Grace to You Resources
Grace to You - Resource

أودُّ أن نُصلِّي قبل أن نَبدأ درسنا لهذا المساء: يا أبانا، آتي بقلبٍ مُمتلئ حقًّا بالتَّرقُّب وأتأهَّبُ لتقديم موضوعٍ مُلِحٍّ جدًّا. نَشكرك على رَهافَةِ حِسِّ خُدَّامك الَّذينَ طلبوا مِنِّي أن أتحدَّث عن هذا الموضوع تحديدًا لأنَّ هناك أشخاصًا كثيرين جدًّا يَطرحون هذه الأسئلة. ليتَ كلمتك تصير واضحة، يا أبانا. وليتها تكون لا كلمة مِن بَشر أو إنسان، بل كلمة الله: ماضية، وقويَّة، ومُغيِّرة للحياة. على هذا الرَّجاءِ نُصلِّي. آمين.

إنَّ الموضوع الَّذي نريد أن نتحدَّث عنه في هذا المساء هو: "معرفة مشيئة الله". وقد كان هذا (وما يزال) واحدًا مِن المواضيع الدراسيَّة المُفضَّلة لديَّ على مدى سنوات عديدة. وقد حَظَيْتُ بامتياز كتابة كتاب صغير عن هذا الموضوع مَضى على نَشرِه سنوات عديدة الآن؛ رُبَّما ستّ سنوات. ولكنَّه سؤال يُطرح مِرارًا وتَكرارًا. لذا فقد شَعر خُدَّامُ الرَّبِّ أنَّه ينبغي لي أن أتحدَّث عن هذا الموضوع في مساء هذا الأحد تحديدًا. وهذا يتطلَّبُ مِنَّا أن نأخذ استراحةً قصيرةً مِن سلسلة دراستنا لسِفْر دانيال.

وأودُّ أن أتحدَّث مِن مُنطلق مُحدَّد جدًّا كي نفهم تمامًا معنى أن نَعرف مشيئة الله لحياتنا. فهذا سؤالٌ مُهمٌّ. والحقيقة هي أنَّني أتجرَّأُ بأن أقول إنَّهُ ربَّما كان في حياتي الشخصيَّة أكثر سؤالٍ طُرِحَ عليَّ: "كيف أعرف ما يريد اللهُ مِنِّي أن أفعله؟"

في المزمور 143: 10، صَلَّى داودُ صَلاةً ينبغي أن تكون شوقُ قَلبِ كلِّ مؤمن. فقد صَلَّى داودُ قائلاً: "يَا رَبّ، عَلِّمْنِي أَنْ أَعْمَلَ رِضَاكَ". وهذا أمرٌ رئيسيٌّ جدًّا (في اعتقادي) لحياة كلِّ مؤمن لأنَّ كَونَكَ مَسيحيّ يعني أن تُقِرَّ بِرُبوبيَّة المسيح. فالإيمان هو في الأصل خُضوعٌ لسُلطان المسيح وقيادته. لذا فإنَّ عَمَل مشيئته يَتبع بكلِّ تأكيد ذلك النَّوع مِن الخضوع.

ورَبُّنا المبارك نفسه هو قُدوتنا. فلا يوجد شخص غير المسيح يمتلك قلب الخادم الكامل. ولا يُمكننا أن نجد مِثالاً أو نموذجًا لإطاعة مشيئة الله أعظم مِن المسيح نفسه. فمنذ البداية، أي مِن لحظة تَجَسُّدِه، وَضَّحَ أنَّه جاء ليفعل مشيئة ذاك الَّذي أرسله. وحتَّى عندما قادتهُ تلك الطَّاعة إلى الألم وَهُوَ يَترقَّب الصَّلْبَ عندما كان في البُستان يَسكُبُ قَلبَهُ، ويُصلِّي إلى الآب، ويُعبِّر عن آلام نفسه؛ حتَّى في تلك اللَّحظة العَصيبة لم يَتزعزع عن تكريسه لأنَّه قال حينئذٍ: "لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ".

وقد كانت الكنيسة الباكِرة مُكرَّسة بالطَّريقة نفسِها. فقد صَلُّوا المَرَّة تِلو المَرَّة تِلو المَرَّة: "لِتَكُنْ مَشِيئَتُك" بحسب ما نقرأ في سِفْر أعمالِ الرُّسُل. فقد كان هذا هو نَمط حياة المسيح والكنيسة الباكرة. وقد صَلَّى الرَّسولُ بولس تلك الصَّلاة مَرَّاتٍ كثيرةً جدًّا: "لِتَكُنْ مَشِيئَتُك". وقد صَلَّى بُطرس مَرَّاتٍ كثيرةً جدًّا: "لِتَكُنْ مَشِيئَتُك". فهذا هو نَمَطُ حياة المؤمِن.

وفي حالة أنَّكم نَسيتُم، فَكِّروا في ما قُلناه قبل بضعة أسابيع عن إنجيل مَتَّى 6: 10: "أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ..."، ثُمَّ ماذا؟ "...لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْض". فهذه واحدة مِن أهمِّ التضرُّعات في حياة كلِّ مؤمن. وتلك الصَّلاة هي نموذج لكلِّ صلواتِنا. فيجب علينا أن نُصلِّي دائمًا قائلين: "لِتَكُن مَشيئَتُك". لِذا فإنَّ فِعلَ مشيئة الله مِن القلب (كما عَبَّر عن ذلك بولس في رسالته إلى أهل أفسُس 6: 6) هو شيءٌ أساسيٌّ لحياة المؤمِن.

والحقيقة هي أنَّني لا أتردَّدُ في أن أقول إنَّه إن لم تكن هناك رغبة نابعة مِن داخلك في عَمَلِ مشيئة الله، سيكون هناك شَكٌّ في أنَّك مؤمنٌ أصلاً. والأصحاحُ السَّابعُ مِن إنجيل يوحنَّا يُشير إلى أنَّه لكي يكون المرءُ مؤمنًا، يجب أن تكون لديه رغبة في معرفة مشيئة الآب. وقد عمل بولس بحسب مشيئة الله. ففي رسالته إلى أهل رومية، وأودُّ هنا وحسب أن أُقدِّم لكم بضعَ آياتٍ كِتابيَّة، فهو يقول في الأصحاح الأوَّل والعدد 10: "مُتَضَرِّعًا دَائِمًا فِي صَلَوَاتِي عَسَى الآنَ أَنْ يَتَيَسَّرَ لِي مَرَّةً بِمَشِيئَةِ اللهِ أَنْ آتِيَ إِلَيْكُمْ".

بعبارة أخرى، لقد كان كلُّ شيءٍ في حياته يَتمحور حول مشيئة الله. وفي نهاية رسالته إلى أهل رومية (وتحديدًا في الأصحاح 15 والعدد 32)، يقول: "حَتَّى أَجِيءَ إِلَيْكُمْ بِفَرَحٍ بِإِرَادَةِ الله". فقد كان الأمر نَهْجَ حياةٍ بالنِّسبة إليه. ثُمَّ إنَّنا نقرأ تَعبيرًا أعتقد أنَّه خاصٌّ جدًّا في نهاية رسالة كولوسي (وتحديدًا في الأصحاح الرَّابع والعدد 12): "يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ أَبَفْرَاسُ، الَّذِي هُوَ مِنْكُمْ، عَبْدٌ لِلْمَسِيحِ، مُجَاهِدٌ كُلَّ حِينٍ لأَجْلِكُمْ بِالصَّلَوَات". وما هي الغاية مِن صلاته لأجل أهل كولوسي؟ "لِكَيْ تَثْبُتُوا كَامِلِينَ وَمُمْتَلِئِينَ فِي كُلِّ مَشِيئَةِ الله".

وقد عَبَّر الرَّسولُ بولس عن أشواقه القَلبيَّة الكبيرة في رسالته إلى أهل رومية والأصحاح 12 إذْ قال: "لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ". ويقول بُطرس إنَّ الصِّفة المُمَيِّزة للمؤمن هي انهماكه وتركيزه في كلِّ شيءٍ في حياته على مشيئة الله. فنحن نقرأ في رسالة بطرس الأولى 4: 2: "لِكَيْ لاَ يَعِيشَ أَيْضًا الزَّمَانَ الْبَاقِيَ فِي الْجَسَدِ، لِشَهَوَاتِ النَّاسِ، بَلْ لإِرَادَةِ اللهِ".

إذًا، إنَّها الصِّفة المُمَيِّزة للمؤمِن. وقد كان يوحنَّا يَقتدي بالمسيح فقال: "إن قُلنا إنَّنا ثابتون فِيه..." [كما جاء في رسالة يوحنَّا الأولى 2: 6] "...يَنْبَغِي أن نَسلُكَ كَمَا سَلَكَ هُوَ". وقد سَلَكَ هو خاضعًا لمشيئة الله. فهل هذا هو شوق قلبك؟ يجب أن يكون هذا هو شوقُ قلبك إن كنت تَقول إنَّك مؤمِن.

والآن، في هذه النُّقطة، هُناكَ سؤالٌ يَطرحُ نَفسَه: ما هي مشيئة الله؟ لنفترِض أنَّنا مُكَرَّسون لاتِّباعها، ولنفترِض أنَّنا نرغب، بصفتنا مؤمنين، أن نفعل مشيئة الله. إنَّ السُّؤال التَّالي الَّذي يَطرح نفسه هو: هل يمكننا أن نَعرف مشيئة الله. فهناك أشخاص يَطرحون هذا السُّؤال. فهناك أشخاص يَظُنُّون أنَّ مشيئة الله هي شيء مُبهَم جدًّا، وأنَّها شيءٌ يَصعُب معرفته. فإن عرفتها، سيكون الأمر رائعًا. وإن لم تعرفها، ما زال بإمكانك أن تَستمتع برحلتك معه، ويمكنك أن تعيش حياتك المسيحيَّة مِن دونها.

وهناك أشخاص يَظُنُّون أنَّ مشيئة الله هي سِرّ. فهي أشبه بشيءٍ ضَبابيٍّ أو محجوبٍ أو سِرِّيّ. فالله يُشبه أرنب فِصْحٍ كَونيّ يُخَبِّئ مشيئته في مكانٍ ما ويَركضُ قائلاً: "أنت تقترب" في الوقت الَّذي نحاول فيه جاهدينَ أن نَعثر عليها. وهناك أشخاص يَظُنُّون أنَّ مشيئة الله هي صَدمة. فهي أَشبَهُ بِلَفِّ نَموذجٍ للكُرةِ الأرضيَّة بيَدِكَ، ثُمَّ وَضْعِ إصبعك على نُقطةٍ ما عليها فتكتشف أنَّك وضعتَ إصبعك على الهند فتقول: "حسنًا يا رَبّ، سأذهبُ إلى الهند"، أو شَيئًا مِن هذا القَبيل.

ولكنَّ النَّاس يَفتكرونَ أفكارًا عجيبة عن مشيئة الله. فهناك مَن يَتصوَّر أنَّها رُؤيا صُوفيَّة أو حُلْمٌ مَا. وهناك مَن يَعتقد أنَّ الله ينبغي أن يَتكلَّم معهم مِن السَّماء. وهناك مَن يشعرون أنَّه حدث صَادِم. ولكنَّ الأغلبيَّة، في نظري، هُم أولئك الَّذينَ يُؤمنون بتلك الأشياء الغريبة ويَنتهي المَطاف بهم إلى الشُّعور بالإحباط وبأنَّهم لن يتمكَّنوا يومًا مِن العثور على مشيئة الله، وبأنَّه ينبغي لهم أن ينتظروا إلى حين الوصول إلى السَّماء لمعرفة مِلْء مَعنى الحياة.

