
نحنُ نُتابِعُ سِلسلةً دِراسيَّةً قصيرةً في عظتنا الصباحيَّة عن موضوع الله: "هل هو موجود؟ مَن هو؟ وما هي صِفاتُه؟" وسوفَ تكونُ هذه الدراسةُ استراحةً قَصيرةً خِلالَ دِراستِنا لرسالةِ كورِنثوسَ الأولى. وسوفَ نَسْتَكْمِلُ هذهِ الدراسةَ مَساءَ يومِ الأحدِ بسلسلةٍ دِراسِيَّةٍ مُشابِهَةٍ عنِ الشيطان: "هل هو موجود؟ مَنْ هو؟ ما هي صِفاتُه؟" وفي هذا الصباح، سنتأمَّلُ مَرَّةً أُخرى في موضوعِنا عنِ اللهِ: "هَلْ هُوَ موجود؟ مَنْ هو؟ وما هي صفاتهُ؟" وأرْجو أنْ تَبْقى الكُتُبُ المُقدَّسةُ جَاهزةً بين أيديكم إذ إنَّنا سنَقرأُ بَعْضَ آياتٍ كِتابيَّةٍ أثناءَ دراستنا. وَهناكَ كتابٌ مفيدٌ جدًّا عن طبيعةِ اللهِ؛ وهو كتابٌ أَلَّفَهُ "أ. دبليو. توزر" (A.W. Tozer) بعُنوان "معرفة القُدُّوس". ومِنْ بينِ أمورٍ أخرى يقولها المؤلِّف في كتابه، هناك جملةٌ مهمةٌ تَقول: "إنَّ تاريخ البشرية سيُبينُ أنهُ ما مِن شعبٍ أَسْمَى مِنْ دِيانَتِهِ. والتَّاريخُ الرُّوحيُ للإنسانِ يؤكدُ أنه ما مِنْ ديانةٍ كانت يومًا أعظمَ مِنْ فكرتها عن الله. فالعبادةُ تكونُ ساميةً أو وضيعةً بحسبِ نظرةِ المُتَعَبِّدِ السَّامِيَةِ أو الوَضيعَةِ إلى الله. لهذا السبب فإنَّ أخطرَ سؤالٍ يواجه الكنيسة يَختصُّ دائمًا بالله نفسهُ. وأهمُّ حقيقةٍ تختصُّ بأي إنسانٍ هي ليست ما قد يقولهُ أو يفعلهُ في وقتٍ من الأوقات، بل ما يُضمِره في أعماقِ قلبهِ عن الله" - [نِهايةُ الاقْتِباس]. وما يقصدهُ الكاتبُ هُوَ أنَّ أَهَمَّ شيءٍ يَملكه الإنسانُ هُوَ فَهْمُهُ للهِ، وأنَّ أَهَمَّ رسالةٍ ينبغي للكنيسةِ أن تُقدِّمَها هي معرفةُ الله. وأعتقدُ أنه مُحِقٌّ في ذلك.
إنَّ السببَ الذي يجعلُنا ندعو النَّاسَ إلى فهمِ اللهِ فَهْمًا صَحيحًا هو سببٌ مزدوجٌ: أولاً، بسببِ وجودِ أشخاصٍ لا يؤمنونَ باللهِ. فَهُمْ إمَّا مُلْحِدونَ فَلسفيونَ أو عَمَلِيُّون. أيْ إنَّهُمْ إمَّا يؤمنون بعدم وجود إلهٍ، أو يتصرفونَ على هَذا النَّحْو. لهذا السبب، نَودُّ أنْ ندعو إلى الحقِ المختصِ باللهِ الحقيقيِّ لكي يَعرفَ الناسُ أنَّ هناكَ إلهًا، ولكي يعرفوهُ على حقيقته. ثانيًا، نحن نَكْرِزُ باللهِ ونُعلنُ وجودَ اللهِ لا فقط لأنَّ هناك أُناسًا لا يؤمنونَ بِهِ، بل أيضًا لأنَّ هناكَ أُناسًا يؤمنونَ بأمورٍ خاطئةٍ عن الله؛ أيْ إنَّ لديهم مفاهيمَ خاطئة عنهُ. وهذا يَصحُّ حتى في الوَسَط المسيحيِّ. وأنا أَرْتَعِبُ مِنْ أفْكارِ بعضِ المَسيحيِّينَ عن الله. ولا نُخْطِئُ إنْ قُلْنا إنَّ الإيمانَ بأمورٍ خاطئةٍ عن اللهِ هُوَ شَكلٌ مِنْ أشْكالِ الوَثنيَّة. فعندما نُفَكِّرُ في الوثنيةِ فإننا نتخيلُ إنسانًا يَسْكُنُ في كوخٍ مصنوعٍ من الطِّيْنِ، ويَضَعُ إلهًا صَغيرًا على طاولتِهِ أوْ في أيِّ مَكانٍ، وَيَسْجُدُ أمامَهُ. أو قَدْ نُفكرُ في مَعبدٍ وَثَنِيٍّ واسعٍ جدًّا ومُزخرفٍ مُزْدَحِمٍ بأُناسٍ يَحْرِقونَ البَخُور. ولكنَّ مَفْهومَ الوثنيةِ أَوسَعُ مِنْ ذلك بكثير. فالوثنيةُ تَعْني، ببساطةٍ: التفكيرُ في اللهِ تَفكيرًا مَغلوطًا لا يَتَّفِقُ مَعَهُ. وَهِيَ تَعْني أنْ نَفْتَرِضَ جَدَلاً أيَّ شيءٍ خَاطئٍ عن اللهِ. وفي المَرحلةِ المُتطوِّرةِ مِنَ الوَثنيَّةِ، فإنها تَبْتَدِعُ إلهًا. أمَّا في مرحلتها الثانوية، فإنها تُصَوِّرُ اللهَ الحيَّ بِصورةٍ مُغايِرَةٍ لِطبيعَتِهِ. وفي مرحلتها الثالثة، وَهُوَ أمْرٌ يُخْطِئُ فيهِ المَسيحيُّونَ أيضًا، فإنَّ الوَثنيَّةَ تَعْني التَّفكيرَ في اللهِ بطريقةٍ لا تَليقُ بِهِ.
ويَقولُ المزمور 50: 21: "ظَنَنْتَ أَنِّي مِثْلُكَ". فاللهُ يقولُ للإنسانِ: "ظَنَنْتَ أَنِّي مِثْلُكَ". وهذا هو تحديدًا ما يفعلهُ البشرُ إذْ إنهم يُمارسونَ الوثنيةَ غالبًا لأنهم يَجْعَلونَ اللهَ على صُورَتِهِم، أو يَفْتَكِرونَ بِهِ بِطريقَةٍ تُوافِقُ الصورة التي رسموها له في أفكارهم. فَجَوْهَرُ الوَثنيَّةُ يَنْبُعُ مِنَ التفكيرِ في اللهِ بأفكارٍ لا تليقُ بهِ. وَقَدْ يَأخُذُ ذلكَ أشكالاً مُختلفةً. لِذلكَ فإنَّنا نَكْرِزُ باللهِ لا بسبب وُجودِ أُناسٍ لا يُؤمِنونَ بهِ فحسب، سَواءٌ فَلسفيًا أو عَمَلِيًا، بل أيضًا بسببِ وجود أُناسٍ يؤمنونَ بأُمورٍ خاطِئَةٍ عَنِ الله. لِذلكَ، يَجِبُ علينا أنْ نُوَضِّحَ الأُمورَ الصَّحيحةَ المُختصَّةَ باللهِ. وَهُنا تَكْمُنُ أهميَّةُ هذا الموضوع. وقد تَطَرَّقْنا إلى ذلكَ في المرةِ السابقةِ، قَبْلَ الحَديثِ عن أيِّ شَيءٍ آخَرَ، وقُلْنا إنَّ النقطةُ الأولى هي أن نطرح السؤالَ: "هَلِ اللهَ موجودٌ؟ وَهل هناكَ إلهٌ؟" وقد قُلنا إنَّ المَنطقَ والإعلانَ والخبرةَ تؤكِّدُ جميعُها وجودَ اللهِ.
ثانيًا، لقد سألنا: "مَنْ هو الله؟" وقد عَرَفْنا أنَّ اللهَ رُوْحٌ. وهو شَخْصٌ إذْ إنَّهُ يَمْتَلِكُ شَخصيَّةً. فهو ليسَ طاقةً سَابِحَةً في الفَضاءِ، بل هو شخصٌ. وهو إلهٌ واحدٌ، ومع ذلكَ فهو ثلاثةُ أقانيمَ في إلَهٍ واحدٍ. إذًا، اللهُ رُوْحٌ، وشَخْصٌ، وثلاثةٌ في واحد. ثُمَّ استعرضنا مُقَدِّمَةَ النُّقطةِ الثالثةِ وهي: "ما هي صِفاتُهُ؟" فمَنْ يَكونُ هذا الشخصُ الحّيُّ الرُّوحِيُّ الموجودُ في ثلاثةِ أقانيم؟ إنَّ الطريقةَ الوحيدةَ التي يُمْكِنُنا مِنْ خِلالِها أن نعرفَ صِفاتِ اللهِ هي أن نعرفَ كيفَ أعلنَ عنْ ذاتِهِ في الكتابِ المقدَّسِ. وقد أَسْمَيْنا إعلانَ اللهِ عَنْ ذاتِهِ "صِفات". وَ "صِفاتُ اللهِ" هي مُصطلحاتٌ تُشيرُ إلى شَخصيةِ اللهِ التي أعلنها هُوَ لَنا في الكتابِ المُقَدَّسِ. والآن، لِنَبْتَدِئ بِدِراسةِ صِفاتهِ. وقدِ اسْتَعْرَضْنا صِفَةً مِنْ صِفاتِهِ في المَرَّةِ السَّابقةِ. وسوفَ نَستعرضُ صِفَتَيْنِ أُخْرَيَيْن في هذا الصباح. ونحنُ نَسْتَعْرِضُ صِفاتِهِ الرَّئيسيَّةَ فقط. في البدايةِ، اسمحوا لي أنْ أقول إنَّ اللهَ موجودٌ منذُ البدءِ ولا يُمْكِنُنا أنْ نَسْبُرَ غَوْرَهُ. لذلكَ، عندما نُحاوِلُ أنْ نَفهمَ أيَّ شيءٍ عن اللهِ فإننا سنفهمهُ فَهْمًا مَحدودًا جِدًّا. فنحن لا نَرى سِوى قِمَّةَ الجبل. وهناكَ أمورٌ كثيرةٌ جدًّا عن اللهِ لا يمكن لأيِّ لُغَةٍ أن تُعَبِّرَ عنها. فنحن عاجِزونَ عنِ اسْتيعابِ ذلك لأنَّهُ أَمْرٌ يَفوقُ قُدْرَتَنا. وللتَّوضيحِ، اعْلَموا أنَّ اللهَ غيرُ مَحدودٍ وليسَ لَهُ نِهايَة. لذلكَ فإنَّ نِقاشَنا البسيطَ والقصيرَ الذي لا يَتَعَدَّى نِصْفَ السَّاعة عن أيٍّ مِنْ هذهِ المواضيعِ لا يُمكنُ أنْ يَفِي الموضوعَ حَقَّهُ فيما يَختصُّ بجوهر شَخْصِ الله.
فاللهُ لا يُسْبَرُ غَوْرُهُ. وأعتقدُ أنَّ هذا هُوَ السَّبَب الذي يَدْفَعُنا إلى طَرْحِ السؤالِ: "ما هي صِفاتُ اللهِ؟" وليسَ: "ما هو اللهُ". فإنْ قُلْنا "ما هُوَ اللهُ؟"، فإننا نَطْرَحُ السُّؤالَ بطريقةٍ تَعْسُرُ الإجابةَ عنها. أمَّا إنْ قُلْنا: "ما هي صِفاتُ اللهِ؟"، فَإنَّنا سَنتمكَّنُ مِنَ العُثورِ على أَشياءَ نَعرِفُها، وَسنَتمكَّنُ مِنْ تَشْبيهِهِ بتلكَ الأشياء. ولَكِنَّ الأمْرَ الَّذي يُوْقِعُنا في المتاعبِ هو أننا نُحاوِلُ أنْ نُشَبِّهَ اللهَ بالأشياءِ التي نَعْرِفُها فقط. فنحنُ نَنظرُ إلى المحبة البشريةِ. وعندما نَجِدُ أنَّ محبةَ اللهِ لا تُشْبِهُ المحبةَ البشريةَ، فإننا نقولُ إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ. ولكنَّ ذلكَ يَجعلُ المحبةَ البشريةَ المِعيارَ المُطْلَقَ والصُّورةَ المُطْلَقَةَ للمحبة. لِذا فإنَّ اللهَ لا يَرْتَقي في نَظَرِنا إلى تلكَ الصُّورةِ. ولكنَّ الأمرَ ليس كذلك. إنَّ اللهَ يُشْبِهُ بعضَ الأشياءِ. لِذا فإن الكتابَ المقدَّسَ يتحدث عَمَّا يُشْبِهُهُ أو يُمَاثِلُهُ. فعندما تَحدَّثَ حِزْقيال، قال: "وَهَذا مَنْظَرُهُ لَهُ شِبْهُ إنسانٍ". بعبارةٍ أخرى، إنهُ يُشْبِهُ الإنسانَ.
