إنجيل مَتَّى، الأصحاح السَّادِس، والأعداد مِنْ 9 إلى 13. أَوَدُّ أن أقرأَ مَرَّةً أخرى هذا المَقطعَ على مَسامِعِكُم حَتَّى نُهَيّئَ أنفُسَنا لما يُريدُ رُوحُ اللهِ أنْ يَقولَهُ لنا في هذهِ الدِّراسَة في هذا الصَّباح، ابتداءً مِنَ العَدَد 9 مِنَ الأصحاحِ السَّادِس: "فَصَلُّوا أَنْتُمْ هكَذَا: أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. لِيَأتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ. خُبْزَنَا كَفَافَـنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ. وَاغْفِرْ لَــنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضًا لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا. وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ. لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ، وَالْقُوَّةَ، وَالْمَجْدَ، إِلَى الأَبَدِ. آمِين".
إنَّ الكتابَ المقدَّسَ يُعَلِّمُنا قُوَّةَ الصَّلاة. وأنا أُوْمِنُ بذلكَ حَقًّا. فأنا أُوْمِنُ أنَّ الصَّلاةَ تَصْنَعُ فَرْقًا، وأُوْمِنُ أنَّ الصَّلاةَ فَعَّالة، وأُوْمِنُ أنَّ الصَّلاةَ تَعْمَل. فقد صَلَّى خَادِمُ إبراهيم فَظَهَرَتْ رِفْقَة. وقد تَصَارَعَ يَعقوبُ مَعَ اللهِ وَصَلَّى وَقَدرَ فَتَغَيَّرَ فِكْرُ عيسو وَتَرَاجَعَ عَنِ انْتِقامٍ دَامَ تَفْكيرُهُ فيهِ نَحْوَ عِشرينَ سنة. وقد صَلَّى يَشوعُ فَكُشِفَتْ خَطيئَةُ عَخَان. وقد صَلَّتْ حَنَّة فَوُلِدَ صَموئيل. وقد صَلَّى دَاوُدُ فَشَنَقَ أَخِيتوفَل نَفسَهُ. وقد صَلَّى آسَا فَتَحَقَّقَ النَّصْرُ. وقد صَلَّى يَهوشافاط فَرَدَّ اللهُ أعداءَهُ. وقد صَلَّى إشَعْياءُ وَحَزَقِيَّا فَماتَ خِلالَ اثنتي عَشْرَةَ سَاعة مِئةٌ وخمسةٌ وثمانونَ ألفًا مِنَ الأشورِيِّين. وقد صَلَّى مُرْدَخاي وأَستير فَفَشِلَتِ مَكيدَةُ إبادَةِ اليَهودِ، وَعُلِّقَ هَامان على مِشْنَقَتِهِ الَّتي صَنَعَها بِنَفسِه. وقد صَلَّى عَزْرا في "أَهْوا" فاستجابَ اللهُ. وقد صَلَّى نَحَمْيا فَرَقَّ قَلْبُ المَلِكِ في لَحظة. وقد صَلَّى إيليَّا فَصارَ جَفافٌ دَامَ ثَلاثَ سِنين. وقد صَلَّى مَرَّةً أخرى فَنَزَلَ المَطر. وقد صَلَّى أليشَع فَقامَ وَلَدٌ مِنَ الموتِ. وقد صَلَّى المُؤمِنونَ فَخَرَجَ بُطرُسُ مِنَ السِّجْن. وَهَلُمَّ جَرَّا.
فأنا أُوْمِنُ أنَّ الصَّلاةَ تَعمل. وأنا أُوْمِنُ أنَّ الصَّلاةَ فَعَّالة لأنَّ هُناكَ سِجِلًّا يُظْهِرُ فاعِلِيَّتَها مُعْلَنٌ في الكتابِ المقدَّس. ولكِنْ فَضْلاً عن ذلك، هناكَ الكَلامُ الواضِحُ الَّذي تَقولُهُ كَلِمَةُ اللهِ نَفسُها بأنَّ الصَّلاةَ فَعَّالة. ففي رِسالة يَعقوب 5: 16، نَقرأُ: "طَلِبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا". كذلك، هُناكَ مَثَلٌ عَمَلِيٌّ على أنَّ طِلْبَةَ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا: "كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَانًا تَحْتَ الآلاَمِ مِثْلَنَا، وَصَلَّى صَلاَةً أَنْ لاَ تُمْطِرَ، فَلَمْ تُمْطِرْ عَلَى الأَرْضِ ثَلاَثَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ. ثُمَّ صَلَّى أَيْضًا، فَأَعْطَتِ السَّمَاءُ مَطَرًا، وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ ثَمَرَهَا".
وقد تَقولُ: "ولكِنَّ هذا إيليًّا. وقد كانَ إيليَّا نَبِيًّا". لِذا فإنَّ يَعقوبَ يَذْكُرُ هذهِ الجُملةَ القَصيرة: "كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَانًا تَحْتَ الآلاَمِ مِثْلَنَا". فَما دامَ اللهُ قد أَجابَ صَلاةَ إيليًّا، فإنَّهُ سَيُجيبُ صَلواتِنا. صَحيحٌ أنَّنا قد لا نُصَلِّي نفسَ الصَّلواتِ لأنَّنا لم نَحصُل على نفسِ الإعلانِ مِنَ اللهِ بأنَّ هذهِ هي مَشيئَتُه، ولكِنَّنا إنْ كُنَّا مُتَّفِقينَ مَعَ مَشيئَةِ اللهِ فإنَّ لَدينا كُلَّ الحَقِّ في أنْ نَتوقَّعَ مِنَ اللهِ أنْ يَتحرَّك. "طَلِبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا". فيجبُ علينا أنْ نُصَلِّي. وقد قالَ يسوعُ إنَّهُ "يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ". وقد قالَ بولُس إنَّهُ يَنبغي أنْ نُصَلِّي بِلا انقطاع. وقد قالَ بولسُ إنَّهُ يَنبغي أنْ نُصَلِّي دائمًا بِكُلِّ صَلاةٍ وَدُعاءٍ. وأنا أُوْمِنُ أنَّ اللهَ يُجيبُ الصَّلاةَ بِصورةٍ مُحَدَّدةٍ جدًّا ومُباشِرةٍ جدًّا. فاللهُ يُجيبُ الصَّلاة.
وهذا يأتي بِنا إلى موضوعٍ مُدهشٍ جِدًّا ... إلى موضوعٍ مُدهشٍ جِدًّا. والجُملةُ الَّتي نُريدُ أنْ نُرَكِّزَ عليها في هذا الصَّباحِ في دراسَتِنا هي: "لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ". وَبِمُجَرِّدِ أنْ نَقولَ هذهِ الكلماتِ، فإنَّنا نَجِدُ أنفُسَنا أمامَ مُعْضِلَة! فهل يَنبغي لنا حقًّا أن نقول: "يا رَبّ، لِتَكُن مَشيئَتُك"؟ أليسَ اللهُ صَاحِبَ السِّيادة في كُلِّ الأحوال؟ أليسَ مِنَ العَبَثِ أنْ نَقولَ ذلك؟ أليسَ مِنَ الواضِحِ أنَّ مَشيئةَ اللهِ سَتَتحقَّق؟ وَحَتَّى إنَّ بعضَ الأشخاصِ تَوَسَّعوا في هذهِ الفِكرة فَشَكَّكُوا في صِحَّةِ هذهِ الصَّلاةِ جُمْلَةً وَتَفْصيلاً. والسُّؤالُ الَّذي يُطْرَحُ دائمًا هو: أليسَ اللهُ صَاحِبَ السِّيادة المُطْلَقة؟ أَلا يَعْرِفُ البِدايةَ والنِّهايةَ وَيُقَرِّرُ كُلَّ ما يَحْدُثُ بينَهُما؟ أليسَ اللهُ مَسؤولاً عن كُلِّ شَيء؟ وإنْ كانَ كذلك، وكانَ كُلُّ شيءٍ يَعملُ وَفْقَ خُطَّتِهِ، وكانَ كُلُّ شيءٍ يَسيرُ بالطَّريقةِ الَّتي يُريدُ أنْ تَسيرَ بها، فَلِماذا نُصَلِّي قائلينَ: "لِتَكُنْ مَشيئَتُكَ"؟ أَلَنْ تَتَحَقَّقَ مَشيئَتُهُ في جَميعِ الأحوال؟
ثُمَّ يأتي السُّؤال: "هلِ يُغَيِّرُ اللهُ رَأيَهُ؟" وهل نُصَلِّي حَقًّا حَتَّى نَدْفَعَ اللهَ إلى القِيامِ بشيءٍ مُختلِفٍ عَمَّا خَطَّطَ لَهُ أَصْلاً؟ وقد يَقولُ شخصٌ آخر: "هل تَتَغَلَّبُ مَشيئَتُنا على مَشيئةِ اللهِ؟" وهل يَشاءُ اللهُ شيئًا ما، ولكِنْ إنْ صَلَّيْنا بِلَجاجَة فإنَّهُ يَقولُ: "حسنًا! ما دُمْتَ تُصِرُّ على ذلك، يُمْكِنُكَ أنْ تَحْصُلَ على طِلْبَتِك"؟ وهلِ اللهُ مُلْزَمٌ بأنْ يَسْتَجيبَ لِصَلواتِنا أَصْلاً؟ وكيفَ تَتوافَقُ الصَّلاةُ مَعَ شخصِ اللهِ؟ أعتقد أنَّهُ يمكنكم أنْ تُلَخِّصوا ذلكَ كُلَّهُ في سُؤالَيْنِ بَسيطَيْن: إنْ كانَ اللهُ هُوَ صَاحِبُ السِّيادة، ما الحاجةُ إلى الصَّلاة؟ إنْ كانَ اللهُ هُوَ صَاحِبُ السِّيادة، ما الحاجةُ إلى الصَّلاة؟ أوْ قد نَطْرَحُ سُؤالاً آخرَ: إنْ كانَ اللهُ يُوْصينا بأنْ نُصَلِّي، كيفَ يَكونُ هُوَ صَاحِبُ السِّيادَة؟
وأنا أعتقدُ أنَّ هُناكَ إجابة لِذلكَ السُّؤال، ولكنِّي لا أعرِفُها ... لأنَّني أُوْمِنُ أنَّ هذهِ واحِدة مِنْ أكبرِ المُفارَقاتِ في الكتابِ المقدَّسِ. وهَذا يُخْبِرُني مَرَّةً أخرى بأنَّ عَقْلَ اللهِ أكبر بِكَثير مِنْ عَقلي لأنَّ هذهِ المُعْضِلَة شَائِكة جدًّا في نَظَري؛ ولكِنْ ليسَ في نَظَرِ اللهِ. فَجَلالُ اللهِ، والفَجوةُ الهائلةُ بينَ أعظمِ القُدراتِ الفِكريَّة لدى الإنسانِ وَمَعرفةِ اللهِ، يَظْهَرانِ بأوضحِ صُورةٍ لي مِنْ خِلالِ حقيقةِ أنَّني لا أَمْلِكُ القُدرةَ على حَلِّ هذا التَّناقُضِ الظَّاهِرِيِّ الَّذي هو ليسَ تَناقُضًا البَتَّة في عَقْلِ اللهِ. وهُناكَ طُرُقٌ عديدة لتوضيحِ ذلك. فعلى سَبيلِ المِثال، إنْ قُلتُ لكم: "مَنْ كَتَبَ إنجيل مَتَّى؟" مِنَ المُرَجَّحِ أنَّني سأحصُلُ على إجابَتَيْن. فالبعضُ سيقولونَ: "مَتَّى"، والبعضُ سيقولونَ: "الرُّوحُ القُدُس". وأيُّهُما الجوابُ الصَّحيح؟ وقد تَقولُ: "مَتَّى والرُّوحُ القُدُس". وما الَّذي تَعنيه بذلك؟ هل تَعني أنَّ مَتَّى كَتَبَ آيَةً ثُمَّ قال: "حسنًا أيُّها الرُّوحُ القُدُس، حَانَ دَوْرُكَ لِتَكْتُب آيَةً"، وَهَكذا دَوَالَيْكَ؟ لا. فَهُما لم يَكْتُبا الآياتِ أوِ الأصحاحاتِ أوِ المَقاطِعَ بالتَّبادُل. وَهَلْ كانَ مَتَّى مُجَرَّدَ رَجُلٍ آلِيٍّ، وأنَّ الرُّوحُ القُدُسَ أَمْلى عليهِ النَّصَّ وَحَسْب؟ لا، لأنَّ مَتَّى استخدَمَ قَلبَهُ، وَرُوْحَهُ. وَلأنَّ مَتَّى سَكَبَ مَشاعِرَهُ. وَلأنَّ مَتَّى وَظَّفَ مُفْرَدَاتِهِ. فَالكاتِبُ هُوَ مَتَّى، ولكِنَّهُ الرُّوحُ القُدُسُ أيضًا. وقد تَقول: "لا يُمْكِنُكَ أنْ تَفعلَ شيئًا مَا بِنِسْبَةِ مِئَتَيْ بالمِئَة. ليسَ بالنِّسبةِ إليك. ولكِنَّ هذا يُذَكِّرُنا وَحَسْب بالفَرْقِ الشَّاسِعِ بينَنا وبينَ الله.
وإنْ قُلتُ لكم: "مَنِ الَّذي يَحْيا حَياتَكُم المسيحيَّة؟" سَتَقولون: "لا أنا، بَلِ المَسيحُ يَحْيا فِيَّ". وبالرَّغمِ مِن ذلكَ فإنَّ بولسَ يَقول: "بَلْ أَقْمَعُ جَسَدِي وَأَسْتَعْبِدُهُ". فَمَنِ الَّذي يَفعلُ ذلكَ: أنتَ أَمْ هُوَ؟ كِلاكُما. فينبغي أنْ تَفعلَ ذلكَ بِكُلِّ كِيانِكَ، وبِتَكريسٍ كَامِل، وأنْ تُقَدِّمَ جَسَدَكَ ذَبيحةً حَيَّة. ولكِنَّ الكُلَّ مِنْهُ: "لا أنا، بَلِ المَسيح". وكيفَ يَكونُ ذلكَ أنا بِجُمْلَتي وَهُوَ بِجُمْلَتِه؟ لا يُمكِنُكَ أنْ تَستوعِبَ ذلكَ بِعَقلِك؛ ولكِنَّ ذلكَ هُوَ دَليلٌ آخر على أنَّ اللهَ يَفوقُ قُدرَتَنا على الاستيعاب. وإنْ سألتُكُم: "هل كانَ يَسوعُ إلَهًا أَمْ إنسانًا؟" ماذا سَيَكونُ رَدُّكُم؟ أجل. وهذا يُشبِهُ السُّؤالَ القَديمَ: "هَلِ الطَّقْسُ أكثرَ بُرودَةً في الجِبالِ أَمْ في الشِّتاء؟" أجل. وَمَرَّةً أخرى، فإنَّكُم أمامَ تَناقُضٍ ظَاهِرِيّ. فَهُوَ اللهُ 100%. وَهُوَ إنسانٌ 100%. ولا يُمكِنُكَ أنْ تكونَ شيئًا ما 200%. ولكِنْ في عَقْلِكَ فقط بسببِ مَحدودِيَّاتِ عُقولِنا. فهذا تَناقُضٌ ظَاهِرِيّ.
وكيفَ صِرْتَ مُؤمِنًا مَسيحيًّا؟ قد تَقول: "لقد اختارَني اللهُ قبلَ تأسيسِ العالَم. فقدِ اختارَني، وَكَتَبَ اسْمي في سِفْرِ حَياةِ الخَروف. فقد حَدَثَ ذلكَ بِمُقْتَضى التَّعيينِ السَّابِق". ولكِنْ كيفَ صِرْتَ مُؤمِنًا مَسيحيًّا؟ "لقد صِرْتُ كذلكَ لأنَّني اخْتَرْتُ يَسوعَ المسيح". هل أنْتَ مَنْ فَعَلَ ذلكَ أَمْ هُوَ؟ كِلاكُما. بِكُلِّ كِيانِكُما؟ أجل. مِنْ كُلِّ القلب. بِكُلِّ كِيانِهِ؟ أجل. فهذا حَدَثَ في صَميمِ سِيادَتِه. وكيفَ يُمْكِنُ أنْ تَفهَموا كِلا هَذينِ الجَانِبَيْن؟ اسمعوني؟ أنا أُوْمِنُ بِهِما كِلَيْهِما. وأرجو مِنْكُمْ عندما تَجِدونَ تَناقُضًا ظاهريًّا كَهذا في الكتابِ المقدَّسِ (وَهِيَ موجودة في كُلِّ الأمورِ المُهِمَّةِ المُختصَّة بالعقيدة)، لا تَخْرُجوا بِحَلٍّ وَسَطٍ وَتُفْسِدوا كِلا الجَانِبَيْن. فهذهِ هي التَّجرِبة. فهي تُشْبِهُ شخصًا قال: "الخَلاصُ يَعني أنْ يُصَوِّتَ اللهُ لأجلِك، وأنْ يُصَوِّتَ الشَّيطانُ ضِدَّك، وأنْ تُصَوِّتَ أنْتَ الصَّوْتَ الحَاسِم". فهذا غير صحيح. لا تُحاوِلوا أنْ تَخْرُجوا بِحَلٍّ وَسَط؛ بلِ اسْمَحوا لِجانِبَيِّ التَّناقُضِ الظَّاهِرِّي أنْ يُوْجَدا مَعًا.
اسمعوني: إنَّ اللهَ هُوَ صَاحِبُ السِّيادة. واللهُ عَيَّنَ سَابِقًا كيفَ سَيَسيرُ الكَوْنُ. واللهُ يَعْرِفُ النِّهاية مُنْذُ البِداية. واللهُ سَيَفْعَلُ ما يُريدُ أنْ يَفعل. مِنْ جِهَة أخرى، فإنَّ الصَّلاةَ تَعْمَل. وإنْ لم تَفهموا كيفَ يُوْجَدُ هذانِ الأمرانِ مَعًا، لا تَسمحوا لِلاهُوتِكُم أنْ يُدَمِّرَ حَياةَ الصَّلاةِ لَديكم. وهذا يَحْدُثُ أحيانًا. ولكِنْ إنْ قُلْتَ: "ما دَامَ الأمرُ سَيَتِمُّ بِحَسَبِ مَشيئَةِ اللهِ بأيِّ حَالٍ مِنَ الأحوال، ما الحاجَةُ إلى الصَّلاةِ"، تَكونُ قد أَنْكَرْتَ حَرْفِيًّا الكتابَ المقدَّس.
والآن، عندَ النَّظَرِ إلى الجُملة: "لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ"، نَكونُ قد فَتَحْنا البابَ على مِصْراعَيْهِ لآفاقٍ واسِعَةٍ جِدًّا مِنَ الفَهْم. ولا مُبَرِّرَ لأنْ تَقلقوا لأنَّنا لن نَبتدئَ في الحَديثِ عن ذلكَ في هذا الصَّباح. فسوفَ يَستغرِقُ الأمرُ بعضَ الوقت. "لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ". والآن، ماذا عَنْ هذهِ الصَّلاة؟ انظروا إليها قليلاً مَرَّةً أخرى. فهل هذِهِ صَلاة طَقْسِيَّة ينبغي أنْ نُصَلِّيها كُلَّ صَباحِ أحَد؟ لا. صَحيحٌ أنَّهُ لا بأسَ في أنْ نَفعلَ ذلك، ولكِنِّي أعتقدُ أنَّ المُبالغةَ في تَرديدِ هذهِ الصَّلاةِ قد تُفْقِدُها مَعْناها، ولكِنْ لا يوجد خَطأ في أنْ نُصَلِّيها. ولكِنْ ما هذهِ الصَّلاة؟ إنَّها نَموذَجٌ لِكُلِّ صَلاةٍ. وآخِرُ شيءٍ يُريدُ اللهُ مِنْ أيِّ شَخصٍ أنْ يَفعلَهُ هو أنْ يُكَرِّرَ هذهِ الصَّلاةَ بطريقة رُوتينيَّة. فجيب أنْ تَنْبُعَ هذهِ الصَّلاةُ مِنْ قَلْبٍ مُكَرَّسٍ بِحَقّ. وما أَعنيه هو أنَّ هذهِ الصَّلاةَ ينبغي أنْ تَعْكِسَ حَالَ رُوْحِكَ، وَحالَ مَوقِفِكَ مِنَ اللهِ، وَحالَ ما في داخِلِك. ويجب أنْ تُصَلَّى في ظُروفٍ مُختلِفة، وبكلماتٍ مُختلِفة تَدورُ كُلُّها حَوْلَ نَفسِ هذهِ الأفكار.
واسمحوا لي أن أقولَ لكم ما أَعنيهِ بذلك. فقد عَبَّرَ كَاتِبٌ مَجهولٌ عن ذلكَ بالكلماتِ التَّالية: "لا يُمكنُني أنْ أقولَ ’أبانا‘ إنْ كُنْتُ أعيشُ فقط لِذاتي في عُزلة رُوحيَّة تامَّة. ولا يُمكنُني أنْ أقولَ ’أبانا‘ إنْ كُنتُ لا أَسْعَى في كُلِّ يومٍ إلى التَّصَرُّفِ كَابْنٍ لَهُ. ولا يُمكنُني أنْ أقولَ لَهُ ’الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ‘ إنْ لم يَكُنْ لَدَيَّ أيُّ كَنْزٍ هُناكَ. ولا يُمكنُني أنْ أقولَ ’لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ‘ إنْ لم أَكُنْ أَسْعى إلى حَياةِ القَداسة. ولا يُمكنُني أنْ أقولَ ’لِيَأتِ مَلَكُوتُكَ‘ إنْ لم أَكُن أفعلُ كُلَّ ما في وُسْعِي للتَّعجيلِ في حُدوثِ ذلكَ الحَدَثِ الرَّائِع. ولا يُمكنُني أنْ أقولَ ’لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ‘ إنْ كُنْتُ أَعْصِي كَلِمَتَهُ. ولا يُمكنُني أنْ أقولَ ’كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ‘ إنْ لم أَكُنْ أخْدِمُهُ هُنا والآن. ولا يُمكنُني أنْ أقولَ ’خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ‘ إنْ لم أَكُنْ أمينًا، أوْ إنْ كُنتُ أَسعى إلى الحُصولِ على الأشياءِ بِطُرُقٍ مَاكِرَة. ولا يُمكنُني أنْ أقولَ ’وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا‘ إنْ كُنْتُ أَرْعَى في قَلْبي ضَغيَنَةً تُجاهَ أيِّ شخصٍ. ولا يُمكنُني أنْ أقولَ ’وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ‘ إنْ كُنْتُ أَضَعُ نَفسي عَمْدًا في طَريقِها. ولا يُمكنُني أنْ أقولَ ’نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ‘ إنْ لم أَلْبَسْ سِلاحَ اللهِ الكَامِل. ولا يُمكنُني أنْ أقولَ ’لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ‘ إنْ لم أَكُنْ أُعْطي المَلِكَ الوَلاءَ الَّذي يَسْتَحِقُّهُ بِوَصْفي وَاحِدًا مِنْ رَعاياه الأُمَناء. ولا يُمكُنني أنْ أَنْسُبَ إليهِ القُوَّةَ إنْ كُنْتُ أَخافُ ما قَدْ يَفْعَلُهُ البَشَر. ولا يُمكُنني أنْ أَنْسُبَ إليهِ المَجْدَ إنْ كُنْتُ أَطْلُبُ المَجْدَ لِنَفسي فقط. ولا يُمكُنني أنْ أقولَ ’إِلَى الأَبَدِ‘ إنْ كانَ أُفُقُ حَياتي مَحْصُورًا تَمامًا في عَامِلِ الزَّمَن".
وما الَّذي يَعنيهِ بذلك؟ إنَّهُ يَقولُ إنَّ هذهِ الصَّلاةَ تُعَبِّرُ عن مَوقِفٍ قَلبيٍّ، وعن عَلاقةٍ سَليمَةٍ باللهِ. لِذا فإنَّها تَصيرُ نَموذَجًا للصَّلاةِ يُهَيْمِنُ على كُلِّ صَلواتِنا. فإنْ كانَ مَوْقِفُنا القَلْبِيُّ سَليمًا، سَنُصَلِّي هكذا.
والآن، ما الَّذي تَعَلَّمْناهُ حَتَّى الآن؟ لقد تَعَلَّمْنا أنَّ الصَّلاةَ تَبتدِئُ بِالإقرارِ بأُبوَّةِ اللهِ: "أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ"، ثُمَّ الإقرارُ بأَولويَّةِ اللهِ: "لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ"، ثُمَّ الإقرارُ بِبَرنامَجِ اللهِ: "لِيَأتِ مَلَكُوتُكَ"، والآن: الإقرارُ بِخُطَّةِ اللهِ: "لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْض". وَمَرَّةً أُخرى، فإنَّنا نُرَكِّزُ على اللهِ. فقد رأينا أُبَوَّةَ اللهِ. فعندما نُصَلِّي فإنَّنا نُقِرُّ في بِدايَةِ صَلاتِنا أنَّ اللهَ هُوَ أَبٌ مُحِبٌّ، وأنَّنا لا نَأتي إلى تِنِّينٍ مُرْعِبٍ، وأنَّنا لا نأتي إلى إلَهٍ شِرِّير، وأنَّنا لا نأتي خَائِفينَ ومَذْعُورينَ مِمَّا سَيَفْعَلُهُ بِنا؛ بل إنَّ اللهَ هُوَ أبونا المُحِبّ. وَهُوَ يُريدُ أنْ يَفْعَلَ مَا يَصُبُّ في مَصْلَحَتِنا، وأنَّهُ يُريدُ الخَيْرَ لنا. وليسَ هذا فقط، بل إنَّهُ في السَّماءِ [كَما تَقولُ الآيَةُ]. وهذا يَعني أنَّهُ يَمْلِكُ تحتَ تَصَرُّفِهِ كُلَّ المَوارِدِ الأبديَّةِ لِتَلبيةِ سُؤْلِ قَلْبِهِ مِنْ نَحْوِ أولادِهِ الأحِبَّاء. لِذا فإنَّنا نأتي إلى "أبينا الَّذي في السَّماء".
وأوَّلُ طِلْبَة نَقولُها هِيَ: "لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ". وهذهِ هي أولويَّةُ اللهِ. ونحنُ نَطْلُبُ أنْ يَتَقَدَّسَ اسْمُهُ فينا وَمِنْ خِلالِنا؛ أيْ أنْ يكونَ اسْمُهُ مُقَدَّسًا، أيْ أنْ يَتَقَدَّسَ اسْمُهُ. ثُمَّ إنَّنا نَرى بَرنامَجَ اللهِ: "لِيَأتِ مَلَكُوتُكَ". فَشَوْقُ قُلوبِنا هو أنْ يَظْهَرَ مَلكوتُهُ على الأرضِ. وَشَوْقُنا هو أنْ يُرَى حُكْمُهُ وَمَلَكوتُهُ هُنا. وقد وَضَّحْنا لكم أنَّ هذا يَحْدُثُ بثلاثِ طُرُق: الأولى، مِنْ خِلالِ الاهْتِداء؛ أيْ أنْ يأتي المَلكوتُ لأولئكَ الَّذينَ يُؤمِنون بأنْ يَصيرَ المَسيحُ سَيِّدًا على حَياتِهم. والطَّريقةُ الثَّانية هِيَ مِنْ خِلالِ التَّكريس إذْ يَعيشُ المُؤمِنُ في بِرِّ وَفَرَحِ وَسَلامِ الرُّوحِ القُدُس (كما جاءَ في رُومية 14)؛ أيْ أنْ يَظْهَرَ مَلكوتُ اللهِ في حَياتِهِ. والطَّريقةُ الثَّالثة هي مِنْ خِلالِ مَجيئِهِ الثَّاني إذْ يَعودُ حَتَّى يُؤسِّسَ مَلكوتَهُ الأرْضِيَّ حيثُ المُلْكُ الألْفِيُّ.
والآنْ، نأتي إلى هذهِ الفِكرةِ العَظيمةِ المُختصَّةِ بِخُطَّةِ اللهِ: "لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ". فحينَ نُصَلِّي، يجب علينا أنْ نُصَلِّي صَلواتٍ تُوافِقُ مَشيئةَ اللهِ. يجب علينا أنْ نُصَلِّي صَلواتٍ تُوافِقُ مَشيئةَ اللهِ. والآنْ، أُريدُ منكم أنْ تُفَكِّروا بِعُمْق في الجُملةِ التَّالية لأنَّها جُملة مُهِمَّة جدًّا. فَكُلُّ صَلواتِنا تَتَلَخَّصُ، في رأيي، في هذهِ الكلماتِ: "يا رَبّ، لِتَكُنْ مَشِيئَتُك". والآن، إذا نَظَرنا إلى النَّصِّ اليُونانِيِّ الحَرْفِيِّ لهذهِ الجُملةِ البسيطة فإنَّها تَقولُ شَيئًا كَهذا: "مَشيئَتُكَ [أيًّا كانَ مَا تَشاء أنْ يَحْدُث] لِتَكُنْ حَالاً". ثُمَّ إنَّ النَّصَّ اليُونانِيَّ يَقول: "كما في السَّماءِ [إذْ يَذْكُرُ السَّماءَ أوَّلاً] كَذلكَ على الأرضِ". بعبارةٍ أخرى: "يا رَبّ، افْعَل ما تَشاء". فهذهِ هِيَ خُلاصَةُ الصَّلاةِ. "افْعَل ما تَرْغَبُ فيه، وافعل ما تُريدُ في قَلبِكَ أنْ يَحْدُث". فهذهِ هيَ الطِّلْبَة.
وأعتقد أنَّ دَاوُدَ صَلَّى بتلكَ الطَّريقة في المَزمور 40 والعدد 8 حينَ قال: "أَنْ أَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا إِلهِي سُرِرْتُ". وكَمْ أُحِبُّ هذهِ الكلمات! "أَنْ أَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا إِلهِي سُرِرْتُ". فقد أرادَ أنْ يَعْرِفَها، وأرادَ أنْ يَفعلَها. فقد كانَ هذا هُوَ قَلبُه. ويُمكنكم أنْ تَروا ذلكَ في حياةِ المسيح. أليسَ كذلك؟ فَهُوَ يَقولُ في إنجيل يوحنَّا 4: 34: "طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي". وَقد قالَ في إنجيل يوحنَّا 6: 38: "لأَنِّي قَدْ نَزَلْتُ مِنَ السَّمَاءِ، لَيْسَ لأَعْمَلَ مَشِيئَتِي، بَلْ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي". وَهُوَ يَقولُ في إنجيل مَتَّى 12: 50: "لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ مَشِيئَةَ أَبِـي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِــي وَأُمِّي". وَنَقرأُ في العَديدِ مِنَ الأناجيلِ أنَّهُ كانَ في البُستانِ يُصَلِّي مُتَأَلِّمًا ويَقول: "وَلكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ [ماذا؟] إِرَادَتُكَ". فقد كانَ يَسوعُ يُصَلِّي دائمًا أنْ تَتِمَّ مَشيئةُ الله: "لِتَكُنْ مَشيئَتُكَ".
والآن، اسمعوني: ما مَعنى أنْ تَفعلوا ذلك؟ وما الَّذي نَعنيه حَقًّا؟ أريدُ اليومَ أنْ أتحدَّثَ عنِ الجوانبِ السَّلبيَّة، وفي الأسبوعِ القادِم سأتحدَّثُ عنِ الأمورِ الإيجابيَّة. وأريدُ مِنكُم أنْ تُصْغوا لأنَّني أعتقدُ أنَّ هذا سيُعطيكُم نَظرة مُنْعِشَة عنِ الصَّلاة. فهناكَ أشخاصٌ يُصَلُّون: "لِتَكُن مَشيئَتُك"، ولكنَّهم يُصَلُّونَ ذلكَ بِفَهْمٍ خَاطِئ. فأوَّلاً، هناكَ أشخاصٌ يَقولونَ: "لِتَكُن مَشيئَتُك" بِمَوقفِ الامْتِعاضِ المَرير...بموقفِ الامتِعاضِ المَرير. بعبارة أخرى، إنَّها عِبارةٌ يَقولُها الأشخاصٌ الَّذينَ يُؤمِنُونَ بأنَّهُم لا يَستطيعونَ أنْ يَهْرُبوا مِنَ الأمورِ الَّتي لا مَفَرَّ مِنْها. وَهُمْ حَانِقونَ بسببِ ذلك. وأنا أعتقدُ أنَّ هذا نَاجِمٌ عَنْ نَقْصِ المَعرفةِ باللهِ. فَهُم يَظُنُّونَ أنَّ اللهَ شخصٌ يُحِبُّ القَمْعَ، وأنَّهُ دِكتاتورِيٌّ، وأنَّهُ مُتَسَلِّطٌ، وأنانِيٌّ، وَقَاسٍ. لِذا فإنَّهُم يَقولونَ: "لِتَكُن مَشيئَتكَ" تَعبيرًا عنِ امْتِعاضِهم الشَّديد.
ويقولُ "ويليام باركلاي" (William Barclay): "هُناكَ أشخاصٌ يَقولون: ’لِتَكُن مَشيئَتكَ‘ لا لأنَّهُمْ يَرغبونَ في قَوْلِها، بل لأنَّهُم رَضَخُوا لِحَقيقةِ أنَّهم لا يَستطيعونَ أنْ يَقولوا أيَّ شيءٍ آخر، وَرَضَخُوا لحقيقةِ أنَّ اللهَ أقوى جِدًّا مِنهُم، وأنَّهُ مِنَ العَبَثِ أنْ يَضْرِبوا رُؤوسَهُم بِجُدرانِ الكَوْن". ورُبَّما فَكَّرْتَ في ذلكَ في حَياتِك. فَرُبَّما واجَهْتَ مَوْقِفًا في حياتِكَ قُلتَ فيه: "لِتَكُن مَشيئَتكَ" وأنْتَ تُطْبِقُ على أسنانِك غَيْظًا. ورُبَّما فَعلتَ ذلكَ بسببِ فُقدانِ ابْنٍ حَبيب أوْ شخصٍ تُحِبُّهُ، أوْ بسببِ عَلاقَةِ حُبٍّ انْتَهَت، أوْ بسببِ أَلَمٍ جَسَدِيّ فَقُلْتَ: "يا رَبّ، لِتَكُن مَشيئَتكَ" بِمَرارة. وقد كانت لدى "عُمُر الخَيَّام" (Omar Khayyam) نَظرة مُدهشة عنِ اللهِ. اسمَعوا ما كَتَبَهُ:
الدَّهْرُ كَاللَّاعِبِ القَديرِ عَلىرُقْعَةِ شِطْرَنْجِ لعْبَةِ القَدَر
والصُّبْحُ واللَّيْلُ مِنْ بَيادِقِهِوَإنَّ أَحْجارَهُ بَنو البَشَر
فقد كانَ يَرى اللهَ كما لو كانَ لاعِبَ شِطْرَنْجٍ يَتَحَكَّمُ تمامًا بِالقِطَعِ وَيُحَرِّكُها كَما يَشاء. وحينَ يَنتهي مِنْها فإنَّهُ يَضَعُها في الخِزانة. وقد كَتَبَ مَقْطَعًا آخَرَ يَرى فيهِ اللهَ كما لو كانَ لاعِبَ "كريكيت" يَحْمِلُ مِضْرَبًا، ورَأى فيها الإنسانَ كما لو كانَ كُرَةً لا خِيارَ لها البَتَّة بخصوصِ المَكانِ الَّذي ستَذهبُ إليه. فقد كَتَبَ يَقول:
لا تَشْغَلِ البَالَ بِأمْرِ القَدَرواسْمَعْ حَديثِي يا قَصيرَ النَّظَر
تَنَحَّ واجْلِسْ قَانِعًا وَادِعًاوانظُرْ إلى لَعِبِ القَضَاءِ بالبَشَر
إنَّها نَظْرَةُ امْتِعاضٍ مُرٍّ تُجاهَ ما هُوَ مَحْتوم: "لِتَكُنْ مَشيئَتُك".
وأوَّلُ تَرنيمةٍ رَنَّمتُموها في هذا الصَّباحِ هي: "بِفَرَحٍ...بِفَرَحٍ نَعْبُدُكَ". وقد أَلَّفَ ذلكَ اللَّحْن "لودويغ فان بيتهوفن" (Ludwig Van Beethoven)، ولكِنَّ بيتهوفن لم يَكُن يَفهمُ الكلماتِ الإنجليزيَّة. وبالمُناسبة، ما أَعْرِفُهُ هو أنَّ التَّرجمة الإنجليزيَّة أفضل بكثير مِنَ الأصلِ الألمانِيّ الَّذي لم يَكُن يُعَبِّرُ عنْ نَفْسِ الفِكرةِ إطلاقًا. والحقيقةُ هي أنَّهُ عِوَضًا عن محبَّةِ اللهِ، فإنَّ الأصْلَ يَتحدَّثُ عَنْ سِحْرِ اللهِ. فالفِكرةُ بأسرها هي النَّزْعَةُ الإنسانيَّة. وَهِيَ تَتَحَدَّثُ عَنْ أُخُوَّةِ البَشَر. أمَّا التَّرجمة الإنجليزيَّة فَأَضْفَتْ إليها مَعْنىً مَسيحيًّا. وقد لَحَّنَ بيتهوفن هذهِ المُوسيقا الرَّائعة، ولكِنَّني على يَقينٍ بأنَّهُ لم يَكُنْ يَشْعُرُ بأيَّةِ مَشاعِر تُجاهَ الكلماتِ المسيحيَّة الإنجليزيَّة لأنَّ الحَياةَ كانت قاسية جِدًّا على بيتهوفن. فبالنِّسبة إلى شخصٍ مُوسيقِيٍّ مِثْلَهُ، لا بُدَّ أنَّهُ كانَ مَصيرًا لا يُصَدَّقْ بأنْ يَفْقِدَ تَمامًا القُدرةَ على السَّمْعِ. ويُخبِرُنا كُتَّابُ السِّيَرِ الذَّاتيَّةِ أنَّهُ عندما مَاتَ بيتهوفن، وَجَدوا جَسَدَهُ وَقَبْضَتَيْهِ في حَالَةِ تَشَنُّج. وكانَتْ أَظْفارُهُ مَغْروزَة حَرفيًّا في كَفَّيِّ يَدَيْهِ كما لو كانَ يُريدُ أنْ يَلْكُمَ اللهَ. وكانتْ شَفَتاهُ مَعْقودَتَيْنِ كما لو أنَّهُ كانَ عَازِمًا على التَّفَوُّهِ بِكَلِماتِ تَجْديفٍ تَقْطُرُ مَرارَةً على اللهِ لأنَّهُ جَعَلَهُ يَفْقِدُ السَّمْعَ. وكما تَرَوْنَ، فإنَّ هُناكَ أُناسًا يَنظرونَ إلى الحياةِ بتلكَ الطريقة ويَصيرونَ مُرِّي النَّفْسِ وَغاضِبينَ مِنَ اللهِ. وحينئذٍ فإنَّ الجُملة "لِتَكُنْ مَشيئَتُكَ" تَصيرُ جُملةً للتَّعبيرِ عَنْ أَمْرٍ لا مَفَرَّ مِنْهُ، وَعَنْ إلَهٍ قَاسٍ ولا يَهتمُّ بالبَشر.
وهُناكَ أُناسٌ آخرونَ يَقولونَ "لِتَكُنْ مَشيئَتُكَ" مِنْ دُوْنِ أنْ يَقْصِدوا بالضَّرورة أنْ يُعَبِّروا عنِ الامتْعِاضِ المُرِّ، بل يُعَبِّرونَ وَحَسْب عنِ الإقرارِ السَّلْبِيِّ بِمَعنى: ""لِتَكُنْ مَشيئَتُك. افْعَلْ مَا تُريدُ أنْ تَفْعَلَهُ يا رَبُّ لأنَّني لا أستطيعُ أنْ أَفْعَلَ شيئًا بأيِّ حالٍ مِنَ الأحوال. "لِتَكُنْ مَشيئَتُكَ". وهذا ليسَ نَقْصًا في المَعرفةِ عنِ اللهِ. فأنا أَرى أنَّ الفِئَةَ الأولى لا تُدرِكُ أنَّ اللهَ أبٌ مُحِبٌّ، ولا تُدرِكُ أنَّ اللهَ يَهْتَمُّ، وأنَّ قَلْبَ اللهِ يَنْكَسِرُ على أَلَمِ الإنسانِ، ولا تُدرِكُ أنَّ اللهَ يُحِبُّهُمْ جِدًّا حَتَّى إنَّهُ ماتَ تَعْبيرًا عن مَحَبَّتِهِ. فَهُناكَ نَقْصُ فَهْمٍ يُعَبَّرُ عَنْهُ مِنْ خِلالِ الامْتِعاضِ المُرِّ. أمَّا في هذهِ الحَالَةِ فإنَّهُ نَقْصُ إيمان. فالإقرارُ السَّلْبِيُّ الذي يَجْعَلُ هؤلاءِ يقولونَ: "أَتَدري؟ أنا لا أُبالي كثيرًا بالصَّلاةِ عَامَّةً لأنَّ الصَّلاةَ لا تَفْعَلُ أيَّ شيءٍ بأيِّ حال. لِذا، لا تُعَذِّبْ نَفْسَكَ. فهي مَشيئةُ اللهِ". فَهِيَ تُشْبِهُ الإقرارَ بالهَزيمَة. فَهِيَ تَعْبيرٌ سَلْبِيٌّ.
وأعتقدُ أنَّني فَعَلْتُ ذلكَ أحيانًا في حياتي الشَّخصيَّة. فبعدَ سَنَتي الأولى في الجامعة، كَما يَعْلَمُ بَعْضٌ منكم، تَعَرَّضْتُ لِحادِثٍ سَيْرٍ كَادَ أنْ يُوْدي بِحَياتي. فقد طِرْتُ مِنْ سَيَّارةٍ كانَتْ تَسيرُ بِسُرعة 120كم في السَّاعة، وانْزَلَقْتُ على الطَّريقِ السَّريعِ لِمَسافَة تَصِلُ إلى نَحْوِ مِئَةِ مِتْر، وَفَقَدْتُ الكَثيرَ مِنَ الجِلْدِ واللَّحْمِ في ظَهري بِسَبَبِ الاحْتِكاكِ، وَبِحُروقٍ مِنَ الدَّرَجة الثَّالثة، وَبِتَمَزُّقاتٍ وأمورٍ أخرى تَحْدُثُ حينَ تَنْزَلِقُ على الطَّريق. فأنا لا أَنْصَحُ أَحَدًا بأنْ يُجَرِّبَ ذلك. وقد كانت تلكَ حادِثَة مُدهشة. وقد كنتُ مُدْرِكًا لما يَجري طَوالَ الوقتِ ولم أَفْقِدِ الوَعْيَ. فقد كانت عَيْنايَ مَفْتوحَتَيْنِ تَمامًا. وَحَتَّى إنَّني بَقيتُ طَوالَ الوَقْتِ في المَسْرِبِ المُخَصَّصِ لي مِنَ الشَّارِع! ولكِنْ بعدَ أنْ حَدَثَ ما حَدَث، أَتذكَّرُ تَمامًا أنَّني كُنْتُ ما أزالُ وَاعِيًا وأنَّني لم أُصَبْ بأيِّ كَسْرٍ في عِظامي بسببِ الطَّريقةِ الَّتي انْزَلَقْتُ بِها عِوَضًا عَنْ أنْ أَتَدَحْرَجَ أوْ أَدُور.
وقد سِرْتُ على قَدَمَيِّ مُبْتَعِدًا عَنِ الطَّريق، وَوَقَفْتُ على جَانِبِ الشَّارِع. وما زِلْتُ أَذْكُرُ تَمامًا أنَّ واحِدَةً مِنَ الأفكارِ العَديدةِ الَّتي خَطَرَتْ بِبالي هي الفِكرة التَّالية: "حَسَنًا يا رَبُّ، إنْ كنتَ سَتُواجِهُني بهذهِ الطَّريقة، أنا أَستسلِم. فلا يُمْكِنُني أنْ أَحْتَمِلَ هذا". فقد كنتُ أَعلمُ أنَّ اللهَ قد دَعاني إلى الخِدمة، ولكِنِّي كنتُ أُحاوِلُ أنْ أَرْسِمَ خُطَّةً لحياتي في اتِّجاهٍ آخر. وأعتقدُ أنَّ اللهَ أَمْسَكَني مِنْ مُؤَخَّرِ عُنُقي، وَرَطَمَني بالأرضِ عِدَّةَ مَرَّاتٍ، وَقال: "والآن، هل أنتَ مُستعِدٌّ للإصغاء؟" وحينئذٍ، أدركتُ أنَّني لا أستطيعُ أنْ أُقاوِمَ ذلك. أليسَ كذلك؟ والحقيقةُ هي أنَّني وَافَقْتُ مُرْغَمًا وقلتُ: "حسنًا يا رَبّ. إنْ كانَ الأمرُ مُهِمًّا إلى هذا الحَدِّ، وإنْ كُنْتَ سَتَتَحَمَّسُ هكذا بخصوصِ هذا الموضوع، وإنْ كُنْتَ سَتُدَحْرِجُ هذهِ السَّيَّارَةَ وَبِها خَمْسَةُ شُبَّان آخرين، وإنْ كُنْتَ سَتُدَحْرِجُني على طُوْلِ الشَّارِعِ السَّريعِ لِوِلايَةِ ألاباما على ظَهْري ... إنْ كانَ الأمرُ مُهِمًّا إلى هذا الحَدِّ، حَسَنًا! حسنًا!" وفي تلكَ اللَّحظة، سَلَّمْتُ تَسليمًا سَلْبِيًّا بحقيقةِ أنَّ خُطَطي لن تَنْجَح. وخِلالَ الأشهُرِ الثَّلاثَةِ اللَّاحقة، صَارَ هذا التَّسليمُ السَّلبيُّ تَكريسًا حَقيقيًّا إذْ إنَّ اللهَ ابتدأَ حَقًّا في تَهْذيبِ حَياتي وَجَذْبي إليه.
ولكِنِّي أَعلمُ أنَّ هناكَ أُناسًا يَقولونَ وَحَسْب: "لِتَكُنْ مَشيئَتُكَ" في نِهايةِ الصَّلاة. وَما يَقْصِدونَهُ حَقًّا هُوَ: "يا رَبُّ، لا يُوجَدُ لَديَّ أيُّ إيمانٍ البَتَّة بأنَّ صَلاتي سَتَفْعَلُ أيَّ شيءٍ. لِذا فإنَّني أقولُ هذهِ الجُملةَ وَحَسْبْ لأنَّني أَعلمُ أنَّها تَشْمَلُ كُلَّ شيء". فهل هَكذا تُصَلُّونَ قائِلين: "لِتَكُنْ مَشيئَتُكَ"؟ فهل هِيَ مُجَرَّدُ جُملة تَقولُها وَحَسْب لِلإقرارِ بِأمْرٍ مَحْتوم لأنَّكَ لا تُؤمِنُ حَقًّا بأنَّ الصَّلاةَ سَتُحْدِثُ أيَّ فَرْقٍ بأيِّ حالٍ مِنَ الأحوال؟ أيْ أنَّكَ تَقْبَلُ على مَضَضْ ما سيَجري لأنَّهُ سيَحدُثُ بالطَّريقةِ الَّتي يُريدُها اللهُ. لِذا فإنَّكَ تُصَلِّي صَلاةً خالِيَةً مِنَ الفَرَحِ وَمُغَلَّفَةً بالتَّعَبِ، والإرهاقِ، والهَزيمةِ، والتَّسليمِ الخالي مِنْ أيِّ حَماسَة. فهذا هُوَ ما أَسْماهُ "باركلاي" (Barclay)، وأعتقد أنَّها عِبارة عظيمة: "صَلاة تَسْليم عَلى مَضَض" ... "صَلاة تَسْليم عَلى مَضَضْ".
وهذهِ النَّظرة تَصِحُّ غالبًا جِدًّا جِدًّا على المَسيحيِّين. فنحنُ نَفعلُ ذلكَ مِرارًا وتَكرارًا. والسَّببُ الرَّئيسيُّ، في نَظري، هُوَ الآتي. فالسَّببُ الرَّئيسيُّ في نَظري – وأنا أُوْمِنُ بذلكَ حَقًّا وأريدُ أنْ أقولَهُ وَحَسْب: فالسَّببُ الرَّئيسيُّ في أنَّني أَرى أنَّ حَياةَ الصَّلاةِ لَدينا ضَعيفة هكذا هو أنَّنا لا نُؤمِنُ حَقًّا أنَّها سَتَفْعَلُ أيَّ شيءٍ بأيِّ حال. فنحنُ نُسَلِّمُ تَسليمًا سَلبيًّا وَحَسْب. فنحنُ نُكَلِّمُ الرَّبَّ بِخُصوصِ شيءٍ ما، ثُمَّ إنَّنا نَتْرُكُ الأمرَ وَنَمْضي في سَبيلِنا لأنَّنا لا نَعتقدُ حَقًّا أنَّ صَلاتَنا سَتُحْدِثُ أيَّ فَرْقٍ بأيِّ حَال. فنحنُ نَقولُ: "لِتَكُنْ مَشيئَتُكَ" كما لو كُنَّا نَعْرِفُ سَلَفًا أنَّ طِلْبَتَنا لن تَتَحَقَّقَ على الأرجح.
وإليكُم هذا المَثَل التَّوضيحيّ الكلاسيكيّ: أعمال الرُّسُل والأصحاح 12. فقد كانَ بُطرُسُ في السِّجْن، وكانتِ الكنيسةُ قَلِقَة. لماذا؟ فقد تقولُ: "لقد دَخَلَ بُطْرُسُ السِّجْنَ مِنْ قَبْل. فلماذا كانوا قَلِقين؟ فقد كانت تلكَ خِدمة جديدة لَهُ وَحَسْب؟" لقد كانوا مُضْطَرِبينَ لأنَّهُ كانَ يوجدُ شخصٌ آخر مَسجونًا قبلَ بُطرس في زَمَنِ هيرودُس. وقد فَقَدَ رَأسَهُ. واسْمُهُ هُوَ: "يَعقوب" (أخو يُوحَنَّا). لِذا فقد رَأَوْا مَوْجَةً عَنيفةً أُخرى قادِمَة. وعندما كانَ بُطرُسُ في السِّجْن، خَشَوْا أنْ يَحْدُثَ لبُطرس مَا حَدَثَ لِيَعقوب أَخي يُوحَنَّا؛ أيْ أنْ يَقْطَعوا رَأسَهُ أوْ يَفعلوا بِهِ شيئًا ما.
لِذا فقد ذَهَبوا إلى بيتِ مَرْيَم أُمِّ يُوحَنَّا مَرْقُس، وابتدأوا اجْتِماعَ الصَّلاةِ هذا في أعمال الرُّسُل والأصحاح 12. وقدِ ابتدأوا يُصَلُّونَ قائِلين: "يا رَبُّ، أَطْلِقْ سَراحَ بُطْرُس. يا رَبُّ، أَطْلِقْ سَراحَ بُطْرُس". وقد كانوا يَعْقِدونَ اجتماعَ الصَّلاةِ الصَّغيرِ ذاكَ حينَ جاءَ مَلاكُ الرَّبِّ وَأَخْرَجَهُ مِنَ السِّجْن. وقد فَكَّرَ بُطرُسُ في عُبورِ البَلدةِ وَالذَّهابِ إلى اجتماعِ الصَّلاةِ حَتَّى يَرى الرِّفاقَ. لِذا فقد ذَهَبَ وَقَرَعَ البابَ. فَلَمَّا جاءَتِ الجَارِيَةُ "رَوْدَا" إلى البابِ، لَمْ تَفْتَحِ البابَ. بل إنَّها سَأَلَتْ: "مَنِ الطَّارِق؟" وقد عَرَفَتْ صَوْتَهُ. فَرَكَضَتْ إلى دَاخِلِ. لقد استجابَ اللهُ صَلواتِكُم سَريعًا يا رِفاق! فَهُمْ لم يَنْتَهوا بَعْد مِنَ اجْتِماعِ الصَّلاةِ. وَها هُوَ يَقْرَعُ البابَ. لِذا فقد رَكَضَتْ إلى داخِل وقالت: "إنَّ بُطْرُسَ وَاقِفٌ قُدَّامَ البَاب. إنَّ بُطْرُسَ وَاقِفٌ قُدَّامَ البَاب". فقالوا: "أَنْتِ تَهْذِينَ يا رَوْدا! ألا تَعْلَمينَ أنَّهُ في السِّجْن؟ فَهَذا هُوَ سَبَبُ صَلاتِنا هُنا. فنحنُ نُقيمُ اجْتِماعَ الصَّلاةِ هَذا لأنَّهُ في السِّجْن. والآنْ، اسْجُدي وَصَلِّي مَعَنا". ولكِنَّها أَصَرَّتْ قائلةً: "لا، إنَّهُ بُطْرُس!"
وقد قالَ بَعْضٌ مِنْهُم: "رُبَّما كانَ الطَّارِقُ مَلاكَهُ!" ويا لَها مِنْ جُملةٍ غَبِيَّة! فلو كانَ الطَّارِقُ مَلاكَ بُطرُس، مَتى سَيَحْتاجُ بُطرسُ إلى مَلاكِهِ أكثرَ مِمَّا سَيَحتاجُ إليهُ وَهُوَ في السِّجْن؟ وما الَّذي كانَ مَلاكُهُ يُحاوِلُ القِيامَ بِهِ بِحُضُورِهِ اجْتِماعَ الصَّلاة؟ ولِكَّنها أَصَرَّتْ. فقاموا وَفَتحوا البابَ لَهُ وَأَدْخَلوه. والكِتابُ المُقَدَّسُ يَقولُ إنَّهُمُ جَميعًا "انْدَهَشُوا". لماذا؟ لأنَّني أعتقدُ أنَّهم كانوا مِثْلَ الكَثيرِ مِنَ الإنجيليِّينَ، حَتَّى في ذلكَ الوقتِ. فحينَ كانُوا يَرَوْنَ يَدَ اللهِ، كانوا يَتساءلونَ إنْ كانت صَلواتُهُم تُغَيِّرُ أيَّ شيءٍ بأيِّ حَالٍ مِنَ الأحوال. وَما أَسْهَلَ أنْ نَسْقُطَ في فَخِّ التَّسليمِ السَّلبيِّ الَّذي يَجْعَلُ صَلواتِنا مُبْتَذَلَة!
واسمحوا لي أنْ أَنْظُرَ إلى ذلكَ مِنْ زاويةٍ أخرى تُزْعِجُني. فنحنُ نُريدُ وَحَسْب أنْ نَقولَ عَنْ كُلِّ شيءٍ: "إنَّها مَشيئَتُكَ! إنَّها مَشيئةُ الرَّبِّ! إنَّها مَشيئةُ الرَّبِّ!". وقد يَصْعَقُكُمْ هذا، ولكِنَّ الجُملةَ "لِتَكُنْ مَشيئَتُكَ على الأرضِ" تَفْتَرِضُ أنَّ ذلكَ ليَسَ دائمًا ماذا؟ ما يَجري حَقًّا. هل فَهِمْتُم ذلك؟ فَمِنَ الواضِحِ تمامًا أنَّ هذا سَخيفٌ، ولكِنَّهُ عَميق. فحينَ تَقولُ: "لِتَكُنْ مَشيئَتُكَ على الأرضِ" فإنَّكَ تَفْتَرِضُ أنَّ ذلكَ ليسَ ما يَجري دائمًا. فنحنُ نَقولُ: لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ". وَهَلْ هُناكَ أوقاتٌ وأماكِن لا يَتَقَدَّسُ فيها اسْمُهُ؟ أجل. "لِيَأتِ مَلَكوتُك". وهل هُناكَ قُلوبٌ تَرْفُضُ مُلْكَهُ؟ أجل، بِكُلِّ تأكيد. لِذا، عندما نَقولُ: "لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ"، لا بُدَّ أنَّنا نَعني بذلكَ أيضًا أنَّها ليست دائمًا مَشيئَتَه. اسمعوني: ليسَ كُلُّ ما يَحدُثُ في العالَمِ هُوَ مَشيئَتهُ بهذا المَعنى. ويجب عليكم أنْ تَفهموا الآتي: وإلَّا، فإنَّ هذهِ الصَّلاةَ عَديمة المَعنى، والرَّبَّ يَطْلُبُ مِنَّا أنْ نُرَدِّدَ كَلامًا لا مَعْنى لَهُ.
وقد تَقول: "وما الَّذي تَعنيهِ بذلك؟" غالبًا، كما تَعلمونَ، قد تَسمعونَ أنَّ شخصًا جاءَ إلى بيتٍ ... أنَّ شخصًا جاءَ إلى بيتٍ، وأنَّ مأساةً مُريعَةً قد حَدَثَتْ في ذلكَ البيت إذْ إنَّ ابْنَهُم قد ماتَ. فَرُبَّما يكونُ ابْنُهم قد ماتَ بسببِ مَرَضٍ مُميتٍ، أو رُبَّما قُتِلَ في حَادِثِ سَيْرٍ أوْ في حَادِثَةٍ مُريعَةٍ. وقد يَقولُ أحدُ الأشخاصِ: "إنَّها مَشيئةُ اللهِ. إنَّها مَشيئةُ اللهِ". أوْ رُبَّما تَدْخُلُ بيتًا أُصيبَتْ فيهِ الأُمُّ (الَّتي يَحْتاجُ إليها زَوْجُها وأبناؤُها حاجَةً مَاسَّةً) أُصيبت فيهِ بِمَرَضِ السَّرَطان. وَهِيَ تَموتُ سَريعًا أمامَ أعيُنِهم. وقد يَقولُ شخصٌ ما: "إنَّها مَشيئةُ اللهِ". أوْ رُبَّما تَسْمَعُ عَنْ كارِثَةٍ، أوْ فَيَضانٍ، أوْ زِلزالٍ، أوْ حَريقٍ، أوْ حَادِثِ قِطارٍ، أوْ حَادِثِ تَحَطُّمِ طائرة، أوْ مَجاعَةٍ، أوْ عَنْ أشخاصٍ مَاتوا جُوْعًا في عُرْضِ البَحْرِ. وقد تَقول: "إنَّها مَشيئةُ اللهِ". وهل تَعرِفونَ شيئًا؟ إذا ابتدأتُم تَنظرونَ إلى الأمورِ بهذهِ الطَّريقة فإنَّها سَتَسْتَنْزِفُ حَرفيًّا الطَّاقَةَ مِنْ حَياةِ الصَّلاةِ لَديكم. وهذا سَيَجعلُكُم عَاجِزينَ سَريعًا جِدًّا إنْ كُنْتُم تَنظرونَ إلى العالَمِ هكذا. وقد يَبدو هذا الكَلامُ هَرْطَقَةً؛ ولكِنْ في هذا السِّياقِ، يا أحبَّائي، هذهِ ليست مَشيئة الله. وهذا هُوَ واحِدٌ مِنَ الأشياءِ الَّتي جاءَ يسوعُ إلى العالَمِ لِيُوقِفَها لأنَّ اللهَ "لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ". وَصَدِّقوني أنَّ هُناكَ أُناسًا يَهْلِكونَ في كُلِّ مَكان. فَمَعَ أنَّ اللهَ يُريدُ أنَّ جَميعَ النَّاسِ يَخْلُصونَ وإلى مَعرفةِ الحَقِّ يُقْبِلونَ، فإنَّ هُناكَ أُناسًا لا يَفعلونَ ذلك. صَحيحٌ أنَّ مَشيئةَ اللهِ تَتِمُّ في السَّماء، ولكِنَّها لا تَتِمُّ دائمًا على الأرض.
وقد تَقول: "لَحْظَةً مِنْ فَضْلِك! فَلا بُدَّ أنْ يَسْمَحَ اللهُ بِذلك". هذا صحيح. ولكِنْ لا تَجْعَلوا ذلكَ يَبدو وكأنَّهُ يُعَبِّرُ عن مَشيئَتِه. فالكلمة المُستخدمة هي "ثيليما" (thelema)؛ وهي تَعني: "رَغْبَة شَديدة". فَلَيْسَت رَغبةُ اللهِ الشَّديدة هي أنْ يَموتَ النَّاسُ؛ وإلَّا لِمَ جاءَ لكي يَنْقُضَ المَوْتَ؟ وَلَيسَت رَغبةُ اللهِ الشَّديدة هي أنْ يَذهبَ النَّاسُ إلى جَهَنَّم؛ وإلَّا لِمَ يَموتُ لأجلِهم لكي يُقَدِّمَ لهم خلاصًا يَحُوْلُ دُوْنَ ذَهابِهم إلى هُناك؟ أنا مُتَيَقِّنٌ أنَّ اللهَ يَسْمَحُ للبَشَرِ أنْ يَختاروا أنْ يَفعلوا الخَيْرَ أوِ الشَّرّ. وأنا أُوْمِنُ أنَّ الإنسانَ يَمْلِكُ خِيارًا. وأنا أُوْمِنُ أيضًا أنَّ اللهَ هُوَ صَاحِبُ السِّيادة. وهذهِ مُفارَقة أخرى مِنْ تلكَ المُفارقاتِ الَّتي ينبغي أنْ أَتعايَشَ مَعَها. فاللهُ سَمَحَ بالخطيَّة. واللهُ سَمَحَ بِكأسِ الإثْمِ أنْ تَطْفَح. وهذا لا يُعَبِّرُ عن مَشيئَتِهِ، ولكِنَّهُ يَسْمَحُ بذلك. فاللهُ ليسَ مَسؤولاً عنِ الخطيَّة. وهو ليسَ مَسؤولاً عن عَواقِبِها. فهذهِ ليست مَشيئَته. واسمحوا لي أنْ أُريكم ما أعنيهِ بذلك. فهُناكَ تَناقُضٌ ظَاهِرِيٌّ هُنا. فأنا أَعرِفُ أنَّ هُناكَ تَناقُضًا ظَاهِريًّا. وهُناكَ أشخاصٌ مِنْكُم يَشعرونَ بذلكَ في أذهانِهم. فنحنُ نَقرأُ في إنجيل مَتَّى 10: 28: "وَلاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ وَلكِنَّ النَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا، بَلْ خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ النَّفْسَ وَالْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ". والحَديثُ هُنا هُوَ عنِ الله. فاللهُ هُوَ الَّذي سَيُهْلِك النَّفسَ والجَسَدَ في جَهَنَّم. فهذا ليسَ الشَّيطان، بل هو الله. فالشَّيطانُ هُوَ واحِدٌ مِنَ الذينَ سَيَهْلِكونَ، وليسَ هُوَ الَّذي سَيَفعلُ ذلك. فاللهُ هُوَ الَّذي سَيُهْلِك النَّفسَ والجَسَدَ في جَهَنَّم. وقد تَقول: "إذًا، لا بُدَّ أنَّ مَشيئةَ اللهِ هي أنْ يَهْلِكَ هؤلاء". لا. فنحنُ نَقرأُ في رسالة بُطرس 3: 9 إنَّ اللهَ: "لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ". فَقَداسةُ اللهِ، وعدالَةُ اللهِ، وبِرُّ اللهِ ينبغي أنْ تَضَعَ تَرْتيبًا لِمُعاقَبَةِ الخطيَّة، ولكِنَّ هذا لا يُعَبِّرُ عَنْ مَشيئةِ اللهِ. فهذا ليسَ شَوْق قَلبِه، ولكِنَّهُ يَقَعُ في إطارِ سَماحِهِ. وفي إنجيل يُوحَنَّا 5: 40، قالَ رَبُّنا الحَبيب: "وَلاَ تُرِيدُونَ أَنْ تَأتُوا إِلَيَّ لِتَكُونَ لَكُمْ حَيَاةٌ". وقد بَكَى على مَدينةِ أورُشَليم وقال: "يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا!"
ويُمكنُكم أنْ تَرَوْا الشَّيءَ نَفسَهُ، في اعتقادي، في سِفْر إرْميا والأصحاح 13. فاللهُ يَتَكَلَّمُ مِنْ خلالِ إرْميا ويقول: ""أنتُم لم تَسمعوا كَلامي، ولم تُطيعوا وَصاياي". وَهُوَ يَقولُ: "سوفَ أُحَطِّمُكُم، وأَجْعَلُكُمْ خَرابًا، وَأُحَطِّمُ الواحِدَ على الآخر، وأَجْلِبُ عليكم ظُلْمَةَ الموتِ"، وَكُلَّ تلكَ الدَّينونةِ المُريعَةِ والمُخيفةِ في سِفْر إرْميا والأصحاح 13. ثُمَّ إنَّهُ يَقولُ في العَدَدِ الَّذي يَلي ذلك: "إنْ لم تُطيعوني، ولم تَلْتَفِتوا، سَأفعلُ كذا، ثُمَّ تَبْكِي عَيْنَيَّ بُكَاءً مُرًّا". لماذا؟ لأنَّ هذا العِقابَ لا يُعَبِّرُ البَتَّة عنْ شَوْقِ قَلْبِ اللهِ العَظيمِ مِنْ نَحْوِ الإنسان. "لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ". لماذا؟ لكي يَنْجو البَشَرُ مِنْ هذهِ الدَّينوناتِ. واسمَحوا لي أنْ أُحَدِّثَكم أكثر قليلاً عن ذلك. فقد تَقول: "إذًا، لماذا سَمَحَ اللهُ بالخطيَّة؟" كَما تَعلمونَ، إنَّني أَبٌ. وإنْ قُلتُ لابني الأكبر: "لقد صَارَ عُمْرُكَ يا ’مَات‘ [Matt] خَمسَ عَشرةَ سنة. وبعدَ بِضعِ سِنين سَتَتْرُك هذا البيت. فسوفَ يأتي ذلكَ اليوم في وَقْتٍ أسرَع مِمَّا تَتَخَيَّل. وسوفَ تَكونُ بِمُفْرَدِك يا بُنَيّ". وإنْ تَرَكَ ابْني البيتَ وَعَاشَ، لا سَمَحَ اللهُ، حَياةَ الخطيَّة، هل هذِهِ مَشيئَتي؟ لا. بل إنَّ هذا سَيَكْسِرُ قلبي. وبالرَّغمِ مِن ذلك فإنَّهُ يَعيشُ في إطارِ حُرِّيَّةِ الاخْتيار. وإنْ كُنْتُ قَدْ مَنَحْتُهُ حُرِّيَّةَ الاختيارَ فإنَّ هذا لا يَعني أنَّهُ سَيَتصرَّفُ وَفْقًا لمشيئَتي. وأنا، بِوَصفي أبًا، قد أُضْطَرُّ إلى التَّعامُلِ مَعَ العَواقِبِ وإلى تَطبيقِ بعضِ العُقوباتِ في حَياتِهِ إنْ كانَ ما يَزالُ بِمَقدوري أنْ أَفعلَ ذلك.
إنَّ اللهَ أَبٌ مُحِبٌّ. والبَشَرُ لَدَيهم بالمَفهومِ العَامِّ، حَتَّى المُؤمِنونَ، لَديكُمُ الحَقَّ في التَّعبيرِ عن مَشيئَتِكُم. أليسَ كذلك؟ فيُمكنكَ أنْ تَختارَ أنْ تُخطِئَ أوْ أنْ تَكونَ بَارًّا كُلَّ يوم. فهل تَظُنُّونَ أنَّ اللهَ يُريدُ مِنْكُم أنْ تَختاروا الخطيَّة؟ فقد قالَ لي أحدُ الأشخاصِ قبلَ بِضْعِ سَنواتٍ: "إنَّ مَشيئةَ اللهِ تَجِدُ التَّعبيرَ عَنْها في خَطاياكَ". فقلتُ: "لا أَرى ذلكَ في الكتابِ المقدَّس". فقال: "ولكِنَّ هذا الاستنتاجَ المَنطقيَّ ضَروريٌّ إنْ كانَ اللهُ صَاحِبَ السِّيادة". فقلتُ: "إنَّ مَنْطِقَكَ في وَرْطَة حَقًّا. ويجب عليكَ أنْ تُدركَ أنَّ عَقْلَكَ واللهَ لا يَعْملانِ بالطَّريقةِ نَفسِها". فَعَيْنا اللهِ أَطْهَر مِنْ أنْ تَنْظُرَا الشَّرَّ. واللهُ لا يُجَرِّبُ أحدًا بأنْ يُخطِئ. واللهُ لا يَجْعَلُكَ تُخطئ تَعبيرًا عن إرادَتِه. وبالرَّغمِ مِن ذلكَ، فإنَّ اللهَ أَعطَى الإنسانَ الحُريَّة.
وقد تَقول: "إذًا لماذا سَمَحَ اللهُ بوجودِ الخطيَّة؟" لا أدري. فالنَّاسُ يَسألونَ دائمًا: "لَدَيَّ سُؤالٌ واحدٌ فقط أيُّها الرَّاعي: لماذا سَمَحَ اللهُ بوجودِ الخطيَّة؟" لا أدري! ولكنِّي سأَذكُرُ ما أَظُنُّ أنَّهُ السَّبب. وَهُوَ سَبَبٌ ناقَشَهُ اللَّاهوتِيُّونَ وقتًا طويلاً. فعندما سَقَطَ لوسيفَر ... وسوفَ تَسألونَني: "كيفَ حَدَثَ ذلك؟" لا أدري أيضًا. فالنَّاسُ يَقولونَ: "هل نَبَعَتِ الكِبرياءُ مِنْ داخِلِهِ؟" لا، لأنَّهُ كانَ كامِلاً. "إذًا، هل جاءَتْ مِنْ خارِجِه؟" لا لأنَّ البيئة كانت كاملة. "إذًا، مِنْ أينَ أَتَتْ؟" لا أدري. اللهُ يَعْلَم. ولكِنَّ لوسيفر أخطأ. وقد كانَ اللهُ أمامَ خِيارَيْن: الخِيارُ الأوَّل هو أنْ يُهْلِكَ لوسيفر حَالاً وفي تلك اللَّحظة، وأنْ يُدَمِّرَهُ. ولو أنَّهُ فَعَلَ ذلكَ، رُبَّما كانتْ بعضُ الملائكةِ الأخرى ستَقول: "يبدو أنَّهُ يوجد شَيءٌ في تلك الخطيَّة ضَايَقَ اللهَ حَقًّا. ولَعَلَّهُ خائِفٌ مِنْها! وَلَعَلَّهُ خائِفٌ مِنْ قُدرَتِها! ما هي يا تُرى؟" ورُبَّما كانَ اللهُ حينئذٍ سيَصرِفُ كُلَّ التَّاريخِ وكُلَّ الأبديَّةِ في القَضاءِ على الملائكةِ المُتَمَرِّدين.
مِنْ جِهة أخرى، عندما أخطأَ لوسيفر، كانَ بِمَقدورِ اللهِ أنْ يَقول: "حَسَنًا، سوفَ أَسمحُ للشَّرِّ أنْ يَفعلَ فِعْلَهُ حَتَّى يُدَمِّرَ نَفْسَهُ بِنَفسِه حَرفيًّا. وإنْ كانَ لَديهِ ما يُثْبِتُهُ فَلْيُثْبِتْهُ". وأنا أُوْمِنُ أنَّ اللهَ اختارَ أنْ يَفعلَ ذلك. فَعِوَضًا عَنْ أنْ يَسْمَحَ بِحُدوثِ تَمَرُّدٍ آخر، تَرَكَ العِصيانَ يَأخُذُ مَجْراه تمامًا لأنَّهُ يَعْلَمُ أنَّهُ سَيُدَمِّرُ نَفسَهُ بنفسه في النِّهاية على غِرارِ الشِّهابِ الَّذي يَنْطَفِئُ شيئًا فشيئًا إلى أنْ يَتلاشى تمامًا ولا يَظْهَرُ ثانيةً. لِذا ستكونُ الأبديَّةُ كُلُّها مَحفوظةً مِنْ حُدوثِ تلكَ الخطيَّة مَرَّةً أخرى. فقد سَمَحَ اللهُ بِحُدوثِها، وَسَمَحَ لِجَميعِ جُنْدِ المَلائكةِ الَّذينَ يَرغبونَ بالانضمامِ إلى لوسيفر أنْ يَنْضَمُّوا إليهِ، وسَمَحَ للخطيَّةِ أنْ تَحْصُدَ قُلوبَ البَشَر؛ ولكِنَّهُ دَبَّرَ طَوالَ فَترةِ وُجودِها في التَّاريخِ البَشريِّ لِكُلِّ إنسانٍ يأتي إلى هذهِ الأرضِ، دَبَّرَ مَلاذًا مِنْها. ولكِنَّهُ سَمَحَ للشَّرِّ أنْ يَفْعَلَ فِعْلَهُ لأنَّ اللهَ يَرى الصُّورةَ الأكبَر لِلأبديَّةِ بأسْرِها حينَ تَنْطَفِئُ شُعْلَتُها مَرَّةً وإلى الأبد ولا تَعودُ تَظْهَرُ ثانيةً. اسمَعوني: خِلالَ هذا الوقتِ الَّذي يَسْتَفْحِلُ فيهِ الشَّرُّ، اعْلَموا يا أحبَّائي أنَّ هذهِ ليسَتْ بأيِّ حَالٍ مِنَ الأحوالِ مَشيئة الله. فهذا ليسَ ما يُريد، ولكِنَّهُ يَقَعُ تَحْتَ نِطاقِ سَماحِهِ؛ فَقَطْ بِهَدَفِ أنْ يُدَمِّرَهُ. لِذا، لا يُمكِنُكَ أنْ تَقولَ "لِتَكُن مَشيئَتُكَ" بامْتِعاضٍ مَريرٍ وأنْ تَفِي تلكَ الجُمْلَةَ مَعناها. ولا يُمكنُكَ أنْ تَقولَ "لِتَكُن مَشيئَتُكَ" بإقرارٍ سَلبيٍّ بِمَعنى أنَّ كُلَّ شَيءٍ يَحْدُثُ هُوَ مَشيئةُ اللهِ. فَهُوَ ليسَ كذلك.
ثالثًا، وقد أَشَرْنا للتَّوِ إلى ذلك. فهناكَ أشخاصٌ يَقولون: "لِتَكُن مَشيئَتُكَ" بِتَحَفُّظٍ لاهُوتِيٍّ. وقد كُنْتُ قدِ ابتدأتُ بالحديثِ عن هذهِ النُّقطةِ قبلَ قليل. فبالنِّسبةِ إليهم، إنَّهُ لاهُوتٌ وَحَسْب إذْ إنَّ اللهَ سَيَفعلُ ما يُريدُ أنْ يَفعل، وَهُوَ يُديرُ كُلَّ شيء، وَكُلُّ شيءٍ مَحْسومٌ وَلا جِدالَ فيه. لِذا، لا مُبَرِّرَ للقَلَقِ على أيِّ شيء. فلا حاجَةَ إلى التَّضَرُّعِ أوِ اللَّجاجَةِ أوِ الشَّغَف. والحقيقةُ هي أنَّني لم أُقابل يَومًا أيَّ شَخصٍ يَنْظُرُ إلى الصَّلاةِ هذهِ النَّظرة الجَافَّة وَلَديهِ حَياةُ صَلاةٍ أَصْلاً. فَلِسانُ حَالِ التَّحَفُّظِ اللَّاهوتِيِّ هُوَ: "لا أَرَى حَاجَةً حقيقيَّةً إلى الصَّلاةِ لأنَّ كُلَّ شيءٍ مَحْسومٌ في نِهايةِ المَطافِ ومَبْتوتٌ فيهِ. فَهُوَ كُلُّهُ مَشيئةُ اللهِ. كُلُّ شَيءٍ هُوَ مَشيئةُ الله". فَهُمْ يُفَكِّرونَ قائلينَ إنَّ اللهَ هُناكَ في الأعلى. وَهُوَ كَبيرٌ. وَهُوَ يُديرُ كُلَّ شيء.
لقد كَتَبَ "جين بينغهام" (June Bingham) كِتابًا بِعُنوان: "الجُرأة على التَّغيير" (Courage to Change)، وَهُوَ دراسة لِـ "راينهولد نيبور" (Reinhold Neibuhr) الَّذي هُوَ لاهوتيٌّ لِيبراليٌّ. وَلكِنَّهُ يَتحدَّثُ عن حقيقةِ أنَّهُ ذاتَ يومٍ، قالَ "نيبور" لِفتاةٍ صَغيرة (وأعتقدُ أنَّها ابْنَتُهُ الصَّغيرة): "لِنَتَمَشَّى قليلاً، يا عَزيزتي". فقالت: "لا أريدُ أنْ أتَمَشَّى". فقال: "حقًّا! ولكِنَّ الطُّيورَ سَتَشْدو، والأزهار سَتَرْقُصُ مَعَ نَسَماتِ الهَواء، وهُناكَ الأشجارُ وَالشَّمسُ المُشرِقة. سوفَ يكونُ ذلكَ رائعًا جِدًّا. لِنَتَمَشَّى". وأخيرًا، مَشَتِ الفَتاةُ مَعَهُ. وعندما فَرَغا مِنَ المَشْيِ وَعادَا، قالَ لتلكَ الفتاةِ الصَّغيرة: "أَلَمْ تَستمتِعي بذلك؟ ألم تُحِبِّي ذلكَ حَقًّا؟" فقالت: "لا! فالقرارُ لم يَكُنْ قَراري، بل إنَّ الأمرَ كانَ يَعودُ لَكَ أنتَ لأنَّكَ أَضْخَمُ مِنِّي". وأعتقدُ أنَّ أطفالاً كثيرينَ يَفعلونَ ما نَطْلُبُهُ مِنْهُم لِمُجَرَّدِ أنَّنا أَضْخَم مِنْهُم. أليسَ كذلك؟
ورُبَّما كانت هذهِ هي نَظرةُ بعضِ الأشخاصِ إلى الله. فاللهُ هُوَ الشَّخصُ الأكثر قُدرةً وَحَجْمًا وَضَخامَةً مِنَّا نَحْنُ حَتَّى إنَّنا لا نَمْلِكُ أيَّ فُرصَة أمامَهُ. لِذا فإنَّنا نَفْعَلُ ما يُريدُهُ مِنَّا وَحَسْب. ولكنِّي أتساءَلُ في قلبي إنْ كانَ هذا الموقِفُ قد وُجِدَ يومًا في قلبِ داوُد الَّذي قالَ: "كَمْ أَحْبَبْتُ شَرِيعَتَكَ!" فذلكَ النَّوعُ مِنَ التَّحَفُّظِ اللَّاهوتِيِّ الَّذي هُوَ مُجَرَّدُ تَعريفٍ لاهوتِيٍّ للهِ (يَضُمُّ كُلَّ شيءٍ تَحتَهُ) هُوَ تَعريفٌ غيرُ شَخصيٍّ في نَظري. فهذهِ كُلُّها أقوالٌ قَدَرِيَّة ... قَدَرِيَّة وَحَسْب. ولكِنَّ هذا ليسَ مَا نَعنيه حينَ نَقول: لِتَكُنْ مَشيئَتُك" ... البَتَّة! فنحنُ لا نَستَسلِمُ بِطَريقةٍ قَدَرِيَّةٍ وَحَسْب لِمَشيئةِ اللهِ لأنَّهُ لا يوجدُ لدينا أيُّ خِيارٍ أو بَديلٍ آخر.
اسمعوني: هُناكَ خِيار. واسمحوا لي أنْ أُقَدِّمَ لكم مَثَلاً توضيحيًّا. وسوفَ أَخْتِمُ بهذا. ففي إنجيل لوقا والأصحاح 18، وأوَدُّ أنْ أُلَخِّصَ ما قُلناه. والآن، ابْقَوْا مَعي ولا تَسْمَحوا لأذهانِكُم أنْ تَتَشَتَّتْ في هذهِ اللَّحظة لأنَّ هَذِهِ هِيَ ذُروةُ ما أُحاوِلُ أنْ أقولَهُ: "وَقَالَ لَهُمْ أَيْضًا مَثَلاً فِي أَنَّهُ..." [في أنَّهُ]. فَما هِيَ الغَايَة مِنَ المَثَل؟ وما الَّذي كانَ يُحاولُ أنْ يُعَلِّمَهُمْ إيَّاه؟ لقد كانَ يُحاوِلُ أنْ يُعَلِّمَهُم أنَّهُ "يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ [وَماذا؟] وَلاَ يُمَلَّ". بِعِبارة أخرى، لا يَجوزُ أنْ تَتَوَقَّفوا عنِ الصَّلاةِ، ولا يَجوزُ أنْ تَترُكوا الصَّلاةَ، ولا يَجوزُ أنْ تَتْعَبوا مِنْها، ولا يَجوزُ أنْ تَضَعوها جانِبًا؛ بل يجبُ عليكم أنْ تُصَلُّوا دائمًا وأَلَّا تَتَوَقَّفوا. فيجب عليكم أنْ تُصَلُّوا وَألَّا تَتعَبوا أوْ تَمَلُّوا مِنْها. فهذهِ هي النُّقطة الجَوهريَّة هُنا. ثُمَّ إنَّهُ يَحْكي قِصَّةً: "كَانَ فِي مَدِينَةٍ قَاضٍ لاَ يَخَافُ اللهَ وَلاَ يَهَابُ إِنْسَانًا. وَكَانَ فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ أَرْمَلَةٌ. وَكَانَتْ تَأتِي إِلَيْهِ قَائِلَةً: أَنْصِفْنِي مِنْ خَصْمِي!" فقد قالت: "لقد أَخْطَأَ أَحَدُهُم إليَّ. فَهُناكَ ظُلْمٌ وَقَعَ عَلَيَّ أيُّها القاضي. أَنْصِفْني".
"وَكَانَ لاَ يَشَاءُ إِلَى زَمَانٍ. وَلكِنْ بَعْدَ ذلِكَ قَالَ فِي نَفْسِهِ: وَإِنْ كُنْتُ لاَ أَخَافُ اللهَ وَلاَ أَهَابُ إِنْسَانًا..." – بِعِبارة أخرى: أنا لا أَخْضَعُ لأيِّ ضَغْطٍ مِنْ أيِّ مِصْدَرٍ خارجِيٍّ. "فَإِنِّي لأَجْلِ أَنَّ هذِهِ الأَرْمَلَةَ تُزْعِجُنِي، أُنْصِفُهَا، لِئَلاَّ تَأتِيَ دَائِمًا فَتَقْمَعَنِي!" بِعبارة أخرى: "لقد مَلَلْتُ مِنْ سَماعِ هذهِ المَرأة. لِذا سأفعلُ ما طَلَبَتْهُ مِنِّي حَتَّى أَتَخَلَّصَ مِنْها". وهل تَعلمونَ أنَّكُمْ تَفعلونَ ذلكَ مَعَ أبنائِكُم؟ فَإنْ طَلَبَ ابْنُكَ شيئًا مِنكَ فَإنَّكَ تَقولُ لَهُ أوَّلَ مَرَّة: "لا". وَفي المَرَّة الخامِسَة عَشرة تَقريبًا تَقولُ لَهُ: "نَعَم، نَعَم، نَعَم، أرجوكَ، افعل ذلكَ الآن". وهذا هُوَ المَعنى المَقصودُ هُنا. لِذا، ما الدَّرسُ الَّذي يُحاوِلُ أنْ يُعَلِّمَنا إيَّاه؟ "وَقَالَ الرَّبُّ: اسْمَعُوا مَا يَقُولُ قَاضِي الظُّلْمِ. أَفَلاَ يُنْصِفُ اللهُ مُخْتَارِيهِ، الصَّارِخِينَ إِلَيْهِ نَهَارًا وَلَيْلاً، وَهُوَ مُتَمَهِّلٌ عَلَيْهِمْ؟ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يُنْصِفُهُمْ سَرِيعًا!" بعبارة أخرى، اسمعوني: إنْ كانَ القاضي الظَّالِم يُنْصِفُ امرأةً لَحُوحَةً، ما الَّذي يُمْكِنُ أنْ يَفْعَلَهُ اللهُ أبونا العادِلُ وَالمُحِبُّ والبَارُّ الذي يَهْتَمُّ بأولادِهِ (أَتَرَوْن؟ إنَّهُ أَمْرٌ رائعٌ) إنْ كانُوا يُواظِبونَ على طِلْباتِهم. فَوَجْهُ الشَّبَهِ الَّذي يُبَيِّنُهُ يَسوعُ بِوُضوح هُوَ ليسَ بينَ اللهِ والقاضي. فلا يُوْجَد أيُّ وَجْهِ شَبَه هُنا البَتَّة. بَلْ إنَّ وَجْهَ الشَّبَه هو بينَ الأرْمَلَةِ والشَّخصِ المُصَلِّي.
والآنْ، اسمَحوا لي أنْ أُخبِرَكُم شَيئَيْن رائِعَيْنِ في هذهِ القِصَّة. وَهُما أَمْرانِ فَعَلَتْهُما تلكَ المَرأة. أوَّلاً، لقد رَفَضَت أنْ تَقبلَ مَوقِفًا ظَالِمًا. فقد رَفَضَتْ أنْ تَرْضَى بِهِ. ثانيًا، لقد أَصَرَّتْ على قَضِيَّتِها: "لن أَقْبَلَ بهذا الوَضْعِ الظَّالِم. ولن أَحْتَمِلَ هذا الشَّيء. وقد استمرَّتْ في طَلَبِ إنْصافِها دُوْنَ كَلَلٍ أوْ مَلَل. والآن، اسمَعوني: إنَّ هذهِ نَصيحة جَيِّدة لنا. فنحنُ لَدينا الحَقّ، يا أحبَّائي، اسمعوني جَيِدًا، في أنْ نَرفُضَ قَبولَ بعضِ المَواقِفِ المُحَدَّدَةِ في العَالَم. فنحنُ لَدينا ذلكَ الحَقّ. نحنُ لَدينا الحَقّ في أنْ نَرْفُضَ الأشياءَ عَلى عَواهِنِها، وفي أنْ نُصَلِّي بِلَجاجَة إلى اللهِ كَيْ يُغَيِّرَ الأشياءَ ويَجْعَلَها كما ينبغي أنْ تَكون. والآن، ما الَّذي نَعنيهُ بهذا؟ ما أُحاوِلُ أن أقولَهُ هُوَ أنَّ العِبارة "لِتَكُنْ مَشيئَتُك" هي ليست قَبولاً على مَضَض. فأنا أُوْمِنُ أنَّ الصَّلاةَ "لِتَكُن مَشيئَتُك"، اسمعوني جَيِّدًا: تُعَبِّرُ في حالاتٍ كثيرةٍ عَنِ التَّمَرُّد. وقد تَقول: "مَهْلاً مِنْ فَضْلِك! هل تَعني أنَّ صَلواتِنا ينبغي أنْ تكونَ مُتَمَرِّدَة؟" أجل! أنا أُوْمِنُ أنَّها شَكْلٌ مِنْ أشْكالِ التَّمَرُّد. وقد تَقولُ: "وما الَّذي نَتَمَرَّدُ عليه؟" اسمَعوا ما سأقول: أنا أُوْمِنُ أنَّ الصَّلاةَ بهذهِ الطريقة هي تَمَرُّدٌ على العالَمِ في سُقوطِه. فهي تَمَرُّدٌ على قَبولِ الأشياءِ غير العاديَّة على أنَّها عادِيَّة. وَهِيَ تَمَرُّدٌ على الغَاصِب. وَهِيَ تَمَرُّدٌ على كُلِّ تَدْبيرٍ شِرِّير، وكُلِّ خُطَّةٍ مَاكِرَة، وكُلِّ تَفسيرٍ خَاطِئ، وكُلِّ عَمَلٍ قَبيح، وكُلِّ كَلِمَة رَدِيَّة، وكُلِّ لَحظة تُخالِفُ مَشيئةَ اللهِ. ويُمْكِنُنا أنْ نَرى ذلكَ في سِفْرِ الرُّؤيا والأصحاح 6 أنَّ يُوحَنَّا رَأى تَحْتَ الْمَذْبَحِ نُفُوسَ الَّذِينَ قُتِلُوا، وأنَّهُ سَمِعَهُم يَصْرُخونَ قَائِلِين: "حَتَّى مَتَى أَيُّهَا السَّيِّدُ الْقُدُّوسُ وَالْحَقُّ لاَ تَقْضِي وَتَنْتَقِمُ لِدِمَائِنَا...؟" ونَقرأُ أنَّ داوُدَ صَلَّى قائلاً: "يا رَبّ، لا تَدَعْ أعداءَكَ يُفْلِحون، ولا تَدَعْ غيرَ الأبرارِ يَزْدَهِرون".
اسمَعوني: أنا أُوْمِنُ أنَّهُ عندما نُصَلِّي "لِتَكُنْ مَشيئَتُكَ" فإنَّ هذا تَمَرُّدٌ على شَرِّ العالَم، وَتَمَرُّدٌ على حَتميَّةِ الخطيَّة، وتَمَرُّدٌ على عواقِبِ الخطيَّة. وأنا أُوْمِنُ أنَّهُ يجب علينا حَرفيًّا أنْ نُهاجِمَ أبوابَ الجَحيمِ بِتَمَرُّدِنا. فَلا يَجوزُ أنْ نَقِفَ جانِبًا وأنْ نَسمحَ لِلاهوتِنا الخاطئِ أوِ استسلامِنا السَّلبيِّ أوِ امْتِعاضِنا المُرِّ أنْ يَجْعَلَنا نَقولُ وَحَسْب: "حَسَنًا، إنَّها مَشيئةُ اللهِ" لأنَّها ليست كذلك. فقد أقولُ، بِوَصْفي راعي الكنيسة، عندما تَتَفَسَّخُ عائلاتٌ مَا: "إنَّها مَشيئةُ اللهِ". لا، إنَّها ليست مَشيئة اللهِ. وأنا أَتَمَرَّدُ على ذلك. وأنا سأستمرُّ في الصَّلاةِ بخصوصِ ذلك. أوْ أنْ أقولَ إنِ انهارت كَنيسةٌ ما: "إنَّها مَشيئةُ الرَّبِّ". لا، إنَّها ليست مَشيئة الرَّبِّ. أو أنْ أقولَ ذلكَ إنْ وَقَعَ أشخاصٌ مُعَيَّنونَ في الخطيَّة؛ ولكِنَّها ليست مَشيئة اللهِ. بل يجب علينا أنْ نُصَلِّي لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ عَلَى الأَرْضِ" لأنَّها ليست كذلكَ على الأرضِ. أَتَرَوْن؟ فهذهِ الصَّلاةُ ليست شيئًا سَلبيًّا. لِذا فقد قالَ يَسوعُ: "يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ. وما مَعنى "وَلا يُمَلّ"؟ أيْ: "لا تَقْبَلوا الأمورَ عَلى عَواهِنِها".
والآن، هل تَعلمونَ شيئًا؟ بعدَ أنْ تَفعلوا كُلَّ ذلك، رُبَّما لا يَؤولُ الأمرُ كَما تُريدون. فكما تَعلمونَ فإنَّ المَسيحيِّينَ يُصَلُّونَ أنْ يأتي المَسيحُ مُنذُ وقتٍ طويل. أليسَ كذلك؟ "آمين تَعالَ أيُّها الرَّبُّ يَسوع. تَعالَ أيُّها الرَّبُّ يَسوع. فأنتَ لا تَستحقُّ مُعاملةً كهذه. تَعالَ يا رَبّ وَأَسِّسْ مَمْلَكَتَك. تَعالَ وَتَمَجَّد. وَتَعالَ وَخُذِ الكَرامَة". فنحنُ نُصَلِّي مُنذُ ألفَيْ سَنَة، وسوفَ نَستمرُّ في الصَّلاة. لماذا؟ لأنَّنا نَثورُ على سُقوطِ العالَم، ونَثورُ على الأشياءِ الَّتي تُؤذي وَتَجْرَح الرَّبَّ يَسوعَ المسيح، ونَثورُ على الأشياءِ الَّتي تُخالِف كَلِمَتَهُ الثَّمينة. ويجب علينا أنْ نَتَحَلَّى بهذا الرُّوح. فيجب علينا أنْ نَمْتَلِكَ هذا الرُّوح. ولا يَسَعُني إلَّا أن أَتذكَّرَ يَسوعَ وَهُوَ يَقِفُ بِهَيْبَة في البُستانِ ويُصَلِّي. ويجب عليكم، يا أحبَّائي، أنْ تُدركوا أنَّ صَلاتَهُ هي صَلاةُ تَمَرُّد. فنحنُ نَقرأُ في إنجيل مَتَّى 26: 39 أنَّهُ قالَ: "يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هذِهِ الْكَأسُ، وَلكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ". وَلَكِنَّهُ لم يَتوقَّف هُنا، بل إنَّنا نَقرأُ في العدد 42: "فَمَضَى أَيْضًا ثَانِيَةً وَصَلَّى قَائِلاً: «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَعْبُرَ عَنِّي هذِهِ الْكَأسُ إِلاَّ أَنْ أَشْرَبَهَا، فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ»".
ثُمَّ نَقرأُ لاحقًا: "ثُمَّ جَاءَ فَوَجَدَ [التَّلاميذَ] أَيْضًا نِيَامًا". والآن، اسمعوني: لقد صَلَّى الرَّبُّ تِلْكَ الصَّلاةَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ. وفي كُلِّ مَرَّة جاءَ فيها فَوَجَدَهُمْ نِيامًا. وهل تَعلمونَ شيئًا؟ إنَّ هذا مُحْزِنٌ. ويَسوعُ لم يَقْبَلْ يَوْمًا الحَالة الرَّاهِنَة. فَهُوَ لم يَقُل: "حسنًا، الصَّليب، الصَّليب. إنَّها مَشيئَتُك. إنَّها مَشيئَتُك". بل إنَّهُ قال: "يا أَبَتاه، هل لا بُدَّ أنْ يَحْدُثَ الأمرُ هكذا؟ أنا أَتَمَرَّدُ على هذهِ الخَطيَّة، وأنا أَتمرَّدُ على سُلطانِ الخطيَّة الَّذي يُريدُ أنْ يَسْلِبَني حَياتي. وأنا أَتمرَّدُ على ضَرورةِ حَمْلِ الخطيَّة. وأنا أَتمرَّدُ على هذهِ الأشياءِ الَّتي تَنْتَهِكُ قَداسَةَ كَوْنِكَ المُقَدَّس". وقد كانَ في وَسْطِ تَمَرُّدِهِ على سُقوطِ العالَم؛ أمَّا التَّلاميذَ فَكانُوا نائِمين. لماذا؟ لقد نَامُوا، بِبساطة، لأنَّهُم كانوا غَيْرَ مُبالين.
وماذا عن حَياةِ الصَّلاةِ لَديكَ؟ هل تُصَلِّي قائلاً "لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ عَلَى الأَرْضِ" لأنَّها لا تَتِمُّ دائمًا؟ وهل أنتَ مُواظِبٌ على الصَّلاة، لا لمَنفعتِكَ أوْ مَصلحتِكَ الشَّخصيَّة، بل لأنَّكَ تَصْرُخُ إلى اللهِ طَالِبًا أنْ يَتَمَجَّد؟ "لِتَكُن مَشيئَتُك". فلا يَجوزُ أنْ نُصَلِّي بِتلكَ المَفاهيمِ الخاطِئَة. وفي الأسبوعِ القادِم، سَنَرى الجانِبَ الإيجابيَّ. دَعونا نُصَلِّي:
يا أبانا، نَشكُرُكَ لأنَّكَ لَمَسْتَ قُلوبَنا مَرَّةً أخرى بِحَقِّكَ. وقد قالَ بولسُ ذاتَ يَوْمٍ أنَّهُ لامَسَ قَلْبَ اللهِ في الصَّلاة. وَمِنَ المُؤكَّدِ أنَّ العَكْسَ صَحيحٌ أيضًا إذْ إنَّكَ تَلْمَسُنا مِنْ خِلالِ كَلِمَتِك. نَشكُرُكَ على الأشخاصِ الأحِبَّاءِ الَّذينَ تُرْسِلُهُم إلينا كُلَّ أُسبوعٍ لكي يَدرُسوا، ويَعبُدوا، ويُسَبِّحُوا اسْمَكَ. يا أبانا، إنَّ هذا ليسَ صَفًّا، وهذهِ ليسَت دِراسة أكاديميَّة، بل إنَّ هذهِ دَعْوة إلى العِبادة، ودَعوة إلى التَّسبيحِ والتَّعظيم، ودَعوة إلى تَمجيدِ اسْمِكَ. ويا لَيْتَنا نُجيبُ الدَّعوةَ بأمانة. آمين!
This article is also available and sold as a booklet.