ولكنِّي أُوْمِنُ بأنَّنا نستطيع أن نَعرف مشيئة الله. واسمحوا لي أن أخبركم لماذا. لا أعتقد أنَّ الله يريد أن يُعطينا أشياء ولكنَّه لا يُوفِّرها لنا. فهذه، في نظري، فكرة رئيسيَّة جدًّا. فإن كانت هناك مشيئة لله في حياتي، سوف يكشفها لي إن كنت في المكان الصَّحيح للحصول عليها. فالله لا يقوم عن قصد بإحباط خُططه. فهناك أشخاص يقولون: "لا أَعلم إلى أيِّ جامعةٍ ينبغي أن أذهب"، أو: "لا أَعلم ما الوظيفة الَّتي ينبغي أن ألتحق بها. فأنا على وشك اتِّخاذ قرارٍ مُهمّ"، أو: "لا أدري مَن هي الفتاة الَّتي ينبغي أن أتزَّوجها. فهناك سِتَّة خِياراتٍ أمامي وينبغي أن أَختصر اللَّائحة. سوف أحذف اسمًا في هذا الأسبوع، وأحذف اسمًا آخر في الأسبوع التَّالي وأرى مَن يتبقَّى! ولكنِّي لا أدري مَن هي الفتاة المناسبة". أَترون؟

أو: "كيف أعلم إن كان ينبغي لي أن أنتقل إلى منزلٍ آخر؟" أو: "كيف أعلم ما ينبغي أن أفعل مع هذا الشَّخص المُثير للمشاكل في عائلتي، أو ما ينبغي لي أن أفعله كي أنسجم مع زوجتي انسجامًا أفضل... أو كي أنسجم مع زوجي". "كيف أعلم ما هي مشيئة الله؟"

والجواب عن ذلك السُّؤال هو أنَّ للهِ مشيئة. وإن كانت له مشيئة يريد منك أن تعرفها، لا بُدَّ أنَّه سيُطلعك عليها. فأنا أُوْمِن حقًّا أنَّ الله يَهتمُّ بإعلان مَشيئته بطريقة صَريحة وعَلنيَّة وواضحة لنا. ويمكنكم أن تتيقَّنوا مِن ذلك. فإن رجعتم إلى سِفْر التَّكوين 1: 14 ستقرأون في تلك القصَّة الأولى، وفي الأصحاح الأوَّل مِن الكتاب المقدَّس، أي مُنذ بداية الخليقة، الجُملة التَّالية: "وَقَالَ اللهُ: لِتَكُنْ أَنْوَارٌ فِي جَلَدِ السَّمَاءِ لِتَفْصِلَ بَيْنَ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ، وَتَكُونَ لآيَاتٍ وَأَوْقَاتٍ وَأَيَّامٍ وَسِنِين".

فالنُّجوم والقمر والشَّمس ليست موجودة لأجل الأيَّام والسِّنين فقط. فهي ليست موجودة فقط كي يكون لدينا تَقويم، بل هي موجودة لآياتٍ وأوقاتٍ. والكلمة العِبريَّة المُترجمة "أوقات" لا تُشير إلى الشِّتاء والصَّيف والرَّبيع والخريف، بل إنَّ الكلمة المُترجمة "أوقات" هُنا هي كلمة مُحَدَّدة معناها: "اجتماع الشَّعب معًا" أو "تَجَمُّع الرَّعيَّة معًا".

بعبارة أخرى، فإنَّ الغاية مِن خَلْقِ الأجرام السَّماويَّة هي أن يَستخدمها اللهُ لِجَمْعِ النَّاس معًا في أوقات مُعيَّنة. وإن درستم العهد القديم، ستجدون أنَّ جميع الاحتفالات، وجميع الأعياد، وجميع المناسبات في إسرائيل كانت تَقترن بأماكن وجود الأجرام السَّماويَّة في أوقات مُعيَّنة. فقد كانت كلُّها تَقترن، على سبيل المثال، بالاعتدال الرَّبيعيِّ أو باكتمال القمر. لِذا فإنَّنا نقرأ في رسالة كولوسي أنَّه حيث إنَّنا صِرنا الآن في المسيح، وفي العهد الجديد، لا حاجة إلى حِفْظِ عيدٍ أو هِلال. فتَقويمُنا المُختصُّ بعيد الفِصْحِ المَجيد وعيد الميلادِ المجيد يَعتمد على حركة الأجرام السَّماويَّة. فاللهُ وضع علامات.

ونقرأ في المزمور 104: 19: "صَنَعَ الْقَمَرَ لِلْمَوَاقِيت". فمنذ البداية، أَعلنَ اللهُ أمورًا معيَّنة. ومِن خلال الرَّبط بين حركة الأجرام السَّماويَّة وإعلانه لشعبه، تَمَّ تحديد مواعيد الأعياد الدينيَّة. فقد أعلن اللهُ مشيئته في مكانٍ واضح جدًّا جدًّا كي يتمكَّن الجميع من رؤيتها. فنحن نُفكِّر في كيف أعلن الله مشيئته في كلِّ العهد القديم. ونحن نَعلم حالات كثيرة جدًّا جدًّا أعلن فيها مشيئته خارجيًّا.

فمثلاً، كانت هناك معجزة تَدُلُّ على علامة العهد مع إبراهيم وهي: ولادة إسحاق. فهي إشارة خارجيَّة ملموسة تمامًا على أنَّ الله سيحفظ وعده. ثُمَّ في وقتٍ لاحقٍ، عندما حان الوقت كي يصير لإسحاق زوجة، استدعى إبراهيم رئيسَ عَبيده "أليعازَر" وقال له: أريد منك أن تذهب وتبحث عن زوجة لإسحاق مِن عَشيرته". ونقرأ أنَّ أليعازر وضعَ يده تحتَ فَخذِ سَيِّده إبراهيم، أي بالقرب مِن المنطقة التَّناسُليَّة، وَحَلَفَ له أن يجد له زوجةً مِن شعبه. وهل تَذكرون ماذا كانت العلامة؟ اذهب إلى البئر وانتظر هناك. وعندما تأتي الفتيات وقت المساء، ستكون الفتاة الَّتي تَعرِض عليه أن يَشرب هو وجِمالهُ هي الفتاة الَّتي سيختارها. إنَّها علامة. وهي خارجيَّة جدًّا، وواضحة جدًّا، ومُحدَّدة جدًّا.

وعندما قادَ اللهُ بني إسرائيل في البَريَّة، كانت العلامة هي عمود نار وسحابة. ثُمَّ إنَّنا نَقرأ عن جِدعون في الأصحاح السَّادس من سِفْر القُضاة، وعن تلك المعركة مع المِديانيِّين فنرى أنَّه كانت هناك عَلامة. فقد كانتْ جَزَّةُ الصُّوفِ مُبتلَّة والأرض جافَّة، ثُمَّ إنَّ الأرض كانت مُبتَلَّةً وجَزَّةُ الصُّوف جافَّةً. وقد كانت تلك علامة. وكان الله يُظهِر مشيئته.

ثُمَّ إنَّنا نَقرأُ عن ظُهور نارٍ على جبل الكرمل. وقد قام إشعياء وإرْميا بأعمالٍ مَثَّلُوا فيها حرفيًّا وبصريًّا ما سيفعله الله. وكما تَرونَ، فإنَّ الله يُعلن نفسه دائمًا بطريقة واضحة جدًّا. وفي العهد القديم، كان يفعل ذلك عادةً مِن خلال ظاهرة خارجيَّة ملموسة ومحسوسة جدًّا.

والآن، عندما تأتون إلى العهد الجديد فإنَّكم ترون الشَّيء نفسه أيضًا. أليس كذلك؟ فنحن نَرى علامات في العهد الجديد. فإنجيل يوحنَّا هو سلسلة مِن ثماني آياتٍ أو مُعجزات عظيمة. والحقيقة، رُبَّما ستُدهشون إن عَلِمتم أنَّ الكلمة "مُعجزة" لم تُذكَر في إنجيل يوحنَّا ولا مَرَّة واحدة لأنَّها كانت علامات تُشير بطريقة مَلموسة جدًّا إلى المسيح. وفي إنجيل يوحنَّا 20: 30-31، نقرأُ في ذلك النَّصِّ تحديدًا أنَّ الأشياء الَّتي فعلها يسوع كانت آيات. وقد صَنَع آياتٍ أُخَرَ كثيرة كي نؤمِن بما يقوله عن نفسه.

ثُمَّ هناك، بكلِّ تأكيد ما حدث مع بُطرس إذْ نقرأ عن علامة المُلاءَة في سِفْر أعمالِ الرُّسُل والأصحاح العاشِر. وهناك اهتداء بولس إذْ نجد علامةً خارجيَّةً دراميَّةً ومُعجزيَّةً تَمثَّلت في إصابته بالعَمى ورؤيته مجد الله. وفي رسالة كورِنثوس الثانية 12: 12، هناك علاماتُ الرَّسول. وكما تَرون، في الأوقات الَّتي سبقت اكتمال كلمة الله، كان اللهُ يُظهر مشيئته بطريقة خارجيَّة وملموسة ودراميَّة كيلا يُخطئها أحد.

ولكن بانتهاء عصر المعجزات، كيف نَعرف مشيئة الله الآن؟ الحقيقة هي أنَّنا نحمل بأيدنا كلمة الله. فقد كانت الغاية الأسمى للمعجزات هي الإشارة إلى كلمة الله، وإلى نَبيِّ الله حين يتكلَّم بكلمة الله. ولكن باكتمال الوحي الهيِّ، صارت كلمة الله هي مصدر معرفة مشيئته. لذا، لا أعتقد أنَّنا نبحث اليوم عن معجزات. ولا أعتقد أنَّنا نجد في العهد الجديد وصايا مُوجَّهة إلينا بالبحث والتَّفتيش عن مشيئة الله في النُّجوم، أو بالبحث عن مشيئة الله مِن خلال ظاهرة مُعيَّنة، أو بالبحث عن مشيئة الله في ترتيبٍ مُعيَّنٍ للأحداث نَفهم منه أنَّه عملٌ إلهيّ. بل أنا أُوْمِنُ بأنَّنا نلتجئ في هذا الوقت إلى كلمة الله. وأعتقد جازمًا أنَّه يمكننا أن نجد مشيئة الله في الكتاب المقدَّس.

وأودُّ أن أُخبركم عن الأشياء الَّتي هي مشيئة الله في الكتاب المقدَّس، وأن أُبَسِّطها وأُوجِزَها لكم. أوَّلاً، مشيئة الله هي أن تَخلصوا. مشيئة الله هي أن تَخلصوا. فهنا تبتدئ مشيئة الله. فنحن نقرأ في رسالة بطرس الثانية 3: 9: "لاَ يَتَبَاطَأُ الرَّبُّ عَنْ وَعْدِهِ". والآن، قد يقول النُّقَّادُ إنَّه يَتباطأ، ولكنَّ هذه هي النُّقطة الجوهريَّة في هذا الأصحاح.

فقد يقول النُّقَّاد: "آه! لن يفعل اللهُ شيئًا. أين هي علامة مَجيئه؟ فكُلُّ شيءٍ باقٍ على حاله منذ البداية. وكلُ شيءٍ يَسير دائمًا بالطريقة نفسها. فكلُّ هذا الكلام عن الدَّينونة، وكلُّ هذا الكلام الَّذي سَمِعناه عن العقاب، وكلُّ تلك الأشياء الَّتي سمعنا أنَّها ستحدث للمُعلِّمين الكذبة، لِمَ لن نَرَ أيًّا مِن هذه الأشياء؟ فكلُّ الأشياء مستمرَّة كما كانت عليه في البداية". ورَدُّ بُطرس على ذلك هو: "إنَّ السَّببَ في ذلك لا يَرجِعُ إلى أنَّ الربَّ يَتباطأ عن وعوده كما يَفعل البشر. والسَّبب في ذلك لا يرجع إلى أنَّ هناك فَرقا بين ما يقوله وما يفعله؛ بل إنَّ السَّبب هو أنَّه "يَتأنَّى عَلينا، وَهُوَ لا يَشاءُ [ماذا؟] أن يَهلِك أُناسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَة".