كذلكَ، لا يُمكننا أنْ نتحدثَ عن اللهِ الَّذي لا يُسْبَرُ غَوْرُهُ إلَّا من خلالِ ألْفاظٍ سَلبيَّةٍ. وأنا لا أَعني بذلكَ أننا سَلبيُّونَ فيما يختصُ باللهِ، بل أَعني ببساطةٍ أنهُ عندما نحاولُ تعريفَ اللهِ، فإننا نَجِدُ أنفُسَنا مُضْطرينَ إلى وَصْفِهِ بصفاتٍ لا تَتَّفِقُ مَعَهُ. فعلى سبيلَ المثالِ، عندما نقولُ إنَّ الله قُدُّوسٌ، فإننا نَعني بذلكَ أنَّهُ يَخْلُو مِنْ ماذا؟ مِنَ الخطيَّةِ. ولَكِنَّنا نَجِدُ أنفُسَنا مُضْطَرِّينَ إلى التَّفكيرِ بتلكَ الطريقة لأننا عَاجِزونَ عَنْ فَهْمِ قَداسَتِهِ المُطْلَقَة. فالشيءُ الوحيدُ الذي نعرفهُ هو الخطية. لذلكَ فإنَّ القداسةَ بالنسبةِ إلينا تعني عدمَ اقترافِ الخطية. هل فَهِمْتُمْ قَصْدي؟ فلا يمكننا أن نقولَ إنَّ الله غيرُ محدودٍ دونَ أن نفهمُ أنَّ ذلكَ يَعني أنَّ اللهَ ليسَ له أي حدود – فقط لأننا نَفهمُ الحدود. لذلكَ فإننا نقولُ إنهُ إلهٌ لَيْسَ لَهُ حُدود. وهذا هُوَ أيضًا ما يَدفعُنا إلى إضافةِ وَصْفٍ سَلبيٍّ لكُلِّ شيءٍ يَختصُّ بِهِ لأننا نعيشُ في عالمٍ تَكْثُرُ فيهِ الحدودُ، وفي عالمٍ مَحْصورٍ، وفي عالمٍ مُختلفٍ تَمامًا عَنِ اللهِ. لِذا فإنَّنا نَجِدُ أَنْفُسَنا مُضْطرينَ إلى القولِ: "إنَّ اللهَ يُشْبِهُ كَذا"، ولكِنَّهُ لا يُشبِهُ أيَّ شَيءٍ نفهمهُ. لذلكَ إن لم تكن هذه المسألةُ تُسَبِّبُ لكمْ تَشويشًا كبيرًا، يُمكنكم أنْ تَتجاهلوها.
وقد سَأَلني أحدُ الأشخاصِ، عندما ابتدأتُ هذه السلسلةَ القصيرةَ والصغيرةَ التي أَخَذْنا فيها استراحةً مِنْ دراسةِ رسالةِ كورِنثوسَ الأولى، لقد سألني إنْ كنتُ سأتحدثُ عن جميع صفاتِ الله. وقد أَجَبْتُهُ قائلاً: "لا". والسبب في أنِّي لن أفعلُ ذلك هو أنِّي لا أعرف كُلَّ صِفاتِه. وقد قالَ ذلكَ الشخصُ: "أليست صِفاتُهُ إحدى عشرةَ؟ أَمْ أنَّها ثلاثَ عَشْرَةَ صِفَة؟ أَمْ غيرُ ذلك؟" فقلتُ: "لا". واسمحوا لي أنْ أقولَ لكم ما أُوْمِنُ به. فأنا أُوْمِنُ بأنَّ اللهَ إلَهٌ غَيْرُ مُتَنَاهٍ، وبأنَّ صِفاتِهِ قَدْ تَكونُ على الأرْجَحِ غيرَ مَحدودَة. فأنا لا أعتقدُ أنَّ الصفاتِ التي أعرفُها عنِ اللهِ هي جميعُ صِفاتِهِ. فهل تعرفونَ، مثلاً، أنَّ صِفَاتِ اللهِ قَدْ تَكونُ أيَّ شَيءٍ يَصِفُ حَقًّا شَخْصَ اللهِ؟ فَصِفَاتُ اللهِ هي أيُّ شَيءٍ يَصِفُ شَخْصَهُ حَقًّا. والآن، لا يمكنُ بأيِّ حالٍ مِنَ الأحوالِ أنْ أتخيَّلَ أنْ أعرِفَ كُلَّ شيءٍ عن اللهِ. فإنْ كانَ اللهُ غيرَ محدودٍ، فهذا يعني أنَّ الحَقَّ المُختصَّ به غيرُ مَحدودٍ أيضًا، وأنَّ صِفاتِهِ لا حُدودَ لها، وأنَّني لن أتمكَّنَ مِنْ فَهْمِ عَدَم المَحدوديَّةِ هَذِهِ. والحَقيقَةُ هِيَ أنِّي لَسْتُ بِحاجةٍ إلى فَهْمِ كُلِّ صِفاتِهِ، بل يَكْفي أنْ أَفْهَمَ بَعْضًا مِنْها.
والآنْ، لِنُلْقِ نظرةً على بعضِ هذه الصَّفات. وقد تَحَدَّثنا في المَرَّةِ السابقةِ عنِ الصِّفةِ الأولى فقط وهي أنَّ اللهَ "لا يتغيَّر". وهل تُلاحِظونَ أنَّ هذه الصفةَ تَرِدُ بالصِّيغةِ السَّلبيَّةِ؟ فعندما نُفَكِّرُ في حقيقةِ أنَّ اللهَ ثابتٌ على حالٍ واحدةٍ، فإننا نعني بذلك أنهُ لا يتغيرُ، وأنهُ ينبغي لنا أنْ نَستخدمَ صيغةً سلبيةً للتَّعبيرِ عَنْ ذلكَ لأننا لا نَفْهَمُ سِوى التَّغيير. لذلك فإننا نقولُ إنَّ اللهَ ليس مِثْلَنا. فهو لا يَتَغَيَّر. فنحنُ نقرأُ في سِفْرِ مَلاخي 3: 6: "لأنَّي أنَا الرَّبُّ لا أَتَغَيَّر". ونقرأُ في رِسَالةِ يَعقوب 1: 17 أنَّ اللهَ ليسَ عِنْدَهُ تَغييرٌ ولا ظِلُّ دَوَرَان. وقد رأينا كيفَ أنَّ ذلكَ يُعطي المُؤمِنَ راحةً وطُمأنينةً عظيمةً، وأنه مَلْجَأٌ للمؤمنِ المسيحيِّ. ولكِنْ في الوقتِ نفسهِ، فإنَّ تلكَ العقيدةَ نَفْسَها مُرْعِبَةٌ لغيرِ المؤمنِ لأنها عقيدةٌ تُنادي بالدينونةِ، ولأنها عقيدةٌ تُنادي بوجودِ غَضَبٍ لا يَتَغَيَّرُ على الخطيَّة.
والآن، لِنُلْقِ نظرةً على الصِّفةِ الثانيةِ للهِ والتي نَبْتَدِئُ بِها دِراسَتَنا لهذا اليوم. فهناكَ صِفَةٌ ثانيةٌ للهِ أريدُ منكم أن تتأمَّلوا فيها. ونحنُ نَدْرُسُ هنا صِفاتِهِ المُطْلقةَ، أي صِفاتِهِ المُختصَّةَ بطبيعته. وسوفَ نَتطرَّقُ في الأسبوعِ القادِمِ إلى صِفاتِهِ المُرتبطةِ بنا مِثْلَ النِّعمةِ، والرَّحمةِ، والمحبَّة. أمَّا الصِّفةُ الثانيةُ للهِ فهي أنه موجودٌ في كُلِّ مكانٍ في كُلِّ الأوقاتِ. واللَّاهوتِيُّونَ يُسَمُّونَ هذه الصِّفةَ "الحُضورُ المُطْلَقُ". فاللهُ موجودٌ في كُلِّ مكانٍ في كُلِّ الأوقاتِ. وما أريدهُ منكم هو أنْ تَنتبهوا جيِّدًا لأنَّ هذه الموضوعَ قد يُعْثِرُكُمْ إنْ لم تَنْتَبِهُوا جَيِّدًا. فبعضُ هذهِ الأفكارِ تَفوقُ جِدًّا استيعابَنا. لذلكَ، لا بُدَّ أن تُعانوا قليلاً. إنَّ اللهَ موجودٌ في كُلِّ مكانٍ في الوقتِ نفسهِ. واللهُ لا مُتَنَاهٍ. فلا تُوْجَدُ نِهايةٌ للهِ. وكِيانُهُ يَمْلأُ الأزلَ والأبد. ويا لَهُ مِنْ أمْرٍ عجيبٍ وَمُدهشٍ! فَهُوَ يقولُ في سِفْر إرْمِيَا 23: 24: "أَمَا أَمْلأُ أنا السَّماواتِ والأرضَ، يقولُ الرَّبَّ؟" ونقرأُ في سِفْرِ المُلوك الأول 8: 27: "لأنَّهُ هَلْ يَسْكُنُ اللهُ حَقًّا على الأرضِ. هُوَذا السَّمَاواتُ وَسَماءُ السَّماواتِ لا تَسَعُكَ". ثُمَ يقولُ سُليمانُ: "فَكَمْ بالأقَلِّ هَذا البَيْتُ الَّذي بَنَيْتُ؟" وكما أنَّ اللهَ موجودٌ قبلَ كُلِّ الأشياءِ الأزليَّةِ، وبَعْدَ كُلِّ الأشياءِ الأبديَّةِ، فإنهُ موجودٌ في كُلِّ الأشياءِ وبِمَعْزِلٍ عنْ كُلِّ الأشياءِ. فهوَ موجودٌ في كُلِّ مكانٍ. وهو ليسَ لهُ حُدودٌ. فاللهُ مَطْلَقٌ، ولا يمكنكَ أن تَجِدَ نهايةً لَهُ لأنهُ لا نِهايَةَ لَهُ. فهو بِلا حُدود.
ومِنَ المُدهشِ أنْ نَعْلَمَ مِنْ خِلالَ التاريخِ أنَّ الناسَ حاولوا أنْ يضعوا حُدودًا للهِ. وحتى إنَّ بعضَ اليهودِ الذينَ لم يُدركوا هذهِ الحقيقةَ حاولوا، بسببِ جَهْلِهِمْ المُطْبِقِ، أنْ يجعلوا اللهَ كائنًا له حُدود. وقد شعرَ يَهودٌ كُثُرٌ أنَّ اللهَ يَسْكُنُ حقًّا في الهيكلِ. فقد ظَنُّوا أنهُ يَسْكُنُ هناكَ حَقًّا. وقد ظَنُّوا أنهُ يُشبهُ الآلهةَ الزائفةَ. لذلك فقد قالَ سُليمانُ في سِفْرِ الملوك الأول 8: 27 إنَّ اللهَ لا يسكنُ في هذا البيت. فهذا البيتُ سيكونُ كُرْسِيَّ جَلالِهِ على الأرضِ مؤقَّتًا. وهذا البيتُ سيكون رمزًا لحضورهِ. ولكنهُ لا يَسْكُنُ هنا أصْلًا. وأرجو أن تَتذكروا، أيها الأحباءُ، أنَّ رَمْزَ حُضورِ اللهِ لا يمكن أن يكونَ سِجْنًا لهُ.
