حسنًا! كَم عددُ الأشخاصِ الَّذينَ أَرادُوا دائمًا أنْ يَلتَحِقوا بكُليَّةِ لاهوت؟ أنتُمْ عَلى وَشْكِ الالتِحاقِ بها اللَّيلة. فسوفَ أَتَحَدَّى تَفكيرَكُم قليلاً فيما نَتحدَّث عن هذه المسألة المُختصَّة بالسُّؤال: لأجلِ مَنْ مَاتَ المَسيح؟ فقد تأمَّلنا في الأسابيع القليلة الماضية في بعضِ أهَمِّ العقائد: عقيدة مُثابَرة [أوْ حِفْظ] القِدِّيسين، وعقيدة الاختيارِ الإلهيِّ في الخلاص. وقد تَأمَّلنا في عقيدةِ العَجْزِ الكامِل أوِ التَّامّ؛ أيْ عَجْزِ الخاطئِ الَّذي يَجعَلُ مِنَ المُستحيلِ أنْ يَتجاوبَ معَ الإنجيل. وفي هذا المساء، أريدُ أن أتحدَّثَ إليكم عَنْ عقيدةٍ اختَرتُ أنْ أُسَمِّيها (أو أُحاولُ أنْ أُطلِقَ عليها اسمًا أكثرَ دِقَّةً): "عَقيدة الكَفَّارة الفِعليَّة". عَقيدة الكَفَّارة الفِعليَّة.
والآن، يجب أن تَفهموا أنَّ هذه العقائدَ الَّتي نتحدثُ عنها تأتي في صَميمِ لاهوتِنا. وهي نَفسُ العقائدِ الَّتي تَمَّ الدِّفاعُ عنها في فترةِ الإصلاحِ العظيمِ، وتَمَّ إنقاذُها مِنْ ظَلامِ الكاثوليكيَّة الرُّومانيَّة. والآن، قد يبدو أنَّ أغلبيَّةَ المؤمنينَ يَعلَمونَ لأجلِ مَنْ ماتَ المسيح. ولكِنَّ السَّببَ في ذلكَ هو أنَّنا نَميلُ إلى أخذِ الأمورِ بمُستوىً سطحيٍّ مِن دونِ التَّفكيرِ فيها بعُمق. لِذا فإنَّنا لا نَفهمُ جوهرَ بعضِ أهمِّ هذه الحقائقِ الَّتي ينبغي أنْ نَدرُسَها بعُمقٍ أكبر. وسوفَ أحاولَ أن أفعلَ ذلكَ في هذا المساء. وَمِنَ الواضحِ أنَّ المُقَدِّماتِ استَغرقَتْ وقتًا طويلاً؛ ولكِنْ لا بـأسَ في ذلك. فهذه شَهادات رائعة. وقد صَرَفنا وقتًا رائعًا في التَّرنيم.
لِذا، أنا مُوْقِنٌ أنَّ هذا الموضوعَ ستكونُ لَهُ تَتِمَّة في الأسبوعِ القادِم. لذا، أرجو أنْ تَعلموا أنَّني سأترُكُكُمْ مُعَلَّقينَ قليلاً في هذا المساء. وأنا أَعلمُ أنَّ كثيرينَ مِنكُم سَيُمطِرونَني بعدَ العِظَة بأسئلة عنِ النِّقاطِ الَّتي لم أَتطرَّق إليها. ولكِنْ إنِ انتظرتُم إلى مساءِ الأحدِ القادم، سنُغَطِّي الموضوع.
ولنبتدئ بطريقة بسيطة. وأرجو أنْ يكونَ هذا واضحًا لكم. فكما تَعلمونَ، وكما أقولُ للوُعَّاظِ الشَّباب، مِنَ السَّهلِ أنْ تَكونَ وَاعِظًا يَصْعُبُ فَهْمُه. فهذا سَهلٌ حَقًّا. فَكُلُّ ما ينبغي أن تَفعلَهُ هو أنْ لا تَعرِفَ ما تَتكلَّمُ عنه. فحينئذٍ، لن يَعرِفَ أحدٌ ذلكَ أيضًا. وقد يَقولُ قائِلٌ: "لقد كانَ الموضوعُ عَميقًا أكثرَ مِمَّا يَنبغي". ولكِنْ قد تَتَوَهَّمونَ أنَّ الموضوعَ كانَ عميقًا أكثرَ مِمَّا ينبغي إذْ رُبَّما كانَ السَّببُ هو أنَّ الواعِظَ لم يَكُن يَفهَمُ الموضوعَ. لِذا، كيفَ سَتَفهمونَهُ أنتُم! فَمِنَ الصَّعبِ أن تكونَ واضحًا. فلكي تَكونَ واضحًا، يجب أنْ تَفهمَ حَقًّا الموضوعَ، وأنْ تَعملَ جاهدًا على تَوصيلِهِ بطريقة مَفهومة وشَكلٍ مَفهوم. وهذا هو ما حاولتُ أن أَفعلَهُ. وأرجو أن يكونَ الموضوعُ مَفهومًا بالنِّسبةِ إليكم.
ولكِنْ لنبتدئ بأمورٍ بسيطة. فإنْ سألتُ المَسيحيَّ العاديَّ: "لأجلِ مَنْ ماتَ المسيحُ؟" فإنَّ الجوابَ التَّقليديَّ سيكون: "لأجل الجميع. لأجل الجميع. لقد ماتَ المسيحُ عنِ العالَمِ كُلِّه. وقد ماتَ عن كُلِّ الخُطاة". لِذا فإنَّ أغلبيَّةَ النَّاسِ في الكنيسة يُؤمِنون ... وأنا مُوْقِنٌ أنَّ أُناسًا كثيرينَ خارجَ الكنيسة الحقيقيَّة، وأُناسًا كثيرينَ يَنتسبونَ إلى المسيحيَّة ... يُؤمِنونَ بأنَّهُ على الصَّليب، دَفَعَ يَسوعُ أُجرةَ الخطيَّة عن كُلِّ النَّاسِ لأنَّهُ يُحِبُّ الجميعَ ويُريد أنَّ الجَميعَ يَخلُصون. فهذا هو الرَّأيُ الإنجيليُّ السَّائد: أنَّ يسوعَ ماتَ عنِ الجميع، وأنَّهُ دَفَعَ أُجرةَ خَطايا الجميع. وكُلُّ ما ينبغي لنا أنْ نَفعلَهُ هو أنْ نَقولَ للخُطاةِ إنَّه يُحِبُّهم كثيرًا حَتَّى إنَّهُ دَفَعَ أُجرةَ خطاياهُم، وإنَّهُ يُريدُ منهم أنْ يَنالوا الخلاصَ، وإنَّ كُلَّ ما ينبغي لهم أنْ يَفعلوه هو أنْ يَتجاوبوا مَعَهُ.
والآن، لو كانَ هذا صحيحًا، يكونُ يَسوعُ قد حَقَّقَ على الصَّليبِ خَلاصًا مُحتَمَلاً وليسَ فِعليًّا. بعبارة أخرى، فإنَّ الخُطاةَ نَالوا الكَفَّارةَ عَن كُلِّ خطاياهُم بِصُورة مُحتَمَلَة، ولكِنَّها لا تَصيرُ فِعليَّة إلَّا عندما يُفَعِّلونَها مِن خلالِ إيمانِهم. لِذا، ما ينبغي لنا أنْ نَفعَلَهُ هو أنْ نَقولَ للخُطاة أنَّهُ يجب عليهم أن يَقبلوا الخلاصَ الَّذي تَمَّ شِراؤُهُ لهم أصلاً. فحيثُ إنَّ المسيحَ ماتَ عنِ الجميع، فإنَّ الجميعَ يُمكِن أنْ يَخلصُوا. فالأمرُ مُتوقِّفٌ وَحَسْب على مَجيئهم وقَبولِهم ذلكَ الخلاص. لِذا فإنَّ مَسؤوليَّتَنا هي أنْ نُقنِعَ النَّاسَ أنْ يأتوا وأنْ يَقبلوا الخلاصَ المُعَدَّ لَهُم، وأنْ نُقنِعَهُم أنْ يأتوا ويَقبلوا العَطِيَّة.
وهذا التَّفكيرُ مُتَغَلغِلٌ جِدًّا في نَسيجِ اللَّاهوتِ الإنجيليِّ حَتَّى إنَّنا نَقرأُ في أكثرِ كِتابٍ رائِجٍ عنِ الكنيسةِ حاليًّا وَهُوَ: "الكنيسة المُنطلِقَة نَحوَ الهَدَف" (The Purpose Driven Church)، نَقرأُ أنَّ الكاتِبَ يَقول: "يُمكنُني أن أَقودَ أيَّ شخصٍ إلى المسيح إنْ عَثَرْتُ على مِفتاحِ قَلبِ ذلكَ الشَّخص". فالافتراضُ هُوَ أنَّكَ إنْ تَمَكَّنتَ وَحَسْب مِنَ العُثورِ على طَريقة للتَّأثيرِ في شخصٍ عاطفيًّا، يُمكنكَ أنْ تَربَحَ أيَّ شَخصٍ على كَوكبِ الأرضِ للمسيح لأنَّ المَسيحَ [في نهايةِ المَطاف] ماتَ عنهم جميعًا. فهذه هي الفكرة السَّائدة.
وأنا أَعلَمُ أنَّ كثيرينَ منكم يقولون: "حسنًا ... حسنًا، يبدو لي أنَّ هذا هو ما أُوْمِنُ بِهِ دائمًا، وأنَّ هذا هو ما تَعَلَّمتُهُ". حسنًا! رُبَّما سَنَصْحَبُكُم إلى أماكِنَ لم تَذهبوا إليها مِن قَبل، ولكِنَّ هذا جَيِّد. فهذه هي الفِكرة السَّائدة.
والنَّتيجةُ العَرَضِيَّة لهذهِ الفكرة ستكونُ شيئًا مِن هذا القَبيل: أنَّ جَهَنَّمَ مُمتلئة بأُناسٍ ماتَ المسيحُ لأجلهم. وسوفَ أقولُ ذلكَ بطريقة أخرى: أنَّ جَهَنَّمَ مُمتلئة بأشخاصٍ دُفِعَتْ أُجرةُ خطاياهُم بالكامِلِ على الصَّليب. وقد يبدو ذلكَ مُزعجًا أكثر عندما نَقولُهُ بهذه الطريقة. أليسَ كذلك؟ وهناكَ طريقة أخرى لِقولِ ذلك وهي أنَّ بُحيرةَ النَّارِ الَّتي تَضْطَرِمُ إلى الأبدِ بنارٍ وكِبريت مُمتلئة بأشخاصٍ دِيْنُوا إلى الأبد مَعَ أنَّ المسيحَ كَفَّرَ عَنْ خَطاياهُم بالكامِلِ على الصَّليب. فغضبُ اللهِ أُشْبِعَ مِنْ خِلالِ كَفَّارةِ المسيحِ نِيابةً عن أولئكَ الأشخاصِ الَّذينَ سيَبقونَ إلى الأبد في جَهَنَّم.
وبالمُناسبة، سوفَ تكونُ السَّماءُ أيضًا مَأهولةً بأرواحِ أُناسٍ ماتَ المسيحُ عنهم. لِذا فإنَّ المسيحَ فَعَلَ الشَّيءَ نَفسَهُ تَمامًا عن سُكَّانِ جَهَنَّم وسُكَّانِ السَّماء. وهذا يَجعلُ المسألة مُزعجة أكثر قليلاً. فالفَرقُ الوحيدُ هو أنَّ النَّاسَ الموجودينَ في السَّماءِ قَبِلوا العَطِيَّة، وأنَّ النَّاسَ الموجودينَ في جَهَنَّمَ رَفَضوها. فهذا هو الفِكرُ الإنجيليُّ التَّقليديُّ.
ولكِنَّ ذلكَ يَبدو غريبًا عندما تَبتدئُ في تَفصيلِ الأمرِ شيئًا فشيئًا. أليسَ كذلك؟ أنَّ يسوعَ ماتَ وَدَفعَ بالكاملِ أُجرةَ خطايا أشخاصٍ هَالِكين، وأنَّهُ ماتَ وَدَفَعَ بالكاملِ أُجرةَ خطايا أشخاصٍ مُمَجَّدين، وأنَّ يسوعَ فَعَلَ الشَّيءَ نَفسَهُ لِسُكَّانِ جَهَنَّمَ وسُكَّانِ السَّماء، وأنَّ الفَرقَ الوحيدَ يَتوقَّفُ على اختيارِ الخاطِئ؟ فهذا يعني أنَّ موتَ يسوعَ المسيحِ [إذًا] لم يَكُن كَفَّارةً فِعليَّة، بل كانَ فقط كَفَّارةً مُحتَمَلَة. فهو لم يَشترِ حَقًّا الخلاصَ لأيِّ شَخصٍ تَحديدًا، بل إنَّهُ رَفَعَ وَحَسْب حاجِزًا مَا لِتَمكينِ الخُطاةِ مِنْ أنْ يَختاروا أنْ يَخلصُوا.
لِذا فإنَّ الرِّسالة (أيْ الرِّسالة الإنجيليَّة التَّقليديَّة) الَّتي يَتِمُّ تَوصيلُها للخُطاة هي: "اللهُ يُحِبُّكم كثيرًا حَتَّى إنَّهُ أرسلَ ابنَهُ الَّذي دَفَعَ أُجرة الخطيَّة بالكامِل عن خطاياكُم. نَتَوَسَّلُ إليكُم أنْ تَتجاوبوا معَ تلكَ المحبَّة، وأنْ لا تُخَيِّبوا رَجاءَ اللهِ، وأنْ تَقبَلوا العَطِيَّة، وأنْ تَسمَحوا لهُ أنْ يُخَلِّصَكُم لأنَّهُ دَفَعَ أُجرةَ خطاياكُم بالكامل". فالقرارُ النِّهائيُّ يَعودُ للخاطِئ!
وهذا يُعطي الانطباعَ بأنَّ اللهُ يُحِبُّكَ جِدًّا، وأنَّكَ عَزيزٌ جِدًّا، وأنَّهُ بَذَلَ ابنَهُ ودَفَعُ أُجرةَ خطاياكَ بالكامِل، وأنَّ هذا ينبغي أنْ يَدفَعَكَ عاطفيًّا إلى أنْ تُحِبَّهُ بالمُقابِل وأنْ تَقبلَ هذه العَطِيَّة. لِذا فإنَّكَ تَدفعُ الخاطئ (إلى حَدٍّ ما) وتَتلاعَبُ بمشاعرِ الخاطئ في ذلكَ الاتِّجاه، وتُحاول أنْ تَجِدَ نُقطةَ تأثيرِ نَفسيَّة، وأنْ تَستَشعِرَ حَاجَتَهُ، وأنْ تَعزِفَ اللَّحنَ المُناسِب، وأنْ تُرَنِّمَ التَّرنيمة المُناسبة الَّتي تُداعِبُ أوتارَ قَلبِه، وأنْ تَضَعَ لَهُ زَيتًا على المِزْلَجَة وتُساعِدَهُ على التَّحَرُّكِ في اتِّجاهِ اتِّخاذِ القَرار.
ولكِنَّنا أمامَ مُشكلة هنا، يا أحبَّائي. فنحنُ أمامَ مُشكلة كبيرة. فقد رأينا في دراستنا السَّابقة أنَّهُ لا يُمكنُ لأيِّ خاطئٍ أن يَقومَ مِنْ ذاتِهِ باتِّخاذِ ذلكَ القرار. أليسَ كذلك؟ وهذه هي عقيدةُ العَجزِ التَّامّ. فهو لا يَستطيعُ أنْ يَفعلَ ذلك. وهو عَاجِزٌ عنِ اتِّخاذِ ذلكَ القرار. فجميعُ النَّاسِ ... جَميعُ النَّاسِ خُطاة. وكُلُّ الخُطاةِ أمواتٌ في ذُنوبِهم وخَطاياهُم. وكُلُّهُم مُنفَصِلونَ عن حياةِ اللهِ. وكُلُّهُم يَفعلونَ الشَّرَّ باستمرار. وكُلُّهُم غيرُ مُستعدِّينَ وغيرُ قادرينَ على الفهمِ، وعلى التَّوبة، وعلى الإيمان. فَهُمْ جميعًا يَملِكونَ أذهانًا مُظلِمَة، وَهُمْ مُصابونَ بالعَمى بسببِ الخطيَّة والشَّيطان. وَهُم جَميعًا لديهم قُلوبٌ مُمتلئة شَرًّا، وجَميعُهم أشرار، أشرارٌ بِكُلِّ مَعنى الكلمة. وجَميعُهُم يَسْعَوْنَ إلى عَمَلِ مَشيئةِ أبيهم الَّذي هو الشَّيطان. وجَميعُهم لا يَقدِرونَ أنْ يَطلبوا اللهَ. وَهُمْ جَميعًا واقِعونَ في فَخِّ العَجْزِ وعَدَمِ الاستعداد.
إذًا، كيفَ يُمكنُ للخاطئِ أنْ يَختار؟ أنا لا أُبالي بالحاجةِ الَّتي قد تَشعُر بها. وأنا لا أُبالي بما تَظُنُّ أنَّكَ تَراهُ "في قَلبِه" وما تَظُنُّ أنَّهُ قد يُساعِدُكَ على اقتيادِهِ إلى المسيح. وأنا لا أُبالي بعددِ المَقاطِعِ الَّتي تُرَنِّمُها لَهُ عَنِ الدَّعوة، أو عنِ الموسيقا الَّتي تَعزِفُها لَهُ، أو عنِ الموسيقا المؤثِّرة الَّتي قد تَعزِفُها لَهُ في مُحاولةٍ للتأثيرِ فيهِ لاتِّخاذِ قَرار. فالخاطئُ لا يَستطيعُ مِنْ ذاتِهِ أنْ يَفهمَ، ولا يَستطيعُ أنْ يَتوب، ولا يَستطيعُ أنْ يُؤمِن.
هل تَذكرون ما رأيناهُ في إنجيل يوحنَّا والأصحاح الأوَّل؟ "وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا [أوْ حَقًّا] أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ. ... اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ مَشيئةِ رَجُل، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ". ونقرأُ في رسالة أفسُس 2: 8-9: "لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ". "وَمِنْهُ أَنْتُمْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ" (رسالة كورِنثوس الأولى 1: 30).
فالخلاصُ هُوَ مِنَ الله. وقد رأينا ذلك. فينبغي أنْ يُعطي هو حياةً للأموات. وينبغي أنْ يُعطي هو البَصَرَ للعُمي. وينبغي أنْ يُعطي هو السَّمْعَ للصُّمّ. وينبغي أنْ يُعطي هو فَهمًا للجُهَّال. وينبغي أنْ يُعطي هو تَوبةً للذين يُحِبُّونَ الخطيَّة. وينبغي أنْ يُعطي هو إيمانًا للذين لا يَقدرونَ أن يُؤمِنوا. وينبغي أنْ يُحَرِّكَ هو القَلبَ كي يَطلُبَهُ، وإلَّا فإنَّهُ لن يَفعلَ ذلك. لِذا فإنَّ كُلَّ العناصرِ الَّتي تَجعلُ الخاطئَ يأتي إلى المسيح هي عَناصِر رَتَّبَها اللهُ ويُعطيها الله.
وكما تَعَلَّمنا، فإنَّ عقيدةَ العَجْزِ التَّامِّ تَعني أنَّ النَّاسَ لن يَخلُصوا إلَّا إنْ خَلَّصَهُمُ اللهُ. لِذا فإنَّ الخلاصَ قائمٌ على مشيئةِ اللهِ، وعلى عقيدةِ الاختيارِ الإلهيّ. فلا أحدَ يَستطيعُ أن يَخلص ما لم يُخَلِّصُهُ اللهُ. واللهُ يُخَلِّصُ مَنْ يَخْتارُ أنْ يُخَلِّصَهُم. فلا يُمكنكَ أن تتوقَّعَ أنْ يَقومَ الخاطئُ مِن تِلقاءِ نَفسِهِ (أيًّا كانتِ المُحَفِّزاتُ العاطفيَّة أوِ النَّفسيَّة، وأيًّا كانتِ التَّهديداتُ الَّتي يَشعُرُ بها، وأيًّا كانت الكلماتُ الَّتي تَقولُها لَهُ) لا يُمكنكَ أن تتوقَّعَ أن يقومَ الخاطئُ مِنْ ذاتِهِ باختيارِ المسيح. فالأشخاصُ الَّذينَ يأتونَ إلى المسيح هُم أولئكَ الَّذينَ جَذَبَهُمُ الآبُ وأعطاهُم الآبُ إلى الابنِ لأنَّهُ اختارَ أن يَفعلَ ذلك.
بعدَ أن فَهِمنا ذلك، إذا نَظرنا إلى الوراء إلى تلكَ العقائدِ (ولا سِيَّما إلى عقيدةِ الاختيار وعقيدةِ العَجزِ التَّامِّ)، يُمكننا أنْ نَطرحَ السُّؤالَ مَرَّةً أخرى: "لأجلِ مَنْ ماتَ المسيح؟" فهل ماتَ مِيْتَةً تُشَكِّلُ خَلاصًا مُحتَملاً عنِ الجميع؛ وبالتَّالي فقد كانَ في الجُزءِ الأكبر مِنهُ بِلا فائدة؟ أَم أنَّهُ ماتَ مِيْتَةً فَعَّالةً وقَدَّمَ كَفَّارةً فِعليَّةً (وليست مُحتَمَلَة) عن أولئكَ الَّذينَ سيؤمنونَ لأنَّ اللهَ دَعاهُم، ولأنَّ اللهَ أعطاهُم تَوبةً وإيمانًا، ولأنَّ اللهَ اختارَهُم مِنَ الأزَلِ السَّحيق؟
حسنًا! إنَّ الإجابةَ الوحيدة المَعقولة عنْ هذا السُّؤالِ هي أنَّ يسوعَ المسيحَ ماتَ ودَفَعَ أُجرةَ الخطيَّة بالكامل عن خطايا كُلِّ مَنْ سيؤمنون؛ وبالتَّالي فإنَّ كَفَّارَتَهُ هي كَفَّارة فِعليَّة وليست كَفَّارة مُحتَمَلة يُمْكِنُ رَفضُها. فإنْ كانَ يَسوعُ قد دَفَعَ حَقًّا الأجرةَ كاملةً عن خطاياك، فإنَّكَ لن تَذهبَ إلى جَهَنَّم. وهذه مُخاطرة مُزدَوَجة.
والآن، قد يَقولُ البعض: "مَهلاً مِن فَضلِك! إنَّ هذا يُشبِهُ عقيدةَ "الكَفَّارة المَحدودة". وإنْ قُلتَ عِبارة "الكَفَّارة المَحدودة" فإنَّ النَّاسَ سيَتَنَبَّهون لأنَّنا مُعتادونَ على تلكَ الفكرة الإنجيليَّة القائلة إنَّ يسوعَ دَفَعَ أُجرةَ الخطيَّة كاملةً ... إنَّهُ دَفَعَ أُجرةَ الخطيَّة كاملةً عنِ الجميع. ولكِنَّ هذا التَّعليمَ خاطئ ويَقودُ إلى مشاكل واضحة عديدة. ولكِنَّ هذا هو ما تُؤمِنُ بهِ الكنيسة الإنجيليَّة. وهذا هو ما يَجعَلُها تَستخدِمُ أساليبَ مُتحايِلَة لتحريكِ النَّاسِ عاطفيًّا، وبحسبِ ما يَشعُرونَ بهِ مِن حاجات، وبأيَّة وسائل أخرى تَبتَكِرُها، ظَنًّا مِنها بأنَّ أُجرةَ الخطيَّة قد دُفِعَت كاملةً عنِ الجميع. ولكِنْ ما دامَ أغلبيَّةُ النَّاسِ الَّذينَ ماتَ يَسوعُ لأجلهم سيذهبونَ إلى جَهَنَّم، ما نَوعُ الكَفَّارةِ الَّتي يُقَدِّمُها لهم؟
لِذا، قد تَقولُ لي: "لا بُدَّ أنَّكَ تُؤمِنُ بأنَّ الكَفَّارة مَحدودة". بِكُلِّ تأكيد. وكذلكَ أنتَ. ولكِنَّكَ تقول: "أنا أُوْمِنُ بالكَفَّارة غير المحدودة". إذًا، لا بُدَّ أنَّكَ تُؤمِنُ بالخلاصِ الشُّمولِيّ. فالشَّخصُ الَّذي يُؤمِنُ بالخلاصِ الشُّموليِّ يُؤمِنُ بأنَّ جميعَ النَّاسِ سيذهبونَ إلى السَّماء، وبأنَّهُ لا توجد جَهَنَّم. فالجميعُ سيذهبونَ إلى السَّماء. فهذا التَّفكيرُ يُؤدِّي إلى ذاك. فإنْ كُنتَ تُؤمنُ بأنَّ يسوعَ دَفَعَ الأُجرةَ عن كُلِّ خطايا النَّاسِ جميعًا الَّذينَ عاشوا يَومًا، لا بُدَّ أنَّكَ تُؤمِنُ بالخلاصِ الشُّموليّ.
ولكِنَّنا نَعلمُ أنَّ الأمرَ ليسَ كذلك. فنحنُ نَعلمُ أنَّ الكفَّارة مَحدودة. ونحنُ نَعلمُ أنَّ ليسَ الجميعَ سيذهبونَ إلى السَّماء. فإنْ كُنتَ تُؤمِنُ بالخلاصِ الشُّموليِّ فإنَّكَ تَتجاهَلُ الكتابَ المقدَّس. لِذا، اسمحوا لي أنْ أَذكُرَ لكم بِضْعَ نِقاطٍ. حسنًا؟ وسوفَ نَرى إلى أينَ يُمكِنُنا أنْ نَصِل.
أوَّلاً، الكَفَّارة مَحدودة. وما أعنيهِ بالكَفَّارة هو ذبيحة المسيح الَّتي دَفَعَ مِنْ خِلالِها أُجرةَ الخطيَّة. فالكفَّارة مَحدودة. والآن، لِنَنظُر إلى هذه النُّقطة مِن خلالِ بِضعَة مَقاطِع كِتابيَّة واضحة. إنجيل مَتَّى والأصحاح العاشِر. إنجيل مَتَّى والأصحاح العاشر. وأنا لن أنتظركم. لذا، رُبَّما ينبغي لكم أنْ تَكتُبوا هذهِ الشَّواهِد. إنجيل مَتَّى 10: 28. فيجب أنْ نَنطلِق. العدد 28. مَنْطِقُوا أَحْقاءَكُم! سوفَ نَنطلِق. إنجيل مَتَّى 10: 28: "وَلاَ تَخَافُوا". "وَلا تَخافوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ وَلكِنَّ النَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا، بَلْ خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ النَّفْسَ وَالْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ". وهذه الكلمات تَرِدُ أيضًا في إنجيل لوقا والأصحاح 12، كَما رأينا سابقًا. فهناكَ جَهَنَّم. واللهُ سيُرسلُ أُناسًا إلى هُناك. وهذا يَعني بالنِّسبةِ إليَّ أنَّ الكَفَّارة مَحدودة. فهناكَ جَهَنَّم. واللهُ سيُرسلُ أُناسًا إلى هناك.
وفي إنجيل مَرقُس والأصحاح 9 (وهذه مُجَرَّد أمثلة على آياتٍ تُرينا أنَّ الكَفَّارة محدودة بِكُلِّ تأكيد). فنحنُ نَقرأُ في إنجيل مَرقُس 9: 43: "وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ يَدُكَ فَاقْطَعْهَا. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ أَقْطَعَ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ يَدَانِ وَتَمْضِيَ إِلَى جَهَنَّمَ، إِلَى النَّارِ الَّتِي لاَ تُطْفَأُ". وبعضُ النُّصوصِ تَقول: "حَيْثُ دُودُهُمْ لاَ يَمُوتُ وَالنَّارُ لاَ تُطْفَأُ". وهذه، أيضًا، إشارة إلى جَهَنَّم.
والعدد 48 يَقولُ مَرَّةً أخرى (أوْ بالحَرِيِّ العَدَدان 47 و 48): وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ عَيْنُكَ فَاقْلَعْهَا. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ أَعْوَرَ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ عَيْنَانِ وَتُطْرَحَ فِي جَهَنَّمَ النَّارِ. حَيْثُ دُودُهُمْ لاَ يَمُوتُ وَالنَّارُ لاَ تُطْفَأُ".
وعندما تَفتحونَ (كَما ذَكرتُ) على إنجيل لوقا والأصحاح 12، تَجِدونَ نفسَ الكلماتِ المذكورة في إنجيل مَتَّى 10: 28. ولكِنِ افتَحوا على إنجيل يُوحَنَّا. وأنا أريدُ وَحَسْب أنْ أَصْحَبَكُم سريعًا إلى هذا الإنجيل كَيْ أُريكُم لَمَحاتٍ مِنْ الحقيقةِ الجَلِيَّةِ بأنَّ الكَفَّارة مَحدودة.
فهي مَحدودة. والأصحاح 8 يُبَيِّن ذلكَ بوضوحٍ تامّ. 8: 12: "أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ [والمُتَحَدِّثُ هُنا هُوَ يَسوع]. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ". فَهُنا نَجِدُ شَرْطًا. فيجب أنْ تَتبَعَ المسيح. إذًا، الكفَّارةُ محدودة لأنَّها تَقتَصِر على مَن يَتبعونَ المسيح. وتَقرأونَ في العدد 24 قَولاً مُشابِهًا: "فَقُلْتُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ تَمُوتُونَ فِي خَطَايَاكُمْ، لأَنَّكُمْ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا أَنِّي أَنَا هُوَ تَمُوتُونَ فِي خَطَايَاكُمْ". فهناكَ جَهَنَّم. والنَّاسُ سيَذهبونَ إليها. والحقيقة هي أنَّ إنجيل مَتَّى والأصحاح 7 يَقولُ إنَّ كَثيرينَ سيَذهبونَ إلى هُناك. والطريقة الوحيدة لِتَجَنُّبِ الذَّهابِ إلى هناك، والطريقة الوحيدة لِتَجَنُّبِ الموتِ في خطاياك، أيْ أنْ تَموتَ مِن دونِ وُجود ذبيحة عن خطاياك ... الطَّريقة الوحيدة لِتَجَنُّبِ ذلك هي أنْ تُؤمِنَ بالرَّبِّ يسوعَ المسيح.
فكيفَ يُعقَلُ أنْ يَقولَ المسيح إنَّكُم سَتَموتونَ في خطاياكُم إنْ كانت أُجرةُ خَطاياكُم مَدفوعة؟ فالأُجرة لم تُدفَع عنهم إنْ كانوا سيموتونَ مِنْ دونِ أنْ يُؤمِنوا بِهِ. وإليكُم مَقطعًا آخرَ في إنجيل يوحنَّا. افتحوا على الأصحاح الثَّالث: "لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللهُ ابْنَهُ [في العدد 17] إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ. اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِاسْمِ ابْنِ اللهِ الْوَحِيدِ".
فهناكَ جَهَنَّم. والنَّاسُ يَذهبونَ إلى هناك إنْ لم يؤمنوا بيسوعَ المَسيح. وهناكَ مواضِع كثيرة أخرى يُمكنكم أنْ تَرَوْا مِن خلالِها التَّأكيدَ نَفسَهُ. وأنا لا أريدُ أنْ أُرهِقَكُمْ بِذِكرِ كُلِّ هذهِ الشَّواهِد الَّتي لا نِهاية لها، ولكِنِّي سأذكُرُ لكم شَاهِدَيْن لكي تُفَكِّروا فيهما. إنجيل مَتَّى 22: 13: "حِينَئِذٍ قَالَ الْمَلِكُ لِلْخُدَّامِ: ارْبُطُوا رِجْلَيْهِ وَيَدَيْهِ، وَخُذُوهُ وَاطْرَحُوهُ فِي الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ". وهذا وَصفٌ آخر للعذابِ المُريعِ والدَّينونة. 25: 30: "وَالْعَبْدُ الْبَطَّالُ اطْرَحُوهُ إِلَى الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ، هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ".
ثُمَّ إنَّنا نَجِدُ في رسالة بُولس الثَّانية إلى أهلِ تَسالونيكي والأصحاح الأوَّل أنَّهُ يَتحدَّثُ عن مَجيءِ الرَّبِّ يسوعَ مِنَ السَّماء. رسالة تسالونيكي الثانية 1: 7: "مَعَ مَلاَئِكَةِ قُوَّتِهِ، فِي نَارِ لَهِيبٍ، مُعْطِيًا نَقْمَةً لِلَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ اللهَ، وَالَّذِينَ لاَ يُطِيعُونَ إِنْجِيلَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِينَ سَيُعَاقَبُونَ بِهَلاَكٍ أَبَدِيٍّ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ وَمِنْ مَجْدِ قُوَّتِهِ".
لِذا فإنَّ الكتابَ المقدَّسَ يَعِدُ بأنَّ هُناكَ جَهَنَّم. والطَّريقةُ الوحيدةُ لِتَجَنُّبِها هي أنْ لا تَموتَ في خطاياك. ولكي لا تَموتَ في خطاياك، يجب عليكَ أن تُؤمِنَ بالرَّبِّ يسوعَ المسيح. فإنْ لم تُؤمِن بِهِ، ستَدفع أُجرةَ الهلاكِ الأبديّ. وهذا يُبَرهِنُ على أنَّ الكَفَّارة مَحدودة. فهي لا تَسري على كُلِّ النَّاس. فاللهُ لم يَقصِد أنْ يُخَلِّصَ الجَميع. فهو الله. وقد كانَ بمقدورِهِ أنْ يَقصِدَ أنْ يُخَلِّصَ الجميع. وقد كانَ بِمقدورِهِ أنْ يُخَلِّصَ الجميع. فقد كانَ بمقدورِهِ أنْ يَفعلَ ذلكَ لو أنَّهُ قَصَدَ ذلك. ولكِنَّ الكَفَّارةَ مَحدودة.
والآن، يجب علينا جميعًا أنْ نَقبَلَ ذلكَ وإلَّا فإنَّنا نَكونُ مِنْ أنصارِ الخَلاصِ الشُّموليّ. ولكِنَّنا نَعلمُ أنْ ليسَ الجميعَ سيذهبونَ إلى السَّماء. والحقيقة هي أنَّ من سيذهبونَ إليها هُم قِلَّة قَليلة. فَهُمُ الفئة القليلة. أمَّا إنْ قَبِلنا هذه الفكرة الإنجيليَّة الَّتي تَعني أنَّ الأغلبيَّة السَّاحقة مِنَ النَّاسِ الَّذينَ ماتَ المسيحُ عنهم ودفعَ أُجرةَ خطاياهم بالكامل سيذهبونَ إلى جَهَنَّم، فإنَّهُ أمرٌ يَصعُبُ جِدًّا تَصديقُه. لِذا فإنَّنا نُؤمِنُ بالكَفَّارة المحدودة. فهي تَقتَصِرُ على أولئكَ الَّذينَ يُؤمنون.
وكيفَ هي مَحدودةً؟ هذه هي النُّقطة الثَّانية. فالنُّقطة الأولى هي: هلِ الكَفَّارة مَحدودة؟ والجوابُ هُوَ: أجل. ثانيًا: كيفَ هي مَحدودة؟ حسنًا، قبلَ كُلِّ شيء، إنَّها مَحدودة لأنْ ليسَ الجميعُ يَخلُصون، بل فقط مَنْ يَتوبونَ ويؤمنون. فهكذا هي مَحدودة. ففقط الَّذينَ يؤمنونَ بالمسيح ويَعترفونَ به رَبًّا يَخلُصون. فهؤلاءِ فقط تَمَّ التَّكفيرُ عَنْ خطاياهم. فهي تَقتَصِرُ على الَّذينَ يؤمنون. وهكذا فإنَّها مَحدودة. حسنًا؟ ومِنَ المُهِمِّ جدًّا أن تَفهموا ذلك. وسوفَ نَعودُ إلى هذه النُّقطة.
والآن، يأتي السُّؤالُ الرَّئيسيّ: مَنِ الَّذي جَعَلَها مَحدودة؟ مَن؟ فنحنُ نَعلمُ أنَّها مَحدودة. ونحنُ نَعلمُ كيفَ هي محدودة. فهي تَقَتَصِرُ على الَّذينَ يؤمنون. وهي تَسري فقط على الَّذينَ يؤمنون: "إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ، وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، خَلَصْتَ". والآن، مَنِ الَّذي جَعَلَها مَحدودة؟
والرّأيُ السَّائدُ يَقولُ الآتي: "إنَّ كَفَّارةَ يسوعَ غير مَحدودة، ولكِنَّ الخُطاةَ يَحِدُّونَ مِنْ تَطبيقِها". وهذا يُعيدُنا إلى ما قُلناهُ سابقًا. فهذا يَجعَلُها كَفَّارة مُحتَملة تَتَحَدَّدُ فاعِلِيَّتُها مِنْ قِبَلِ الخاطئ. وهذا يعني أنَّهُ يجب علينا أنْ نُؤمِنَ بأنَّ اللهَ دَبَّرَ ذبيحةً للخطيَّة في ابنِهِ، ولكِنَّها ليست كافيةً في ذاتِها، وليست فاعلةً في ذاتِها، وليست حقيقيَّة في ذاتِها لأنَّ الخاطئَ يُمْكِنُ أنْ يُبْطِلَها.
أنا لا أُمانِعُ في أنَّ اللهِ يَستطيعُ أنْ يَحِدَّ مِنَ الكَفَّارة. فاللهُ يَحِدُّ مِنَ الكَفَّارة. ولكِن اسمعوني جيِّدًا: إنَّهُ يَحِدُّ مِنَ الكَفَّارة مِنْ جِهَةِ نِطاقِها. ويجب عليكم أنْ تُصَدِّقوا ذلك لأنَّهُ لم يَخْتَر كُلَّ شخصٍ ولأنْ ليسَ الجميعُ سيذهبونَ إلى السَّماء. فهذا هو فِكرُ اللهِ. وهذه هي مشيئةُ اللهِ. وهذا هو قَصدُ اللهِ. ويجب عليكم أنْ تَفهموا ذلك.
وأنا ليست لديَّ أيَّة مُشكلة البَتَّة في القولِ إنَّ الكفَّارة مَحدودة. وأنا ليست لديَّ أيَّة مُشكلة في أنْ أقولَ كيفَ هي محدودة. فهي تَقْتَصِرُ على الَّذينَ يُؤمِنون. وأنا ليست لديَّ أيَّة مُشكلة في القولِ إنَّ مَن يؤمنونَ هُمُ الَّذينَ يُعطيهم اللهُ إيمانًا. لِذا، فإنَّ الكفَّارة محدودة لأنَّ اللهَ هُو الَّذي جَعَلها محدودة. وأنا مُرتاحٌ لذلكَ أكثر بكثير مِن فِكرةِ أنْ يكونَ بمقدورِ الخاطئ أنْ يَحِدَّ مِنَ الكفَّارة الَّتي قَدَّمها المسيح، أو مِنْ فِكرةِ أنَّ الكفَّارة الَّتي قَدَّمها المسيحُ قد هُدِرَتْ على الأغلبيَّةِ السَّاحقةِ مِنَ النَّاس.
فإنْ قُلتَ إنَّ اللهَ دَبَّرَ كَفَّارةً مُحتَملة فقط، وتَرفَعُ فقط الحاجزَ لكي يَتمكَّنَ الخاطئُ مِنَ الحُصولِ على الخلاصِ إنِ اختارَ ذلك، هل تَعلم ما الَّذي تَكونُ قد فَعلتَهُ؟ تَكونُ قد قُلتَ إنَّ اللهَ حَدَّ مِنَ الكَفَّارةِ لا في نِطاقِها فَحَسْب (وهو أمرٌ ينبغي أن تؤمنوا بِهِ)، بل إنَّهُ حَدَّ مِنْها في تأثيرها. هل هذا مَفهوم؟ بعبارة أخرى، إنْ كُنتَ تؤمنُ بالكفَّارة غير المحدودة، وكُنتَ تَظُنُّ أنَّكَ واحدٌ مِن أولئكَ الأشخاصِ الَّذينَ يَتمتَّعونَ بالشَّهامةِ ويؤمنونَ بأنَّ يسوعَ ماتَ عنِ الجميع، فإنَّكَ مِنْ خلالِ قولِكَ بأنَّ الكفَّارة غير محدودة في نِطاقِها تَكونُ قد قُلتَ أيضًا إنَّها محدودة في تأثيرها. فهي تَشملُ الجميعَ، ولكِنْ ليسَ بطريقة مُحتَمَلة. فهي تَشملُ الجميعَ، ولكِن ليستَ بقوَّة.
قبلَ قليل، رَنَّمتُم ترنيمةً تقولُ إنَّ يسوعَ ماذا؟ دَفَعَ الأُجرةً كاملةً. هل تؤمنونَ بذلك؟ رُبَّما بصورة مُحتَمَلة! هل دَفَعَ أُجرةَ الخطيَّة كاملةً بصورة مُحتمَلة أَم حقيقيَّة؟ فهل حَمَلَ حَقًّا في جَسَدِهِ خطاياكُم على الصَّليبِ، أَمْ فقط بصورة مُحتَملة (إنْ قُلتُم إنَّهُ فَعَلَ ذلك)؟ فإنْ كنتم تقولونَ إنَّ نِطاقَ الكفَّارة غير محدود، فإنَّ تأثيرَ الكفَّارة محدود. وإنْ قُلتم إنَّ نِطاقَ الكفَّارة محدود، فإنَّكم تقولونَ إنَّ تأثيرَ الكفَّارة غير محدود. فبالنِّسبة إلى الأشخاصِ الَّذينَ تَشمَلُهم، هي بلا حُدود.
لِذا، عندما تَقولونَ: "هل تؤمن بأنَّ الكفَّارة مَحدودة أَمْ غير محدودة؟" فإنَّني أُوْمِنُ بالكفَّارة المحدودة في نِطاقِها. فهي تَقتَصِرُ على الَّذينَ يؤمنونَ، والذين تَلَقَّوْا الدَّعوة، والَّذين تَمَّ اختيارُهم. ولكنِّي أُوْمِنُ بأنَّها غير محدودة في تأثيرِها. فبالنِّسبة إلى الأشخاصِ الذين أُعطيت لهم، إنَّها كَفَّارة كاملة. فقد دَفَعَ يسوعُ الأُجرةَ كاملةً.
لِذا، كما تَعلمونَ، هناكَ أشخاصٌ يقولونَ: "حسنًا، نحنُ نؤمنُ بأنَّ الكفَّارة غير محدودة". وأنتَ تَقولُ لهم: "حسنًا، حسنًا! مَهلاً مِن فَضلِك. هل تَعني أنَّ يسوعَ ماتَ لأجلِ كُلِّ شخصٍ في العالَمِ بأسرِه؟" أجل. "حسنًا، قد تَظُنُّ أنَّ الكفَّارة غير محدودة في نِطاقِها، ولكِنَّكَ اعترفتَ للتَّوّ بأنَّها مَحدودة في تأثيرها الحقيقيِّ لأنَّ النَّاسَ سيذهبونَ إلى جَهَنَّمَ مَعَ أنَّ المَسيحَ ماتَ لأجلهم. فما نوعُ هذه الكفَّارة؟" ولكِنْ حَتَّى الأشخاص الَّذينَ يقولون: "نحنُ نؤمن بأنَّها غير محدودة"، لا تُصَدِّقوا ذلك. فَهُمْ لا يَعنونَ ذلك. فَهُم يَعلمونَ أنَّ اللهَ جَعَلَها تَقتَصِرُ على أولئكَ الَّذينَ يؤمنون. وَهُم يؤمنونَ بأنَّ الخُطاةَ يَحِدُّونَ مِنْها مِنْ خلالِ خِيَاراتِهم الخاطئة. وَهُم يؤمنونَ أيضًا بأنَّ هناكَ بعضَ الحُدود في الكَفَّارة نفسِها. لِذا فإنَّها لا تَقومُ حقًّا بعملِ الكفَّارة، بل تُتيحُ وَحَسْب للخُطاةِ أنْ يُفَعِّلوها.
ولكِنْ إنْ نَظرتُم إلى الكتابِ المقدَّسِ فإنَّ الأمرَ واضحٌ جِدًّا. وقد فَهِمَ كاتِبُ التَّرنيمة هذه العقيدة فَهمًا صحيحًا. وهي ترنيمة بسيطة جِدًّا. ولا أدري ما الَّذي كانَ يَدورُ في عَقلِهِ عندما كَتَبَها، ولكِنْ عندما كَتَبَ أنَّ يَسوعَ دَفَعَ أُجرةَ الخطيَّة كاملةً، كانَ يَعني ذلك. فما فَعَلَهُ على الصَّليب لم يكن كَفَّارة جُزئيَّة. وما فَعَلَهُ لم يكن كَفَّارة مُحتَمَلة. وهي لم تَكُن كَفَّارة افتراضِيَّة. بل إنَّها كانت كَفَّارة فِعليَّة وحقيقيَّة.
صحيحٌ أنَّها كانت محدودة في نِطاقِها لأنَّها تَقتَصِرُ على الَّذينَ يؤمنونَ (الَّذينَ هُمُ المَدعوُّونَ والمُختارون)، ولكِنَّها لم تكن محدودة في مَفعولِها. فبالنِّسبة إلى هؤلاء، كانت كفَّارةً كاملةً وتامَّة. فلا يوجد شيء يُسَمَّى كَفَّارة قَدَّمَها يسوعُ المسيحُ على الصَّليب مِن دونِ أنْ تكونَ حقيقيَّة وفِعليَّة. ولا يوجد شيء يُسَمَّى كَفَّارة مُحتَملة، أو كَفَّارة جُزئيَّة. ولا صِحَّةَ لما يُقالُ بأنَّ يسوعَ دَفَعَ أُجرةَ خطاياكَ بالكامل وأنَّكَ ستَدفعُ أُجرةَ خطاياكَ إلى الأبد في جَهَنَّم. فهذا يُقَلِّلُ مِن شأنِ عَمَلِ المسيح. وهذا يَسخَرُ مِن عملِ المسيح.
فما الَّذي تَقولُه؟ هل تقولُ إنَّ يسوعَ فَعَّلَ هذه الكَفَّارة جُزئيًّا فقط، وإنَّ تَفعيلَها الكامِلَ يَتوقَّفُ على الخاطئ؟ فلو أنَّ يسوعَ دَفَعَ أُجرةَ الخطيَّة عنِ الجميع، ولكِنَّ الجميعَ لا يَذهبونَ إلى السَّماء، فإنَّ الثَّمَنَ الَّذي دَفَعَهُ (أيًّا كان) لم يَكُن الثَّمنَ الكامل. لِذا، يجب علينا أنْ نُغَيِّرَ التَّرنيمة لنقول: "يسوعُ دَفَعَ نِصْفَ أُجرةِ الخطيَّة. والنِّصفُ الثَّاني مَتروكٌ لَكَ أنت". فهذا سيكونُ مَقطعًا جَيِّدًا: "يسوعُ دَفَعَ نِصْفَ أُجرةِ الخطيَّة. والنِّصفُ الثَّاني مَتروكٌ لَكَ أنت".
ولكنْ لا يُمكِنُني أنْ أُقْنِعَ نفسي بالإيمانِ بأنَّ جَهَنَّمَ مُمتلئة بملايينِ النَّاسِ الَّذينَ دُفِعَتْ أُجرةُ خطاياهُم بالكامِلِ مِنْ قِبَلِ المسيح المَصلوب. ولا يُمكنني أن أُصَدِّقَ أنَّ الآبَ سيُعاقبُ تمامًا الابنَ على الصَّليب عن خطايا أُناسٍ سيُعاقَبونَ لاحقًا عن تلك الخطايا إلى الأبد في جَهَنَّم. فما هو الهَدف؟ فما فَعَلَهُ المسيحُ على الصَّليب كانَ كَفَّارةً فِعليَّة وكاملة وتامَّة عن خطايا جميعِ الأشخاصِ الَّذينَ سيؤمنون. وحيثُ إنَّهُ لا يوجد أشخاص يؤمنون إلَّا إنْ أعطاهمُ اللهُ إيمانًا، فإنَّها كَفَّارة عن خطايا أولئكَ الَّذينَ اختارَ اللهُ أنْ يَدعوهم إليه.
وأنتم تَسمعونَ أُناسًا يقولون: "عندما تقولُ إنَّ الكفَّارة محدودة فإنَّ النَّاسَ لا يَشعرونَ بأنَّهُم مُمَيَّزونَ جِدًّا". حسنًا، سوفَ أقولُ لكم شيئًا. أنا لا أشعرُ بأنِّي مُمَيَّز جِدًّا إنْ قُلتَ لي إنَّ المسيحَ يُحِبُّكَ، وإنَّهُ ماتَ عنكَ كما ماتَ عن ملايينِ النَّاسِ الموجودينَ في جَهَنَّم". فهذا لا يَجعَلُني أشعرُ بأنِّي مُمَيَّز جِدًّا. بل إنَّ هذه طريقة صَعبة للكِرازة: "المسيحُ ماتَ على الصَّليبِ عن خطاياكَ وعن خطايا كُلِّ النَّاسِ الموجودينَ في جَهَنَّمَ أيضًا". فلا يوجد شيء مُمَيَّز في ذلك. بل إنَّ هذا أَبعد ما يكون عنِ التَّمَيُّز.
فهل تُريدُ أن تَقولَ لي إنَّهُ دَفَعَ أُجرةَ خطايايَ وإنَّني أَدفعُ أُجرَتَها إلى الأبد؟ إذًا، سأقولُ لكَ: "أيَّا كانَ الشَّيءُ الَّذي دَفَعَهُ فإنَّهُ زائف". وكما تَرَوْنَ، لا يَجوزُ [كِتابيًّا] أنْ تُقَيِّدَ الكَفَّارةَ مِنْ جِهَةِ قُوَّتِها. وَلا يَجوزُ [كتابيًّا] أنْ تُقَيِّدَ الكَفَّارةَ مِنْ جِهَةِ فَاعِلِيِّتِها. وَلا يَجوزُ [كتابيًّا] أنْ تُقَيِّدَ الكَفَّارةَ مِنْ جِهَةِ إنجازِها. فإنْ كانَ المَسيحُ قد دَفَعَ كاملاً أُجرةَ خطاياكَ، ستحصُل على ذلكَ الخلاص.
فيجب أن تكونَ كَفَّارة يَسوعَ المسيح على الصَّليب مُتوافقة تمامًا معَ المشيئة الأزليَّة. ولا يَجوزُ [كِتابيًّا] أنْ تُقَيِّدَ الكَفَّارةَ بأنْ تَجعلَها مُحتَمَلَة وليسَت فِعليَّة. ولا يَجوزُ [كِتابيًّا] أنْ تُقَيِّدَ الكَفَّارةَ بمشيئةِ خاطئٍ ليست لَهُ إرادة أو قُدرة. فالكَفَّارة مَحدودة مِنَ اللهِ إذْ إنَّها تَقتَصِرُ على المُختارين. ولكِنَّها غير مَحدودة في فَاعليَّتِها. فبالنِّسبةِ إليهم، إنَّها كَفَّارة كاملة وتامَّة.
والأمرُ كُلُّهُ يَتَلَخَّصُ في الآتي: هل كانَ موتُ المسيحِ عَمَلاً مِنَ المُحتَمَلِ أنْ يُخَلِّصَ خُطاةً يَمتلكونَ إرادةً، أَمْ أنَّهُ عَمَلٌ يُوَفِّرُ حَقًّا الخلاصَ لِخُطاةٍ ليسَت لديهم إرادة ولكِنَّهُم يَحصُلونَ بِنَعمةِ اللهِ وسيادَتِهِ على الإرادة؟ إنَّ الإجابة الوحيدة المُحتمَلة هي أنَّ اللهَ وَفَّرَ ذَبيحةً في ابنِهِ، وهي دُفعة حقيقيَّة كاملة عن خطايا جميعِ الَّذينَ سيؤمنونَ يومًا. وكُلُّ الَّذينَ سيؤمِنونَ يومًا سيؤمِنونَ لأنَّ الآبَ سيَجذبُهم، وهو سيُعطيهم تَوبةً وإيمانًا وتَجديدًا. وعليهِ، يجب أنْ يُفهَمَ مَوتُ يَسوعَ بأنَّهُ يُرضي تمامًا عَدالةَ اللهِ القُدُّوس نيابةً عن جميعِ الَّذينَ سَيُخَلِّصُهُمُ اللهُ.
وأنا لم أَخترِع هذه العقيدة، بل إنَّ هذه العقيدة تَعودُ إلى عَهدِ الإصلاح، وإلى "جون أوين" (John Owen)، وَحَتَّى إلى زَمَن "تشارلز سبيرجن" (Charles Spurgeon). اسمعوا ما قالَهُ "سبيرجن": "غالبًا ما يُقالُ لنا إنَّنا نَحِدُّ مِن كَفَّارةِ المسيح لأنَّنا نَقولُ إنَّ المسيحَ لم يَمُت عن جميعِ النَّاسِ؛ وإلَّا لكانَ جميعُ النَّاسِ قد خَلَصوا. وَالآن، إنَّ رَدَّنا على ذلك هو أنَّهُ مِنْ جانبٍ آخر، فإنَّ خَصْمَنا مَحدود. فنحنُ لا نَقولُ ذلك. فالأرمينيّونَ يقولون: ’إنَّ المسيحَ ماتَ عن جميعِ النَّاس‘. اسألوهم ما الَّذي يَعنونَهُ بذلك. فهل ماتَ المسيحُ كي يَضمنَ الخَلاصَ لجميعِ البشر؟ سوفَ يَقولونُ: ’لا، بِكُلِّ تأكيدٍ لا‘.
"أوِ اسألوهم السُّؤالَ التَّالي: هل ماتَ المسيحُ كي يَضمنَ الخلاصَ لأيِّ شخصٍ تَحديدًا؟ وسوفَ يقولونَ: ’لا‘. وَهُمْ مُرغَمونَ على قولِ ذلك إنْ كانوا ثَابِتينَ على رأيِهم. فَهُمْ يقولونَ: ’لا. فالمسيحُ ماتَ كي يَنالَ أيُّ شخصٍ الخلاصَ إنْ...‘ ثُمَّ إنَّهُمْ يَذكُرونَ شُروطًا مُعَيَّنَةً للخلاص.
"والآن، مَنِ الَّذي يَحِدُّ مِنْ مَوْتِ المسيح؟ أنتُم! فأنتُم مَنْ يقولونَ إنَّ المسيحَ لم يَمُت كَي يَضمنَ حَتْمًا الخلاصَ لأيِّ شخص. ونحنُ نَسْتَميحُكُم عُذرًا. فعندما تَقولونَ إنَّنا نَحْنُ مَنْ نَحِدُّ مِن موتِ المسيح، فإنَّنا نَقولُ: ’لا أيُّها السَّادة المُحتَرَمون، بل أنتُم مَن يَفعلونَ ذلك‘. فنحنُ نَقولُ إنَّ المسيحَ ماتَ كي يَضمنَ حَتْمًا خَلاصَ أُناسٍ لا حَصْرَ لهم سَيَحصُلونَ مِنْ خِلالِ موتِ المسيح لا على احتماليَّةِ الخلاص، بل على يَقينِ الخلاص. ولا يوجد احتمالٌ ولو ضئيل في حُدوثِ شيءٍ آخر سِوى أنْ يَخلَصُوا. مَبروكَةٌ عليكُم كَفَّارَتُكم" (بِحَسَب قَوْل سبيرجن). "يُمكِنُكُم الاحتفاظُ بها. ولكِنَّنا لن نُنكِرَ كَفَّارَتَنا لأجلِها".
إنَّ الكَفَّارة هي كفَّارة فِعليَّة، وليست كَفَّارة مُحتَمَلة. وهي كَفَّارة حَقيقيَّة، وليست مُجَرَّدَ حَاجِزٍ رُفِع. وهي كَفَّارة عن جَميعُ الَّذينَ يؤمنون. وحيثُ إنَّ الخاطئَ لا يَملِك القدرة أوِ الإرادة على الإيمانِ بِمَعزِلٍ عنِ التَّدَخُّلِ الإلهيِّ والتَّجديد، فإنَّ الأمرَ يَتوقَّف إذًا على قُدرة الله بمُقتضى مشيئة الله.
والآن، هل أنتُم معي؟ لقد ذَكرتُ هُنا نحوَ خَمسينَ شاهدًا مِنَ الكتابِ المقدَّس ... خَمسين. وهذا هو حَقًّا الجُزءُ الغَنِيُّ في هذا الموضوع. وقد مَهَّدتُ لهذا الموضوع في هذا المساء، وسوفَ أَترُكُ الأمرَ عندَ هذا الحَدّ لأنَّني إنْ تَعَمَّقتُ في الموضوع، أَخشى أنَّنا سنبقى هُنا إلى أنْ تُخْتَطَف الكنيسة. لِذا، أنتُم تَفهمونَ المسألة وكيفَ تُفَكِّرونَ في هذا الموضوعِ بعقلانيَّة، ومَنطِق، وبصورة مُتكاملة.
وفي مساءِ الأحدِ القادِم، أريدُ أنْ أَصحَبَكُم إلى أعماقِ ما يَقولُهُ الكتابُ المقدَّسُ لِتَدعيمِ هذه النَّظرة الرَّائعة إلى الكَفَّارة الَّتي جَعَلَها اللهُ بسيادَتِهِ تَقتَصِرُ على الَّذينَ يُؤمِنون، ولكِنَّها في ذاتِها كَفَّارة غير مَحدودة بالنِّسبة إلى جَميعِ الَّذينَ تَسري عليهم لأنَّ الخَلاصَ سَيُعطى بِكُلِّ مِلْئِه.
والآن، أَوَدُّ أن أُضيفَ بسُرعة إلى ذلكَ أنَّ النَّاسَ يقولون: "حسنًا، كيفَ تَعلمُ أنَّ المسيحَ ماتَ لأجلِك؟" والجوابُ هو: "مَنْ يُرِد فليأتِ" وَ "إنْ جئتَ وآمنتَ بإنجيلِ الرَّبِّ يسوعَ المسيح، يكونُ موتُ المسيحِ لأجلِك". لِذا، لا تُماطِل، بل تَعالَ إلى المسيح.
وقد كانَ هُناكَ واعِظٌ في لُندن عندما كنتُ هُناكَ يَخدِمُ في ذلكَ المؤتَمر. وقد أَخَذني جانبًا وقال: "هل تُشَجِّعُ النَّاسَ حَقًّا على المجيءِ إلى المسيح؟" فقلت: "أجل". فقال: "أنا أَجِدُ ذلكَ صعبًا جِدًّا. فهناكَ شيءٌ يُقَيِّدُ رُوحي". وهذا يَحدُثُ عندما يأخُذُكَ لاهُوتَكَ إلى مَكانٍ خاطئ. انظروا: نحنُ لا نَعلَمُ مَنْ يَكونُ المَفديُّونَ سِوى أنَّهم أولئكَ الَّذينَ جاءوا أَصلاً. ونحنُ لا نَعلمُ مَنْ هُمُ الأشخاصُ الَّذينَ سَيُكَمِّلونَ عَدَدَ الأشخاصِ الَّذينَ دَفَعَ المسيحُ الكَفَّارةَ الكاملةَ عنهم. لِذا فإنَّنا نَرجو الخُطاةَ أنْ يأتوا.
وقد قُلتُ لهُ: "لقد قالَ بولس: "نَطْلُبُ عَنِ الْمَسِيح". وقد قالَ بولس: "فَإِنِّي كُنْتُ أَوَدُّ لَوْ أَكُونُ أَنَا نَفْسِي مَحْرُومًا...لأَجْلِ إِخْوَتِي...الَّذِينَ هُمْ إِسْرَائِيلِيُّونَ...كي يأتوا إلى مَعرفةِ المُخَلِّص، المَسِيح". فنحنُ نَتَوَسَّلُ إلى الخُطاة. ونحنُ نَكْرِزُ بالإنجيل إلى أقاصي الأرض. ونحنُ نَتْرُكُ السَّرائِرَ للرَّبّ، ولكِنَّنا نَقومُ بمسؤوليَّتَنا في دَعوةِ الخُطاةِ إلى الإيمانِ عَالِمينَ أنَّ أولئكَ الَّذينَ يأتونَ سيَحصُلونَ على كَفَّارةٍ كاملة مُتاحة لهم. ونحنُ موجودونَ هُنا لكي نُكَلِّمَكُم عن ذلكَ في غُرفة الصَّلاة.
يا أبانا، نَشكُرُكَ على هذا اليومِ الرَّائعِ، وعلى مَجْدِ إيمانِنا، وعلى خَلاصِنا الَّذي يَتَّضِحُ لنا أكثر فأكثر مِنْ خلالِ هذهِ الأمورِ الَّتي تَعَلَّمناها اليوم. ونحنُ نُبارِكُ اسمَكَ ونَشكُرُك. آمين!
This article is also available and sold as a booklet.