فمشيئةُ الله هي أن يَخلص البشر، وأن ينالوا الفِداء؛ لا أن يَهلكوا. وأودُّ أن ألفت أنظاركم إلى إنجيل مَتَّى والأصحاح 18، وإلى كلمات رَبِّنا هناك في العدد 11: "لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ. مَاذَا تَظُنُّونَ؟ إِنْ كَانَ لإِنْسَانٍ مِئَةُ خَرُوفٍ، وَضَلَّ وَاحِدٌ مِنْهَا، أَفَلاَ يَتْرُكُ التِّسْعَةَ وَالتِّسْعِينَ عَلَى الْجِبَالِ وَيَذْهَبُ يَطْلُبُ الضَّالَّ؟ وَإِنِ اتَّفَقَ أَنْ يَجِدَهُ، فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَفْرَحُ بِهِ أَكْثَرَ مِنَ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ الَّتِــي لَمْ تَضِلَّ. هكَذَا [اسمعوا] لَيْسَتْ مَشِيئَةً أَمَامَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ هؤُلاَءِ الصِّغَار".

والآن، إنَّ الإشارة في هذا المقطع تختصُّ بصورة رئيسيَّة بالتَّعامل مع الأطفال، ولكنَّها يمكن أن تُفهم بصورة أشمَل لأنَّ الله لا يَشاء أن يهلك أحد. فبطرس يُوَسِّعها لنا. وفي الرِّسالة الأولى إلى تيموثاوس، نقرأ كلماتٍ تتحدَّث عن الموضوع نفسه في الأصحاح الثَّاني: "لأَنَّ هذَا حَسَنٌ وَمَقْبُولٌ لَدَى مُخَلِّصِنَا اللهِ، الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُون". فمشيئةُ الله هي أن يَنال النَّاسُ الخلاص.

وهذه هي النُّقطة الَّتي تبتدئ مِنها مشيئةُ الله. وما أعنيه هو: إذا كنت تبحث عن مشيئة الله بمعزِلٍ عن الخلاص، لا يوجد لديك أساس للبحث عنها لأنَّ "الإِنْسَانَ الطَّبِيعِيَّ لاَ يَقْبَلُ مَا لِرُوحِ الله". فالخلاص أساسيّ. فحين تَنضمُّ إلى عائلة الله وتَعترف بِرُبوبيَّة المسيح، تكونُ مَشيئةُ الله قد أُعلنت لك أوَّل مَرَّة.

ففي إنجيل مَرقس والأصحاح الثالث... وأودُّ وحسب أن أريكم مَثلاً توضيحيًّا على هذا الأمر نفسه... في إنجيل مَرقس 3: 31، كان يسوع يُعلِّم في بيتٍ مُعيَّن. ثُمَّ إنَّنا نَقرأ: "فَجَاءَتْ حِينَئِذٍ إِخْوَتُهُ وَأُمُّهُ وَوَقَفُوا خَارِجًا وَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ يَدْعُونَهُ". وقد كان المكان مُزدحمًا ومُكتظًّا حول يسوع في البيت كما هي الحال غالبًا. وقد أرادَت أُمُّه وإخوته أن يَتحدَّثوا إليه.

ولا يَذكُرُ النَّصُّ لنا السَّبب. فهو لا يُخبرنا ما إذا كانت لديهم حاجة، أو ما إذا كانوا يَعتقدون أنَّه مُرهَق، أو ما إذا كانت هناك مشكلة عائليَّة مُعيَّنة، أو ما إذا كانوا في طريقهم إلى مكانٍ ما، ولكنَّنا نقرأُ: "وَكَانَ الْجَمْعُ جَالِسًا حَوْلَهُ، فَقَالُوا لَهُ: «هُوَذَا أُمُّكَ وَإِخْوَتُكَ خَارِجًا يَطْلُبُونَكَ»". وقد رَدَّ رَدًّا مُدهشًا قِائِلاً: "مَنْ أُمِّي وَإِخْوَتِي؟" ورُبَّما نظروا إليه كما لو أنَّه قد فَقَدَ ذاكرته إن لم يكن يَعلم مَن هؤلاء! "ثُمَّ نَظَرَ حَوْلَهُ إِلَى الْجَالِسِينَ وَقَالَ: هَا أُمِّي وَإِخْوَتِي". فقد عَرَّفَ الأشخاص المُحيطين به قائلاً إنَّهم أُمُّه وإخوته لأنَّه يقول في العدد 35: "لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي".

وما قَصَدَهُ هنا هو: "أنتَ تَنضمُّ حقًّا إلى عائلتي عندما تفعل مشيئة الله". ولا شَّكَّ في أنَّ تلك الخطوةَ الأولى هي الخلاص. فمشيئةُ الله هي أن يَخلص النَّاس. وعندما يتجاوبون مع ذلك ويَنضمُّون إلى عائلته فإنَّهم يصيرون إخوة يسوع، وأخواته، وأُمَّه. فهذه هي مشيئة الله. لذا، لا عَجَبَ أنَّ مشيئة الله اقتضت أن يأتي إلى العالم كي يموت. فهناك أمورٌ تقع تحت إطار مشيئتنا، ولكنَّنا لا نريدها بالقدر الَّذي يَجعلنا مُستعدِّين للمَوت لأجلها. ولكنَّ الله فَعل ذلك. فالتجسُّد والصَّلبُ كَشَفا عن تكريس الله لفعل مشيئته. ومشيئة الله هي أن يَنال النَّاس الخلاص. فهذه هي نُقطة البداية.

وأنا لا أتَحَزَّرُ حقًّا في الكنيسة، بل إنِّي أَعلمُ أنَّ هناك أشخاص ليسوا مُخَلَّصين. وأنا أعلم أنَّه يوجد أشخاص بيننا في هذا المساء لم يَفتحوا يومًا قَلبهم ليسوع المسيح. أنا أَعلم ذلك. وأنا أقول لكم: "مشيئةُ الله لكم هي ليست أن تَهلكوا، ومشيئةُ الله لكم هي ليست أن تَضِلُّوا إلى الأبد، ومشيئةُ الله لكم هي ليست أن تُحرَموا مِن الحياة الأبديَّة، ومشيئةُ الله لكم هي ليست أن تقضوا حياتكم الأبديَّة في جَهنَّم؛ بل إنَّ مشيئة الله لكم هي أن تَخلصوا".

"اَللهُ [كما يقول بولس] الَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا، وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيح... لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَال كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ". فمشيئة الله الَّتي يُعَبِّر عنها مِن خلال محبَّته ورحمته هي أن تَخلصوا. فالأمر يبتدئ مِن هُنا.

وقد تقول: "أنا مُخَلَّصٌ ولكنِّي ما زلتُ أتعثَّر". اسمحوا لي أن أَصحبكم إلى النُّقطة الثَّانية. رسالة أفسُس والأصحاح الخامس. فمشيئةُ الله لا تَقتصر فقط على أن تَخلصوا، بل إنَّه يريد أيضًا (بحسب ما جاء في رسالة أفسُس والأصحاح الخامس) أن تَمتلئوا بالرُّوح... أن تَمتلئوا بالرُّوح. ففي رسالة أفسس 5: 16، نَجِدُ الجُملة التَّالية: "مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ". والفكرة هنا هي أنَّنا لا نَملِك وقتًا طويلاً. فهناك ضغطٌ يأتي في تلك الأيَّام الشرِّيرة، حتَّى في ذلك الوقت الَّذي كَتَبَ فيه بولس هذه الرِّسالة. ويجب علينا أن نَفتدي الوقت. لِذا فإنَّه يقول: "مِنْ أَجْلِ ذلِكَ لاَ تَكُونُوا أَغْبِيَاء".

والكلمة "أغبياء" تُشيرُ إلى الحماقة وإلى عدم امتلاك المعلومات أو المعرفة، أو إلى عدم الاطِّلاع، أو إلى الجهل. "لاَ تَكُونُوا أَغْبِيَاء [أو غير فاهِمين] بَلْ فَاهِمِينَ مَا هِيَ مَشِيئَةُ الرَّبِّ". وقد تقول: "ولكن يا بولس، كيف تَجرؤ! فأنا أبحث، وأطرق على الأبواب، وأضع جِزَزَ الصُّوفِ، وأفعلُ كلَّ شيءٍ مُمكن؛ ولكنِّي لا أعرف مشيئةَ الرَّبِّ!" حسنًا، إذًا، لا تكُن غَبيًّا. فينبغي أن تَعرف مشيئة الرَّبّ. وإن قرأتَ الآية الَّتي تليها، ستعرف وحسب ما هي: "وَلاَ تَسْكَرُوا بِالْخَمْرِ الَّذِي فِيهِ الْخَلاَعَةُ، بَلِ امْتَلِئُوا بِالرُّوح".

والآن، إنَّ مشيئة الرَّبِّ هي أن تمتلئوا بالرُّوح، لاَ أن تَسْكَرُوا بِالْخَمْرِ الَّذِي فِيهِ الْخَلاَعَة. ولَعلَّكُم تَذكرون أنَّنا دَرَسنا الأصحاح الخامس مِن رسالة أفسُس وتحدَّثنا عن حقيقة أنَّ هؤلاءِ النَّاس كانوا يَسكرون لأنَّهم كانوا يُؤمنون بأنَّ ذلك يُعَزِّز شركتهم مع الآلهة. فقد كان الوثنيُّون في أفسُس يُؤمنون بأنَّه كُلَّما زادوا سُكْرًا زاد ارتقاؤهم أكثر فأكثر، وتَعَمَّقَتْ شركتهم مع الآلهة؛ تمامًا كما يَظُنُّ مُدمنو المُخدِّرات أنَّهم يَبلغون مستوىً أعلى مِن الوعي الرُّوحيِّ... فقد كانوا يؤمنون بالشَّيء نفسه. ولكنَّ الرَّسول بولس يقول: "إن أردتم حقًّا أن تتواصَلوا مع الله، لا تَسكروا بالخمر، بَلِ امْتَلِئُوا بِالرُّوح".

والآن، ما معنى ذلك؟ فقد تقول: "هل يعني ذلك أنَّه يجب عليَّ أن أحصل على الرُّوح؟" فقد جاءني شخص في دالاس وقال: "أتَدري؟ لقد قرأتُ كتابك عن الحركة الكارزماتيَّة، وقرأتُ ذلك الفصل عن الرُّوحانيَّة". وقد قال: "يجب أن تَعلم أنَّني بحثتُ طويلاً في مُحاولةٍ للحصول على الرُّوح القُدُس، وأخيرًا، أخبرني أحد الأشخاص أنَّني حَصلتُ عليه أصلاً".

"إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَيْسَ لَهُ رُوحُ الْمَسِيحِ، فَذلِكَ لَيْسَ لَهُ" (رسالة رُومية 8: 9). ماذا؟ فحتَّى إنَّ أهلَ كورِنثوس الأغرار الَّذينَ اقترفوا أشنع خطيَّة يتخيَّلها عقل، قال لهم بولس: "أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُس؟ وَجَمِيعُنَا سُقِينَا رُوحًا وَاحِدًا (رسالة كورِنثوس الأولى 12: 13). لذا فإنَّ جميع المؤمنين يَملكون رُوح الله. فهذه ليست القضيَّة. فنحن لسنا مُطالبين بالبحث عَمَّا لدينا أصلاً.

وقد تقول: "حسنًا! إن كُنَّا جميعًا نَملِك الرُّوح القُدُس، أَلا ينبغي أن نَملك قُوَّةً في حياتنا؟ أَلا ينبغي أن نَمضي بقوَّة في حياتنا؟" هذا صحيح لأنَّ الآية أعمال الرُّسل 1: 8 تقول: "لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ". والكلمة "قُوَّة" هي "دوناميس" (dunamis) ومعناها: "قُوَّة مُتفجِّرة". فيجب أن تكونَ حرفيًّا: قُوَّةً مُتفجِّرة. ولكنَّ الأغلبيَّة مِنَّا ينظرون إلى حياتهم ويقولون: "أعتقد أنَّني شُحنة مُتفجِّرة عَديمة المَفعول. فأنا أحاول دائمًا أن أُشْعِلَ الفَتيل، ولكنَّ شيئًا لا يَحدث. لماذا إن كنتُ أَملِكُ الرُّوحَ القُدُس لا أُحرِزُ أيَّ تَقدُّم؟ لماذا إن كنتُ أملِكُ كلَّ ما هُو للحياة والتَّقوى (كما جاء في رسالة بطرس الثانية 1: 3)، ولماذا إن كنتُ كاملاً فيه (كما جاء في رسالة كولوسي 2: 10)، لِماذا إن كنتُ أَملِكُ هذه القوَّة لا يحدث شيء؟" وهو سُؤال تَمَّت الإجابة عنه ببساطة: لأنَّك لست مُمتلئًا.

فهناك فَرق بين أن يكون الرُّوح ساكِنًا فيك وأن يكون الرُّوح مُهيمِنًا. اسمحوا لي أن أُقدِّم لكم مثلاً توضيحيًّا على ذلك: فالكلمة "امتلئوا" تُستخدم في الأناجيل للإشارة إلى الهيمنة التَّامَّة. فمثلاً، نقرأ في إنجيل يوحنَّا 16: 6: "قَدْ مَلأَ الْحُزْنُ قُلُوبَكُمْ". ونقرأ في إنجيل لوقا 6: 11: "فَامْتَلأوا حُمْقًا". ونقرأ في إنجيل لوقا 4: 28: فامتلأَ غَضَبًا". ونَقرأ في إنجيل لوقا 5: 26: "وَامْتَلأُوا خَوْفًا".

وكما تَرون، يُمكننا في أغلب الأحيان أن نُوازِن بين هذه الأشياء. فمثلاً، هناك الحزن. فنحن نملك القليل مِن الحزن والقليل مِن الفرح. وقد تَميلُ كَفَّة الحزن بهذا الاتِّجاه، وقد تَميلُ كَفَّة الفرح بهذا الاتِّجاه. ونحن نحاول أن نُوازِن بينهما. فإن حدث شيء سَيِّء حقًّا، نحاول أن نفتكر بأفكار سعيدة. وقد يحاول جميع الأشخاص أن يُشَجِّعونا. ولكن عندما يحدث شيء مُريع، أو كارثة كبيرة، أو فاجعة حقيقيَّة، أو موت، أو شيء مِن هذا القَبيل، يَزداد الحُزن كثيرًا فنمتلئ بالحُزن. وهذا هو معنى هذه الكلمة. وفي حياتنا بصورة رئيسيَّة، روحُ الله موجود. وهناك مَجالٌ للرُّوحِ ومجالٌ لنا، ومجال للرُّوح ومجالٌ لنا. ونحن نحاول أن نُوازِن الأمور بالجسد. ولكن تأتي أوقات نُسَلِّم فيها كلَّ شيء للرُّوح فنكون مُمتلئين بالرُّوح. وحينئذٍ فإنَّ كَفَّة الميزان تَرجَح في جانبه.

وبحسب ما جاء في الأصحاح السَّادس مِن رسالة رومية فإنَّ الأمر بِرُمَّته يتوقَّف على إخضاع أنفسكم لطاعة روح الله. فيجب علينا أن نَخضع لروح الله كي يملأنا. وأودُّ أن أُوضِّح ذلك بمثلٍ توضيحيٍّ استخدمتُه مَرَّاتٍ عديدة في أثناء تعليمي عن هذا الموضوع، ولكنِّي أعتقد أنَّه سيساعد في توصيل الفكرة إليكم. وبُطرس هو النَّموذج الكلاسيكيّ الَّذي أريد أن أستخدمه. فقد كان بطرس يَعرف في الأصل شيئًا واحدًا. فحتَّى لو لم يفهم أيَّ شيءٍ آخر، كان يَعلم أنَّه يريد أن يكون حيث يكون يسوع.

وذات مَرَّة، حاول يسوع أن يَصْرِفَهُ فقال: "يَا رَبُّ، إِلَى مَنْ نَذْهَبُ؟ كَلاَمُ الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ عِنْدَك". فلم يكن بمقدور الرَّبِّ يومًا أن يَتخلَّص مِن بطرس. وأنا أَعلم أنَّ يسوع كان يمشي أحيانًا بسرعة. وعندما كان يتوقَّف، كان بُطرسُ يَصطدم به. فقد كان بطرس يَتبعه. فقد كان مُلاصقًا له دائمًا. فقد كان واحدًا مِن الأشخاص الثَّلاثة المُقرَّبين منه. ولا أدري إن كان قد تَمَّ انتخابه، ولكنِّي أعتقد وحسب أنَّهم لم يتمكَّنوا وحسب مِن التخلُّص منه مهما حاولوا. ولكنَّ بطرس أراد أن يكون حيث كان يسوع. وهناك سبب واضح جدًّا جدًّا لذلك: لأنَّه عندما كان مع المسيح، كان يجد مَصدرًا عظيمًا لحياته.

فمثلاً، نقرأ في إنجيل مَتَّى والأصحاح 14 أنَّ التَّلاميذ كانوا قد أبحروا، وأنَّ عاصفةً راحت تَعصِفُ ببحر الجليل فذُعِروا قليلاً. وكلُّ ما كانوا يحاولون فِعله هو أنَّهم أرادوا أن يَعبُروا مسافةً قصيرةً مِن الجبل الَّذي كانوا عليه إلى القرية الصَّغيرة. ولم يكن ينبغي أن تكون هناك مشكلة، ولكنَّ عاصفةً هَبَّت. والرِّيحُ العاصفةُ الَّتي تَعبُر في ذلك الوادي الصَّغير الموجود بين تلك المُنحدرات في الجهة الشَّرقيَّة والتِّلال في الجهة الشَّماليَّة والغربيَّة تَزيد أكثر فأكثر هناك. وقد اختبرتُ ذلك في عددٍ مِن رحلاتي إلى تلك المنطقة. وقد كان القاربُ في المنتصف فأُصيبوا بحالةٍ مِن الذُّعر الحقيقيّ. وفجأةً، عندما نظروا في ضَوْء القمر، رأوا شخصًا يَمشي على الماء.

والآن، إن لم تكن قد ارتعبتَ حقًّا بعد، كان ذلك كفيلاً بجعلك ترتعب حين تَرى شخصًا يَمشي على الماء. ولا شَكَّ في أنَّكم تَذكرون ما حدث. فقد صَرخوا: "هل هذا أنتَ يا رَبّ؟" فهذا هو التَّفسير الوحيد الَّذي خرجوا به. وقد رَدَّ بالإيجاب. وفي الحال، ومِن دون أيِّ تفكير بأيِّ شيء، قفز بطرس مِن القارب وابتدأ يَمشي على الماء.

ومع أنَّه كان صَيَّاد سَمك طَوال حياته، فإنَّه لم يَفعل ذلك يومًا. فقد كان يَعلم أنَّه لا يستطيع أن يَمشي على الماء. فمِن ناحية عقليَّة، كان يَعلم ذلك. وقد تقول: "إذًا، لماذا فعل شيئًا كهذا؟" فقد قفز مِن القارب وراح يَمشي على الأمواج المُزْبِدَة! أعتقد أنَّه فعل ذلك لأنَّه كان يرغب بشدَّة في أن يكون في المكان الَّذي يوجد فيه يسوع. لِذا فقد خرج إلى هناك، ومَشى قليلاً، وكان يَشعر بالطَّاقة، كما تَعلمون، إذ إنَّ كلَّ شيءٍ كان على ما يُرام. ثُمَّ إنَّه ابتدأ يُفَكِّر في ما يفعله فابتدأ يَغرق. وما كان مِن الرَّبِّ إلاَّ أن انتشلهُ ثُمَّ مَشيا كِلاهما إلى القارب.

والآن، يمكنني أن أتخيَّل بُطرس وهو يقترب مِن القارب قائلاً: "مَرحبًا يا شَباب!" فكما تَعلمون، فقد كان يَشعر بالثِّقة والتَّمَيُّز وهو يَمشي على الماء مع الرَّبّ. وقد تَعَلَّم بُطرس دَرسًا عظيمًا. فقد تَعلَّم أنَّه عندما يكون قريبًا مِن يسوع المسيح، يمكنه أن يفعل أمورًا مُعجزيَّة.

وفي وقتٍ لاحقٍ، في إنجيل مَتَّى والأصحاح 16، كان الرَّبُّ يَسأل التَّلاميذ مَن هو فقال: "مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا؟" فَقَالُوا: "قَوْمٌ: إيليَّا، وآخرون إرْميا أَوْ وَاحِدٌ مِنَ الأَنْبِيَاء". قَالَ لَهُمْ: "وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟" وفجأةً، ابتدأ فَمُ بُطرس يتحرَّك باستقلالٍ تامٍّ عن عقله فأجابَ وقال: "أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ!". فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ [ولا بُدَّ أنَّه كان يَبتسم]: "إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ يا بُطرس، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَات". وقد تَعلَّم بطرس درسًا عظيمًا ثانيًا. فعندما يكون في حضرة يسوع المسيح، يمكنه لا فقط أن يفعل أمورًا مُعجزيَّةً، بل يمكنه أن يقول أمورًا مُعجزيَّة أيضًا.

والمَرَّة الثَّالثة الَّتي نَراه فيها في هذا التَّشبيه هو عندما كان في البُستان؟ فقد تَمَّ القبض على يسوع وحدثت تلك الأمور المُروِّعة المذكورة في إنجيل يوحنَّا والأصحاح 18 حيث قبض الجنود على يسوع وساقوه ليُحاكم محاكمةً زائفةً قبل أن يُعدَم. وقد كان ما يزال في تلك المرحلة الأوليَّة مِن ذلك الموقف في منزل حَنَّان. وكان بطرس يقف في الخارج يَتدفَّأ ويُراقب ما يجري مِن بعيد. وهل تَعلمون ماذا حدث؟ عندما كان يقف بعيدًا، كان جَبانًا. ففي ثلاث مَرَّات، ماذا فعل؟ أَنكر المسيح.

والشَّيءُ المُدهش بخصوص ذلك هو أنَّه إن رجعتم بضع ساعاتٍ فقط إلى الوراء عندما جاء الجنود للقبض على المسيح، سَتَرَوْنَ أنَّه أخذ سيفًا وراح يُلَوِّح به أمام أوَّل شخصٍ أمامه. ويقول الكتاب المقدَّس إنَّه قَطَعَ أُذنَ مَلْخُس. ولكنَّكم تعلمون أنَّه لم يذهب إلى مَلْخُس ويقول: "سوف أقطع أُذنك"، ثُمَّ فعل ذلك، بل إنَّه أراد أن يَقطع رأسه. ولكنَّ مَلْخُس خافَ وتَحرَّك فقطع أُذنه فقط. ولكنَّه كان يقول في الحقيقة: "سوف أقضي على كلِّ الجيش الرُّومانيّ". وربَّما كان يوجد أكثر مِن 500 جنديّ مِن قلعة أنطونيوس. وقد أراد أن يبتدئ بالشَّخص الأوَّل أمامه ويَقضي على كلِّ الجنود.

وقد تقول: "لا بُدَّ أنَّه كان مجنونًا". لا! لأنَّه كان يقف بجانب يسوع المسيح. وأنَّا مُتيقِّنٌ مِن أنَّه كان يقول في عقله: "يا رَبّ، عندما جاء هؤلاء الأشخاص إلى هنا وذَكرتَ اسمَكَ، رجعوا جميعًا إلى الوراء مِثل أحجار الدُّومينو وسقطوا على الأرض. والآن يا رَبّ، إن وَقَعْتُ في مأزِق، أَلا فَعلتَ ذلك مَرَّةً أخرى؟"

وما أعنيه هو: أنا أعلم أنَّه كان يشعر أنَّ الربَّ حاضر هناك. وقد كان يمتلك شجاعةً مُعجزيَّة. فقد كان بمقدوره أن يَفعل ويقول أمورًا مُعجزيَّة. وكان يَشعر أنَّه لا يُغلَب. ولكن في المَرَّة التَّالية الَّتي تَرونه فيها تجدونه يَفرُكُ يديه عند النَّار. وقد سألتهُ فتاةٌ إن كان يعرف المسيح فأنكر ذلك. وفي المَرَّة الثَّانية والثَّالثة أَنكر أيضًا وراح يَلعن. وقد تقول: "هذا لا يُعقَل يا بُطرس! هذا لا يُعقَل! فقد مشيتَ على الماء، وانتصرتَ وتَغلَّبتَ على عناصر الطَّبيعة. وأنتَ مَن فَتحتَ فمكَ فتكلَّم الله! وأنت يا بُطرس مَن لَوَّحتَ بالسَّيف وأردتَ أن تُحارب الجيش الرُّومانيَّ كُلَّه. ما الَّذي حدث؟" ما حدث هو أنَّه انفصل عن يسوع. وما أنِ انفصل عنه حتَّى فقد كلَّ شجاعته. وقد مات يسوع وقام، وظَهر للتَّلاميذ ثلاث مَرَّات، ومَرَّةً أخرى لبطرس، ثُمَّ بعد ذلك صَعِد إلى السَّماء.

وقد تقول: "عَجَبًا! بصعود الربِّ إلى السَّماء، يمكننا أن نَنسى أمر بُطرس تمامًا". بعبارة أخرى، إن كان قد تَخَلَّى عن الربِّ عندما ابتعد عنه 75 قدمًا، ماذا سيفعل عندما صَعِدَ الربُّ إلى السَّماء!" وهل تعلمون ماذا حدث؟ في المَرَّة التَّالية الَّتي نرى فيها بُطرس بعد صُعود الربِّ إلى السَّماء، نَرى أنَّ أوَّل شيءٍ فعله هو الآتي: لقد وقفَ أمام حشدٍ كبيرٍ في أورُشليم اجتمع في عيد الخمسين إذْ إنَّهم انجذبوا لصوت الرِّيح العاصِفة وألسنة النَّار والتَّكلُّم بألسنةٍ أخرى؛ أي بِلُغات جميع الأشخاص الحاضِرين. فقد اجتمع كلُّ هؤلاء النَّاس في أورُشليم فوقفَ بُطرسُ وقال: "أَيُّهَا الرِّجَالُ الْيَهُودُ وَالسَّاكِنُونَ فِي أُورُشَلِيمَ أَجْمَعُونَ، لِيَكُنْ هذَا مَعْلُومًا عِنْدَكُمْ وَأَصْغُوا إِلَى كَلاَمِي". وقد وَعَظَ عن مسيحانيَّة يسوع المسيح وَدَانَ جميع الحاضرين بسبب إعدامهم للمسيَّا.

وقد خرج كلُّ الكلام مِن فَمِ الله. فها هو يَفعل ويقول أمورًا معجزيَّة. وقد صَعِدَ هو ويوحنَّا إلى الهيكل. وكان هناك رَجُلٌ أعرج. فقال بُطرس له: "لَيْسَ لِي فِضَّةٌ وَلاَ ذَهَبٌ، وَلكِنِ الَّذِي لِي فَإِيَّاهُ أُعْطِيكَ: قُمْ وَامْشِ!". وقد نَهَضَ الرَّجُل وراح يقفز ويرقص ويصرخ في جميع أرجاء الهيكل. وقد كان التَّسبيح الوحيد المقبول مِن الله في ذلك المكان.

فقد كان قادرًا على قول أمورٍ مُعجزيَّة، وعلى فعل أمورٍ مُعجزيَّة. لذا فقد استدعاه مَجلس اليهود وقالوا له: "اصمُت! لا نريد أن نسمع أيَّ كلامٍ آخر منك". فقال لهم وَهُوَ ينظر إليهم مباشرةً: "لَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ. واحكموا أنتُم إن كان ينبغي أن أُطيع الله أَمِ النَّاس".

اسمعوني! لقد كان بمقدوره أن يقول أمورًا مُعجزيَّة، وأن يفعل أمورًا مُعجزيَّة. وقد كان يمتلك شجاعةً مُعجزيَّة. ولكنَّك قد تقول: "كيف؟" فإن كان جبانًا عندما كان المسيح يَبعُد عنه 75 قدمًا أو 100 قدمٍ، وكان يَنتظر خارج المنزل، لماذا تَحَلَّى بكلِّ تلك الشَّجاعة بعد أن صَعِد الربُّ إلى السَّماء؟ والجواب بسيط جدًّا. فقبل أن يحدث أيُّ شيء في سِفْر أعمالِ الرُّسُل بخصوص الكِرازة أو الشِّفاء أو التَّحلِّي بالشَّجاعة، نقرأ أنَّهم جميعًا [في الأصحاح الثَّاني والعدد الرَّابع] ماذا؟ امتلأوا مِن الرُّوح القُدس.

والآن، اسمحوا لي أن أقول لكم شيئًا، يا أصدقائي: إنَّ الامتلاء بالرُّوح أَدَّى إلى نفس النَّتيجة في حياة بُطرس كما حدث عندما كان يقف في حضرة المسيح. هل فهمتم ذلك؟ فالامتلاء بالرُّوح أدَّى إلى نفس النَّتيجة كما حدث عندما كان يقف في حضرة يسوع المسيح. وهل تَعلمون ما يعنيه الامتلاء بالرُّوح؟ إنَّه يعني أن تعيش كما لو أنَّك في حضرة يسوع المسيح. فهو لا يختلف عن الانشغال والانهماك الدَّائمَيْن بحضور المسيح.

فالذِّهنُ الَّذي يَتركَّز عليه، والذِّهن الَّذي يَنظر دائمًا إلى مَجده (كما جاء في رسالة كورِنثوس الثانية 3: 18) سيتغيَّر إلى تلك الصُّورة عينِها. لِذا فإنَّنا نقرأ في رسالة كولوسي 3: 16: "لِتَسْكُنْ فِيكُمْ كَلِمَةُ الْمَسِيحِ بِغِنىً". أترون؟ فعندما تَسكُن كلمة المسيح فيكم بِغنى، يصير حضوره ظاهرًا في عقلك الواعي. وعندما يُهيمن حضورُه على ذهنك، يُهيمن روحُ الله عليك.

وقد تقول: "أَلستَ تَخلط بين الرُّوح والمسيح؟" لا. لأنَّ الرُّوح هو روح المسيح (كما جاء في رسالة رومية 8: 9). والرُّوح القُدُس هو المُعَزِّي الآخر "آلوس باراكليتوس" (allos parakletos). فهو صُورة طبق الأصل عنه نفسه. فالامتلاء بالرُّوح ليس اختبارًا صُوفيًّا، أو غريبًا، أو مُبتَدَعًا، أو قائمًا على نشوةٍ ما، بل هو ببساطة: إدراك حضور المسيح. وهو يَتأتَّى، يا أحبَّائي، مِن التَّشَبُّع بكلمة الله. فهو ليس سِرًّا، وليس عاطفةً، وليس اختبارًا صُوفيًّا، بل هو يَعني أن تَتَغَذَّى على الكلمة.

واسمحوا لي أن أُقدِّم لكم مثلاً توضيحيًّا على ذلك: افتحوا كتابكم المقدَّس على سِفْر أعمال الرُّسُل والأصحاح الرَّابع. وأودُّ أن أشير فقط إلى آيتين كِتابيَّتين بسرعة قبل أن نَذكُر النِّقاط الأخرى. وبذلك نكون قد انتهينا. ولكن في سِفْر أعمال الرُّسُل 4: 31، كانوا يُصَلُّون: "وَلَمَّا صَلَّوْا تَزَعْزَعَ الْمَكَانُ الَّذِي كَانُوا مُجْتَمِعِينَ فِيهِ، وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَكَانُوا يَتَكَلَّمُونَ بِكَلاَمِ اللهِ بِمُجَاهَرَةٍ". لاحظوا أنَّ الامتلاء مِن رُوح الله مُرتبط بكلمة الله.

انظروا إلى الأصحاح السَّادس والعدد الثَّالث. فقد كان الرُّسُل يرغبون في المواظبة على الصَّلاة وكلمة الله. لذا فقد أرادوا أن يُعيِّنوا رجالاً يَهتمُّون بِسَدِّ الحاجات الماديَّة. ونقرأ: "فَانْتَخِبُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ سَبْعَةَ رِجَال مِنْكُمْ، مَشْهُودًا لَهُمْ [والآن لاحِظوا] وَمَمْلُوِّينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَحِكْمَةٍ". فَمِن جهة أو أخرى فإنَّ الامتلاء بروح الله مرتبط بكلمة الله وحِكمته. فالاثنان لا ينفصلان.

ونقرأ في سِفْر أعمالِ الرُّسُل 6: 5: "فَحَسُنَ هذَا الْقَوْلُ أَمَامَ كُلِّ الْجُمْهُورِ، فَاخْتَارُوا اسْتِفَانُوسَ، رَجُلاً مَمْلُوًّا مِنَ الإِيمَانِ وَالرُّوحِ الْقُدُس". وكيف صار مَمْلُوًّا مِن الإيمان؟ لقد صار مَمْلُوًّا مِن الإيمان مِن خلال معرفته بالحقِّ الإلهيِّ كما أعلنه الله. فهذا هو ما دَعَّمَ إيمانه. وَهُوَ المفتاح للامتلاء مِن الرُّوح.

ثُمَّ نقرأ في العدد 7 أنَّه بسبب قوَّة الرُّوح القُدُس الَّذي كان يملأهم، كانت كلمة الله تنمو. فلا انفصال بين الكلمة والحكمة والإيمان المُعلن في تلك الكلمة وبين الامتلاء بالرُّوح. لِذا فإنَّنا نجد أنَّه عندما يمتلئ النَّاس بالرُّوح، هناك صِلَة وثيقة بين ذلك وكلمة الله.

والآن، يا أحبَّائي، اسمحوا لي أن أقول ما يلي لكم: إن كنتَ تبحثُ عن مشيئة الله في حياتك، أوَّلاً: تَيَقَّن مِن أنَّك مُخَلَّص. ثانيًا: تَيَقَّن مِن أنَّك مُمتلئ بالرُّوح. وهذا يعني أنَّك تَتغذَّى على كلمة الله وتعيش حياةً واعيةً لحضور المسيح بِمَعنى أنَّ روح الله يُهيمن على حياتك.