وَمِنَ المَعلومِ تاريخيًّا أيضًا أنَّ اليهودَ اتُّهِمُوا بِعبادَةِ إلَهِ إسرائيلَ الذي هُوَ، في رأي هؤلاءِ النُّقَّادِ، ليسَ سِوى إلهَ الجِبالِ، وأنَّ الأرامِيِّينَ كانُوا يَعبُدونَ إلهَ الوادي. لذلكَ فقد قالَ النُّقَّادُ إنَّ اليهودَ كَانُوا يَعبُدونَ إلَهَ الجبالِ، وإنَّ الأرامِيِّينَ كانُوا يَعبُدونَ إلَهَ الوُدْيانِ. فقد كانَ الأرامِيُّونَ يُمارِسونَ شَعائِرَهُم الدِّينيةَ في الوادي، وكان اليهودُ دائمًا يَصْعَدونَ إلى الجبال. والحقيقةُ هي أن الأرامِيِّينَ قالوا إنَّ اليهودَ يعتقدونَ أنَّ اللهَ موجودٌ إمَّا في الجبالِ أوْ فوقَ الجبالِ، وإنَّهُمْ يَذهبونَ إلى قِمَمِ الجبالِ لتقديمِ القرابينِ إليهِ والتَّقَرُّبِ إليه في حَالِ كَوْنِهِ فوقَ الجبال. وإذا نَظرتم إلى التاريخِ اليهودي تجدونَ أنَّ ذلك صَحيح. فقد كانوا يقومونَ بأمورٍ كثيرةٍ فوق الجبال. أليس كذلك؟ فقد كانوا يذهبون دائمًا إمَّا إلى جبلِ حوريب، أو جبلِ سيناء، أو جبلِ جِرِّزيم، أو في أورُشليمَ الواقِعَة على تَلٍّ. وقد كانَ الأنبياءُ يَصعدونَ إلى الجِبالِ. وقد كانَ يَسوعُ يَصْعَدُ إلى الجَبَلِ لِيُصَلِّي. وقد صَعِدَ يسوعُ إلى جبلِ الزيتون. لذلكَ فقدِ اسْتَنْتَجَ فَريقٌ مِنَ النُّقَّادِ أنَّ بني إسرائيلَ كانوا يَعبدونَ إلهَ الجبالِ وليس إلهَ الوُديانِ الذي كانَ إلهًا مختلفًا. ولكنَّ هذا الاستنتاجَ غيرُ صَحيحٍ. فنحنُ نَرى في أوقاتٍ عديدةٍ في العهدِ القديمِ أنهم عَبَدوا الله في الوُدْيانِ كما عَبَدوهُ في الجبال.
وقد ظَنَّ آخرونَ أنَّ اللهَ يَسكنُ في السماءِ وأنَّهُ مَحصورٌ هُناكَ. وسواءٌ قَصَدْنا ذلكَ أَمْ لا، أعتقدُ أنَّ هذا التَّفكيرَ شائِعٌ عندَ المسيحيِّينَ – أيْ أنَّ اللهَ موجودٌ في السَّماءِ. وكما تَعلمونَ، عندما تُفَكِّرونَ في اللهِ فإنَّكُم تُفَكِّرونَ في مَكانٍ عَجيبٍ يَتَوَسَّطُهُ عَرْشٌ كبيرٌ وَبهِيٌّ يَجلسُ عليهِ كائنٌ يَحْجُبُهُ الضَّبابُ. فنحنُ نَتخيَّلُ أنَّ اللهَ موجودٌ في مكانٍ بعيدٍ جِدًّا في السَّماءِ. ولَكِنَّهُ موجودٌ في كُلِّ مكان. وقد كانَ اليهودُ الحُكَماءُ يَعرفونَ أنَّ هذهِ الصُّورةِ غيرُ صحيحة. والأشخاصُ الحُكماءُ يَعرِفونَ أنَّ هذهِ الصُّورةَ غيرُ صحيحة. فاللهُ موجودٌ في كُلِّ مكانٍ. ولكِنْ ألا يُفْضي ذلكَ إلى بعضِ المشاكلِ؟ بَلى. وأودُّ أنْ أَتطرَّقَ إلى هذهِ المشاكلِ.
المشكلةُ الأولى هي أنَّ الناسَ يقولونَ: "إنْ كانَ اللهُ موجودًا في كُلِّ مكانٍ، فإنَّهُ غيرُ طاهرٍ لأنَّهُ سيَتنَجَّسُ بالأشياءِ النَّجِسَةِ الَّتي تُلامِسُهُ. فإنْ كانَ اللهُ موجودًا في العالمِ، فإنَّهُ سيتأثَّرُ بالأشياءِ النَّجِسَةِ". وأوَدُّ أنْ أقولَ الآتي رَدًّا على ذلك: إنَّ اللهَ موجودٌ في كُلِّ الأماكنِ وفي كُلِّ شيءٍ. فَهُوَ في قلبِ الإنسانِ الخاطئِ مِنْ خِلالِ فَحْصِهِ وَتَبكيتِهِ. وَهُوَ في جَهَنَّمَ مِنْ خلالِ أعمالِ الدَّينونةِ لأنَّهُ القادرُ أنْ يُهلِكَ النَّفسَ والجسدَ كِليهِما في جَهَنَّم. فَجوهَرُهُ حاضرٌ في كُلِّ مكانٍ، ولكِنَّهُ لا يَختلطُ البَتَّةَ بأيِّ نَجاسَةٍ. وإنْ أردتُمْ مَثَلًا توضيحيًّا على ذلكَ فإنَّ اللهَ يُشبهُ أَشِعَّةَ الشَّمسِ. فأشِعَّةُ الشَّمسِ قد تَسقُطُ على كَوْمٍ مِنَ الرَّوْثِ في حَقْلٍ، ولكِنَّ كَوْمَ الرَّوْثِ ذاكَ لا يُلَوِّثُ أَشِعَّةَ الشَّمسِ. والأمرُ نَفسُهُ يَصُحُّ على اللهِ. فاللهُ هُوَ جَوْهَرُ كِيانِهِ، وَهُوَ لا يَختلطُ بأيِّ شيءٍ، ولا يُمكنُ لأيِّ شَيءٍ أنْ يُنَجِّسَهُ. فَهُوَ تِرْياقُ نَفْسِهِ مِنَ الشَّرِّ. وإليكُم هذا التَّوضيح: فقد جاءَ يسوعُ إلى العالمِ ومَشَى في هذا العالمِ. وعندَما انْتَهَتْ حَياتُهُ على الأرضِ قِيْلَ عنهُ إنَّهُ "لَيْسَ فِيهِ خَطِيَّةٌ". فَقَدِ اختلطَ بالنَّاسِ، لكِنَّهُ لم يَتَنَجَّسْ بِهِم البَتَّة. واللهُ لا يَختلفُ عن يَسوعَ في شيءٍ، وَهُوَ يُشبهُ شُعاعَ الشَّمسِ الَّذي يُلامِسُ كُلَّ شيءٍ دونَ أنْ يَتَنَجَّسَ بأيِّ شَيء. فاللهُ هُوَ التِّرياقُ للشَّرِّ.
وهُناكَ مَنْ يَطرحونَ سؤالاً آخرَ عنْ حُضورِ اللهِ في كُلِّ مكانٍ فيقولونَ: "إنْ كانَ اللهُ حاضِرًا في كُلِّ مكانٍ في جَميعِ الأوقاتِ، فلماذا يقولُ الكِتابُ المقدَّسُ إنَّهُ قَريبٌ مِنْ بعضِ الأشخاصِ وبَعيدٌ مِنَ البعضِ الآخَر؟" وكَما تَعلمونَ، فإنَّ الكتاب المقدَّس يَقولُ ذلك. فنحنُ نَقرأُ في سِفْرِ إشَعْياء 55: 6 أنَّهُ قَريبٌ مِنْ غيرِ المُؤمِنين. ونَقرأُ في موضعٍ آخرَ في العهدِ القديمِ أنَّهُ بَعيدٌ عِنْ بَني إسرائيل. لِذلكَ، كيفَ نَفهمُ أنَّهُ قَريبٌ وبَعيدٌ؟ حسنًا! يجبُ أنْ تُفَكِّروا في اللهِ مِنْ خِلالِ كَلِمَتَيْن: الجَوْهَرُ، والعَلاقَةُ. فاللهُ موجودٌ في كُلِّ مكانٍ في جوهَرِهِ، ولكِنَّهُ موجودٌ بشكلٍ خاصٍّ في أماكِنَ مُعَيَّنةٍ مِنْ جِهَةِ العَلاقَةِ. بعبارٍةٍ أُخرى، فإنَّ حُضورَ اللهِ موجودٌ هُناكَ في الجَوهرِ. ولكِنَّهُ موجودٌ في الأبرارِ مِنْ حيث عَلاقَتِهِ بِهِم. ويُمْكِنُنا أنْ نُوَضِّحَ ذلكَ بسهولة. فنحنُ جميعًا موجودونَ هنا في هذا الصَّباحِ. فأنا موجودٌ هُنا وَجَوْهَري يَملأُ هذا المَكانَ. وصَوتي يَتَرَدَّدُ صَداهُ على الجُدرانِ. فحُضوري يَملأُ المكانَ نوعًا ما، ونحنُ جَميعُنا هنا. فأنا موجودٌ هُنا في الجوهرِ. وأنتُم تَرَوْنَ ما يُمَثِّلُ "جون ماك آرثر" في هذا الصَّباحِ.
أمَّا مِنْ ناحيةِ العَلاقَةِ فإنِّي مُرتبطٌ فعليًّا بثلاثةِ أو أربعةِ أشخاصٍ يجلسونَ في الصَّفِّ الأوَّلِ وَهُمْ زَوجتي وأبنائي، وببقيَّةِ أفرادِ عائلتي، وببعضِ النَّاسِ المُعَيَّنينَ مِنْكُمْ مَمَّنُ تَرْبُطُني بِهم أنا وعائلتي إمَّا عَلاقَةُ قَرابَةٍ أوْ صَداقَةٍ مَتينَةٍ جدًّا جدًّا. فَمِنْ جِهَةِ العَلاقَةِ، أنا أُشَكِّلُ شَيئًا ما بالنِّسبةِ إلى شخصٍ ما. ومِنْ ناحيةِ الجَوهرِ، أنا شَيءٌ ما للجميع. كذلكَ، فإنَّ اللهَ موجودٌ بجوهرِهِ في كُلِّ مكانٍ. ومِنْ ناحيةِ العلاقةِ، فإنَّهُ يَسْكُنُ في قُلوبِ أبنائِهِ. ألا يُخْبِرُنا العهدُ الجديدُ بذلك؟ وألسنا نَختبرُ ذلكَ حينَ نُوْلَدُ ثانيةً إذْ إنَّ المَسيحَ فينا؟ وأَلَسْنا نَقرأُ في أَفسُس 3 أنَّ اللهَ يَمْلأُنا بِمِلْئِهِ؟ وفي أفسُس 5 أنَّ الرُّوحَ يَملأُنا بِمِلْئِهِ؟ وفي رِسالَةِ كُولوسي: "الْمَسِيحُ فِيكُمْ رَجَاءُ الْمَجْدِ"؟ فعندما يأتي اللهُ ليسكُنَ فينا مِنْ جِهَةِ عَلاقَتِهِ بِنا، فإنَّ هذا مُختلفٌ عَنْ كَوْنِهِ موجودًا فينا بِجَوهَرِهِ أوْ بِكِيانِهِ. ولكِنْ صَدِّقوني، أيُّها الأحِبَّاءُ، أنَّهُ ينبغي أنْ يكونَ موجودًا فينا بجوهرِهِ قبلَ أنْ يكونَ موجودًا فينا مِنْ جِهَةِ العلاقَةِ لأنَّهُ يَنبغي أنْ يُبَكِّتَنا وَيُخَلِّصَنا. لِذلكَ فإنَّ اللهَ موجودٌ في كُلِّ مَكانٍ ... في كُلِّ مَكانٍ طَوالَ الوقتِ. فَهُوَ ليسَ مُضْطَرًّا إلى الذَّهابِ إلى أيِّ مَكانٍ لأنَّهُ موجودٌ في كُلِّ مكان.
وقد تَقولُ: "إنْ كانَ هذا صَحيحًا، ما مَعني ما جاءَ في تَكْوين 11 إذْ نَقرأُ أنَّ الرَّبَّ نَزَلَ لِيَنْظُرَ الْمَدِينَةَ؟ إنَّ المَعني المَقصودَ هنا، ببساطةٍ، هوَ أنَّهُ راقَبَها بانتباهٍ مِنْ وُجهةِ نَظَرِ المدينة. فاللهُ لا يَحتاجُ إلى المجيءِ إلى أيِّ مكانٍ لأنَّهُ موجودٌ في كُلِّ مكانٍ. فهو موجودٌ في كُلِّ مكانٍ في جوهرِهِ. وَهُوَ موجودٌ في حياةِ أولادِهِ مِنْ حيث العَلاقة. وإليكُم فِكرة ثانية: نَقرأُ في العهدِ القديمِ أنَّ اللهَ تَكَلَّمَ "مِنْ عَلَى الْغِطَاءِ مِنْ بَيْنِ الْكَرُوبَيْنِ اللَّذَيْنِ عَلَى تَابُوتِ الشَّهَادَةِ"، أو أنَّهُ يَسكنُ في الهيكلِ، أوْ ما شَابَهَ ذلك. فما المقصودُ بذلك؟ إنَّ المعنى، ببساطة، هو شَبيهٌ بِما ذَكَرناهُ في حالةِ سُليمان إذْ إنَّ هناكَ أماكِنَ أَسَّسَ اللهُ فيها كُرسيَّ جَلالِهِ رَمْزيًّا. فَلِكَيْ يُصَوِّرَ اللهَ ذا الجَلالِ، أَسَّسَ هَيْكَلاً.
وفي وقتنا الحاضرِ فإنَّ عَرْشَ اللهِ مُمَثَّلٌ في الكنيسةِ، أيْ في حَياةِ المُؤمِنين. وفي الملكوتِ، سيكونُ عرشُ اللهِ مُمثَّلًا بالعرشِ في أورُشَليمَ حيثُ يَملُكُ المسيحُ. وفي السَّماءِ، سيكونُ مُمَثَّلاً بالعرشِ المُصَوَّرِ في سفر الرؤيا 4 و 5. وهذا مُجَرَّدُ رَمْزٍ. وقد قُلتُ مِنْ قَبْل إنَّ رَمْزَ حُضورِهِ لا يُمكنُ أنْ يكونَ سِجْنًا لَهُ. فهوَ موجودٌ في كُلِّ مكان. والآن، عندما تُفَكِّرونَ، يا أحبَّائي، أنَّ اللهَ موجودٌ في كُلِّ مكانٍ فإنَّ هذهِ الفكرةَ مُدهشةٌ وَمُذهلة. وَهُوَ ليسَ مُختلطًا بأيِّ شيءٍ. فلا يوجدُ شيءٌ قد يُفْسِدُهُ. ولا يوجدُ شيءٌ قد يُلامِسُهُ ويُغيِّرُ صِفاتِهِ بأيِّ طَريقةٍ كانَت. فاللهُ هو الَّذي صَنَعَ خَليقَتَهُ. واللهُ يَتَداخَلُ في خليقَتِه دونَ أنْ يَتأثَّرَ بها ولو قليلًا.
والآنْ، ما الَّذي تَفْعَلُهُ هذهِ العَقيدةُ عندَ تَطبيقِها عَمليًّا؟ لِنُلْقِ نَظرةً، أوَّلًا، على المُؤمِنِ. فما الَّذي يَعنيهِ الأمرُ لي، بِصِفَتي مسيحيًّا، أنْ أَعلمَ أنَّ اللهَ حاضِرٌ دائمًا في حياتي؟ أنَّهُ موجودٌ دائمًا (في الحياةِ عامَّةً، وفي حياتي أنا شخصيًّا)؟ أولاً، إنَّ هذا يُعطيني طُمأنينةً. فعندما أتوقفُ وأُفَكِّرُ في أنَّ اللهَ موجودٌ دائمًا، فإنَّ هذهِ الفكرةَ مُطَمئنةٌ. فلا يَهُمُّني ما يَحْدُثُ لي لأنَّ اللهَ موجودٌ. ولا يَهُمُّني إذا كنتُ أُدركُ وُجودَهُ أَمْ لا لأنَّهُ موجودٌ. وأنا أَعلمُ أنَّ هناكَ أوقاتً في حياتِنا قد نَصْرُخُ فيها ونقولُ: "يا رَبُّ، أينَ أنتَ؟ أَشعُرُ أنَّكَ بَعيدٌ جِدًّا". ولكِنَّهُ ليسَ بعيدًا ولم يَتَغَيَّر عنِ السَّابقِ. فهوَ موجودٌ دائمًا. وهوَ يقولُ في عبرانيِّين 13: "لاَ أُهْمِلُكَ وَلاَ أَتْرُكُكَ". وإنْ كانَ اللهُ قد قالَ ذلكَ، فإنَّهُ يَعني ما قَال لأنَّهُ لا يَكْذِب. فاللهُ لا يَتْرُكُنا البَتَّة.
ونحنُ نَقرأُ في رسالةِ فيلبِّي 4: 5 و 6 (وتحديدًا في نهاية العدد 5): "اَلرَّبُّ قَرِيبٌ. لاَ تَهْتَمُّوا [بماذا؟] بِشَيْءٍ". لا تَقلقوا! فهوَ موجودٌ. فهذا هوَ المقصودُ. فهوَ لا يَتحدثُ هنا عنِ المَجيءِ الثاني، بل يَتحدَّثُ عنْ وجودِ المسيحِ، وعن وجودِ اللهِ. فالربُّ موجودٌ. بل هوَ موجودٌ دائمًا. ويجب عليكم أنْ تُدركوا ذلك. فهذهِ صِفَةٌ مِنْ صِفاتِهِ. وهذا جُزءٌ مِن شَخصيَّتِهِ. فهل يُمكنُ أنْ يكونَ المؤمنُ مُنفصلًا عنِ اللهِ؟ لا. فلا يُمكنُ لأيِّ شخصٍ في الكونِ أنْ يَنفصلَ عنِ اللهِ بالمفهومِ العامِّ. والمؤمنُ الحَقيقيُّ لا يُمكنُ أنْ يَنفصلَ عنهُ مِنْ جِهَةِ علاقَتِهِ بِهِ. فهوَ موجودٌ دائمًا. فعلى سبيلِ المِثالِ، فقد كانَ أَخنوخُ في حَضْرَةِ اللهِ. وذاتَ يومٍ، سارَ معَ اللهِ. وقدِ استمرَّا في المَسيرِ. وقد أَخَذَهُ اللهُ إلى السَّماءِ. إنَّها علاقةٌ لا تَنقطعُ. وهيَ رَمْزٌ للمؤمنِ. فاللهُ مَعَنا الآنَ كما سيكونُ معنا في الأبديَّةِ. وهوَ يَسكنُ فينا. وهذا يُعطينا طُمأنينةً.
ثانيًا، هذا حَقٌّ عظيمٌ – لِذا فإنَّ الجانبَ العمليَّ لحضورِ اللهِ المُطْلَقِ يَمْنَحُنا قُوَّةً. فهوَ يَمْنَحُنا لا طُمأنينةً فقط، بل قُوَّةً أيضًا. فعندما دَعا اللهُ مُوْسَى ليكونَ النَّبِيَّ الَّذي أرادَ مِنْهُ أنْ يَكون، وأرادَ مِنْهُ أنْ يَذهبَ ويُعلِنَ رِسالتَهُ، وأنْ يُحَرِّرَ بني إسرائيلَ مِنَ العُبوديَّةِ، قالَ مُوسى للهِ في خُروج 4: "لَسْتُ أَنَا صَاحِبَ كَلاَمٍ ... بَلْ أَنَا ثَقِيلُ الْفَمِ وَاللِّسَانِ". ولَعَلَّكُم تَذكرونَ القِصَّةَ. وقد قالَ اللهُ لَهُ: "أَنَا أَكُونُ مَعَ فَمِكَ". أليسَ هذا الأمرُ رائعًا؟ فهذا جانبٌ عمليٌّ لِحُضورِ اللهِ. "أَنَا أَكُونُ مَعَ فَمِكَ". وعندما نَقولُ إنَّ اللهَ حاضِرٌ، فإنَّ هذا لا يَعني فقط أنَّهُ واقفٌ هُناكَ للمُراقَبةِ، وأنَّهُ كُلَّما فَعَلنا أمرًا خاطئًا فإنَّهُ يُعاقِبُنا. لا! بل إنه يعني أنَّه واقفٌ هناكَ لِدَعْمِ خِدمتنِا. اسمَعوني: نحنُ جميعًا نَعرفُ مَتَّى 28 إذْ يَقول: "هَا أَنَا مَعَكُمْ". هل تَعلمونَ ما يُشيرُ إليهِ هُنا؟ اسمعوا: "فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ ... وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ". لا لأجلِ الرَّاحةِ في تلكَ الجُزْئِيَّةِ، بل للدَّعمِ في الخدمة.
فالناسُ يقولون: "لا أدري إنْ كان بمقدوري أنْ أَشهدَ للمسيح. ولا أدري إنْ كنتُ أملكُ القُدرةَ على الشَّهادَةِ للمسيح". وَهُم يُريدونَ مِنَ رَاعي الكنيسةِ أنْ يَفعلَ ذلك. فَهُم يَقولونَ لَهُ: "ألا جِئْتَ وتَكَلَّمتَ إلى المَجموعةِ الفُلانِيَّة. فأنا أَجِدُ صُعوبةً في القيامِ بذلك. فَهُمْ لا يُصْغونَ إليَّ عادَةً". لقد قالَ "هوارد هندريكس" (Howard Hendricks): "الفرقُ بيني وبينكَ هُوَ أنِّي رَجُلُ مبيعاتٍ أَتقاضَى راتِبًا، وأنَّكَ زَبونٌ رَاضٍ". فأنا أتقاضى راتبًا لكي أكونَ صَالحًا. أمَّا أنْتُمْ فصالِحونَ بِلا مُقابِل. وكما تَرَوْنَ، فإنَّنا (أنا وأنتُم) نَمْلِكُ المَصْدَرَ نَفسَهُ. فَقُوَّةُ اللهِ موجودة: "أَنَا أَكُونُ مَعَ فَمِكَ" ... "فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ ... وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ". فهذهِ ليسَتْ تَعزية، يا أحبَّائي، بَلْ هذا دَعْمٌ ... وهذهِ خِدمة. اسمعوا: إنَّ عقيدةَ حُضورِ اللهِ في كُلِّ مَكانٍ مُهمَّةٌ جدًّا للمؤمنِ بالمَعنى العَمليِّ.
ثالثًا، إنَّها تُرْسٌ يَحْمينا مِنَ التَّجارِبِ – تُرْسٌ يَحْمينا مِنَ التَّجارِبِ. فكما تَعلمونَ أنَّهُ في كُلِّ مرَّةٍ يريدُ فيها الشيطانُ أن يُجرِّبَني، يجبُ عليهِ أن يَتَخَطَّى اللهَ أولاً؟ فنحنُ نَقرأُ في رسالةِ كورِنثوسَ الأولى 10: 13: "لَمْ تُصِبْكُمْ تَجْرِبَةٌ إِلاَّ بَشَرِيَّةٌ. وَلكِنَّ اللهَ أَمِينٌ، الَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ، بَلْ سَيَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ أَيْضًا الْمَنْفَذَ، لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَحْتَمِلُوا". والنُّقطةُ هي أنَّ اللهَ يقولُ: "لنْ أَسمحَ بأيِّ تَجرُبةٍ في حياتِكُم دونَ أنْ أُعطِيَكُم القُدرةَ على مُقاوَمَتِها". وينبغي أن تَعلموا، يا أحبَّائي، أنَّ الأمرَ يَختلفُ مِنْ مُؤمنٍ إلى آخَر لأنَّ كُلَّ مؤمنٍ يَملِكُ مُستوىً مُختلفًا مِنَ النُّضْجِ. لذا فإنَّ التجاربَ المختلفةَ ستؤدي إلى نتائجَ مختلفة. فالتجربةُ الَّتي قد تجعلُ مؤمنًا يَسقطُ ربما تكونُ مُحتملةً بالنسبةِ إليكَ. ولكنْ في كُلِّ مستوىً فرديٍّ، اللهُ موجودٌ للدِّفاعِ عن ذلكَ المؤمنِ وإعانَتِهِ على مُواجهةِ التَّجاربِ الصَّعبة بالنِّسبةِ إليهِ. ويا لهُ مِنْ وعدٍ رائعٍ! فاللهُ حاضرٌ للدِّفاعِ عنَّا في وَجْهِ التَّجاربِ.
رابعًا، مِنْ وُجهةِ النَّظرِ العمليَّةِ، فإنَّ عقيدةَ حُضورِ اللهِ في كُلِّ مكانٍ هيَ حَافزٌ للقداسةِ. فإنْ كُنَّا نَعلمُ أنَّ اللهَ حاضرٌ دائمًا، فإننا نَعلمُ أنَّنا نَفعلُ كُلَّ شيءٍ في حَضرتِه. فعندما تَقترفُ خطيئةً، سواء كانتْ خطيئةً في الفِكرِ، أو في الكلامِ، أو في التصرُّفِ، فإنَّكَ تُخطئُ في حَضرةِ اللهِ. وأنا أُفَكِّرُ في هذا الأمرِ مِنْ وُجهةِ النَّظرِ التَّالية: إنَّ الأغلبيَّةَ مِنَّا يُحبُّونَ اقترافَ الخطيَّةِ، ولا سِيَّما حينَ يَعلمونَ أنَّهُ لا يُوجدُ مَنْ يُراقِبُهم. وقد لا نُبالي كثيرًا بأشخاصٍ مُعيَّنينَ في حياتِنا أو بأفرادِ عائِلَتِنا الذينَ يَعلمونَ أنَّنا نُعاني تلكَ المشاكِل. أمَّا خارِجُ هذا النِّطاقِ فالأمرُ مُختلفٌ. فمثلاً، أثناءَ تَجْوالي في العالمِ، رأيتُ مسيحيِّينَ كثيرينَ أعْرِفُهُم مِنْ قَبْل يَفعلونَ أُمورًا جَعَلَتْهُمْ يَشْعُرونَ بالحَرَجِ الشَّديدِ جِدًّا جِدًّا حينَ عَلِموا أنِّي رأيتُهُم. وقد صُدِمُوا وراحُوا ويُحاولونَ تَصْحيحَ ما يَفعلونَهُ بسُرعة؛ ولكنَّهُم لم يكونوا سَريعينَ بالقدرِ الكافي. وقد حاولوا أنْ يُبَرِّروا ذلكَ أمامي. وقد حَدَثَ ذلكَ مَعي كثيرًا. ولكِنَّ النُّقطةَ المُهمَّةَ هِيَ ليسَتْ أنْ أُمْسِكَ شَخصًا بالجُرْمِ المَشْهودِ. فالفِكرةُ أَكْبَرُ مِنْ ذلك. فَمَنْ أكونُ أنا لِصُنْعِ الفَرْقِ؟ ولكِنْ يجب أنْ تَعلموا الآتي: حينَ تُخطئُ، كأنَّكَ صَعَدْتَ فوقَ الغُيومِ، وَذَهبتَ إلى حيثُ يَجلسُ اللهُ على عَرْشِهِ، وقُمْتَ بتلكَ الخطيَّةِ هُناك. أَتَرَوْن! فأنتَ تَفعلُ ما تَفعلُ في حَضرةِ اللهِ. وهذِهِ فِكرةٌ مُرْعِبَةٌ.
وقد كانت نَزاهةُ داوُدَ في حياتِهِ، عندما عَمِلَ على تَصحيحِ الأمرِ، كانتْ قائمةً على الأساسِ التَّالي: "إنَّ كُلَّ طُرُقي مَكشوفَةٌ أمامَهُ. لا يُمكنُني أنْ أفعلَ هذا. فاللهُ حَاضِرٌ". أَتَرَوْن! وما الأساسُ الَّذي استنَدَ إليهِ أيُّوبُ في نَزاهَتِهِ؟ نَقرأُ في أيُّوب 31: 4: "أَلَيْسَ هُوَ يَنْظُرُ طُرُقِي؟" فاللهُ يَرى كُلَّ شيءٍ. لِذا فإنَّ نَزاهَتي تَتوقَّفُ على حقيقةِ أنِّيَ أَفعلُ كُلَّ شَيءٍ أمامَهُ. وهذا هُوَ مَعنى ما جاءَ في سِفْرِ الأمثال: "فِي كُلِّ طُرُقِكَ اعْرِفْهُ". بعبارةٍ أُخرى، في كُلِّ ما تَفعل، اعلم أنَّهُ هُناكَ. وهذا وَحْدُهُ كَفيلٌ بأنْ يُصَحِّحَ مَسارَكَ. فالحياةُ المَسيحيَّةُ تَعني بِبساطَةٍ: أنْ أَسْلُكَ في حياتي كأنِّي أفعلُ ذلكَ في حَضْرةِ اللهِ لأنَّ الأمرَ هكذا حقًّا. فالأشياءُ الَّتي لا نَفعلُها أمامَ الأشرارِ، والأشياءُ الَّتي لا نَفعلُها أمامَ الأبرارِ هي أُمورٌ ثانويَّةٌ فقط. فلا يَجوزُ لنا أنْ نَفعلَ أيَّ شيءٍ لا نَجْرُؤُ على فعلِهِ في حَضْرةِ اللهِ وأمامَ عَرْشِ السَّماءِ. لِذلكَ، فإنَّ عقيدةَ الحُضورِ المُطْلَقِ للهِ مُهمَّةٌ جِدًّا للمُؤمِنِ. والآنْ، ماذا عَنْ غيرِ المُؤمِنِ؟ وما عَلاقَتُهُ بذلك؟ بالنِّسبةِ إلى غيرِ المؤمنِ، مِنَ المهمِّ أيضًا أنْ يَفهمَ أنَّ اللهَ موجودٌ في كُلِّ مكان. فنحنُ نقرأُ في المزمور 21: 8: "تُصِيبُ يَدُكَ جَمِيعَ أَعْدَائِكَ". فلا يُوْجَدُ مَفَرٌّ. فالإنسانُ الشريرُ لا يَجِدُ مَكانًا يَختبئُ فيه. فلا مَفَرَّ أمامَهُ. ولا مَنْفَذَ لَهُ. ولا مَكانَ يُمكِنُهُ أنْ يَلتجئَ إليهِ.
ونَجِدُ في سِفْرِ عَاموس والأصْحاحِ التَّاسِعِ كَلامًا مُناسبًا عنْ هذا الموضوع. وكذلكِ الحالُ في سِفْرِ عُوْبَدْيا الَّذي يَليه. واسْمَحوا لي أنْ أقرأَ ما جاءَ في سِفْرِ عاموس 9: 2: "إِنْ نَقَبُوا إِلَى الْهَاوِيَةِ فَمِنْ هُنَاكَ تَأْخُذُهُمْ يَدِي" - أيْ: مِنَ القَبْرِ. "وَإِنْ صَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ فَمِنْ هُنَاكَ أُنْزِلُهُمْ. وَإِنِ اخْتَبَأُوا فِي رَأْسِ الْكَرْمَلِ فَمِنْ هُنَاكَ أُفَتِّشُ وَآخُذُهُمْ، وَإِنِ اخْتَفَوْا مِنْ أَمَامِ عَيْنَيَّ فِي قَعْرِ الْبَحْرِ فَمِنْ هُنَاكَ آمُرُ الْحَيَّةَ فَتَلْدَغُهُمْ. وَإِنْ مَضَوْا فِي السَّبْيِ أَمَامَ أَعْدَائِهِمْ فَمِنْ هُنَاكَ آمُرُ السَّيْفَ فَيَقْتُلُهُمْ، وَأَجْعَلُ عَيْنَيَّ عَلَيْهِمْ لِلشَّرِّ لاَ لِلْخَيْرِ". فاللهُ يَقولُ: "لا يَهُمُّني أيْنَ يَخْتَبِئونَ لأنِّي سأعثرُ عليهم". ونقرأُ في سِفْرِ عُوْبَدْيا والعَدَدِ الرَّابعِ: "إِنْ كُنْتَ تَرْتَفِعُ كَالنَّسْرِ، وَإِنْ كَانَ عُشُّكَ مَوْضُوعًا بَيْنَ النُّجُومِ، فَمِنْ هُنَاكَ أُحْدِرُكَ". فلا يُوجدُ مَكانٌ للاختباءِ. لِذا، يجبُ على الشِّرِّيرِ أنْ يُدركَ أنَّهُ مَهما حاولَ الاختباءَ، ومَهما حاولَ الهَربَ (فقد يُقَرِّرُ أنَّهُ لا يُريدُ الذهابَ إلى الكنيسةِ، أو أنَّهُ لا يريدُ أن يَقرأَ الكتابَ المقدَّسَ، أو أنَّهُ يريدُ أنْ يَتجنَّبَ أيَّ نِقاشٍ دينيٍّ، أو أنَّهُ يريدُ أنْ يُخْرِجَ اللهَ مِنْ ذِهْنِهِ، أو أنَّهُ لا يُريدُ التَّفكيرَ في اللهِ)، ولكنَّ اللهَ يُرَكِّزُ فِكْرَهُ عليهِ.
ونحنُ نَقرأُ في الأصحاح 26 مِنْ سِفْرِ أيُّوب: "اَلأَخْيِلَةُ تَرْتَعِدُ مِنْ تَحْتِ الْمِيَاهِ وَسُكَّانِهَا. الْهَاوِيَةُ عُرْيَانَةٌ قُدَّامَهُ، وَالْهَلاَكُ لَيْسَ لَهُ غِطَاءٌ". فاللهُ يُمِيْطُ اللِّثَامَ عَنْ كُلِّ شَيءٍ مِنْ خلالِ حُضورِهِ في كُلِّ مكان. فَضْلاً عن ذلكَ، نَقرأُ في سِفْرِ أيُّوب 34: 21: "لأَنَّ عَيْنَيْهِ عَلَى طُرُقِ الإِنْسَانِ، وَهُوَ يَرَى كُلَّ خَطَوَاتِهِ. لاَ ظَلاَمَ وَلاَ ظِلَّ مَوْتٍ حَيْثُ تَخْتَفِي عُمَّالُ الإِثْمِ". فلا يُوْجَدُ مَهْرَبٌ. ونَقرأُ في سِفْرِ الأمثال 15: 11: "اَلْهَاوِيَةُ وَالْهَلاَكُ أَمَامَ الرَّبِّ. كَمْ بِالْحَرِيِّ قُلُوبُ بَنِي آدَمَ!" فإنْ كانَ اللهُ يَرى كُلَّ مكانٍ في الكَوْنِ، كم بالحَرِيِّ يستطيعُ أنْ يَرى قُلوبَ البَشَر! وفي المزمور 139، يَقولُ داودُ: "أَيْنَ أَذْهَبُ ...؟ إِنْ صَعِدْتُ إِلَى السَّمَاوَاتِ فَأَنْتَ هُنَاكَ، وَإِنْ فَرَشْتُ فِي الْهَاوِيَةِ فَهَا أَنْتَ". وَهُوَ يَقولُ: "إِنْ أَخَذْتُ جَنَاحَيِ الصُّبْحِ" – أيْ إنْ طِرْتُ على شُعاعِ الشَّمْسِ (أيْ بسُرعةِ ثلاثِمِئَةِ ألفِ كيلومترٍ في الثَّانيةِ وبَلَغْتُ الشَّمس في ثَماني ثَوانٍ)، لا يُمْكِنُني أنْ أَهْرُبَ مِنْكَ.
إنَّ السَّارِقَ يَسْرِقُ لأنَّهُ يَظُنُّ أنَّ أحدًا لا يَراهُ. والزَّاني يَزني لأنَّهُ يَظُنُّ أنَّ أحدًا لا يَراهُ. والكاذِبُ يَكْذِبُ لأنَّهُ يَظُنُّ أنَّ أحدًا لا يَعْلَمُ عَنْهُ. ولكنَّ اللهَ يَعلمُ. فإنْ كانَ اللهُ غيرَ مَنظورٍ فإنَّ هذا لا يَعني البَتَّةَ أنَّهُ ليسَ موجودًا. فاللهُ لا يَنْعَسُ ولا يَنام. ونحنُ نَقرأُ في الرِّسالةِ إلى العِبرانيِّين 4: 13 كلماتٍ مُؤثِّرةً جدًّا: "وَلَيْسَتْ خَلِيقَةٌ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ قُدَّامَهُ، بَلْ كُلُّ شَيْءٍ عُرْيَانٌ وَمَكْشُوفٌ لِعَيْنَيْ ذلِكَ الَّذِي مَعَهُ أَمْرُنَا". فكُلُّ شَيءٍ مَكْشوفٌ للهِ. واللهُ يَقولُ في سِفْرِ إشَعْياء 65: 12: "بَلْ عَمِلْتُمُ الشَّرَّ فِي عَيْنَيَّ". ونَقرأُ في سِفْرِ الأمثال 15: 3: "فِي كُلِّ مَكَانٍ عَيْنَا الرَّبِّ مُرَاقِبَتَانِ الطَّالِحِينَ وَالصَّالِحِينَ". فاللهُ يَعرفُ كُلَّ شيءٍ. وَهُوَ موجودٌ في كُلِّ مَكانٍ. واللهُ لا يَتغيَّر. واللهُ موجودٌ في كُلِّ مَكانٍ.
ثالثًا، اللهُ قادِرٌ على كُلِّ شَيءٍ. وهذهِ فِكرةٌ مُذهلةٌ. فإلهُنا كُلِّيُّ القُدرةِ. ولَكِنْ ما مَعنى ذلك؟ هذا يَعني أنَّنا مُضْطَرُّونَ إلى استخدامِ صِيغةِ النَّفيِ قائِلينَ إنَّهُ لا يُوجدُ شَيءٌ لا يُمْكِنُهُ القِيامُ بِهِ. فلا توجدُ حُدودٌ لقُدرتِهِ. فنحنُ نقرأُ في سِفْرِ أيُّوب 9: 19: "إِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ قُوَّةِ الْقَوِيِّ، يَقُولُ: هأَنَذَا". فاللهُ يُدْعى "إيلْ شَدَّاي". والكلمة "إيل" هِيَ اسمُ اللهِ. والكلمة "شَدَّاي" تَعني "القَدير" – "اللهُ القَدير". ونحنُ نَقرأُ في سِفْرِ الرؤيا 19: 6: "هَلِّلُويَا! فَإِنَّهُ قَدْ مَلَكَ الرَّبُّ الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ". فَهُوَ قَديرٌ. وهُوَ قَوِيٌّ. وقد قالَ المُرَنِّمُ إنَّ الرَّبَّ قَديرٌ. وعندما نَقولُ إنَّ اللهَ قديرٌ، فإنَّ ما نَعْنيهِ بذلكَ (وَهِيَ فِكرةٌ ينبغي أنْ تَفهموها جَيِّدًا) هُوَ أنَّهُ لا تُوجدُ حُدودٌ لقُدرَتِه. فهوَ يَستطيعُ أنْ يَفعلَ أيَّ شيءٍ ... أيَّ شيءٍ. واستمعوا إلى هذا: إنَّهُ يَستطيعُ أنْ يَفعلَ أيَّ شيءٍ بنفسِ السُّهولةِ الَّتي يُمكنُهُ فيها أنْ يَفعلَ أيَّ شيءٍ آخر. هل فَهِمتُمْ ذلك؟ فاللهُ لا يَجِدُ صُعوبةً في خَلْقِ الكَوْنِ أكثرَ مِنْ تلكَ الَّتي يَجِدُها في خَلْقِ فَراشةٍ. فالأمْرُ سِيَّانٌ عِنْدَهُ. وَهُوَ قادرٌ أنْ يَفعلَ أيَّ شيءٍ. وَهُوَ يَستطيعُ أنْ يَفعلَ أيَّ شيءٍ بنفسِ السُّهولةِ الَّتي يُمكنُهُ فيها أنْ يَفعلَ أيَّ شيءٍ آخر. وقد تَقولُ: "مِنْ أيْنَ جِئْتَ بهذا الكَلامِ؟" لأنَّهُ لا يَبذُلُ أيَّ جُهْدٍ للقيامِ بأيِّ شيءٍ. وقد تَقولُ: "هل تَعني أنَّهُ لا يَبْذُلُ أيَّ جُهْدٍ وَلَوْ قَليلٍ؟" أجل! إنَّهُ لا يَبْذُلُ أيَّ جُهْدٍ.
وسوفَ أُقَدِّمُ لكُم مَثَلاً توضيحيًّا. في الصَّباحِ، أَنْهَضُ مِنَ النَّومِ في يومِ الرَّبِّ وأنا أُدْرِكُ أنِّي سأصْرِفُ طاقةً كبيرةً في الانتقالِ مِنْ هُنا إلى هُناكَ، وفي التَّلويحِ بِذِراعَيَّ، وفي الصِّياحِ على الجَميعِ – مُدَّةَ ثَلاثِ ساعاتٍ. فهذا يَتطلَّبُ طاقةً كبيرةً - أكثرَ مِمَّا تتخيَّلون. فَعَقْلُكَ يَعملُ بسرعةٍ كبيرةٍ جدًّا، وأنتَ تَصْرِفُ طاقةً كبيرةً. لذلكَ، فإنِّي أتناولُ البروتينَ في الصَّباحِ وآخُذُ الفيتاميناتِ لِلتَّزوُّدِ بالطَّاقةِ. وعندما أنتهي مِنْ ذلكَ، بعدَ تِلْكَ السَّاعةِ الثَّالثةِ، وأَرْجِعُ إلى البيتِ، فإنِّي أشْعُرُ بِضُعْفٍ شَديد. وأنا أقولُ لزوجتي: "يا زوجتي" – لا، أنا لا أقولُ ذلكَ، بل أقول: "باتريشا، أُريدُ شيئًا آكُلُه". فينبغي لي أنْ أُجَدِّدَ طاقَتي. لماذا؟ لأنَّ كُلَّ الطاقةِ الَّتي حَصلتُ عليها اسْتُهْلِكَت. ويجبُ عليَّ أنْ أُجَدِّدَ طاقَتي. أمَّا اللهُ فلا يَحتاجُ البَتَّةَ إلى تَجديدِ طاقَتِهِ. فلا يُوْجَدُ مَصْدَرٌ لتجديدِ طاقةِ اللهِ. فأيْنَ عَساهُ يَذْهَب؟ فَهُوَ موجودٌ في كُلِّ مكان. ولا يوجدٌ شيءٌ خارِجَ نِطاقِ اللهِ.
ونحنُ نَقرأُ في سِفْرِ إشَعْياء 40: 28 أنَّ اللهَ: "لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَعْيَا". فَطاقَتُهُ لا تَنْتَهي. لِذا فإنَّ الربَّ قادرٌ أنْ يَفعلَ أيَّ شيءٍ. وَهُوَ قادرٌ أنْ يَفعلَ أيَّ شيءٍ بنفسِ السُّهولةِ الَّتي يُمكنُهُ فيها أنْ يَفعلَ أيَّ شيءٍ آخر. وثالثًا، هُوَ قادرٌ أنْ يَفعلَ أيَّ شَيءٍ يَشاء. هل تَعلمونَ ذلك؟ فَهُوَ ليسَ قادِرًا فحسب، بل إنَّهُ يَمْلِكُ السُّلْطانَ – لا على القيامِ بأيِّ شيءٍ فحسب، بل أنْ يَفعلَ ما يَشاء. فَتلكَ القُدرةُ يُرافِقُها سُلْطانٌ لاستخدامِها. ويَنْبَغي أنْ تُلاحِظُوا أنَّ قُدرةَ اللهِ، وسُلْطانَ اللهِ، ومَشيئَةَ اللهِ تُساوي كُلُّها طَبيعَتَهُ. فاللهُ قادرٌ أنْ يَفعلَ أيَّ شيءٍ. وَهُوَ يَستطيعُ أنْ يَفعلَ أيَّ شيءٍ بالقُدرةِ والحَقِّ. وَهُوَ يَفعلُ أيَّ شيءٍ بالقُدرةِ وبالحَقِّ بِحَسَبِ مشيئَتِهِ. وَهُوَ لا يَفعلُ سِوى الأشياءَ الَّتي تُوافِقُ طَبيعَتَهُ. لِذلكَ فإنَّهُ لا يَقْدِرُ، مَثَلاً، أنْ يَكْذِبَ. وَهُوَ لا يَقدرُ أنْ يَحْتَمِلَ الخطيَّةَ. وهُوَ لا يَقدرُ أنْ يَرْعَى خاطِئًا غَيْرَ تائِبٍ. وَهُوَ لا يَقْدِرُ أنْ يُعاقِبَ إنسانًا بَريئًا. وهُوَ لا يَقدرُ أنْ يَفعلَ أيَّ شيءٍ يُناقِضُ جَوْهَرَهُ لأنَّ مَشيئَتَهُ تَنْسَجِمُ دائمًا معَ جوهَرِهِ وَطَبيعَتِهِ. ولكنَّ اللهَ قادرٌ أن يَفعلَ ما يشاء. فنحنُ نقرأُ في المزمور 115: 3: "إِنَّ إِلهَنَا فِي السَّمَاءِ. كُلَّ مَا شَاءَ صَنَعَ".
وقد يسألُكم الناسُ هذا السؤال: "لماذا فَعَلَ اللهُ هذا الأمر؟" وأنا أُجيبٌ غالبًا: "لأنَّهُ شَاءَ ذلك". وقد يقولُ النَّاسُ لي: "هذا ليسَ جوابًا كافيًا". هذا لأنَّكُمْ لا تَفهمونَ اللهَ. فاللهُ يَستطيعُ أنْ يَفعلَ أيَّ شيءٍ يَشاء. ونحنُ نَقرأُ في الأصحاحِ التَّاسعِ مِنْ رِسالةِ رومية عنِ الحُجَّةِ الَّتي يُقَدِّمُها بولسُ فيما يَختصُّ بالاختيارِ، أيْ فيما يَختصُّ بالأشخاصِ الذينَ اختارَهُمُ اللهُ للخلاصِ، وَهَلُمَّ جَرَّا، وَفيما يَختصُّ بِفِرْعَوْن، وفيما يَختصُّ بالمُقارَنَةِ بينَ يَعقوب وعيسو، وَفيما يَختصُّ بجَميعِ هذهِ الأمورِ. وقد تَقولُ مُحْتَجًّا: "يا رَبّ، لماذا فَعَلتَ ذلك؟" وبولسُ يَقول: "مَنْ أَنْتَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ الَّذِي تُجَاوِبُ اللهَ؟ أَلَعَلَّ الْجِبْلَةَ تَقُولُ لِجَابِلِهَا: «لِمَاذَا صَنَعْتَنِي هكَذَا؟»" فهذا الأمرُ مِنْ حَقِّ الخَزَّافِ. لذلكَ، لا يَجوزُ أنْ تَسْتَجْوِبَ اللهَ. فاللهُ يَستطيعُ أنْ يَفعلَ أيَّ شيءٍ. وَهُوَ يَستطيعُ أنْ يَفعلَ أيَّ شيءٍ بنفسِ السُّهولةِ الَّتي يُمكنُهُ فيها أنْ يَفعلَ أيَّ شيءٍ آخر. وَهُوَ يَستطيعُ أنْ يَفعلَ أيَّ شَيءٍ يَشاء. ولكِنَّهُ لا يَفعلَ إلَّا الأشياءَ الَّتي تُوافِقُ طَبيعَتَهُ. وَهُوَ لا يُناقِضُ طبيعَتَهُ البَتَّةَ. فَهُوَ لا يَقْدِرُ أنْ يَكذبَ. وَهُوَ لا يَقْدِرُ أنْ يُحِبَّ الخَطِيَّةَ. وَهُوَ لا يَقْدرُ أنْ يُناقِضَ كَلِمَتَهُ. وَهُوَ لا يَقْدِرُ أنْ يَنْسَى ما فَعَلَهُ. وَمَشيئَةُ اللهِ تَليقُ دائمًا بِشَخْصِهِ.
إنَّ اللهَ قَديرٌ. وكما تَعلمون، عندما تَرَوْنَ قدرة الله، هناك أربعةُ جوانبَ تَرَوْنَها فيها بوضوحٍ تام: أولاً، في الخليقة. فالكتابُ المقدَّسُ يُخبرنا أنَّ الله "قالَ" فحَدَثَ ما أراد. ونحن نقرأ في المزمور 33: 6: "بِكَلِمَةِ الرَّبِّ صُنِعَتِ السَّمَاوَاتُ، وَبِنَسَمَةِ فِيهِ كُلُّ جُنُودِهَا". وعندما تتوقفون وتفكرون في القدرةِ الكامنةِ في الكونِ المخلوق، ستُذهلون. فنحن نعلم أننا نستطيع أن نَشْطُرَ الذَّرَّةَ وأن نُحْدِثَ اضطرابًا هائلًا – انفجارًا عظيمًا. فإن كان بمقدورنا أن نُحْدِثَ سِلسلةَ رُدودِ فِعْلٍ قادرة أنْ تُدَمِّر الكون كُلَّه، فإننا لم نقترب مِنْ قُدرة الله لأنَّ اللهَ أعظمُ مِن أي شيء خَلَقَهُ. وهل تعلمون أمرًا مدهشًا آخر؟ أنه فعل ذلك من دون أي مشورة. فهو لم يتلق المساعدة من أحد. وربما تفكرون في أنه خَلَقَ إنسانًا واحدًا ليكون نموذجًا، وليحصل على بعض النصائح – لأننا نتوق دائمًا إلى تقديم النصيحة له. ولكننا نقرأ في سفر إشعياء 44: 24 (وَهِيَ آيَةٌ أُحِبُّها كثيرًا): "نَاشِرٌ السَّمَاوَاتِ وَحْدِي، بَاسِطٌ الأَرْضَ". فقد شاءَ أنْ يُوجِدَها فوُجِدَتْ في تلك اللحظة عينها. والحقيقة هي أننا نقرأ في رسالة رومية 4: 17 أنَّه: "يَدْعُو الأَشْيَاءَ غَيْرَ الْمَوْجُودَةِ كَأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ". وحالما يَفعل، فإنها تُوجَد. لذا فإن قدرته تُرى في الخليقة.
وأعتقدُ أيضًا أنَّ قدرته تُرى أيضًا في حِفْظِ الكَوْن. فعندما خَلقَ العالم، يقولُ الكتاب المقدَّس إنه "حَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ". وقد يقول قائل: "أنت تقول إن الله لا يتعب. ولكن كيف نقرأ أنَّه استراح في اليوم السابع؟" الحقيقةُ هي أنَّه لم يَسترح حقًّا – ولو قليلًا. فلو أن الله استراح في اليوم السابع، هل تعلمون ما كان قد حدث لكل شيء صنعه في الأيام الستة الأولى؟ لكانت تَداعَتْ جميعُها. وقد تقول: "إذًا لماذا استراحَ؟" لكي يعطينا نموذجًا. فنحن نتعب. أمَّا هو فلا يتعب. بل إنه كان يُعطي الإنسانَ مِثالاً. فالإنسان يحتاج إلى الراحة وتجديد الطاقة. وقد كان الله عاملًا في ذلك اليوم كبقيَّة الأيام الأخرى لأن طاقته تَتدفَّق دائما. لذلك فقد كان في اليوم السابع يفعل ما فعله في الأيام الستَّة السابقة إذْ إنَّه كان يَحمل كُلَّ شيءٍ خَلَقَهُ. فنحن نقرأ في عبرانيين 1: 3 إنه: "حَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ".
ثالثًا، أعتقد أيضًا أن قدرة الله تُرَى في الفداءِ. وربما كانت القوة الكامنة في الفداء أكبرَ مِنْ تلك الَّتي كانت في الخَلْقِ لأنه لم تكن هناك مقاومة في عملية الخلق. فلم يكن هناك شيطان ينبغي إخضاعُه، ولا موت ينبغي التغلُّب عليه، ولا خطيَّة ينبغي غُفرانها واقتلاعها، ولا جهنَّمَ ينبغي إغلاقها، ولا موت على الصليب ينبغي احتماله. هذا فيما يختصُّ بالخَلْق. أمَّا في الفداء فقد كان هناك صراعٌ. وقدِ استعرَضَ اللهُ قُدرته العظيمة على الصليب حين مات المسيح وفَدى أُناسًا له. وما يَجعل ذلك مذهلاً هو أنَّ الله دعا لنفسه مجموعة من الأشخاص غير المُهِمِّينَ وجَعَلَهُم عُظَماء. أليس كذلك؟ فإذا قرأتم رسالة كورنثوس الأولى والأصحاحين 1 و 2، ستجدون أنَّه "لَيْسَ كَثِيرُونَ أَقْوِيَاءَ، لَيْسَ كَثِيرُونَ شُرَفَاءَ". فقد كانوا مجرد أشخاص عاديِّين، ولكنه جعلهم يواجهون العالم. وعندما نأتي إلى الأصحاحات القليلة الأولى مِن سِفْر أعمال الرسل، نرى أنهم قَلَبُوا العالمَ رأسًا على عَقِبْ. فهذه هي قوة الله الفادية والمُخلِّصة.
رابعًا، أعتقد أن قدرة الله تُرى في قدرته على إقامة الأموات. فهل تدركون أن الله يَملِك قدرة فائقة حتى إنه سيُقيمُ في يومٍ ما، في نهاية الدهر، سيُقيمُ مِنَ الأمواتِ كُلّ شخصٍ عاشَ على الأرض، بارًّا كانَ أَمْ غيرَ بارٍّ؟ وقد تقول: "أنا أعلم أنَّ المؤمنينَ سيقومونَ، ولكِنْ هل هذا يَصُحُّ على غير الأبرار؟" أجل. فنحن نقرأُ في إنجيل يوحنا 5: 28 أنَّ أُناسًا سيَخرجونَ "إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ"، وَأنَّ أُناسًا سيَخرجونَ "إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ". واقرأوا أيضًا سِفْرَ الرُّؤيا حيثُ تجدونَ عند عرش الدينونة العظيم الأبيض أنَّ جميع الأشرار سيَمْثُلونَ أمامَ اللهِ (الأصحاح 20). فَهُمْ سيقفون جميعُهم هناك. فقد قاموا مِنَ القبورِ ومِنَ البِحارِ الَّتي كانت تَحتجزهم. فيا لها مِنْ قوَّةِ قيامةٍ مُذهلة! يا لها مِنْ قوَّة! هذا هو إلهُنا – كُلِّيُّ القُدرةِ!
وقد تقولُ: "ما المقصودُ بذلكَ يا جون؟" لِنتحدَّث عن الجوانبِ العمليَّةِ ثُمَّ نأتي إلى الخِتام. فاللهُ كُليُّ القدرةِ، ولكِنْ ما الَّذي يَعنيهِ ذلكَ للمؤمنِ المسيحيِّ؟ أولاً، إنَّ هذه العقيدة هي أساسُ عبادتنا. والجانبُ العمليُّ لهذه العقيدة موجود في كلماتٍ وردت في سِفْر الملوك الثاني 17: 36 إذ نَقرأُ: "بَلْ إِنَّمَا اتَّقُوا الرَّبَّ الَّذِي أَصْعَدَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ بِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ وَذِرَاعٍ مَمْدُودَةٍ، وَلَهُ اسْجُدُوا". فيجب علينا أن نعبد الله بسبب قدرته. فقدرتُه هي أساسُ عبادتنا. ونحن نجتمع معًا ونُسبِّح الله بسبب قدرته العظيمة إذْ إنه لا مَثيلَ له. ثانيًا، بالنسبة إلى المؤمن المسيحي، فإن قدرةَ اللهِ ليست هي أساس العبادة فقط، بل إنها أيضًا أساس الثقة اليومية والاتكال اليومي. فكما تَعلمونَ، عندما أحاول القيام بشيءٍ ما، وأفشل في ذلك، وأشعر بعجزي، فإني أَلْتَجِئُ إلى الآية فيلبِّي 4: 13 الَّتي تقول: "أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي" ماذا؟ "يُقَوِّينِي". ... الَّذي يُقوِّيني. فبسبب قُدرته فإننا نَسْلُك يومًا فيومًا بثقة. ونحن نقرأ في رسالةِ أفسُس 3: 19: "لِكَيْ تَمْتَلِئُوا إِلَى كُلِّ مِلْءِ اللهِ". ثم نقرأ في العدد 20: "وَالْقَادِرُ أَنْ يَفْعَلَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، أَكْثَرَ جِدًّا مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ، بِحَسَبِ الْقُوَّةِ الَّتِي تَعْمَلُ فِينَا". فقدرة الله هي أساس حياتنا اليومية.
ثُمَّ إنَّ هذه العقيدة هي أساسُ رجاءِ قيامتنا. فبصفتي مسيحيًّا، أنا أتطلع إلى القيامة مِنَ الأموات. وأنا أحاول أن أرى ما سيحدثُ إن لم أكن في عِدادِ مَنْ سيُخْطَفون، فأجدُ أن الفرصة كبيرة في أن أموت قبل الاختطاف. فمن المؤكد 100% أنِّي سأموت. فسوف أموت. وأنا لديَّ رَجاءٌ أيضًا بأنِّي سأقوم مِنَ الموت. إذًا، ما هي ثِقَتي؟ كما تَعلمونَ، أنا أذهبُ لحضور الجنازاتِ. والأمر لا يبدو مفعمًا بالرجاء هُناك. فَهُمْ يَسحبونَ الدَّم منَ الجُثَّة ويَضُخُّون فيها سائل التَّحنيطِ ويَتركوها على تلك الحال. ثم إنهم يُحضروها ويَضعوها في تابوتٍ. وإنْ قُلتَ للحانُوتِيِّ إنَّ هذا الميت سيقوم يومًا ما مِن القبر، قد يَنظر إليك نَظرةً تَعْكِسُ رأيهُ إذْ إن لِسَانَ حالِهِ يقول: "أنت لا تَعرفُ ما أعرفه أنا يا صديقي. فلا يمكن لهذه الجثة أن تتحرك البتَّة". فالأمر يبدو بائسًا جدا. وبعد أن يأتي المُعَزُّونَ ويقفونَ أمام التابوتِ المفتوحِ، تَرى الميت هناك. إنه جُثَّة هامدة بائسة. ثم يضعونه في الأرض، ويَطمرونه بالترابِ. وهذا هو كل شيء. وقد يقول أحد المؤمنين المسيحيين الواقفين هناك: "في يومٍ ما، سيقوم هذا الأخ المحبوب مِن القبر". ويمكنك أن تسمع بعض الناس يَضحكون في الصفوف الخلفية ويقولون في أعماقهم: "كيف تَعرفُ ذلك؟ مَنْ يَقدر أنْ يُقيم هذه الجُثَّة؟" وإذا ذهبتم إلى رسالةِ كورنثوس الأولى والأصحاح 15، ستجدون أنَّ ثِقتي بالقيامة قائمة على قدرة الله: "وَلكِنِ الآنَ قَدْ قَامَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ وَصَارَ بَاكُورَةَ الرَّاقِدِينَ". ونقرأ في العدد 52: "فِي لَحْظَةٍ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، عِنْدَ الْبُوقِ الأَخِيرِ. فَإِنَّهُ سَيُبَوَّقُ، فَيُقَامُ الأَمْوَاتُ عَدِيمِي فَسَادٍ، وَنَحْنُ نَتَغَيَّرُ". كيف سيحدثُ ذلك؟ إنَّ الله هو الَّذي سيعطينا هذه النُّصرة. فقدرةُ الله هي أساسُ عبادتنا، وأساسُ قوتنا اليومية، وأساسُ رجاء قيامتنا في المستقبل.
فضلاً عن ذلك، إنها أساسُ راحتنا. فعندما أقلق بشأن مشاكلي، أتذكر إلهي وأدرك أنَّه لا توجد تجربة في حياتي تَعْسُرُ على الله. فنحن نقرأ في المزمور 121: "أَرْفَعُ عَيْنَيَّ إِلَى الْجِبَالِ، مِنْ حَيْثُ يَأْتِي عَوْنِي! مَعُونَتِي مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ". والكلماتُ الَّتي تَليها هي أساس الأمر بِرُمَّتِه: "صَانِعِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ". فإنْ كان قادرًا على القيام بذلك، مِن المؤكد أنَّه يستطيع أن يُنَجِّيني. إذًا، هناك ثِقة. وهناك رَاحة. فعقيدة "قُدرةُ اللهِ المُطْلَقَة" هي أساسُ العبادة، وأساس الثقة اليومية، وأساس رجاء القيامة، وأساس الراحة. ثُمَّ إنها أساس نُصرتنا. فنحن نقرأ في الأصحاح السادس مِن رسالة أفسُس: "تَقَوُّوْا فِي الرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُوَّتِهِ". فإنْ أردتَ أن تُقاتلَ العدو، يجب عليك أن تَسمح لله أن يَستخدم قُوَّتَهُ لإلحاق الهزيمة به. فعندما يأتي العدو وتكون مستعدًّا له، فإنك لا تُحارب العدو، بل إنك تَلتجئ إلى رَبِّ الجُنودِ الَّذي يُحامي عنك. فأساس نُصرتنا يَستند إلى حقيقة أنَّ الله قَدير: "لأَنَّ الَّذِي فِيكُمْ أَعْظَمُ مِنَ الَّذِي فِي الْعَالَمِ". وقد تحدثنا عن ذلك مساء يوم الأحد الماضي. أليس كذلك؟ فالشيطان كائن مدهش. وَهُوَ قوي جدًّا جدًّا. لكن هل تعلمون شيئًا؟ إنه تحتَ قَدَمَيَّ – حيثُ يَنتمي في الحقيقة – لأنَّ الله وَضَعَهُ هناك. والنُّصرة لي في المسيح – فهي قدرة عظيمة مُتاحة لي.
كذلك، بالنسبة إلى المؤمن المسيحي، فإن عقيدة قدرة الله هي أساس الضَّمان. فأنا مُخَلَّصٌ كما تَعلمون. والناس يسألونَني غالبًا إن كنتُ أظنُّ أنِّي سأبقى مُخَلَّصًا. وأنا أُجيبُهم أني سأبقى كذلك. وهُمْ يَسألون: "وما سَبَبُ اعتقادك هذا؟" فأقول: "لأن الله قوي بما يَكفي لِحِفْظي. والشخص الوحيد الَّذي يُمكنه أنْ يَنتزعني مِن يَدِ اللهِ ينبغي أنْ يكونَ أقوى منه. وهذا الشخص لا وُجودَ لَهُ". فنحنُ نقرأُ في إنْجيل يوحنا 10: 29 – بل إنَّنا نَبتدئُ القراءةَ منَ العدد 28: "وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي". لماذا؟ "أَبِي الَّذِي أَعْطَانِي إِيَّاهَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْكُلِّ، وَلاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْطَفَ مِنْ يَدِ أَبِي". فلا يوجد كائنٌ أقوى مِنَ الله. وعندما يمسك الله شيئًاـ لا يمكنك أن تأخذه منه. وفي رِسالةِ رومية والأصْحاح 8، نجدُ الشيء نفسه: "مَنْ سَيَشْتَكِي عَلَى مُخْتَارِي اللهِ؟" ... "مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟" وَهُوَ يُسَمِّي كُلَّ تلكَ الأشياء: الرؤساءَ، والملائكة، وكُلَّ شيءٍ ممكنٍ – ولكنْ لا، لا، لا شيء. فالله كُلِّيُّ القدرة. وأساسُ يقيني هو قوَّة الله وقُدرته الكاملة والمُطلقَة. لذلكَ فإنَّ بولسَ يَقولُ في رسالتِه الثانيةِ إلى تيموثاوس 1: 12: "لَسْتُ أَخْجَلُ، لأَنَّنِي عَالِمٌ بِمَنْ آمَنْتُ، وَمُوقِنٌ أَنَّهُ قَادِرٌ أَنْ يَحْفَظَ وَدِيعَتِي إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ". وكما تَرَوْنَ، فقد حصلَ بولسُ على هذه الثقة مِنْ مَعرفته بأنَّ الله قَديرٌ.
فَضلاً عن ذلك، وهي النقطة الأخيرة: مِن وُجهة نظر المؤمن المسيحي، فإنَّ العقيدةَ الَّتي تقول إنَّ الله قادرٌ على كُلِّ شيءٍ هي أساسُ التَّواضُع. فمن السهل حقًا أن تكون مُتكبِّرًا إنْ لم تُفَكِّر في الله؛ أي إذا كان تفكيرُك مَحصورًا في ذاتك. ولكن ما إن تَبدأ التفكير في الله، ستدرك أنك لا شيء. ونحنُ نقرأ في 1بطرس 5: 6: "تَوَاضَعُوا تَحْتَ يَدِ اللهِ الْقَوِيَّةِ" ... "تَوَاضَعُوا تَحْتَ يَدِ اللهِ الْقَوِيَّةِ". والنتيجةُ؟ "لِكَيْ يَرْفَعَكُمْ". لماذا ينبغي لي أنْ أتواضَعَ؟ لأنه ينبغي لي أن أُدركَ قُدرة الله وقوَّته. فقوة الله هي أساس تَواضُعي. فهو الَّذي يَجعلني أُدركُ أنِّي لا شيء، وأنِّي لا يُمكنُ أنْ أكون شيئًا، وأنِّي لا يُمكنُ أنْ أُحَقِّقَ أيَّ شيءٍ، وأنِّي لا أستطيعُ أن أفعلَ شيئًا مِنْ دُونِهِ. التَّواضُع. لذلك، فإنَّ العقيدة الَّتي تقول إن الله قادر على كُلّ شيءٍ هي عقيدة عمليَّة جدًّا. وماذا عن غير المؤمن؟ ما تأثيرها على الشخص غير المسيحيِّ إنْ عَلِمَ أنَّ اللهَ كُليُّ القُدرةِ؟ إنَّهُ تأثيرٌ هائلٌ جدًّا، بصراحة.
ففي رسالةِ كورِنثوس الأولى والأصحاح 10، يكتبُ بولسُ إلى أهل كورِنثوس ويقول في العدد 22 مِن 1كورنثوس 10: "أَمْ نُغِيرُ الرَّبَّ؟" أيْ: هل تحاولُ أن تُثيرَ غَيْرَةَ الرَّبِّ؟ لأنهُ إنْ كان هذا هو ما تحاول أن تَفعلهُ، مِنَ الأفضلِ أنْ تُفَكر في هذا السؤال: "أَلَعَلَّنَا أَقْوَى مِنْهُ؟" بعبارة أخرى، إن كان الله غيورًا، وَهُوَ يَغارُ حين لا تَعبُدهُ، مِن الأفضل أنْ تكون أقوى مِنه لأنه سيُحارِبُك. وما معنى هذا للشخص غير المؤمن؟ عندما لا تعبد الله، فإنَّ اللهَ يَغار. وعندما يَغارُ اللهُ فإنه يقاومُ أولئكَ الَّذي يَغارُ منهم. وعندما يُقاومُ اللهُ شخصًا ما، فإنَّهُ يَنتصر لأنه كُليُّ القُدرة. ومِن المحزن أن نُدرك أن الناس في هذا العالم، الَّذينَ لا يَعرفون الله، ولا يعبدون الله، ولا يُحبون المسيح، سيواجهونَ المقاومةَ في النهاية مِن خلالِ دينونةِ اللهِ الكُليِّ القُدرة. وما لم يكونوا أقوى مِن اللهِ، لن يتمكنوا مِن الدفاع عن أنفسهم. وصدقوني، لن يكون لديكم دفاع لأنه لا يوجد إنسان أقوى مِن الله الَّذي خَلَقَهُ. ونقرأ في سفرِ أيُّوب 9: 4: "هُوَ حَكِيمُ الْقَلْبِ وَشَدِيدُ الْقُوَّةِ. مَنْ تَصَلَّبَ عَلَيْهِ فَسَلِمَ؟" لا أحد – لا أحد. ونقرأ في الأصحاح 10 والعدد 7: "فِي عِلْمِكَ أَنِّي لَسْتُ مُذْنِبًا، وَلاَ مُنْقِذَ مِنْ يَدِكَ". فأيُّوبُ يقول: "إنَّ ما يَحْدثُ لي حَقيقيٌّ. ومعَ أنِّي لا أفهمُ ما يَجري، فإنِّي أعلمُ أنَّهُ لا يوجدُ شخصٌ يستطيعُ أنْ يَمَسَّكَ. ولا يوجدُ شخصٌ يَستطيعُ أنْ يُنقَذَني".
عندما يَصُبُّ اللهُ غَضَبَهُ على حياةِ أيِّ إنسانٍ، لا يوجدُ لَهُ مَفَرٌّ على أيِّ أساسٍ بشريٍّ. فالشخص الوحيد في الكون كُلِّه القادر أن يُنقذك مِن يدِ اللهِ الغاضبِ هو يسوع المسيح شخصيًّا لأنه الله. فنحن نقرأ في رسالة تسالونيكي الثانية 1: 7: "وَإِيَّاكُمُ الَّذِينَ تَتَضَايَقُونَ رَاحَةً مَعَنَا، عِنْدَ اسْتِعْلاَنِ الرَّبِّ يَسُوعَ مِنَ السَّمَاءِ مَعَ مَلاَئِكَةِ قُوَّتِهِ، فِي نَارِ لَهِيبٍ، مُعْطِيًا نَقْمَةً لِلَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ اللهَ، وَالَّذِينَ لاَ يُطِيعُونَ إِنْجِيلَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِينَ سَيُعَاقَبُونَ بِهَلاَكٍ أَبَدِيٍّ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ وَمِنْ مَجْدِ قُوَّتِهِ". فبالنسبةِ إلى الأشخاص الَّذينَ لا يَعرفون الله، ولا يُطيعون الإنجيلَ، سوفَ يَصُبُّ اللهُ غضبَه عليهم؛ وهذا أمرٌ يُرعِبُ الإنسانَ لمجرد التفكير فيه. لذلك، لا عَجَبَ أنَّ كاتب الرسالة إلى العبرانيين يقول في الأصحاح العاشر: "مُخِيفٌ هُوَ الْوُقُوعُ فِي يَدَيِ اللهِ الْحَيِّ!"
ولكنْ لماذا نقول هذه الأشياء عن الله؟ نحن نقول لكم هذه الأشياء عن الله لأنَّ هذه هي طبيعة الله، ولأنَّ هذا هو ما أعلنه لنا. ونحن نريد منكم أن تؤمنوا بالله. ونحن نريد منكم أن تؤمنوا بالله الحقيقيِّ. واسمحوا لي أن أقولَ الآتي، في الخِتام: هل لاحظتُم أنَّ الحقائق نفسها المختصة بالله في جميع الحالات تُفْضِي إلى نتيجَتَيْن مُختلفتَيْن؟ فمعرفتنا بأنَّ الله لا يتغير، وأنه موجود في كُلّ مكان، وأنه كُلِّيُّ القُدرةِ هي بَرَكة للمؤمنِ المسيحيِّ. أليسَ كذلك؟ فَهِيَ مَصْدَرُ فَرَح. أما بالنسبة إلى غير المؤمن، فإن الشيء نفسه مُرْعِبٌ. لذا فإن القضية بِرُمَّتِها لا تَختصُّ بشخصِ الله، يا أحبائي، لأن شخص الله ثابتٌ. ولكنَّ القضيَّة الجوهرية هي أنت. فالإنسانُ الَّذي يُعانِدُ اللهَ، ويحاول دائمًا أن يعيش بالطريقةِ الَّتي يريد، مُتغاضِيًا عن طبيعةِ الله، هو شخص أحمق. فالله هو الله. والله يَصنع ما يَشاء. ويجبُ عليك أن تَحيا وفقًا لذلك.
وفي الأسبوع المُقبِل، سوف نتحدَّث عن كيف أنَّ نِعْمة الله وغُفرانه يَعملان في كُلّ تلك الأشياء المُريعة الَّتي قُمنا بها، وكيف أنَّه يَقبلنا حين نأتي إلى المسيح. والمِفتاحُ لِعِظَةِ هذا الصَّباحِ (وهذهِ هيَ الفكرةُ الخِتاميَّةُ)، المِفتاحُ هو أنَّ هذا هو الله. هذا هو الله الَّذي يُطالبك بأن تَعبُدَه. ونحن ندعوكَ، بمحبة، إلى القيام بذلك. فأعظم فرحٍ يمكننا أن نَحصل عليه هو أن نَرى شخصًا يَسْلُكُ معَ الله. فهذا هو شوق قلب الله. وهو يدعوك إلى المجيء إليه بشروطه هو. ومِنْ خلال الإيمان بيسوع المسيح، يمكنك أن ترتبط به ارتباطًا سليمًا. فإن قبِلتَ ذبيحة المسيح، فإنَّ الله يَقبلُكَ. وعوضًا عن أن تكون الأمور المختصة بالله مُخيفة، فإنها تصير بَرَكة لحياتِك. لِنَحْنِ رُؤوسَنا للصَّلاة:
نَشكرك، يا أبانا، في هذا الصباح على كلمتك، وعلى الحقِّ الَّذي تُمَثِّلُه، وعلى قُوَّتها في حياتنا. ونحنُ نُصلي أن تَجتذب هؤلاءِ الأشخاصِ الَّذينَ هُم في حاجةٍ ماسَّةٍ إليك، والذين ذابَتْ قلوبهم ودَبَّتْ فيها الحرارةُ بِواسطةِ عملِ الرُّوح القُدُس. بارِك الصُّفوفَ الدِّراسيَّةَ الَّتي ستَبدأ الآن، يا أبانا، وبارِك حتَّى الصُّفوفَ الدِّراسيَّةَ الَّتي على وَشْكِ الانتهاء الآن، وبارِك هذا اليوم، وهؤلاءِ الأشخاصَ، وكُلَّ حياةٍ عَزيزةٍ جدًّا جدًّا على قلبِك. نشكُرُك. ونُكَرِّسُ أنفسنَا والكلمةَ لك لكي يَحْمِلَ الاثنانُ ثَمَرًا. باسم المسيح. آمين.

This article is also available and sold as a booklet.