Grace to You Resources
Grace to You - Resource

أرجو أن تَفتحوا كُتُبَكُم المقدَّسةَ على سِفْرِ إشَعْياء، الأصْحاح 53. وإلى الأشخاصِ الذينَ هُمْ مَعَنا في نِهايَةِ هذا الأسْبوعِ لحضورِ حَفْلِ تَخْريجِ أبنائِهِم أو رُبَّما للاحْتفالِ بعيدِ الأُمِّ، أعْتَذِرُ لأنَّكم ستَجدونَ أنفسَكم في مُنتصفِ هذهِ الرِّحلة. فالحقيقةُ هي أنَّ هذهِ سِلسلة مِنَ العِظاتِ المترابطةِ جدًّا. لذلكَ مِنَ المؤكَّدِ أنَّ الكثيرَ قَدْ فَاتَكُمْ مِنَ العِظاتِ السَّابقةِ. ولكنَّنا نأملُ في أن تكونَ هذهِ العِظَةُ مُشَجِّعةً لكم.

إنَّ ما أَشْعُرُ بهِ دائمًا هُوَ أنِّي أريدُ أنْ أُساعِدَكُمْ على المِضِيِّ قُدُمًا (في فَهْمِ كَلِمَةِ الله). ونَحْنُ نَدْرُسُ الآنَ العَهْدَ القَديمَ بَعْدَ أنْ صَرَفْنا أكْثَرَ مِنْ أرْبَعينَ سَنَةً في دِراسَةِ العهدِ الجديدِ هُنا في كَنيسَةِ النِّعْمَة (Grace Church). ونحنُ نَشْعُرُ بالتَّشويقِ وَالتَّحَدِّي في هَذِهِ الدِّراسةِ، وبالبَرَكَةِ العَظيمَةِ أيضًا في رأيي. ونحنُ نَبحثُ عنِ المسيحِ في العهدِ القديمِ وفي كُلِّ مَكانٍ يُمْكِنُنا أنْ نَجِدَهُ فيهِ. وقد ابتدأنا مِنَ المَكانِ الَّذي أُعْلِنَ فيهِ بكُلِّ رَوْعَةٍ وَكَمالٍ في الأصْحاحِ الثَّالِثِ وَالخَمْسينَ مِنْ سِفْرِ إشَعْياء.

وَالحَقيقَةُ هِيَ أنَّ هذا الإعلانَ عَنِ الرَّبِّ يَبتدِئُ مِنَ إشَعْياء 52: 13، وَيَستمِرُّ حَتَّى إشَعْياء 53: 12. وهناكَ خَمْسُ مَقاطِعَ في نَشيدِ العَبْدِ هَذا، إنْ جَازَتِ التَّسْمِيَة. فَهَذا نَشيدٌ لَهُ كَلِماتٌ مُعَيَّنَةٌ، وَلَهُ إيقاعٌ مُعَيَّنٌ كَما يُقْرَأُ في اللُّغَةِ العِبْرِيَّةِ الأصْلِيَّةِ. إنَّهُ نَشيدُ العَبْدِ. وَهُوَ نَشيدُ العَبْدِ الرَّابِعِ الَّذي كَتَبَهُ إشَعْياءُ. وَفي النِّصْفِ الثَّاني مِنْ نُبوءَةِ إشَعْياء (أيْ مِنَ الأصْحاح 40 إلى نِهايَةِ الأصْحاح 66)، يُرَكِّزُ إشَعْياءُ على الخَلاص. وَالخَلاصُ يَتَوَقَّفُ على المُخَلِّص. لذلكَ فإنَّ إشَعْياءَ يُعَرِّفُنا في هَذا المَقْطَعِ على المُخَلِّص.

وهُناكَ مَواضِعُ أُخرى في هَذِهِ النُّبوءَةِ يُشيرُ فيها إلى المُخَلِّص. ففي الأصْحاحِ السَّابِعِ، يُشيرُ إلى وِلادَةِ المُخَلِّصِ مِنْ عَذْراء. وفي الأصْحاحِ التَّاسِعِ، يَصِفُ المُخَلِّصَ بطُرُقٍ عَديدَةٍ رائِعَةٍ: فَهُوَ اللهُ القَديرُ، وَرَئيسُ السَّلامِ، وَالأبُ الأبَدِيُّ، والابْنُ المَوْلودُ لَنا. وَهُوَ الَّذي تَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ وَلَيْسَ لِمُلْكِهِ نِهايَة. لذلكَ فإنَّهُ يَقولُ الكَثيرَ عَنِ المَسِيَّا. ولكِنْ في النِّصْفِ الثَّاني تَحْديدًا مِنْ هَذِهِ النُّبوءةِ العَظيمةِ، هناكَ أرْبَعَةُ أناشيدَ عَنِ العَبْدِ: النَّشيدُ الأوَّلُ في الأصْحاح 42، والثَّاني في الأصْحاح 49، والثَّالِثُ في الأصْحاح 50، ثُمَّ يَأتي هَذا النَّشيدُ المَلْحَمِيُّ الرَّابِعُ عَنِ المَسِيَّا في الأصْحاح 53. وفي كُلِّ أصْحاحٍ مِنْ هَذِهِ الأصْحاحاتِ الأرْبَعَةِ، يُخْبِرُنا إشَعْياءُ المَزيدَ مِنَ الأُمورِ عَنِ المَسِيَّا.

وَالآنْ تَذَكَّرُوا أنَّ هَذِهِ النُّبوءَةَ كُتِبَتْ قَبْلَ نَحْوِ 700 سَنَة مِنْ مَجيءِ المَسِيَّا. فَقَبْلَ 700 سَنَةٍ مِنْ وِلادَةِ يَسوعَ، جَاءَتْ هَذِهِ النُّبوءَةُ عَلى فَمِ النَّبِيِّ إشَعْياء. لذلكَ فإنَّها ليستْ نُبوءاتٍ غامِضَة عَنْهُ، بَلْ هِيَ نُبوءاتٌ مُحَدَّدَةٌ جِدًّا – وَلا سِيَّما مَا جَاءَ في الأصْحاح 53. وَفي الأصْحاح 42، يُقَدَّمُ المَسِيَّا تحتَ العُنوان "عَبْدُ يَهْوَه" أوْ "عَبْدُ الرَّبِّ" أوْ "خَادِمُ الرَّبِّ". والكلمة "إيْبيد" (Ebed) في اللُّغَةِ العِبْريَّةِ تَعْني العَبْد الرَّقيق.

وَهَذا العَبْدُ، وَهَذا المَسِيَّا، وَهَذا الخَادِمُ الَّذي سَيَأتي (وَفْقًا للأصْحاح 42) سيكونُ مُخْتارًا مِنَ اللهِ. وَهُوَ سَيَعْمَلُ بِقُوَّةِ الرُّوحِ القُدُس. وَهُوَ سَيَجْلِبُ العَدْلَ، أوِ البِرَّ، إلى العالَم. وهُوَ سيَجْلِبُ الخَلاصَ إلى العَالَم. وَهُوَ سَيُخْرِجُ المَأسُورِينَ العُمْيَ مِنَ الحَبْسِ وَيُعْتِقُهُمْ مِنْ زِنْزاناتِ الخَطِيَّةِ المُظْلِمَة. فَهَذا هُوَ الوَصْفُ الَّذي يُوْصَفُ بِهِ في الأصْحاح 42.

وَنَجِدُ المَزيدَ عَنْهُ في الأصْحاح 49. فَهُوَ سَيَكونُ إنْسانًا، أوْ سَيَكونُ بالحَرِيِّ: رَجُلًا. وَهُناكَ أيْضًا حَديثٌ عَنْ أنَّهُ سَيُوْلَدُ مِنْ عَذْراء. وَهُوَ سَيُخَلِّصُ إسرائيلَ وَيَجْلِبُ الخَلاصَ إلى أُمَمِ العَالَمِ، ثُمَّ يَتَمَجَّدُ في النِّهايَة. ويُخْبِرُنا الأصْحاحُ الخَمْسُونَ بالمَزيد. فَهُوَ سَيُهانَ. فَالأصْحاحُ الخَمْسونَ يُخْبِرُنا بِذلك. فَهُوَ سَيُذَلُّ وَيَتَعَلَّمُ الطَّاعَةَ مِنْ خِلالِ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ بَراءَتَهُ سَتُعْلَنُ في النِّهايَة. ولكِنْ عندما نَصِلُ إلى الأصْحاحِ الخَمْسين، نُلاحِظُ أنَّ التَّفاصيلَ صَارَتْ أكْثَرَ اكْتِمالًا وَأكْثَرَ إدْهاشًا مِنَ النُّبوءاتِ السَّابِقَة.

وعندما نَصِلُ إلى الآيات مِنْ 52: 13 إلى 53: 12، نَجِدُ تَرْكيزًا على المَسِيَّا الآتي بِدِقَّةٍ مُتَناهِيَةٍ لا يُمْكِنُ لأحَدٍ سِوى اللهَ أنْ يَعْرِفَها – وَلا سِيَّما أنَّها نُبوءَةٌ قِيْلَتْ قَبْلَ نَحْوِ 700 سَنَةٍ مِنْ تَحَقُّقِها. وَنَرى هُنا أنَّ الأمْرَ لا يَقْتَصِرْ على كَوْنِ المَسِيَّا مُخْتَارًا، أوْ أنَّ رُوْحَ الرَّبِّ عَلَيْهِ، أوْ أنَّهُ سَيَجْلِبُ البِرَّ وَالخَلاصَ إلى العَالَمِ، أوْ أنَّهُ سَيَكونُ إنسانًا مَوْلودًا مِنْ عَذْراءَ، أوْ رَجُلًا يَتَعَلَّمُ الطَّاعَةَ مِنَ الإذْلالِ وَمِمَّا تَألَّمَ بِهِ – كَما نَرى مِنْ خِلالِ مَا جَاءَ في الأصْحاحِ الخَمْسين. بَلْ إنَّنا نَرى هُنا أنَّ المَسِيَّا سيموتُ ذَبيحَةً عَنِ الخَطِيَّة. فَهَذا هُوَ مَا نَجِدُهُ بِصُورَةٍ فَريدَةٍ في الأصْحاح 53. فَفي هَذا الأصْحاحِ، يَتِمُّ إخْبارُ اليَهودِ قَبْلَ 700 سَنَةٍ مِنْ مَجيءِ المَسِيَّا أنَّهُ سَيَكونُ حَمَلَ اللهِ الكَفَّارِيّ.

وَنَجِدُ هَذِهِ الكَلِماتِ الرَّائِعَةِ في العَدَدِ السَّابِعِ: "ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ". فَهُوَ حَمَلٌ يُساقُ إلى الذَّبْحِ. ولا نَجِدُ هُنا عِباراتٍ غَامِضَةً، ولا مُصْطَلَحاتٍ مُبْهَمَةً، وَلا رُمُوزًا، بَلْ كَلِماتٍ مُباشِرَةً إذْ نَقْرَأُ أنَّ المَسِيَّا سَيُذْبَحُ كَما تُذْبَحُ الشَّاةُ، وَأنَّهُ أثناءَ حُدوثِ ذَلِكَ الذَّبْحِ سَيَكونُ صَامِتًا مِثْلَ نَعْجَةٍ صَامِتَةٍ.

وَقَدْ كانَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ مَعْروفَةً تَمامًا عِنْدَ اليَهودِ الذينَ سَمِعُوا هَذِهِ النُّبوءَةَ أوْ قَرَأوها. فَقَدْ عَاشُوا في الأزْمِنَةِ القَديمَةِ في مُجْتَمَعٍ زِراعِيٍّ، أيْ في مُجْتَمَعٍ يَتَألَّفُ مِنَ المَحاصيلِ وَالحُبوبِ المَزْروعَةِ في السُّهولِ، وَالكُرومِ المَزْروعَةِ في سُفوحِ التِّلالِ. وَكانُوا يَعْرِفونَ كُلَّ شَيءٍ عَن تَرْبِيَةِ المَواشي - وَلا سِيَّما الحُمْلان. فَقَدْ كانَتِ الحُمْلانُ جُزْءًا أساسِيًّا مِنْ حَياتِهِمْ. فَقَدْ كانَتْ مُهِمَّةً مِنْ أجْلِ صُوفِها. وَكانَتْ مُهِمَّةً مِنْ أجْلِ الطَّعام. فَهُمْ لَمْ يَكونوا يَأخُذونَ الصُّوفَ مِنْها فَقَطْ، بَلْ كَانُوا يأكُلونَ لُحومَها. فَقَدْ كَانُوا يَجُزُّونَ صُوْفَها ويَذْبَحونَها. وَقَدْ كانَ ذَلِكَ جُزْءًا مَألوفًا جِدًّا مِنْ حَياتِهِمْ في تِلْكَ الأزْمِنَةِ القَديمَةِ في أرْضِ إسْرائيل. فَقَدْ كَانُوا يَذْبَحونَ الحُمْلانَ وَيَأكُلونَها. وَكانُوا يَجُزُّونَ صُوْفَها وَيَصْنَعون مِنَ الصُّوفِ مَلابِسَ لَهُمْ.

وَهُمْ هُنا يَسْمَعونَ عَنِ المَسِيَّا بِوَصْفِهِ شَاةً سَتُذْبَحُ. وَالجُزْءُ المُخْتَصُّ بالذَّبْحِ حَقيقيٌّ. أمَّا الجُزْءُ المُخْتَصُّ بالشَّاةِ فَهُوَ قِياسٌ (أوْ تَشْبيه). وَنَحْنُ نَقْرَأُ هُنا، في العَدَدِ السَّابِعِ، أنَّ المَسِيَّا سَيُظْلَمُ، وَيُذَلُّ، وَيَصْمُتُ، وَيُذْبَحُ. فَهُوَ سَيَكونُ سَاكِنًا وَصَامِتًا عِنْدَما يُذْبَحُ – كَما تَصْمُتُ الشَّاةُ عِنْدَ ذَبْحِها، وَكَما تَصْمُتُ حَتَّى عِنْدَ جَزِّها. وَنَحْنُ نَقْرَأُ مَرَّتَيْنِ في العَدَدِ السَّابِعِ أنَّهُ لَمْ يَفْتَحْ فَاهُ.

وَالآنْ تَذَكَّرُوا أنَّهُ مَعَ أنَّ هَذا الأصْحاحَ يَتَطَلَّعُ إلى الأمامِ وَيَتَنَبَّأُ عَنْ مَوْتِ المَسيحِ، فإنَّهُ يَتَطَلَّعُ أيْضًا إلى الوَراءِ، أيْ إلى وَقْتِ اهْتِداءِ إسْرائيلَ في نِهايَةِ التَّاريخِ البَشَرِيِّ. لذلكَ فإنَّ الأفْعالَ تَرِدُ بِصيغَةِ المَاضي. فَقَدْ ظُلِمَ، وَقَدْ تَعَرَّضَ للإذْلالِ. وَلَكِنَّهُ لَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. فَالأفْعالُ هُنا تَأتي بِصيغَةِ المَاضي لأنَّ كُلَّ مَا قِيْلَ هُنا عَنْ مَوْتِ يَسوعَ المَسيحِ قِيْلَ لا كنَظْرَةٍ مُسْتَقْبَلِيَّةٍ مِنْ وُجْهَةِ نَظَرِ إشَعْياءَ، بَلْ كَنَظْرَةٍ إلى الوَراءِ بَعْدَ اهْتِداءِ إسْرائيلَ في المُستقبَلِ إذْ إنَّهُم سَيَنْظُرونَ إلى الَّذي طَعَنوهُ (كَما يَقولُ زَكَرِيَّا) وَيَنوحونَ عَلَيْهِ كَنائِحٍ عَلى وَحيدِهِ.

إنَّها نَظْرَةٌ مِنْ زَاوِيَةِ أُمَّةِ إسْرائيلَ المَفْدِيَّةِ في المُستقبَل. وَهَذا سَيَحْدُثُ في التَّاريخِ البَشَرِيِّ عِندما يَنظرونَ إلى الوَراءِ ويُدركونَ أنَّهُ تَعَرَّضَ للظُّلْمِ وَالإذْلالِ، وَأنَّهُ سِيْقَ إلى الذَّبْحِ كَما تُساقُ الشَّاةُ، وَأنَّهُ كانَ صَامِتًا، وَأنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ أجْلِ آثامِهِمْ – كَما جَاءَ في العَدَدِ الثَّامِنِ. لذلكَ فإنَّنا أمامَ أعْظَمِ وَصْفٍ في هَذا الأصْحاحِ. وَمَعَ أنَّ هَذِهِ نُبوءَة عَنِ الصَّليبِ، فإنَّها نُبوءَةٌ ثانَوِيَّةٌ فَقَطْ عَنِ الصَّليب. فَهِيَ، في الأصْلِ، نُبوءَةٌ عَنِ اهْتِداءِ إسرائيلَ في المُستقبَل. فَهَذا هُوَ مَا سَيَقولونَهُ عِنْدَما يَعْتَرِفونَ وَيَتوبونَ حَقًّا عَنْ رَفْضِهِمْ ليسوعَ المَسيحِ وَيُعْلِنونَ إيمانَهُمْ بِهِ بِوَصْفِهِ مُخَلِّصًا وَفادِيًا لَهُمْ.

وَهَذا هُوَ مَا سَيَقولونَهُ. فَالكَلِماتُ الوارِدَةُ في إشَعْياء 53 هِيَ اعْتِرافُهُم. لذلكَ فإنَّها نُبوءةٌ مُدهشةٌ تَتَطَلَّعُ إلى مَا وَراءَ الصَّليبِ، ثُمَّ تَنْظُرُ إلى الوَراءِ إلى الصَّليبِ لِوَصْفِ لا فَقَطْ اعْتِرافَ إسرائيلَ المُستقبليّ، وَلا فَقَطْ خَلاصَ إسْرائيلَ المُستقبليّ، وَلا فَقَطْ الكَلِماتِ المُحَدَّدَةَ الَّتي سَيَقولونَها، بَلْ إنَّها تُقَدِّمُ لَنا، بِصُورَةٍ ثانَوِيَّةٍ، تَفاصيلَ عَنِ الصَّليبِ الَّذي سَيَعْتَرِفونَ بِهِ، وَالذي اعْتَرَفْنا بِهِ جَميعُنا بِوَصْفِنا مُؤمِنين. فَالشَّيءُ الَّذي سَتُقِرُّ إسرائيلُ بِصِحَّتِهِ في يَوْمٍ مَا بِخُصوصِ المَسيحِ هُوَ شَيءٌ اعْتَرَفْنا بِهِ جَميعًا بِوَصْفِنا مُؤمِنينَ سَواءَ كُنَّا مِنَ اليَهودِ أوِ الأُمَم.

فَقَدْ نِلْنَا الخَلاصَ بِسَبَبِ إيمانِنا بأنَّهُ مَجْروحٌ لأجْلِ مَعاصينا (كَما جَاءَ في العَدَد 5). وَقَدْ نِلْنَا الخَلاصَ بِسَبَبِ إيمانِنا بأنَّهُ مَسْحوقٌ لأجْلِ آثامِنا، وَبأنَّ العِقابَ الَّذي وَقَعَ عَلَيْهِ كانَ مِنْ أجْلِ سَلامِنا، وَبأنَّنا بِحُبُرِهِ شُفِيْنَا. وَقَدْ نِلْنا الخَلاصَ لأنَّنا (كَما جَاءَ في العَدَد 6) آمَنَّا بأنَّ الرَّبَّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا. وَقَدْ نِلْنَا الخَلاصَ لأنَّنا آمَنَّا (كَما جَاءَ في العَدَد 8) أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذُنوبِنا. وَنَحْنُ نُؤمِنُ (كَما جَاءَ في العَدَد 10) بأنَّ الرَّبَّ سُرَّ أَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحَزَنِ لِكَيْ يَصيرَ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ مِنْ أجْلِ خَطايانا. وَنَحْنُ نُؤمِنُ (كَما جَاءَ في العَدَد 11) بأنَّهُ بَرَّرَ كَثيرينَ مِنْ خِلالِ حَمْلِ آثامِهِمْ. وَنَحْنُ نُؤمِنُ (كَما جَاءَ في نِهايَةِ العَدَد 12) بأنَّهُ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثيرينَ وَشَفَعَ في المُذْنِبين.

فَلِكَيْ يَصيرَ المَرءُ مُسيحِيًّا، يَجِبُ عليهِ أنْ يُؤمِنَ بِذَبيحَةِ المَسيحِ الكَفَّارِيَّةِ البَدَلِيَّةِ لأجْلِنا على الصَّليب. وَلَكِنْ في يَوْمٍ ما، سَتُؤمنُ أُمَّةُ إسرائيلَ بأسْرِها. فَزَكَرِيَّا يُخْبِرُنا أنَّ ثُلُثَيِّ الأُمَّةِ لَنْ تُؤمِنَ وَأنَّها سَتُدانُ مِنَ اللهِ، وَأنَّ الثُّلْثَ الباقي مِنْ إسرائيلَ سَيُؤمِنُ بفَضْلِ سِيادَةِ اللهِ. وَإذا عَلِمْنا أنَّ هُناكَ نَحْوَ خَمْسَةَ عَشَرَ مَلْيونَ يَهودِيٍّ في العَالَمِ في وَقْتِنا الحَاضِرِ، فإنَّ خَمْسَةَ مَلايين يَهودِيٍّ سَيُؤمِنونَ في لَحْظَةٍ بيسوعَ المَسيحِ بِفَضْلِ سِيادَةِ الله.

وبالمُناسَبَة، أيًّا كانَ مَا يَحْدُثُ على مَسْرَحِ العَالَمِ، وَأيًّا كانَتِ القُدْرَةُ النَّوَوِيَّةُ الَّتي يَتِمُّ تَصْنيعُها في الشَّرْقِ الأوْسَطِ، وَأيًّا كانَ عَدَدُ القَنابِلِ الَّتي تَسْتَطيعُ إيرانُ أنْ تَخْتَرِعَها وَأنْ تُوَجِّهَها إلى إسرائيلَ، فإنَّهُمْ لَنْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ تَدْميرِ إسرائيل. وَهُمْ لَنْ يُدَمِّرُوا إسْرائيلَ لأنَّ اللهَ أعَدَّ خَلاصًا مُستقبليًّا لإسرائيلَ كَما جَاءَ بالتَّفصيلِ في الكِتابِ المُقَدَّسِ. فَخلاصُهُمْ مَوْعودٌ بِهِ في إرْميا 31، وَمَوْعُودٌ بِهِ في حِزْقِيال 36 (كَما رَأيْنا)، وَمَوْعُودٌ بِهِ في زَكَرِيَّا 12 و 13، وَمَوْعُودٌ بِهِ هُنا في إشَعْياء 53 وَفْقًا لِمَا تَنَبَّأَ بِهِ عَنِ اعْتِرافهِمِ الحَرْفِيِّ. وَقَدْ ذَكَرَ بُولُسُ ذَلِكَ في رِسالَتِهِ إلى أهْلِ رُومية فَقالَ إنَّ جَميعَ إسْرائيلَ سَيَخْلُصون.

لذلكَ أيًّا كانَ ما سَيَحْدُثُ في التَّاريخِ الحاضِرِ في الشَّرْقِ الأوْسَطِـ، فإنَّ اللهَ سَيَحْفَظُ شَعْبَهُ مِنْ أجْلِ خَلاصِهِمِ النِّهائِيِّ. فَقَدْ تَحْدُثُ هَجَماتٌ على تِلْكَ الأرْضِ. وَقَدْ تُشَنُّ هَجَماتٌ مُدَمِّرَةٌ على تِلْكَ الأرْضِ. ولكِنْ سَتبْقى هُناكَ بَقِيَّةٌ مِنْ إسْرائيلَ يُؤمِنونَ بالمَسيحِ في المستقبَل. وَهُمْ يَجِدونَ في هَذِهِ النُّبوءَةِ أنَّ المَسِيَّا سَيُذْبَحُ. وَلَكِنَّ هَذا لَيْسَ مَا كَانُوا يَتَوَقَّعونَهُ. فقد كانُوا يَتَوَقَّعونَ أنْ يَأتي كَمَلِكٍ. ولكِنْ قَبْلَ أنْ يَأتي كَمَلِكٍ في المَرَّةِ الثَّانيةِ، يَنْبَغي أنْ يَأتي في المَرَّةِ الأولى كَشاةٍ. وَقَبْلَ أنْ يَأتي لِيَحْيا وَيَمْلُك، يَجِبْ أنْ يَأتي لِيَموت.

وَقَدْ عَرَفَ اليَهودُ طَوالَ تَاريخِهِمْ نِظامَ الذَّبائِحِ الحَيَوانِيَّةِ. وَقَدْ عَرَفُوا طَوالَ تَاريخِهِمِ المُمْتَدِّ مِنْ زَمَنِ سِفْرِ اللَّاوِيِّينَ فَصاعِدًا، كَما جَاءَ في سِفْرِ اللَّاوِيِّينَ، أنَّ اللهَ يَأمُرُهُمْ بِتَقْديمِ ذَبائِحَ دَمَوِيَّة. فَهذا الأمْرُ لَمْ يَكُنْ جَديدًا البَتَّة، بَلْ إنَّهُ يَرْجِعُ إلى الوَقْتِ الَّذي قامَ فيهِ هَابيلُ بِتَقْديمِ ذَبيحَةٍ حَيَوانِيَّةٍ للهِ. وَهُوَ يَرْجِعُ إلى زَمَنِ إبراهيمَ عِنْدَما أَمَرَ اللهُ إبراهيمَ أنْ يُقَدِّمَ ابْنَهُ على المَذْبَحِ. وَعِنْدَما رَفَعَ إبراهيمُ السِّكِّينَ وَهَمَّ أنْ يُغْمِدَها في قَلْبِ إسْحاق، تَوَقَّفَتْ يَدُهُ. وَدَبَّرَ اللهُ ذَبيحَةً. وَقَدْ كَانُوا يَعْلَمونَ أنَّ الخَطيئَةَ تُنْشِئُ مَوْتًا، وَأنَّ النَّفْسَ الَّتي تُخْطِئُ تَموت (كَما قَالَ النَّبِيُّ)، وَأنَّهُ يَنْبَغي أنْ تُدْفَعَ أُجْرَةُ الخَطِيَّة. فَلا بُدَّ مِنْ مَوْتِ شَخْصٍ مَا. وَقَدْ كانَ ذَلِكَ وَاضِحًا تَمامًا مِنْ خِلالِ كُلِّ حَيَوانٍ ذُبِحَ وُكُلِّ كَفَّارَةٍ قُدِّمَتْ طَوالَ تاريخِ إسرائيل.

وَلَمْ يَكُنِ المَقصودُ بِذلكَ هُوَ أنَّ الخَلاصَ يَتِمُّ بِمَوْتِ الحَيَوانِ، بَلْ إنَّ الحَيَوانَ يَرْمِزُ إلى حَقيقَةِ أنَّ الخَطِيَّةَ تَسْتَوْجِبُ المَوْتَ، وَأنَّ اللهَ كانَ مُستعِدًّا لتقديمِ بَديلٍ بَريءٍ لِيَموتَ نِيابَةً عَنِ الخَاطِئِ المُذْنِب. فَاللهُ لَنْ يَغْفِرَ الخَطِيَّةَ مِنْ دُوْنِ ذَبيحَةٍ مَقْبولَةٍ وَبَديلَةٍ تُقَدِّمُها ضَحِيَّةٌ بَريئَة. وَقَدْ كانُوا يَعْلَمونَ مِنْ خِلالِ إبراهيمَ (في تَكْوين 22) أنَّ اللهَ سَيُدَبِّرُ ذَبيحَةً. وَحَتَّى في ذَلِكَ الوَقْتِ المُبْكِرِ الَّذي يَعودُ تَاريخُهُ إلى إبراهيمَ، كانَ بِمَقْدورِهِمْ أنْ يَتَطَلَّعُوا إلى الأمامِ إلى الذَّبيحَةِ الَّتي سَيُدَبِّرُها اللهُ في نِهايَةِ المَطاف.

ولم تَكُن الحَيَواناتُ ذَبيحَةً مَقْبولَةً. فَقَدْ كانَتْ تُذْبَحُ عَشَراتُ الآلافِ مِنْها في كُلِّ عِيْدِ فِصْحٍ مِنْ زَمَنِ خُروج 12 إلى زَمَنِ دَمارِ الهَيْكَلِ في سَنَةِ 70 ميلاديَّة على يَدِ الرُّومان. وكانَتْ هُناكَ حَيَواناتٌ تُذْبَحُ في الهَيْكَلِ وفي خَيْمَةِ الاجْتِماعِ كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ تَقْديمِ المُحْرَقَةِ الصَّباحِيِّةِ وَالمُحْرَقَةِ المَسائِيَّةِ. وَكانَتْ هُناكَ أيْضًا ذَبائِحُ تُقَدَّمُ شَخْصِيًّا – وَفْقًا لِما جَاءَ في الأصْحاحِ الخامِسِ مِنْ سِفْرِ اللَّاوِيِّين. وَكانَ يَنْبَغي للنَّاسِ أنْ يُحْضِرُوا ذَبائِحَهُمْ بأنْفُسِهِمْ. وَكانُوا يَذْبَحونَ الحُمْلانُ في كُلِّ الأوقاتِ طَوالَ تَاريخِ بَني إسْرائيل. وَلا نُجانِبُ الصَّوابَ إنْ قُلْنا إنَّ الكَهَنَةَ في ذَلِكَ الوَقْتِ كَانُوا جَزَّارين. فَقَدْ كانَ هَذا هُوَ عَمَلُهُمُ الأساسِيُّ. فَعِنْدَما كانُوا يَدْخُلونَ إلى الهَيْكَلِ للقِيامِ بِواجِبِهِمِ الكَهَنوتِيِّ، كانُوا يَذْبَحونَ الحَيَواناتِ طَوالَ الوَقْتِ الَّذي يَصْرِفونَهُ هُناك. وكانَتْ أرْجُلُهُمْ تَتَخَضَّبُ بالدِّماءِ حَتَّى الكَاحِلِ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ .. بَعْدَ يَوْمٍ .. بَعْدَ يَوْمٍ. وَكانَ اللهُ يُقَدِّمُ لَهُمْ مِنْ خِلالِ ذَلِكَ رَمْزًا يُشيرُ إلى أنَّ خَطيئَتَهُمْ تَسْتَوْجبُ المَوْتَ.

وبالنِّسبةِ إلى اليهودِ الأُمَناء الَّذينَ تَابُوا تَوبةً قلبيَّةً صَادقةً، كانُوا يَأتونَ مِنْ مُنْطَلَقِ فَهْمِهِم لتلكَ الحقيقةِ ويُقَدِّمونَ ذبائِحَهُم. وَمِنْ خِلالِ تلكَ الذَّبائِحِ كانَ لِسانُ حَالِهِمْ هُوَ: "أنا أعْلَمُ أنَّ خَطيئَتي تَسْتَوْجِبُ الموتَ. وَأنا أعْلَمُ أنِّي لستُ بارًّا. وأنا أتوبُ وأطلبُ مِنْكَ أنْ تَغْفِرَ لي على أساسِ طَاعَتي هَذِهِ في تَقْديمِ الذَّبيحَة". ولكنَّهُمْ لم يَكونوا يَخْلُصونَ بِسَبَبِ هَذا الطَّقْسِ. وَلَمْ يَكونوا يَخْلُصونَ بِسَبَبِ الذَّبيحَةِ. بَلْ كانُوا يَخْلُصونَ بالتَّوْبَةِ وَالاتِّكالِ على أنَّ اللهَ سَيَرْحَمُهُمْ مِنْ خِلالِ الذَّبيحِ الَّذي سَيَأتي وَيَسْتَوْفي مَطاليبَ العَدالَةِ الإلهيَّةِ، وَهُوَ الذَّبيحُ الَّذي كانَتْ تِلْكَ الحَيَواناتُ تَرْمِزُ إليهِ.

لقد كانُوا يَعلمونَ أنَّهُ ليسَ هُناكَ غُفْرانٌ بسببِ الحَيَوانِ. وَقَدْ كانُوا يَعلمونَ أنَّ الحَيَوانَ لا يَسْتَوْفي مَطاليبَ اللهِ. وَكَيْفَ عَلِموا ذلكَ؟ لأنَّهُمْ بَعْدَ تَقْديمِ الذَّبيحَةِ الأولى، كانُوا يُسارِعونَ إلى تَقْديمِ ذَبيحَةٍ أُخرى. وَكانُوا يَفْعَلونَ ذَلِكَ في كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أيَّامِ السَّنَةِ. وكانُوا يُقَدِّمونَ الذَّبائِحَ في يومِ الكَفَّارَةِ، وَالمَزيدَ وَالمَزيدِ مِنَ الذَّبائِحِ في عِيْدِ الفِصْحِ. هَذا عَدا عَنِ الذَّبائِحِ الشَّخْصِيَّةِ. وقد كانُوا يَعلمونَ أنَّ تِلْكَ الذَّبائِحَ سَتَسْتَمِرُّ وَلَنْ تَكونَ لَها نِهايَة. لذلكَ فقد كانُوا يَعْلَمونَ أنَّ الذَّبيحَ الكَامِلَ لَمْ يَأتِ بَعْد. ولكنَّ اليهوديَّ الحَقيقيَّ، وَالإسرائيليَّ الحَقيقيَّ الَّذي كانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَيَعْبُد اللهَ عِبادَةً صَحيحَةً كانَ يُدْرِكُ أنَّهُ غَيْرُ بَارٍّ، وَأنَّهُ شَقِيٌّ، وَأنَّهُ خَاطِئٌ، وَأنَّهُ يَسْتَحِقُّ المَوْتَ. وقد كانَ يَأتي تَائِبًا وَمُطيعًا لِيَفْعَلَ مَا أَمَرَهُ اللهُ أنْ يَفْعَلَ – طَالِبًا مِنَ اللهِ الرَّحْمَةَ وَالنِّعْمَةَ، وَمُنْتَظِرًا مِنَ اللهِ أنْ يُدَبِّرَ الذَّبيحَة.

ولكنَّهُمْ لم يكونوا يتوقَّعونَ قَطّ أنْ تَكونَ الذَّبيحَةُ الأخيرَةُ المَقبولَةُ هِيَ المَسِيَّا الَّذي هُوَ، بالمُناسَبَة، مَذْكُورٌ بِوَصْفِهِ العَبْد في الأصْحاح 52 والعَدَد 13. وَهُوَ يَعْقِلُ، وَيَتَعَالَى، وَيَرْتَقِي، وَيَتَسَامَى جِدًّا. وَوَفْقًا لِما جَاءَ في العَدَد 15، فإنَّهُ سَيُدْهِشُ أُمَمًا فَيَسُدُّ مُلوكٌ أفْواهَهُمْ مِنْ أجْلِهِ. فَسَوْفَ يَكونُ هذا الشَّخْصُ مُذهلًا، ومُدهشًا، وقويًّا، ومؤثِّرًا، ورَفيعَ الشَّأنِ جِدًّا. ونَقْرَأُ في نِهايةِ الأصْحاح 53 أنَّهُ سَيَكونُ لَهُ نَصيبٌ بَيْنَ الأَعِزَّاءِ وَأنَّهُ مَعَ العُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً. فَقَدْ كانَتْ هَذِهِ هِيَ نَظْرَةُ اليَهودِ إلى المَسِيَّا – أيْ أنَّهُ سيكونُ حَاكِمًا وَمَلِكًا ذَا مَقامٍ سَامٍ، وَأنَّهُ المَلِكُ العَظيمُ، بَلْ مَلِكُ المُلوكِ جَميعًا.

ولكنَّهُمْ اكْتَشَفُوا أنَّهُ قَبْلَ حَتَّى أنْ يُتَوَّجَ مَلِكًا، فإنَّهُ سَيُذْبَح. المَسِيَّا يُذْبَح؟ كَما تُذْبَحَ الشَّاةُ! وَإنْ كانَتْ لَدَيْكَ خِبْرَةٌ في هَذا الأمْرِ فإنَّكَ تَعْلَمُ أنَّهُ عِنْدَ ذَبْحِ الشَّاةِ فإنَّها تَكونُ صَامِتَةً. وَمِنَ المُدهِشِ أنَّني اخْتَبَرْتُ ذلكَ في نيوزيلاندا وأستراليا. فهناكَ نَعْجَةٌ تُسَمَّى "نَعْجَة يَهوذا". فَهَذا هُوَ اسْمُ تِلْكَ النَّعْجَةِ الَّتي تَقودُ جَميعَ النِّعاجِ إلى الذَّبْحِ. فَهِيَ تَتْبَعُ نَعْجَةَ يَهوذا في مَمَرٍّ خَاصٍّ مُسَيَّجٍ بِسياجٍ خَشَبِيٍّ أوْ مَعْدِنِيٍّ لِتُذْبَح. وَهُوَ مَشْهَدٌ صَامِتٌ تَمامًا. فَهِيَ تَكونُ صَامِتَةً تَمامًا أثناءَ ذَهابِها إلى الذَّبْحِ الواحِدَةَ تِلْوَ الأُخرى. وَهِيَ تَكونُ صَامِتَةً أثناءَ ذَبْحِها كَما هِيَ الحَالُ عِنْدَ جَزِّ صُوفِها. وَقَدْ جَلَسْتُ بِضْعَ سَاعاتٍ أُراقِبُ عَمَلِيَّةِ جَزِّ الصُّوفِ المُدْهِشَةِ فيما كانَتْ تِلْكَ الأغْنامُ صَامِتَة.

الصُّورَةُ هُنا هِيَ عَنْ قَتْلِ المَسيحِ فيما هُوَ صَامِتٌ كَصَمْتِ النَّعْجَةِ عِنْدَ ذَبْحِها. هَذِهِ هِيَ الصُّورَة. وَالحَقيقَةُ هِيَ أنَّ المَسِيَّا سَيُساقُ إلى الذَّبْحِ. والتَّشبيهُ هُنا هُوَ أنَّهُ كَما أنَّ النَّعْجَةَ تَكونُ صَامِتَةً عِنْدَ ذَبْحِها، فإنَّهُ سَيَكونُ صَامِتًا عِنْدَ قَتْلِه. فَقَبْلَ مَوْتِ المَسِيَّا، لَمْ تَكُنْ هُناكَ ذَبيحَةٌ واحِدةٌ تَسْتَوْفي مَطاليبَ اللهِ. ولكِنْ حَالَ مَوْتِ يَسوعَ، انْشَقَّ حِجابُ الهَيْكَلِ مِنْ فَوْق إلى أسْفَل، وَصارَتْ جَميعُ الذَّبائِحِ بَعْدَ ذَلِكَ لا لُزومَ لَها. وَقَدْ سَمَحَ اللهُ بِتَدْميرِ الهَيْكَلِ على يَدِ الرُّومانِ بعدَ ذلكَ بِوقتٍ قَصير. وقدِ انْتَهى النِّظامُ كُلُّهُ لأنَّ الذَّبيحَةَ الَّتي اخْتارَها اللهُ قَدْ قُدِّمَتْ. لذلكَ فإنَّنا نَقْرَأُ هُنا (في العَدَدِ السَّابِعِ) أنَّهُ كانَ صَامِتًا وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. ويمكننا أنْ نُسَمِّي هَذِهِ الرِّسالَة: "العَبْدُ المَذْبوح" أو "العَبْدُ الصَّامِت" أو "العَبْدُ الصَّامِتُ المَذْبوح".

وَقد كانَ آخِرُ نَبِيٍّ مِنْ أنبياءِ العَهْدِ القَديمِ (أيْ: يُوحَنَّا المَعْمَدان)، وَهُوَ رَجُلٌ مُدْهِشٌ، كانَ نَبِيًّا مُنْفَرِدًا. فَلَمْ يَكُنْ هُناكَ أنبياءٌ آخَرونَ سِواه. وَقَدْ جَاءَ بَعْدَ نَحْوِ 400 سَنَةٍ مِنَ النَّبِيِّ الَّذي سَبَقَهُ. لذلكَ فقد جَاءَ في وَقْتٍ غَيْرِ مَألوف، وَكانَ مَجيئُهُ غَريبًا. فَهُوَ لَمْ يَكُنْ يَنْبَغي أنْ يَأتي إلى الحَياةِ لأنَّ أُمَّةُ وَأباهُ لَمْ يَكونا يُنْجِبان. وَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ هُنا عَنْ زَكَرِيَّا الكاهِنِ وَأليصَابات. فَقَدْ كانا مُتَقَدِّمَيْنِ في السِّنِّ، وَتَجاوَزا فَتْرَةَ الإنْجابِ. ولكنَّ اللهَ سَمَحَ بِحُدوثِ هَذِهِ المُعْجِزَةِ فَأنْجَبا هَذا الابْنَ وَأسْمَياهُ يُوحَنَّا الَّذي يُلَقَّبُ بالمَعْمَدان. وَرُبَّما كانَ مِنَ الأفْضَلِ أنْ يُلَقَّبَ بِيُوحَنَّا "المُعَمِّد" لأنَّهُ لُقِّبَ بِذَلِكَ لِهَذا السَّبَب. فَمُنْذُ أنْ كَانَ في رَحْمِ أُمِّهِ، كانَ مُمْتَلِئًا بالرُّوحِ القُدُسِ. وَكانَ لَدى اللهِ عَمَلٌ خَاصٌّ جدًّا. وَفي النِّهايَة، صَارَ يُوحَنَّا، كَما تَعْلَمونَ، مُمَهِّدَ الطَّريقِ أمامَ المَسِيَّا.

وَقد قالَ يسوعُ إنَّ يُوحَنَّا أعْظَمُ إنْسانٍ عَاشَ حَتَّى ذلكَ الوقت. وَهُوَ لم يَقُلْ ذلكَ عَنْهُ لأنَّهُ كانَ أذْكى مِنَ الآخرينَ، ولا لأنَّهُ كانَ أَنْبَلَ مِنَ الآخَرينَ، وَلا لأنَّهُ كانَ يَفوقُهُم أَخْلاقًا، ولا لأنَّهُ كانَ أَنْضَجَ مِنْهُمْ رُوْحِيًّا، وَلا لأنَّهُ كان أكْثَرَ مِنْهُمْ بِرًّا، بَلْ لأنَّهُ كانَ قَدْ جَاءَ للقيامِ بأعْظَمِ مُهِمَّةٍ جَاءَ بِها إنْسانٌ. فقد كانَتْ عَظَمَتُهُ مُرْتَبِطَة بِمُهِمَّتِهِ الَّتي أعْطاهُ اللهُ امْتيازَ القِيامِ بِها، وَهِيَ أنْ يُشيرَ إلى المَسِيَّا. فَهُوَ الَّذي كَتَبَ عَنْهُ إشِعْياءُ (في إشَعْياء 40 والأعْداد 3-5): "صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ". وَهُوَ الَّذي كَتَبَ عَنْهُ مَلاخي (في كُلٍّ مِنْ مَلاخي 3 و 4) إذْ يَقولُ مَلاخي إنَّهُ عِنْدَما يَأتي المَسِيَّا أخيرًا فإنَّهُ سيَأتي قَبْلَهُ شَخْصٌ يُعْلِنُ عَنْ مَجيئِهِ. فَهُوَ الشَّخصُ الَّذي وُعِدَ بأنَّهُ سَيَأتي للإعلانِ عَنْ مَجيءِ المَسِيَّا وَالتَّمهيدِ لِمَجيئِهِ. وَهُوَ النَّبِيُّ الَّذي سَيُشيرُ إلى المَسِيَّا.

وعندما حَانَتِ اللَّحْظَةُ الحاسِمَةُ، تَقابَلَ يُوحَنَّا المَعْمَدانُ وَيَسوعُ وَجْهًا لِوَجْهٍ، وَنَظَرَ كُلٌّ مِنْهُما في عَيْنَيِ الآخَرِ في مَكانٍ عَامٍّ. وَكانَ يَسوعُ مُزْمِعًا أنْ يَبْتَدِئَ خِدْمَتَهُ. وَعِنْدَ نَهْرِ الأُرْدُنِّ، كانَ كُلُّ مَنْ في أورُشَليمَ وَاليَهودِيَّةِ يَذْهَبونَ إلى هُناكَ لِكَيْ يَعْتَمِدُوا على يَدِ يُوحَنَّا لأنَّ يُوحَنَّا كانَ يَقولُ إنَّ المَسِيَّا قَدْ جَاءَ، وَإنَّ المَسِيَّا هُنا. لذلكَ هَيِّئُوا قُلوبَكُمْ ... هَيِّئُوا قُلوبَكُمْ. وَقَدْ كانَ يَكْرِزُ بالمَلَكوتِ وَالبِرِّ وَيَقولُ للنَّاسِ أنْ يَسْتَعِدُّوا. وَكانَ يُقَدِّمُ هَذِهِ المَعمودِيَّةَ الَّتي كانَتْ تَرْمِزُ إلى رَغْبَتِهِمْ للحصولِ على التَّطهيرِ. وكانَ النَّاسُ يَأتونَ إلى ذلكَ المَكانِ بأعْدادٍ كَبيرة. وَذاتَ يَوْمٍ، جَاءَ يَسوعُ. وَكَيْفَ عَرَّفَ يُوحَنَّا عَنْ يَسوع؟ إنَّهُ لَمْ يَقُلْ: "هُوَذا مَلِكُكُمْ"، بَلْ قَالَ: "هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ". وَهَذا يُطابِقُ تَمامًا مَا جَاءَ في إشَعْياء 53.

فَهَذا هُوَ مَا قالَهُ في المَرَّةِ الأولى الَّتي أَشارَ فيها إلى المَسيحِ في إنْجيل يُوحَنَّا 1: 29. وفي اليَوْمِ التَّالي، في الغَدِ، جَاءَ يَسوعُ مَرَّةً ثانِيَةً وَتَقابَلا وَجْهًا لِوَجْهٍ. وَقَدْ قالَ يُوحَنَّا ثانِيَةً: "هُوَذَا حَمَلُ اللهِ". ويوحنَّا لا يَشْرَحُ أيَّ شَيْءٍ. فَقَدْ كانَ مَا جَاءَ في إشَعْياء 53 يَكْفي لِفَهْمِ أنَّ المَسِيَّا سَيَأتي بِوَصْفِهِ حَمَلًا وَذَبيحَةً عَنِ الخَطِيَّة، وَأنَّهُ سَيُذْبَحُ وَيَكونُ صَامِتًا عِنْدَ ذَبْحِهِ. فَإسْرائيلُ سَتَحْصُلُ على مَلِكِها الحَيِّ المُتَسامي، ولكِنْ بَعْدَ أنْ يَصيرَ الحَمَلَ المَيِّتَ المَرْفوض. والصُّورَةُ هُنا قَاتِمَةٌ جِدًّا. فالعَدَدُ السَّادِسُ يَقول: "كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ". فَتِلْكَ هِيَ صُوْرَةُ البَشَرِيَّةِ الخاطِئَة. فَنَحْنُ جَميعُنا كَغَنَمٍ ضَلَلْنا. لذلكَ فإنَّ العَبْدَ يَصيرُ وَاحِدًا مِنَّا (أيْ: شَاةً) لِكَيْ يَصيرَ الحَمَلَ الكَفَّارِيَّ الَّذي يُخَلِّصُ الخِراف.

وَالآنْ، سَوْفَ نَتأمَّلُ في الأعْداد مِنْ 7 إلى 9 في هَذا الصَّباح – دُوْنَ أنْ نَتَمَكَّنَ مِنْ إنهاءِ المقطعِ كاملًا. ولكنَّ هَذا هُوَ المَقْطَعُ قَبْلَ الأخير. فَهَذِهِ هِيَ الفَقْرَةُ الرَّابِعَةُ مِنَ المَقاطِعِ الخَمْسَةِ الَّتي تُؤلِّفُ هَذا النَّصَّ المُدْهِش. والتَّركيزُ الرَّئيسيُّ في الأعْداد مِنْ 7 إلى 9 يَنْصَبُّ على الصَّمْت، أوْ إنْ شِئْتُمْ: على الخُضوعِ، وَالاسْتِعْدادِ، وَالطَّاعَةِ. فَهَا هُوَ عَبْدُ الرَّبِّ يَتَألَّمُ حَتَّى المَوْتِ طَوْعًا واخْتيارًا. وَهُوَ هُنا يُعيش مَا قالَهُ عَمَلِيًّا: "لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ" – كَما صَلَّى في البُسْتان.

وَيُمْكِنُ القَوْلُ إنَّ التَّركيزَ هُنا يَنْصَبُ على فَمِ المَسِيَّا. فَنحنُ نَقرأُ في العَدَدِ السَّابِعِ إنَّهُ لَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. وَقَدْ تَمَّ ذِكْرُ ذلكَ مَرَّتَيْن. وَنَقْرَأُ في العَدَدِ التَّاسِعِ إنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ. فَهُوَ صَامِتٌ أثناءَ مُحَاكَمَتِهِ (كَما جَاءَ في العَدَد 7). وَهُوَ صَامِتٌ في مَوْتِهِ (كَما جَاءَ في العَدَد 8). وَهُوَ صَامِتٌ في دَفْنِهِ (كَما جَاءَ في العَدَد 9). وَهُنا أيْضًا، في المُستقبَلِ، سَيَنْظُرُ بَنو إسرائيلَ إلى الوَراءِ وَيُدْرِكونَ أنَّ صَمْتَهُ كانَ دَلالَةً على اسْتِعْدادِهِ للمَوْتِ (كَما جَاءَ في العَدَد 8) "مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي" – شَعْبي الَّذي كَانَ يَسْتَحِقُّ المَوْتَ. وسَوْفَ تَخْتَلِفُ نَظْرَتُهُمْ تَمامًا إلى مُحاكَمَتِهِ، وَمَوْتِهِ، وَدَفْنِهِ.

وَالآنْ، أوَدُّ أنْ أقولَ شَيئًا هُنا بالمَعنى العَامّ. إنَّ هَذا الأصْحاحَ مُهِمٌّ جِدًّا لِكُلِّ شَخْصٍ يُريدُ أنْ يُقَدِّمَ الإنْجيلَ بأمانَةٍ لأنَّ اللُّغَةَ هُنا هِيَ لُغَةُ الإنْجيل. وَأوَدُّ أنْ أُبَيِّنَ لَكُمْ قَصْدي. فَهُناكَ أُناسٌ كَثيرونَ يَرْغَبونَ في التَّحَدُّثِ عَنِ المَسيحِ، وَفي التَّحَدُّثِ عَنِ الإيمانِ بيسوعَ، وَفي التَّحَدُّثِ عَنْ قَبولِ يَسوعَ مُخَلِّصًا، وَفي التَّحَدُّثِ عَنِ السَّماحِ ليسوعَ بأنْ يَكونَ رَبًّا عَلى حَياتِكَ. وَهَذا كُلُّهُ مَطْلوبٌ وَصَحيح. ولكِنَّ لُغَةَ الخَلاصِ الحَقيقيِّ هِيَ لُغَةُ إشَعْياء 53 - عِنْدَما يَنْظُرُ الجِيْلُ المُستقبليُّ مِنَ اليَهودِ، أوْ عِنْدَما نَنْظُرُ أنا وَأنْتَ في هَذا الجِيْلِ إلى يَسوعَ المَسيحِ. فَيَنْبَغي لَنا أنْ نَراهُ هَكَذا: لا بِوَصْفِهِ مُعَلِّمًا، وَلا بِوَصْفِهِ شَخْصًا بارًّا، وَلا بِوَصْفِهِ مُخَلِّصًا (بالرَّغْمِ مِنْ أنَّهُ مُعَلِّمٌ وَمُخَلِّصٌ بِكُلِّ تَأكيد). ولكِنْ يَجِبُ علينا أنْ نَرى المَسيحَ مِنْ خِلالِ اللُّغَةِ الدَّالَّةِ على التَّضْحِيَةِ. حَسَنًا؟ فَهَذِهِ هِيَ العِبارَةُ الفاعِلَةُ. يَجِبُ علينا أنْ نَراهُ بِلُغَةِ الذَّبيحَة.

وعندما تَنْظُرونَ هُنا فإنَّكُمْ تَسْمَعونَ اعْتِرافَ اليهودِ في المَستقبلِ، واعْتِرافَ كُلِّ شخصٍ يؤمِنُ حَقًّا في الزَّمانِ الحاضِر. وما هِيَ اللُّغَةُ المُستخَدَمةُ هُنا؟ ارْجُعوا إلى العَدَدِ الثَّالِثِ: "مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحَزَن". العَدَد 4: حَزينٌ، وَمَكْروبٌ، ومَوْجوعٌ، ومَضروبٌ، ومَجروحٌ، ومَطْعونٌ، ومَسْحوقٌ، وَمُعاقَبٌ، وَمَجْلودٌ. العَدَد 7: مَظْلومٌ، وَمَذْلولٌ، وَمَذْبوحٌ. وَفي العَدَدِ الثَّامِنِ نَراهُ: يُضْطَهَدُ، وَيَحْتَمِلُ الدَّينونَةَ، وَيُقْطَعُ (أيْ: يُقْتَلُ)، وَيُضْرَبُ ... في نِهايَةِ العَدَد 8. وفي العَدَد 10: "أَمَّا الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحَزَنِ". فَهُوَ ذَبِيحَةُ إِثْمٍ. وَفي العَدَدَيْن 11 و 12 نَقْرَأُ أنَّهُ يَحْمِلُ الآثامَ وَيَحْمِلُ الخَطِيَّةَ.

وَلَكِنْ ما الَّذي أَعْنيهِ هُنا؟ إنَّ الإنْجيلَ يَتَحَدَّثُ عَنِ الخَطِيَّةِ، وَعَنِ الدَّيْنونَةِ، وَعَنِ الكَفَّارَةِ، وَعَنِ المَوْتِ، وَعَنِ الذَّبيحَةِ، وَعَنِ الدَّمِ. والإنْجيلُ يَتَحَدَّثُ عَنِ الاضْطِهادِ، وَالألَمِ، وَالدَّيْنونَةِ، وَالإعْدامِ، وَالضَّرْبِ. وَهُوَ يَتَحَدَّثُ عَنِ المَعاصِي، وَالآثامِ، وَالخَطايا. هَذا هُوَ الإنْجيل. وَهَذِهِ هِيَ الطَّريقَةُ الَّتي يَنْبَغي أنْ يُفْهَمَ بِها وَأنْ يُفَسَّرَ بِها. وَلا شَكَّ أنَّ التَّوَجُّهَ الحَالِيَّ يُرَكِّزُ عَلى تَقْديمِ رِسالَةٍ لا تُؤذي مَشاعِرَ الآخَرينَ، وَرِسالَةٍ مُخْتَصَرَةٍ دُوْنَ الحَديثِ كَثيرًا عَنِ المَسيح. وَقَدْ قالَ "لويس جونسون" (S. Lewis Johnson): "المَسيحيُّونَ يُعَدِّلونَ لاهُوتَهُمْ كُلَّما ظَهَرَتْ فِكْرَةٌ جَديدَةٌ. وَهَذا يُشْبِهُ تَعْديلَ سَاعَتِكَ كُلَّما وَجَدْتَ سَاعَةً تَخْتَلِفُ عَنْها". ولكِنَّ كلماتِ الخلاصِ هِيَ الكلماتُ الَّتي نَجِدُها في إشَعْياء 53. فَهَذِهِ هِيَ الطَّريقَةُ الَّتي يَنْبَغي أنْ تَفْهَمُوا فيها مَوْتَ المَسيح. وَهَذِهِ هِيَ الطَّريقَةُ الَّتي يَنْبَغي للآخَرينَ أنْ يَفْهَموهُ فيها أيضًا.

وَمَنِ المُشارُ إليهِ هُنا؟ مَنِ الَّذي يُحاكَمُ بالطَّريقَةِ المُشارِ إليها في العَدَدِ السَّابِعِ؟ وَمَنِ الَّذي يَموتُ بالطَّريقَةِ المُشارِ إليها في العَدَدِ الثَّامِنِ؟ وَمَنِ الَّذي يُدْفَنُ بالطَّريقَةِ المُشارِ إليها في العَدَدِ التَّاسِعِ؟ مَنْ يَكونُ هَذا؟ مَنْ يَكونُ عَبْدُ الرَّبِّ المُتألِّمِ وَالخَاضِعِ هَذا؟ وَمَنْ يَكونُ هَذا الرَّجُلُ البَريءُ الَّذي لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً وَلَكِنَّهُ احْتَمَلَ هَذا المَوْتَ الوَحْشِيَّ بِصَبْرٍ وَطَوْعًا؟ مَنْ يَكونُ هَذا؟ هُناكَ إجابَةٌ واحِدَةٌ مُحْتَمَلَةٌ وَهِيَ أنَّهُ عَبْدُ الرَّبِّ - الَّذي هُوَ المَسِيَّا، وَالَّذي هُوَ يَسوع! وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ ضَحِيَّةَ ظُروفٍ خَارِجَةٍ عَنِ السَّيْطَرَةِ، بَلْ إنَّهُ اسْتَسْلَمَ لِكُلِّ مَا يَجْري.

وَالآنْ، المَسِيَّا يَتَحَدَّثُ في نَشيدِ العَبْدِ في الأصْحاحِ الثَّاني وَالأرْبَعين. وَالمَسِيَّا يَتَحَدَّثُ في نَشيدِ العَبْدِ في الأصْحاحِ التَّاسِعِ وَالأرْبَعين. وَالمَسِيَّا يَتَحَدَّثُ في نَشيدِ العَبْدِ في الأصْحاحِ الخَمْسين. وَلَكِنَّ المَسِيَّا لا يَقولُ أيَّ شَيءٍ في إشَعْياء 53. إنَّهُ لا يَتَحَدَّثُ البَتَّة. فَهُوَ العَبْدُ الصَّامِتُ المُتَألِّم. فَهُوَ لا يَقولُ شَيئًا، ولا يَفْعَلُ شَيئًا، بَلْ يَسْمَحُ بِحُدوثِ كُلِّ شَيءٍ لَهُ. وَهَذا هُوَ مَوْتُ العَبْدِ الطَّوْعِيِّ، والاخْتِيارِيِّ، وَالكَفَّارِيِّ، وَالبَدَلِيِّ.

وَالآنْ، في هَذا الصَّباح، لِنَنْظُر لِبِضْعِ دَقائِقَ فَقَط إلى العَدَدِ السَّابِعِ (أيْ إلى العَدَدِ الأوَّلِ في هَذِهِ الأعْدادِ الثَّلاثَةِ)، وَهُوَ عَدَدٌ يَتَحَدَّثُ عَنْ مُحاكَمَةِ يَسوع. وَكَيْفَ نَعْرِفُ ذلك؟ العَدَد 7: "ظُلِمَ". وَالنَّصُّ العِبْرِيُّ يَقولُ حَرْفِيًّا: "هُوَ نَفْسُهُ" لِلتَّأكيدِ عَلى حَقيقَةِ أنَّهُ "ظُلِمَ هُوَ شَخْصِيًّا". وَهَذِهِ الكَلِمَةُ تُذَكِّرُنا بالوَحْشِيَّةِ. وَهِيَ تُذَكِّرُنا بالاسْتِعْبادِ. فَهِيَ كَلِمَةٌ تُشيرُ إلى اعْتِقالِهِ وَإساءَةِ مُعامَلَتِهِ. بَلْ إنَّهُ تَمَّتْ إساءَةُ مُعامَلَتِهِ بِشِدَّة. فَقَدْ عَامَلوهُ بِطَريقَةٍ سَيِّئَةٍ جِدًّا عِنْدَما اعْتَقَلوهُ حَتَّى إنَّ العَدَدَ الرَّابِعَ عَشَر مِنَ الأصْحاحِ الثَّاني وَالخَمْسينَ يَقول إنَّ مَنْظَرهُ ... إنَّ مَنْظَرَهُ كانَ "مُفْسَدًا أَكْثَرَ مِنَ الرَّجُلِ، وَصُورَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ بَنِي آدَمَ". فَهُوَ لَمْ يَبْدُ حَتَّى كإنْسان!

وَفي الوقتِ الَّذي انْتَهُوا فيهِ مِنْهُ، مِنْ جِهَةِ الضَّرْبِ البَدَنِيِّ الَّذي تَعَرَّضَ لَهُ في جِسْمِهِ، وَمِنْ جِهَةِ الضَّرْبِ الَّذي تَعَرَّضَ لَهُ عَلى رَأسِهِ وَوَجْهِهِ بسَبَبِ إكْليلِ الشَّوْكِ وَالعِصِيِّ الَّتي ضَرَبوهُ بِها على وَجْهِهِ، وَالبَصْقِ وَالعَرَقِ وَالدَّمِ النَّازِفِ على وَجْهِهِ، فإنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ كَإنْسانٍ. وَبَعْدَ أنْ جَلَدوهُ وَغَطَّى الدَّمُ كُلَّ جَسَدِهِ، كَانَ مُنْحَنِيًا مِنْ شِدَّةِ الألَمِ، وَكانَتْ قَسَماتُ وَجْهِهِ تُعَبِّرُ عَنْ مَشاعِرِهِ وَآلامِهِ في تِلْكَ اللَّحْظَةِ. فَقَدْ تَمَّتْ مُعامَلَتُهُ بِهَذِهِ القَسْوَةِ. وَقَدِ ابْتَدَأَ الأمْرُ باعْتِقالِهِ في مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ في البُسْتانِ. ثُمَّ اسْتَمَرَّ الأمْرُ مِنْ خِلالِ المُحاكَماتِ الهَزَلِيَّةِ، وَشُهودِ الزُّورِ، وَالإساءَةِ الَّتي تَعَرَّضَ إليها هُناكَ، وَمِنْ خِلالِ التَّعذيبِ النَّفْسِيِّ الَّذي لاقَاهُ هُناكَ، وَمِنْ خِلالِ الظُّلْمِ الشَّديدِ النَّاجِمِ عَنْ تَسْليمِهِ إلى الرُّومانِ، وَعَنِ الطَّريقَةِ الَّتي عَامَلوهُ بِها وَعَذَّبوهُ بِها جَسَدِيًّا.

وَمُنْذُ لَحْظَةِ اعْتِقالِهِ في البُسْتانِ إلى لَحْظَةِ مُحاكَمَتِهِ في مَنْزِلِ رَئيسِ الكَهَنَةِ، كانُوا يُحاوِلونَ أن يَدينُوه مِنْ خِلالِ شُهودِ الزُّورِ. وَطَوالَ فَتْرَةِ وُقوفِهِ أمامَ هيرودُس وَأمامَ بيلاطُس، كَانَ يَتَعَرَّضُ لِسُوْءِ المُعامَلَةِ مِنَ اليَهودِ وَالرُّومان. ولكنَّهُمْ لَمْ يُثْبِتُوا عَلَيْهِ أيَّة جَريمَة، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ أَحَدٌ مِنْ تَقْديمِ دَليلٍ وَاحِدٍ ضِدَّهُ، وَلَمْ يَجِدُوهُ مُذْنِبًا في شَيءٍ. وَوَفْقًا لِما جَاءَ في إنْجيل لُوقا 23: 15 فإنَّ هيرودُسَ أعْلَنَ بَراءَتَهُ. وَنَقْرَأُ في إنْجيل لُوقا 23 أنَّ بيلاطُسَ قالَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ إنَّهُ بَريءٌ ... ثَلاثَ مَرَّاتٍ. وَقَدْ كانَ بيلاطُسُ هُوَ الوَالي. لِذلكَ، كَانَ ذَلِكَ الحُكْمُ رَسْمِيًّا إذْ إنَّ بَراءَتَهُ أُعْلِنَتْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ. وعلى الرَّغْمِ مِنْ ذلكَ، فَقَدْ قامَ رُؤساءُ إسرائيلَ وَقادَةُ إسرائيلَ، بِموافَقَةٍ مِنَ الشَّعْبِ، قَامُوا بِالضَّغْطِ على بيلاطُسَ وَأرْغَموهُ على نَقْضِ حُكْمِهِ المُثَلَّثِ بِبِراءَةِ يَسوعَ مِنْ خِلالِ الحُكْمِ عَلَيْهِ بالصَّلْب. وَهَذا هُوَ مَا فَعَلَهُ في إنْجيل لُوقا 23: 25. حَسَنًا، هَذا هُوَ مَا نَراهُ هُنا في العَدَدِ السَّابِعِ. فَقَدْ ظُلِمَ.

ثُمَّ نَقْرَأُ أنَّهُ "تَذَلَّلَ". وَهُوَ فِعْلٌ يَرِدُ في الأصْلِ بِصِيْغَةِ المَبْني للمَجْهول (أيْ: "أُذِلَّ). لذلكَ يَنْبَغي أنْ نَنْظُرَ إليهِ نَظْرَةً مُخْتَلِفَةً قَليلًا وَنَظْرَةً فَاحِصَةً أكْثَر. فَقَدْ سَمَحَ بأنْ يُذَلَّ. وَهَكَذا يَنْبَغي أنْ يُتَرْجَمَ الفِعْلُ المَبْني للمَجْهول. والفِعْلُ المَبْني للمَجْهول يَعْني أنَّهُ حَدَثَ وَحَسْب. ... فَالأمْرُ حَدَثَ لَكَ وَلَمْ يَصْدُرْ عَنْكَ. وَهُوَ يَعْني أيْضًا ... أوْ يُمْكِنُ أنْ يُتَرْجَمَ بهذهِ الطَّريقَةِ كَما جَاءَ في سِفْرِ الخُروج 10: 3. ... فَهُوَ قَدْ أخْلى نَفْسَهُ – وَهِيَ طَريقَةٌ أُخرى للقَوْلِ بأنَّهُ سَمَحَ لِنَفْسِهِ أنْ يُذَلَّ. وَرُبَّما كانَ بُولُسُ يُفَكِّرُ في هَذِهِ العِبارَةِ تَحْديدًا عِنْدَما كَتَبَ في فيلبِّي 2 أنَّهُ: "وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ". فَهَذا قَدْ يَكونُ تَعْبيرًا مُباشِرًا عَمَّا جَاءَ في إشَعْياء 53: 7.

وَلَكِنَّ هَذا لا يَحْدُثُ عَادَةً لِمَنْ يُعَذَّبون. إنَّهُ لا يَحْدُثُ عَادَةً للأبرياءِ الذينَ يُعَذَّبون. فَنَحْنُ نَرَى عادَةً أنَّ الشَّخْصَ المُضْطَهَدَ وَالمُعَذَّبَ بالرَّغْمِ مِنْ بَراءَتِه وَعِلْمِهِ بأنَّ ذَلِكَ إجْحافٌ وَظُلْمٌ، يَصْرُخُ قائِلًا إنَّ مَا يَحْدُثُ لَهُ ظُلْمٌ، وَيَصْرُخُ بأنَّهُ بَريءٌ. ولكنَّ الحَالَ ليسَتْ كذلكَ بالنِّسْبَةِ إلى عَبْدِ الرَّبِّ. فَهُوَ لا يَنْطِقُ بِكَلِمَة: "فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ". وعلى الرُّغْمِ مِنْ أنَّ كُلَّ مَا حَدَثَ كَانَ شَرًّا وَإثْمًا وَظُلْمًا مُجْحِفًا - ليسَ فَقَطْ بِحَقِّ رَجُلٍ بَريءٍ، بَلْ أيضًا بِحَقِّ رَجُلٍ قُدُّوسٍ وَبارٍّ تَمامًا، فإنَّهُ لَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. إنَّ الخُطاةَ لا يَتَألَّمونَ بِصَمْتٍ. فَنَحْنُ لا نَفْعَلُ ذلك. فَهُناكَ صَوْتُ الشُّعورِ بالذَّنْبِ. لذلكَ عِنْدَما نَتَألَّمُ بسببِ خَطايانا فإنَّنا نَصْرُخُ – تَمامًا كَمَا فَعَلَ دَاوُدُ في المَزْمور 32 وَالمَزْمور 51. أليسَ كَذلك؟ "إِلَيْكَ وَحْدَكَ أَخْطَأْتُ. ... اغْسِلْني. ... طَهِّرْني. ... وَامْحُ كُلَّ آثامِي". فَهَذِهِ هِيَ صَرْخَةُ الخَاطِئِ المُذْنِب.

أمَّا صَرْخَةُ الخَاطِئِ البَريءِ فَهِيَ صَرْخَةُ أيُّوبَ الَّذي صَرَخَ مِرارًا إلى اللهِ قائِلًا إنَّهُ بَريء. أيُّوب 7: 1-13. فَهُوَ يَقولُ في هَذا المَقْطَعِ: "يا رَبُّ، لِماذا يَحْدُثُ كُلّ هَذا لي؟ فَأنا رَجُلٌ بَريءٌ! وَأنا لَسْتُ مُذْنِبًا بِما يَتَّهِمُني بِهِ أصْدقائي!" إنَّ الخُطاةَ لا يَتَألَّمونَ بِصَمْتٍ. فعندما نَتألَّمُ بسببِ ذَنْبٍ، فإنَّنا نَصْرُخُ إلى اللهِ طَلَبًا للغُفْرانِ. وَعِنْدَما نَتَألَّمُ وَنَحْنُ أبرياء، فإنَّنا نَصْرُخُ إلى اللهِ لِنَسْألَهُ: "لِماذا؟"

ولكنَّنا هُنا أمامَ شَخْصٍ يَتَألَّمُ بِصَمْتٍ. فَقَدْ تَمَّ إلقاءُ القَبْضِ عليهِ في وَقْتٍ مُتَأخِّرٍ مِنَ اللَّيْلِ بَعْدَ أنْ عَثَرُوا عَلَيْهِ في بُسْتانِ جَثْسَيْماني بَعْدَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ. وَقَدْ جَاءُوا إليهِ، كَما يَقولُ كُتَّابُ العَهْدِ الجَديدِ، بأعْدادٍ غَفيرَةٍ إذْ كانَ هُناكَ حَرَسُ الهَيْكَلِ، وَالقادَةُ الدِّينيُّونَ، وَالجُنودُ الرُّومانُ. وَقَدْ جَاءُوا لاعْتِقالِهِ وَانْقَضُّوا عَلَيْهِ كَما يَنْقَضُّ حَيَوانٌ لَيْلِيٌّ على فَريسَتِهِ. وَقَدْ تَمَّ اعْتِقالُهُ بَعْدَ أنْ خَانَهُ يَهوذا. وَقَدْ أُخِذَ سَجينًا، وَعُوْمِلَ بِقَسْوَةٍ، وَتَعَرَّضَ للعَذابِ، وَالألَمِ، وَالضِّيْقِ، وَالإساءَةِ بِجَميعِ أشْكالِها الَّتي يَتَخَيَّلُها العَقْلُ وَالتي لا يَتَخَيَّلُها العَقْلُ قَبْلَ أنْ يُساقَ إلى الإعْدامِ - دُوْنَ أيِّ مُقاوَمَةٍ، وَدُوْنَ أيِّ شَكْوى.

وَعِنْدَما وَقَفَ أمامَ رَئيسِ الكَهَنَةِ، نَقْرَأُ في إنْجيلِ مَتَّى 26 أنَّهُ كانَ صَامِتًا. وَفي الأصْحاحِ الَّذي يَليه (أيْ في إنْجيل مَتَّى 27)، تَمَّ اقْتِيادُهُ للمُثولِ أمامَ رُؤساءِ الكَهَنَةِ، وَالكَتَبَةِ، وَالشُّيوخِ. وَقَدْ كانَ صَامِتًا. وَفي إنْجيل مَرْقُس 15، نَقْرَأُ أنَّهُ وَقَفَ أمامَ بيلاطُسْ وَكانَ صَامِتًا. وَنَقْرَأُ في إنْجيل يُوحَنَّا 19 الشَّيءَ نَفْسَهُ إذْ كانَ صَامِتًا أمامَ بيلاطُس. وَنَقْرَأُ في إنْجيل لوقا 23 أنَّهُ وَقَفَ أمامَ المَلِكِ الأدومِيِّ التَّابِعِ لِرُوما (والذي يُدْعى هيرودُس) وَكانَ صَامِتًا أيضًا. لذلكَ كانَ صَامِتًا أمامَ رَئيسِ الكَهَنَةِ وَأمامَ مَجْمَعِ اليَهود. وَكانَ صَامِتًا أمامَ بيلاطُس. وَكانَ صَامِتًا أمامَ هيرودُس. وَهُوَ لَمْ يَقُلْ كَلِمَةً واحِدَةً للدِّفاعِ عِنْ نَفْسِهِ أوْ بَراءَتِهِ.

وَيَقولُ إشَعْياءُ إنَّهُ كانَ "كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ". والنُّقْطَةُ المُهِمَّةُ هُنا هِيَ اسْتِعْدادُ المَسِيَّا للموت. فَهَذِهِ لَيْسَتْ خُطَّةً جَيِّدَةً وَلَكِنَّها فَشِلَتْ. فَقَبْلَ سَبْعِمِئَةِ سَنَةٍ مِنْ مَجيءِ يَسوعَ، جَاءَتْ هَذِهِ النُّبوءَةُ لِتَقولَ بِوضوحٍ تَامٍّ أنَّهُ عِنْدَما يَأتي، فإنَّهُ سَيَأتي كَشَاةٍ تُساقُ إلى الذَّبْحِ. وَعِنْدَما جَاءَ، وَقَبْلَ أنْ يَبْتَدِئَ خِدْمَتَهُ، قَالَ يُوحَنَّا: "هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ". وَهَذا يَعْني أنَّهُ لا بُدَّ أنْ يَكونَ الحَمَلَ الكَفَّارِيَّ لأنَّهُ مِنْ خِلالِ مَوْتِ الذَّبيحَةِ فَقَطْ فإنَّ الخَطِيَّةَ سَتُرْفَعُ.

وعندما مَاتَ يَسوعُ في نِهايَةِ سَنواتِ خِدْمَتِهِ الثَلاثِ، لَمْ يَحْدُثْ مَا حَدَثَ لأنَّ شَخصًا خَانَهُ أوْ لأنَّ شَيئًا جَيِّدًا لَمْ يَسِرْ على مَا يُرام. بَلْ إنَّهُ جَاءَ لأجْلِ تِلْكَ الغَايَةِ في المَقامِ الأوَّل. وَقَدْ كانَ قادِرًا على قَوْلِ الكَثيرِ أمامَ مَنِ اتَّهَموه. أجَلْ، لَقَدْ كانَ هُناكَ الكَثيرُ مِنَ الأشياءِ الَّتي كَانَ بِمَقْدورِهِ أنْ يَقولَها لِرَئيسِ الكَهَنَةِ، وَلرؤساءِ الكَهَنَةِ الذينَ يُؤلِّفونَ مَجْمَعَ اليَهودِ الأعلى. وَكانَ بِمَقْدورِهِ أنْ يَقولَ الكَثيرَ لبيلاطُس وهيرودُس. ولكنَّهُ لَمْ يَفْعَل. فقَدْ كانَ صَمْتُهُ هُوَ صَمْتُ الخُضوعِ لِمَشيئَةِ أبيهِ. وَلَكِنَّهُ كانَ أيْضًا صَمْتَ الدَّينونَة. فَأنْتُمْ لَم تُريدُوا أنْ تُصْغُوا. وَالآنْ، لَمْ يَعُدْ لَدَيَّ مَا أقولُهُ لَكُمْ. فَعِنْدَما تَكَلَّمْتُ عَنِ الحَياةِ وَالخَلاصِ، وَعِنْدَما تَحَدَّثتُ عَنِ الغُفْرانِ وَمَلَكوتِ اللهِ، لَمْ تُريُدوا أنْ تُصْغُوا. وَالآنْ، لَمْ يَعُدْ لَدَيَّ ما أقولُهُ لَكُمْ.

إنَّهُ صَامِتُ صَمْتًا مُطْبِقًا يُشيرُ إلى الدَّينونَة. وَيَنْتَهي العَدَدُ السَّابِعُ بالقَوْلِ مَرَّةً أُخرى إنَّهُ: "لَمْ يَفْتَحْ فَاهُ". فَقَدْ قَبِلَ لا فَقَطْ دَيْنونَةَ البَشَرِ الظَّالِمَةِ، بَلْ قَبِلَ أيْضًا دَيْنونَةَ اللهِ العَادِلَةِ نِيابَةً عَنِ الخُطاةِ غَيْرِ الأبْرارِ لِكَيْ يُبَرِّرَهُمْ. فَلَمْ تَكُنْ هُناكَ ذَبيحَةٌ كَامِلَةٌ قَطّ. وَلَمْ تَكُنْ هُناكَ ذَبيحَةٌ طَاهِرَةٌ تَمامًا قَطّ. وَلَكِنَّنا هُنا أمامَ حَمَلِ اللهِ الَّذي بِلا خَطِيَّةٍ وَبِلا عَيْبٍ. وَهِيَ ذَبيحَةٌ مَقْبولَةٌ مِنَ اللهِ، وَمُخْتارَةٌ مِنَ اللهِ وَمُصْطَفاةٌ لِتَموتَ عَنِ الخُطاة. وَهُنا، يا أصْدقائي، يَصِلُ الحَديثُ عَنِ الخَلاصِ في العَهْدِ القَديمِ إلى ذُرْوَتِهِ. فَهَذِه هِيَ أعْلى نُقْطَةِ في العَهْدِ القَديم. فالمَسِيَّا هُوَ الذَّبيحُ الَّذي قَدَّمَهُ اللهُ لأجْلِنا.

إنَّهُ عَبْدُ الرَّبِّ. وَهُوَ خَادِمُ الرَّبِّ. وَقَدْ كانَتْ خِدْمَتُهُ تَقْتَضي أنْ يَموتَ، وَأنْ يُعاقَبَ لأجْلِ سَلامِنا، وَأنْ يُجْلَدَ لأجْلِ شِفائِنا، وَأنْ يُسْحَقَ لأجْلِ آثامِنا، وَيُجْرَحَ لأجْلِ مَعاصينا. وَكَما جَاءَ في العَدَدِ الثَّامِنَ، فإنَّهُ قُطِعَ مِنْ أرْضِ الأحْياءِ مِنْ أجْلِ ذُنوبِنا الَّتي نَسْتَحِقُّ نَحْنُ العِقابَ عَلَيْها. هَذِهِ هِيَ رِسالَةُ الإنْجيلِ. وَهِيَ رِسالَةُ خَطِيَّةٍ وَدَيْنونَةٍ، وَمَوْتٍ وَذَبيحَةٍ.

وَقَدْ حَمَلَ عَبْدُ الرَّبِّ المُتَألِّمِ، وَالصَّامِتِ، وَالخَاضِعِ، وَالمَذْبوحِ، وَالمَجْلودِ، حَمَلَ عِقابَ اللهِ عَنِ الدَّيْنِ الأَدَبِيِّ الهَائِلِ المُتَراكِمِ طَوالَ تَاريخِ الجِنْسِ البَشَرِيِّ، وَدَفَعَ الفِدْيَةَ بِأنْ بَذَلَ حَياتَهُ. وَهَذا هُوَ ما جَاءَ في العَدَدِ السَّابِع. وَهُوَ يُشيرُ إلى المُحاكَمَةِ الَّتي تُفْضي إلى مَوْتِهِ في العَدَدِ الثَّامِنِ. وَسَنَتَحَدَّثُ عَنْ ذَلِكَ في المَرَّةِ القادِمَة. وَنَحْنُ نَراهُ صَامِتًا في مَوْتِهِ، وَصَامِتًا حَتَّى في دَفْنِهِ (في العَدَدِ التَّاسِع). لِنَحْنِ رُؤوسَنا بالصَّلاة.

لا يَسَعُنا، يا أبانا، إلَّا أنْ نَسْمَعَ كَلِماتِ بُطْرُسَ المُدْهِشَة عَنِ المَسيح: "الَّذِي لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً، وَلاَ وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ ..." [وَهِيَ كَلِماتٌ مُقْتَبَسَةٌ مِنَ العَدَدِ التَّاسِعِ] "... الَّذِي إِذْ شُتِمَ لَمْ يَكُنْ يَشْتِمُ عِوَضًا، وَإِذْ تَأَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُهَدِّدُ بَلْ كَانَ يُسَلِّمُ لِمَنْ يَقْضِي بِعَدْل. الَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ، لِكَيْ نَمُوتَ عَنِ الْخَطَايَا فَنَحْيَا لِلْبِرِّ. الَّذِي بِجَلْدَتِهِ شُفِيتُمْ".

وَكَمْ نَتَعَجَّبُ لِذَبيحَةِ المَسيحِ هَذِهِ! وَكَمْ نُدْهَشُ حِيْنَ نُدْرِكُ أنَّكَ جَعَلْتَ تِلْكَ الذَّبيحَةَ فَاعِلَةً في حَياتِنا نَحْنُ الَّذين لا نَسْتَحِقُّ ذَلِكَ البَتَّة. فَالسَّبَبُ الَّذي جَعَلَكَ تَخْتارنا مِنْ بَيْنِ كُلِّ النَّاسِ للتَّمَتُّعِ بِهَذا العَمَلِ العَظيمِ هُوَ سَبَبٌ يَفوقُ اسْتيعابَنا، وَيَفوقُ قُدْرَتَنا على الشُّكْر. لذلكَ فإنَّنا نُحِبُّكَ، وَنُسَبِّحُكَ، وَنَعْبُدُكَ، وَنَسْجُدُ لَكَ.

وَيا لَهُ مِنْ حَقٍّ عَظيمٍ أيْضًا أنْ نُدْرِكَ أنَّكَ دَعَوْتَنا للإعْلانِ إلى أَقَاصِي الأرْضِ بأنَّ كُلَّ مَنْ يَدْعُو باسْمِ الرَّبِّ يَخْلُصُ، يَهودِيًّا كَانَ أَمْ أُمَمِيًّا. هُوَذا الآنَ يَوْمُ خَلاصٍ. هُوَذا الآنَ وَقْتٌ مَقْبولٌ.

أجَلْ. سَوْفَ يَأتي يَوْمٌ في نِهايَةِ التَّاريخِ البَشَرِيِّ تَخْلُصُ فيهِ أُمَّةُ إسرائيل. ولكنْ في تِلْكَ الأثْناءِ، وَإلى أنْ يَحْدُثَ ذَلِك، فإنَّ كُلَّ مَنْ يَدْعُو باسْمِ الرَّبِّ يَخْلُص. وَالإنْجيلُ هُوَ قُوَّةُ اللهِ للخَلاصِ لِلَّذينَ يُؤْمِنونَ - يَهودًا كَانُوا أَم أُمَمًا.

وَحَتَّى في هَذِهِ السَّاعَةِ، فَإنَّنا نَنْتَظِرُ، يا رَبُّ، ذَلِكَ اليَوْمَ الَّذي سَتَجْذِبُ فيهِ أُناسًا إليكَ، يَهودًا كَانُوا أَمْ أُمَمًا، مِمَّنْ يَجْلِسونَ وَيَسْمَعونَ هَذِهِ العِظَة. ولَيْتَ هَذِهِ اللَّحْظَةَ تَكونُ لَحْظَةً يَخْرُجونَ فيها مِنَ الظُّلْمَةِ إلى النُّورِ، وَمِنَ المَوْتِ إلى الحَياةِ، وَمِنَ التَّشويشِ إلى الوُضوحِ، وَمِنَ الجَهْلِ إلى المَعْرِفَةِ، وَمِنَ المَوْتِ إلى الحَياةِ. وَلَيْتَهُمْ يَنْجَذِبونَ إلى المَسيحِ مُنْقادينَ دُوْنَ مُقاوَمَةٍ بِقُوَّةِ رُوْحِكَ القُدُّوسِ المًبارَكِ. وَلَيْتَ هَذا اليَوْمَ يَكونُ يَوْمَ خَلاصٍ. اعْمَلْ، يا أبانا، في قُلوبِنا، وَتَمِّمْ ذَلِكَ لِمَجْدِكَ ومِنْ أجْلِ اسْمِكَ لأنَّ السَّماءَ تَفْرَحُ بِخاطِئٍ وَاحِدٍ يَتوب. ونحْنُ نُصَلِّي أنْ يَؤولَ كُلُّ الإكْرامِ إليكَ بِتِلْكَ الطَّريقَةِ لِكَيْ تَرْتَفِعَ أنْتَ. باسْمِ المَسيح. آمين.

This sermon series includes the following messages:

Please contact the publisher to obtain copies of this resource.

Publisher Information
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969

Welcome!

Enter your email address and we will send you instructions on how to reset your password.

Back to Log In

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize
View Wishlist

Cart

Cart is empty.

Subject to Import Tax

Please be aware that these items are sent out from our office in the UK. Since the UK is now no longer a member of the EU, you may be charged an import tax on this item by the customs authorities in your country of residence, which is beyond our control.

Because we don’t want you to incur expenditure for which you are not prepared, could you please confirm whether you are willing to pay this charge, if necessary?

ECFA Accredited
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Back to Cart

Checkout as:

Not ? Log out

Log in to speed up the checkout process.

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize