانُ الحقيقيُّ. أليس كذلك؟
ثُمَّ إنه قال: "لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجًا!". فخرج لِعازر. وهذا هو الشُّكرُ سَلَفًا. وهذا، يا أحبَّائي، مُستوىً آخر مِنَ النضج الروحيّ. وهو يُشير إلى القدرة على تقديم الشُكر قبل حدوث الشيء. فهل تَنتمي إلى فئةِ الأشخاصِ الذين يُقدِّمون الشُّكرَ سَلَفُا؟ وهل تَرى أنَّ شيئًا ما سيحدث وتُؤمِنُ أنَّ اللهَ سيعطيك النَّصْرَ حتَّى قبل حدوثه؟ وهل يُمكنك أنْ تُقدِّمَ الشُكر كما فعل يسوع سَلَفًا في أمْرٍ خَطيرٍ كالموت؟ فهل يمكنك أنْ تقول: "أنا أُدْرِكُ أنَّ أحدَ أفراد عائلتي سيموت، وأنا أُدركُ أنَّ واحدًا مِنْ أحبَّائي سيموت. ولكني أشكرك يا رَبّ، أشكرك لأني أعلم ما سيحدث، وأعلم أنَّ هذا الشخص سيقوم للحياة الأبدية". فهل يُمكنك أن تكون شاكرًا في وَجْهِ الموت؟ وسوف أُقدِّمُ لكم مَثَلاً آخَر. أنظروا إلى هذا المثل. فهو مَثَلٌ رائعٌ وَرَدَ في سِفر أخبار الأيَّام الثاني والأصحاح 20 في العهد القديم. أَخبار الأيَّام الثاني والأصحاح 20. وهذه حادثة رائعة حقَّا. فقد كان شعبُ الله، أي: يَهُوذا، على وَشْكِ خَوْضِ حَرْبٍ معَ عَدُوَّيْنِ قَوِيَّيْنِ جِدَّاً هُما عَمُّون ومُوآب، أيْ مَعَ بني عَمُّون وبني مُوآب. وقد كانوا يَستعدون لخوض حربٍ واسعة النطاق. ولكنَّ يهوشافاط كان رَجُلاً أمينًا ورَجُلَ صَلاة، لذا فقد التجأَ إلى الربِّ وقال للرب ما يُريد بهذا الخصوص. فقد قال: "يا رَبّ، سوف تكونُ هذه معركتك، فأنا لا أستطيعُ أنْ أتولَّى هذا الأمر. ونحن لا نستطيع أنْ نُحارب بأنفسنا". فقد سَجَدَ أمام الله وسَكَبَ قلبه وقال: "يا رَبّ، مِنَ المؤكد أنك ستفعل بهؤلاء الأعداء ما فعلته حين أَغْرَقْتَ المِصْريِّين. ومِنَ المؤكد أنك ستفعل عملاً عجيبًا. ومِنَ المؤكد أنك ستهتم بهذا الأمر، يا رَبّ. فأنا لا أستطيع أن أُعالج هذه المشكلة. فأنا أَرى أنها قادمة، ولكنِّي لا أستطيعُ أنْ أُعالجها".
وبعد أنِ انتهى مِنْ صلاته، قَرَّرَ أنَّ الوقت قد حان لتقديم الشُكر للرب. وربما يقول أحد الأشخاص: "أنتَ تَستبقُ الأمور هنا يا يهوشافاط لأنَّ الحرب لم تحدث بعد. فهل ستشكرُ اللهَ سَلَفًا؟ "أجل سوف نَشكر الربَّ سَلَفًا. والحقيقة هي أنَّ أوَّلَ شيءٍ سنقوم به مَذكورٌ في العدد 20: "وَبَكَّرُوا صَبَاحًا وَخَرَجُوا إِلَى بَرِّيَّةِ تَقُوعَ. وَعِنْدَ خُرُوجِهِمْ وَقَفَ يَهُوشَافَاطُ وَقَالَ: «اسْمَعُوا يَا يَهُوذَا وَسُكَّانَ أُورُشَلِيمَ، آمِنُوا بِالرَّبِّ إِلهِكُمْ" [أيْ: حسنًا، "اتَّكِلُوا على اللهِ مُنذ البداية"] فَتَأْمَنُوا. آمِنُوا بِأَنْبِيَائِهِ فَتُفْلِحُوا"». حسنًا؟ فسوف نُؤمنُ أنَّ اللهَ سيُعطينا نُصْرةً لم نَختبرها بَعْد. وهذا هو الشَّيءُ الأوَّل. "وَلَمَّا اسْتَشَارَ الشَّعْبَ أَقَامَ مُغَنِّينَ لِلرَّبِّ وَمُسَبِّحِينَ فِي زِينَةٍ مُقَدَّسَةٍ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ أَمَامَ الْمُتَجَرِّدِينَ وَقَائِلِينَ: «احْمَدُوا الرَّبَّ لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ»".
اسمعوني: إنَّ القُوَّاتِ البحريَّة (أيِ "المارينز") لم تتقدَّم الجيشَ في إسرائيل، بل إنَّ فريق التسبيح هو الذي تَقَدَّمَهُم. فقد تقَّدموا الجيشَ لأنَّ التسبيحَ يَسْبِقُ الجيش. أَتَرَوْن؟ "يا رَبّ، ما أعظمك. فسوف نُحْرِز النصر". وما أعنيه هو: هل لكم أن تتخيلوا هؤلاء الأشخاص الذين صَرَفوا حياتهم في تَعَلُّمِ الموسيقا، وعندما حان وقت الحرب الكبيرة فإنَّ أول ما سمعوه هو: "أيتها الجَوْقَة الموسيقيَّة، استعدوا. فأنتم ستتقَدَّموننا". فهذا أمرٌ مُدهشٌ! وهذا هو تمامًا ما حدث. فقد ابتدأوا بالترنيم، وربما كان صوتهم مُرْتَعِشًا في البداية، ولكنهم استمروا بالترنيم. "وَلَمَّا ابْتَدَأُوا فِي الْغِنَاءِ وَالتَّسْبِيحِ جَعَلَ الرَّبُّ أَكْمِنَةً عَلَى بَنِي عَمُّونَ وَمُوآبَ وَجَبَلِ سِعِير الآتِينَ عَلَى يَهُوذَا فَانْكَسَرُوا. وَقَامَ بَنُو عَمُّونَ وَمُوآبُ عَلَى سُكَّانِ جَبَلِ سِعِير لِيُحَرِّمُوهُمْ وَيُهْلِكُوهُمْ. وَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ سُكَّانِ سِعِير سَاعَدَ بَعْضُهُمْ عَلَى إِهْلاَكِ بَعْضٍ".
وهل تُريدون أن تَعلموا شيئًا؟ إنَّ هذه الحادثة تُشبهُ ما حدث في "جونزتاون" (Jonestown). فقد قَتَلَ أفرادُ الجيشِ بَعضُهُم بعضًا. وهذا مُذهلٌ! "وَلَمَّا جَاءَ يَهُوذَا إِلَى الْمَرْقَبِ فِي الْبَرِّيَّةِ" [أيْ إلى مُعَسْكَرِهِم] "تَطَلَّعُوا نَحْوَ الْجُمْهُورِ وَإِذَا هُمْ جُثَثٌ سَاقِطَةٌ عَلَى الأَرْضِ وَلَمْ يَنْفَلِتْ أَحَدٌ". [فقد جاءوا فوجدوا الجُثَثَ في كُلِّ مكان]. "فَأَتَى يَهُوشَافَاطُ وَشَعْبُهُ لِنَهْبِ أَمْوَالِهِمْ، فَوَجَدُوا بَيْنَهُمْ أَمْوَالاً وَجُثَثًا وَأَمْتِعَةً ثَمِينَةً بِكَثْرَةٍ، فَأَخَذُوهَا لأَنْفُسِهِمْ حَتَّى لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَحْمِلُوهَا. وَكَانُوا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ يَنْهَبُونَ الْغَنِيمَةَ لأَنَّهَا كَانَتْ كَثِيرَةً". وكان اللهُ قد وعدهم بغنائم الأرض. لذلك، فقد كانت مِنْ حَقِّهم. ولكنْ ألا تَرَوْنَ ما حدث؟ فَهُمْ لم يُضْطَرُّوا حتَّى إلى خَوْضِ الحرب. فقد آمنوا بالله وقَدَّموا الشكر لله. وقبل حتى أن تبدأ المعركة، كان النَّصرُ لهم. أَتَرَوْن؟
والحقيقة هي أنَّ تقديم الشُكر قبل البَرَكة أصعب مِنْ تقديمه بعدها، ولكنَّ الله يُوصينا بذلك أيضًا. فالله يُريد منك أن تُقَدِّم الشُكرَ حَتَّى قبل أنْ تبدأ المعركة. وهذا صَعب. وهذا هو المِحَكُّ لِنُضْجِكَ الرُّوحِيّ. فإذا كنت تَرتعِدُ وتَتهاوى قبل حدوث هذه المشكلة، فأنت لم تَبْلُغ هذا المستوى بعد. فتقديمُ الشُكر لله بعد البركة هو أمرٌ سهل. أمَّا تقديم الشُكر لله قبل المعركة فهذا أمرٌ أصعب. ولكِنْ هناك ما هو أصعب مِنْ ذلك. فهل أنتم مُستعدون للشيء الثالث؟ إنَّ أصعب شيءٍ على الإطلاق هو أنْ تَشْكر الله في وَسَطِ المعركة - حينَ يَبدو أنك تَخسر. فهذا صعب. فَمِنَ السهل أنْ تفعل ذلك بعد المعركة. ومِنَ السهل أنْ تفعل ذلك قبل المعركة. ولكِنْ هل يُمكنك أنْ تفعل ذلك في وَسَطِ المعركة؟ فالحقيقة هي أنَّ الأشخاص الذين يختارهم اللهُ يستطيعون القيام بذلك. فقد أَصْدَرَ الملكُ مَرسومًا في زمن دانيال يَنُصُّ على أنه لا يجوز لأيِّ شخص أنْ يَتعبَّدَ أوْ يُصَلِّي إلى أيِّ إلَهٍ غيرَ المَلِك. ولكنَّ ذلك لم يُزعج دانيال. فنحن نقرأ في سِفر دانيال 6: 10: "فَلَمَّا عَلِمَ دَانِيآلُ بِإِمْضَاءِ الْكِتَابَةِ ذَهَبَ إِلَى بَيْتِهِ، وَكُواهُ مَفْتُوحَةٌ فِي عُلِّيَّتِهِ نَحْوَ أُورُشَلِيمَ، فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ، وَصَلَّى وَحَمَدَ قُدَّامَ إِلهِهِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ قَبْلَ ذلِكَ". وقد كان دانيال يَعرف أنَّ ذلك قد يُكَلِّفُهُ ثَمَنًا باهِظًا. وقد قَبضوا عليه وطَرَحوه في جُبِّ الأسود، ولكنَّ ذلك لم يؤثِّر في موقف دانيال. فقد كان عازمًا على تقديم الشكر لله في وَسَطِ المِحْنَة.
وهل تعلمون أنَّ ما ذُكِر عن يُونان شيءٌ رائعٌ، فهل يُمكنكم أن تتخيلوا أن تكونوا في موقف يُونان؟ وما أعنيه هو أنكم تسمعون ما حدث كمُجرد قصة وردت في الكتاب المقدس. ولكن حاولوا أن تتخيلوا موقفكم إنِ ابْتلعتكم سمكة كبيرة ووَجدتُم أنفسكم تَعومون في الأحماض الموجودة في معِدتِها. والأسوأُ مِن ذلك هو أن تكونَ على قيد الحياة وأنْ تَصْحُو مِنْ غيبوبتك وتَجِد نفسك هناك. ونقرأ عن يُونان في الأصحاح الثاني أنه استجمع شجاعته نوعًا ما. وإليكم ما قاله لأنه مُدهشٌ: "حِينَ أَعْيَتْ فِيَّ نَفْسِي ذَكَرْتُ الرَّبَّ، فَجَاءَتْ إِلَيْكَ صَلاَتِي إِلَى هَيْكَلِ قُدْسِكَ". وما هي صلاتُكَ يا يُونان؟ "أَمَّا أَنَا فَبِصَوْتِ الْحَمْدِ أَذْبَحُ لَكَ، وَأُوفِي بِمَا نَذَرْتُهُ. لِلرَّبِّ الْخَلاَصُ". فقد كانَ يونانُ في وَسَطِ مَعِدَةٍ حِمْضِيَّةٍ لِوَحْشٍ بَحريٍّ. وَهُوَ يقول: "شُكرًا لكَ يا رَبّ".
وربما تقولُ إنَّ ذلك ليس إيمانًا، بل هو حماقة. لا! بل شُكرًا لك يا رَبّ، شُكرًا لك. وهل تعلمون شيئًا؟ لقد أَحَبَّ اللهُ تلك الصلاة كثيرًا حَتَّى إنه أَمَرَ تلك السمكة فَطَرَحَتْ يونان خارِجًا. وهي لم تطرحه خارجًا فقط، بل إنها طرحته في المكان الذي كان ينبغي أن يكون فيه. ونحن هنا أمام رَجُلٍ شَكَرَ اللهَ مع أنه كان في جَوْفِ وَحْشٍ بَحْرِيٍّ ضخم. وهذا أمرٌ مُذهلٌ. وقد أَكْرَمَ اللهُ هذا الشيء. ولا شَكَّ أنكم لم تختبروا أمرًا كهذا. أليس كذلك؟ ولكنكم قرأتم ما جاء في الأصحاح الحادي عشر مِنَ الرسالة إلى العِبرانِيِّين عن جميع هؤلاء الأشخاص الذين شَكروا اللهَ في وسط تلك التجارب المُريعة، ثُمَّ إنكم تسمعون كاتب الرسالة إلى العبرانيين يقول: "لَمْ تُقَاوِمُوا بَعْدُ حَتَّى الدَّمِ مُجَاهِدِينَ ضِدَّ الْخَطِيَّةِ". أليسَ كذلك؟
وفي الأصحاح الخامس مِن سِفر أعمال الرسل، تَعَرَّضَتِ الكنيسةُ الباكرةُ إلى اضطهادٍ مريعٍ إذْ إننا نقرأ في سِفر أعمل الرسل 5: 40: "وَدَعُوا الرُّسُلَ وَجَلَدُوهُمْ" وضَرَبوهُم. وبعدَ أنْ ضَرَبوهُم "أَوْصَوْهُمْ أَنْ لاَ يَتَكَلَّمُوا بِاسْمِ يَسُوعَ، ثُمَّ أَطْلَقُوهُمْ. وَأَمَّا هُمْ فَذَهَبُوا فَرِحِينَ مِنْ أَمَامِ الْمَجْمَعِ، لأَنَّهُمْ حُسِبُوا مُسْتَأْهِلِينَ أَنْ يُهَانُوا مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ". فقد كانوا شاكرين في وسط الضرب. ثم إننا نقرأ عن بُولس وسِيلا في الأصحاح السادس عشر مِن سِفر أعمال الرسل إذْ إنَّ أَرْجُلَهُمْ كانت مَشدودَةً إلى أقصى مَدى ممكن ومُثَبَّتة في المِقْطَرة. وكانت عَضَلاتُهما مشدودةً جدًّا، وكانا يختبران ألمًا مُريعًا. ولكِنْ ما الذي كانا يفعلانه؟ لقد كانا يُقدِّمانِ الشُكرَ والتسبيحَ لله. ثم نأتي إلى الأصحاح الأول مِنَ الرسالة إلى أهل فيلبِّي فنقرأ أنَّ الناس كانوا يَضطهدونَ بُولس وأنه كان مسجونًا. وقد كان بُولس يعرفُ أنَّ وقت استشهادِهِ قدِ اقترب، ولكنَّ قلبه كان مُمتلئًا بالشكر.
اسمعوني: إنَّ واحدًا مِنَ الأشياء التي تَدُلُّ على نُضْجِ شخصيتك هي كيف تُقدِّم الشُكرَ لأنَّ عبادتك لله مرتبطة بقلبك. وإنْ كان الوقتُ الوحيد الذي تَعبُدُ اللهَ فيهِ وتُقدِّم فيه الشُكرَ لله هو بعد الحصول على البركة، فإنك ما تزال في المستوى الأول مِنَ النضج. ولكنْ إنْ كانَ بمقدورِكَ أن تنتقل إلى المستوى الأعلى، وأنْ تشكر اللهَ قبل حَتَّى أنْ تبدأ المعركة عالِمًا أنَّ الله سيعطيك النُصْرة فإنَّ ذلك أفضل. ولكِنْ إنْ كنتَ تستطيعُ أنْ تشكرَ اللهَ في وسط الألم، وفي وسط التجربة، فإنَّ هذا يعني أنك قد وَصَلْتَ إلى مستوى النضج الذي لا يعرفه سوى قِلَّة مِنَ المؤمنين المسيحيِّين.
وقد قالت "جوني إريكسون" (Joni Ereckson) التي تَرْتادُ كنيستنا منذ نحو ثمانية أشهر، والتي كتبت كتابًا رائعًا تَسْرِد فيه حياتها والحادثَ الذي تَعَرَّضَتْ إليهِ وَأصابها بالشَّلَلِ في جسمها: "إنَّ تقديم الشُكر هو ليس مسألة شعور بالشكر، بل هو مسألة طاعة". أَتَرَوْن؟ فلا يُوْجَد ما يُحَتِّم عليكم أنْ تشعروا بالشكر دائمًا، ولكنْ يجب أن تشكروا دائمًا. فالشُكر هو إقرارٌ مِنِّي بأنَّ حياتي وظروفي ومصيري هي جميعُها بيد الله صاحب السيادة. أَتَرَوْن؟ وأنَّ كُلَّ ما يحدث إنما يحدث بهدف تشكيلي وجعلي مُشابهًا ليسوعَ المسيح. وهذا كُلُّهُ له تأثيرٌ عميقٌ في موقفكم. فهل تريدون أن تعرفوا شيئًا؟ إنَّ ذلك له تأثيرٌ عميقٌ في موقفكم.
إذاً، مَتَى ينبغي أنْ تُقدِّموا الشُكر؟ دائمًا. وعلى ماذا؟ على ماذا تُقدِّمون الشُكر دائمًا، على ماذا؟ على كُلِّ شيء. وقد تقول: "على كُلِّ شيء؟ هل تعني على كل شيء؟ حتى على الأشياء المُتعِبة والصعبة؟ بكل تأكيد. "اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ". لماذا؟ لأنَّ هذه هي الطريقة التي يُكَمِّلُكُمُ اللهُ بها. وأنا لن أُقدِّمَ لكم لائحةً طويلةً وكبيرةً. فأنا لديَّ لائحة مكتوبة هنا. ولكنِّي لن أَصْرِفَ وقتًا في القيام بذلك. ولكني كتبتُ نحو أربعين شيئًا يَذكُرُها الكتابُ المقدَّس تحديدًا ينبغي أن تشكروا الله عليها. وهي ليست مُجرد أشياء مُنفرِدة بل هي فِئات يمكنكم أن تشكروا الله عليها؛ وهي تَضُمُّ مِئاتِ الأشياءِ المختلفة في تلك الفئات. فينبغي أن نشكر الله على كل شيء ... على كل شيء ... على كل شيء. فلا حدود لذلك. وهذا يَشمل جميع الأشياء التي فَعَلَها الله لأجلنا. وهذه اللائحة تَضُمُّ جميع صِفاته، وجميع الأشياء التي فعلها. فينبغي أن نكون شاكرين. وهل تعلمون أنّ الكتاب المقدَّس يُوصِينا بأن نكون شاكرين على كل الناس، على كل الأشخاص. وهو يُوصِينا على أن نكون شاكرين على كل الأشياء، وأن نكون شاكرين لله على المسيح، وعلى خلاصِنا، وعلى الروح القدس، وعلى كل شيء نملكه، وأن نكون شاكرين في وسط الضِيق وفي وسط الرَّخاء - أي أن نكون شاكرين على كل الأشياء.
والآن، اسمحوا لي أن أقول لكم شيئًا: هناك شخصٌ واحدٌ يُمكنه أن يكون شاكرًا على كل شيء وهو الشخص المتواضع. أجل، الشخصُ المتواضع. وربما تقول: "ما الذي تعينه بذلك؟" ما أعنيه هو الآتي: اسمعوا: إنَّ الشخص المتواضع يَعلمُ أنه لا يستحقُّ أيَّ شيء. أليس كذلك؟ لذا فإنَّ أصغر شيءٍ هو في نظره سببٌ للشُكر. فإنْ لم تَكُنْ شكورًا في حياتك فإنَّ المشكلة لا تَكْمُنُ في عَدَمِ الامْتِنان. فهذا هو العَارِض. أمَّا المشكلة فهي الكبرياء. فَلِسَانُ حَالِكَ هو: "يا رَبّ، لا يُمكنني أن أكون شاكرًا لأنني أعتقد أني لا أحصل على ما أستحق". أترون؟ ولكن إذا كنتَ تَعلم أنك لا تستحق شيئًا، وإنْ كنت ترى نفسك بوصفك إنسانًا خاطئًا لا يستحقُّ أيَّ شيءٍ البتَّة، فإنَّ موقفك مِنْ أيِّ شيءٍ قد يُعطيكَ الله إيَّاه لن يكون سوى الشُكر. أترون؟ فالمشكلة هي مشكلة كبرياء. والشخص الشكور هو الشخصٌ الذي يمتلك دائمًا قلبًا متواضعًا.
وبالمُناسبة، يا أحبَّائي، فإنَّ التواضع هو جزءٌ مِن الامتلاء مِنَ الروح لأنك لا تستطيعُ أن تمتلئ مِنَ الروح إلاَّ إذا أَنْكَرْتَ نفسَك. أليس كذلك؟ فعندما تموت عن نفسِك، وعندما تَصْلُب نفسَك، وعندما تَضع نفسَك جانبًا وتتجاوب مع الروح، فإنَّ هذا العمل هو عملٌ متواضعٌ يجعلك تمتلئ مِن الروح. لذلك فإنَّ التواضع يجعلُك شكورًا لأنَّ الشُكر ينبع مِن ذلك الامتلاء. وهذا يُعيدُنا إلى أَوَّلِ كُلِّ الخطايا التي أَفْسَدَتِ النظامَ كله وهي خطيَّة الكبرياء. أليس كذلك؟ فهذا هو الشيء الذي ابتدأهُ الشيطان. أليس كذلك؟ فقد نظر حوله إلى السماء وقال: "آها! لا ينبغي أن يمتلك الله كل هذا، بل ينبغي أن أمتلكه أنا". وقد قال أيضًا: "سوف أفعل كذا، وأُرَفِّعُ نفسي، وأفعلُ كذا"، وهَلُمَّ جَرَّا، وهَلُمَّ جَرَّا. لذا فقد كانت المشكلة نابعة مِن الأنا. وحتَّى إنَّ حوَّاء في الجنة كانت تُريدُ أنْ تَصيرَ مِثْلَ الله. فالأنا تتصرف بهذه الطريقة دائمًا. والكبرياء هي سَبَب الخطية.
لذلك إنْ لم تكن شكُورًا فإنَّ حَلَّ المشكلة لا يكمُن في تقديم الشُكر، بل إنَّ ما أنت في حاجة إليه هو أن تكون متواضعًا. والتواضع يُعيدك إلى فكرة الامتلاء مِن الروح لأنَّك عندما تَصْلُب ذاتك، وتُنكر ذاتك، وتخضع للروح، فإنَّ التواضعَ يَصيرُ حقيقةً واقعةً في حياتك. أمَّا إذا كنتَ متواضعًا، فستكونُ شكورًا على كل شيء ... على كل شيء. وربما تقول إنَّ بعض الناس يَتذمَّرونَ قائلين: "إنَّ زوجي ليس شخصًا كاملاً. فكيف عَلِقْتُ معه؟" والزوج يقول: "إنَّ زوجتي ليست الزوجة المثاليَّة. ولا بدَّ مِن وجود نساء في العالم يتمتع أزواجُهُنَّ بالسعادة. ولكن كيف وَقَعْتُ في هذه الورطة؟" والناس يقولون: "إنَّ عملي ليس كما يجب. فَهُمْ لا يُعاملونني بالطريقة اللائقة، وعائلتي لا تُعاملني بالطريقة اللائقة، والناس لا يفهمونني، وهم لا يُعاملونني بلُطف". فهؤلاء الأشخاص يشعرون بالمرارة والتعاسة والشَّقاء، وينظرون إلى الحياة نظرة مُتشائمة. هل تعلمون لماذا؟ لأنهم يعتقدون أنهم يستحقون ما هو أفضل مِن ذلك. أليس كذلك؟ فهم يقولون: "كان ينبغي أن أتزوج شخصًا كاملاً". أو "كان ينبغي أن أعمل في عمل ممتاز". أو "ينبغي لجميع الأشخاص أن يُعاملونني معاملةً لائقةً". فالمشكلة هي مشكلة كبرياء. أترون؟ فما دُمْنَا متكبرين، لن نكون شاكرين. ولكن عندما تتخلى عن كبريائك، وتتواضع، يُمكنك حينئذٍ أن تختبر معنى أن تكون شاكرًا على كل شيء ... على كل شيء.
إذًا، متى يبغي أن نشكُر الله؟ دائمًا. وعلى ماذا ينبغي أن نشكُره؟ على كل شيء. وكيف؟ انظروا إلى الجملة التالية الرائعة: فكيف ينبغي أن نكون شاكرين؟ انظروا إلى ما جاء في العدد 20 مَرَّة أخرى. فنحن نقرأ: "شَاكِرِينَ كُلَّ حِينٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ... للهِ وَالآبِ" ثُمَّ اسمعوا هذا: "فِي اسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيح". وهذا رائعٌ جدًّا.
اسمعوني: إنَّ المعنى ببساطة هو ... فَمَعْنى العِبارة "باسم الربِّ يسوع المسيح" هو أن نكون متوافقين مع شخصهِ، ومتوافقين مع ما فعله لأجلنا. بعبارة أخرى، بِصرف النظر عَمَّا يحدث في حياتي، يُمكنني أن أُقدَّم الشُكر بسبب شخص يسوع المسيح وبسبب ما فعله. فبصرف النظر عَمَّا يحدث في حياتي، سوف يَؤول كُلُّ شيءٍ لخيري ومجده. أليس كذلك؟ فهذا هو الحَقُّ الثَّمين هنا. وهل تذكرون ما قلته لكم سابقًا؟ عندما تُرنِّمون فإنَّ المسيحَ هو الذي يُرَنِّمُ مِن خِلالنا. أتذكرون ذلك؟ وعندما نشكُر فإنَّ المسيح هو الذي يشكُر الآب مِن خلالنا.
اسمعوني: لا يُمكنني أن أكون شاكِرًا على كل شيء لولا ما فعله المسيح. ولكِنْ بسبب ما فعله المسيح فإنَّ الأشياء الجيدة والأشياء السيئة في حياتي تُسْهِمُ في تشكيلي على الصورة التي يُريد اللهُ مني أنْ أتشكَّل عليها - وهي صورة ابنهِ. وكما ترون، لا يُمكنني أن أقول فقط: "شاكرين على كل شيء" ونُقْطَة. فإنْ لم تكُن مُؤمنًا مسيحيًّا، ولم تكُن في المسيح، وإنْ لم يكُن المسيح يتشفَّع عن يمين الله لأجلك، ولم يكُن المسيح يسكُن في حياتك، ولم تكُن تتمتَّع بالبُنُوَّة والميراث الذي وعدك به - إنْ لم يكُن لديك هذا كله، لا يُمكنك أن تُقدِّم الشُكر على كل شيء لأنك ستشعر أنكَ لست بحاجة إلى تقديم الشُكر على ما تحصل عليه. ولكن مِن جِهة أخرى، إنْ كانت حياتي خاضعة للمسيح، وكنتُ ابنًا له، وكنتُ ولداً له، وكنتُ وريثًا معه في ملكوته، وكان هو يَشْفَّعُ فيَّ عن يمين الآب، وكان مُستمرًّا في تطهيري مِن جميع خطاياي، وكان مُستمرًّا في تشكيلي على صورتهِ - إنْ كان هذا كُلُّهُ يَجري طوال الوقت، فإنَّ لديَّ ما يَدعوني إلى تقديمِ الشُّكرِ لله على كل شيء.
وكما تعلمون فإننا بطبيعتنا أنانيِّين لأننا نُفكِّر كثيراً بأنفسنا. وإنْ لم نحصل على كل شيء بالطريقة التي نُريد، فإننا نتضايق ولا نُقدِّم الشُكر. ولكنَّ المسيح لم يكُن يتصرف بهذه الطريقة. اسمعوني: يجب علينا أن نُقدِّم الشُكر كما تقول هذه الآية وكما كان المسيح يُقدِّم الشُكر. وإنْ كان هو الذي يُقدِّم الشُكر مِن خلالنا، فإنها الطريقة التي كان يشكُر بها. فهل تعلمون أنه كان شاكِرًا لله؟ فهو يقول في إنجيل مَتَّى 11: 25: "أَحْمَدُكَ أَيُّـهَا الآبُ". وَفي إنْجيل يوحنَّا 6: 11: "أشْكُرُكَ". وفي إنجيل يوحنا 6: 23: "أشكُرُكَ". وفي إنجيل يوحنا 11: 41: "أشكُركَ". فقد كان شكورًا طَوال حياته. وعندما تنظرون إلى حياته ربما تتسألونَ "لماذا؟" أليسَ كذلك؟ وما أعنيه هو أنه كان يَمتلك كل شيء في المجد، ولكنه جاء إلى هذه الأرضِ واتَّضَعَ، وصارَ عبدًا، وارْتَضَى أن يُبصَقَ عليه، وأنْ يُسخَرَ منه، وأن يُحتَقَر، وأن يُرْفَض، وأن يُصْلَب. وهو لم يكن يستحق تلك المعاملة، ولكنه كان شكورًا. كان شكورًا.
اسمعوا ما سأقول: مع أنه كان يستحقُّ المجد، فقد تواضع. ومع أنه كان يستحق الحُبَّ، فقد تَلقَّى الكراهيَّة، ومع إنه كان يستحق العبادة، فقد تلقَّى الرفض. ومع أنه كان يستحق التسبيح، فقد تلقَّى الإهانة، ومع أنه كان يستحِق الغِنى، فقد كان فقيرًا. ومع أنه كان يستحِق القداسة، فقد دفع أُجرة الخطيَّة، وهلُمَّ جرَّا. وفي وسط كل ذلك لم يتوقف لحظةً عن تقديم الشُكر لله لأنه كان قادرًا دائمًا على رؤية خط النهاية. فالفرح الموضوع أمامهُ جعله يحتمل الصليب. ولكنِ انظروا إلينا. أليس الأمرُ غريبًا؟ فنحن نستحقُّ الاحتقارَ، ولكننا نَحصُلُ على المجد. ونحن نستحق الكراهية، ولكننا نَحصُلُ على المحبة الإلهيَّة. ونحن نستحق الرفض ولكنَّ الله أعطانا البُنُوَّة. ونحن نستحق السخريَّة، ولكننا نحصل على المشاعر المتدفقة. ونحن نستحق الفقر، ولكنه يُعطينا الغِنى. ونحن نستحق لعنة الخطيَّة، ولكنه يُعطينا بِرَّهُ. ثُمَّ إنْ لم يَسِرْ كُلُّ شيءٍ كما نُريد في حياتنا فإننا نتذمَّر. أترون؟ وهذا لا يجوز. أليس كذلك؟
وبِحسبِ أُسطورةٍ انتشرتْ في القرون الوسطى، تَمَّ إرسالُ مَلاكَيْنِ إلى الأرض. وقد أَرْسَلَ الربُّ واحدًا منهما لِجَمْعِ جميع الطِلْبات، أمَّا الآخر فكان مُرسلاً لِجَمْعِ التشكُّرات. وقد رجع الملاكُ المسؤول عن جَمْعِ الطِّلْباتِ وهو غير قادر على حَمْلِها. أمَّا الملاكُ الذي أُرْسِلَ لِجَمْعِ التشكُّرات فقد رجع بحَفْنَةٍ صغيرةٍ مِنَ التشكُّرات في يده. فهذا هو ما تقوله الأسطورة. والأساطير قد تكونُ بعيدة الاحتمال ورائعة. ولكني أخشى أنْ تكونَ هذه الأسطورة صحيحة. فنحن بارعون في تقديم الطِلْبات. أليس كذلك؟ وهذا شَبيهٌ بأنْ أُوَقِّعَ اسْمي وأكْتُبَ تَحْتَهُ: "عَبْدُكَ الأنانيُّ: ’يُوحَنَّا‘". فنحن مُقصِّرون جدًّا في تقديم الشُكر. وربما كانت هذه هي الخطيَّة الأكثر شيوعًا لجميع القديسين. فمتى ينبغي أن نُقدِّم الشُكر؟ دائمًا. وعلى ماذا ينبغي أن نكون شكورين؟ على كل شيء. وكيف ينبغي أن نُقدِّم الشُكر؟ في اسم المسيح. وأخيرًا، إلى مَنْ ينبغي أن نُقدِّم شُكرنا؟ إلى الله الآب. فنخن نقرأ في العدد 20 مَرَّةً أخرى: "للهِ وَالآب".
وأنا أُحِبُّ حقيقةَ أنَّ بولُس يَستخدمُ الكلمة "آبّ" لأنَّ موقف الله صاحب الإحسان هو المُبيَّن هنا. فاللهُ في أُبُوَّتِه هو الذي يُغْدِقُ علينا العطايا تعبيرًا عن محبته لنا. والله الآب هو الذي يُؤكِّد محبته لأولاده. وهو الذي يُعطينا دائمًا وأبدًا العطايا. فَهُوَ أبو الأَنْوَارِ "الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ" الَّذي تِنْزِلُ مِنْهُ كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ". فكُل شيء يأتي منهُ. فحتى الأشياء التي نحصل عليها مِن خلال الأشخاص الآخرين هي مِنَ الله لأنه هو الذي يعمل مِنْ خلال الأشخاص الآخرين. فالمسيح يُرنِّم مِن خلالنا. والمسيح يشكُر الله مِن خلالنا. والمسيح يُعطي مِن خلالنا.
وقد أُتيحت لي مُؤخَّرًا فُرصة تقديم شيءٍ لشخصٍ ما. فقد كانت لديهِ حاجة، وقد سُرِرْتُ وفَرِحْتُ بتقديم شيءٍ لِسَدِّ تلك الحاجة. وأنا أُحبُّ دائمًا رَدَّ فِعْلِ الناس عندما أفعلُ ذلك. وقد تَسَلَّمْتُ رسالةً رائعةً. وما أَثارَ دهشتي هو أنَّ الرِّسالة كُلَّها كانتْ شُكرًا لله. وقد كان ذلك مُنعِشًا لفؤادي. فقد كانت الرِّسالةُ بِمُجْمَلِها تُعَبِّر عنِ الشُّكرِ للرب. فالرسالة لم تقُل شيئًا عني، بل كانت شُكرًا للرب. وكما تَرَوْنَ، فإنَّ ذلك الشخصَ أَدْرَكَ أنَّ اللهَ هو مصدر كل الأشياء. فعندما نبتدئ في تقديم الشُكر بعضنا لبعض، فإنَّ ذلك يزيدُ المُجامَلاتِ أكثر فأكثر. ولكِنْ عندما نَرى أنَّ الله هو مَصدر كل شيء، نكون قد فَهِمْنا ما جاء في أفسس 5: 20.
اسمعوني: إذا كُنتم ممتلئين بالروح، فمن جِهتكم ستُرنِّمون، ومِنْ جهة الله ستُقدِّمون الشُكر. والعهدُ الجديدُ يدعونا إلى ذلك مِرارًا وتَكرارًا. فنحن نَرى ذلك في المزمور 30، والمزمور 50، والمزمور 69، والمزمور 92، و 95، و 100، و 105، و 116، وغيرها. فهذه المزامير تدعونا إلى تقديم الشُكر لله، وتقديم الشُكر لله، وتقديم الشُكر لله. ونحن نقرأ في رسالة رومية 1: 21 أنَّ الوثنيين كانوا يسلكون بالطريقة التالية: "لأَنَّهُمْ لَمَّا عَرَفُوا اللهَ لَمْ يُمَجِّدُوهُ أَوْ يَشْكُرُوهُ كَإِلهٍ". أَتَرَوْنَ ذلك؟ فهذه هي الصِّفَة الَّتي يَتَّصِف بها العالم الَّذي لم يَختبر التَّجديد: عدم الشُّكْر. فالله يريد مِنْ شعبه أن يكونَ شَكورًا. وبولس يقولُ لمُؤمِني فيلبِّي: "لاَ تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ، بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ مَعَ الشُّكْرِ، لِتُعْلَمْ طِلْبَاتُكُمْ لَدَى اللهِ". معَ الشُّكر. وَهُوَ يوصينا في رسالة كولوسي 2: 7 أنْ نكونَ شاكِرينَ لله. ونقرأ في الرسالة إلى العِبرانيِّين 13: 15: "فَلْنُقَدِّمْ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ ِللهِ ذَبِيحَةَ التَّسْبِيحِ، أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِاسْمِهِ". وفي العهد القديم، كان بعض الكَهنة اللَّاوِيِّين مُتفرِّغينَ لقيادة الشَّعب في تقديم الشُّكْر.
وهل تعلمون أنَّ جميع الأعياد والاحتفالات لدى بني إسرائيل كانت غايتها الشُكر؟ فالغاية الرئيسيَّة مِنْ كل عيدٍ تذكاريٍّ (مثل عيدِ الأسابيع، وعيدِ المَظَالّ، وعيد الأبواق، وعيد الخمسين، وعيد الفِصْح)، كانت جميعُها تُعَبِّرُ عَنْ شُكْرِ الأُمَّة بأسْرِها للهِ الذي أَظْهَرَ لشعبه كُلَّ محبة ونعمة.
والآن، اسمعوني: سوف أَخْتِمُ هذه النقطة بقول الآتي: يُمكنكم أن تَتجاوبوا بثلاثِ طُرق. فهناك ثلاثُ فِئاتٍ مِنَ الناس عندما يَختصُّ الأمر بالشُكْر، وهو الأمر الذي سننظر إليه في الختام. وأنا أريد منكم أن تنظروا إلى إنجيل لوقا لكي تَرَوْا هذه الفِئاتِ في الأصحاح 12 - لوقا والأصحاح 12. أولاً، هناك أُناسٌ لا يُقدِّمون الشُكرَ البتَّة. وهذه هي فئة الأشخاص الذين لا يشكُرون الله البتَّة على أيِّ شيء. فهم يعتقدون أنهم يفعلون كل شيء بأنفسهم. وهم يعتقدون أنهم مُكتفون بذواتهم. فنحن نقرأ في إنجيل لوقا 12: 16: "وَضَرَبَ لَهُمْ مَثَلاً قَائِلاً: «إِنْسَانٌ غَنِيٌّ أَخْصَبَتْ كُورَتُهُ، فَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ قَائِلاً: مَاذَا أَعْمَلُ، لأَنْ لَيْسَ لِي مَوْضِعٌ أَجْمَعُ فِيهِ أَثْمَارِي؟ وَقَالَ: أَعْمَلُ هذَا: أَهْدِمُ مَخَازِنِي وَأَبْنِي أَعْظَمَ، وَأَجْمَعُ هُنَاكَ جَمِيعَ غَّلاَتِي وَخَيْرَاتِي". بعبارة أخرى: انظروا إلى ما فعلت! فأنا الَّذي زَرَعْتُ هذا كُلَّهُ! أليسَ ما فَعلتُهُ عظيمًا؟ سوفَ أَجْمَعُ هناكَ جَميعَ غَلاَّتي. "وَأَقُولُ لِنَفْسِي: يَا نَفْسُ لَكِ خَيْرَاتٌ كَثِيرَةٌ، مَوْضُوعَةٌ لِسِنِينَ كَثِيرَةٍ. اِسْتَرِيحِي وَكُلِي وَاشْرَبِي وَافْرَحِي!" بعبارة أخرى: سوفَ أَصرفُ الجُزءَ المُتبقِّي مِن حياتي في الاستمتاعِ بكُلِّ ما جَنَيْتهُ. "فَقَالَ لَهُ اللهُ: يَا غَبِيُّ! هذِهِ اللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ، فَهذِهِ الَّتِي أَعْدَدْتَهَا لِمَنْ تَكُونُ؟ هكَذَا الَّذِي يَكْنِزُ لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ هُوَ غَنِيًّا للهِ»".
وقد تقول: "ما المقصود بذلك؟" إليكم القصد: لم يكن ذلك الشخص يعتقد أنه مَدين لله بأي شيء لأنه لم يكن يعتقد أنَّ الله مصدر أي شيء. أترون؟ فقد كان يظن أنه فعل كل شيء بنفسه. "انظروا إلى ما صَنعت، فسوف أَصْرِفُ بقية حياتي في التمتع بإنجازاتي". ولكنَّ الله قالَ لَهُ: "سوف تموت الليلة. سوف تموت الليلة. لأنك لم تُقِّر بأنَّهُ لا يمكن لأيِّ شيءٍ أنْ ينمو في أيِّ مكان إلاَّ إذا سمحَ اللهُ بذلك. فلا وجود للتربة ولا وجود للمحاصيل إلاَّ بسماح الله. وأنت لم تكن غنيًّا لله، وأنت لم تُقِّر أنَّ الله هو مصدر كل شيء. لذلك سوف تخسر كل شيء". أترون؟ وهؤلاء هم الأشخاص غير الشاكرين على أي شيء. فهم يظنون أنهم أصحاب الفضل، وأنهم جَنَوا ثروتهم بأنفسهم، وأنهم شَقُّوا طريقهم في الحياة بأنفسهم، وأنهم عِصَامِيُّونَ، وأنهم قاموا بكل شيء بمفردِهِم، وأنَّ الله لم يَقُمْ بأيِّ دَوْر. فهذه هي الفئة الأولى. وربما تكونُ واحدًا مِنْ هؤلاء الأشخاص الذين لا يشكرون البتَّة.
ثم هناك الأشخاص الذين يشكُرونَ، ولكنهم مُراؤون. انظروا إلى الأصحاح 18 مِن إنجيل لوقا. فهذا شُكرٌ زائفٌ. فنحن نجد في إنجيل لوقا 18: 9 مَثَلاً آخر على الأشخاص الذين يَتَّكِلون على أنفسهم بأنهم أبرارٌ ذاتيًّا وأنهم صالحون مِن تلقاء ذواتهِم. "إِنْسَانَانِ صَعِدَا إِلَى الْهَيْكَلِ لِيُصَلِّيَا، وَاحِدٌ فَرِّيسِيٌّ وَالآخَرُ عَشَّارٌ. أَمَّا الْفَرِّيسِيُّ فَوَقَفَ يُصَلِّي فِي نَفْسِهِ هكَذَا" – ولاحِظوا أنَّهُ يُكَلِّمُ نَفسَهُ قائلًا: "اَللّهُمَّ". فهوَ يَعبُدُ نفسَهُ ويُرَكِّزُ على نفسِهِ قائلًا: "أنا أشكُرُكَ". والان، اسَمعوني: إنَّ هذا الشخص لم يكن يَملكُ ذَرَّةَ شُكْرٍ في قلبه. فهو لا يشكر أحدًا سِوى نفسِه. فَلِسانُ حَالِهِ هُوَ: "أنا شاكِرٌ جِدًّا لنفسي على ما صَنَعْت". أتَرَوْن؟ ولكنه يحاولُ أن يَتظاهر بأنه يَعبدُ الله: "أَنَا أَشْكُرُكَ أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي النَّاسِ الْخَاطِفِينَ الظَّالِمِينَ الزُّنَاةِ، وَلاَ مِثْلَ هذَا الْعَشَّارِ". بعبارة أخرى: "أنا شَاكِرٌ جدًّا لأنِّي رائعٌ جدًّا". أتَرَوْن؟
وَأَمَّا الرَّجُلُ الآخَرُ "الْعَشَّارُ فَوَقَفَ مِنْ بَعِيدٍ، لاَ يَشَاءُ أَنْ يَرْفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ، بَلْ قَرَعَ عَلَى صَدْرِهِ قَائِلاً: اللّهُمَّ ارْحَمْنِي، أَنَا الْخَاطِئَ". وقد قال يسوعُ: "إِنَّ هذَا نَزَلَ إِلَى بَيْتِهِ مُبَرَّرًا دُونَ ذَاكَ، لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ، وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ". وكما ترون، هناك أشخاصٌ لا يُقدِّمون الشُكر البتَّة، وهناك أشخاصٌ آخرون يُقدِّمون الشُكر لأنفسهِم ويتظاهرونَ أنَّهم يشكرون الله. فهم أَبرارٌ في أعين أنفسهم - وهذا رِياء. وهناك فئة ثالثة وردت في لوقا 17، وهي تَصِفُ الأشخاصَ الشاكرين حقًّا. وهذه قصة جميلة. وسوف أَقرأُوها على مَسامعِكُم بسرعة.
فنحنُ نقرأ ابتداءً مِنَ العدد 11 مِنْ إنْجيل لوقا 17: "وَفِي ذَهَابِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ اجْتَازَ فِي وَسْطِ السَّامِرَةِ وَالْجَلِيلِ. وَفِيمَا هُوَ دَاخِلٌ إِلَى قَرْيَةٍ اسْتَقْبَلَهُ عَشَرَةُ رِجَال بُرْصٍ، فَوَقَفُوا مِنْ بَعِيدٍ وَرَفَعوُا صَوْتًا قَائِلِينَ: «يَا يَسُوعُ، يَا مُعَلِّمُ، ارْحَمْنَا!». فَنَظَرَ وَقَالَ لَهُمُ: «اذْهَبُوا وَأَرُوا أَنْفُسَكُمْ لِلْكَهَنَةِ». وَفِيمَا هُمْ مُنْطَلِقُونَ طَهَرُوا. فَوَاحِدٌ مِنْهُمْ" – كم واحد؟ واحدٌ مِنهم. واحدٌ فقط مِنَ العَشَرَة؟ "لَمَّا رَأَى أَنَّهُ شُفِيَ، رَجَعَ يُمَجِّدُ اللهَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ شَاكِرًا لَهُ". وما أعنيه هو أنَّ واحدًا فقط كانَ شاكِرًا مِنَ العَشَرَة؟ "وَكَانَ سَامِرِيًّا" – أيْ مِنْ نَسْلٍ مُخْتَلَطٍ ومَنْبوذ. "فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: «أَلَيْسَ الْعَشَرَةُ قَدْ طَهَرُوا؟ فَأَيْنَ التِّسْعَةُ؟ أَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَرْجِعُ لِيُعْطِيَ مَجْدًا للهِ غَيْرُ هذَا الْغَرِيبِ الْجِنْسِ؟» ثُمَّ قَالَ لَهُ: «قُمْ وَامْضِ، إِيمَانُكَ خَلَّصَكَ»". وأعتقد أنَّ المعنى المقصود هنا هو أنَّ العَشَرَة قد نالوا الشِّفاءَ، ولكنَّ واحدًا فقط هو الَّذي نَالَ الخَلاص.
اسمعوني: إنَّ هذا الشُّكْرَ هُوَ شُكرٌ حقيقيّ. إنَّهُ شُكرٌ حقيقيّ. لقد حصل الآخرون على ما أرادوا، وكان ما أرادوه هو تحقيق غاياتِهِم الأنانيَّة. فقد أرادوا أنْ يَتخلَّصوا مِنْ مَرَضِهم الذي جعلهُم مَنبوذين اجتماعيًّا. أمَّا الشخصُ الآخر الذي يُشكِّل الأقليَّة فقد قدَّمَ للمسيح ما أرادهُ المسيح: المجد. هل تَرَوْنَ الفرق؟ فالبعض مِنَّا يشعرُ بالرضا عند الحصول على ما يُريد مِنْ دونِ التفكيرِ في المسيح. وهناك أشخاص آخرون يُفكِّرون في المجد الذي يَطْلُبُهُ المسيحُ ويستحقُّه. فالامْتِنانُ، يا أحبَّائي، يُعَبِّرُ عَنِ الإنسانِ في أَحْسَنِ أَحْوالِهِ، والجُحودُ يُعَبِّرُ عَنِ الإنسانِ في أَسْوأِ أحوالِهِ. وقد قال داود: "لأُسَمِّعَ بِصَوْتِ الْحَمْدِ، وَأُحَدِّثَ بِجَمِيعِ عَجَائِبِكَ". وخِلافًا لكل الناس، يجب علينا أن نكون شاكرينَ، كما تَعلمون. وحتَّى لو لم نحصل على أي شيء سوى يسوع المسيح، يجب علينا أن نكون شاكرين. أليس كذلك؟ لأنه إنْ كُنَّا نمتلك المسيح فإننا نمتلك كل شيء إلى أبد الآبدين.
ذات يومٍ، تَمَّ استدعاءُ أحدِ المُرْسَلين العاملين في مدينة لُندن إلى بنايةٍ قديمة تَحوي عددًا مِنَ الشُّقَق. فقد كانت هناك سيدة على فراش الموت في المراحل الأخيرة مِن مرضها. وقد كانت الغرفة صغيرة وباردة. وكانت السيدة تَرْقُدُ على الأرض. وقد حاول هذا المُرسَل أن يُساعد هذه السيدة فسألها إنْ كانت تُريدُ أيَّ شيء. وإليكم ما قالته: "لَدَيَّ كُلُّ ما أحتاج، فأنا لديَّ يسوع المسيح". ولم يتمكن ذلك المُرسَل مِنْ نسيان ما قالته. لذا فقد خَرَجَ مِنْ هناكَ وكَتَبَ الكلمات التالية: "في قلب مدينة لُندن، في وَسَطِ حَيٍّ فقيرٍ، قِيْلَتْ هذه الكلمات الذَّهبيَّة الرائعة: ’لديَّ المسيح، فما الذي أريدُه أكثر مِن ذلك؟‘ وقد كان مَنْ نَطَق بهذه الكلمات سيِّدة وحيدة تُحْتَضَر على أرضيَّة غُرفة صغيرة، ولا تتمتَّع بأيِّ راحة أرضيَّة: ’لديَّ المسيح، فما الَّذي أريدُه أكثر مِن ذلك؟‘ فالشخصُ الَّذي سَمِعَها رَكَضَ لكي يُحضر لها شيئًا مِن مَتْجَر العالم الكبير، ولكِنْ لم تكن هناك حاجة لذلك لأنَّها ماتت وهي تقول: ’لديَّ المسيح، فما الَّذي أريدُه أكثر مِن ذلك؟‘ لذلك، عزيزي الخاطئ، سواء كنتَ مِنَ الطَّبقة العُليا أوِ الدُّنيا، غنيًّا أو فقيرًا، هل يمكنك أن تقول بامتنانٍ عميق: ’لديَّ المسيح، فما الَّذي أريدُه أكثر مِن ذلك؟‘" لِنَحْنِ رُؤوسَنا للصَّلاة:
نشكُرك يا أبانا لأنَّ لدينا المسيح، ولأنَّ الأغلبيَّة مِنَّا يَمتلكونَ الكثيرَ مِنْ عطاياك السَّخِيَّة. أَعْطِنا أنْ نكون مُمْتَنِّينَ دائمًا، وأنْ نكون شاكرين دائمًا، وأنْ يَنْبُعَ شُكْرُنا مِنْ قلوبٍ متواضعةٍ بسبب امتلائها مِنْ روحِكَ. باسم يسوعَ نُصَلِّي. آمين.
This article is also available and sold as a booklet.