ثالثًا: مشيئةُ الله هي أن تَخلَص، وتمتلئ بالرُّوح، وتَتقدَّس... تَتقدَّس. رسالة تسالونيكي الأولى والأصحاح الرَّابع. ولن أصرف وقتًا طويلاً على هذه النُّقطة، بل أريد أن أذكرها بسرعة وحسب. لذا، اسمعوني جيِّدًا. رسالة تسالونيكي الأولى 4: 3: "لأَنَّ هذِهِ هِيَ إِرَادَةُ اللهِ...". فعندما يسألني أيُّ شخص: "كيف يمكنني أن أعرف مشيئة الله؟" فإنَّني أُفَكِّر دائمًا في هذه الآية: "لأَنَّ هذِهِ هِيَ إِرَادَةُ اللهِ". لم لا تبتدئ مِن هُنا؟ "قَدَاسَتُكُمْ". وهذا يعني أن تَكونَ مُفْرَزًا. وهذا يعني أن تكون طاهرًا، وأن تكون مُقدَّسًا، وأن تكون بارًّا، وأن تكون فاضلاً، وأن تكون بلا خطيَّة. فمشيئةُ الله لنا هي أن نكون أنقياءَ، وغيرَ دَنِسين، وبلا عيبٍ أو لوم. فهذه هي مشيئة الله. وهذه نُقطة واضحة جدًّا. أليس كذلك؟

وقد تقول: "حسنًا، ولكن ما الَّذي يَعنيه بذلك؟ إنَّه يُقدِّم لنا أربعة مبادئ: المبدأ الأوَّل، نقرأ في العدد الثالث: "أَنْ تَمْتَنِعُوا عَنِ الزِّنَا". أن تمتنعوا عن الخطيَّة الجنسيَّة. ابتعدوا عنها. ابتعدوا عن "پورنيا" (porneia)؛ أي عن أيِّ نوعٍ مِن الإباحيَّة، وأيِّ نوعٍ مِن الأعمال الجنسيَّة. فالكلمة واسعة النِّطاق جدًّا حتَّى إنَّها تَضُمُّ كلَّ نشاطٍ جنسيٍّ باستثناء النَّشاط الَّذي يَسمح الله به في حدود العلاقة الزوجيَّة بين الزَّوج وزوجته. فهذا هو النَّشاط الوحيد المُباح. ابتعدوا عن الزِّنا. فهذه هي مشيئة الله.

في كلِّ مَرَّة يأتي فيها شابٌّ وفتاةٌ طلبًا للمشورة في الكنيسة ويقولان: "نحن نؤمن أنَّ مشيئة الله لحياتنا هي أن نتزوَّج"، فإنَّنا نسألهما سؤالاً: "هل أنتما مُتورِّطان في علاقة جنسيَّة؟" فإن كان الجواب هو: "أجل" فإنَّنا نقول: "أنتما لا تَعلمان ما هي مشيئة الله. وأنتما لا تَعلمان ما إذا كان الله يريد منكما أن تتزوَّجا. أنتما لا تَعلمان الجزء الَّذي لم يُعلنه لأنَّكما لم تُطيعا الجزء الَّذي أعلنه. وأنتما لستما في موقعٍ يُتيح لكما أن تَعلما ما هي مشيئة الله. فقد تَعَدَّيتُما على مشيئته المذكورة في رسالة تسالونيكي الأولى والأصحاح الرَّابع. فما لم تكن هناك حياة قائمة على البِرِّ والقداسة والفضيلة، وما لم تَعترفا بوجود خطيَّة في حياتكما وتمتنعا عن الخطيَّة الجنسية، أنتما خارج مشيئة الله منذ البداية".

المبدأ الثَّاني: "أَنْ يَعْرِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ أَنْ يَقْتَنِيَ إِنَاءَهُ بِقَدَاسَةٍ وَكَرَامَةٍ". وهناك مَن يَرى أنَّ الكلمة "إناء" هنا تُشير إلى الجسد. لِذا، يجب عليك أن تُحْكِمَ السَّيطرة على جسدك كي يُكْرِمَ الله. وهناك مَن يَرى أنَّها تُشير إلى زوجتك. فيجب عليك أن تحرص على الاعتناء بزوجتك بطريقة تُكرِم الله. وأعتقد أنَّني أميل أكثر إلى فكرة الجسد لأنَّني أعتقد أنَّها تُناسب السِّياق بصورة أفضل. بعبارة أخرى، اضبط جسدك بطريقة تجعله فيها يُكرِم الله. هل قَمَعْتَ جسدك يومًا كي تَجعله مُطيعًا أو خاضعًا كما يقول بولس؟ هل تَقمع الجسد؟ فهذه هي مشيئة الله.

المبدأُ الثَّالث: "لاَ فِي هَوَى شَهْوَةٍ كَالأُمَمِ الَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ اللهَ". فالمبدأُ الأوَّل هو: ابتعد عن الخطيَّة الجنسيَّة. المبدأ الثَّاني: أَخْضِع جسدكَ بطريقة تجعله فيها يُكرِم الله. ثالثًا: لا تتصرَّف كالأُمم الوثنيِّين. وكيف يتصرَّف هؤلاء؟ إنَّهم يَتصرَّفون بحسب أهوائهم. فَهُم يتصرَّفون هكذا. فَهُم يتصرَّفون بحسب أهوائهم، وشهواتهم، ونزواتهم المُنحطَّة. بعبارة أخرى، إنَّه يتحدَّث عن الجانب الجسديِّ هُنا فيما يَختصُّ بمعرفة مشيئة الله.

ابتعد عن الخطيَّة الجنسيَّة وكلِّ ما يَقود إليها. فيجب أن يَعمل جسدُك على إكرام الله. وهذا يعني أنَّه ينبغي لجسدك أن يكون دائمًا تحت السَّيطرة. "كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي..." [كما يقول الرَّسول] "...لكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تُوَافِقُ. كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي، لكِنْ لاَ يَتَسَلَّطُ عَلَيَّ شَيْءٌ".

فالنَّاس يقولون: "آه! الحقيقة هي أنَّني مُسيطر دائمًا على جسدي". سوف يأتي وقتٌ تفقد فيه سيطرتك ولا تعود فيها مُسيطرًا. فأنا أَذكُر أوَّل مَرَّة قَبَّلتُ فيها فتاةً. فقد فقدتُ السَّيطرة مباشرةً وصار العالمُ كُلُّه مختلفًا. فهو اختبارٌ مُختلفٌ تمامًا. وقد أدركتُ أنَّه توجد غرائز فِيَّ تفوق قدرتي على السَّيطرة؛ إلاَّ مِن خلال قدرة الله.

وأخيرًا، النُّقطة الرَّابعة... العدد السَّادس: "أَنْ لاَ يَتَطَاوَلَ أَحَدٌ وَيَطْمَعَ عَلَى أَخِيهِ فِي هذَا الأَمْرِ". لا تَستغلَّ شخصًا آخر. وما أكثرَ ما يَستغلُّ النَّاسُ بعضُهم بعضًا جسديًّا وجنسيًّا بطريقة مُريعة. وقد قرأتُ أكثر مقالةٍ صادمة في آخر عددٍ مِن مَجلَّة "عِلْم النَّفس اليوم" (Psychology Today). وقد وجدتُ صُعوبةً في تصديق ذلك. فالمقالةُ تَعرِض دراسة نَفسيَّة مَسحيَّة كاملة تُنادي بأنَّ سِفاح القُربى هو علاقة إيجابيَّة ومُعَزِّزة في إطار العائلة... إن كان بإمكانكم أن تَتخَّيلوا شيئًا كهذا. فإن كُنَّا نتحدَّث عن الاستغلال فإنَّه سيَحدث. وهذه هي أوَّل مقالة رأيتها في تلك المجلَّة الَّتي تُوَزَّع في كلِّ مكان. فسوف يحدث ذلك. وسوف يُدَمِّر الآباء حياة بناتهم عندما يصير ذلك مسموحًا. لكن لا يجوز أن تَستغلَّ أيَّ شخص. لا تَستغلَّ الآخرين لإشباع رغباتك.

فمشيئة الله لنا هي أن نكون طاهرين، ومُفرَزين، وغير نَجِسين. "لِكَيْ لاَ يَعِيشَ أَيْضًا..." [كما قرأنا في رسالة بطرس الأولى 4: 2 في وقتٍ سابق] "...الزَّمَانَ الْبَاقِيَ فِي الْجَسَدِ، لِشَهَوَاتِ النَّاسِ، بَلْ لإِرَادَةِ الله". وأنا أقول لكم، يا أصدقائي، إنَّني أتعبُ مِن الأمور الَّتي تحدث في الأوساط المسيحيَّة. فهناك قائد مسيحيّ حياتُه... بل إنَّ هناك قائِدينِ عَرفتُ عنهما هذا الأسبوع يعيشان حياةً فاسقة؛ ولكنَّهما مُستمرَّان في خدمتهما ويَزدهران في مكانٍ عامٍّ جدًّا. وهناك مؤمنون مُنزعجون جدًّا منهما ويُفكِّرون في كتابة مقالات كبيرة عنهم لِكَشفِهم.

والكنائس مُمتلئة بأشخاصٍ لديهم علاقات جنسيَّة مُحَرَّمة. هذه هي مشيئة الله لكم. والآن، قد تقول: "إنَّ المسيح رَبِّي، وقد جئتُ إليهِ وقَبِلْتُ على يده الخلاص بالنِّعمة، وأنا أخضع له، وأُحِبُّه، وأُبَجِّلُه"، ثُمَّ إنَّك تخرج وتُعارض مشيئته بكلِّ صَفاقة وعُنف على المَلأ. ولكنَّ مشيئة الله هي أن تكون مُقدَّسًا، ومُفرَزًا، وطاهرًا.

رابعًا، إنَّ مشيئة الله لا تقتصر فقط على أن تَنال الخلاص، وتَمتلئ بالرُّوح، وتَتقدَّس، بل أيضًا أن تكون خاضعًا. وسوف أتحدَّث في عُجالة عن هذه النُّقطة. فنحن نقرأ في رسالة بطرس الأولى 2: 13: "فَاخْضَعُوا لِكُلِّ تَرْتِيبٍ بَشَرِيٍّ مِنْ أَجْلِ الرَّبِّ. إِنْ كَانَ لِلْمَلِكِ فَكَمَنْ هُوَ فَوْقَ الْكُلِّ، أَوْ لِلْوُلاَةِ فَكَمُرْسَلِينَ مِنْهُ لِلانْتِقَامِ مِنْ فَاعِلِي الشَّرِّ، وَلِلْمَدْحِ لِفَاعِلِي الْخَيْرِ. لأَنَّ هكَذَا هِيَ مَشِيئَةُ اللهِ". يمكنكم أن تتوقَّفوا هنا.

فهو يقول: "مهلاً! اخضَعُوا لكلِّ ترتيبٍ بشريٍّ مِن أجل الرَّبّ". لا مِن أجل الحكومة، بل مِن أجل الرَّبّ. لماذا؟ لأنَّ النَّاس يُقَيِّمون حقيقة إيمانك مِن خلال مُواطَنَتِك. وهذا مُدهش... مُدهش! فما هو نوع مواطَنَتِك؟ هل تُطيع وصايا النَّاس؟ المَلِك؟ الوُلاة؟ لأولئكَ المُرسَلين مِنْهُ لِلانْتِقَامِ مِنْ فَاعِلِي الشَّرِّ؟ أيْ مِن الشُّرطة أو أحيانًا الجيش؟ "وَلِلْمَدْحِ لِفَاعِلِي الْخَيْر".

اسمعوني: إنَّ النَّاس يقولون: "يا للهول! ماذا سأفعل بخصوص الجيش؟ ماذا سأفعل بخصوص الالتحاق بالجيش؟" إنَّ الأمر سِيَّان فيما يَختصُّ بكونك شُرطيًّا. فطالما أنَّ تلك الأجزاء مِن حكومتنا (أي الشُّرطة والقُوَّات المُسلَّحة) تحمي الأبرياء مِن الأشخاص الَّذينَ لا يعرفون الله، وأصحاب الأفكار البشريَّة، والمُلحِدين، والقَتلة (سواء كانوا أفرادًا أَم أُممًا)، لا أرى أيَّة مشكلة في الاشتراك في تشجيع كلِّ ما هو بارّ.

فلو كنتُ مواطنًا رُوسيًّا لكنتُ أمَّام مشكلة صغيرة. فلن أتمكَّن مِن الخدمة في القُوَّات المُسَلَّحة لأنَّهم الطُّغاة والمُعتدون والقَتلة؛ ولكن يمكنني أن أدافع عن النَّاس. وأنا لا أقول أيَّ شيء مِن جهة سياسيَّة بَحتة، ولكن عندما لم نُدافع عن النَّاس بالطَّريقة الصَّحيحة في جنوب شرق آسيا، مات ملايين النَّاس... الملايين! إذًا، يجب علينا أن نكون خاضعين. وهذا هو رُوح المُواطَنة الصَّالِحَة. فيجب علينا أن نَلتزم بالمبادئ الَّتي تضعها حكومتنا.

وقد تقول: "لحظة مِن فَضلِك! إلى أيِّ مَدى يمكننا أن نَخضع لها؟" فقط إلى النُّقطة الَّتي تَنتهك فيها الحكومة وصيَّةً مُباشرةً في كلمة الله. فحينئذٍ يجب عليك أن تُطَبِّق ما جاء في سِفْر أعمال الرُّسُل والأصحاحين الرَّابع والخامس وأن تقول: "في هذه النُّطة، يَنْبَغِي أَنْ يُطَاعَ اللهُ أَكْثَرَ مِنَ النَّاس". وأعتقد أنَّ هذا هو المكان الَّذي ينبغي أن نَرسم خَطًّا فيه.

ولكن يجب علينا أن نكون خاضِعين جَيِّدين. هل تدركون أنَّه بحسب ما جاء في رسالة أفسُس والأصحاح السَّادس، إن كنتَ مُوظَّفًا، يجب عليك أن تخضع لرئيسك كما للرَّبِّ؛ أي كما لو أنَّه المسيح؟ فيجب علينا أن نَتعلَّم الخضوع. وفي رسالة أفسُس والأصحاح الخامس، نقرأ أنَّه في الزَّواج ينبغي لنا أن نَتعلَّم الخضوع، وفي العائلة ينبغي لنا أن نَتعلَّم الخضوع، وفي العمل ينبغي لنا أن نَتعلَّم الخضوع، وفي الحكومة ينبغي لنا أن نَتعلَّم الخضوع. ومِن خلال أرواحنا الحلوة الخاضعة، وروح التَّعاون... فهذه ليست حكومة دكتاتوريَّة... لذا، يجب علينا أن نخضع مِن خلال التَّعاون، لا بأن نقول: "إن كان هذا هو ما يريدون أن يفعلوه، سأخضع لهم وأجعلهم يَفعلون ذلك بي".

فيمكننا أن نَطلب المساعدة مِن حكومتنا. ويمكننا أن نُصَوِّت. ويمكننا أن نُقدِّم التماسًا. ويمكننا أن نَضغط. ويمكننا أن نُقدِّم دعاوَى إلى الحكومة بخصوص الأشياء الَّتي نَعتقد أنَّنا نَملكُ فيها قضيَّةً عادلةً وبَارَّةً. وهذا يُعَدُّ تعاونًا مع النِّظام. ولكن عندما نَنتهكه فإنَّنا نتوقَّف عن تمثيلها ولا نستطيع أن نكون أَكْفاء لأن نكون قادةً في الكنيسة؛ إلاَّ في تلك الحالات الَّتي تَنتهك فيها الحكومة وصيَّةً مباشرةً لله. فحينئذٍ ينبغي لنا أن نُطيع الله وأن نَتحمَّل النَّتائج.

هل يمكنني أن أُقدِّم لكم فكرةً خامسة؟ ما هي مشيئة الله؟ أن تنالوا الخلاص، وتَمتلئوا بالرُّوح، وتَتقدَّسوا، وتَخضعوا. خامسًا: أن تَتألَّموا. وأريد وحسب أن أذكُر هذه النُّقطة لأنَّنا تحدَّثنا عنها في السَّابق. فنحن نقرأ في رسالة بطرس الأولى 3: 17: "لأَنَّ تَأَلُّمَكُمْ إِنْ شَاءَتْ مَشِيئَةُ اللهِ، وَأَنْتُمْ صَانِعُونَ خَيْرًا، أَفْضَلُ مِنْهُ وَأَنْتُمْ صَانِعُونَ شَرًّا". فمشيئة الله هي أنَّه عندما تَتَصَدَّوْنَ للعالم ويُعادي النَّاسُ رسالتنا وحياتنا، فإنَّنا قد نتألَّم. وَهُوَ يقول: "لا ينبغي أن تُدهَشوا كثيرًا لأنَّ المسيح أيضًا تألَّم". فقد تألَّم.

وَهُوَ يقول في الأصحاح الرَّابع والعدد 19: "فَإِذًا، الَّذِينَ يَتَأَلَّمُونَ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ، فَلْيَسْتَوْدِعُوا أَنْفُسَهُمْ، كَمَا لِخَالِق أَمِينٍ، فِي عَمَلِ الْخَيْر". وَهُوَ يقول في الأصحاح الخامس والعدد 10: "بَعْدَمَا تَأَلَّمْتُمْ يَسِيرًا، هُوَ [أي: الرَّبُّ] يُكَمِّلُكُمْ". وكما تَرون، فإنَّ جزءًا مِن النُّموِّ والنُّضجِ في حياة المؤمن يحدث مِن خلال الألم. فهو التَّقليم المذكور في يوحنَّا 15 حيث إنَّ كلمة الله والامتحانات والظُّروف تَنزِع الأغصان غير المُثمرة الَّتي تُعيق نُمُوَّنا وتَمتصُّ طاقتنا. فقد دعانا اللهُ إلى التَّألُّم: "وَجَمِيعُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَعِيشُوا بِالتَّقْوَى فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ يُضْطَهَدُون" (كما تقول رسالة تيموثاوس الثَّانية 3: 12).

لِذا، يجب علينا أن نُواجه ذلك. صَحيحٌ أنَّنا لا نَتمنَّى ذلك ولا نرغب فيه، ولكنَّ يجب علينا أن نكون مُستعدِّين لأن نَحمل في أجسادِنا سِماتِ يسوعَ المسيح. ويجب علينا أن نكون مُستعدِّين للوقوف وقفةً شُجاعةً والوقوف في وجه الألم. ويجب علينا أن نكون مُستعدِّين لقول ما ينبغي قوله بِغَضِّ النَّظر عَمَّا قد يحدث. وأحيانًا يصير الأمر مُخيفًا قليلاً.

وما زلتُ أَذكُرُ ما حدث عندما تَكلَّمتُ في كُليَّة "فالي" (Valley College) على مقربة مِن هنا قبل بضع سنوات. فقد طَلبوا مِنِّي أن أتكلَّم عن المسيحيَّة والثَّقافة. ولكنِّي لا أعلم أيَّ شيءٍ عن ذلك. لِذا فقد قَرَّرتُ أن أتكلَّم عن: "لماذا يسوعُ هو المَسيَّا". وربَّما يَذكُر بعضٌ منكم ذلك. وهذا مكانٌ رائعٌ للقيام بذلك لأنَّ هناك الكثير مِن اليهود. لذا فقد وقفتُ في المُنتدَى المفتوح طَوال ساعة وتحدَّثتُ عن سبب أنَّ يسوع هو المَسيَّا.

وأذكُرُ أنَّ شابًّا نال الخلاص في ذلك اليوم وفي ذلك المكان، وأنَّه التحق بكُليَّة اللاَّهوت. وأَذكُر أنَّ الخدمات المسيحيَّة مُنِعَت مِن دخول الحَرم الجامعيّ، وأنَّ جميع مِنَصَّات توزيع الكُتب المسيحيَّة قد أُغلِقَت، وأنَّ أعضاء "جَمعيَّة الدِّفاع عن اليهود" (JDL) أرسلوا رسالةً إلى كنيستنا يُهَدِّدون فيها بتفجيرها صباح يوم أحد. ولكنَّنا لم نُخبِر الرَّعيَّة لأنَّنا أردنا منهم أن يأتوا. وَهُم لم يفعلوا ذلك. وقد صِرنا نَتلقَّى مكالمات هاتفيَّة مجهولة في مُنتصف اللَّيل. وقد ضايقوا زوجتي وعائلتي. وحتَّى إنَّ شخصًا جاء في أثناء وجودنا هنا في كنيسة "النعمة" إلى باب بيتنا وَهُوَ يَحْمِلُ سِكِّينا ويُهَدِّد بخطف أولادنا. وقد سُجِنتُ لأنِّي كَرزتُ بالإنجيل في الولايات المُتَّحدة الأمريكيَّة قبل سَنواتٍ خَلَت. والحال ليست هكذا دائمًا، ولكنَّها قد تكون هكذا.

وأنا أعتقد حقًّا أنَّه يجب علينا أن نَتصدَّى للدَّهر الشرِّير. ولكن، يا أصدقائي، إن كنتُ أُوْمِنُ بشيء فإنَّني أُوْمِنُ بأنَّه في اليوم الَّذي نعيش فيه، إن كُنَّا نَتصدَّى حقًّا للشَّرّ ستكون هناك عواقب أعظم مِن تلك الَّتي كانت في الماضي. وهل تَعلمون شيئًا؟ لقد قال بولس: "لقد تألَّمتُ كثيرًا، ولكنِّي أريد أن أعرفه، وشركة ماذا؟ "آلاَمِهِ". فعندما تَتألَّمون لأجل المسيح فإنَّكم تَشتركون اشتراكًا حقيقيًّا مع ذاك الَّذي تَألَّم. أترون؟ والشَّخص الَّذي لم يتألَّم يومًا لا يَفهم حقًّا شركة آلام المسيح، ولا يَفهم معنى أنَّ المسيح هو رئيس الكهنة الرَّحيم.

وهناك نُقطة أخيرة: فمشيةُ الله هي أن تَنال الخلاص، وتمتلئ بالرُّوح، وتتقدَّس، وتَخضع، وتَتألَّم. وماذا عن هذه؟ أن تَشكروا. فمشيئة الله هي أن تَشكروا. فنحن نقرأ في رسالة تسالونيكي الأولى 5: 18: "فِي كُلِّ شَيْءٍ، [افعلوا ماذا؟] اشكروا، لأَنَّ هذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ اللهِ...مِنْ جِهَتِكُمْ".

والآن... الآن رَّكِّزوا واستمعوا دقائق قليلة. فالنَّاس يقولون: "أنا لا أعرف مشيئة الله. أنا أحاول أن أكتشف مشيئة الله. ما هي مشيئته؟" حسنًا، إنَّها أن تَنال الخلاص. هل سَلَّمتَ يومًا قَلبك للمسيح؟ ومشيئته هي أن تَمتلئ بالرُّوح؟ هل تَتغذَّى بانتظام على كلمة الله كي تمنحك إدراكًا لحضور المسيح. فعندما تسكن كلمته فيك بغِنى فإنَّها تُعطيك روح الله الَّذي تحتاج إليه للسَّيطرة على حياتك. لذا، هل أنت مُمتلئ به؟

والكلمة "امتلأوا" تُستخدم للإشارة إلى الرِّيح الَّتي تَعصِف بالشِّراع الَّذي يُحَرِّك السَّفينة. فهل تَتحرَّك على سطح الماء بقوَّة روح الله الَّذي يملأ حياتك لأنَّك تَفتكر بفكر المسيح؟

وهل أنت مُقَدَّس؟ فهل فَحصتَ حياتك مِن هذا الجانب؟ وهل تعيش حياةً فاضلةً وبارَّة؟ ومشيئته هي أن تكون خاضعًا. فهل أنت ذلك النَّموذج الَّذي تتحدَّث عنه كلمة الله فيما يَختصُّ بالخضوع؟ وهل تَخضع للحكومة وللسُّلُطات الموجودة مِن حولك حتَّى إنَّ النَّاس يقولون عنك إنَّك نَموذجٌ للإنسان الخاضع؟

وماذا عن الألم؟ هل تواجه مُجتمعًا لا يَعرف الله؟ وماذا عن الشُّكر؟ هل قلبك مُمتلئ بالشُّكر على كلِّ مِحنة، وكلِّ تجربة، وكلِّ ضيق، وكلِّ شيء سَيِّئٍ أو حَسَن؟ أَم أنَّك مُتَبَرِّم، ومُتذمِّر، وتشعر بالمَرارة والغضب؟ ما هي مشيئة الله؟ أتَعلمون شيئًا؟ إنَّها هذه الأشياء، يا أصدقائي.

وقد تقول: "حسنًا يا ماك آرثر. يا لها مِن مُساعدة كبيرة قَدَّمتها لي! هل قُدْتُ حَقًّا سَيَّارتي في هذا المطر كي أسمع هذا الكلام! إنَّ كلَّ ما قُلتَهُ لي هو مجموعة مِن الآيات الكِتابيَّة. ولكنَّك لم تَقُل لي أيًّا مِن هؤلاء الفتيات السِّتّ ينبغي لي أن أختار! وأنت لم تقل لي أين ينبغي أن أنتقل، أو إلى أيِّ جامعةٍ أذهب، أو ما العمل الَّذي ينبغي لي أن أقبله أو كيف أحلَّ مشكلتي. أنا أشعر أنَّني خُدِعْت. فأنا لم أحصل على جوابٍ مُباشِر".

لديَّ جوابٌ لك. وسوف تُحِبُّه! إن كنت مُخَلَّصًا، ومُمتلئًا بالرُّوح، ومُقدَّسًا، وخاضعًا، وتتألَّم، وشَكورًا، هل تعلم ما هي مشيئة الله لك؟ أيَّ شيءٍ تُريد. هل أعجبك ذلك الأمر؟ وهل بَدا ذلك الأمر جيِّدًا؟ افعلهُ. أيًّا كان. وقد تقول: "ماذا تعني؟ هذه إرادة ذاتيَّة! أترون؟ لا يمكنني أن أفعل ما أريد، بل يجب عليَّ أن أقرع على بابٍ مَا وأن أضع جَزَّة صُوف".

مَهلاً! إن كنتَ مُخلَّصًا، ومُمتلئًا بالرُّوح، ومُقدَّسًا، وخاضعًا، وتتألَّم، وشكورًا، مَن في رأيك يَتحكَّم في رغباتك؟ خَمِّن الجواب. إنَّه الله. لِذا فإنَّ المزمور 37: 4 يقول: "تَلَذَّذْ بِالرَّبِّ...". وهذا يعني أن تَتلذَّذَ بحَصيلةِ تلك الأمور السِّتَّة. "...فَيُعْطِيَكَ [ماذا؟] سُؤْلَ قَلْبِكَ". وهذا لا يَعني أنَّه سيُنَفِّذ رغباتك الذاتيَّة، بل يعني أنَّه سيَضعها في قلبك.

فالنَّاس يقولون لي: "لماذا ذهبتَ إلى كنيسة غريس؟" وكما تَعلمون، لقد كان جَوابي طَوال هذه السِّنين: "لأنِّي أردتُ ذلك". وهناك مَن يقول: "حَقًّا! لقد أردتَ ذلك؟ أَلا تَعرف مشيئة الله؟ إنَّها شيء نفعله وحسب لأنَّه يجب علينا أن نفعله!" مَهلاً! أنا لا أعيش في هذا النَّوع مِن البُؤس. فأنا أَتسلَّمُ رسائل بين الحين والآخر مِن كنيسة أو هيئة. وَهُم يقولون: "نحن نَشعر أنَّ الرَّبَّ قادَنا إلى أن نَطلب منك أن تأتي لتكون راعينا". وغالبًا ما يكون ذلك في منطقة "پيربلوسوم" (Pearblossom) أو "ديث فالي" (Death Valley) أو مكانٍ مُشابه.

ولكن بأيِّ حال، أحيانًا يكون العرض أفضل مِن ذلك، أو أحيانًا... لا أدري! فهناك أمور كثيرة مِثل هذه تحدث. وَهُم يقولون: "أَلاَ صَلَّيتَ مِن فضلك بهذا الخصوص؟" وهل تَعلمون ما هو أوَّل شيءٍ يخطر ببالي؟ لا أريد الذَّهاب إلى هناك. وإن لم أرغب في الذهاب إلى هناك، سأواجه مشكلةً عصيبةً في الصَّلاة لأجل ذلك الأمر. أو يمكنني أن أقول لَهُ وحسب: "إلهي الحبيب، لا أريد أن أذهب إلى هناك. ولكنِّي أتحدَّث إليك بهذا الخصوص كي أقول لك إنَّني لا أريد الذَّهاب إلى هناك". ولكنِّي لا أعرف طريقةً أخرى يقودُ اللهُ بها حياتي أفضل مِمَّا يفعل مِن خلال رغباتي. ولكن هناك فَخٌّ هنا وهو: إن كانت رغباتك مُخالفة لرغباته. وهي لا يمكن أن تكون رغباته إلاَّ وَفقًا لهذه الشُّروط.

وهناك فكرة ثانية هنا: سوف يأتي وقتٌ تبتدئ فيه باتِّباع تلك الرَّغبة في قلبك. وإن لم تكن واضحةً بعد انتظر. فسوف تَتَّضِح. وقد اكتشفتُ أنَّ هذا المبدأ يَسري دائمًا في حياتي. فقد جئتُ إلى كنيسة غريس لأنِّي أردتُ ذلك. وأنا ما زلتُ أرغبُ في أن أكون هنا، ولا أريد أن أذهب إلى أيِّ مكان آخر. وأعتقد أنَّ الله هو الَّذي يضع هذه الرَّغبات في قلبي. أترون؟ ولكن هناك فكرة أخرى: عندما نريد أن نفعل شيئًا، ونَتبع تلك الرَّغبة، يجب علينا أن نَسمح لله أن يُطَبِّق الظُّروف على تلك الرَّغبة بطريقة قد تُغيِّرها. ولكن على الأقلّ، إنَّها تَجعلنا نتحرَّك. فلا يمكنك أن تُحَرِّكَ مِقود شاحنةً تقف في مكانها. أليس كذلك؟ فهذا صعبٌ جدًّا. ولكن ما أن تتحرَّك حتَّى يصير تحريك المِقود سهلاً.

لِذا فإنَّنا نتحرَّك بحسب رغبة قلبنا ونَسمح لله بتشكيلها. فالرَّسول بولس (في سِفْر أعمال الرُّسُل والأصحاح 16) يَتحرَّك ويقول: "حسنًا، لقد عَقدنا العَزمَ على الذَّهاب إلى أسِيَّا الصُّغرى". ولكنَّ الرُّوح القُدُس قال: "لا". لِذا فقد قُلنا: "الخُطَّة البديلة: سنذهب إلى بِثِينِيَّة". فقال الرُّوح القُدُس: لا. لِذا فقد مَنَعَنا أن نَذهب جنوبًا أو شمالاً. وقد كُنَّا للتَّوّ في الشَّرق". ماذا سيفعل حينئذٍ؟ فهو لم يتوقَّف يومًا. فقد كانت لديه الرَّغبة، وكان يستمرُّ في التحرُّك والتحرُّك والتحرُّك. وأخيرًا، ذهب إلى البحر ووقف عند حافة المياه وقال: "حسنًا يا رَبّ! ماذا تريد مِنِّي أن أفعل؟" وفي تلك اللَّيلة ذهب لينام فرأى رؤيا تُعلِمُهُ بأن يَذهب إلى مَكِدونيَّة. وقد وَصَل الإنجيل إلى أوروبَّا.

ولو لم يَفعل ذلك، ولم يَتْبَع رغبته القلبيَّة في الاستمرار في عمل مشيئة الله بالرَّغم مِن أنَّ الربَّ كان يُرشده طُول الطَّريق مِن خلال إغلاق بضعة أبواب، لو لم يفعل ذلك، رُبَّما كان الإنجيل قد ذهبَ في الاتِّجاه الآخر وصار الصِّينيُّون مَسيحيِّين وراحوا يُبَشِّرونَنا. ولكن كما تَرون، كي تَتبع رغبتك القلبيَّة، يجب عليك أن تكون مُنفتحًا للظُّروف.

لقد رأيتُ "مارتي وولف" (Marty Wolf) يَدخُل. وقد استخدمتُهُ مَثلاً توضيحيًّا في كتابي. فقد كُنَّا أنا ومارتي نذهب معًا إلى الجامعة طَوال الوقت عندما كنتُ أدرسُ في كُليَّة اللاَّهوت. وقد قال "مارتي": "أتَعلم شيئًا؟ أريد أن أكون مُرْسَلاً إلى اليهود". وقد كان يرغب في الذَّهاب إلى باريس كي يَكرِز لليهود النَّاطقين بالفرنسيَّة عن المسيح. لذا فقد تحدَّثنا كثيرًا عن ذلك. وقد فحصنا حياته. فهو مُخَلَّص ومُمتلئ بالرُّوح، ودرسنا الموضوع مِن جميع الجوانب وقُلنا: "مارتي! إلى اللِّقاء. رِحلة مَيمونة. اذهب وحسب. فهذا هو شوق قلبك".

لِذا، أَذكُرُ أنَّنا وضعنا لافتةً في كنيستنا تقول: "مارتي وولف سيسافر إلى فرنسا". وهل تعلمون إلى أين ذهب؟ إلى كندا. فقد ذهب إلى هناك. ولكنَّه ذهب إلى مونتريال ليخدم في وسط اليهود النَّاطقين بالفرنسيَّة. فالله أعطاه سُؤل قلبه، ولكنَّه لم يكن يَعرف المدينة الصَّحيحة.

وكما تَرون، هذه هي الطَّريقة الَّتي يَعمل اللهُ بها. فلا يوجد شيء غامض، بل إنَّك إذا استمرَّيتَ في التحرُّك وفقًا لأشواقك القلبيَّة فإنَّ الله سيفتح الباب الصَّحيح. وأنا أُحِبُّ الآية تَكوين 24: 27: "إِذْ كُنْتُ أَنَا فِي الطَّرِيقِ، هَدَانِي الرَّبُّ". دَعونا نُصلِّي:

"وَإِلهُ السَّلاَمِ الَّذِي أَقَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ رَاعِيَ الْخِرَافِ الْعَظِيمَ، رَبَّنَا يَسُوعَ، بِدَمِ الْعَهْدِ الأَبَدِيِّ، لِيُكَمِّلْكُمْ فِي كُلِّ عَمَل صَالِحٍ لِتَصْنَعُوا مَشِيئَتَهُ، عَامِلاً فِيكُمْ مَا يُرْضِي أَمَامَهُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي لَهُ الْمَجْدُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِين".

This sermon series includes the following messages:

Please contact the publisher to obtain copies of this resource.

Publisher Information
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969

Welcome!

Enter your email address and we will send you instructions on how to reset your password.

Back to Log In

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize
View Wishlist

Cart

Cart is empty.

Subject to Import Tax

Please be aware that these items are sent out from our office in the UK. Since the UK is now no longer a member of the EU, you may be charged an import tax on this item by the customs authorities in your country of residence, which is beyond our control.

Because we don’t want you to incur expenditure for which you are not prepared, could you please confirm whether you are willing to pay this charge, if necessary?

ECFA Accredited
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Back to Cart

Checkout as:

Not ? Log out

Log in to speed up the checkout process.

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize