Grace to You Resources
Grace to You - Resource

أرجو أن تَفتحوا كِتابَكُم المُقدَّسَ على رسالة بُطرس الأولى والأصحاح الثَّالث. وسوفَ يكونُ نَصُّنا لهذا المساء هو الأعداد مِن 13 إلى 16 ... رسالة بُطرس الأولى 3: 13-16. واسمَحوا لي أن أقرأَ هذه الآياتِ على مَسامِعِكُم إذْ نَأتي إلى مَقطعٍ جديدٍ في دراسَتِنا: "فَمَنْ يُؤْذِيكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُتَمَثِّلِينَ بِالْخَيْرِ؟ وَلكِنْ وَإِنْ تَأَلَّمْتُمْ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ، فَطُوبَاكُمْ. وَأَمَّا خَوْفَهُمْ فَلاَ تَخَافُوهُ وَلاَ تَضْطَرِبُوا، بَلْ قَدِّسُوا الرَّبَّ الإِلهَ فِي قُلُوبِكُمْ، مُسْتَعِدِّينَ دَائِمًا لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ مَنْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ سَبَبِ الرَّجَاءِ الَّذِي فِيكُمْ، بِوَدَاعَةٍ وَخَوْفٍ، وَلَكُمْ ضَمِيرٌ صَالِحٌ، لِكَيْ يَكُونَ الَّذِينَ يَشْتِمُونَ سِيرَتَكُمُ الصَّالِحَةَ فِي الْمَسِيحِ، يُخْزَوْنَ فِي مَا يَفْتَرُونَ عَلَيْكُمْ كَفَاعِلِي شَرٍّ. لأَنَّ تَأَلُّمَكُمْ إِنْ شَاءَتْ مَشِيئَةُ اللهِ، وَأَنْتُمْ صَانِعُونَ خَيْرًا، أَفْضَلُ مِنْهُ وَأَنْتُمْ صَانِعُونَ شَرًّا ". والعُنوانُ الَّذي قد نَختارُهُ لهذهِ الفَقْرَةِ تَحديدًا هو: "ضَماناتُ المُؤمِنِ في عَالَمٍ مُعادٍ" ... "ضَماناتُ المُؤمِنِ في عَالَمٍ مُعادٍ".

وإليكُم خَلفيَّةً سَريعةً لِهَذهِ الآياتِ حَتَّى نَفهمَ ما يَتحدَّثُ عنهُ بُطرسُ هنا. ولَعَلَّكُم تَذكرونَ الآنَ أنَّ الرَّسولَ الحَبيبَ بُطرسَ كانَ يُعطي بعضَ الوصايا الواضحة والمهمَّة والجوهريَّة للمؤمنينَ بخصوصِ العَيْشِ في عَالَمٍ مُعادٍ. والحقيقةُ هي أنَّ هؤلاءِ الَّذينَ كَتَبَ إليهم رِسالَتَهُ هذه كانوا يَتعرَّضونَ لاضطهادٍ ومَشَقَّاتٍ كثيرة. فقد كانوا تحتَ تَجاربَ ثقيلة، وكانوا مَرفوضينَ مِنَ المُجتمعِ الَّذي هُمْ فيه، ومَرفوضينَ بِشِدَّة حَتَّى إنَّهم كانوا يَتعرَّضونَ أحيانًا إلى اضطهادٍ عَنيف. وإذْ يَكتُبُ إليهم، فإنَّهُ يُريدُ أن يُعطيهم نَظرةً صحيحةً إلى هذا الاضطهادِ وكيفَ ينبغي لهم أن يَتعامَلوا مَعَهُ. وقد استَغرْقَهُ الأمرُ حَقًّا كُلَّ هذا الوقتِ (أيْ حَتَّى الأصحاح الثَّالث والعدد 13) للوصولِ إلى فِكرَتِهِ الرَّئيسيَّة. والحقيقة هي أنَّهُ يُمكننا القولُ إنَّ كُلَّ شيءٍ سَابقٍ لهذا العدد الثَّالِث عَشَر مِنَ الأصحاحِ الثَّالث كانَ تَمهيديًّا أو كانَ مُقَدِّمَةً. فقدِ ابتدأ، كما تَذكرونَ، بِوَصْفِ المؤمنينَ بأنَّهُم مُختارو اللهِ الَّذينَ فَداهُمْ يَسوعُ المَسيحُ، والَّذينَ فُرِزُوا ليعيشوا حياةَ مُقَدَّسَةً في وَسْطِ مُجتمعٍ غير مُقَدَّس. والحقيقة هي أنَّ هذه هي الفِكرة الرئيسيَّة للمَقطعِ الَّذي يَبتدئُ بالعدد 1: 1 ويَنتهي بالعدد 2: 10. فهذا المَقطَعُ كُلُّه يُعَرِّفُ بصورة رئيسيَّة المُؤمِنين. فَهُمْ يُوْصَفونَ في الأصحاحِ الأوَّلِ والعددِ الأوَّل بأنَّهُمْ "المُختارون". وَعِنْدَما تَأتونَ إلى الأصحاحِ الثَّاني والعدد 10، أوْ بالحَرِيِّ العدد 9، تَجِدونَ أنَّهُ يَقول: "وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ اقْتِنَاءٍ، لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيب".

لِذا فإنَّهُ في الأصحاحِ الأوَّلِ وفي الأصحاحِ الثَّاني والعَدَدَيْن 9 و 10 يُعَرِّفُ المؤمنَ بأنَّهُ شَخصٌ اختارَهُ اللهُ، وفَداهُ يَسوعُ المسيحُ، وفُرِزَ ليعيشَ حَياةً مُقَدَّسَةً في وَسْطِ مُجتمعٍ غير مُقَدَّس بِقَصْدِ الكرازةِ في ذلكَ المُجتمعِ بالإنجيلِ المُخَلِّص. ثُمَّ ابتداءً بالأصحاحِ الثَّاني والعدد 11، يَبتدئُ بُطرسُ في التَّحَدُّثِ عنِ العلاقاتِ الَّتي ينبغي أنْ تَربِطَ المؤمنينَ بذلكَ المُجتمع. وَهُوَ يُعَرِّفُ المُؤمِنينَ في العدد 11 بأنَّهُم غُرَباء ونُزلاء. فنحنُ أجنَبِيِّين. ونحنُ غُرباء. ونحنُ، بِتَعبيرٍ آخر، نَنْتَمي إلى عَالَمٍ آخر. فنحنُ مَوجودونَ بصورة مؤقَّتة في هذا العالَم. ونحنُ لسنا مُقيمينَ دائِمينَ أو مُواطِنينَ دائمينَ هُنا. لِذا، نَحْنُ نَضْطَلِعُ بهذه المهَمَّةِ الصَّعبة جدًّا في أنَّنا نَعيشُ في العالَمِ؛ ولكِنَّنا لَسْنا مِنَ العالَم، وأنَّنا أشخاصٌ اختارَهُمُ اللهُ وَفَداهُم يَسوعُ المسيحُ وَأَفْرَزَهُمْ لِيَعيشوا حياةً مُقَدَّسَةً بقصدِ تَبشيرِ مُجتَمَعِنا؛ في حين أنَّهُ ينبغي لنا أن نُدركَ في الوقتِ نَفسِه أنَّنا لا نَنتمي حَقًّا إلى هذا المُجتمَع. ثُمَّ إنَّنا أمامَ هذه المهَمَّة الصَّعبة جدًّا المُتَمَثِّلَة في وُجوبِ أنْ نَكْرِزَ في وَسْطِ عَالَمٍ مُعادٍ بإنجيلِ النِّعمةِ المُخَلِّصَة. لِذا، يجب علينا أن نَسْلُكَ حَسَنًا (كما جاءَ في الأصحاحِ الثَّاني والعدد 12) حَتَّى يُلاحِظ النَّاسُ سِيرَتَنا الحَسَنَة هذهِ، ويَخْلُصونَ، ويُمَجِّدونَ اللهَ في يومِ الافْتِقاد. فاليومُ الَّذي سيُواجِهونَ الرَّبَّ فيهِ سيكونُ يَومًا يُمَجِّدونَ الرَّبَّ فيهِ لأنَّهم افْتُدُوا مِنْ خِلالِ الكِرازةِ بالإنجيلِ مِنْ قِبَلِ مُؤمِنينَ أُمناء.

لِذا، في الأصحاحِ الثَّاني والعدد 13، يَبتدئُ الرَّسولُ في وَصْفِ كُلِّ العلاقاتِ البَشريَّةِ المُهِمَّة لنا فيما نُحاولُ أنْ نَكْرِزَ لهذا العالَمِ بالمسيح. فهو يَتحدَّثُ عنْ علاقَتِنا بالحُكومة، ويَتحدَّثُ عن علاقَتِنا بالسُّلطَةِ، ويتحدَّثُ عن علاقَتِنا بِصاحِبِ العَمَل. وفي الأصحاحِ الثَّالثِ والعدد الأوَّل، يَتحدَّثُ عن علاقتِنا بشريكِ الزَّواجِ؛ أيْ بعلاقةِ الزَّوجِ بزوجَتِه، وعلاقةِ الزَّوجةِ بِزوجِها. وفي كُلِّ هذا المَقطعِ، كُلُّ شيءٍ كِرازِيّ. فهو يُخبرُنا كيفَ نكونُ مُواطِنينَ في ظِلِّ حُكومةٍ وأنْ نَتَحَلَّى بعقليَّة كِرازيَّة في الوقتِ نَفسِه. وَهُوَ يُخبرُنا كيفَ نكونُ مُوَظَّفين عَامِلينَ لدى صَاحبِ العملِ وأنْ نَتَحَلَّى بعقليَّة كِرازيَّة في الوقتِ نَفسِه. وَهُوَ يُخبرنا كيفَ نَكونُ مُتزوِّجينَ مِنْ شخصٍ غير مؤمِن وأنْ نَتَحَلَّى بعقليَّة كِرازيَّة في الوقتِ نَفسِه. ثُمَّ عندَ وُصولِهِ إلى الأعداد 8-12، فإنَّهُ يَتحدَّثُ عنِ الموقفِ العامِّ المُتَمَثِّلِ في أنْ نَعيشَ في العالَمِ بطريقةٍ تَلْمَسُ كُلَّ شخصٍ نَلتقيه.

لِذا، كما قُلتُ، حَتَّى هذه اللَّحظة، إنَّهُ يَضَعُ الأساسَ وَحَسْب قَائِلاً: هذه هي هُوِيَّتُنا. وهذه هي الطَّريقةُ الَّتي ينبغي أنْ تَسلُكوا فيها في وَسْطِ مُجتمعٍ مُعادٍ. والآن، سوفَ يَقول: حيثُ إنَّكُم تعيشونَ بهذه الطريقة في مُجتمعٍ مُعادٍ، إليكُم الضَّمانات عندما يَنقَلِبُ ذلكَ المُجتمعُ عليكم. فهذا هو القَصْدُ الَّذي يَصْبُو إليه: أنْ يُسَلِّحَ المُختارينَ بالموقفِ السَّليمِ حينَ يُواجِهونَ العالَمَ المُعادي: كيفَ ينبغي لَنا أنْ نَتَّكِلَ على قُوَّةِ البِرِّ، وأنْ نَنتصرَ على العَداوةِ، وأنْ نَنتصرَ على الألم. فهو يُريدُ مِنَّا أنْ نَمتلكَ بالرَّغمِ مِن حَقيقةِ أنَّنا غُرباء ونُزلاء، وبالرَّغمِ مِن حقيقةِ أنَّنا نُعامَلُ بعَداوةٍ واضطهاد، فإنَّهُ يُريدُ مِنَّا أنْ نَمتلكَ سَبَبًا للفَرَحِ الواثِقِ عِوَضًا عنِ القلقِ أوِ التَّوَتُّر.

وفي زَمَنِ بُطرس، كانَ هذا الأمرُ، بِكُلِّ تأكيد، يَختَلِفُ بعضَ الشَّيءِ عن وَقتِنا هذا. فقد كانت هناكَ عَداوة مُباشِرَة، وكانَ هُناكَ اضطهادٌ مُباشِرٌ لِشعبِ الله. وما يَزالُ ذلكَ يَحدُثُ في بعضِ أجزاءِ العالَم؛ معَ أنَّهُ في أُمَّتِنا ليسَ أمرًا يَحدُثُ بطريقة عَلنيَّة وعُدوانيَّة كما هي الحالُ في أماكِن أخرى، على الأقلِّ ليسَ بِطريقة رَسميَّة. وأنا أعتقد أنَّ هُناكَ عَداوة مُتزايدة تُجاهَ المَسيحيَّة. والحقيقة هي أنَّ هُناكَ عَداوة مُتزايِدَة تُجاهَ المَسيحيَّةِ مِنْ قِبَلِ النَّاسِ عَامَّةً. ويُمكنكم أنْ تَرَوْا ذلكَ بعِدَّةِ طُرُق. لقد تَسَلَّمْتُ دَليل التَّسَوُّق الصَّغير هذا. وهو واحدٌ مِنَ الكاتالوجات الَّتي تَصِلُكَ إلى عُنوانِكَ البَريديّ. وإنْ تَسَلَّمْتَ واحدًا مِنْ هذه الكاتالوجات، سُرْعانَ ما سَتَتسَلَّمُها جميعًا. وهو يَحْمِلُ العُنوان: "الحياةُ العَاديَّة في الولايات المُتَّحِدَة الأمريكيَّة" (Casual Living USA). وهو دَليلٌ يَحوي هَدايا مُمَيَّزَة. فهو يَعْرِضُ صُوَرَ أوعِيَة لإطعامِ الطُّيور، وأكياس لِجَمْعِ نُفاياتِ الحَيَواناتِ الأليفة، وحاسِبات صغيرة، وأَحاجي، وأجهزة قياس، وأكواب قهوة، وكُلَّ شيءٍ يُمكِنُكُم أن تَتخيَّلوه، وأُطُر تَضَعُ فيها صُوَرَ طِفلِك، ومَسانِد كُتُب، وبُيوت للكِلاب.

ثُمَّ في مُنتصفِ الكاتالوج، هُناكَ لُعبة جديدة غريبة جِدًّا يُسَوِّقونَ لها. وهي تُباعُ بسعر 25 دولارًا. واسمُ اللُّعبة هو: "جَزُّ الغَنَم: لُعبة المُبَشِّر التِّلفزيونيّ". وهي تُدْعَى: "لُعبة عَلامات الأزمِنَة" (Signs of the Times Board Game). ويجب عليكَ أنْ تُمَثِّلَ دَوْرَ واحدٍ مِنَ المُبَشِّرينَ الَّذينَ يَظهرونَ على شاشاتِ التِّلفزيون. وكُلُّ شخصٍ في اللُّعبة هو مُبَشِّرٌ تِلفزيونيٌّ يُفَضِّلُ السَيَّاراتِ الفَارِهَة الجَديدة على العهدِ القديم (كَما تَقولُ اللُّعبة). وأنتَ تُحاولُ أنْ تَجمعَ ثَروةً مِنْ خِلالِ سِلسلةٍ مُشَوِّقَةٍ مِنَ المَكائِدِ، والضُغوطِ الاستراتيجيَّة، والمؤامراتِ الَّتي تَجْعَلُ الجَميعَ في حَالة تَشويق دائمة. وهي لُعبة يُمكِن أنْ يَلعَبَها مِن شَخْصَيْن إلى ثمانية أشخاص. وتَحوي اللُّعبةُ أوراقًا نَقديَّةً زائفة بقيمة 400 مليون دولار، وبطاقات شَياطين، وبطاقات ملائكة، وبطاقات مشيئة الله، وثلاثينَ مَحَطَّة تلفزيونيَّة، وتِسعينَ بطاقة تَرمِزُ إلى السُّلطة، وحدائق، وطائرات خاصَّة، وغيرَ ذلك. فهذه هي لُعبة المُبَشِّر التِّلفزيونيّ الجديدة: "جَزُّ الغَنَم".

إنَّها مُجَرَّدُ لُعبة، أجل! ولكِنَّها تُخفي وراءَها عَداوةً للدَّجَلِ المَسيحيِّ بِصورة واضحة. وفي مُجتمعٍ تَستمرُّ المسيحيَّةُ فيهِ في الإساءةِ إلى نَفسِها كثيرًا، وفي مُجتمعٍ تَطْغى فيهِ العِلمانيَّةُ والماديَّةُ والنَّزعةُ الإنسانيَّةُ، وفي مُجتمعٍ يَميلُ إلى الزِّنا، ومُجتمعٍ يَنْظُرُ إلى الجِنسيَّةِ المِثليَّةِ كَنَمَطِ حَياةٍ بَديلٍ وَحَسْب، وفي مُجتمعٍ غَارِقٍ في الإباحيَّة، وفي مُجتمعٍ يَميلُ فيهِ النَّاسُ إلى حَلِّ مَشاكِلِهِم بأنفُسِهم بأيِّ طَريقةٍ يَشعرونَ فيها بالارتياح؛ في مُجتمعٍ كهذا، هُناكَ عَداوة واضحة للمسيحيَّة تَحديدًا. وأنا أعتقدُ أنَّنا كُلَّما عِشْنا حَياتَنا وقتًا أطول في الأيَّامِ المُقبِلَة، فإنَّنا سنَشعرُ بالمزيدِ والمَزيدِ مِن هذه العَداوة؛ إنْ لم يَكُن على المُستوى الحُكوميِّ الرَّسمِيِّ فإنَّهُ سيكونُ على المُستوى الشَّخصيِّ غيرِ الرَّسميِّ بِكُلِّ تأكيد.

إذًا، هذا المَقطعُ يَتحدَّثُ إلينا. فهو يُخاطِبُنا جميعًا نحنُ الَّذينَ نَعيشُ حَياةً مُقَدَّسَةً في وَسْطِ ثَقافةٍ بَعيدةٍ عنِ اللهِ. وهو يُخبِرُنا فيهِ كيفَ يجبُ علينا أنْ نَحمي أنفُسَنا مِنْ تَهديداتِ ذلكَ العالَمِ المُعادي. فكيفَ يُمكِنُنا أنْ نُسْكِتَ النُّقَّادَ؟ وكيفَ يُمكنُنا أنْ نَفعلَ ما يَقولُهُ لنا الأصحاحُ الثَّاني والعدد 12؛ أيْ أنْ نَسْلُكَ سُلوكًا يَجعلُ الأشخاصَ الَّذينَ يَرغبونَ في الافتراءِ عَلينا يَفْتَرونَ علينا لِسَببٍ جَيِّدٍ لأنَّهم لا يَستطيعونَ أنْ يَجِدوا علينا عِلَّةً رَديئة؟ فكيفَ يُمكنُنا أنْ نَعيشَ بطريقةٍ نُسْكِتُ فيها النُّقَّادَ حَتَّى نَعيشَ بأمانٍ في هذه البيئة المُعادِيَة؟

حسنًا! سوفَ يُقَدِّمُ لنا بُطرسُ خَمسة مبادئ هُنا. وأنا أَوَدُّ أنْ أُسَمِّيها: "ضَماناتُ المُؤمِنِ في عَالَمٍ مُعَادٍ". وهي المبادئُ الَّتي ينبغي لنا أنْ نَتعلَّمَها لكي نَكونَ في مَأمَنٍ، ولكي نُخَفِّفَ المَخاطِر، ولكي نُخَفِّفَ العَداوة. فهي خُطوطُ دِفاعِنا ضِدَّ أولئكَ الَّذينَ يُهاجِمونَنا.

أوَّلاً ... أوَّلاً: "التَّوْقُ إلى فِعْلِ الخَيْر". التَّوْقُ إلى فِعْلِ الخَيْر. والآن، تَذَكَّروا أنَّ بُطرسَ قد عَيَّنَ هُوِيَّتَنا للتَّوّ. وقد وَصَفَ للتَّوّ كيفَ ينبغي لنا أنْ نَعيشَ في عَالَمٍ مُعادٍ بصورةٍ عَامَّة إذْ يَجِبُ علينا أنْ نَعيشَ حَياةً كِرازيَّة. وَهُوَ الآنَ يَتَحَدَّثُ بِتَفصيلٍ أكبر عن ضَماناتِنا حينَ نُواجِهُ هذا العَالَمَ المُعادي. الضَّمانَةُ الأولى هي: التَّوْقُ إلى فِعْلِ الخَيْر (في العدد 13). وهي جُملة مُحَدَّدة جِدًّا: "فَمَنْ يُؤْذِيكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُتَمَثِّلِينَ بِالْخَيْر؟" والآن، يا أحبَّائي، هذا هُوَ خَطُّ الدِّفاعِ الأوَّل الَّذي نَمْلِكُهُ. فَمِنَ الصَّعْبِ جدًّا (بحسبِ قَوْلِ بُطرس) وَمِنْ غيرِ المألوفِ تَمامًا لدى بعضِ الأشخاصِ، أو لَدى أغلبيَّةِ الأشخاصِ، أنْ يُسيئوا مُعاملةَ أولئكَ الَّذينَ يَتَمَثَّلونَ بالخَيْر. فَحَتَّى إنَّ العالَمَ المُعادي يَتَرَدَّدُ في إيذاءِ الأشخاصِ الَّذينَ يَفعلونَ الخَيرَ، أيْ فاعِلي الخَيْرِ في المُجتمع، أوِ الأشخاصِ المُحْسِنينَ، وغيرِ الأنانِيِّينَ، والأشخاصِ اللُّطَفاءِ، والرُّحماءِ، والَّذينَ يُراعونَ مَشاعِرَ الآخرينَ، ويُحِبُّونَهُم، ويَهتمُّونَ بهم. فَهُوَ أمرٌ صَعبٌ جِدًّا. فالعالمُ لا يُبالي البَتَّة إنْ شَنَّ هُجومًا عَنيفًا على المُخادعينَ والمُحتالينَ الَّذينَ يَنهبونَ مِنَ الأرامِلِ واليَتامى، والَّذين يَغْتَنونَ على حِسابِ الآخرين. ولكِنَّ العالَمَ لا يَتوقُ كثيرًا إلى مُعاداةِ أولئكَ الَّذينَ يَفعلونَ الخَير. وأنا أعتقدُ أنَّ ما يُفَكِّرُ فيهِ بُطرسُ هُنا هو بالمَعنى العامّ جِدًّا: الحياة الصَّالحة، فِعْل الخَيْر، الحياة الَّتي تَتَّصِفُ بالسَّخاءِ، وعَدَمِ الأنانِيَّةِ، واللُّطفِ، ومُراعاةِ مَشاعرِ الآخرين. فهؤلاءِ أشخاصٌ يَصْعُبُ إيذاؤهُم. فهي صِفاتٌ قادرة بطريقةٍ مَا على تَكْبيلِ أيدي هؤلاء.

لِذا فإنَّ بُطرسَ يَبتدئُ حَديثَهُ بالإصرارِ على أنَّ واحدةً مِنَ الضَّماناتِ الَّتي لدينا في وَسْطِ بيئة مُعادية هي: التَّوْقُ والحَماسَةُ إلى فِعْلِ الخَيْر. فإنْ كانت هذه صِفَة في حَياتِكَ، مَنِ الَّذي سَيُؤذيكَ أوْ سَيُقابِلُكَ بالشَّرِّ (بالمَعنى الحَرفيِّ)؟ وَهُوَ سُؤالٌ بَلاغِيٌّ: "مَنْ يُؤذيكُم؟" والجَوابُ المُفْتَرَضُ هو: "لا أحد" أو "قِلَّة قَليلة". فهو يقول: "فَمَنْ يُؤْذِيكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُتَمَثِّلِينَ" ... والتَّرجمةُ الحَرفيَّةُ هُنا هي: "إنْ كُنْتُم ... إنْ كُنْتُم غَيورينَ لِفِعْلِ الخَير؟" بعبارة أخرى: إذا كانت هذه هي صِفَتُكم؛ أيْ إنْ كُنْتُمْ غَيورينَ لِفِعْلِ الخَير.

والآن، ما مَعنى هذه الكلمة "زيلوتاي" (zelotai) "غَيورين؟" إنَّها تَعني أنْ يكونَ لدى الشَّخصِ شَغَف. فهو شخصٌ يَمتلكُ رَغبةً قويَّةً لسببٍ مَا. وإنْ كُنتُم قد دَرَستُم خَلفيَّةَ العهدِ الجديد، لا بُدَّ أنَّكُم تَعلمونَ أنَّهُ في أزمنةِ العهدِ الجديد، كانت هُناكَ مَجموعة مِنَ النَّاسِ الَّذينَ يُعرَفونَ بالغَيورين. وقد كانَ هؤلاءِ هُمُ الوَطَنِيُّونَ المُتَشَدِّدونَ في إسرائيل. وكانوا قد تَعَهَّدوا بتحريرِ إسرائيلَ مِنَ الاحتلالِ الأجنبيِّ حَتَّى لو اضْطُرُّوا إلى التَّضحيةِ بحياتِهم إنِ اقتضى الأمرُ ذلك. بعبارة أخرى، لقد كانوا مُكَرَّسينَ جِدًّا لتحريرِ إسرائيلَ مِنَ الطُّغيانِ الأجنبيِّ حَتَّى إنَّهُم كانوا مُستعِدِّينَ حَرفيًّا للقَتلِ، أوِ السَّرقة، أوِ الكَذِب، أوِ الغِشِّ، أوْ حَتَّى التَّضحية بحياتِهم. فقد كانوا مُكَرَّسينَ إلى هذا الحَدّ. وكانَ واحِدٌ مِنْهُمْ مِنَ بينِ التَّلاميذِ الاثْنَي عَشَرَ وَيُدعَى "سِمْعان الغَيور". لِذا، فقد كانَ الغَيورونَ حِزْبًا سِياسيًّا مُتَطَرِّفًا يُبْدي أعضاؤُهُ استعدادَهُم للتَّضحيةِ بحياتِهم. وقدِ ظَهَرَ الغَيورونَ تَحديدًا في وقتِ المَكابِيِّينَ (أيْ في فَترةِ ما بينَ العَهدِ القَديمِ والعهدِ الجَديد). وقد لَجَأوا إلى العُنفِ، وإلى الاغتيالاتِ، وإلى أيِّ شَيءٍ دونَ استثناء في سَبيلِ التَّعبيرِ عن كَراهِيَّتِهم للأجانبِ الوثنيِّين.

وَمِنَ الواضحِ أنَّهُمْ يَصيرونَ (أوْ ينبغي أنْ أقولَ بالحَرِيِّ إنَّهُم صَاروا) قُوَّة كبيرة نِسبيًّا في فِلَسطين. ونَقرأُ في سِفر أعمال الرُّسُل 21: 38: "أَفَلَسْتَ أَنْتَ الْمِصْرِيَّ الَّذِي صَنَعَ قَبْلَ هذِهِ الأَيَّامِ فِتْنَةً، وَأَخْرَجَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ أَرْبَعَةَ الآلاَفِ الرَّجُلِ مِنَ الْقَتَلَةِ؟" وقد تَكونُ تلكَ إشارة إلى الغَيورين. وإنْ كانَ الأمرُ كذلك، فإنَّ هذا يَعني (بحسبِ هذا النَّصِّ) أنَّهُ كانَ يوجدُ منهم ما لا يَقِلُّ عن أربعةِ آلافِ شخص. وقد كانوا رِجالاً مُستعدِّينَ لِبَذْلِ حَياتِهم، والتَّضحيةِ بحياتِهم، والتَّضحيةِ براحَتِهم ورَخائِهم ومُمتلكاتِهم الماديَّة في سَبيلِ حُبِّهِمْ لأُمَّتِهِم.

لِذا فإنَّ بُطرسَ يَقول: "كونوا غَيورينَ. ولكِنْ كُونوا غَيورينَ فقط في عَمَلِ الخَير. فيجب أنْ تَكونوا شَغوفينَ هكذا في فِعْلِ الخَيْر، وفي اللُّطف، وفي الرِّقَّة، وفي الرَّحمة، وفي المحبَّة، وفي الإحسانِ حَتَّى يُلاقي العالَمُ صُعوبةً بالغةً في اضْطِهادِكُم". وقد قالَ "السِّيْر جون سيلي" (Sir John Sealy) ذاتَ مَرَّة: "لا يوجد قَلبٌ طَاهرٌ ليسَ شَغوفًا". وبُطرسُ يَقولُ: "يجب عليكم أنْ تَكونوا شَغوفينَ في فِعلِ الخَير. وهذا يُنشئُ حَياةً طَاهِرَةً يَصْعُبُ اضطهادُها. فَحَتَّى العالَم يُلاقي صُعوبةً في فِعْلِ ذلك. وكما قُلتُ، مِنَ السَّهلِ عليهم أنْ يَضطهِدوا أولئكَ الَّذينَ يَفعلونَ الشَّرَّ. ولكِنْ مِنَ الصَّعبِ عليهم أنْ يَضطهدوا مَن يَفعلونَ الخَير.

وما الَّذي يَقولُهُ بُطرس؟ كُونوا مُحِبِّينَ للخير. فعندما يَصيرُ ذلكَ مَصْدَرَ بَهْجةٍ لَكَ، وعندما يَصيرُ مَصدرَ فَرَحٍ لكَ، وعندما يَصيرُ هَدَفًا لَكَ، وعندما تَفقِدُ الأشياءُ الخاطئةُ بَريقَها، وعندما تَفقِدُ الأشياءُ الخاطئةُ تأثيرَها وجاذبيَّتَها، وتَصيرُ مُنْهَمِكًا في فِعْلِ الخَيرِ، فإنَّ العَالَمَ سيُواجِهُ صُعوبةً في اضطهادِكَ بالرَّغمِ مِنْ أنَّ العَالَمَ مُعادٍ. وهذا المَبدأُ هُوَ مَبدأٌ عَامٌّ وَحَسْب. وَبُطرسُ لن يَترُكَنا هُناكَ وَحَسْب. فهذه هي فقط الضَّمانةُ الأولى الَّتي يُريدُ أنْ يَذكُرَها. ولكِنْ ينبغي أنْ نَقولَ أيضًا في عُجَالة أنَّهُ يَقولُ في العدد 14: "وَلكِنْ وَإِنْ تَأَلَّمْتُمْ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ، فَطُوبَاكُمْ". والمَعنى الضِّمْنِيُّ المَقصودُ هُنا هو أنَّ هذه ليست ضَمانة مُؤكَّدة أو وَعدًا قاطعًا بأنَّكَ إنْ فَعلتَ الخَيرَ فإنَّكَ لَنْ تُضْطَهَد. ولكِنَّ المَعنى (ببساطة) هو أنَّ اضطهادَكَ سيكونُ أَقَلَّ احتمالاً. لِذا، يجب علينا أنْ نَكونَ مُتَحَمِّسينَ لِفِعْلِ الخَير. وقد كانَ يَسوعُ يَمْلِكُ تلكَ الحَماسَة. فقد فَعَلَ يَسوعُ الخَيْرَ ولا شَيءَ سِوى الخَير. وَهُوَ قُدوَتُنا. وبالرَّغمِ مِن ذلكَ فإنَّ يسوعَ نَفسَهُ أيضًا قُتِلَ في النِّهاية على أيدي عَالَمٍ مُعادٍ.

ولكِنَّ النُّقطةَ الَّتي يُريدُ بُطرسُ مِنَّا أنْ نَفهمَها هُنا هي أنَّهُ يجب علينا أنْ نَعيشَ حياتَنا بطريقة لا تُفْسِحُ مَجالاً للفَضيحة. فلا يَجوزُ أنْ نُعطي الآخرينَ مَجالًا لِتَشويهِ سُمعَتِنا. بل يجب علينا أنْ نَعيشَ حياةً خَاليةً مِنَ الأخطاءِ قَدْرَ الإمكان. وَهُوَ لا يَضمنُ أنَّنا لن نَتألَّم، ولكِنَّهُ يقولُ (ببساطة) إنَّهُ مِنَ الصَّعبِ جِدًّا على العالمِ أنْ يَتصرَّفَ بتلكَ الطَّريقة مِنْ نَحْوِنا إنْ كُنَّا نَعيشُ حَياةً بَارَّةً. فَهُمْ لن يَملِكوا أيَّ أساسٍ لاضطهادِنا. وَهُمْ لن يَملِكوا أيَّ أساسٍ لمُهاجَمَتِنا. وَهذا قد يُكَبِّلُ أيدِيهم قليلاً. لِذا، يجب علينا أنْ نَعيشَ حَياتَنا بِحَماسَةٍ لِفعلِ الخَير، وبحَماسَةٍ لِفِعْلِ الأشياءِ النَّبيلة. وهذه هي ضَمانَتُنا الأولى.

انظروا إلى الضَّمانةِ الثَّانية. فالعددُ الرَّابع عَشَر، الَّذي قَرأتُهُ قبلَ قَليل، يَذكُرُها لنا. فالضَّمانةُ الثَّانيةُ الَّتي لدينا هي: "المُرونةُ في أوقاتِ الألم". فلا يَكفي أنْ نَكونَ مُتَحَمِّسينَ إلى فِعْلِ الخير، بل يجب أنْ نَكونَ مَرِنينَ في أوقاتِ الألم. فبالرَّغمِ مِنَ الحَقِّ العامِّ المذكور في العدد 13، ستأتي أوقاتٌ يَتألَّمُ فيها فَاعِلو الخَيْر. ولكِنَّهُ يَقولُ: "وَلكِنْ وَإِنْ تَأَلَّمْتُمْ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ، فَطُوبَاكُمْ". والكلمة "لَكِنْ" يُمْكِنُ أنْ تُتَرْجَمَ: "حَتَّى لو صَادَفَ أنَّكُمْ" أو: "حَتَّى لو حَدَثَ عَكْسُ المُتَوَقَّع". وبالمُناسبة، فإنَّ هذه هي الطَّريقة المُتَّبَعَة في اللُّغة اليونانيَّة إذْ إنَّهُمْ يَستخدمونَ هذه الصِّيغة مَعَ فِعْلٍ للإشارةِ (ببساطة) إلى أنَّ احتمالَ حُدوثِ ذلكَ قائمٌ، مِنْ دونِ حَصْرِ ذلكَ بوقتٍ مُعَيَّن. بعبارة أخرى، لا يوجد ما يُؤكِّدُ أنَّ ذلكَ سيحدُث، ولكِنَّهُ قد يَحدُث. فهذا هو ما يَقولُه: "ولكِنْ حَتَّى لو حَدَثَ أنَّكُمْ تَألمتُم مِن أجلِ البِرّ، فَطوباكُم".

وَمِنَ الجَيِّدِ أنَّ بُطرسَ يَذكُرُ هذه النُّقطة لأنَّ بعضَ النَّاسِ الَّذينَ كَتَبَ إليهم رُبَّما كانوا قد تألَّموا مِن أجلِ فِعْلِ الخَير. وهذا صحيحٌ، يا أحبَّائي. فَمَعَ أنَّكُمْ تَكرهونَ قَولَ ذلك، فإنَّنا لا نُجانِبُ الصَّوابَ أيضًا إنْ قُلنا إنَّ مؤمنينَ كثيرينَ يَتألَّمونَ على أيدي العالَم. والمشكلةُ هي أنَّهم يَتألَّمونَ بسببِ إخفاقِهم في فِعْلِ الخَير. لِذا فإنَّ العالَمَ يَشعُرُ بوجودِ مُبَرِّرٍ أكبر وبِحُرِّيَّةٍ أكبر في إظهارِ عَداوَتِهِ. ولكِنَّ بُطرسَ يَقولُ إنَّهُ إنْ حَدَثَ وأنْ تَألَّمَ أحدٌ منكم مِنْ أجلِ البِرِّ (أيْ مِنْ أجلِ سُلوكٍ قَويمٍ وَبارٍّ)، لا تَتفاجأوا ولا تَخافوا. فأنتُم مُطَوَّبون.

انظروا قليلاً إلى الأصحاح الرَّابع والعدد 12. فنحنُ نَجِدُ هُنا مَقطعًا مُشابهًا تقريبًا يُذَكِّرُنا مَرَّةً أخرى بهذه الفِكرة الرَّئيسيَّة في رِسالَتِه. رسالة بُطرس الأولى 4: 12: "أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لاَ تَسْتَغْرِبُوا الْبَلْوَى الْمُحْرِقَةَ الَّتِي بَيْنَكُمْ حَادِثَةٌ". بعبارة أخرى: لا تَستغربوا حينَ يَحدُث ذلك. "لأَجْلِ امْتِحَانِكُمْ، كَأَنَّهُ أَصَابَكُمْ أَمْرٌ غَرِيبٌ". بعبارة أخرى: إنْ حَدَثَ شيءٌ لا يَنبغي أنْ يَحدُث، لا تُصْدَموا إنْ حَدَث. "بَلْ كَمَا اشْتَرَكْتُمْ فِي آلاَمِ الْمَسِيحِ، افْرَحُوا لِكَيْ تَفْرَحُوا فِي اسْتِعْلاَنِ مَجْدِهِ أَيْضًا مُبْتَهِجِين".

"إِنْ عُيِّرْتُمْ بِاسْمِ الْمَسِيحِ، فَطُوبَى لَكُمْ، لأَنَّ رُوحَ الْمَجْدِ وَاللهِ يَحِلُّ عَلَيْكُمْ. ... فَلاَ يَتَأَلَّمْ أَحَدُكُمْ كَقَاتِل، أَوْ سَارِق، أَوْ فَاعِلِ شَرّ، أَوْ مُتَدَاخِل فِي أُمُورِ غَيْرِهِ. وَلكِنْ إِنْ كَانَ كَمَسِيحِيٍّ، فَلاَ يَخْجَلْ، بَلْ يُمَجِّدُ اللهَ مِنْ هذَا الْقَبِيل". وَهُنا أيضًا فإنَّ بُطرسَ يَقولُ بِصورة رئيسيَّة الشَّيءَ نَفسَهُ. فرُبَّما تَتألَّمونَ بسببِ فِعْلِ الخَيْر. فَاقبَلوا ذلكَ لأَنَّ رُوحَ الْمَجْدِ وَاللهِ يَحِلُّ عَلَيْكُمْ. فسوفَ يَكونُ لَدى اللهِ قَصْدٌ في هذا كُلِّهِ إنْ حَدَث. وَهُوَ قد يَحدُث. والحقيقة هي أنَّهُ إنْ رجعتُم إلى الأصحاحِ الثَّاني والعدد 21، ستقرأونَ أنَّهُ يُمْكِنُكُمْ أنْ تَحسَبوا ذلكَ امتيازًا. فالمسيحُ تَألَّمَ أيضًا (كَما تَقولُ الآيةُ) تَارِكًا لَكُمْ مِثَالاً. "الَّذِي لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً، وَلاَ وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ، الَّذِي إِذْ شُتِمَ لَمْ يَكُنْ يَشْتِمُ عِوَضًا، وَإِذْ تَأَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُهَدِّدُ بَلْ كَانَ يُسَلِّمُ لِمَنْ يَقْضِي بِعَدْل". بعبارة أخرى، بِمَعْنى مِنَ المَعاني، يُمكنكم أنْ تَتَّحِدوا بآلامِ المَسيح. ويُمكنكم أنْ تَعلَموا مَعنى ما يَقولُهُ بولسُ في رسالة فيلبِّي والأصحاح الثَّالث عنْ شَرِكَةِ آلامِ المَسيح.

إذًا، النُّقطةُ الأولى هي: نحنُ لَدينا ضَمانة إنْ كُنَّا مُتحمِّسينَ لِفِعْلِ الخَيْر. النُّقطةُ الثَّانية: يجب علينا أيضًا، أحيانًا، أنْ نَكونَ مَرِنينَ في أوقاتِ الألَم (إنْ جَاء). بعبارة أخرى، يجب علينا أنْ نَتَكَيَّفَ مَعَهُ، وأنْ نَقبَلَهُ، وأنْ نُقِرَّ بأنَّ اللهَ هُوَ الَّذي جَلَبَهُ أوْ سَمَحَ بِهِ لأجلِ امتِحانِنا (كما يَقولُ الأصحاحُ الرَّابعُ والعدد 12) مِنْ أجلِ تَكميلِنا. وسوفَ تَكونُ هُناكَ أوقاتٌ لَنْ يَحْتَمِلَ فيهِ مُجتمَعُنا حَتَّى الحَياةَ البَارَّة. فَهُمْ لن يَحتَمِلوا الرَّجُلَ البَارَّ وَلا المَرأةَ البَارَّة. فَمُجَرَّدُ وُجودِ فَضيلة مُقَدَّسة سَيُثيرُ غَضَبَهُم إلى النُّقطةِ الَّتي يَتصرَّفونَ فيها بعداوةٍ ضِدَّكَ. ولكِنَّ بُطرسَ يَقول: عندما تَتألَّموا بسببِ فِعْلِ الخَيْرِ، طُوْباكُم. والمَعنى الحَرْفِيُّ لذلكَ هو: حَتَّى لو اضْطُرِرْتُمْ إلى احتمالِ الألمِ مِنْ أجلِ البِرِّ، طُوباكُم. طُوباكُم. وهي تَرِدَ كما لو كانت تَعْقُبُها عَلامَةُ تَعَجُّب.

والآن، ما مَعنى الكلمة "طُوباكُم"؟ إنَّها لا تَعني "مَغبوط" ولا تَعني "مَسرور" بِقَدْرِ مَا تُشيرُ إلى الامتياز. حسنًا؟ فهي تَعني: "يا لَهُ مِنَ امتيازٍ لَكُم!" أو: "يا لَهُ مِنْ شَرَف!" فهل تَذكرونَ حينَ يَقولُ النَّصُّ عن مَريم: "مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ"؟ فهي لا تَعني أنَّها كانت فَرِحَة. ففي الحقيقة، لقد طُعِنَ قَلبُها بأحزان عَديدة. ولكِنَّها كَلِمَة تُشيرُ إلى الامتياز. وهي قد تَعني ذلك. فهي تَعني أنَّ هذا الأمرَ هُوَ شَرَفٌ. وهي تعني أنَّها قد حَصَلَتْ على حُظْوة إلهيَّة، ونِعمة إلهيَّة، وصَلاحٍ إلهيّ، وتَدبيرٍ خَاصٍّ مَنَحَها اللهُ إيَّاه لكي تَقومَ بمَهَمَّة خَاصَّة، وأنْ تَنَالَ خَيرًا خَاصًّا مِنْ يَدِ اللهِ. وهذا هو المَعنى المَقصودُ هُنا. فَحَتَّى لو اقتضى الأمرُ أن تتألَّموا مِنْ أجلِ البِرّ، فإنَّكُمْ تَنالونَ حُظْوَةً وَشَرَفًا. لماذا؟ لأنَّهُ يُمكنكم أنْ تَشتركوا في آلامِ المسيح، ويُمكنكُم أن تَشتركوا في آلامِه (كما جَاءَ في رسالة فيلبِّي 3: 10).

لاحِظوا قليلاً مَا جاءَ في إنجيل مَتَّى والأصحاح الخامِس لأنَّهُ رُبَّما كانَ تَعليمُ رَبِّنا هذا هُوَ الَّذي جَعَلَ بُطرسَ يَستقي فَهْمَهُ لهذه الفِكرة تَحديدًا. فنحنُ نَقرأُ في إنجيل مَتَّى 5: 10: "طُوبَـى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. طُوبَـى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِـي، كَاذِبِينَ. اِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا، لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي السَّمَاوَاتِ". فها هي هذه الفِكرة. فما سَبَبُ هذا الامتيازِ وَهذا الشَّرَف؟ لأنَّهُ كُلَّما زادَتْ آلامُكُم، زَادَ مَجْدُكُم، وزَادَت مُكافأتُكم.

لِذا فإنَّ خَطَّ دِفاعِكُم الأوَّل ضِدَّ العالَمِ المُعادي هو الحَماسَة لِعَمَلِ الخَيْر أوِ الشَّغَف لِفِعْلِ الخَيْر. أمَّا خَطُّ الدِّفاعِ الثَّاني فهو أنَّهُ عندما يأتي الاضطهادُ، أوْ عندما تَختبرونَ عَداوةَ العالَم، يجب أنْ تَكونوا مَرِنينَ في أوقاتِ الألم. فأنتَ تُدافعُ عن نَفسِكَ بِمُجَرَّدِ قَبولِ الألمِ عَالِمًا أنَّهُ حَدَثَ وَفْقًا لِمَقاصِدِ اللهِ الَّتي سَتَجعَلُكَ شخصًا أُعْطِيَ امتيازَ احتمالِ هذا الألم، وَحَصَلَ بالتَّالي على امتيازِ التَّمَتُّعِ بالبَركاتِ الأبديَّة الَّتي يَخُصُّ بها اللهُ أولئكَ الَّذينَ تألَّموا تَحديدًا. ولن أُخَصِّصَ وقتًا للتحدُّثِ عن هذا الموضوعِ في هذا المساء، ولكنِّي أُوْمِنُ بأنَّ هُناكَ مُكافأة عظيمة جدًّا في المَجد سَتُمْنَحُ للمؤمنينَ بِحَسَبِ الآلامِ الَّتي احْتَمَلوها. فاللهُ سَيُكْرِمُ أولئكَ الَّذي تألَّموا.

لِذا فإنَّكُم مُطَوَّبون. ثُمَّ إنَّ بُطرسَ يَقتبسُ مِنْ آياتِ العهدِ القديم. هل تَرَوْنَ ذلكَ في العدد 14؟ "وَأَمَّا خَوْفَهُمْ فَلاَ تَخَافُوهُ وَلاَ تَضْطَرِبُوا". وهذه كلمات مُقتبسَة مِن سِفْرِ إشعياء 8: 12 و 13. واسمَحوا لي أنْ أقرأَ لكم ما جاءَ في سِفْر إشعياء 8: 12 و 13: "وَلاَ تَخَافُوا خَوْفَهُ وَلاَ تَرْهَبُوا. قَدِّسُوا رَبَّ الْجُنُودِ فَهُوَ خَوْفُكُمْ وَهُوَ رَهْبَتُكُمْ". فلا تَخافوا ما يَخافونَ مِنْهُ. وفي هذا السِّياقِ المُحَدَّدِ، فإنَّ خَلفيَّةَ الآيةِ المُقتبسَة مِن إشعياء مُهمَّة. فقد كانَ "آحَازُ" (مَلِك يَهوذا) يُواجِهُ أزمةً بسببِ الغَزْوِ الوَشيكِ للجيشِ الأشوريّ. وكانَ مُلوكُ إسرائيل وسوريَّا يُريدونَ مِنْ آحَاز أنْ يَنْضَمَّ إليهم وأنْ يَصنَعوا تَحالُفًا ضِدَّ أَشور؛ ولكِنَّ آحَازَ رَفَض. لِذا، بسببِ رَفضِهِ، هَدَّدَتْ إسرائيلُ وَسُوريَّا بِغَزْوِ يَهوذا.

ثُمَّ وَراءَ الكَواليس، عَقَدَ آحَازُ تَحالُفًا مَعَ أشور. وقد حَذَّرَهُ النَّبِيُّ إشَعْياءُ مِنْ أيِّ تَحالُفاتٍ غير مُقَدَّسَة، وَحَضَّهُ على الاتِّكالِ على اللهِ وَحْدَهُ لإنقاذِهم. وَهُوَ يَقولُ لَهُ: "قَدِّسُوا رَبَّ الْجُنُودِ فَهُوَ خَوْفُكُمْ وَهُوَ رَهْبَتُكُمْ". وَلاَ تَخَافُوا خَوْفَهُم. بعبارة أخرى: "لا تَخَفْ، يا مَلِكَ يَهوذا، مِنَ الأشورِيِّينَ كَما هِيَ حَالُ السُّورِيِّينَ وَبَني إسرائيلَ (أيِ المَملكة الشَّماليَّة). لا تَخَافوا خَوفَهُم، بل خَافوا الرَّبَّ، وافْرِزوا الرَّبَّ، وَقَدِّسوه". فهذا هو ما كانَ يَجري وراءَ الكَواليس في سِفْر إشعياء. وهُنا، يَقتبسُ بُطرسُ ذلكَ النَّصَّ ويقولُ بصورة جَوهريَّة: "وَأمَّا خَوفَهُمْ فَلا تَخافوهُ"، أو كما جاءَ في التَّرجمة الأمريكيَّة القياسيَّة الجديدة (NAS): "لا تَخافوا مِنْ تَرويعِهِم لَكُم". ورُبَّما كانَ المَعنى المقصودُ هو الخَوفُ الَّذي جَعَلَهُمُ اللهُ يَشعرونَ بِهِ. بعبارة أخرى، لا تَخافوا كَما هُمْ خائفون، وكما هي حَالُ الآخرين. أو: لا تَخافوا مِنْ تَرويعِ هَؤلاءِ الَّذينَ يُريدونَ أنْ يَزرَعوا الرُّعبَ في قُلوبِكُم. وفي جَميعِ الحالاتِ، لا تَخافُوا وَلا تَرتَعِبوا. ثُمَّ إنَّهُ يَقولُ: "وَلاَ تَضْطَرِبُوا". لا تَهْتَزُّوا، ولا تَضطَرِب نُفوسُكُم.

وهذه آية بسيطة جدًّا يَسْهُلُ فَهمُها. فهو يَقولُ ما يَلي: "إنْ تَعَرَّضتُم للاضطهادِ بسببِ البِرِّ، فإنَّ هذا الألمَ هُوَ شَرَفٌ لَكُم وَامتيازٌ لكم. واللهُ سَيُكافئكُم في الأبديَّة. لِذا، لا تَخافوا ولا تَضطربوا. واجِهوا ذلكَ بشجاعة. وهذه هي المُرونة في أوقاتِ الألم. فلا سَبَبَ يَدفَعُ المؤمنَ إلى التَّفكيرِ بأيَّة طريقة أخرى. فعندما كانَ "جون بَنيان" (John Bunyan)، كما تَعلمونَ، في سِجْن "بيدفورد" (Bedford)، كانَ قد سُجِنَ بسببِ عُدوانِيَّةِ مُجتمَعِه. فقد أرادوا أنْ يَمْنَعوهُ مِنَ الكِرازةِ بالإنجيل. لِذا، فقد وَضَعوهُ في السِّجنِ كي لا يُفْسِحُوا لَهُ مَكانًا عَامًا يَعِظُ فيه. وهذا هُوَ ما كَتَبَهُ، مِنْ بينِ أمورٍ أخرى كثيرةٍ كَتَبَها، بِكُلِّ تأكيد، في السِّجْن. فقد كَتَبَ الكلماتِ التَّالية: "هذا السِّجْنُ صَارَ عَذْبًا جِدًّا لي مُنذُ أنْ جِئتُ إلى هُنا، وكذلكَ سيكونُ الشَّنْقُ إنْ حَدَثَ ذلك". فقد حَسِبَهُ امتيازًا أنْ يَتألَّم، وَحَتَّى أنْ يَموتَ لأنَّ ذلكَ سَيأخُذُهُ إلى رَبِّه.

لِذا، نَحنُ بحاجةٍ إلى مُؤمِنينَ يَتمتَّعونَ بالمُرونة في أوقاتِ الألم. وما مَعنى ذلك؟ أنْ يَقبلوهُ كَمَصدرٍ للبَرَكَة مِن دونِ أنْ يُساوموا معَ العالَمِ، وَمِن دونِ تَراجُعٍ، ومِن دونِ أنْ تُحاولَ التَّخَلُّصَ مِنَ الألمِ بِتَغييرِ لاهوتِك. وكما تَعلمونَ، فقد وَقَفَ "مارتن لوثر" (Martin Luther) أمامَ أولئكَ الَّذينَ كانوا يُريدونَ أنْ يَدينوه، أيْ أمامَ العالَمِ الدِّينيِّ المُعادي، وقال: "لا يُمكنُني أنْ أَتراجَع. لا يُمكنُني ذلك. لا يُمكنُني ذلك". وقد وَقَفَ مَسيحيُّونَ كَثيرونَ مَوقفًا شُجاعًا وَخَسِروا حَياتَهُم، كَما تَعلمون. وأعتقدُ أنَّ مَسيحيِّينَ أكثر بكثير أَذْعَنُوا للعَداوةِ على مَرِّ السِّنين. ولكِنَّنا نُريدُ أنْ نكونَ مَسيحيِّينَ شُجعانًا، وجَريئينَ، وأبرارًا، وقِدِّيسين، ومُتَحَمِّسينَ لِعَمَلِ الخَير. وإنِ اضْطُهِدنا، سَنَفرحُ بالمجدِ الخاصِّ الَّذي يُسْبِغُهُ اللهُ عَلينا. وسوفَ نَبْتَهِجُ في رُوحِ المَجدِ وَإلَهِنا، وَنَحْسَبُهُ فَرَحًا أنْ نَتألَّمَ لأجلِ ذاكَ الَّذي تَألَّمَ لأجلِنا.

وهذا يَعني أيضًا أنَّكَ لا تَستطيعُ أن تَتَمَسَّكَ عَقليًّا وَعاطفيًّا بالأشياءِ الأرضيَّة. فإنْ كُنتَ مُنهَمِكًا في التَّفكيرِ في المُمتلكاتِ، والمُتَعِ، والاسترخاءِ، والرَّاحةِ، والشُّهرةِ، سَتَشعُرُ حَقًّا بالتَّهديد. أمَّا إنْ كانَ تَفكيرُكَ مُنصَبًّا على الأشياءِ الصَّحيحة، وكُنتَ تُدركُ أنَّ اللهَ أَعْطاكَ شَرَفًا عظيمًا مِنْ خِلالِ هذا الألم، وأنَّهُ سيُعطيكَ ثِقَلَ مَجْدٍ أعظم في المستقبل، فإنَّكَ سَتَحْسَبُ ذلكَ فَرَحًا حينَ تَقَعُ في تَجارِبَ مُتَنَوِّعة (كما قالَ يَعقوب).

لِذا، فإنَّ العَالَمَ يَضْطَهِدُ المُؤمِن؟ وأوَّلُ ضَمانَةٍ لَهُ هي الحَماسَةُ لِفِعْلِ البِرِّ إذْ إنَّ ذلكَ يَجعلُ مِنَ الصَّعبِ على العالَمِ أنْ يَفعلَ شَيئًا لإيذائِنا. ولكِنْ في حالِ أنَّهُم فَعلوا ذلك، فإنَّ خَطَّ الدِّفاعِ الثَّاني هو المُرونة في أوقاتِ الألم لأنَّهُ بالرَّغمِ مِن أنَّنا قد نَتألَّم على أيديهم، فإنَّهُم لا يَستطيعونَ أنْ يَمَسُّوا كَنْزَنا الحَقيقيَّ. فَهُمْ لا يَستطيعونَ أنْ يَمَسُّوا عَلاقَتَنا باللهِ. وَحَقيقةُ أنَّنا نَتألَّم تُعطينا رُوحَ المَجْدِ واللهِ الَّذي يَحِلُّ علينا، وَثِقَلَ مَجْدٍ أعظَم في الأبديَّةِ الَّتي ستأتي.

أمَّا الضَّمانةُ الثَّالثةُ في عَالَمٍ مُعادٍ سَوفَ نُسَمِّيها: "أنْ نُعْطي المَسيحَ مَكانًا". فَيجب أنْ تَكونَ لدينا حَماسة للبِرّ، وأنْ نَكونَ مَرِنينَ في أوقاتِ الألم، وأنْ نُعطي المسيحَ مَكانًا. وأنا أُحِبُّ هذا. وهذه الآية مُقتبسَة أيضًا عن سِفْر إشعياء 8: 13 كَما قَرأتُ قبلَ قَليل: "بَلْ قَدِّسُوا المَسيحَ رَبًّا فِي قُلُوبِكُمْ". تَوَقَّفوا هُنا. "قَدِّسوا المَسيحَ رَبًّا في قُلوبِكُم". وفي سِفْر إشعياء، فإنَّ الكلمة "رَبّ" هي المُستخدمة عِوَضًا عنِ المسيح. وَهُنا، يَشاءُ رُوحُ اللهِ أنْ يَستعيضَ عنِ الكلمة "رَبّ" بالكلمة: "المَسيح": "ولكِنْ قَدِّسوا المَسيحَ رَبًّا في قُلوبِكُم". فالرَّبُّ هو الَّذي ينبغي أنْ تُعامِلوهُ بِوَصْفِهِ قُدُّوسًا. والرَّبُّ هو الَّذي ينبغي أنْ تَحْسِبوا لَهُ حِسابًا. والآن، ما مَعنى هذا؟ إنَّهُ يَعني أنَّهُ أيًّا كانَتِ العَداوةُ ضِدَّكَ، وأيًّا كانتِ الهَجَماتُ عليكَ، يجب أنْ تَكونَ رَاسخًا في قَلبِكَ أنَّ المَسيحَ رَبٌّ. وهذا يُعيدُنا إلى ما تَحَدَّثنا عنهُ في هذا الصَّباح: أنْ تُؤكِّدوا سِيادَةَ الرَّبِّ. أنْ تُؤكِّدَ أنَّ الشَّخصَ الوحيدَ الَّذي يَنبغي أنْ أَخشاهُ، والشَّخصَ الوحيدَ الَّذي يَنبغي أنْ أَحْسِبَ لَهُ حِسابًا هُوَ الرَّبُّ. فأنا لا أُبالي بِما قد يَفعَلُهُ البَشَرُ بي، ولكِنَّني أُبالي بما قد يَفعَلُهُ اللهُ بي.

وهذا هو القَصدُ مِن إشعياء 8: 12 و 13. وهذا هو القَصدُ مِمَّا قالَهُ بُطرسُ هنا أيضًا. والتَّقديسُ يَعني الإكرام، ويَعني السُّجود، ويَعني العِبادَة، ويَعني ضِمْنِيًّا: أنْ نُرَفِّعَهُ، ونُمَجِّدَهُ، ونُعطيهِ المَكانَ الأوَّلَ. وهذا يَعني أنْ تُقِرُّوا بِقداسةٍ وَسِيادةِ وَجَلالِ المسيح. وهذا يعني أن تَقولوا إنَّهُ مَنْ أُعطيهِ كُلَّ مَحَبَّتي وَأُظْهِرُ لَهُ كُلَّ وَلائي. وَهُوَ الَّذي أُكَرِّسُ نَفسي لَهُ. وَهُوَ مَنْ أُقَدِّمُ لَهُ كُلَّ تَعظيمٍ وَإجلالٍ لَدَيَّ. وَهُوَ الَّذي أَعْبُدُهُ. وأنا أَعتَرِفُ بِكَمالِهِ، وأُعَظِّمُ مَجْدَهُ، وأُعَظِّمُ عَظَمَتَهُ. وأنا أُكْرِمُ المسيحَ الحَيَّ بِوَصْفِهِ رَبًّا لي. لِذا فإنَّني أُقَدِّمُ نَفسي لَهُ عَالِمًا أنَّ هذا الألَمَ هُوَ جُزْءٌ مِنْ خُطَّتِه. وأنا لن أخافَ، بل سأقبلُ كُلَّ ما يَسْمَحُ بِهِ. وسوفَ أَكونُ مَرْضِيًّا أمامَهُ مِنْ خِلالِ خُضوعي وَولائي. فهذه هي الفِكرة هُنا. وهذا هُوَ خَطُّ دِفاعِكُم الثَّالث.

فإنْ عَامَلوكُم بِعُدوانيَّة، معَ أنَّكُم تَفعلونَ الخَيرَ، وكُنتُم مَرِنينَ في أوقاتِ الألم، يوجدُ في صَميمِ تلكَ المُرونة مَكانٌ للمسيح. وذلك المكانُ هو مَكانُ الصَّدارة. فأنتَ تُؤكِّدُ قائلاً: "سوفَ أُبَجِّلُ وَأُعَظِّمُ وأَعبُدُ وأُرَفِّعُ المَسيحَ بِوَصْفِهِ رَبًّا. وأنا أُدركُ أنَّهُ يجب عليَّ أنْ أُعطيهِ وَلائي، وثِقَتي وَخُضوعي، وَطاعَتي. فلا بُدَّ أنَّ هذه العُدوانيَّةَ ضِدِّي مِنَ العالَمِ الَّذي لا يَعرِفُ اللهَ هي في إطارِ مَشيئَتِهِ؛ وإلَّا لَما حَدَثَ ذلك".

وَمِنَ الرَّائعِ أنْ تَعيشَ حَياةً كهذه. فهي حَياةٌ تُزَيِّنُ تَعليمَ اللهِ (كما قالَ بُولسُ لِتيطُس). فهذا هو المُؤمِنُ المُكَرَّسُ في أعماقِهِ، في أعمقِ جُزءٍ فيه، مُكَرَّسٌ تمامًا للحقيقةِ العظيمةِ بأنَّ يسوعَ المسيحَ رَبٌّ. وهو يقولُ: "سوفَ أُكْرِمُهُ بِوصفِهِ رَبًّا حَتَّى في آلامي. فهو رَبٌّ عَلَى حياتي. وهو رَبٌّ حَتَّى في أحوالي الصَّعبة". والوَلاءُ والخُضوعُ والتَّسليمُ سَتُعطيكَ شَجاعةً وجُرأةً وصُمودًا في وَجْهِ مُجتمَعٍ مُعادٍ. وهي سَتَجْعَلُكَ آمِنًا. وسوفَ تَشعرُ بذلكَ الأمان.

ثُمَّ إنَّ بُطرسَ يَقولُ إنَّ هُناكَ ضَمانةً أُخرى إذْ نَقرأُ في العدد 15: "مُسْتَعِدِّينَ دَائِمًا لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ مَنْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ سَبَبِ الرَّجَاءِ الَّذِي فِيكُمْ، بِوَدَاعَةٍ وَخَوْفٍ". وسوفَ نُسَمِّي النُّقطة الرَّابعة: "الاستعدادُ للمُجاوَبَة". الاستعدادُ للمُجاوبة. فالعدد 15 يَقولُ (ببساطة) إنَّهُ عندما نُواجِهُ هُجومًا مِنْ عَالَمٍ مُعادٍ، يجب علينا أنْ نكونَ قادرينَ على الدِّفاع. والآن، قد يَبدو للَوهلةِ الأولى الَّتي تَنظرونَ فيها إلى هذه الآية تَحديدًا أنَّ هذا الدِّفاعَ رَسميٌّ. فعندما يَقولُ: "مُسْتَعِدِّينَ دَائِمًا لِمُجَاوَبَةِ..."، يُمكنُكم أنْ تَنظروا إلى الكلمة "مُجاوَبة" ("أبولوجيا" –“apologia”)، وهي الكلمة الَّتي اشْتُقَّتْ مِنْها الكلمة "أبولوجي" (apology) أو "أبولوجيتيك" (apologetic) ومَعناها: "الدِّفاعُ عن شَيءٍ مَا"، قد تَفتَرِضونَ أنَّ هذا الدِّفاعَ هُوَ دِفاعٌ رَسميٌّ في مَحكمةٍ أو شيئًا مِن هذا القَبيل. وبالمُناسبة، فإنَّ هذه الكلمة مُستخدَمة بهذه الطَّريقة في رسالة تيموثاوس الثَّانية 4: 16 إذْ إنَّ بولُسَ يَتحدَّثُ عن دِفاعِهِ الرَّسميِّ في جَلسةِ مَحْكَمَة. وكذلكَ هي الحالُ في سِفْرِ أعمالِ الرُّسُل 25: 16. ولكِنَّكُمْ تَجِدونَ الكلمةَ نَفسَها "أَبولوغيا" مُستخدَمة في رسالة فيلبِّي 1: 16. وَمِنَ الواضحِ أنَّها مُستخدَمة بالمَعنى غيرِ الرَّسميِّ إذْ إنَّها تَعني وَحَسْب أنْ تُجاوبَ أيَّ شخصٍ يَسألُكَ سُؤالاً؛ مِنْ دونِ أنْ يكونَ قاضِيًا أوْ حاكِمًا أو وَالِيًا أو شخصًا مَسؤولاً يُريدُ أنْ يُحاكِمَكَ.

كذلك، فإنَّ الكلمة "دائمًا" تُشيرُ إلى أنَّ الأمرَ لا يَقتصِرُ على وُجودِكَ في جَلسةِ مَحكمةٍ، بل دائمًا. ففي كُلِّ المَواقِف، يجب عليكَ أنْ تكونَ مُستعدًّا لمُجاوبةِ لا القاضي أوِ الحاكِمِ وَحَسْب، بل أيِّ شخصٍ يَسألُكَ. لِذا فإنَّ المَقصودَ هُنا هُوَ المَعنى العَامّ سَواءٌ كَانَ رَسميًّا (في قاعةِ المَحكمةِ أو في مُحاكَمَةٍ)، أو في أيِّ إطارٍ غيرِ رَسميٍّ. فيجب عليكَ أنْ تُدافِعَ، أيْ أنْ تَتَكَلَّمَ كَلامًا دِفاعيًّا. وما المقصودُ بذلك؟ إنَّهُ دِفاعٌ أمامَ أيِّ شخصٍ يَسألُكَ عَنْ سَبَبِ الرَّجاءِ الَّذي فيك. وما مَعنى ذلك؟ بِبساطَة مُتناهِيَة: إنَّهُ يَختصُّ بالإيمانِ المَسيحيِّ. فالرَّجاءُ الَّذي فيكَ هُوَ الإيمانُ المَسيحيّ. وهي طريقة أخرى وَحَسْب لِتَعريفِ الإيمانِ المَسيحيّ. بعبارة أخرى، يجب عليكَ أنْ تكونَ قادرًا على تَقديمِ تَفسيرٍ عَقلانِيٍّ وأنْ تُدافِعَ عَنْ سَبَبِ كَوْنِكَ مَسيحيًّا. فهذا هو المَعنى المَقصود: الإيمانُ المسيحيُّ أوِ الرَّجاءُ المسيحيُّ. فَهُما تَعبيرانِ مُترادِفانِ في الحقيقة.

وبُطرسُ يَتحدَّثُ عن رَجائِنا. فهو يَقولُ في الأصحاحِ الأوَّل: "...وَلَدَنَا ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ". وَهُنا فإنَّ الرَّجاءَ الحَيَّ مُسَاوٍ لإيمانِنا الحَيِّ أو لِحَياتِنا المَسيحيَّة الحَيَّة. وبُطرسُ يُحِبُّ الكلمة "رَجاء" بالمُناسبة. فهو يَستخدِمُها مَرَّةً أخرى في الأصحاحِ الأوَّل والعدد 21. وَهُوَ يَتحدَّثُ عن حقيقيةِ أنَّ إيمانَنا ورجاءَنا هُما في الله. ولو كانَ لَدينا الوقتُ الكافي لَتَعَمَّقْنا أكثر في هذه الفِكرةِ المُختصَّةِ بالرَّجاءِ المسيحيِّ المُمَيِّزِ لإيمانِنا المسيحيّ. ولكِنْ يَكفي أنْ نَقولَ إنَّهُ بِحَقّ كذلك. وإنْ أردتُم أيَّ خَلفيَّة عن ذلك، ارجِعوا إلى المُلاحظاتِ أوِ الشَّريطِ الَّذي دَرَسْنا فيهِ الأصحاحَ الأوَّلَ إذْ إنَّنا تَحَدَّثنا عنِ الرَّجاءِ الحَيِّ. فسوفَ تَجدونَ هُناكَ أنَّ الرَّجاءَ الحَيَّ هُوَ نَوعيَّةُ حَياةٍ دائمة تُشبِهُ الحياةَ الأبديَّة، أوِ الحياةَ المسيحيَّة، أوْ حَياةَ الإيمان. لِذا فإنَّهُ يَقولُ ببساطة: كونوا مُستعدِّينَ للدِّفاعِ عَنْ مَسيحيَّتِكُم. وكونوا مُستعدِّينَ لإخبارِ النَّاسِ عن سَبَبِ إيمانِكُم بما تُؤمِنونَ بِهِ. افَهموا سَبَبَ إيمانِكُم بما تُؤمِنونَ بِهِ، ثُمَّ كونوا قادِرينَ على التَّعبيرِ عنه. ثُمَّ إنَّهُ يُضيفُ في العدد 15: "بِوَدَاعَةٍ وَخَوْفٍ". فيجب أنْ تكونَ هُناكَ رِقَّة ونِعمة في رُوحِنا. فالكلمة "وَداعة" تُشيرُ في الحقيقة إلى اللُّطْفِ أوِ الاتِّضاع. والقُوَّة المُنْضَبِطَة هي طريقة أخرى للتَّعبيرِ في هذه الكلمة. ثُمَّ إنَّ الكلمة الَّتي تأتي بَعدها هُنا تُتَرْجَمُ بِطُرُق مُختَلِفَة في بعضِ تَرجماتِ الكُتُبِ المُقَدَّسة؛ ولكِنَّها تُتَرْجَمُ هُنا تَرجمةً مُوَفَّقَةً إذْ إنَّها تَستخدِمُ الكلمة "خَوف". فهي الكلمة "فوبو" (phobou) الَّتي اشتُقَّتْ مِنْها الكلمة "فوبيا" (phobia). بعبارة أخرى، يجب أنْ نَفعلَ ذلكَ بِوَقارٍ؛ أيْ في وَقارٍ لائقٍ باللهِ، وفي وَقارٍ لائقٍ بالحَقِّ، وحَتَّى في احترامٍ لائقٍ بالشَّخصِ الَّذي تُكَلِّمُهُ؛ أيْ: بِنِعْمَة. فنحنُ نَقرأُ في رسالة تيموثاوس الثانية إنَّهُ لا يَجوزُ لنا أنْ نَكونَ مُخاصِمينَ أوْ أنْ نُكْثِرَ مِنَ الجَدَلِ عندَ تَقديمِ الحَقِّ.

إذًا، نَحْنُ هُنا أمامَ خَطِّ دِفاعٍ آخر. وَهُوَ رَئيسيٌّ جِدًّا وَيُعطينا ضَمانَةً، وهو أنَّهُ ينبغي لنا أنْ نَعْمَلَ بِكُلِّ لياقَةٍ، وعِنايةٍ، ومُراعاةٍ لمشاعرِ الآخرين، وبطريقةٍ عَقلانيَّة وكِتابيَّة على مُجاوبةِ كُلِّ مَنْ يَسألنا عَنْ تَقديمِ سَبَبٍ واضحٍ لإيمانِنا المَسيحيّ. فهذا جُزءٌ مِنَ الضَّمانِ الَّذي نَتمتَّعُ بِهِ. وقد تقول: "بأيِّ مَعنى؟" سوفَ أقولُ لكم بأيِّ مَعنى. إنْ لم تَكُن قادرًا على القيامِ بذلكَ بطريقة عقلانيَّة، ولا يُمكنكَ أنْ تَفهمَ ذلكَ فَهْمًا كاملاً وواضحًا، ولا أنْ تُعَبِّرَ عنهُ، ثُمَّ إنَّكَ تَعَرَّضْتَ للعُدوانيَّةِ والاضطهادِ والهُجومِ، احْزَرْ مَنْ سَيُعاني؟ أنتَ! لأنَّهُ إنْ لم تتمكَّن مِنَ التَّعبيرِ عن سببِ إيمانِكَ بطريقةٍ يَفهَمُها الآخرون، رُبَّما تُعاني مِنْ صُعوبةِ تَذكيرِ نَفسِكَ بأنَّهُ تَنقُصُكَ المَعلوماتُ الكافية لإقناعِ نَفسِكَ بأنَّكَ مُؤمِنٌ حقًّا. وقد تَسقُطَ في فَخِّ الشَّكِّ. فإنْ لم تَكُنْ تَرتدي خُوذةَ رَجاءِ الخلاص، فإنَّ ضَرْباتِ الأعداءِ تلكَ قد تكونُ مُدَمِّرَةً جِدًّا.

لِذا، لكي نَكونَ فَعَّالينَ في مُواجهةِ عَالَمٍ مُعادٍ، يجب علينا أنْ نَكونَ مُتحمِّسينَ لِعَمَلِ الخَير، وأنْ نكونَ مَرِنينَ في أوقاتِ الألم، وأنْ نُعطي المسيحَ مَكانًا، بل أنْ نُعطيهِ مَكانَ الصَّدارةِ بأنْ تَكونَ لَهُ مَكانَة خَاصَّة مُمَيَّزة، وبأنْ نَخضَعَ لَهُ في وَلاءٍ تامٍّ لمشيئَتِهِ الكاملة المُقَدَّسة في وَسْطِ هذا الألم. ويجب علينا أنْ نكونَ مُستعِدِّينَ لمجاوبةِ الآخرينَ؛ لا بالمعرفةِ فقط، بل بالشَّجاعةِ أيضًا. فيجب علينا أنْ نَكونَ مُتحمِّسينَ ومُستعدِّينَ لمجاوبةِ كُلِّ إنسانٍ يَسألُنا عن سَبَبِ الرَّجاءِ الَّذي فينا، وأنْ نَفعلَ ذلكَ بِاتِّضاعٍ حُلْوٍ وَمُنْعِمٍ وَلُطْفٍ، وَبِاحترامٍ لائقٍ باللهِ، وبالحَقِّ، وَحَتَّى بالشَّخصِ الَّذي نَتَحَدَّثُ إليه. فهكذا نُواجِهُ العُدوانيَّة.

وهُناكَ مَبدأٌ خامِس. فيجب أنْ نَمْتَلِكَ "ضَميرًا صَالِحًا". ضَميرًا صَالِحًا (في العدد 16): "وَلَكُمْ ضَمِيرٌ صَالِحٌ، لِكَيْ يَكُونَ الَّذِينَ يَشْتِمُونَ سِيرَتَكُمُ الصَّالِحَةَ فِي الْمَسِيحِ، يُخْزَوْنَ". فيجب أنْ يَكونَ لَكُمْ ضَميرٌ صَالِحٌ. والكلمة "وَلَكُمْ" تَعني: "احْتَفِظوا". فهي تَعني حَرفيًّا: "احْتَفِظوا" أوْ "امتَلِكوا" ضَميرًا صَالحًا. وما مَعنى ذلك؟ هذا يَعني أنْ لا يَكونَ ضَميرُكَ يَشْتَكي عليك. فَضَميرُكَ هُوَ آلِيَّة إمَّا تَشْتَكي عليكَ وإمَّا تُبْرِئُكَ. وَضَميرُكَ هُوَ أداةٌ وَضَعَها اللهُ فيكَ لكي تَعْمَلَ إمَّا على تَبكيتِكَ أوْ تَأييدِكَ. فإنْ كانَ ضَميرُكَ صَالحًا، سَيُخبرُك أنَّ كُلَّ شيءٍ على مَا يُرام. وإنْ كانَ ضَميرُكَ شِرِّيرًا، سَيُذَكِّرُكَ بأنَّ الأمورَ ليست على ما يُرام لأنَّ هُناكَ خَطِيَّة في حَياتِك. وما يَقولُهُ بُطرسُ هُنا هو: عِشْ بِضَميرٍ صَالحٍ؛ أيْ بِضَميرٍ خَالٍ مِنَ الإدانَة حَتَّى عندما تُواجِهُ انتقادًا، أو عَداوةً، أو اضطهادًا، لا تَشعر بأيِّ ذَنْبٍ. وكما تَرَوْنَ، إنْ كُنتَ تَعيشُ حياةً خاطئةً، وإنْ لم تَكُنْ غَيورًا للبِرِّ، وإنْ لم تَكُن مُوالِيًا ليسوعَ المسيح، وإنْ كُنتَ مِثْلَ أولئكَ الأشخاصِ الَّذينَ أساءوا تَمثيلَ المسيح، وإنْ كُنتَ تَعيشُ حَياةً تُهينُ المسيح، أو كُنتَ تَجلِبُ العَارَ على المسيح، وَجاءَ الاضطهادُ على مَسيحيَّتِك، سوفَ تَشعرُ بِثِقْلٍ شَديدٍ بسببِ الشُّعورِ بالذَّنبِ لأنَّ هذا هو ما تَستحقُّهُ حَقًّا. ثُمَّ إنَّكَ لن تَتمكَّنَ مِنَ الدِّفاعِ عن ذلك. أمَّا إنْ كانَ ضَميرُكَ طَاهرًا، فإنَّكَ لن تكونَ قَلِقًا، ولن تَكونَ مُضطَرِبًا.

فالنَّاسُ يَقولونَ لي دائمًا: "أَتَدري أنَّكَ تَتَلَقَّى الكثيرَ مِنَ النَّقْد!" وهذا صحيح. "وأنَّ هُناكَ الكَثيرَ مِنَ الهُجومِ عليك". وهذا صحيح. وَهُمْ يَقولون: "كيفَ تَرُدُّ على ذلك؟" وأنا أقولُ إنَّ رَدِّي الأوَّل هو نَفسُهُ دائمًا. فأنا أَنظرُ إلى دَاخِلِ قَلبي لأرى إنْ كانَ النَّقْدُ صَحيحًا. فإنْ نَظرتُ إلى داخِلِ قلبي وتَمَكَّنْتُ مِنَ القَولِ بأنَّ ضَميري صَالِحٌ، فإنَّني لن أقلقَ لأنَّ ضَميري لا يُبَكِّتُني. وحينئذٍ فإنَّ النَّقْدَ لا يُسَبِّبُ لي أيَّ أَلَم ولا أيَّ اضطراب لأنَّهُ لا يُنشئُ فِيَّ أيَّ شُعورٍ بالذَّنْب. مِنْ جِهَة أخرى، إذا اتَّهَمني الآخرونَ بالقيامِ بشيءٍ مَا واضْطُهِدْتُ بسببِ ذلك مِنْ قِبَلِ شخصٍ ما، وَنَظرتُ إلى داخلِ قلبي وَقلتُ: "أجل، أجل، إنَّها تُهْمَة صحيحة"، فإنَّني أشعُرُ بالذَّنْبِ في داخلي ولا أشعرُ بأنِّي مُحَصَّنٌ ضِدَّ ذلكَ الانتقاد". لِذا، يجب عليَّ أنْ أُحافِظَ على نَقاوة ضَميري لأنَّ الضَّميرَ المُعَذَّبَ لا يَستطيعُ أنْ يَشعُرَ بالارتياح، ولأنَّ الضَّميرَ المُعَذَّبَ لا يَستطيعُ أنْ يَصْمُدَ في وَجْهِ العُداونِيَّة. لِذا، يجب علينا أنْ نُحافِظَ على طَهارةِ ضَمائِرِنا.

وكيفَ نَفعلُ ذلك؟ إنَّ الضَّميرَ يَفْحَصُنا [ببساطة] في ضَوءِ ما يَعْرِفُ أنَّهُ يَصِحُّ علينا. فإنْ كانَ الضَّميرُ يَعلمُ أنَّنا قد أخطأنا، فإنَّهُ سَيَستمرُّ في وَخْزِنا. وإنْ كانَ الضَّميرُ يَعلمُ أنَّنا نَعيشُ حَياةَ الطَّاعة، فإنَّهُ سيُؤكِّدُ لنا ذلك. فهو ذلكَ الصَّوتُ الدَّاخليُّ الخافِت الَّذي تَحَدَّثَ عنهُ بولسُ مِرارًا قائلاً: "ضَميري صَالِحٌ! ضَميري صَالِحٌ وَبِلا عَثْرَة". إنَّهُ ذلكَ الصَّوتُ الخَافِتُ الَّذي يَقولُ إنَّ حَياتَكَ على مَا يُرام، أوِ الَّذي يقولُ إنَّ حَياتَكَ خَاطئة. وإنْ وَاجَهْتَ عُدوانيَّةً أوِ اضطهادًا وكُنتَ تَعلمُ أنَّ حياتَكَ مُستقيمة، وكُنتَ تَعلمُ أنَّكَ أمينٌ، وأنَّكَ تَنْظُرُ إلى المَسيحِ في حَياتِكَ بِوَصْفِهِ رَبًّا، وأنَّكَ تَتْبَعُهُ بِكُلِّ وَلاءٍ وَخُضوعٍ، وأنَّكَ تَفعلُ ما هوَ صَوابٌ وتَسلُكُ في القداسةِ بِغَرَضِ تَمجيدِه، أيًّا كانَتِ العُدوانيَّةُ الَّتي تُواجِهُها، سيكونُ هُناكَ سَلامٌ وَخُطوطُ دِفاعٍ في حَياتِكَ في وَسْطِ عَالَمٍ مُعادٍ. لِذا فإنَّهُ يَقول: "إنْ كانَ ضَميرُكَ نَقِيًّا، فإنَّكَ لَنْ تَشْعُرَ تُجاهَ الشَّيءِ الَّذي يَفْتَرونَ بِهِ عَليكَ بأيِّ ذَنْبٍ. والَّذين يَشْتِمونَ سِيرَتَكُمُ الصَّالِحَةَ فِي الْمَسِيحِ سَيُخْزَوْنَ لأنَّ اتِّهامَهُمْ سيكونُ باطِلاً". فهذه هي الفِكرة. وهي تُشبِهُ ما قالَهُ في الأصحاحِ الثَّاني والعدد 12: "عِندما يَشْتِمونَكُم، احْرِصُوا على أنْ يَكونَ مَا يَشتِمونَكُم بِشأنِهِ شَيئًا صَالحًا.

وبالمُناسبة، فإنَّ الكلمة "يَفْتَرونَ" هي كلمة مُدهشة في اللُّغة اليونانيَّة ("كاتالاليئو" – “katalaleo”). وهي كلمة يُحَاكي لَفْظُها مَعْناها. بعبارة أخرى، فإنَّ طَريقةَ لَفْظِها تُشْبِهُ مَعناها: "كاتالاليئو" ... "بلا-بلا-بلا-بلا-بلا" (blablablablabla). وقد تَطَرَّقنا إلى ذلكَ في أوقاتٍ سابقة. فهي كلمة تُشيرُ إلى الإساءةِ بالألفاظ، وإلى الافتراءِ اللَّفظيِّ. والكلمة "يَشتِمونَ" تَعني: "يُهَدِّدونَ" أو "يُسيئونَ" أو "يُهينونَ" أو "يُسيئونَ مُعامَلَتَكُم". فهو يقول: "إنْ حَدَثَ ذلكَ وَكانَ ضَميرُكَ صَالحًا، يُمكنُكَ أنْ تَقول: ’حسنًا! إنَّ العَيْبَ فيهم، لا فِيَّ أنا. فيجب عليهم أنْ يَخجَلوا بسببِ اتِّهامِاتِهم البَاطِلَة‘". وكما تَرَوْنَ، فإنَّ ما يَجعلُ العالَمَ يَشعرُ بالبِرِّ الذَّاتِيِّ وبأنَّهُم على صَوابٍ في إدانَةِ المسيحيَّة هو أنَّهُمْ رُبَّما الْتَقَوْا شخصًا أساءَ جِدًّا إلى الإيمانِ المَسيحيّ. والعالَمُ يُحِبُّ ذلك. فَهُمْ يُحِبُّونَ بِكُلِّ تأكيد أنْ يَفعلوا ذلكَ لأنَّ ذلكَ يَجعَلُهُم يَشعرونَ بأنَّهُمْ أبرار لأنَّهُ توجد فَضيحَة حَقيقيَّة هُناك. وعندما يَكتشفونَ ذلك، فإنَّهُم سَيَستغلُّونَ ذلكَ إلى أَقصى حَدٍّ مُمكنٍ لأنَّ هذا يَجعَلُهم يَشعرونَ بالبِرِّ الذَّاتيِّ ويُعطيهم سَبَبًا قَوِيًّا لإدانةِ الشَّخصِ المسيحيِّ أوْ بالأحرى: الشَّخصِ الَّذي يَدَّعي أنَّهُ مَسيحيّ. مِن جِهَة أخرى، فإنَّ بُطرسَ يَقول إنَّهُ يجب عليكم أنْ تَعيشوا بطريقة تَجعلُ الأشخاصَ الَّذينَ يَفعلُونَ ذلكَ يُخْزَوْنَ، لا أنتُم.

إذًا، ما هي خُطوطُ دِفاعِنا ضِدَّ عُدوانِيَّةِ العَالَم؟ الحَماسَةُ لِفِعْلِ الخَيْر لأنَّ هذا يَجعلُ مِنَ الصَّعبِ جِدًّا عليهم أنْ يَفْتَروا علينا. وإنْ فَعَلوا، يجب أنْ نَكونَ مَرِنينَ في التَّعامُلِ معَ الألم. فيجب علينا أنْ نَقبلَ أنَّ الألَمَ هو مَشيئةُ اللهِ. ثُمَّ يجب علينا أنْ نُعطي المسيحَ مَكانًا، بَلِ المَكانةَ الأولى. وفي وَسْطِ الآلامِ والعَداوةِ، هُناكَ الوَلاءُ المُحِبُّ لَهُ إذْ نَستمرُّ في طَاعَتِنا لَهُ وأمانَتِنا إليه. ثُمَّ هُناكَ الاستعدادُ لِمُجاوبةِ كُلِّ مَنْ يَسألُنا. فيجب علينا أنْ نَكونَ مُستعدِّينَ لتقديمِ جَوابٍ واضحٍ تمامًا لِكُلِّ شخصٍ يَسألُنا عن سَبَبِ إيمانِنا بالمسيح. ثُمَّ هُناكَ الحِفاظُ على ضَميرٍ صَالحٍ. بعبارة أخرى، أنْ نُحافِظَ على حَياتِنا مُستقيمة، وأنْ نَبقى بِمَعونَةِ رُوحِ اللهِ مُطيعينَ لكلمةِ اللهِ لكي يَكونَ لَنا ضَميرٌ صَالحٌ. فحينئذٍ، عندما يُفْتَرى علينا، لن نَشعُرَ بالخِزْيِ، بل إنَّ مَنْ يَفترونَ عَلينا هُمُ الَّذينَ سَيَشعرونَ بالخِزْيِ لأنَّ افتراءاتهُم لا أساسَ لها.

وأودُ أنْ أَذكُرَ لَكُم نُقطةً أخيرة. ففي العدد 17، يجب علينا أيضًا أنْ نُدركَ الخِيارَيْنِ المُتاحَيْن...أنْ نُدركَ الخِيارَيْنِ المُتاحَيْن. فنحنُ نَقرأُ في العدد 17: "لأَنَّ تَأَلُّمَكُمْ إِنْ شَاءَتْ مَشِيئَةُ اللهِ، وَأَنْتُمْ صَانِعُونَ خَيْرًا، أَفْضَلُ مِنْهُ وَأَنْتُمْ صَانِعُونَ شَرًّا". فهذانِ هُما الخِيارانِ المُتاحانِ أمامَكُم، يا أصدقائي. وَمِنَ الأفضل أنْ تُدركوا الخِيارَيْنِ المُتاحَيْنِ أمامَكُم. فالخِيارُ الأوَّلُ هُوَ: أنْ تَتألَّموا وأنتُم صَانِعونَ خَيْرًا، إنْ شاءَتْ مَشيئةُ اللهِ ذلك. وفي هذهِ الحالة، سوفَ تَتبارَكونَ في هذا الألم وتَنالونَ مُكافأةً أبديَّة. أمَّا الخِيارُ الثَّاني فهو: أنْ تَتألَّموا وأنتُم صَانِعونَ شَرًّا. لِذا يُمكِنُكُم أنْ تَختاروا! والخُلاصةُ هي: إنَّ اللهَ يَشاءُ في كِلا الحَالَتَيْن. فَهُوَ يَشاءُ إنْ صَنَعْتُمْ خَيْرًا أنْ تَتألَّموا لكي تَتَقَوَّوْا وَيَتَمَجَّدْ هُوَ. وَهُوَ يَشاءُ إنْ صَنُعْتُمْ شَرًّا أنْ تَتألَّموا لأنَّ هذا هُوَ تأديبٌ مِنْهُ. لِذا يُمكِنُكُم أنْ تَختاروا! فأنتُم تُدركونَ الخِيارَيْنَ المُتاحَيْن. أليسَ كذلك؟ لِذا، نَحنُ نَعلمُ كيفَ تُواجِهُ عَالَمًا مُعادِيًا. وقُدوَتُنا في ذلكَ هُوَ المسيح. وَهُوَ مَنْ سَنُرَكِّزُ عليهِ حينَ نَعودُ إلى هذا النَّصِّ بعدَ أُسبوعَيْن. دَعونا نَحْني رُؤوسَنا مَعًا حَتَّى نُصَلِّي:

يا أبانا، لقد كانَ مِنَ الرَّائعِ في هذا المساءِ أنْ نَصرِفَ هذهِ اللَّحَظاتِ في كَلِمَتِكَ. وأحيانًا، نَشعُرُ أنَّنا نَسْمَعُ صَدى صَوْتِ بولُس في رسالة فيلبِّي إذْ إنَّهُ كانَ أيضًا يُعَلِّمُ المؤمنينَ كيفَ يَعيشونَ في عَالَمٍ مُعادٍ، وكيفَ يَختبرونَ الفَرَح، وكيفَ يَختبرونَ البَرَكة. يا أبانا، نَشكُرُكَ على كُلِّ ما تَعَلَّمناه مِنْ بُطرس؛ أيْ تلكَ الأشياء الَّتي تُعطينا ضَمانَةً ضِدَّ تَهديداتِ هذا العالَمِ المُعادي. يا أبانا، ساعِدنا على أنْ نكونَ قادِرينَ على تَطبيقِها في حَياتِنا إذْ نُخْضِعُ أنفُسَنا لكلمَتِكَ وَرُوحِكَ. نَسألُكَ هذا لأجلِ مَجْدِ مُخَلِّصِنا يَسوعَ المَسيح. آمين.

This sermon series includes the following messages:

Please contact the publisher to obtain copies of this resource.

Publisher Information
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969

Welcome!

Enter your email address and we will send you instructions on how to reset your password.

Back to Log In

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize
View Wishlist

Cart

Cart is empty.

Subject to Import Tax

Please be aware that these items are sent out from our office in the UK. Since the UK is now no longer a member of the EU, you may be charged an import tax on this item by the customs authorities in your country of residence, which is beyond our control.

Because we don’t want you to incur expenditure for which you are not prepared, could you please confirm whether you are willing to pay this charge, if necessary?

ECFA Accredited
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Back to Cart

Checkout as:

Not ? Log out

Log in to speed up the checkout process.

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize