Grace to You Resources
Grace to You - Resource

لِنَفتَح كُتُبَنا المُقدَّسَةَ على رسالة رُومية والأصحاح 12، ونَبتدئ دراستنا العَمليَّة الصَّغيرة لكلمةِ اللهِ في هذا المساء. وأودُّ أن أشكركم على المجيءِ إلى هنا في هذا المساء. فأنا أَعلمُ أنَّكم مَشغولونَ كثيرًا في هذهِ الأيَّام بِكُلِّ الأنشطة في موسمِ العُطْلَةِ، وتَترقَّبونَ الأصدقاءَ، والرِّحلاتِ، والزِّياراتِ، وما شابَهَ ذلك. وأنا أُحِبُّ جدًّا الوقتَ الَّذي نَصْرِفُهُ معًا في كلمةِ الله لأنَّني مُقْتَنِعٌ أنَّ العالَمَ يُريدُ أنْ يَزْحَمَنا ويَمْنَعَنا مِنَ القيامِ بذلك. وأنا أَفْرَحُ جدًّا عندما تأتونَ بقلبٍ مُتَشَوِّقٍ لدراسةِ كلمةِ الله.

ونحنُ نَدرُسُ رسالة رُومية 12: 9-21. وقد أَخَذْنا وقتًا كافيًا في دراسةِ هذا النَّصِّ بسببِ أهميَّتِهِ البالِغَة. وكما حاولتُ أنْ أُبَيِّنَ لكم، معَ أنَّ أغلبيَّةَ النَّاسِ الَّذي دَرَسوا رسالة رُومية يَشعرونَ أنَّ الجُزءَ الأوَّلَ مِنْ رسالة رُومية هو النُّقطة الرَّئيسيَّة في السِّفْر إذْ يتحدَّثُ عن فِكرةِ التَّبرير؛ فإنَّ الغايةَ الأساسيَّة للسِّفْر هي أنْ يُوْصِلَ المُؤمِنَ إلى هذه النُّقطة. فَكُلُّ شيءٍ آخر يُبْنى على ذلك. وهذا لا يَعني أنَّهُ أقَلُّ أهميَّةً. فعقيدةُ التَّبريرِ، وعقيدةُ التَّقديسِ، وتلك الحقائقُ العظيمةُ المُختصَّة بإسرائيل والأمم (الَّتي تَعَلَّمناها في الأصحاحات 9-11) هي حقائق مُهمَّة، وعظيمة، ومَجيدة.

ولكِنَّ هذا كُلَّهُ، بِمَعنى مِنَ المَعاني، هو الأساسُ للطريقةِ الَّتي نعيشُ بها، وللطريقةِ الَّتي نَتصرَّفُ بها، وللطريقةِ الَّتي نَمشي بها، وللطريقةِ الَّتي نُفَكِّرُ بها، وللطريقةِ الَّتي نَتصرَّفُ بها في كُلِّ موقف. لذا، لن تَجِدوا القصدَ مِنَ السِّفْر إلَّا بِوصُولِكُمْ إلى الأصحاح 12 فصاعِدًا حَتَّى الأصحاح 16 إذْ تَجِدونَ القصدَ الحقيقيَّ مِنْ كتابةِ هذه الرِّسالة وهو أنْ تَبْني الأساسَ الَّذي تقومُ عليهِ الحياةُ المسيحيَّة.

وقد وَصَلْنا الآنَ، بعدَ وَضْعِ الأساسات، إلى هذه الأمورِ المُختصَّة بالحياةِ المسيحيَّةِ العَمليَّة. وهو يُقَدِّمُ لنا، أوَّلاً، النَّظرةَ العامَّةَ إلى هذه المسألة المُختصَّة بالحياةِ المسيحيَّة العَمليَّة في الآيات 9-21. وهذا كُلُّهُ يَبتدئ، بالطَّبع، بالتَّكريسِ (في العددَيْن 1 و 2). وقد تحدَّثنا عن ذلك. وبإدراكِ مَكانَتِكَ الخاصَّةِ في جسدِ المسيح (في الأعداد 3-8). لِذا، يجب علينا، أوَّلاً، أنْ نكونَ مُستعدِّينَ لتكريسِ أنفُسِنا للرَّب، ثُمَّ أنْ نُكَرِّسَ أنفُسَنا للكنيسة. ثُمَّ إنَّهُ يأتي إلى وصاياه العَمليَّة المُتعلِّقة بكيفيَّةِ عَيْشِ حياتِنا المسيحيَّة. ومِنَ العدد 9 إلى العدد 21، كأنَّهُ يَرْسُمُ دائرةً. وهذه الدَّائرةُ هي الفِكرة الرَّئيسيَّة. وفي مَراحِل مُعَيَّنة فإنَّ الدَّائرة تَتَّسِع لِتَضُمَّ فئاتٍ أخرى مِنَ الأشخاص.

فهي تبتدئ بطريقة شخصيَّة جدًّا في العدد 9 إذْ تَتحدَّث فقط عنِ المؤمنِ الفرد الَّذي ينبغي أنْ يُحِبَّ بِلا رِياء، والذي ينبغي أنْ يُبْغِضَ الشَّرَّ ويَلتصق بالخير. فالحياةُ المسيحيَّة العمليَّة تبتدئ ببعضِ الأولويَّاتِ في حياتِك: المحبَّةُ الصَّادقة، وبُغْضُ الشَّرِّ، والالتصاقُ بالخير. وهذا حَقٌّ بسيطٌ وأساسيّ. ثُمَّ نُلاحِظُ في العدد 10 أنَّ الدَّائرة تَتَّسِع خِارِجَ النِّطاقِ الشَّخصيِّ لِتَضُمَّ العائلة المسيحيَّة. والرَّسولُ بولُس في الآيات 10-13، كما تَذكرون، يَقولُ إنَّ المؤمنَ ليسَ مَدعوًّا فقط إلى أنْ يُحِبَّ محبَّةً صادقةً، وأنْ يُبغِضَ الشَّرَّ، وأنْ يَلتصقَ بالخير، بل أيضًا أنْ يكونَ وَدودًا تُجاهِ المؤمنينَ الآخرينَ، وأنْ يَسعى فوقَ كُلِّ شيء إلى إكْرامِ المؤمنينَ الآخرين عِوَضًا عَنِ الحُصولِ على الإكرامِ مِنَ الآخرين.

ثُمَّ إنَّهُ يَمضي في التحدُّثِ عن خِدمَتِنا في العدد 11 ويقولُ إنَّ خِدمتنا للمسيح ينبغي أنْ تكونَ خِدمةً كاملة، ومُتحمِّسة، وبِكُلِّ القلبِ، وحَارَّة، ومُطيعة، ومُجتهِدَة. ونتيجة لذلك، فإنَّ العدد 12 يُشيرُ إلى أنَّنا لا بُدَّ أنْ نُواجِهَ بعضَ الضِّيقات، وأنَّهُ يجب علينا أنْ نَفْرَحَ في الرَّجاءِ في هذه الضِّيقات، وأنْ نَصْبِرَ في هذه الضِّيقات، وأنْ نُواظِبَ على الصَّلاةِ في هذه الضِّيقاتِ ... مُنْتَظِرينَ المَجْدَ الَّذي يَنتظِرُنا. ويجب علينا أنْ نكونَ مُرْهَفي الحِسِّ لا لِضيقاتِنا نحنُ فقط، بل لحقيقةِ أنَّ الآخرينَ يَمُرُّونَ بضيقاتٍ أيضًا إذْ نَقرأ في العدد 13 أنَّهُ يجب علينا أنْ نَشترِكَ في سَدِّ حاجاتِ القِدِّيسين، وأنْ نكونَ عَاكِفِينَ على إِضَافَةِ الغُرَبَاء.

لِذا فإنَّ هذهِ الآياتِ تَشْمَلُ العائلة [إنْ شِئْتُم]، وتَحْرِصُ على أنْ نَهتمَّ بهم، وأنْ نُظْهِرَ المحبَّةَ لهم، وأنْ نَسُدَّ حاجاتِهم، وأنْ نَخْدِمَهُم كما نَخْدِمُ الرَّبَّ، وَهَلُمَّ جَرَّا. لِذا فقد نَظَرنا إلى الدَّائرةِ الشَّخصيَّة وإلى دائرةِ العائلة. وفي هذا المساء، أودُّ أنْ أتحدَّثَ عنِ الدَّائرة الثَّالثة ثُمَّ الدَّائرة الرَّابعة. والدَّائرةُ الثَّالثةُ تَضُمُّ نوعًا ما جميعَ الأشخاص. فهي دائرةُ جَميعِ الأشخاص [إنْ شِئْتُم] في الأعداد 14 و 15 و 16.

وَهُوَ يُوَسِّعُ الدَّائرةَ هنا فَيَتَحَدَّثُ عن كيفَ ينبغي لنا أنْ نَعيشَ في علاقَتِنا معَ الآخرين، دُوْنَ تَخْصيص، سواءَ كانوا مُؤمِنينَ أَمْ غيرَ مُؤمِنين. وهو يَبتدئ بأسوأ أُناسٍ قد نَلتقيهم إذْ يقولُ في العدد 14: "بَارِكُوا عَلَى الَّذِينَ يَضْطَهِدُونَكُمْ. بَارِكُوا وَلاَ تَلْعَنُوا". وَهُوَ يَتحدَّثُ الآنَ بصورةٍ عامَّةٍ، لا فقط عن عائلةِ الإيمان، بل بصورة عامَّة وَحَسْب؛ أيْ عن أيِّ شخصٍ يَضْطَهِدُكَ. فيجب عليكَ أنْ تُبارِكَهُ: " بَارِكُوُهم وَلاَ تَلْعَنُوهُم". فهذه هي الطريقة الَّتي ينبغي أنْ نَحيا بها. فيجب علينا أنْ نَحيا بطريقة نُبارِك بها الآخرين الَّذي يُعامِلونَنا بِنَوايا شِرِّيرة.

وبالمُناسَبة، إنَّ هذا ليسَ مَبدأً جديدًا، بل هو مَبدأٌ قديمٌ في الكتابِ المقدَّس. وَهُوَ يَرْجِعُ إلى تَعليمِ رَبِّنا يسوعَ المسيح. فهل تَذكرونَ ما جاءَ في إنجيل مَتَّى 5: 44 إذْ قالَ يسوع: "وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا [مَنْ؟] أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ". والحقيقةُ هي أنَّ هذه الآية تَجْمَعُ، في الحقيقة، ما جاءَ في إنجيل مَتَّى 5: 44 وإنجيل لوقا 6: 27-28 إذْ إنَّها جُمِعَتْ مِنْ مَخطوطات مُختلِفة وَوُضِعَتْ في هذه التَّرجمة. ولكنَّها تَعليمٌ قَدَّمَهُ رَبُّنا. "بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ". وهذا مَبدأٌ مُهِمٌّ جدًّا.

ودَعونا نأخذ وقتًا قصيرًا في النَّظرِ إلى ما جاءَ في إنجيل لوقا 6: 27 لأنَّ هذا المَقطعَ مُهِمٌّ جدًّا: "لكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ أَيُّهَا السَّامِعُونَ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ". والكلمة "أَحِبُّوا" هُنا تُشيرُ إلى أيِّ نَوْعٍ مِنَ المحبَّة؟ إلى المحبَّة الحقيقيَّة، والمحبَّة القلبيَّة الَّتي ليسَ فيها رِياء. لا إلى المحبَّة الزَّائفة أوِ المُصطنَعة أوِ السَّطحيَّة، بل إلى المحبَّة الحقيقيَّة. وهي المحبَّة الَّتي ينبغي لنا جميعًا أنْ نَتَّصِفَ بها حَسْبَ ما جاءَ في رسالة رُومية 12: 9.

"أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ. مَنْ ضَرَبَكَ عَلَى خَدِّكَ فَاعْرِضْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا، وَمَنْ أَخَذَ رِدَاءَكَ فَلاَ تَمْنَعْهُ ثَوْبَكَ أَيْضًا. وَكُلُّ مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ، وَمَنْ أَخَذَ الَّذِي لَكَ فَلاَ تُطَالِبْهُ. وَكَمَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهِمْ هكَذَا. وَإِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ فَضْل لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخُطَاةَ أَيْضًا يُحِبُّونَ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُمْ. وَإِذَا أَحْسَنْتُمْ إِلَى الَّذِينَ يُحْسِنُونَ إِلَيْكُمْ، فَأَيُّ فَضْل لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخُطَاةَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ هكَذَا".

بعبارة أخرى، فإنَّ العالَمَ يَتجاوَبُ معَ الخيرِ بالخير. والعالمُ يَتجاوبُ معَ المحبَّةِ بِمَحبَّة. ولإظهارِ الفَرْقِ في أنَّنا مُؤمِنون، يجب علينا أنْ نُظْهِرَ المَحبَّةَ لِمَنْ يُبْغِضونَنا، وأنْ نُجازي خَيْرًا مَنْ يُظْهِرونَ الشَّرَّ لنا. فهذا هو ما يُمَيِّزُنا.

وأَذكرُ قبلَ وقتٍ ليسَ بِبَعيدٍ أنَّ ابْنَ أُختي "تيم راي" (Tim Ray) قُتِل. وهو شابٌّ رائعٌ كانَ كَثيرونَ مِنكُم يَعرِفونَهُ. وكانَ يُحِبُّ الرَّبَّ بِكُلِّ قلبِه، وكانُ مُكَرَّسًا لِخِدمةِ الرَّبّ. وقد ذهبَ يومًا لعملِهِ في أحدِ المَتاجِر. والبعضُ مِنْكُم يَذْكرُ القصَّة. فقد كانَ مُوَظَّفًا هناك. وقد جاءَ رَجُلٌ ليسرِقَ المَتْجَر لكي يَشتري لنفسِهِ مُخَدِّرات. وعندما حاولَ "تيم" أنْ يُساعِدَ أمينَةَ الصُّندوقِ الَّتي كانت تَتعرَّضُ للسَّرِقة، أَفْرَغَ السَّارِقُ مُسَدَّسًا في جَسَدِهِ فَأرْداهُ قَتيلاً. وما زِلْتُ أَذكُرُ رَدَّ فِعْلِ أبيه "دوين راي" (Dwayne Ray)، الَّذي هو زَوْجُ أُختي، الَّذي يَرْعى الآنَ كَنيسَةً في واشنطن. وقد كانَ آنذاك مَعَنا. وقد كانَ اهتمامُ "دوين" الرَّئيسيّ هو أنْ يَرى قاتِلَ ابْنِهِ يَأتي إلى مَعرفةِ يسوعَ المسيح. وقد كانت هذه هي صلاتُهُ دائمًا وأبدًا.

وعندما جاءَ إلى هُنا قبلَ بِضعة أشهر لمُتابعةِ بعضِ الإجراءاتِ القانونيَّة المُختصَّة بالقضيَّة الَّتي ما تزالُ حَتَّى الآن غير محلولة، كانَ هَدَفُهُ الرَّئيسيُّ هو أنْ يَحْظى بِفُرصة مُشاركة يسوعَ المسيح معَ قاتِلِ ابْنِهِ. وهذا سُلوكٌ مَسيحيٌّ مُمَيَّز. هل تَفهمونَ ذلك؟ فهذا سُلوكٌ مَسيحيٌّ مُمَيَّز. فَغَيْرُ المُؤمِنينَ لا يَتَجاوَبونَ معَ قَتْلِ أحِبَّائِهم بمحبَّة. ولكِنَّ هذا السُّلوكَ مُمَيَّز. وهذا هو ما تَدعونا إليهِ كلمةُ الله.

ومُؤخَّرًا، تَعَرَّضْنا لحادثةٍ لا نُحْسَدُ عليها إذْ إنَّ بَيْتَنا سُرِق. فقد عادت زوجتي "باتريشا" (Patricia) ذاتَ يومٍ إلى المنزل. وَكانَ أحدُ أبنائِنا قد نَسِيَ تَشغيلَ جِهازِ الإنذار. وحينَ دَخَلَتِ المنزل ... ولا يُمْكِنُنا أنْ نَنسى تَشْغيلَ جِهازِ الإنذارِ بعدَ الآن. وقد حدثَ ذلكَ قبلَ أسبوعين. وحينَ دَخَلَتِ المنزل، وَحَتَّى قبلَ أنْ تَدخُلَ المنزل، ولكِنْ حالَ دُخولِها مِنَ الباب أَدْرَكَتْ أنَّ هناكَ خَطْبًا ما لأنَّ الأشياءَ كانت مُبَعْثَرة في كُلِّ أنحاءِ البيت.

وحين ذهبت إلى المطبخ، رأت الشُّبَّاكَ مَفتوحًا والأشياء مُبَعثرة. فقالت لابنتنا "مارسي" (Marcy): "لِنَخْرُج مِنَ البابِ الخَلفيّ. هناكَ شخصٌ في المنزل". وقد خَرَجَتْ واتَّصَلَتْ بالشُّرطة. وقد وَجَدْنا أنَّ المنزلَ قد سُرِق. وفي أثناءِ فَرارِ اللُّصوصِ بسُرعة مِنَ النَّافذة، خَوْفًا مِنْ أنَّهُمْ إنْ هَرَبوا مِنَ البابِ فإنَّ جِهازَ الإنذارِ سيَنطلِق لأنَّهم لم يكونوا يَعلمونَ كيفَ يَعْمَلُ النِّظام، في أثناءِ فَرارِهِم مِنَ النَّافذة وَهُروبِهِم مِنها، أَسْقَطوا سِكِّينًا كبيرةً كانوا يَحْمِلونها معهم في حالِ أنَّ أحدَ أبنائِنا قاوَمَهُم.

وقد حدثَ هذا منذُ مُدَّة قصيرة. والحقيقة هي أنَّهُ في اليومِ السَّابق لهذه الحادثة، وفي السَّاعةِ نَفسِها، كانت ابنَتُنا "ميليندا" (Melinda) في البيتِ بِمُفْرَدِها لوقتٍ قصيرٍ مِنَ الوقت. وقد كانَ السَّارِقونَ مُستعدِّينَ لمواجهةِ أيِّ مُقاومة. وبنعمةِ اللهِ، حَدَثَتِ السَّرِقَة في اليومِ التَّالي. وبالطَّبع فإنَّ رَدَّ فِعْلِكَ على ذلك هي بَشريَّة جدًّا. أليسَ كذلك؟ فأنتَ تَدْخُلُ غُرْفَتَكَ فَتَجِدُ أنَّ شخصًا ما قد تَعَدَّى على خُصُوصِيَّتِك، وأنَّ كُلَّ ما هُوَ عَزيزٌ على قلبِكَ مُبَعْثَرٌ هُنا وهُناك، وأنَّ أشياءَ كثيرة لا يُمْكِنُ استبدالُها قد سُرِقَتْ. فنحنُ ليس لدينا أيّ شيءٍ لَهُ قيمة أرضيَّة، ولكِنْ لدينا أشياء لها قيمة مَعنويَّة لنا. وقد سُرِقَ الكثيرُ مِنْ تلكَ الأشياء.

وفجأةً، هُناكَ شيءٌ يُخاطِبُكَ في قَلْبِكَ وَيَقولُ لَك: "ولكِنَّ هذا هو المِحَكُّ الحَقيقيُّ لمَسيحيَّتِك. أليسَ كذلك؟" فهل تستطيعُ أنْ تُظْهِرَ المحبَّةَ لأولئكَ الَّذينَ تَعَدَّوْا على خُصوصِيَّتِك؟ والذين نَهَبوا ما ليسَ لَهُم، والذين اقْتَرَفوا الشَّرَّ في حَقِّك؟

وهذه هي الفِكرة الجوهريَّة وراءَ ما جاءَ في العدد 14. فهي تتحدَّثُ عنِ الأشخاصِ الَّذينَ يُقاوِمونَك، سواءَ كانَ ذلكَ اضطهادًا روحيًّا أو مِنْ نوعٍ آخر. فالفِكرة هنا هي الكلمة "ديوكو" (dioko). فهو الفِعْل "ديوكو". وهو يَعني بصورة أساسيَّة: "أنْ تُلاحِقَ شخصًا بِقَصْدِ إلحاقِ الأذى بِهِ". ويجب علينا أنْ نَتجاوبَ معَ الأشخاصِ الَّذينَ يُلاحِقونَنا بِقَصْدِ إيذائِنا بأنْ نُبارِكَهُم؛ أيْ بأنْ نَتَمَنَّى لهم الأفضل ... أنْ نَتَمَنَّى لهم الأفضل. وأنْ نُبارِكَهُم، وأنْ نَطْلُبَ مِنَ اللهِ أنْ يَسْكُبَ عَليهِم صَلاحَهُ، ونِعْمَتَهُ، ورَحْمَتَه.

وهذا هو ما فَعَلَهُ يسوعُ على الصَّليب حينَ قال: "يَا أَبَتَاهُ..." ماذا؟ "...اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُون". فَقد أرادَ، بِكُلِّ شَهامة، أنْ تُسْبَغَ النِّعْمَةُ على أولئكَ الَّذينَ كانُوا يَقْتلونَهُ. وقد كانت هذه هي رُوْحُ استفانوس في سِفْرِ أعمال الرُّسُل 7: 60 إذْ مَعَ أنَّهُ كانَ يَرْقُدُ تَحْتَ أكوامٍ مِنَ الحِجارةِ الَّتي تَسْحَقُ عِظامَهُ وَتَنْتَزِع حَياتَهُ، فإنَّه نَظَرَ إلى السَّماءِ وقال: "يَا رَبُّ، لاَ تُقِمْ لَهُمْ هذِهِ الْخَطِيَّة". لا تُحاسِبْهُمْ على هذه الخطيَّة، يا رَبّ.

ونُلاحِظُ أنَّ الآيَةَ تقول: بَارِكُوا". وهي تَرِدُ بصيغةِ المُضارِع. وهي تُشيرُ إلى البَرَكَةِ المُستمرَّة. والكلمة "بَارِكُوا" تَعني أنْ تُبارِكوهُم مِنْ أعماقِ قُلوبِكُم وأنْ تَتَمَّنوا لَهُم الخير. وَما أَرْوَعَ أنْ نَرى أنَّ المسيحَ هُوَ قُدْوَتُنا في ذلك لأنَّهُ تَصَرُّفٌ غيرُ بَشَرِيٍّ وغيرُ طَبيعيّ.

ويَكتُبُ بُطرس عن ذلك في رسالة بُطرس الأولى 2: 21 إذْ يقول: "لأَنَّكُمْ لِهذَا دُعِيتُمْ. فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ لأَجْلِنَا، تَارِكًا لَنَا مِثَالاً لِكَيْ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِهِ". [ثُمَّ إنَّهُ يَقول] «الَّذِي لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً، وَلاَ وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ»، الَّذِي إِذْ شُتِمَ لَمْ يَكُنْ يَشْتِمُ عِوَضًا، وَإِذْ تَأَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُهَدِّدُ بَلْ كَانَ يُسَلِّمُ لِمَنْ يَقْضِي بِعَدْل".

بعبارة أخرى، عندما وَقَفوا ضِدَّهُ، لم يَرُدَّ بالمِثْل. فلا يَجوزُ الخَلْطُ بينَ البَرَكَة واللَّعنَة. فهو يقول: "بَارِكُوا عَلَى الَّذِينَ يَضْطَهِدُونَكُمْ". ثُمَّ إنَّهُ يَقول: "بَارِكُوا وَلاَ تَلْعَنُوا". بعبارة أخرى، لا يَجوزُ الخَلْطُ بينَ البَرَكَة واللَّعنة. فهو لا يَقولُ "بارِكوهُمْ بعدَ أنْ تَلْعَنوهُم"، بل: "بارِكوهُمْ ولا تَلْعَنوهُم البَتَّة". وهذهِ هي الحياةُ المَسيحيَّةُ بِحَقّ.

وقد قَرأتُ مَقالةً مُدهشةً في الأسبوعِ الماضي أَعْطَتْني إيَّاها زَوجتي وَتَلَقَّيناها على عُنوانِنا البَريديِّ مِنْ "بيركيلي" (Berkeley) ... فهي صَحيفة تَصْدُر في بيركيلي عَنْ جامعة كاليفورنيا. وهي تَزْخُرُ بآخرِ الاكتشافاتِ في جَميعِ أقسامِ جامعة كاليفورنيا، وكُلِّ العِلْمِ والدِّراساتِ الَّتي يُجْرونَها على الشَّخصيَّة، وعِلْمِ النَّفسِ، وعِلْمِ الاجتماع، وهَلُمَّ جَرَّا. وقد دُهِشْتُ جِدًّا أنْ أرى مَقالَةً فيها تَختصُّ بحقيقة أنَّ النَّاسَ اليوم يُعانونَ مِنْ ضَغْطِ دَمٍ مُرتفِع، وأنَّهم يُعانونَ جَميعَ أنواعِ الأمراضِ المُرتبطة بالقلق. وقد بَيَّنَتِ الدِّراسة أنَّ أغلبيَّةَ حالاتِ الضَّغْط، وأغلبيَّةَ حالاتِ القلق الَّتي تَنْجُمُ عنِ التَّوَتُّر (وَهُمْ يَستخدمونَ الكلمة "تَوَتُّر" كثيرًا) أنَّهُ لا عَلاقة لها بالواجِباتِ الطَّويلةِ الأمد.

بعبارة أخرى، إنَّ ذلكَ لا يَنْجُمُ عنِ الجُهدِ الكبيرِ الَّذي تَبْذُلُهُ في عملِك. وهو لا يَنْجُمُ عن وجودِ مَهامّ كثيرة لديك وأمور كثيرة في ذِهنِك. فأغلبيَّةُ النَّاسِ يُعانونَ تَوَتُّرًا شديدًا مُرتبطًا بالأشياءِ الصَّغيرة مِثل أنَّكَ لا تَستطيعُ أنْ تَعْثُرَ على مَفاتيحِ سَيَّارَتِك، أوْ لأنَّ شخصًا آخرَ سَبَقَكَ إلى المَكانِ الَّذي أردتَ أنْ تُوْقِفَ سَيَّارَتَكَ فيهِ في سَاحَةِ وُقوفِ السَّيَّاراتِ التَّابِعِ للسُّوقِ التِّجاريّ، أو بسببِ الوقوفِ في الدَّوْرِ لِشراءِ شيءٍ ما، أو لأنَّ أَحَدَ السَّائقينَ أَزْعَجَكَ في أثناءِ قِيادَتِكَ لسيَّارَتِك. فهذه هي الأشياءُ الَّتي تُسَبِّبُ التَّوتُّر، والتي تُؤدِّي إلى أمراضٍ بَدنيَّة خطيرة. فالسَّببُ لا يَعودُ إلى المَهامِّ الصَّعبة الطويلة، بل إلى التَّوَتُّرِ قَصيرِ الأمد.

وهذا كُلُّهُ يَرتبطُ، في اعتقادي، بالأنانِيَّة المُتزايدة إذْ إنَّ النَّاسَ مُنْهَمِكونَ جِدًّا حَرفيًّا بِحُقوقِهم حَتَّى إنَّكَ إذا تَعَدَّيْتَ على حَقِّ أحَدِهم فإنَّهُ سينظرُ إليكَ نَظرةً حاقِدَةً وكأنَّهُ سَيَقْتُلُك.

وقد كنتُ أقودُ سَيَّارتي عائدًا إلى بيتي ... وأعتقد أنَّني أخبرتُكم هذه القصَّة. وقد حاولَ رَجُلٌ أنْ يُحَطِّمَ نَوافِذَ سَيَّارَتي. هل أخبرتُكم عن ذلك؟ حَقًّا؟ فقد ظَنَّ أنَّني تَعَدَّيْتُ على حَقِّهِ في الطَّريق. لِذا فقد أَوْقَفَني، فيما كانت عائلتي بأسْرِها معي. وقد كانَ ذلكَ بعدَ خِدمة صباحِ الأحد قبلَ ثلاثةِ أسابيع. فقد كُنَّا نَتحدَّث. وقد ظَنَّ أنَّني تَعَدَّيْتُ على حَقِّهِ في الطَّريق. لِذا فقد أَوْقَفَ سَيَّارَتَهُ أمامَ سَيَّارتي. وقد قُلتُ لنفسي: "حسنًا، سوفَ أتوقَّف. فأنا لا أدري ما سيَفعل، ولكنَّني لن أُجادِلَهُ. بل سأحاولُ أنْ أَكونَ صَانِعَ سَلام".

وقد مَشَى إلى سَيَّارتي. ولم يَكُن يَرتدي قَميصًا. وأعتقد أنَّهُ كانَ يُريدُ أنْ يُثْبِتَ شَيئًا ما بخصوصِ رُجوليَّتِه. لِذا فقد اقتربَ مِنَ السيَّارة وَقال: "افْتَح النَّافذة". فَفَتَحْتُها قليلاً. وقد كانَ عَنيفًا. وكانَ بِاستطاعتي أنْ أرى ذلك. وقد ابتدَأ يَشْتِمُ ويقولُ كلماتٍ تَقْشَعِرُّ لها الأبدان. وقد نَظَرْتُ إليهِ مُباشرةً بعدَ أنِ انتهى مِنَ الشَّتائم وقُلت: "هل تَشْعُر بِتَحَسُّن؟" وقُلْت: "لا أدري ما سَبَبُ ذلك، ولكِنْ إنْ كنتُ قد فَعلتُ شيئًا أزْعَجَكَ، أنا آسِف".

ثُمَّ إنَّهُ أَغْلَقَ قَبْضَتَهُ وَضَرَبَ النَّافذة بِكُلِّ ما أُوْتِيَ مِنْ عَزْم وَبِكُلِّ قُوَّتِه، وَتَرَكَ طَبَقَةً مِنَ الجِلْدِ على النَّافذة. وبالطَّبع، فقد صَرَخَ وَأمْسَكَ بِيَدِهِ مِنَ الألم. وما أعنيه هو أنَّهُ فَقَدَ السَّيطرة تمامًا على نفسِه لأنَّهُ ظَنَّ أنَّ أحدًا قد تَعَدَّى على حَقِّه. وقد بارَكْتُهُ أنا قائلاً: "أنا آسِفٌ جدًّا. فأنا لم أَقْصِد البَتَّة أنْ أُضايقَك"، وَتَرَكْتُ الأمرَ عندَ هذا الحَدّ. وقد قلت: "رُبَّما يجب عليكَ أنْ تَذهب إلى سَيَّارَتِك وإلى بيتِك". وقد فَعَلَ ذلك وَهُوَ يُعاني ألمًا شديدًا في يَدِه.

ولكِنْ هذا هو رَدُّ فِعْلِ العالَم. وأنا أقولُ لكم، يا أحبَّائي، إنَّهُ مِنَ المُرْعِب أنْ يَعيشَ المرءُ في هذا العالَمِ اليوم لأنَّكَ لا تَعْلَمُ ما قد يَفْعَلُهُ النَّاس. فقد وَصَلَتِ الأنانيَّةُ نُقْطَةً لم يَعُدْ بمقدورِكَ فيها أنْ تَتَعَدَّى على نِطاقِ شخصٍ آخر مِنْ دونِ أنْ يَثورَ غاضِبًا في وَجْهِك. ولا عَجَبَ أنَّ العلاقاتِ الزَّوجيَّة لا تَستمرّ، أو أيَّ علاقة أخرى.

ولكِنَّ المُؤمِنينَ يَتَمَيَّزونَ بأنَّهُمْ لَيْسُوا أَرضِيِّين. ونحنُ لا نَرُدُّ بهذه الطريقة. بل إنَّنا نَرُدُّ بطريقة مُختلفة تمامًا. فعندما يُلاحِقُنا شخصٌ بِقَصْدِ إلْحَاقِ الأذى بنا، فإنَّنا لا نَرُدُّ بالمِثْل. فقد يَسألُني أحَدكُم: "لماذا لم تَخْرُج مِنَ السيَّارة وَتَضْرِبْهُ؟" أو "لماذا لم تَفعل ما يَفْعَلونَهُ في مُسَلسَل ’الشُّرطة واللُّصوص‘ بأنْ تَنتظرَ إلى أنْ يَقترب مِنَ الباب فتَفْتَحْهُ وَتَرْطِمْهُ بِهِ، وَتَطْرَحْهُ أرضًا، وتُلَقِّنْهُ دَرْسًا. أليسَ كذلك؟"

والحقيقة هي أنَّني لم أَتَدَرَّبْ على ذلك! ولكِنْ حيثُ إنَّني كنتُ أَدرُسُ رسالة رُومية والأصحاح 12، فقد حَرَصْتُ على تَطْبيقِ ما تُعَلِّمُهُ عندما أُتيحت الفُرصةُ لي. والربُّ لديهِ طريقة عَجيبة مؤخَّرًا في إعطائي فُرَصًا لتطبيقِ هذا المقطعِ عَمليًّا! وسوفَ أَفْرَحُ جِدًّا عندَ انتهائي مِنْ هذا المقطع. وأنا مُتَشَوِّقٌ جدًّا للوصولِ إلى العدد 15، إنْ لم تُمانِعوا في ذلك. فهو يقولُ في العدد 15: "فَرَحًا مَعَ الْفَرِحِينَ". وهذه صِفَة مُمَيِّزة أُخرى للمؤمِن، وهي أنْ نَفْرَحَ لِفَرَحِ الآخرين. وهذا يَعني أنْ لا تَكونَ لدينا أيُّ غَيْرَة. أليسَ كذلك؟ وما أعنيه هو أنَّ واحدةً مِنْ الصِّفاتِ الَّتي تُمَيِّزُ المُؤمِن هي أنْ يَفْرَحَ لِخَيْرِ شخصٍ آخر.

والحقيقة هي أنَّ الأشرارَ يُوْصَفونَ في سِفْر الأمثال 17: 5 بأنَّهُمْ يَفْرَحونَ بِبَلِيَّةِ الآخرين. وعلى النَّقيضِ مِن ذلك، هُناكَ ما قالَهُ بولُس (أعتقِد في رسالة كورِنثوس الثانية 2: 3) إذْ نَقرأُ: "أَنَّ فَرَحِي هُوَ فَرَحُ جَمِيعِكُمْ". فواحدة مِنَ الصِّفاتِ الَّتي تُمَيِّزُ المؤمن هي أنَّهُ يَفْرَحَ لِفَرَحِ الآخرين، وأنْ يَبْتَهِج لِبَهجةِ الآخرين. فيا لَها مِنْ صِفة رائعة!

وأعتقد أنَّ بولسَ كانَ يُفَكِّرُ في ذلك. وهناكَ آية أخرى يمكنني أنْ أَذكُرَها لكم، وأعتقد أنَّها رسالة كورِنثوس الأولى 12: 26. ... أجل! "فَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يَتَأَلَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَتَأَلَّمُ مَعَهُ. وَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يُكَرَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَفْرَحُ مَعَهُ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجَسَدُ الْمَسِيحِ، وَأَعْضَاؤُهُ أَفْرَادًا".

لِذا، مِنَ الصِّفاتِ المُمَيِّزَة حَقًّا للمؤمِن هي أنْ تَفْرَحَ لِكَرامَةِ شخصٍ آخر، وأنْ تَفرحَ لِفَرَحِ شخصٍ آخر. ثُمَّ إنَّهُ يَقولُ في العدد 15: "وَبُكَاءً مَعَ الْبَاكِين". كذلك، مِنَ الصِّفاتِ المُمَيِّزة للمؤمِن هي أنْ تكونَ مُتعاطِفًا، وألَّا تَكونَ عَديمَ المُبالاة. فالعالمُ يَزدادُ قَسوةً أكثرَ فأكثر، ويَزدادُ عَدَمَ مُبالاةٍ أكثرَ فأكثر. وبالمُناسبة، فإنَّ الكلمة "بُكاء" هنا هي كلمة مُدهشة في اللُّغة اليونانيَّة. فهي الكلمة "كلايو" (klaio)، وهي تَعني: "أنْ يَذْرِفَ الدُّموع". أنْ يَذرِفَ الدُّموع. فهي كلمة قويَّة. وهي الدَّليلُ على تَعاطُفِ المُؤمِن.

لِذا، يَنبغي أنْ نَكونَ مُمَيَّزينَ بأنَّنا أشخاصٌ مُرْهَفو الحِسِّ تُجاهَ مَنْ حَولَنا. فإنْ كانَ لديهم ما يَدْعوهُم إلى الفرح، ينبغي أنْ نَفْرَحَ مَعَهُم تَمامًا وَبِكُلِّ مَعْنى الكلمة. والسَّببُ في ذلكَ هو أنَّنا نُحِبُّهم جدًّا، ونَهتمُّ جِدًّا لأمرهم، ولأنَّنا فَرِحونَ جِدًّا بأنَّهم قد تَبارَكوا جدًّا حَتَّى إنَّنا نَعْجَزُ عَنْ إخْفاءِ فَرَحِنا. وهذا لا يَعني أنْ نَضْحَكَ لأنَّنا مُضْطَرُّونَ لذلك. وهذا لا يَعني أنْ نَفرَحَ فَرَحًا مُصْطَنَعًا. بل نحنُ مُؤمِنونَ حَقيقيُّون. والمؤمنونَ الحقيقيُّونَ يُقَدِّرونَ جِدًّا البَرَكَةَ الَّتي يَتبارَكُ بها الآخرون، ويَشْعرونَ بالامتنانِ الشَّديد لأنَّهم تَبارَكوا حَتَّى إنَّهم يَشعرونَ هُمْ أيضًا بنفسِ البَهجة.

والمُؤمِنونَ أيضًا هُمْ أشخاصٌ يَفهمونَ مَعنى التَّعاطُفِ مِنْ خلالِ البُكاءِ مَعَ صَديق، والبُكاءِ مَعَ عُضْوٍ في جَسَدِ المسيح يَشْعُرُ بالحُزن. وهذهِ أيضًا صِفَة مُمَيِّزة للمؤمِن في عالمٍ يَتَرَدَّى أكثر فأكثر في عَدَمِ مُبالاتِهِ، وفي تَبَلُّدِ أحاسيسِهِ، وفي انْعِدامِ حِسِّهِ أيضًا. وأنا أُفَكِّرُ في ذلكَ الرَّجُلِ "إرْميا" في العهدِ القديم، الَّذي صَرَفَ حَياتَهُ بأسْرها في البُكاءِ لأسبابِ لا شأنَ لها بِما يَحْدُثُ لَهُ شخصيًّا. وأنتُم تَعلمونَ هذا الأمر. أليسَ كذلك؟

وما أعنيهِ هو أنَّ إرْميا كانَ مُبارَكًا، وأنَّ إرْميا كانَ رَجُلًا مُمْتَلِئًا بالفَرَح. فقد قال: "وُجِدَ كَلاَمُكَ فَأَكَلْتُهُ، فَكَانَ كَلاَمُكَ لِي لِلْفَرَحِ وَلِبَهْجَةِ قَلْبِي". هل تَذكرونَ هذه الكلمات في سِفْر إرْميا 15: 16؟ لِذا، بالنِّسبةِ إليه، كانَ فَرِحًا. ولكِنَّهُ لم يتمكَّن في الحقيقة مِنْ عَيْشِ ذلكَ الفَرَحِ في الخارِجِ بصورة تامَّة لأنَّهُ كانَ مُرْهَفَ الحِسِّ تُجاهَ مَشاكِلِ شَعْبِه. وَهُوَ يقولُ في سِفْر إرْميا 9: 1 شيئًا يُعَبِّرُ حقًّا عَنْ رِقَّةِ قَلْبِه:

"يَا لَيْتَ رَأسِي مَاءٌ، وَعَيْنَيَّ يَنْبُوعُ دُمُوعٍ، فَأَبْكِيَ نَهَارًا وَلَيْلاً قَتْلَى بِنْتِ شَعْبِي!" فقد كانَ لَدَيهِ تَثَقُّلٌ كبيرٌ بخلاصِ إسرائيل حَتَّى إنَّهُ تَمَنَّى أنْ يكونَ هُوَ شخصيًّا يَنْبوعَ مَاءٍ لكي يَتَمَكَّنَ مِنَ البُكاءِ ليلاً ونَهارًا تَعْبيرًا عَنْ حُزْنِ قَلْبِهِ على هؤلاءِ الأشخاصِ الَّذينَ كانوا يَهْلِكونَ بسببِ عَدَمِ تَمَتُّعِهِمْ بعلاقةٍ سليمةٍ معَ الله. وهذا تَعبيرٌ جميلٌ عنِ المحبَّةِ الطَّاهرةِ المُرْهَفَةِ الحِسّ.

لِذا، عندما يُطارِدُنا شخصٌ يَرْغَبُ في إيذائِنا ... وَهُوَ شَيءٌ نُواجِهُهُ جَميعًا سواءَ اضْطُهِدْنا اضطهادًا بسيطًا بسببِ ظُروفٍ أرضيَّة مُعَيَّنة، أو سواءَ اضْطُهِدْنا بسببِ إيمانِنا بيسوعَ المسيح، أو رُبَّما يَتعرَّضُ البعضُ مِنَّا إلى اضطهادٍ في خِدمة عَلنيَّة مَا ... ولكِنَّكَ قد تُضْطَهَدُ على مُستواكَ أنتَ أيضًا. ورُبَّما تَتَعَرَّضُ لذلك لأنَّكَ تُحاولُ أنْ تَعيشَ بطريقة مُعيَّنة، أو لأنَّكَ تُحاولُ أنْ تكونَ أمينًا لِمِعْيارٍ كِتابيٍّ مُحَدَّد، أو لأنَّكَ تُحاولُ أنْ تَتَمَسَّكَ بما تَعْلَمُ أنَّهُ الحَقُّ الإلَهِيُّ؛ يجب عليكَ أنْ تَرُدَّ على مُضْطَهِديكَ بِأنْ تُبارِكَهُم.

ثُمَّ هُناكَ مَبدأ عام آخر في الجانِبَيْن: "فَرَحًا مَعَ الْفَرِحِينَ وَبُكَاءً مَعَ الْبَاكِين". وقد كانَ بولسُ يُفَكِّرُ في شيءٍ جوهريٍّ آخر يَختصُّ بطريقة تَعامُلِنا معَ الآخرين، وَهُوَ أمرٌ يَختصُّ بثلاثة أمور مذكورة في العدد 16. وهناكَ جُزءٌ آخر يَختصُّ بذلكَ السُّلوكِ العامِّ تُجاهَ جَميعِ النَّاس. فنحنُ نَقرأُ في العدد 16: "مُهْتَمِّينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ اهْتِمَامًا وَاحِدًا". مُهْتَمِّينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ اهْتِمَامًا وَاحِدًا. وهذه فكرة بسيطة جدًّا. وهي تَعني فقط أنْ تُفَكِّرَ في الجميعِ بذاتِ الطَّريقة. لا تَحترم فقط أشخاصًا مُعَيَّنين. ولا تُكْرِم فقط أشخاصًا مُعَيَّنين. ولا تُحاول أنْ تَضَعَ خُطَّتَكَ للوصولِ إلى مُستوى النُّخبة. بل فَكِّر في الجميعِ بذاتِ الطريقة. وعاملِ الجميعَ بمُساواة.

فنحنُ نَقرأُ في رسالة رُومية 15: 5 (وسوفَ نَتحدَّث أكثر عن ذلك في المستقبل): "وَلْيُعْطِكُمْ إِلهُ الصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ أَنْ تَهْتَمُّوا اهْتِمَامًا وَاحِدًا فِيمَا بَيْنَكُمْ، بِحَسَبِ الْمَسِيحِ يَسُوع". وهي الفكرة نفسُها. فلا يجوزُ لنا أنْ نُفَضِّلَ شخصًا على الآخر. ونَجِدُ في رسالة فيلبِّي والأصحاحِ الثَّاني المقطعَ الرئيسيّ. وأنتُم تَعرفونَهُ. فهو يقول: "إِنْ كَانَتْ تَسْلِيَةٌ مَا لِلْمَحَبَّةِ. إِنْ كَانَتْ شَرِكَةٌ مَا فِي الرُّوحِ. إِنْ كَانَتْ أَحْشَاءٌ وَرَأْفَةٌ، فَتَمِّمُوا فَرَحِي حَتَّى تَفْتَكِرُوا فِكْرًا وَاحِدًا وَلَكُمْ مَحَبَّةٌ وَاحِدَةٌ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ". ومِن أجلِ القيامِ بذلك، فإنَّهُ يقولُ في رسالة فيلبِّي والأصحاحِ الثَّاني: "لاَ تَنْظُرُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لِنَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لآخَرِينَ أَيْضًا" ... حَاسِبِينَ الآخرينَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْفُسِنا". أفضلَ مِنْ أنفُسِنا.

وفي رسالة يعقوب 2: 1-9، يَقولُ يعقوب إنَّهُ لا يجوزُ أنْ نُعاملَ الآخرين بِمُحاباة. فيجب عليكَ أنْ تُحِبَّ الجميعَ بذاتِ المحبَّة. وإنْ دَخَلَ إِلَى مَجْمَعِكُمْ رَجُلٌ بِخَوَاتِمِ ذَهَبٍ وكانَ غَنِيًّا جدًّا، لا تُعْطوهُ أفضلَ مَكان وتَقولوا للرَّجُلِ الفقير: "اجْلِسْ أَنْتَ هُنَا تَحْتَ مَوْطِئِ قَدَمَيَّ حَيْثُ تَنْتَمي". فهذا ليسَ سُلوكًا مسيحيًّا. فالسُّلوكُ المَسيحيُّ المُمَيَّزُ في الحياة يعني أنْ تُعامِلَ الآخرينَ بذاتِ المُعاملة. وهذا سُلوكٌ مُهِمٌّ جدًّا في الحياة.

فَمِنَ السَّهلِ علينا أنْ نَصيرَ أشخاصًا نَفْعِيِّين. وَمِنَ السَّهلِ علينا أنْ نَرْغَبَ في أنْ نَلْتَفَّ دائمًا حولَ الأثرياء، والمشاهير، والمُقْتَدِرين، وما شَابَهَ ذلك. ولكِنَّ هذا ليسَ سُلوكًا مَسيحيًّا مُمَيَّزا. فالسُّلوكُ المَسيحيُّ المُمَيَّزُ يَعني أنْ تُعامِلَ الجَميعَ بِذاتِ الطريقة. وفي رسالة فيلبِّي 1: 27، يَقولُ بولُس: "أَطْلُبُ إليكُم أنْ تَثْبُتوا فِي رُوحٍ وَاحِدٍ، مُجَاهِدِينَ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ لإِيمَانِ الإِنْجِيل". وفي رسالة كورِنثوس الأولى 1: 10، يَقولُ بولُس: "أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أنْ تكونوا مُلْتَحِمينَ مَعًا". وَهُوَ يَستخدِمُ هُنا كلماتٍ جميلة إذْ يقول: "بأنْ تَقُولُوا جَمِيعُكُمْ قَوْلاً وَاحِدًا، وَلاَ يَكُونَ بَيْنَكُمُ انْشِقَاقَاتٌ"؛ أيْ أنْ تَبتعدوا عنِ التَّحَزُّباتِ والطَّبقاتِ الاجتماعيَّة. "بَلْ كُونُوا كَامِلِينَ فِي فِكْرٍ وَاحِدٍ وَرَأيٍ وَاحِد".

وإنْ لم تُلاحِظوا، فإنَّ هذا كُلَّهُ يَنْبُعُ مِنَ المحبَّة. وهذا كُلُّهُ يَنبُعُ مِنَ التَّواضُع. وَهُوَ أمرٌ أساسيّ. وَهُوَ يَنتقل الآن إلى الجُملة الثَّانية في العدد 16. فهو يقول: حيثُ إنَّهُ يجب عليكم أنْ تُعاملوا الآخرينَ جميعًا بالطريقة ذاتِها، هناكَ شيئان سيُساعدانِكُم في القيامِ بذلك. الشيءُ الأوَّلُ هو الآتي: "غَيْرَ مُهْتَمِّينَ بِالأُمُورِ الْعَالِيَةِ بَلْ مُنْقَادِينَ إِلَى الْمُتَّضِعِين". لا تُفَكِّروا أوْ تُرَكِّزُوا على الأمورِ العالية، "أوبسيلا" (hupsela)، ومَعناها: "مُرتفع" أو "عالٍ". أيْ: "لا تَسْعَوْا إلى المكانة العالية وإلى الأشخاصِ المُرتَفِعينَ وإلى المَرتبة العالية، وإلى كُلِّ ما يَحظى بالتَّقدير العالي".

"بل مُنْقادينَ". والكلمة "مُنْقادينَ" هُنا هي ليست كلمة مُستخدمة بِمَعنى التَّعَطُّف. فنحنُ نُفَكِّرُ في الكلمة "اْنقياد" في مُفْرَداتِنا الإنجليزيَّة بِمَعنى التَعَطُّفُ على شخصٍ ما والتَّكَرُّمِ على ذلكَ الشَّخص. ولكِنَّ الكلمة "مُنْقادينَ" هُنا تَعني ببساطة: "يُسايِر". وهي تَعني حَرفيًّا: "يَنْزِلْ إلى مُستوى". بعبارة أخرى، لا تَسْعَوْا إلى الأمورِ العالية، بل انْزِلُوا إلى مُستوى النَّاسِ المُتَّضِعين. والكلمة "مُتَّضِعين" تُشيرُ إلى الأشخاصِ الَّذينَ يَنْتَمونَ إلى الطَّبقةِ الدُّنيا حقًّا. "تابينوس" (tapeinos)، ومَعناها: "لا يَرتفِعُ عنِ الأرض" لِذا: "انْزِلوا إلى الأرضِ إلى مُستوى المُتَّضِعين". وهذا لا يَعني أنْ تَتجاهَلَ أصحابَ المراكِزِ العالية، بل يعني ألَّا تَسْعى إلى ذلك، وألَّا تُلاحِق هؤلاء، وألَّا تُرَكِّز على ذلك.

وأنا أشكُرُ اللهَ على الأشخاصِ الموجودينَ في شَرِكَةِ كَنيسَتِنا، وعلى أصدقائي الَّذينَ يَتبَوَّأونَ مَناصِبَ مَرموقة، أو مَراكِزَ عالية، أو مَكانة رفيعة، أو مكانة مُهِمَّة في عَالَمِ البَشَر، أو مَقامًا عاليًا في ملكوتِ الله. وأنا أشكُرُ الرَّبَّ أيضًا على أصدقائي المُتَّضِعين الَّذينَ يُثْرونَ وَيُغْنُونَ حياتي بالقدرِ نَفسِه، والذين يَعْنونَ الكَثيرَ لي على غِرارِ الآخرين. وهذه صِفَة مُمَيِّزة للمؤمِن. وهذا هو ما يَقولُهُ بولُس.

فيجب أنْ تكونَ لدينا مَشاعِر طَيِّبة تُجاهَ الأشياءِ المُتَّضِعَة حَتَّى إنَّنا لا نُعاني البَتَّة في التَّعامُلِ مَعَ الأشخاصِ الَّذينَ لا يَرتفعونَ ولو قليلاً عنِ الأرض. والنُّقطة هنا هي أنَّهُ لا يوجد مكانٌ للأرستقراطيَّة في الكنيسة. ولا توجد مكانة خاصَّة للطَّبقة العُليا. فيجب أنْ نُعامِلَ المُتَّضِعينَ كما نُعامِلُ البقيَّة.

وأعتقد أنَّ هذه النُّقطة مُوَضَّحة بطريقة جميلة جدًّا في إنجيل لوقا. وهل يمكنكم أنْ تَفتحوا قليلاً على إنجيل لوقا والأصحاح 14؟ إنجيل لوقا 14: 12: "وَقَالَ أَيْضًا لِلَّذِي دَعَاهُ: «إِذَا صَنَعْتَ غَدَاءً أَوْ عَشَاءً فَلاَ تَدْعُ أَصْدِقَاءَكَ وَلاَ إِخْوَتَكَ وَلاَ أَقْرِبَاءَكَ وَلاَ الْجِيرَانَ الأَغْنِيَاءَ، لِئَلاَّ يَدْعُوكَ هُمْ أَيْضًا، فَتَكُونَ لَكَ مُكَافَاةٌ". فأنتُم تَعرِفونَ كيفَ يَتِمُّ ذلك. فيجب عليهم أنْ يَرُدُّوا الوَليمة بوليمة. فإنْ دَعَوْتَهُم، ينبغي لهم أنْ يَدْعوك. "بَلْ إِذَا صَنَعْتَ ضِيَافَةً فَادْعُ: الْمَسَاكِينَ، الْجُدْعَ، الْعُرْجَ، الْعُمْيَ، فَيَكُونَ لَكَ الطُّوبَى إِذْ لَيْسَ لَهُمْ حَتَّى يُكَافُوكَ". فهل تُريدونَ أنْ تَعلموا شيئًا؟ إذا دَعَوْتَ الأغنياءَ، فإنَّهُمْ سيَرُدُّونَ الدَّعوة بدعوة. أمَّا إنْ دَعَوْتَ الفُقراءَ، احْزَر مَنْ سَيُكافِئُكَ؟ الربُّ هو الَّذي سيُكافِئُكَ: "لأنَّكَ تُكَافَى فِي قِيَامَةِ الأَبْرَار".

لِذا، مِنْ مَنْ تُريدُ المُكافأة – مِنَ الأغنياءِ أَمْ مِنَ الله؟ صحيحٌ أنَّ الأغنياءَ قد يكونونَ أغنى النَّاس. ولا بأسَ في ذلك. فكما تَعلمونَ، مِنَ اللَّطيفِ أنَّهُ حينَ تَدعو النَّاسَ إلى وليمة فإنَّهُم يَدْعونَكَ بالمُقابِل أوْ يُقَدِّمونَ لَكَ هَدِيَّة. ولكِنَّ هَدِيَّتَهُم لا تُقارَن بمُكافأةِ الرَّبِّ لك. لِذا، عندما تَوَدُّ أنْ تَعْمَلَ وَليمةً في المَرَّة القادمة، ادْعُ المَساكينَ، والجُدْعَ، والعُرْجَ، والعُمْيَ الَّذينَ لا يَقدرونَ أنْ يُقيموا وليمةً لكَ، ولا يَقدرونَ أنْ يَرُدُّوا الإحسان. وَتَعَلَّم أنْ تَكونَ مُتواضِعًا، وأنْ تَنْزِلَ إلى مُستوى هؤلاءِ النَّاسِ الَّذينَ هُمْ في أَدْنى المَراتِبِ في نَظَرِ العالَم.

والحقيقةُ هي أنَّ فِكرةَ حالة الفَقْرِ لا صِلَةَ لها بالحياةِ الرُّوحيَّة. فالمقصودُ هُنا هو ليسَ المُستوى الرُّوحيَّ المُتَدَنِّي، بل المُستوى الاجتماعيّ المُتَدَنِّي. وقد وَجَدْتُ في أغلبِ الأحيان أنَّ بعضَ الأشخاصِ الَّذينَ هُمْ في أَدْنى المَراتبِ الاجتماعيَّة مُرْتَفِعونَ جِدًّا جدًّا في المُستوى الرُّوحيّ. أليسَ كذلك؟

ثُمَّ إنَّهُ يَقولُ أيضًا: إنْ كنتَ تُريدُ أنْ تَعيشَ حياةَ الاتِّضاع وأنْ تَنْظُرَ إلى الجَميعِ ذاتَ النَّظرة، وأنْ تُعامِلُ الجَميعَ بالطريقةِ ذاتِها، لا يَكفي أنْ لا تَهْتَمَّ بالأمورِ العاليةِ، بل يجب عليكَ أنْ تَنْقادَ وَتَنْزِلَ إلى مُستوى الأشخاصِ المُتَّضِعين. ولكِنْ ثانيًا، "لا تَكُونُوا حُكَمَاءَ عِنْدَ أَنْفُسِكُمْ". بعبارة أخرى، لا تَظُنَّ نَفْسَكَ حَكيمًا أوْ تَظُنَّ أنَّكَ تَعْرِفُ كُلَّ شيء. بعبارة أخرى، لا تَظُنَّ أنَّ كُلَّ شيءٍ يَبتدئ ويَنتهي بِكَ. "وَعَلَى فَهْمِكَ لاَ تَعْتَمِدْ".

إذًا، ما الَّذي يَعنيه؟ إنْ أردتَ أنْ تُعامِلَ الجَميعَ مُعاملةً واحدة، هناكَ أمران ينبغي لَكَ أنْ تُدْرِكَهُما. ففي الكنيسة، لا توجد أرستقراطيَّة اجتماعيَّة، ولا توجد أرستقراطيَّة فِكريَّة. لا تَقُل لنفسِكَ: "أنا حَكيمٌ جدًّا ولا أريدُ أنْ أكونَ مُحاطًا بِمَجموعة مِنَ النَّاسِ الأغبياء. فما الَّذي سأقولُهُ لهم؟" أليسَ كذلك؟ فهذه هي النُّقطةُ الَّتي قَصَدَها. فلا يجوزُ أنْ تَتعامَلَ فقط معَ النَّاسِ الَّذينَ هُمْ في نَفْسِ مُستواك. فلا وُجودَ للطَّبَقِيَّة الاجتماعيَّة. ولا وُجودَ للطَّبَقيَّة الفِكريَّة. فلا توجد طَبَقات في جسد المسيح. وهكذا ينبغي أنْ يكونَ الأمر.

فهناكَ نَظريَّة تَزْدادُ انتشارًا في الكَنائِسِ، وَهِيَ تُسَمَّى "النُّمُوُّ الكَنَسِيّ". وهناكَ نَظريَّات كثيرة بخصوصِ النُّموِّ الكَنَسِيّ. وهناكَ نَظريَّات فَلسفيَّة عديدة بخصوصِ سَبَبِ نُمُوِّ الكنائس. وهناكَ نَظريَّة تُدْعى "الوَحْدات المُتَجانِسَة"، وهي تُنادي بفكرة أنَّ الكنائس تَنمو مِنْ خلالِ الوَحْداتِ المُتجانِسَة. بعبارة أخرى، إنْ كانت لديكَ كنيسة تَضُمُّ أُناسًا مُتشابهينَ في أنَّ شَعْرَهُمْ أشقَر، وعُيونَهم زَرقاء، ويَعملونَ في نفسِ المُستوى الاجتماعيّ، فإنَّ ذلكَ سَيُسْهِم كثيرًا في نُمُوِّ الكنيسة لأنَّ "الطُّيورَ على أشْكالِها تَقَع". وهكذا فإنَّ الكنيسةَ تَنمو بتلك الطريقة. وإنْ كانت لديكَ كنيسة تَضُمُّ أُناسًا مِنَ السُّودِ جاءوا مِنَ الأقَلِّيَّاتِ، فإنَّ تلكَ الكنيسة ستنمو لأنَّ كُلَّ شخصٍ لديهِ روابط مُشابِهَة أوْ مُتجانِسَة. وَتقولُ هذه النظريَّة إنَّ واحدًا مِنَ الأخطارِ الَّتي تُهَدِّد نُمُوَّ الكنيسة هو التَّكَتُّل غير المُتَجانِس أوْ المُغايِر. ويقولُ لنا أصحابُ تلكَ النَّظريَّة إنَّ الكنيسةَ الَّتي لا تُراعي ذلك لن تَنْمو على الأرجَح.

ولسنواتٍ طويلة، كانَ الأشخاصُ الَّذينَ يُعَلِّمونَ ذلك يُحْضِرونَ مَجموعاتٍ مِنْ طُلَّابهم الَّذينَ كانوا يُعَلِّمونَهُمْ ذلك إلى كنيسة "النعمة" (Grace Church). فقد كانوا يُحْضِرونَهُمْ إلى هُنا طَوالَ ثلاثِ أوْ أربعِ سِنين عندما يأتونَ إلى المدينة لِعَقْدِ نَدْواتِهم. ثُمَّ إنَّهم تَوَقَّفوا. وقد عَرَفْنا سَبَبَ تَوَقُّفِهِم. فقد قالوا: "نحنُ لا نُريدُ أنْ نَستمرَّ في إحضارهم إلى كنيستِكُم لأنَّ كَنيسَتَكُم لا تُوافِقُ النَّظريَّة". هذا هو ما قالوه. ويبدو أنَّهُم لم يُبالوا بأنَّ ذلكَ يَنْسِفُ نَظريَّتَهُم، بل إنَّهُمْ حاولوا أنْ يَتخلَّصوا مِنَ المُشكلة بأنْ لا يَسمحوا لِطُلَّابهم أنْ يَرَوْا كنيسةً لا تُوافِقُ النَّظريَّة.

ولكِنِّي أشكُرُ الرَّبَّ لأنَّهُ بالرُّغْمِ مِنْ أنَّ كَنيسَتَنا قد تكونُ مُتجانسة إلى حَدٍّ ما [لأنَّنا جميعًا نَتحدَّثُ الإنجليزيَّة، ونَعيشُ في نِطاقٍ مُعَيَّنٍ مِنَ المُجتمعِ هُنا في جنوب كاليفورنيا]، فإنَّنا مِنْ نَواحٍ كثيرة جدًّا نُمَثِّلُ نِطاقًا واسعًا جدًّا مِنَ الطَّبقاتِ الاجتماعيَّةِ والفِكريَّة.

وقد تَلَقَّيْتُ اتِّصالاً يومَ الخميس ... أرجو أنْ تُصْغوا جَيِّدًا ... مِنْ كاتِبٍ يَعْمَلُ في مَجَلَّة "يو.أس. نيوز آند وورلد ريبورت" (US News and World Report)، وهي، بالطَّبع، مَجَلَّة مَحليَّة مَعروفة جدًّا. وقد قال: "نحنُ نَكْتُبُ تَقريرًا خاصًّا عنِ الكنائسِ العظيمةِ المُستقلَّة في أمريكا. وقد تَمَّ اختيارُ كَنيسَتِكُم للكِتابة عنها".

ولا أدري حَقًّا ما الَّذي يَفعلونَهُ بكتابةِ مَقالٍ عنِ الكنائس المُستقلَّة في مَجَلَّة "يو.أس. نيوز آند وورلد ريبورت"؛ ولكنِّي أعتقد أنَّ هذا رائع. ولا أَظُنُّ أنَّهُ كانَ يَعرِفُ أنَّ هُناكَ مَنْ رَفَعَ دَعْوى قَضائيَّة ضِدَّنا. وهذا جَيِّد لأنَّ جَميعَ الصَّحَفِيِّينَ الَّذينَ يَكْتُبون عَنَّا يَكْتُبونَ فقط عن تلكَ الدَّعوى القَضائيَّة. ولكنَّهُ أرادَ أنْ يَعرِف عن كنيسَتِنا، وأرادَ أنْ يَعرِف إنْ كانَت لدينا خِدمة للنَّاسِ الَّذينَ هُمْ مِنْ أمريكا اللَّاتينيَّة، وإنْ كانَ لدينا أشخاصٌ سُوْد في الكنيسة، وإنْ كانَ لدينا أشخاصٌ آسْيَوِيّونَ في الكنيسة. وقدِ ابتدأتُ أُخْبِرُهُ عن كُلِّ هذه الخِدْمات.

فقال: "ولماذا يأتي هؤلاءِ إلى كنيسَتِكُم؟" قلت: "لأنَّنا نُعَلِّمُ كلمةَ اللهِ. وهذا هو الأساسُ المُشْتَرَكُ بينَنا. وهذا هو ما يَجْعَلُنا واحِدًا في المسيح، وأنَّنا نَجْتَمِعُ حولَ المُخَلِّصِ وَحَوْلَ كَلِمَتِه". وقد تابَعْتُ حديثي عن ذلك وقلتُ إنَّنا نُؤمِنُ بالكِتابِ المُقَدَّس وَحَسْب". وَرُحْنا نَتحدَّث، فقالَ: "أجل". ثُمَّ قال: "وما هي الفِكرةُ مِنَ استقلالِكُم". فقلتُ: "الحقيقةُ هي أنَّنا لسنا ...". ثُمَّ قال: "لماذا لا تَنْتَمونَ إلى طائفة كبيرة؟" قلت: "لأنَّ الكثيرَ مِنَ الطَّوائفِ الكبيرة غَارِقَة في أمورٍ كثيرة لا نَعتقد أنَّها كِتابيَّة".

ولكنِّي كنتُ مُتَحَمِّسًا جدًّا لإخبارِهِ أنَّ كنيسَتَنا تَضُمُّ شريحةً عَريضَةً مِنَ النَّاسِ لأنَّنا نُؤمِنُ بأنَّ الكنيسةَ ينبغي أنْ تكونَ هكذا. أليسَ كذلك؟ لأنَّ خِدمَتَنا لا تُرَكِّز على الجانبِ الاجتماعيِّ، ولا تُرَكِّزُ على الجانبِ الفِكريِّ، بل هي خِدمة رُوحيَّة وكِتابيَّة. ولأنَّهُ بمقدورِ كُلِّ شخصٍ أنْ يَتَعَلَّمَ كَلِمَةَ الله. لِذا، لا توجد طَبَقِيَّة. بل إنَّ الأمرَ يَتَخَطَّى ذلك إلى خارجِ الكنيسة. فأنا أعتقد أنَّهُ يجب علينا أنْ نَصِلَ إلى النَّاسِ المُتَّضِعينَ وأنْ نَصِلَ إلى النَّاسِ الَّذينَ يَنْتَمونَ إلى الطَّبقةِ العُلْيا مِنْ دونِ أنْ نُرَكِّزَ بصورة خاصَّة على أيٍّ مِنَ الطَّبَقَتَيْن؛ بل يجب أنْ نكونَ مُتاحِينَ لِكلتا الطَّبَقَتَيْن.

وَمَرَّةً أُخرى، فإنَّ الدَّائرة تَتَّسِعُ مَرَّةً أخيرةً في العدد 17. فقد رأينا أوَّلاً الدَّائرةَ الشَّخصيَّة في العدد 9. ثُمَّ رأينا دائرةَ العائلة في الأعداد 10-13. ثُمَّ رأينا دائرةً تَضُمُّ جَميعَ النَّاسِ تقريبًا في الأعداد 14 و 15 و 16. وهي تَضُمُّ أيضًا العائلة المسيحيَّة. وكما قُلتُ، فإنَّ الدَّائرة تَتَّسِع بطريقة تَضُمُّ فيها الجميع. والآن، أخيرًا، هناكَ عُنصرٌ آخر فيها تَمَّ تَقْديمُهُ في العدد 14. وهذه هي الدَّائرة أوِ المرحلة الرَّابعة الَّتي تَتحدَّثُ عنِ الأعداءِ الشَّخصيِّين. وَهُوَ يَتحدَّثُ الآنَ عنِ الأعداءِ الشَّخصيِّين. وأودُّ مِنْكُم أنْ تَستَمِعوا بعناية إلى ما يقول، ثُمَّ سَأُوَضِّحُ ذلكَ لكم. وأودُّ أنْ أُنْهي هذا المَقطعَ لأنَّ هناكَ حَفْلات في الأسبوعِ القادِم، ثُمَّ هُناكَ مَوْسِمُ عيدِ الميلادِ المَجيد، ثُمَّ هُناكَ رأسُ السَّنة. ونحنُ لن نَعودَ إلى هذه الدِّراسة قبلَ وقتٍ طويل. لِذا، ارْبُطُوا أحْزِمَتَكُم ولننطَلق.

ويجب عليكم أنْ تتذكَّروا أنَّ هذه الدَّوائرَ تَتَّسِع. وهي تَتَّسِعُ الآن لكي تَضُمَّ أعداءَنا الشَّخصيِّينَ بصورة مُباشِرة جدًّا. فنحنُ نَقرأُ في العدد 17: "لاَ تُجَازُوا أَحَدًا عَنْ شَرٍّ بِشَرّ". ونحنُ نَعودُ إلى ما رأيناهُ في العدد 14. ولكِنَّ العدد 14 ذَكَرَ ذلك بصيغة إيجابيَّة: "بَارِكُوا عَلَى الَّذِينَ يَضْطَهِدُونَكُمْ"؛ أيِ الذينَ يَسْعَوْنَ إلى إيذائِكُم. أمَّا هُنا فنَقرأ: "لاَ تُجَازُوا أَحَدًا عَنْ شَرٍّ بِشَرّ". فَمِنَ الطَّبيعيِّ جِدًّا أنْ نَفعلَ ذلك.

وقد تقول: "مَهْلاً مِنْ فَضْلِكَ، يا جُون. وماذا عنِ العهدِ القديم حيثُ جاءَ في سِفْر الخروج 21، وَسِفْر اللَّاوِيِّين 24، وَسِفْر التَّثنية 19: "عَيْنًا بِعَيْنٍ، وَسِنًّا بِسِنٍّ"؟ إنَّ الحَديثَ هُنا هوَ عنِ القانونِ العامّ. فهذه الوَصِيَّة المُوسَويَّة تَختصُّ بالأُمَّة. فيجب على الأُمَّة أنْ تَضَعَ نِظامًا قَضائيًّا يَقْتَصُّ مِنَ الشَّرّ. أليسَ كذلك؟ فعندما يكونُ هُناكَ قاتِلٌ، يجب على الحُكومَةِ أنْ تُعْدِمَ القاتِل. وعندما يكونُ هُناكَ سَارِقٌ، يجب أنْ يكونَ هُناكَ قَصاصٌ يُطَبَّقُ على السَّارِق. فمبدأُ العَيْنِ بالعَيْن والسِّنِّ بالسِّنّ موجودٌ في مُجْتَمَعٍ يَقودُهُ أشخاصٌ يَنْتَمونَ إلى حُكومَةٍ تُطَبِّقُ القانون. ولكِنْ لا يجوزُ أنْ يكونَ ذلكَ انتقامًا شخصيًّا. فهذا هو المقصود.

فَخُطَّةُ اللهِ للمُجتمعِ هي ليست أنْ يُنَفِّذَ النَّاسُ القانونَ بأيديهم. فنحنُ نَعْلَمُ وَفْقًا لما جاءَ في رسالة رُومية والأصحاح 13 (الَّتي سَنَدْرُسُها قريبًا جدًّا) أنَّ رِجالَ الشُّرطة والجُنود في الأُمَّة لا يَحْمِلونَ السَّيفَ عَبَثًا، بَلْ هُمْ خُدَّامُ اللهِ إذْ نَقرأُ في العدد 4: "إذْ يَنْتَقِمونَ لِلْغَضَبِ مِنَ الَّذِي يَفْعَلُ الشَّرَّ". لِذا فإنَّ هُناكَ جِهَةً تُطَبِّقُ القانونَ في المُجتمَع. وأودُّ أنْ أقولَ لكم إنَّهُ عندما لا يَفعلُ المُجتمعُ ذلك، أعتقد أنَّهُ يَضَعُ نَفسَهُ تحتَ دَينونةِ الله.

فعندما تَقرأونَ في العهدِ القديم سَتَجِدونَ أنَّ اللهَ يُطالِبُ بِقَتْلِ القاتِل. ونحنُ نَعيشُ في مُجتمعٍ يَسْمَحُ للنَّاسِ أنْ يَقترفوا الجريمةَ دُوْنَ عِقاب. وقد سَمَحْنا بذلكَ طَوالَ الوقت. فهناكَ قَتَلَة يَعيشونَ حياةً عاديَّةً دُوْنَ عِقاب ويَعيثونَ في الأرضِ فَسادًا. وهناكَ ثَغراتٌ في القانون، وهُنا وهُناك. وأنا أعتقد أنَّ مُجتَمَعَنا يَتَحَمَّلُ مَسؤوليَّةَ ذلك لأنَّنا لم نَتَصَدَّى للشَّرِّ بالإجراءاتِ القَضائيَّة، أيْ بشريعةِ اللهِ الَّتي أَمَرَ اللهُ بِتَطبيقِها في المُجتمع. لِذا فإنَّ مُجْتَمَعَنا يَحْمِلُ ذَنْبَ عَدَمَ مُعاقبةِ فاعِلي الشَّرّ. وأنا أعتقد أنَّ ذلكَ يَضَعُنا تحتَ دَينونةِ الله.

ولكِنْ مِنْ جِهةِ الانتقامِ الشَّخصيِّ، لا مَكانَ لذلك. لا مَكان. لِذا فإنَّهُ يَقول: "لاَ تُجَازُوا أَحَدًا عَنْ شَرّ بِشَرّ". فهذا الدَّوْرُ ليسَ لنا. ونحنُ لا نَرُدُّ الإساءة بِمِثْلِها. ونحنُ ليسَ لدينا مِثْلُ هذا الرُّوح. ففي رسالة تسالونيكي الأولى 5: 15، يَقولُ بولسُ مَرَّةً أُخرى: "انْظُرُوا أَنْ لاَ يُجَازِيَ أَحَدٌ أَحَدًا عَنْ شَرٍّ بِشَرٍّ". لا تُجاوزا أيَّ إنسانٍ عَنْ شَرٍّ بِشَرّ. "بَلْ كُلَّ حِينٍ اتَّبِعُوا الْخَيْرَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ وَلِلْجَمِيع".

والآيةُ بُطرس الأولى 3: 9 تُعَبِّرُ عنِ الفِكرةِ نَفسِها. "لاَ تُجَازُوا أَحَدًا عَنْ شَرّ بِشَرّ. مُعْتَنِينَ بِأُمُورٍ حَسَنَةٍ قُدَّامَ جَمِيعِ النَّاس"، أو حَرفيًّا: "مُعْتَنينَ بأُمورٍ خَيِّرَة". وهي نفسُ الفِكرة في رسالة تسالونيكي الأولى 5: 15. وهي تقريبًا اقتباسٌ مُباشِر. فَعِوَضًا عن أنْ تُجازوا الشَّرَّ بِشَرٍّ، جَازوهُ بماذا؟ بالخير. جَازوهُ بالخَير. والكلمة "مُعْتَنينَ" هي كلمة مُدهشة. "مُعْتَنينَ بأُمورٍ حَسَنة". فالكلمة تَعني: "التَّفكيرُ مُقَدَّمًا" أو "التَّخطيط للقيام بذلك" أو "تَتَرَوَّى في التَّفكيرِ في الأمورِ الحَسَنَةِ في مِثْلِ هذهِ المواقف لِئَلَّا تُفاجِئكَ بَغْتَةً".

واسمحوا لي أنْ أُقَدِّمَ لكم مَثَلاً توضيحيًّا. عندما يَفعلُ شخصٌ ما شيئًا شِرِّيرًا لَكَ، إنْ كُنْتَ سَتَرُدُّ عليهِ وَفْقًا لِرَدِّ فِعْلِكَ اللَّحظيِّ، سَتَرُدُّ الشَّرَّ بالشَّرّ. أليسَ كذلك؟ فهذا هو رَدُّ فِعْلِكَ الطَّبيعيّ. لِذا، يجب عليكَ أنْ تُفَكِّرَ مَلِيًّا مُسَبَّقًا، وأنْ تُهَيِّئَ نَفسَكَ مُسَبَّقًا لِفِعْلِ الخَيرَ عندما يَأتي الشَّرّ. فهي عَمليَّةُ استعداد. وهذا يُعيدُنا إلى حيثُ كُنَّا في الأسبوعِ الماضي. وما الَّذي كُنَّا نَتحدَّثُ عنهُ في الأسبوعِ الماضي؟ أيُّ انْضِباطٍ؟ الانْضباطُ الذَّاتيّ. فالحياةُ المُنْضَبِطَة هي ذِهْنٌ مُنَظَّمٌ تَكونُ فيهِ جَميعُ رُدودِ الأفعالِ مُعَدَّة مُسَبَّقًا حَتَّى عندما يَحدثُ شيءٌ ما، لا أكونُ مَتروكًا لرِدودِ فِعلي العاطفيَّة البشريَّة الطبيعيَّة الخاطئة، بل أنْ أكونَ قد فَكَّرْتُ في الأمرِ مَلِيًّا، وأنْ أكونَ قد تَخَيَّلْتُ ما قد يَحْدُث سَلَفًا، وأنْ أكونَ قد هَيَّأتُ نفسي لذلكَ مُقَدَّمًا. وإنْ حَدَثَ ذلك، سأكونُ جاهزًا للتَّجاوُبِ بالخير. فهذه هي الحياةُ المُعَدَّة سابقًا، والمُنَظَّمَة، والمُنْضَبِطَة.

فَهُوَ يَقولُ: "هَيِّئ نَفسَكَ لِعَمَلِ الخير. ولا تَسْمَحْ للمواقِفِ أنْ تُباغِتَكَ فجأةً". وعندما يقول: "مُعْتَنينَ بأُمورٍ حَسَنة"، فإنَّ الكلمة "حَسَنَة" هي "كالوس" (kalos)، ومَعناها: "حَسَنَة بِصورة مَنظورة" أو "حَسَنَة بصورة ظاهِرَة للعِيان" أو "حَسَنَة جِدًّا" أو "حَسَنَة بصورة مَلحوظة". بعبارة أخرى، عندما يَفعلُ شخصٌ ما شيئًا شِرِّيرًا لَكَ، يجب عليكَ أنْ تَفعلَ الخيرَ لهم بطريقة يُمكنهم أنْ يَرَوْها بحيث تكون مَرئيَّة. فهي ليست مُجَرَّد فِكرة. وهي ليست مُجَرَّد عاطفة داخليَّة. بل هي فِعْلُ خَيْرٍ مَنظور حَتَّى نُقَدِّم شيئًا خَيِّرًا، وشيئًا لطيفًا، وشيئًا جَيِّدًا لهم.

وقد حاولتُ أنْ أفعلَ ذلكَ طَوالَ السِّنين. وأنا أَتَلَقَّى رسائلَ كثيرة مِنْ أُناسٍ غَاضِبينَ جِدًّا مِنِّي. وقد سَمِعْتُ اليومَ أنَّ شخصًا قالَ إنَّني مُهَرْطِق. وأنا أتلقَّى رسائلَ كثيرة مِنْ أُناسِ كثيرين. ولا أدري لماذا يَغضبونَ مِنِّي، ولكنَّهُم يَغضبون. وقد تَعَلَّمْتُ على مَرِّ السِّنين، على ما أرجو، أنْ أُهَيِّئَ نَفسي لذلكَ كُلِّهِ مُسَبَّقًا حَتَّى عندما يَحْدُث، يكونُ رَدِّي جاهِزًا. وهو، كما أرجو، رَدٌّ لَطيفٌ إذْ أرُدُّ عليهم قائلاً: "شُكرًا. شُكرًا على اهتمامِك. صَلِّ لأجلي. وإنْ كنتُ قد فَعَلْتُ شيئًا أَزْعَجَك، سامِحْني. فأنا أُريدُ أنْ أكونَ كُلَّ ما يُريدُ مِنِّي اللهُ أنْ أكون. وأرجو مِنْكَ أنْ تَستمرَّ في الصَّلاةِ لأجلي حَتَّى أكونَ الشَّخصَ الَّذي يُريدُ مِنِّي الرَّبُّ أن أكون". فهكذا نَرُدُّ على الشَّرِّ. ويُفَضَّلْ أيضًا أنْ تُقَدِّمَ لهؤلاء شيئًا مَلموسًا يُعَبِّرُ عَنْ لُطْفِكَ مِنْ نَحْوِهِم.

لِذا، يجب أنْ يَتْرُكَ سُلوكُنا أَثَرًا طَيِّبًا في نَفْسِ هؤلاءِ الَّذينَ يَصْنَعونَ مَعَنا شَرًّا. وهذا مَبدأٌ رَئيسيٌّ جدًّا. لِذا، يجب على المؤمِنِ أنْ يُفَكِّرَ في رُدودِ فِعْلِهِ مَلِيًّا حَتَّى عندما يَتَعَرَّض لموقِفٍ شِرِّير يَكونُ مُستعدًّا سَلَفًا للرَّدِّ الصَّحيح لكي يُمَثِّلَ تَمثيلًا لائقًا الإلَهَ الَّذي يَنْتَمي إليه، ولكي يَفْعَلَ مَا جاءَ في رِسالة تيطُس 2: 10 بأنْ: "يُزَيِّنَ تَعْلِيمَ مُخَلِّصِنَا الله".

والآن، يُضيفُ بولُس فِكرة أُخرى هُنا [بالإضافة إلى أعدائِنا الشَّخصِيِّينَ] في العدد 18: "إِنْ كَانَ مُمْكِنًا فَحَسَبَ طَاقَتِكُمْ سَالِمُوا جَمِيعَ النَّاس". وأنا أُحِبُّ هذه الجُملة. فهي عَمليَّة. فهو يقول: "أُريدُ مِنْكُم أنْ تَعيشوا حَياةً مُسالِمَةً، ولكنِّي أُدركُ بعضَ الأشياء. افْعَلوا ذلكَ إنْ كانَ ذلكَ مُسْتَطاعًا". فهناكَ أشخاصٌ تُحاوِلُ أنْ تَصْنَعَ سَلامًا مَعَهُم، ولكنَّ ذلكَ غيرُ مُمْكِن. هلِ اكتَشَفْتُم ذلك؟ فقد تَعجزونَ عنِ القيامِ بذلك. قد تَعْجَزونَ عنِ القيامِ بذلك. وما أعنيه هو أنَّكُم قد لا تَعْلَمونَ أحيانًا ما يُمْكِنُكُمْ أنْ تَفعلوهُ أكثر مِنْ ذلك. فقد جَرَّبْتُم كُلَّ شيءٍ مُمْكِن، ولكنَّكُمْ عاجِزونَ عَنْ تَحقيقِ السَّلام. لِذا، يُمْكِنُكُمْ أنْ تَجِدوا بعضَ الرَّاحَةِ هُنا إذْ تَقولُ الآية: "إنْ كانَ مُمْكِنًا". فَحَتَّى إنَّ الرُّوحَ القُدُسَ يَعْلَمُ أنَّ هذا غير مُسْتَطاع دائمًا. "فَحَسَبَ طَاقَتِكُمْ". لماذا؟ لأنَّ تَحقيقَ السَّلامِ يَتَطَلَّبُ شَخْصَيْن. أليسَ كذلك؟ لِذا، "إنْ كانَ مُمْكِنًا، بِحَسَبِ طَاقَتِكَ، لا تَسْمَحْ أنْ تكونَ أنتَ مَصْدَرَ المُشكلة. البَتَّة. بَلِ اصْنَعِ السَّلامَ دائمًا. وأنا لا أُبالي إنْ كانَ الآخرونَ على صَوابٍ أوْ خَطأ بخصوصِ ما يَقولون. اصْنَعِ سَلامًا. فَمِنْ جِهَتِكَ، اصْنَعْ سَلامًا. ولا تَخْتَرِ الخِصام.

وكما رأينا، فإنَّ الآيةَ تَقول: "حَسَبَ طَاقَتِكُمْ". وهذه عِبارة مُهِمَّة جِدًّا في نَظَري لأنَّهُ مِنَ الصَّعبِ جدًّا أحيانًا أنْ تَعْرِفَ إلى أيِّ مَدى يُمْكِنُكَ أنْ تَمْضي. فقد تقول: "حسنًا! إذا أردتُ حَقًّا أنْ أَصْنَعَ السَّلامَ هُنا، يجب عليَّ أنْ أُساوِمَ على الحَقّ. ويجب عليَّ أنْ أتراجَعَ عنِ الحَقّ. فهذا الشَّخصُ سَيَغْضَب مِنِّي ما لم أُغَيِّر عَقيدَتي، وما لم أُقِرَّ بأنَّني على خطأ، وبأنَّهُ على صَواب، أو ما شَابَهَ ذلك". لِذا، ينبغي أنْ تَرْجِعُوا إلى تلكَ العبارة القصيرة: "حَسَبَ طَاقَتِكُمْ".

فهناكَ جَوانِبُ فِيَّ تَجِدُ فيها أنَّهُ لا مَجَالَ لَدَيَّ فيها للجِدال. صحيحٌ أنَّنا ينبغي أنْ نَصْنَعَ سلامًا. وأنا سأفعلُ كُلَّ ما يُمْكِن لِصُنْعِ السَّلام، ما عَدا المُساومة على ما أُوْمِنُ بأنَّهُ الحَقّ. أليسَ كذلك؟ فأنا لن أفعلَ ذلك. لن أفعلَ ذلك. وإنْ كانَ هذا هو مَا تَطْلُبُ مِنِّي القيامَ بِهِ، لن أفعلَ ذلك. ولكِنْ حَسَبَ طَاقَتي، وَحَسَبَ قُدْرَتي [مَعَ أنَّ الشَّيءَ الوحيدَ الَّذي لا يُمْكِنُني أنْ أَفعَلَهُ هو أنْ أَكْسِرَ كَلِمَةَ الله]، ولكِنْ "حَسَبَ طَاقَتي" سأفعلُ ذلك.

وَحَتَّى إنَّ يَسوعَ قال: "انظروا! لقد جِئْتُ بِوَصْفي رَئيسَ السَّلامِ". ولكِنْ "لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا ... بَلْ سَيْفًا. فمَعَ أنِّي سَأُلْقي سلامًا على البعض، فإنَّني سأُلقي سيفًا على البعضِ الآخر". ثُمَّ إنَّهُ قال: "فَإِنِّي جِئْتُ لأُفَرِّقَ الإِنْسَانَ ضِدَّ أفرادِ عائِلَتِه: أُمِّهِ، وأُخْتِهِ، وأبيهِ، وابْنِهِ". وأنتُم تَعرفونَ هذا المقطعَ في إنجيل مَتَّى 10: 34-36. فقد قالَ يسوع: "أنا أَعْلَمُ أنَّهُ ستأتي أوقاتٌ [مَعَ أنِّي جِئْتُ مُسالِمًا] لن أَتَمَكَّنَ فيها مِنْ صُنْعِ السَّلامِ. ولكنِّي لن أُساوِمَ على الحَقِّ". لِذا: "حَسَبَ طَاقَتِكُمْ..." وَدُوْنَ أنْ تُساوِموا [وَهُنا تأتي الفِكرةُ الرَّئيسيَّة] "...سَالِمُوا جَمِيعَ النَّاس". عيشوا بِسَلامٍ مَعَ جَميعِ النَّاس. حاوِلوا أنْ تَكونوا صَانِعي سَلام.

فالعالَمُ مُمتلئٌ بِصانِعي المَشاكِل. أليسَ كذلك؟ فَهُمْ لا يَصْنَعونَ شيئًا سوى المَشاكِل. وَهُمْ يُثيرونَ المَتاعِب ... حَقًّا ... يُثيرونَ المَتاعِب. "وَأَمَّا الْحِكْمَةُ الَّتِي مِنْ فَوْقُ..." [كما جاءَ في رسالة يَعقوب 3: 17] "وَأَمَّا الْحِكْمَةُ الَّتِي مِنْ فَوْقُ فَهِيَ أَوَّلاً طَاهِرَةٌ، ثُمَّ مُسَالِمَةٌ". وأنا أُحِبُّ هذه الكلمات. فبعدَ الطَّهارةِ يأتي ماذا؟ السَّلام. فهل أنتَ صَانِعُ سَلام؟ أَم صانِعُ مَشاكِل؟ لا تَكُنْ صانِعَ مَشاكِل، بل اصْنَعْ سلامًا. اصْنَعْ سلامًا.

وأودُّ أنْ أُقَدِّمَ لكم مَثَلاً توضيحيًّا. افتحوا كِتابَكُم المقدَّسَ على سِفْر القُضاة والأصحاح 14. وسوفَ تَستمتعونَ بهذهِ القِصَّة. وأرجو أنْ تكونوا قدِ استمتعتُم حَتَّى الآن. ولكنَّكُم ستُحِبُّونَ هذهِ القِصَّة. فسوفَ أُخبِرُكُم قِصَّةَ شَمشون. سَفْرُ القُضاة والأصحاح 14. تَكوين، خُروج، لاوِيِّين، عَدَد، تَثْنِيَة، يَشوع، قُضاة.

وأودُّ فقط أنْ أُقَدِّمَ لكم فِكرةً بخصوصِ رَجُلٍ لم يَكُن يَعلمُ مَعنى أنْ يكونَ صَانِعَ سَلامٍ، وأُطْلِعَكُمْ على ما حَدَث. فقد رَدَّ الشَّرَّ بالشَّرّ. وهي قصَّة مُدهشة. فقد كانت هناكَ بَلدة صغيرة في أرضِ إسرائيل على حُدودِ دَان ويهوذا، وهي "صُرْعَة" ... صُرْعَة. وتَبْعُدُ صُرْعَة نحوَ أربعةٍ وعشرينَ كيلومترًا إلى الغربِ مِنْ أورُشليم. وهي تَقَعُ في السَّهْل. وفي تلكَ البلدة الصَّغيرة، كانَ يَعيشُ رَجُلٌ يُدعى "مَنُوح". وقد أَنْجَبَتْ امرأةُ مَنوح العاقِر ابْنًا ... ابْنًا اسْمُهُ "شَمْشون" كانَ ينبغي أنْ يكونَ نَذيرًا ... نَذيرًا؛ أيْ "مُنْفَصِلاً". فقد كانَ يَنبغي أنْ يَبقى نَذيرًا طَوالَ حَياتِه. فلم يَكُنْ يَجوزُ لَهُ أنْ يَقُصَّ شَعْرَهُ، ولا أنْ يَشْرَبَ خَمْرًا أوْ مُسْكِرًا. وكانَ يَنْبَغي لَهُ أن يَعيشَ حَياةً مُنْضَبِطَةً جدًّا. ولم يَكُنْ يَجوزُ لهُ أنْ يَمَسَّ جُثَّةً، ولا أنْ يَفعلَ كُلَّ تلكَ الأشياءِ الَّتي كانت جُزْءًا مِنْ نَذْرِ النَّذيرِ بالتَّكريس. وكانَ يَنْبَغي لَهُ أنْ يُخَلِّصَ إسرائيلَ مِنْ يَدِ الفِلِسطينيِّين.

وكانَ الفِلِسطينيُّونَ مُتَسَلِّطِينَ حَقًّا على إِسْرَائِيل. وكانت صُرْعَة قَرية إسرائيليَّة. وعلى بُعْدِ سَاعَةٍ على الأقدام، كانت هُناكَ قَرية فِلِسطينيَّة تُدْعى "تِمْنَة"؛ على بُعْدِ نَحْوِ سِتَّة كيلومترات. لِذا فقد غَزا الفِلِسطينيُّونَ تلكَ الأرضَ حَتَّى اقتربوا مسافةَ سِتَّة كيلومترات مِنْ هذه القرية. وقدِ سَيْطَرَ الفِلِسطينيُّونَ على الأرضِ على بُعْدٍ يَقِلُّ عن ثلاثينَ كيلومترًا مِنْ أورُشليم. وكانوا مَصْدَرَ تَهْديدٍ كبيرٍ لإسرائيل. ومعَ أنَّهُ كانَ هُناكَ سَلامٌ نَوْعًا ما في ذلكَ الوقت، كانَ تَهديدُهُم كبيرًا. لِذا، فقد أَقامَ اللهُ هذا الرَّجُلَ (أيْ: "شَمْشون") لِكَيْ يَدينَ الفِلِسطينيِّين.

والآن، لاحِظوا ما جاءَ في الأصحاح 14 والعدد 1: "وَنَزَلَ شَمْشُونُ إِلَى تِمْنَة". وقد كانت هذه أولى غَلْطاتِهِ. فلم يَكُنْ يَجْدُرُ بِهِ أنْ يَقْتَرِبَ مِنْ تلكَ القرية الفِلِسطينيَّة. ولكِنَّهُ كانَ يُعاني مُشكلةً. فقد كانَ مُوْلَعًا بالنِّساء. وقد رَأَى امْرَأَةً فِي تِمْنَةَ مِنْ بَنَاتِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. فقد رأى تلكَ الفتاةَ هُناك. وَمِنْ خِلالِ فَهْمي لطريقةِ النِّساءِ في ارتداءِ المَلابِسِ هُناك، لا يُمْكِنُكَ أنْ تَرى الكَثير. ولكِنْ أيًّا كانَ ما رآهُ، فَقَدْ أَعْجَبَهُ. فَصَعِدَ وَأَخْبَرَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَقَالَ: "قَدْ رَأَيْتُ امْرَأَةً فِي تِمْنَة". فقد كانَ هذا الشَّخصُ يُعاني مُشكلةً ما. فقد نَزَلَ وَرَأى فتاةً فَأَخَذَ الأمرَ على مَحْمَلِ الجِدِّ وعادَ إلى البيتِ وقالَ لأبوَيه: "خُذَاهَا لِيَ امْرَأَةً".

إنَّهُ قَوِيٌّ جدًّا. أليسَ كذلك؟ ولكِنْ رُبَّما لو كانَ شَمْشونُ ابْنَكَ فإنَّكَ لَنْ تَقِفَ في وَجْهِه. أليسَ كذلك؟ "فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ وَأُمُّهُ: «أَلَيْسَ فِي بَنَاتِ إِخْوَتِكَ وَفِي كُلِّ شَعْبِي امْرَأَةٌ حَتَّى أَنَّكَ ذَاهِبٌ لِتَأْخُذَ امْرَأَةً مِنَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ الْغُلْفِ؟»" وقد قَصَدوا بذلك: ألا تَسْتَطيعُ أنْ تَجِدَ فتاةً يَهوديَّةً حَسْناء حَتَّى إنَّكَ تَذْهَبُ لِتَتَزَوَّجَ فتاةً فِلِسطينيَّة؟ فَهَلْ لا بُدَّ أنْ تَكْسِرَ التَّقاليد؟ وهل لا بُدَّ أنْ تُحْدِثَ بَلْبَلَةً في العائلة؟ وكيفَ سَنَتعامَلُ مَعَ أهْلِ زَوْجَتِك؟ فما هذهِ الوَرطة الَّتي سَتُوْقِعُنا فيها؟

ولكِنَّهُ كانَ شخصًا عَنيدًا. "فَقَالَ شَمْشُونُ لأَبِيهِ: «إِيَّاهَا خُذْ لِي لأَنَّهَا حَسُنَتْ فِي عَيْنَيَّ»". إذًا، فقد رأى شَمْشونُ فتاةً فِلسطينيَّة. وقد أَعْجَبَتْهُ. ونقرأُ في العدد 4: "وَلَمْ يَعْلَمْ أَبُوهُ وَأُمُّهُ أَنَّ ذلِكَ مِنَ الرَّبِّ، لأَنَّهُ كَانَ يَطْلُبُ عِلَّةً عَلَى الْفِلِسْطِينِيِّينَ. وَفِي ذلِكَ الْوَقْتِ كَانَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ مُتَسَلِّطِينَ عَلَى إِسْرَائِيل". والحقيقةُ هي أنَّ هذا كانَ تَحَوُّلاً فَريدًا في أحداثِ القِصَّة.

ولم يَكُن مِنَ الرَّبِّ أنَّ شَمشونَ اشْتَهى فَتاةً فِلِسطينيَّة. ولكِنَّ الربَّ كانَ هُوَ الَّذي سَيَنْقُضُ شَهْوَةَ شَمشون لِتَحقيقِ مَقاصِدِه، وأنَّهُ هُوَ الَّذي سَيَستخِدم شَهوةَ شَمشون والفَوضَى الَّتي سَبَّبَها لِجَلْبِ الدَّمارِ على الفِلِسطينيِّين. بعبارة أخرى، سواءٌ كانَ تَصَرُّفُ شَمْشون بَارًّا أَمْ غيرَ بارٍّ، فإنَّ اللهَ سَيُحَقِّقُ قَصْدَهُ. ولا شَكَّ أنَّهُ كانَ مِنَ الأفضل جِدًّا أنْ يَتَصَرَّف شمشون بطريقة بارَّة، وأنْ يَقْضي على الفِلِسطينيِّينَ بالنِّيابَةِ عَنِ الله، وأنْ يَتَبارَكَ؛ عِوَضًا عن أنْ يَتصرَّفَ بطريقةٍ غيرِ بارَّة، وأنْ يُسْحَقَ وَيَموتَ وَهُوَ أَعْمى. ولكِنَّهُ هُوَ الَّذي اخْتار.

لِذا فإنَّنا نَقرأُ في العددِ الخامِس: "فَنَزَلَ شَمْشُونُ وَأَبُوهُ وَأُمُّهُ إِلَى تِمْنَةَ، وَأَتَوْا إِلَى كُرُومِ تِمْنَةَ. وَإِذَا بِشِبْلِ أَسَدٍ يُزَمْجِرُ لِلِقَائِهِ. فَحَلَّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ، فَشَقَّهُ كَشَقِّ الْجَدْيِ، وَلَيْسَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ". فقد أَمْسَكَ وَحَسْب بذلكَ الأسد وَشَقَّهُ. "وَلَمْ يُخْبِرْ أَبَاهُ وَأُمَّهُ بِمَا فَعَل". فيبدو أنَّهُما كانا في مَكانٍ آخر، وأنَّهُ ذَهَبَ في تلكَ الرِّحلة مُنْفَرِدًا فَحَدَثَ ما حَدَث، وَشَقَّ ذلكَ الأسَد. ثُمَّ إنَّهُ "نَزَلَ وَكَلَّمَ الْمَرْأَةَ فَحَسُنَتْ فِي عَيْنَيْ شَمْشُون".

ثُمَّ نَقرأُ في العدد 8: "وَلَمَّا رَجَعَ بَعْدَ أَيَّامٍ لِكَيْ يَأْخُذَهَا، مَالَ لِكَيْ يَرَى رِمَّةَ الأَسَدِ". فقد عادَ مِنَ الطَّريقِ نَفسِه، أيْ أنَّهُ مَشى نَحْوَ سِتَّةِ أميال إلى قريةِ تِمْنَة الصَّغيرة حيثُ كانتْ تِلْكَ الفتاةُ الفِلِسطينيَّةُ تُقيم. فقد نَزَلَ لكي يأخُذَها. وَهُناكَ رَأى أنَّ جُثَّةَ الأسدِ ما تَزالُ في مَكانِها. "وَإِذَا دَبْرٌ مِنَ النَّحْلِ فِي جَوْفِ الأَسَدِ مَعَ عَسَل". فقد اتَّخَذَ النَّحْلُ خَلِيَّةً لَهُ مِنْ جُثَّةِ الأسد. "فَاشْتَارَ مِنْهُ عَلَى كَفَّيْهِ". وبذلكَ فقد كَسَرَ تَكْريسَهُ بوصفِهِ نَذيرًا لأنَّهُ لَمَسَ جُثَّةً. "وَكَانَ يَمْشِي وَيَأْكُلُ، وَذَهَبَ إِلَى أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَأَعْطَاهُمَا فَأَكَلاَ، وَلَمْ يُخْبِرْهُمَا أَنَّهُ مِنْ جَوْفِ الأَسَدِ اشْتَارَ الْعَسَل. وَنَزَلَ أَبُوهُ إِلَى الْمَرْأَةِ". وقد كنتُ أرجو أنَّهُ ذَهَبَ إلى هُناكَ لإحباطِ ذلكَ الزَّواج. ولكِنْ عندما وَصَلَ إلى هُناك: "عَمِلَ هُنَاكَ شَمْشُونُ وَلِيمَةً، لأَنَّهُ هكَذَا كَانَ يَفْعَلُ الْفِتْيَانُ". فَلَمَّا رَأُوهُ أَحْضَرُوا ثَلاَثِينَ مِنَ الأَصْحَابِ، فَكَانُوا مَعَهُ".

فقد أَحضروا ثلاثينَ رَجُلاً. وأعتقد أنَّهم فَكَّروا في أنَّهُ يَحْتاجُ إلى مَنْ يُراقِبهُ. فَرُبَّما كانَ ضَخْمَ الجُثَّة. "فَلَمَّا رَأُوهُ أَحْضَرُوا ثَلاَثِينَ مِنَ الأَصْحَابِ، فَكَانُوا مَعَهُ". ورُبَّما كانوا حُرَّاسًا لكي يَضْمَنوا أنَّ شَمشونَ لن يُدَمِّرَ المَكان. ويبدو أنَّهُ كانَ رَجُلاً ضَخْمًا. "فَقَالَ لَهُمْ شَمْشُونُ: لأُحَاجِيَنَّكُمْ أُحْجِيَّةً". وكانتِ الأَحاجي وَسيلةً رَئيسيَّةً مِنْ وسائلِ التَّسلية في تلكَ الأيَّام. فَماذا كانَ بِوِسْعِهِمْ أنْ يَعملوا؟ فلم يكن يوجد تلفزيون، ولا وسيلة أخرى. لِذا فقد كانوا يَسْتَخْدِمونَ الأَحاجي كَما نَسْتَخْدِمُ النُّكَات. فعندما كانَ النَّاسُ يَتَحَدَّثونَ، كانوا يَستخدمونَ الأحاجي.

وقد قال: "فَإِذَا حَلَلْتُمُوهُا لِي فِي سَبْعَةِ أَيَّامِ الْوَلِيمَةِ وَأَصَبْتُمُوهَا، أُعْطِيكُمْ ثَلاَثِينَ قَمِيصًا وَثَلاَثِينَ حُلَّةَ ثِيَابٍ". والمقصودُ بذلك هوَ الثَّوب الدَّاخلي والثَّوبَ الخارجيَّ. واللَّفْظانِ المُستخدمانِ هُنا يُشيرانِ إلى أنَّها كانت ثيابًا فاخِرَةً، وثيابًا مُمَيَّزَةً، وثيابًا غاليةَ الثَّمن. فقد قال: "سوفَ أُعطيكُم كُلَّ الثِّيابِ إنْ حَلَلْتُم الأُحْجِية". وهذه مُغامرة مُكْلِفَة جدًّا. "وَإِنْ لَمْ تَقْدِرُوا أَنْ تَحُلُّوهَا لِي، تُعْطُونِي أَنْتُمْ ثَلاَثِينَ قَمِيصًا وَثَلاَثِينَ حُلَّةَ ثِيَابٍ". فَقَالُوا لَهُ: «حَاجِ أُحْجِيَّتَكَ فَنَسْمَعَهَا». فقد حَسِبوا أنَّ لَديهم أسبوعًا كاملاً لِحَلِّها.

وقد كانتِ الأُحجيةُ كالتَّالي: "مِنَ الآكِلِ خَرَجَ أُكْلٌ، وَمِنَ الْجَافِي خَرَجَتْ حَلاَوَةٌ". فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَحُلُّوا الأُحْجِيَّةَ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ. ولكِنَّ ما حَدَثَ في اليومِ السَّابعِ بعدَ انتهاءِ الأسبوعِ كُلِّه – فقد كانَ حَفْلُ الزِّفافِ يَستمرُّ أسبوعًا. ورُبَّما تَذكرونَ أنَّنا قُلنا عِدَّةَ مَرَّاتٍ إنَّهُ في اليومِ الأخيرِ فإنَّ كُلَّ شيءٍ يَنْتَهي إذْ يُغادِرُ الجَميعُ، ويَتِمُّ الزَّواج. "فقَالُوا لامْرَأَةِ شَمْشُونَ: «تَمَلَّقِي رَجُلَكِ لِكَيْ يُظْهِرَ لَنَا الأُحْجِيَّةَ، لِئَلاَّ نُحْرِقَكِ وَبَيْتَ أَبِيكِ بِنَارٍ". فَسَوْفَ نُحْرِقَكُم إنْ لم تَحْصُلي مِنْهُ على الحَلّ. وقد كانَ الضَّغْطُ كبيرًا على فَتاةٍ شابَّةٍ مِثلِها. فقد كانت خائفة. ونحنُ لا نَدري ما حَدَث. فقد قالوا لها هذهِ الكلمات في اليومِ السَّابع، ولكِنْ رُبَّما كانوا يَقولونَ لها ذلكَ طَوالَ الوقت. فالنَّصُّ يُشيرُ إلى أنَّهُم كانوا يَطْلُبونَ مِنها ذلك طَوالَ الوقتِ. وفي اليومِ السَّابع، قالوا لها: سوفَ نُحْرِقُكُم". فهذا هو الجُزْءُ الَّذي أَضافوه. احْصُلي مِنْهُ على الحَلِّ. وفي اليومِ السَّابعِ قالوا لها: "سوفَ نُحْرِقُكُمْ إنْ لم تَفعلي ذلك".

لِذا فقد ذهبت إليهِ وراحَتْ تَبْكي طَوالَ الوقت قائلةً لَهُ: "إِنَّمَا كَرِهْتَنِي وَلاَ تُحِبُّنِي". ويمكنكُم أنْ تَسْمَعوا ذلكَ الأنين ذلك التَّذَمُّر المُزْعِج الَّذي يَنْقُرُ في الرَّأسِ نَقْرًا. وقد كانَ شَمْشون سيتزوَّجُ مِنْ تلكَ الفتاة ويُريدُ أنْ يَقْضي شَهَرَ عَسَلٍ سعيد. فهو لم يكن يُريدُ أنْ يَستمرَّ في سَماعِ هذا التَّذَمُّرُ المُزعج: "إِنَّمَا كَرِهْتَنِي وَلاَ تُحِبُّنِي. قَدْ حَاجَيْتَ بَنِي شَعْبِي أُحْجِيَّةً وَإِيَّايَ لَمْ تُخْبِرْ». فَقَالَ لَهَا: «هُوَذَا أَبِي وَأُمِّي لَمْ أُخْبِرْهُمَا [أيْ: لا أَحَدَ يَعْلَمُ بذلك]، فَهَلْ إِيَّاكِ أُخْبِرُ؟" ولكِنَّ هذا الرَّدَّ زَادَ الطِّينَ بِلَّةً. وهكذا فقد راحَتْ تَبكي وتَبكي طَوالَ الوقت. وَمَنْ يُطيقُ ذلك؟ يا لَها مِنْ وَرطة!

وفي نهايةِ العدد 17، نَقرأُ أنَّها أخبَرَتْهُم. فقد "أَظْهَرَتِ الأُحْجِيَّةَ لِبَنِي شَعْبِهَا". فقد هَدَّدوا بِحَرْقِها هِيَ وأبيها. وقد أَخْبَرَها شَمْشونَ الحَلَّ في نهايةِ المَطاف فَقالَتْهُ لَهُم. وكانَ لا بُدَّ أنْ يقولَ لها. لماذا؟ لأنَّهُ لَمْ يَحْتَمِلْ تَذَمُّرَها. فالمرأة المُتَذَمِّرَة أسوأ مِنْ جَيْشٍ يَشُنُّ هُجومًا ضَارِيًا. وقد قالَ لَهُ رِجالُ المدينة: "نَحْنُ نَعْلَمُ الجَوابَ". وقد قَدَّموا لَهُ الحَلَّ. وقد غَضِبَ حَقًّا. فقد غَضِبَ جِدًّا إذْ نَقرأُ في العدد 19: "فَنَزَلَ إِلَى أَشْقَلُونَ وَقَتَلَ مِنْهُمْ ثَلاَثِينَ رَجُلاً، وَأَخَذَ مَلابِسَهُم".

وقد كانت أَشْقَلون تَبْعُدُ نَحْوَ أربعةٍ وخمسينَ كيلومترًا. فقد انطلقَ وَسَارَ مَسافةَ أربعةٍ وخمسينَ كيلومترًا. لماذا؟ لأنَّهُ لم يَشَأ أنْ يَفعلَ ذلكَ هُناك. فسوفَ يَعْرِفونَ مَكانَهُ. لِذا فقد ذَهبَ إلى مدينة أخرى، وَقَتَلَ ثلاثينَ رَجُلاً وأخذَ مَلابِسَهُم وأحْضَرَها ليُعطيها لِمَنْ حَلُّوا الأُحْجِيَة. وهل تَعلمونَ ما الَّذي حَدَثَ في غِيابِهِ؟ فقد كانتِ تلكَ الفتاةُ المِسكينة الَّتي أرادَ الزَّواجَ مِنْها على أُهْبَةِ الاستعدادِ للزَّواج؛ ولكنَّهُ ذَهَبَ لِيَقْتُلُ ثلاثينَ رَجُلاً. فقد ذَهَبَ مَسافَةَ أربعةٍ وخمسينَ كيلومترًا. ولا أدري كم طَالَ غِيابُهُ. رُبَّما فترة طويلة.

لِذا فقد كانَتْ تلكَ الفتاة جاهزة للزَّواج، وَشَعَرَ أبوها بالحَرَج. لِذا فقد زَوَّجَها لإشْبينِه. أجل. فنحنُ نَقرأُ في العدد 20: "فَصَارَتِ امْرَأَةُ شَمْشُونَ لِصَاحِبِهِ الَّذِي كَانَ يُصَاحِبُهُ". فلم يَكُنْ بإمكانِها أنْ تَقِفَ هُناكَ في فَترةِ الاستعدادِ للزَّواج مِنْ دُوْنِ أنْ تَتَزَوَّج. فقد أقاموا وَلائِمَ. ولا يمكن القيامُ بذلكَ مَرَّة أخرى لأنَّ الولائم مُكْلِفَة جدًّا. لِذا فقد زَوَّجَها أبوها ... لقد زَوَّجَها لِصَاحِبِ شَمْشون.

وقد عادَ شَمشون. فقد عادَ فِي أَيَّامِ حَصَادِ الحِنْطَة وَأَحْضَرَ مَعَهُ جَدْي مِعْزًى، وقال: "أَدْخُلُ إِلَى امْرَأَتِي إِلَى حُجْرَتِهَا". فقدِ حَانَ وَقْتُ شَهْرِ العَسَلِ أخيرًا. "وَلكِنَّ أَبَاهَا لَمْ يَدَعْهُ أَنْ يَدْخُلَ". وَقَالَ أَبُوهَا: "إِنِّي قُلْتُ إِنَّكَ قَدْ كَرِهْتَهَا فَأَعْطَيْتُهَا لِصَاحِبِكَ. أَلَيْسَتْ أُخْتُهَا الصَّغِيرَةُ أَحْسَنَ مِنْهَا؟"

ولماذا قالَ لَهُ ذلك؟ هل نَسَيْتُمْ مَنْ يَكونُ هذا الرَّجُل؟ إنَّهُ شَمْشون. فلا أحدَ يُريدُ أنْ يُغْضِبَهُ. فإنْ كانَ لديكَ ابْنَة أُخرى: "خُذها ... خُذها ... خُذها". فقد قَتَلَ ثلاثينَ رَجُلاً. لِذا فقد قالَ لَهُ: خُذها ... خُذها". ولكِنَّ شَمشونَ غَضِبَ كثيرًا. فهو لم يغضب فقط مِنَ الرِّجالِ بسببِ الأُحجية، بل هُوَ غاضبٌ الآنَ بسببِ الفِلِسطينيِّينَ والضَّغطِ الَّذي وَضَعوهُ على الفتاةِ وأبيها. وَبسببِ غَضَبِهِ الشَّديد، "ذَهَبَ شَمْشُونُ وَأَمْسَكَ ثَلاَثَ مِئَةِ ابْنِ آوَى [في العدد 4]، وَأَخَذَ مَشَاعِلَ وَجَعَلَ ذَنَبًا إِلَى ذَنَبٍ، وَوَضَعَ مَشْعَلاً بَيْنَ كُلِّ ذَنَبَيْنِ فِي الْوَسَطِ..." [ونحنُ نَتَحَدَّثُ عنْ تَعذيبِ الحَيَوانات]، "ثُمَّ أَضْرَمَ الْمَشَاعِلَ نَارًا وَأَطْلَقَهَا بَيْنَ زُرُوعِ الْفِلِسْطِينِيِّين".

وبالمُناسبة، كانَ مِنَ الشَّائعِ جِدًّا أنْ يَفعلَ النَّاسُ هذا الأمرَ في تلكَ الأيَّام. فإنْ أردتَ أنْ تُلْحِقَ الأذى بِعَدُوٍّ لَكَ، فإنَّكَ تُحْرِقُ حَقْلَ الذُّرة أوِ القَمْحِ الخاصِّ بِهِ. وقد كانَ هذا انتقامًا. وقدِ ابتدأَ الانتقامُ حَقًّا. فقدِ انتقمَ بسببِ الأُحجيةِ فَقَتَلَ ثلاثينَ فِلِسطينيًّا. وعندما حَرَموهُ مِنْ زوجَتِه، أَحْرَقَ حُقولَ الفِلِسطينيِّين. وهكذا فقد انطلقَ شَمْشونُ في رِحلةِ انتقام. ولا يَسَعُنا أنْ نُفَكِّرَ في الألمِ الَّذي شَعَرَتْ بهِ تلكَ الحَيَواناتُ المِسكينة.

ونَقرأُ في العدد 6 أنَّ الفِلِسطينيِّينَ قالوا: "مَنْ فَعَلَ هذَا؟" فَقَالُوا: "شَمْشُونُ صِهْرُ التِّمْنِيِّ [مَعَ أنَّهُ لم يَكُنْ صِهْرَهُ حَقًّا]، لأَنَّهُ أَخَذَ امْرَأَتَهُ وَأَعْطَاهَا لِصَاحِبِهِ". وقد غَضِبَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ جِدًّا بسببِ ما فَعَلَهُ بهم فِذَهَبوا وَأَحْرَقُوا الفَتاةَ وَأَبَاهَا بِالنَّار. وهذا جُنون! فلماذا لم يَقتُلوا شَمْشون؟ لا تَتحامَقوا! فأكثرُ ما كانَ بِمَقدورِهِم أنْ يَفعلوهُ هو أنْ يُحْرِقوا الفتاةَ وأباها. لِذا فقد أَحْرَقوهُما. فقالَ لَهُم شَمشون: "وَلَوْ فَعَلْتُمْ هذَا فَإِنِّي أَنْتَقِمُ مِنْكُمْ، وَبَعْدُ أَكُفُّ. وَضَرَبَهُمْ سَاقًا عَلَى فَخِذٍ". وهذا تَعْبيرٌ عِبريٌّ قَديمٌ يعني أنَّهُ ارْتَكَبَ مَجْزَرَةً وَأَجْهَزَ عليهم.

وبعدَ أنْ قَتَلَهُمْ، نَزَلَ وَأَقَامَ فِي شَقِّ صَخْرَة. لماذا؟ لأنَّهُ أرادَ أنْ يَتَوارى عنِ الأنظارِ مِنْ جَديد. ثُمَّ إنَّ الفِلِسطينيِّينَ لاحَقوه. فقد كانَ الانتقامُ يَتَصاعَدُ حَقًّا. وأنتُم تَعلمونَ ما حَدَث. فقد نَزَلَ وأقامَ في شَقِّ صَخْرَة، فجاءَ ثلاثةُ آلافِ رَجُلٍ مِنْ يَهوذا إلى هُناك (كما جاءَ في العدد 11) فَخَرَجَ إليهم. وقالوا لَهُ في العدد 13: "سوفَ نُوثِقُكَ وَنُسَلِّمُكَ إِلَى يَدِهِمْ، وَقَتْلاً لاَ نَقْتُلُكَ". فَأَوْثَقُوهُ بِحَبْلَيْنِ جَدِيدَيْنِ وَأَصْعَدُوهُ مِنَ الصَّخْرَةِ. وَلَمَّا جَاءَ إِلَى لَحْيٍ، صَاحَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ لِلِقَائِهِ. فَحَلَّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ، فَكَانَ الْحَبْلاَنِ اللَّذَانِ عَلَى ذِرَاعَيْهِ كَكَتَّانٍ أُحْرِقَ بِالنَّارِ، فَانْحَلَّ الْوِثَاقُ عَنْ يَدَيْهِ. وَوَجَدَ لَحْيَ حِمَارٍ [أيْ: فَكَّ حِمارٍ] طَرِيًّا". فقد كانَ طَرِيًّا؛ وإلَّا لَكانَ قَدْ تَفَتَّتَ ... فَكَّ حِمارٍ مَيِّتٍ. "وَوَجَدَ لَحْيَ حِمَارٍ طَرِيًّا فَمَدَّ يَدَهُ وَأَخَذَهُ وَضَرَبَ بِهِ أَلْفَ رَجُل [مِنَ الفِلِسطينيِّين]". ثُمَّ إنَّهُ راحَ يُغَنِّي أُغنيةً قصيرةً قائلاً: "بِفَكِّ حِمارٍ كَوَّمْتُهُمْ أَكْوامًا. بِفَكٍّ حِمارٍ قَتَلْتُ ألفَ رَجُل". ويا لها مِنْ أُغنية صغيرة عَنْ تلكَ المَذبحة!

وقد حَدَثَ هذا كُلُّهُ بسببِ الانتقام. فقد كانَ ما حَدَثَ هُوَ بِدافِعِ الانتقامِ وَحَسْب. "وَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْكَلاَمِ رَمَى اللَّحْيِ مِنْ يَدِهِ [فَقَدْ رَماهُ وَحَسْب]، وَدَعَا ذلِكَ الْمَكَانَ «رَمَتَ لَحْيٍ»" (ومَعْناهُ: "تَلُّ عَظْمَةِ الفَكّ"). "ثُمَّ عَطِشَ جِدًّا فقال: "سوفَ أَموتُ مِنَ العَطَش". فأنتَ تَعْطَشُ حينَ تَقْتُلُ ألفَ شَخص. فهذا عَمَلٌ شَاقّ. وقد أَعْطاهُ الرَّبُّ بعضَ الماء. "وَقَضَى لإِسْرَائِيلَ فِي أَيَّامِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ عِشْرِينَ سَنَةً".

وهل تَعلمونَ ما الَّذي حَدَثَ بعدَ ذلك؟ لقد رَأى امرأةً أخرى. وهل تَعرِفونَ بَقِيَّةَ القصَّة؟ لقد أَعْجَبَتْهُ أيضًا. وقد سَعى الفِلِسطينيُّونَ إلى قَتْلِهِ بِشَتَّى الطُّرُق فَعَرَفوا مَوْطِنَ ضُعْفِه لأنَّهُ كانَ ضَعيفًا تُجاهَ النِّساء. لِذا فقد ذَهبوا إلى "دَليلة" وقالوا لها: "تَمَلَّقِيهِ وَانْظُرِي بِمَاذَا قُوَّتُهُ الْعَظِيمَةُ". وأخيرًا، بَاحَ لَها بذلك. أليسَ كذلك؟ وأنتُم تَعْرِفونَ القِصَّة.

ولكِنْ قبلَ ذلك، فَعَلَ شَمشون أمورًا مُدهشة. ولا وَقْتَ لَدَيَّ لإخباركم بِكُلِّ تَفاصيلِ القِصَّة. ولكنَّهُ حَمَلَ ذاتَ مَرَّة مِصْرَاعَيْ بَابِ إحدى المُدُن وَمَشى بهما وَهُو يَحْمِلُهما على كَتِفَيْه ... وَهِي بَوَّابة ضَخْمة وثقيلة جدًّا. فقد كانت مَصنوعة مِنْ ألواحٍ ضَخمة مِنَ الخَشَبِ المُدَعَّمِ بالحديد. وقد مَشى بِهِما نحوَ سِتِّينَ كيلومترًا وَصَعِدَ إلى الجَبَلِ بِهِما. وهذا مَذكور في الأصحاح 16.

ولكِنَّ تلكَ المرأة نَجَحَتْ في دَفْعِهِ إلى الاعتراف. وجاءَ الفِلِسطينيُّونَ وقالوا: "لقد قَبَضْنا عليه". وقد قَلَعوا عَينيه وَجَعَلوهُ أَعْمى، وقَصُّوا شَعْرَهُ، وَجَعَلوهُ يُديرُ مِطْحَنَةَ الحُبوب. وأخيرًا، نَما شَعْرُهُ. ولَعَلَّكُم تَذكرونَ أنَّهُ ذهبَ إلى مَعْبَدِ الفِلِسطينيِّينَ وقال لِلْغُلاَمِ الْمَاسِكِ بِيَدِهِ: "دَعْنِي أَلْمِسِ الأَعْمِدَةَ الَّتِي الْبَيْتُ قَائِمٌ عَلَيْهَا لأَسْتَنِدَ عَلَيْهَا". ثُمَّ إنَّهُ هَدَمَ المَكانَ فَقَتَلَ نَحْوَ عِشرينَ ألفًا مِنَ الفِلِسطينيِّين، وماتَ هُوَ أيضًا تَحْتَ الرُّكام. والنُّقطة هي أنَّ الانتقامَ لا يَنْتَهي إلَّا بموتِ جَميعِ الأطرافِ المَعْنِيَّة. وهذا أعظمُ مَثَلٍ توضيحيٍّ على غَباوةِ الانتقام مُدَوَّنٌ في صفحاتِ الكتابِ المقدَّس.

في ضَوْءِ ذلك، ارجعوا إلى رسالة رُومية. ففي رسالة رُومية 12: 19، يَقولُ بولُس: "أيُّها الأحبَّاءُ". وهي دَعْوَةٌ مُرْهَفَةُ الحِسِّ وَنابعة مِنَ القلب. فهو يقول: "أَيُّها الأحبَّاء، لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ". لا تَفعلوا ذلك. لا تَفعلوا ذلك. لا تُنَفِّذوا العَدالة بأيديكُم. والكلمة المُستخدمة تَعْني "يُعاقِب" ("إكديكيئو" – “ekdikeo”). أيْ لا تَعيشوا حَياتَكُمْ في الانتقامِ مِنَ النَّاسِ على شُرورِهِم. فأنتُم لستُم مَدعوِّينَ لهذا. ولكِنِ اسمعوا ما يقول: "بَلْ أَعْطُوا مَكَانًا لِلْغَضَبِ". وما مَعنى ذلك؟ أيْ: غَضَبَ اللهِ. ""بَلْ أَعْطُوا مَكَانًا لِلْغَضَبِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ [في سِفْر التَّثنية 32: 35]: لِيَ النَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِي يَقُولُ [مَنْ؟] الرَّبُّ". أيْ: دَعُوا الرَّبَّ يَفْعَلُ ذلك. ولا تَفعلوا أنتُم ذلك.

لاَ تُجَازُوا أَحَدًا عَنْ شَرٍّ بِشَرّ، ولا تَنتَقِموا لأنفُسِكُم، ولا تُعاقِبوا أحدًا. أعْطُوا مَكانًا لِغَضَبِ اللهِ لأنَّهُ مَكتوبٌ: "لِيَ النَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِي يَقُولُ الرَّبُّ". دَعُوا الرَّبَّ يَفعلُ ذلك. فهذا هو وَعْدُ الله. فهو سَيُعاقِبُ الخطيَّة. وصَدِّقوني أنَّهُ لا يوجد خاطئ سَيَنْجو مِنْ مُجازاتِهِ العادِلَة. أليسَ كذلك؟ فأنا لا أرى أنَّهُ ينبغي لأيِّ شخصٍ أنْ يَنْتَقِمَ لنفسِهِ. ولا أعتقد أنَّهُ ينبغي لأيِّ شخصٍ أنْ يُعاقِبَ أحدًا. ولا يَنبغي لنا أنْ نَرُدَّ الإساءة بِمِثلِها. فاللهُ سيَفعل ذلك. واللهُ سيَعتني بذلك. فاللهُ إلَهٌ عادِل. اقرأوا سِفْر ناحوم والأصحاحِ الأوَّل، وسِفْر حَبَقُّوق والأصحاحِ الأوَّل، والمَزمور 37، والمَزمور 94. فاللهُ سَيُجازي الشَّرّ.

ثُمَّ نَقرأ في العدد 20: "فَإِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ. وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِهِ". لا تَنْتَقِمْ مِنْهُ. بل قَدِّمْ لَهُ المُساعدة. قَدِّم لَهُ العَوْن. وَقد تقول: "وَلِمَ أفعلُ ذلك؟" "لأَنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ هذَا تَجْمَعْ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِهِ". وهذهِ جُملة مُدهشة. وهل تُريدونَ أن تَعلموا مِنْ أينَ جاءت؟ إنَّها غامِضَة نوعًا ما. وقد كانَ مِنَ الصَّعْبِ عَلَيَّ أنْ أَعْثُرَ عليها. فعَدَدُ الشُّرَّاحِ الَّذينَ تَحَدَّثوا عنها قليلٌ جِدًّا. ولكِنْ هُناكَ طَقْسٌ مِصْرِيٌّ قديم كانَ مَعروفًا في العالَمِ القديم. فعندما كانَ أحدُ الأشخاصِ في الثَّقافةِ المِصريَّة يُريدُ أنْ يُعْلِنَ خَجَلَهُ مِنْ نَفسِه على المَلأ، وأنْ يُظْهِرَ خَجَلَهُ مِنْ نَفْسِهِ أمامَ النَّاسِ، وعندما كانَ يُريدُ أنْ يُعْلِنَ تَوْبَتَهُ، كانَ يَحْمِلُ على رأسِهِ صِينيَّةً فيها جَمْرٌ مُلْتَهِب تَرْمِزُ إلى الشُّعورِ المُؤلِمِ بالعار، والشُّعورِ المُؤلِمِ بالذَّنْب. وبولسُ يَقول إنَّكَ عندما تُعامِل عَدُوَّكَ بمحبَّة، وتُطْعِمْهُ، وتُرْوي ظَمَأَهُ، فإنَّكَ تَجْمَعُ جَمْرَ نَارٍ على رأسِهِ بسببِ شُعورِهِ بالخِزْي. هل تَفهمونَ ذلك؟ فأنتَ تَجْعَلُهُ يَشْعُرُ بالعار ... بالعارِ المُؤلِم. لِذا فإنَّهُ يقولُ في العدد 21: "لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ [بِماذا؟] بِالْخَيْر". وهذا سُلوكٌ مَسيحيٌّ مُمَيَّز. هذا سُلوكٌ مَسيحيٌّ مُمَيَّز. والكلمة "اغْلِب" هي "نيكاؤو". وَمِنْها اشْتُقَّتِ الكلمة: "نايكي" (Nike): "صاروخ نايكي" (Nike Missile)، وَ "حِذاء نايكي" (Nike Shoes)، وَمَعْناها "نُصْرَة". كُنْ غَالِبًا، وَكُنْ مُنْتَصِرًا، واغْلِبِ الشَّرَّ بالخير. لا تَكُنْ ضَحِيَّة، بل كُنْ مُنْتَصِرًا. وهذه وَصِيَّة عَمليَّة جدًّا. أليسَ كذلك؟

واسمحوا لي أنْ أُلَخِّصَ لَكُمْ ذلك. وقد صَبَرْتُمْ كَثيرًا عَلَيَّ في هذا المساء. اسمحوا لي أنْ أُلَخِّصَ لكم بِسُرعة. اسمعوا بعناية وراقبوا تَسَلْسُلَ هذه الوصايا. فَمَنْ هُوَ المُؤمِنُ وكيفَ ينبغي لنا أنْ نَعيشَ بطريقة مُمَيَّزة؟ إليكُم الطَّريقة. فنحنُ نَبتدئ بالمحبَّة الطَّاهرة، وَبُغْضِ الشَّرِّ، والالتصاقِ بالخيرِ، والتَّواضُعِ، والمَوَدَّةِ، والاهتمامِ بالآخرين، وبالحماسةِ، والحَرارةِ، والاجتهادِ إلى أقصى حَدٍّ في خِدمةِ الرَّبِّ. وعندما نُواجِهُ مُقاومةً لا بُدَّ مِنْها لِخِدْمَتِنا، يجب علينا أنْ نُجابِهَها برجاءٍ وَفَرَحٍ وَصَلاةٍ مُؤْمِنَة. وعندما نَرى آخرينَ يَتَعَرَّضونَ لنفسِ تلكَ الضِّيقات، ينبغي أنْ نَمُدَّ يَدَ العَوْنِ لهم وأنْ نُشارِكَ مُمْتَلَكاتِنا مَعَهُم وأنْ نَفْتَحَ بُيوتَنا لِكُلِّ مَنْ هُمْ في حاجة.

وعندما نُواجِهُ مُقاومةً في خِدْمَتِنا للمسيح، يجب علينا أنْ نُبارِكَ أولئكَ الَّذينَ يُقاوِمونَنا والذينَ يَضْطَهِدونَنا. ويجب علينا أنْ نُشارِكَ الآخرينَ أفراحَهُمْ وأنْ نَحْتَمِلَ الألمَ مَعَ الآخرين. ويجب علينا إلَّا نَسْعى إلى المَكانَةِ الشَّخصيَّة. فلا يجوزُ لنا أنْ نَسْعى إلى منْصِبٍ أوْ مَكانَة. ولا يَجوزُ لنا أنْ نَحْتَرِمَ فقط الأشخاصَ المَرْموقين، بل أنْ نُحِبَّ أنْ نكونَ في شَرِكَة مُساوية لها مَعَ المُتَّضِعين. ويجب أنْ نَكونُ مَعْروفينَ باتِّضاعِنا الَّذي لا يُراعي أيَّ طَبَقِيَّة فِكريَّة أوِ اجتماعيَّة. وَحَتَّى فيما يَختصُّ بالأشخاصِ الَّذينَ يُسيئونَ إلينا شخصيًّا، لا يَجوزُ لنا أنْ نَرُدَّ الشَّرَّ بِشَرٍّ، بل أنْ نُقاوِمَ شَرَّهُمْ بالخير بِصَرْفِ النَّظَرِ عَمَّا فَعَلوه. ويجب علينا ألَّا نَنتقمَ لأنفُسِنا، وأَلَّا نُطَبِّقَ العَدالةَ بأيدينا، بل أنْ نَتْرُكَ العِقابَ لله.

وفي النِّهاية، فإنَّنا الغَالِبون. ونحنُ المُنْتَصِرون. وبولسُ يَقولُ إنَّ هذه هي الطَّريقَةُ الَّتي نُطَبِّقُ فيها البِرَّ عَمَلِيًّا في حياتِنا. دَعونا نَحْني رُؤوسَنا حَتَّى نُصَلِّي:

نَشكُرُكَ، يا أبانا، على هذا الوقتِ المُنْعِشِ في دِراسَةِ كَلِمَتِكَ في هذا المساء. ونَشكُرُكَ على هؤلاءِ الأشخاصِ الأحبَّاءِ الَّذينَ جاءوا بِشَوْقٍ قَلْبِيٍّ للاستماعِ والتَّعَلُّم. بارِكْهُم. ونحنُ نُصَلِّي، يا رَبّ، أنْ يُطَبِّق كُلُّ شخصٍ مِنَّا هذه الوصايا بطريقة خاصَّة في حَياتِه لكي نَعيشَ لِمَدْحِ اسْمِكَ وَتَمْجيدِكَ. باسْمِ المسيح. آمين!

This sermon series includes the following messages:

Please contact the publisher to obtain copies of this resource.

Publisher Information
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969

Welcome!

Enter your email address and we will send you instructions on how to reset your password.

Back to Log In

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize
View Wishlist

Cart

Cart is empty.

Subject to Import Tax

Please be aware that these items are sent out from our office in the UK. Since the UK is now no longer a member of the EU, you may be charged an import tax on this item by the customs authorities in your country of residence, which is beyond our control.

Because we don’t want you to incur expenditure for which you are not prepared, could you please confirm whether you are willing to pay this charge, if necessary?

ECFA Accredited
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Back to Cart

Checkout as:

Not ? Log out

Log in to speed up the checkout process.

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize