
أوَّلاً، لقد قلنا إنَّه يجب علينا أن نَدرس الكتاب المقدَّس لأنَّه مَصدر الحقّ. فقد قال يسوع في إنجيل يوحنَّا 17: 17: "كَلاَمُكَ هُوَ حَقّ". وهذه جُملة عظيمة. وقد تحدَّثنا عن سُخرية بيلاطُس حين قال: "مَا هُوَ الْحَقُّ؟"
ثانيًا، لقد قلنا إنَّه ينبغي لنا أن ندرس الكتاب المقدَّس لا فقط لأنَّ الكتاب المقدَّس هو مَصدر الحقّ، بل أيضًا لأنَّه مَصدر السَّعادة. فهو مصدر الفرح. والحقيقة هي أنَّنا اقتبسنا كلمات يسوع إذْ قال: "إن سمعتم كلامي وثبتم فيه، يثبت فرحي فيكم". ونقرأ في رسالة يوحنا الأولى: "وَنَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هذَا لِكَيْ يَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً". ونقرأ في سِفْر الأمثال: "طُوبَى لِلإِنْسَانِ الَّذِي يَسْمَعُ لِي". ونقرأ في إنجيل لوقا 11: 28: "طُوبَى لِلَّذِينَ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللهِ وَيَحْفَظُونَهُ". فهو مَصدر الفرح.
إذًا ينبغي لك أن تدرس الكلمة، وأن تسمع ما تقول، وأن تستخلص مبادئها، وأن تُطيع هذه المبادئ لأنَّه حين تحفظها في قلبك وتُطيعها فإنَّ الله يَسكب بَرَكته عليك ويَملأ قلبك فرحًا. وهل تريدون أن تَعلموا شيئًا؟ مِن جهة أخرى، اسمحوا لي أن أقول لكم ما يلي: يمكنك أن تكون مُطيعًا بشَتَّى الطُّرق الناموسيَّة الَّتي تريد، ولكن إن لم تكن ترغب مِن أعماق قلبك في القيام بذلك، بل كنت تُقاوم ذلك، لن يُعطيك اللهُ فَرحًا. فكما تَعلمون، إن عَملتم أعمالاً صالحةً مِن دون موقفٍ قلبيٍّ سليم فإنَّ ذلك لا يَجوز.
واسمحوا لي أن أُبيِّن لكم قَصدي. إنَّ الكتاب المقدَّس يتحدَّث عن الثَّمَر. فهو يتحدثَّ عن أنواع مُختلفة مِن الثَّمر. فهو يتحدَّث عن ثمر الرُّوح؛ وهذا يختصُّ بالموقف القلبيّ. وقبل أن يصير هناك ثمر في حياتك مِثل ربح النَّاس للمسيح، أو دراسة كلمة الله، أو أيِّ شيءٍ آخر يُسَمِّيه الكتابُ المقدَّسُ ثَمرًا (كالتَّسبيح، والعَطاء، وكلِّ عملٍ صالحٍ)؛ أي قبل أن يَصير للثمرِ الخارجيِّ أيُّ معنى، يجب أن يَنبغ مِن ثمر الرُّوح في الدَّاخل.
والآن، استمعوا إلى ما سأقول: إن كان هناك ثمر أفعال أو أعمال مِن دون ثمر مواقف قلبيَّة في الدَّاخل، سيكون ذلك ناموسَّية فقط. فهي فَرِّيسيَّة. فلا يمكنك أن تُظهر كلَّ الثَّمر الَّذي تريد خارجيًّا. فقد تكون ناموسيًّا بكلِّ معنى الكلمة على غِرار الفَرِّيسيِّين، ولكنَّك لن تختبر الفرح يومًا. مِن جهة أخرى، إذا كان قلبك مُطيعًا ومُمتلئًا بالمواقف الصَّحيحة، قد لا تشعر بالفرح خارجيًّا إلى حِيْن، ولكنَّ الله سيعطيك فرحًا لأنَّه يرى روح الطَّاعة العاملة بالنِّعمة في قلبك. وهذا هو ما يَطلُبه الله.
لذا فإنَّ الوصيَّة هي كما يَلي: ادرس الكتاب المقدَّس. لماذا؟ أوَّلاً، لأنَّه مَصدرُ الحقّ. ثانيًا، لأنَّه مَصدر الفرح. وقد تقول: "عفوا يا ماك آرثر! أنا أُقَدِّر حقًّا ما تقول، ولكنِّي أريد أن أقول لك شيئًا: أنا أدرس الكتاب المقدَّس طَوال الوقت، ولكنِّي أشعر بالألم طَوال الوقت. والمشاكل تُحيط بي مِن كلِّ ناحية". في هذه الحالة، يَسُرُّني أن أقول إنَّ لديَّ آية لك. فأنا لا أريد أن أتركك أسيرًا لتلك الفكرة.
إنَّ الله لا يقول لك تحديدًا مَتى ستحصل على الفرح. أليس كذلك؟ فقد تُضطرَّ إلى الانتظار قليلاً. لذا، نقرأ في إنجيل يوحنَّا والأصحاح 16 أنَّ يسوع نظر إلى التَّلاميذ وقال لهم: "سوف أُغادِر". وقد جلسوا جميعًا هناك وراحوا يَبكون، كما تَعلمون. فقد كان كلُّ اتِّكالهم مُنصبًّا على بقائه معهم. فقد تركوا أعمالهم، وكانوا مواظبين على اتِّباع يسوع خلال السَّنوات الثَّلاث الماضية. ثُمَّ إنَّ يسوع جاء فجأةً وقال لهم: "أنا ذاهبٌ يا رِفاق! أنا مُضطرٌّ إلى الذَّهاب. يجب عليَّ أن أذهب. هذه هي الحقيقة". وقد قالوا: "مهلاً! مهلاً يا رَجُل! لقد تَبِعناك ظَنًّا مِنَّا أنَّ الملكوت سيأتي. ما الخَطْب؟ لا بُدَّ أنَّ شيئًا قد حدث". وقد حزنوا جدًّا واغتمُّوا جدًّا. فقال يسوع في إنجيل يوحنَّا 16: 20: "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ سَتَبْكُونَ وَتَنُوحُونَ وَالْعَالَمُ يَفْرَحُ. أَنْتُمْ سَتَحْزَنُونَ..." [والآن اسمعوا:] "...وَلكِنَّ حُزْنَكُمْ يَتَحَوَّلُ إِلَى فَرَح".
بعبارة أخرى، يجب عليكم أن تدركوا أنَّه سيكون هناك أحيانًا حُزن قبل أن يصير هناك فرح. والحقيقة هي: هل تريدون أن تَسمعوا شيئًا مدهشًا؟ إن لم تختبروا الحزن، لن تفهموا الفرح حين يأتي. أجل! فإن لم تختبروا الألم، لن تعرفوا طعم المُتعة.
هل تعلمون شيئًا؟ لقد كنتُ أقرأ مؤخَّرًا مقالةً صغيرةً مدهشةً تقول إنَّ الفرق بين الحَكَّة والدَّغدغة لا يُمكن أن يُعَرَّف طِبِّيًّا. وبالرَّغم من ذلك فإنَّ الدَّغدغة شيء يجعلك سعيدًا؛ في حين أنَّ الحَكَّة شيء يجعلك مُتضايقًا. فهناك خَيطٌّ رفيع جدًّا بينهما. وهل تعلمون أنَّ الخَيطَ الفاصل بين المُتعة والألم رفيع جدًّا؟ فمثلاً، أحيانًا لا يوجد ما هو أروع مِن الحَمَّام السَّاخن. ولكنَّك قد تزيد حرارة الماء أكثر مِمَّا ينبغي وتضع مِرْفَقَكَ فتشعر بحرارتها المؤلمة. ثُمَّ إنَّك تُخَفِّف حرارة الماء قليلاً ولكنَّها ما تزال مؤلمة. وفجأةً، تصير الحرارة مُمتعة. فهناك خَيط رفيع بين الألم والمُتعة.
وكما تعلمون، لقد كنتُ ألعب كرة القدم عندما كنتُ في الجامعة. وقد اختبرتُ ذلك الخيط الرَّفيع بين الألم والمتعة. فأنت تُرهِق جسدك لأنَّك تتصرَّف أحيانًا كالمجنون فتشعر بالألم تلو الألم. ولكنَّك طوال الوقت تُحِبُّ ذلك النَّوع مِن الألم المُمتِع. فهو خَيط رفيع بين الألم والمُتعة.
وأعتقد أنَّك إن لم تختبر الألم، لن تختبر المتعة. فإن لم نختبر الألم، لن نختبر الفرح النَّاجم عن المتعة. وأعتقد أنَّ واحدًا من الأسباب في أنَّ اللهَ يَسمح بالحزن في حياتنا هو أن نَفهم الفرح حين يأتي. لذا فإنَّه يقول إنَّكم ستَحزنون زمانًا قليلاً. لِذا، اصبروا. اسمعوني: إذا أطعتَ كلمة الله سوف يعطيك اللهُ ذلك الفرح؛ ربَّما ليس حالاً في الوقت الَّذي تريد، ولكن دائمًا عندما تكون بحاجة إليه.
لذا، لماذا ينبغي لي أن أدرس الكتاب المقدَّس؟ وما الَّذي ينبغي أن يَحفِزَني على دراسة الكتاب المقدَّس؟ أوَّلاً، الكتاب المقدَّس هو مَصدر الحقّ. ثانيًا، الكتاب المقدَّس مَصدر الفرح. وسوف أقول لكم شيئًا: مهما حدث في حياتي خارجيًّا ومِن جهة الأحوال، عندما أدرس كلمة الله، هناك مُتعة وفرح لا يتأثَّران بأيِّ ظَرف.
ثالثًا، أو القوَّة الدَّافعة الثَّالثة، أو السَّبب الثَّالث لدراسة الكتاب المقدَّس هو أنَّ الكلمة هي مَصدر النُّصرة. ولا أدري كيف تنظرون إلى ذلك، ولكنِّي أُحِبُّ أن أفوز، ولا أُحِبُّ أن أخسر. وأنا أخسر كثيرًا، ولكنِّي لا أُحبُّ ذلك، كما تَعلمون. فأنا أُحبُّ أن أفوز. وفي رأيي، إن أردتَ أن تفعل شيئًا، افعله بكلِّ حماسة. وقد كان أبي يقول ذلك لي منذ أن كنتُ صَبيًّا صغيرًا. فقد كان يقول: "اسمع يا جوني! إذا كنتَ ستفعل شيئًا، افعله بأقصى طاقتك؛ وإلاَّ فإنَّه لا يَستحقُّ مجهودك". لذا فقد نشأتُ وأنا أفعل ذلك إذْ إنَّني أسعى إلى التَّفوُّق.
فأنا أُحِبُّ أن أفوز، ولا أُحِبُّ الخسارة. فأنا أُحِبُّ أن أكون مُتفوِّقًا. وأنا أرى ذلك في حياتي المسيحيَّة الشخصيَّة. فأنا لا أُحِبُّ أن أُعطي العَدوَّ مَكانًا. وأنا لا أُحِبُّ أن أجعله يَطمع فِيَّ (كما جاء في الرِّسالة إلى أهل كورنثوس). وأنا لا أُحِبُّ أن أرى الشَّيطان منتصرًا. وأنا لا أُحبُّ أن أرى العالَم يَسودُ عليَّ. وأنا لا أُحبُّ أن أرى الجسد يُسيطر على الرُّوح. فأنا أريد أن أفوز، وأرغب في الفوز. وما زلتُ أَذكُر أنَّ مُدرِّب كُرة القدم كان يُعطينا محاضرةً قويَّةً قائلاً: "لا يمكنك أن تُغلَب إن لم تَسمح لأحدٍ أن يَغلبك". وأعتقد أنَّه ينبغي لنا أن نكون كذلك بصفتنا مَسيحيِّين.
فلا يوجد سبب يدفعنا إلى الاستسلام للعَدوّ. وعندما تدرس الكتاب المقدَّس، ستجد أنَّ كلمة الله تصير مَصدر النُّصرة. وقد قال داود ما يلي، ولا بُدَّ أنَّكم تَذكرون هذه الكلمات كما أذكرها أنا: "خَبَأْتُ كَلاَمَكَ فِي قَلْبِي لِكَيْلاَ..." [ماذا؟] "... لِكَيْلاَ أُخْطِئَ إِلَيْكَ". لِذا فإنَّ الكلمة هي مَصدر النُّصرة على الخطيَّة. فعندما تكون كلمة الله مغروسة فيك فإنَّها تصير المَصدر الَّذي يَستخدمه الرُّوح القُدُس لتوجيهنا. فهي تُفسح في المجال لعمل الرُّوح القُدُس.
فلا يمكنك أن تمنع نفسك مِن الوقوع في الخطيَّة ما لم تكن كلمة الله مغروسة فيك كي يتمكَّن الرُّوح القُدُس مِن العمل في عقلك الواعي. وأريد أن أقول لكم شيئًا بسيطًا: بصفتك مؤمنًا مسيحيًّا، لا يمكنك أن تُطَبِّق شيئًا لا تعرفه. فهذا لن يحدث. فلا يمكنك أن تُطَبِّق مبدأً لم تعرفه يومًا. ولا يمكنك أن تُطَبِّق حقًّا لم تكتشفه يومًا. لِذا، يجب عليك أن تُغَذِّي ذهنك بكلمة الله لأنَّها ستصير الأداة الَّتي سيستخدمها روح الله لتوجيهك وإرشادك.
والآن، دَعونا نَرى على سبيل المثال ما جاء في الأصحاح الرَّابع مِن إنجيل مَتَّى. فهذا هو المثل التوضيحيُّ الكلاسيكيّ على التَّصدِّي للشَّيطان بكلمة الله. فنحن نقرأ هنا عن يسوع المسيح إذْ يقول العدد الأوَّل: "ثُمَّ أُصْعِدَ يَسُوعُ إِلَى الْبَرِّيَّةِ مِنَ الرُّوحِ لِيُجَرَّبَ [أو يُمْتَحَنَ] مِنْ إِبْلِيس". فمِن جهة الله، كان ذلك امتحانًا لأنَّه لا يمكن أن يفشل. ومِن جهة الشَّيطان، كان ذلك تجربة لأنَّه كان يَأملُ في أن يَفشل. فهذه الكلمة قد تَعني هذا المعنى أو ذاك. فالكلمة "پيرازموس" (peirasmos) يُمكن أن تعني "امتحانًا" أو "تجربة". فهي كلمة مُحايدة. فهي تعني خيرًا أو شَرًّا. فَمِن زاويةِ الشَّيطان فإنَّه يريد لها أن تكون شَرًّا. ومِن زاويةِ الله فإنَّه يَعلم أنَّها ستَؤول إلى الخير.
لِذا فقد اقتادَهُ الرُّوح إلى البَريَّة لأنَّه كان يَعلم أنَّه سيجتاز الامتحان. ولكنَّ الشَّيطان كان موجودًا هناك بانتظاره على أمل أن يَفشل. "فَبَعْدَ مَا صَامَ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، جَاعَ أَخِيرًا". ولا عَجَبَ في ذلك. ولكنَّ ما يدهشني هو أنَّه لأنَّ يسوع كان إنسانًا كاملاً بلا خطيَّة، لا بُدَّ أنَّ جسمه كان يمتلك قدرةً تفوق أيَّ شيءٍ نعرفه. فلا بُدَّ أنَّه كان قويًّا جدًّا، وذا بأسٍ شديد، ويمتلك الكثير مِن الصِّفات البشريَّة في حَدِّها الأقصى (على الأقلِّ كما نعرفها نحن) حتَّى إنَّه لم يشعر بالجوع طوال تلك الأيَّام الأربعين إلى شَعر أخيرًا بالجوع الشَّديد.
وأخيرًا، بعد أربعين يومًا، "تَقَدَّمَ إِلَيْهِ الْمُجَرِّبُ وَقَالَ لَهُ"... وحينئذٍ، جَرَّبَهُ في ثلاثة أمور. ولا بُدَّ أنَّكم تذكرونها. ولكن في كلِّ حالة، أجاب يسوع بكلمة الله. فقد قال له أوَّلاً: "إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَقُلْ أَنْ تَصِيرَ هذِهِ الْحِجَارَةُ خُبْزًا". وقد كان كلامه يعني في الحقيقة: "اسمَع! أنت ابن الله. وأنت الله الظَّاهر في الجسد. وأنت المَسيَّا. أنت تستحقُّ ما هو أفضل مِن هذا. ما الَّذي تفعله هنا في هذا القَفْر؟ ما الَّذي تفعله هنا في هذه البُقعة الجَرداء خارج أريحا؟ ما الَّذي تفعله هنا في هذه البَريَّة القاحلة الَّتي لا تسكُنها سوى الحيوانات المفترسة والزَّواحف؟ ما الَّذي تفعله هنا ولماذا تُجَوِّع نفسك حتَّى الموت؟ فأنت ابن الله. أشبِع نفسك. اصنع خُبزًا يا رَجُل! فأنت تستحقُّ ذلك".
وقد كان يُجرِّبه حقًّا كي يَتجاهل خُطَّة الله ويُشبِع نفسه بنفسه. فقد كان يقول له: "افعل ما تشاء. لا تَتَّكِل على الله. فالله لم يَسُدَّ حاجتك حتَّى الآن. فقد انقضى أربعون يومًا. وأنت جائع. أنت تستحقُّ ما هو أفضل مِن ذلك". فقد كان يُجرِّبه حقًّا كي يفقد ثقته في العناية الإلهيَّة.
"فَأَجَابَ وَقَالَ: «مَكْتُوبٌ..." [وقد اقتبس مِن سِفْر التَّثنية]: "لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللهِ»". وما قَصده هنا هو: "انظر! لقد وعد الله أن يَعتني بي. وسوف أستمرُّ في الاتِّكال على وعده. ولن أستخدم يومًا قوَّتي للتَّعدِّي على وعد الله". إذًا فقد تَصَدَّى للتَّجربة بكلمة الله.
"ثُمَّ أَخَذَهُ إِبْلِيسُ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ [أيْ: أورُشَليم]، وَأَوْقَفَهُ عَلَى جَنَاحِ الْهَيْكَل". وربَّما كان جناح الهيكل هو ذلك الجُزء النَّاتِئ مِن الهيكل فوق وادي هِنُّوم والذي كان ارتفاعه نحو مئة متر! فقد أوقفه هنا وقال: "لِمَ لا تَقفِز؟ اقفِز وحسب. اطرح نفسك إلى الأسفل. ففي نهاية المطاف، قال الشَّيطان: "أتريد أن تقتبس مِن الكتاب المقدَّس؟ وأنا سأقتبس منه أيضًا. "أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ، فَعَلَى أيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لاَ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ".
هل تريد أن تَتَّكِل على الله؟ هل تريد أن تَثِق في الله ولا تريد أن تصنع خُبزًا؟ هل تريد أن تُصَدِّق الله؟ حسنًا! إذًا لِمَ لا تؤمن بالله وتَطرح نفسك، وتَرى إن كان سيُتَمِّم وعده؟" وهذا يبدو كلامًا معقولاً. فالشَّيطان ذكيٌّ. "أتريد أن تُبَيِّن لي مقدار ثقتك بكلمة الله؟ إليك هذه الطَّريقة الجيِّدة لإثبات ذلك. اقفِز. ودَعهُ يَلتقطك".
"قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «مَكْتُوبٌ أَيْضًا: لاَ تُجَرِّب الرَّبَّ إِلهَكَ»". "إذا كنت تثق بالله [كما قال يسوع]، لا يجوز لك أن تُجَرِّبه، بل يجب عليك أن تؤمن بأنَّه سيعتني بك طَوال الرِّحلة. فلا يجوز لك أن تَستلقي في منتصف الشَّارع العامّ". أترَوْن؟ فالفرق كبير.
"ثُمَّ أَخَذَهُ أَيْضًا إِبْلِيسُ إِلَى جَبَل عَال جِدًّا، وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الْعَالَمِ وَمَجْدَهَا، وَقَالَ لَهُ: "أُعْطِيكَ هذِهِ جَمِيعَهَا إِنْ خَرَرْتَ وَسَجَدْتَ لِــي». حِينَئِذٍ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ!...". فاقتراحٌ واحدٌ منك كان أمرًا سَيِّئًا. واقتراحان أمر لا يُحتمَل. أمَّا ثلاثة اقتراحات فهذا كثير جدًّا. اذهب. "لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ». ثُمَّ تَرَكَهُ إِبْلِيسُ، وَإِذَا مَلاَئِكَةٌ قَدْ جَاءَتْ فَصَارَتْ تَخْدِمُهُ". وقد تَمَّم الله كلَّ وعوده.
والنُّقطة الجوهريَّة هي كالتَّالي: لقد تَصَدَّى يسوع لتجربة الشَّيطان ثلاث مرَّات. وفي كلِّ مرَّة كان يقتبس مباشرةً مِن العهد القديم. اسمعوني: بصفتك مؤمنًا فإنَّ غَرْسَ الحقِّ الكتابيِّ في ذهنك الواعي هو الَّذي يُعطيك القدرة على إلحاق الهزيمة بالشَّيطان. فلا يمكنك أن تفعل ذلك بمفردك. وقد انتصر يسوع حَرفيًّا على الشَّيطان مِن خلال كلمة الله. فهي مَصدر النُّصرة. فلا يمكنك أن تُجادل الشَّيطان ولا أن تحاول أن تَتَشاحَن معه. ويجب أن تَعلموا أنَّه مِن المدهش أنَّ النَّاس يتخيَّلون أنَّهم يستطيعون أن يُجادلوا الشَّيطان وينتصروا على تجاربه بالاتِّكال على منطقهم البشريِّ المَحْض. ولكنَّ ذلك مُستحيل.
وهناك مَثَل توضيحيَّ مدهش آخر في إنجيل لوقا 4: 33: "وَكَانَ فِي الْمَجْمَعِ رَجُلٌ بِهِ رُوحُ شَيْطَانٍ نَجِسٍ، فَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ". فقد كان هُناك رَجُلٌ به رُوحُ شيطانٍ نَجِس في المَجمع. ولا بُدَّ أنَّ ذلك كان تشويشًا للخدمة هناك. ونحن نرى بضعة أشخاص كهؤلاء في خدمتنا بين الحين والآخر. لِذا، أعتقد أنَّني أعرف ذلك الشُّعور. "قِائِلاً: «آهِ! مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ؟ أَتَيْتَ لِتُهْلِكَنَا!". فقد كان ذلك الرَّجُل مُمتلئًا مِن تلك الأرواح الشرِّيرة. وكانت جميعُها تصرخ: "أَنَا أَعْرِفُكَ مَنْ أَنْتَ: قُدُّوسُ اللهِ!». فَانْتَهَرَهُ يَسُوعُ قَائِلاً: «اخْرَسْ! وَاخْرُجْ مِنْهُ!». فَصَرَعَهُ الشَّيْطَانُ فِي الْوَسْطِ وَخَرَجَ مِنْهُ وَلَمْ يَضُرَّهُ شَيْئًا. فَوَقَعَتْ دَهْشَةٌ عَلَى الْجَمِيعِ، وَكَانُوا يُخَاطِبُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَائِلِينَ: «مَا هذِهِ الْكَلِمَةُ؟ لأَنَّهُ بِسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ يَأْمُرُ الأَرْوَاحَ النَّجِسَةَ فَتَخْرُجُ!»".
هل تَعلمون ماذا فعل يسوع؟ لقد أكَّد هناك سُلطانه وقُدرته على الشَّيطان مِن خلال كلمته. فبكلمةٍ واحدة مِنه، كان قادرًا على إهلاك الشَّيطان. فبكلمةٍ قال: "اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ!" وبكلمةٍ أخرج مجموعةً كبيرةً مِن الشَّياطين من مَجنون كورة الجدريِّين. وقد قالوا له: "لَمْ يَتَكَلَّمْ قَطُّ إِنْسَانٌ هكَذَا مِثْلَ هذَا الإِنْسَانِ!" فقد كان يتكلَّم بسُلطان، وليس كالكَتَبة والفَرِّيسيِّين. اسمعوني: إنَّ كلام يسوع المسيح ذو سُلطانٍ مُطلَق. لِذا، حين تعرفون كلمة الله فإنَّكم تختبرون النُّصرة.
واسمحوا لي أن أَذكُر لكم مَثلاً توضيحيًّا آخر. ففي رسالة أفسُس 6: 17، في أثناء حديث بولس عن سلاح المؤمن، نجد ما يلي في هذا السِّلاح العظيم الَّذي يَلبسه المؤمن إذْ نقرأ في العدد 17: "وَخُذُوا خُوذَةَ الْخَلاَصِ، وَسَيْفَ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ كَلِمَةُ اللهِ". وهذا نَصٌّ عظيم! فهو يقول ما يلي: إنَّ القطعة الأخيرة في سلاح المؤمن هي سيف الرُّوح الَّذي هو كلمة الله. والآن، عندما تُفَكِّرون في السَّيف أو في الجُنديِّ الرُّومانيّ قد يَخطُر ببالكم ذلك السَّيف الَّذي يبلغ طوله 150 سنتمترًا والَّذي كان يُلَوِّح به يَمْنَةً ويَسْرَةً. ولكنَّ الكلمة المستخدمة هنا لا تَعني ذلك. فتلك الكلمة هي الكلمة اليونانيَّة "رومفايا" (rhomphaia). أمَّا الكلمة المستخدمة هنا والمُترجمة "سَيف" فهي "مَكايرا" (machaira). والكلمة "مَكايرا" هي كلمة يونانيَّة تشير إلى خِنجرٍ قصيرٍ صغير.
فسيف الرُّوح ليس سيفًا كبيرًا وضخمًا وعريضًا تُلَوِّح به على أمل أن تَقطع به رأس الشَّيطان عاجِلاً أَم آجِلاً. فهو ليس شيئًا يُستَخدم بطريقة عشوائيَّة واعتباطيَّة. وهو لا يَعني أن تشتري كتابًا مُقدَّسًا ضَخمًا بغلافٍ سميكٍ لتضرب به الشَّياطين على رؤوسِها. فهو لا يعني ذلك البتَّة. فسيف الرُّوح هو "مَكايرا" (machaira). فهو خِنجَر. فهو قصير. وهو فعَّال. ولا بُدَّ أن يُستخدَمُ لتوجيه ضربة مُحَدَّدة إلى نُقطة ضعيفة؛ وإلاَّ فإنَّه لن يُلحِقَ أيَّ أذى. إذًا، سيف الرُّوح هو ليس شيئًا عامًّا، بل شيئًا مُحدَّدًا.
والآن لاحظوا أيضًا أنَّ اللَّفظة "كلمة" هنا هي ليست "لوغوس" (logos). فالكلمة اليونانيَّة المألوفة "لوغوس" تُستخدَم ككلمة عامَّة. والكتاب المقدَّس هو اللُّوغوس. والمسيح هو اللُّوغوس. والكلمة بمعناها العامّ هي لوغوس. أمَّا عندما يريد الكتاب المقدَّس أن يَتكلَّم عن معناها الخاصِّ فإنَّه يَستخدم الكلمة "ريما" (rhema) أو "ريماتا" (rhemata).
والآن، لاحظوا ما يلي: إنَّ التَّعبير هنا هو تعبيرٌ خاصّ. والآن، هل أنتم مستعدُّون لهذا؟ إنَّ العبارة "سيف الرُّوح" هي عبارة خاصَّة تُشير إلى كلمة الله الَّتي تعمل عملاً خاصًّا في وقت التَّجربة. أَتَرَوْن؟ فالنَّاس يقولون: "أنا لديَّ سيف الرُّوح. فأنا أملِك كِتابًا مُقدَّسًا". اسمعوني: قد تَملِك مستودعًا مِن الكُتُب المقدَّسة مِن دون أن تَملك سيف الرُّوح.
فامتلاك سيف الرُّوح لا يعني امتلاك الكتاب المقدَّس، بل يعني معرفة المبدأ المُحدَّد في الكتاب المقدَّس الَّذي يُطَبَّق في نُقطة مُعيَّنة مِن التَّجربة. والطريقة الوحيدة الَّتي يمكنك أن تَختبر النُّصرة مِن خلالها في الحياة المسيحيَّة هي أن تَعرف المبدأ الموجود في كلمة الله والَّذي يُتيح لك أن تُطَبِّقَه في اللَّحظة المناسبة الَّتي يُهاجمك الشَّيطان فيها، أو الَّتي يُهاجمك الجسد فيها، أو الَّتي يُهاجمك العالَم فيها. فحين تَملأ نفسك بكلمة الله تصير هي مَصدر النُّصرة. والآن، كما تَرَون، لا يمكنك حتَّى أن تَدنو مِن الحياة المسيحيَّة مِن دون دراسة الكتاب المقدَّس. فهو مَصدر الحقّ. وهو مَصدر الفرح. وهو مَصدر النُّصرة.
واسمحوا لي أن أُقدِّم لكم سببًا رابعًا. فكلمة الله هي أيضًا مَصدر النُّموّ. فكلُّ شخص يريد أن يَنمو. وكما تَعلمون، رُبَّما رأيتم أنَّه توجد في كنيستنا خدمة رائعة لذوي الاحتياجات العقليَّة الخاصَّة. ويجب أن تُصَدِّقوا أنَّ جُزءًا مِن هؤلاء الأشخاص هُمْ في سِنِّ الثَّلاثين، ولكنَّ عقولهم هي عقول أطفالٍ صِغار وما زالوا يَستخدمون الحِفاضات. وكما تَعلمون، هذا أمر مُحزِن. وليُبارك الربُّ هؤلاء الأشخاص الأعزَّاء. فنحن نُحبُّهم. واللهُ يُحبُّهم. وأنا أُوْمِن بأنَّ لهم مكانة خاصَّة في ملكوته. ولكن مِن المحزن أن نَرى شخصًا لا ينمو.
وهل تَعلمون ما هو الشَّيء المُحزِن بالقدر نفسه؟ أن تَروا مؤمنين لا يَنمون. فَهُم مُعاقون، ومُتَخَلِّفون، وبطيئون، ولا يَنمون. والسَّبب في عدم نُموِّهم هو أنَّهم لا يدرسون الكلمة. فَهُم يذهبون إلى الكنيسة، ويجلسون هناك، كما تَعلمون، ويُحضِرون معهم إلى الكنيسة وِعاءً يَملأونَه ثُمَّ يُفرغونه في طريقهم إلى الخارج. فلا شيء يحدث في حياتهم. وهذا أمر مُحزِن.
ولكنَّ بُطرس يقول ما يلي؛ وهي آية رائعة إذْ نقرأ في رسالة بطرس الأولى 2: 2: "وَكَأَطْفَال مَوْلُودِينَ الآنَ، اشْتَهُوا اللَّبَنَ الْعَقْلِيَّ الْعَدِيمَ الْغِشِّ لِكَيْ [ماذا؟] تَنْمُوا بِهِ". بعبارة أخرى، إنَّ الكلمة هي مَصدر النُّموّ. وكما تَعلمونَ فإنَّ كلَّ شخصٍ يَرغب في النُّموّ. وكما تَعلمون...سوف أقول لكم شيئًا: عندما كنتُ شابًا مؤمنًا، ما زلتُ أذكُر الوقتَ الَّذي كنتُ فيه طالبًا في كُليَّة اللاَّهوت. ولكن قبل ذلك، في فترة الجامعة، كنتُ مُنخرطًا في كلِّ شيءٍ وأُخطئ هنا وهناك. لذا فإنَّني لم أُحَقِّ أيَّ نُموٍّ قَطّ. وحين ذهبتُ إلى كُليَّة اللَّاهوت، كان لا بُدَّ لي أن أذوق كلمةَ الله. وقد أردتُ الكثير من كلمة الله حتَّى إنِّي لم أتمكَّن مِن احتمال ذلك. فقد أردتُ أن أنمو، وأنمو، وأنمو. فقد كنتُ أرغبُ بشدَّة في النُّموّ. وقد أدركتُ أنَّ هناك طريقة واحدة فقط لحدوث ذلك وهي أن أنخرط في دراسة كلمة الله.
لِذا، في أيَّام الدِّراسة في كُليَّة اللاَّهوت، قَرَّرتُ أن أبتدئ بدراسةٍ نِظاميَّةً حقًّا لكلمة الله. وحينئذٍ فقط ابتدأتُ أنمو. وكانَ نُموِّي...وسوف أخبركم شيئًا بصراحة...لقد كان نُموِّي مُتوافقًا تمامًا مع مقدار الوقت والجهد الَّذي أُنفقه في دراسة كلمة الله. ففي الأوقات الَّتي لم أكن أدرس فيها كلمة الله، كنتُ أَتراجع. وعندما ابتدأ في دِراستها، كنتُ أنمو بسرعة. وأعتقد أنَّ أسوأ الأوقات في حياتي مِن جهة النُّموِّ هي أوقات الإجازات إذْ إنِّي كنتُ أتكاسل ولا أفعل الكثير فيتراجع نُموِّي. وبالرَّغم مِن ذلك، فإنَّ ذلك جَيِّد لأنِّي كنتُ بحاجة إلى التَّأمُّل قليلاً، ولكنَّ نُمُوِّي كان يحدث في الحقيقة عندما كنتُ أعكف حقًّا على دراسة الكلمة.
ومِن المدهش أنَّ الآية الأولى تَذكر المبدأ الرَّئيسيّ. فهي تقول إنَّهُ يجب علينا قبل كلِّ شيء أن نَطرَح كلَّ خُبْثٍ؛ وهي ترجمة للكلمة اليونانيَّة "كاكيا" (kakia)، ومعناها: "الشَرُّ عَامَّةً". فيجب أن تَطرحوا كلَّ خُبْثٍ، وكلَّ مَكْرٍ. والكلمة "مَكْر" تعني: "خِداع". وهي تَرجمة لكلمة يونانيَّة معناها "صُنَّارة صيد". "وَالرِّيَاءَ وَالْحَسَدَ وَكُلَّ مَذَمَّةٍ".
بعبارة أخرى، أنت تَطرح كلَّ الأشياء الشرِّيرة، وتَعترف بخطيئتك، وتُقَوِّم حياتك، وتُطَهِّر أعمالك، ثُمَّ إنَّك تُقدِم على دراسة الكلمة برغبة شديدة. وحينئذٍ فإنَّك تبتدئ في النُّموّ. فهذا هو ما تستطيع الكلمة أن تصنعه في حياتك: فهي تستطيع أن تَجعلك تَنمو. وهل تعلم أنَّك كُلَّما ازددتَ نُموًّا، زادت حماستك إلى القيام بذلك. فالكلمة هي مَصدر حياة، وأنت تنمو، وتَنضج، وتَغتني، وتنمو لتصير أقوى. وحين تنمو وتصير أقوى فإنَّك تصير قادرًا على إلحاق الهزيمة بالشَّيطان. وحين تنمو وتصير أقوى فإنَّك تَعرف المزيد عن الله وطبيعته. فأنت تغتني بكلِّ طريقة مُمكِنَة.
وفي إنجيل يوحنَّا 6: 63، قال يسوع ما يَلي: "اَلْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةٌ". وقد قال إرْميا: "وُجِدَ كَلاَمُكَ فَأَكَلْتُهُ". فقد كان يَتغذَّى على كلمة الله. ونقرأ مَرَّةً أخرى في رسالة يعقوب 1: 18: "شَاءَ فَوَلَدَنَا بِكَلِمَةِ الْحَقِّ".
فالكلمة تُعطي حياةً. والكلمة تَحفظ الحياة. والكلمة تَبني الحياة. وهي مصدرٌ رائع للغذاء. وأعتقد أنَّ الرِّسالة الأولى إلى تيموثاوس والأصحاح الرَّابع تُضيف شيئًا إلى فَهمِنا لهذه النُّقطة إذْ إنَّنا نقرأ في العدد 6: "إِنْ فَكَّرْتَ الإِخْوَةَ بِهذَا، تَكُونُ خَادِمًا صَالِحًا لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ..."، ثُمَّ استمعوا إلى هذه الكلمات الرَّائعة: "...مُتَرَبِّيًا بِكَلاَمِ الإِيمَان". فالكلمة تَقوتُنا. وهي تُغَذِّينا. وهي تَبنينا. وهي تؤدِّي إلى نُمُوِّنا.
وفي نهاية رسالة بطرس الثانية، بعد أن يُقدِّم لنا جُملاً رائعةً عن زَوال الكون، وبعد أن يتحدَّث عن انحلال العناصر مُلتهبةً بنار، وكلِّ تلك الأشياء، وكيف أنَّ كُلّ الأشياء ستتلاشى وتزول، فإنَّه يقول: ماذا يجب علينا أن نفعل؟ "وَلكِنِ انْمُوا فِي النِّعْمَةِ وَفِي مَعْرِفَةِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيح". أن نُحَقِّق نُموًّا. أن نُحَقِّق نُموًّا. ونحن نحَقِّق نُموًّا حين نَتغذَّى على كلمة الله.
فالله يريد منَّا أن ننضج. وَهُوَ يريد مِنَّا أن نُبْنَى. وَهُوَ يريد مِنَّا أن نكون أقوياء. والحقيقة هي أنَّه كما تَعلمون، إن دَقَّقتم النَّظر في رسالة يوحنَّا الأولى والأصحاح الثَّاني، ستجدون نموذج النُّموِّ هناك. وهي واحدة مِن أهمِّ الآيات في كلِّ الكتاب المقدَّس. استمعوا إلى ما تقول: "أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الآبَاءُ، لأَنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمُ الَّذِي مِنَ الْبَدْءِ. أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَحْدَاثُ، لأَنَّكُمْ قَدْ غَلَبْتُمُ الشِّرِّيرَ. أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، لأَنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمُ الآبَ".
والآن، كما ترون، هناك ثلاث فئات: الآباء، والأحداث، والأولاد. وسوف تلاحظون ثلاثة اختلافات: "أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، لأَنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمُ الآبَ". أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَحْدَاثُ، لأَنَّكُمْ قَدْ غَلَبْتُمُ الشِّرِّيرَ. "أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الآبَاءُ، لأَنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمُ الَّذِي مِنَ الْبَدْءِ". والآن، هل تَعلمون ما هي هذه الأشياء الثَّلاث؟ إنَّها فئاتُ النُّموِّ الرُّوحيّ. فهذه الآيات لا تُشير حرفيًّا إلى الأولاد والأحداث والآباء. فلا فائدة مِن كتابة هذه الآية إلى الأولاد الصِّغار. فَهُم لا يُحسنون قراءتها بأيِّ حال. ولكنَّها تتحدَّث عن مستويات النُّموِّ الرُّوحيّ.
فنحن جميعًا نبتدئ أطفالاً صغارًا. ونحن جميعًا نبتدئ بمعرفة الآب. وهذه هي المرحلة التَّمهيديَّة. فأنت لا تعرف الكثير حين تكون شخصًا حديث الإيمان، ولكنَّك تعرف التَّرنيمة الَّتي تقول: "يسوع يُحِبُّني؛ وهذا شيءٌ أعرفه لأنَّ الكتاب المقدَّس يُخبرني بذلك". فاللهُ أبي، وهذا رائعٌ، وَهَلُمَّ جَرَّا". فهذه هي المرحلة الروحيَّة التَّمهيديَّة. أترون؟ ولكنَّك لا تريد أن تبقى هنا. فهذا أمر مُحزن حقًّا.
ثُمَّ إنَّكم تنتقلون إلى المستوى الثَّاني وَهُوَ: الأحداث. وما هي صِفَة هؤلاء الأحداث؟ "وَقَدْ غَلَبْتُمُ الشِّرِّيرَ". والفِعْل هُنا يأتي بصيغة الماضي. ومَن هو الشرِّير؟ الشَّيطان. وقد تقول: "هل تريد أن تقول لي أنَّه يمكنني أن أبلغ مكانًا في حياتي أستطيع فيه حقًّ أن أغلب الشَّيطان؟" بكلِّ تأكيد. هل تعني بذلك أنِّي أستطيع أن أقول: "لقد غلبتُ الشرِّير؟" أجل. كيف؟ نقرأ في العدد 14: "كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الآبَاءُ، لأَنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمُ الَّذِي مِنَ الْبَدْءِ. كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَحْدَاثُ، لأَنَّكُمْ أَقْوِيَاءُ، وَكَلِمَةُ اللهِ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ، وَقَدْ غَلَبْتُمُ الشِّرِّيرَ".
والآن، استمعوا إلى ما يَلي: لكي تَغلب الشرِّير (أي: الشَّيطان)، يجب عليك أن تكون قويًّا. وهناك طريقة واحدة فقط تجعلك قويًّا وهي أن تجعل كلمة الله ثابتة فيك. والآن، اسمعوني: هل تعرفون مَن هو الشَّخص النَّاضج رُوحيًّا؟ الشَّخصُ النَّاضج روحيًّا هو شخص يَعرف حقًّا الكلمة. شخصٌ يَعرف حقًّا الكلمة. وإليكم السَّبب في أنِّي أقول ذلك:
إنَّ الشَّيطان، بحسب ما جاء في الرسالة الثانية إلى أهل كورِنثوس والأصحاح الحادي عشر، يأتي مُتنكِّرًا كملاك نور. وأنا أعتقد (بحسب ما يقوله الكتاب المقدَّس) أنَّ الشَّيطان يصرف 99,9 بالمئة مِن وقته في التَّرويج للأنظمة الدينيَّة الزَّائفة. وأعتقد أنَّ الحانات، ومشاكل الدَّعارة، والجريمة، والشَّهوة، والعالَم، والماديَّة، وكلَّ الخطايا الأخرى، أعتقد أنَّ كلَّ ذلك يتأتَّى مِن الجسد. اقرأوا رسالة غلاطيَّة والأصحاح الخامس: "وَأَعْمَالُ الْجَسَدِ ظَاهِرَةٌ". وَهُوَ يَذكر الكثير مِنها. ولا أعتقد أنَّ الشَّيطان يَجول ويُغريك كي تفعل خطيَّةً صغيرة، بل أعتقد أنَّ الشَّيطان يَضع أنظمةً عالميَّةً للشَّرّ. والشَّيطان يظهر كملاك نور. وأعوانه يَظهرون كملائكة نور. فهو يعمل مِن خلال الدِّيانات الباطلة. والشَّابُّ النَّاضج رُوحيًّا، اسمعوني: هو شخص يَغلب الشَّيطان بمعنى أنَّه يَعرف كلمة الله بالقدر الَّذي يكفي كيلا يقع ضحيَّة الدِّيانات الزَّائفة. بل إنَّه يغضب منها.
فمثلاً، إنَّ الصِّفة الَّتي يَتَّصِف بها الشَّخص الَّذي ما يَزال طِفلاً بالمَعنى الروحيِّ (بحسب ما جاء في رسالة أفسُس 4: 14) هي أنَّه: "مُضْطَرِبٌ وَمَحْمُولٌ بِكُلِّ رِيحِ تَعْلِيمٍ". فالأطفال رُوحيًّا يواجهون مشكلةً مع العقيدة الزائفة. أمَّا الأحداث رُوحيًّا فَهُم أشخاص يعرفون كِتابهم المقدَّس. وَهُم يعرفون عقيدتهم حتَّى إنَّ العقيدة الزائفة الَّتي يُرَوِّج لها الشَّيطان لا تُغريهم البتَّة.
ولكن يوجد مستوى ثالث. فهو يقول: "أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الآبَاءُ، لأَنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمُ الَّذِي مِنَ الْبَدْءِ". والآن، استمعوا إلى ما سأقول: هل تعرفون مَن هو الأب؟ إنَّه الشَّخص الَّذي تَخَطَّى حدود الصَّفحات. فهو لا يكتفي بمعرفة العقيدة فحسب، بل إنَّه يعرف الله الموجود وراء العقيدة. أَتَرون؟ والآن، في هذه الخطوات الثَّلاث، تجدون التَّدَرُّجَ في النُّموِّ الروحيّ. فنحن نبتدئ كأطفال. وحين نتغذَّى على الكلمة فإنَّنا نصير أقوياء. ونحن لن نَغلب يومًا الجسد، ولكنَّنا نستطيع أن نَغلب العالَم. فإيمانُنا يفعل ذلك (كما جاء في رسالة يوحنَّا الأولى والأصحاح الخامس). ويمكننا أن نَغلب جهود الشَّيطان في التَّرويج للدِّيانات الباطلة. فالعقيدة تفعل ذلك. ولكنَّكم لن تتمكَّنوا يومًا مِن التغلُّب على الجسد. فهذه ستكون مشكلة دائمة. ولكنَّنا نستطيع أن نَفرح لأنَّنا نغلب الأنظمة الدينيَّة الباطلة الَّتي يُروِّج لها الشَّيطان.
فأنا لم أَرَ ذلك يحدث يومًا. فيمكنني أن أخبركم عن كلِّ مَرَّة ينمو فيها الصَّبيُّ أو الطِّفل ويبلغ فيها مكانًا يصير فيه شخصًا ناضجًا روحيًّا. فَهُم يبلغون نُقطةً تُثير فيها الدِّيانات الباطلة غضبهم فيرغبون في الخروج والتَّصدِّي للبِدَع. ثُمَّ إنَّه عندما ينضجون أكثر مِن ذلك فإنَّهم لا يُبالون كثيرًا بمحاربة البدع، بل يبتدئون في اختبار الربِّ حقًّا. فَهُم يبتدئون في التَّعَمُّق في طبيعة الله الأبديّ، ويبتدئون في النُّموِّ ليصيروا آباء روحيِّين ويسلكون في حضرة القدُّوس. ويجب علينا أن نسلك هكذا في نُمُوِّنا.
اسمعوني: أنت تَخدع نفسك إن بقيت طفلاً. وأنت تَخدع نفسك إن بقيت شابًّا روحيًّا لا يعرف شيئًا سوى العقيدة. فيجب عليك أن تبلغ مكانًا تبتدئ فيه في السُّلوك في حضرة إله الكون، وتبتدئ فيه حقًا في التَّلامُس مع الله شخصيًّا. فهذه هي الغاية الأسمى للنُّموّ. لذا، عندما تدرس الكلمة فإنَّها تَصير مَصدر النُّموِّ؛ تَمامًا كما أنَّها مَصدر الحقِّ، ومَصدر الفرح، ومَصدر النُّصرة.
واسمحوا لي وحسب أن أَذكُر لكم سببين آخرين: فأنا أُوْمِن أيضًا بأنَّ كلمة الله ينبغي أن تُدرَس لأنَّها مَصدر القوَّة. فكما تَعلمونَ فإنَّ كلمة الله هي الَّتي تَمُدُّنا بالقدرة. ولا يوجد ما هو أسوأ مِن الشُّعور بأنَّك مؤمن عديم القوَّة. فنحن نقرأ في سِفْر أعمال الرُّسُل 1: 8: "لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً". وقد يأتي شخص ويقول لكم إنَّ الكلمة "قُوَّة" هي "دوناميس" (dunamis). أي أنَّكم ستكونون مثل "الدِّيناميت". وسوف تسمعونه يقول: "هيَّا يا رَجُل، يجب أن تكون قوَّةً مُتَفَجِّرة في العالم كُلِّه". وأنت تقول مُتعجِّبًا: "مُتَفَجِّرة؟" أنا بالكاد أُحدِث فُقاعات صغيرة. أعتقد أنَّني فاشل. لا شيء. فأنا عديم القوَّة".
وقد يقول لك أحد الأشخاص: "يجب عليك أن تخرج إلى الشَّارع وأن تدعو النَّاس إلى يسوع المسيح". وأنت تقول: "هل تَمزَح؟ ليس أنا! يجب أن تَعلم أنَّني أُشبِه مُوسَى. فأنا لديَّ... أنا لا أُحْسِن الكلام". والآن، كما تَرون، نحن نخوض حربًا مع ضعفنا. ونحن لا نَعلم ما القوَّة. اسمعوني: إنَّ كلمة الله تَمُدُّك بالقوَّة.
اسمعوني: مِن خلال حياتي الشخصيَّة، يمكنني أن أقول لكم إنَّه كلَّما زادت معرفتي بكلمة الله، قَلَّ خوفي مِن أيِّ موقف لأنَّني أعلم ما هو المَصدرُ الَّذي يُمَكِّنني مِن مواجهة ذلك الموقف. فكلمة الله تصير مَصدر القوَّة. والحقيقة هي أنَّها مصدر القوَّة كيفما نَظرت إليها. ففي الرِّسالة إلى العِبرانِيِّين، نقرأ في الأصحاح 4 والعدد 12: "لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ...". حَيَّة وفعَّالة. "...وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ".
فهذا الكتاب قويٌّ. واسمحوا لي أن أخبركم شيئًا: إذا أمسكتَ هذا الكتاب وقرأته فإنَّه سيَخترقك. فهو كتابٌ قويٌّ. إنَّهُ كتابٌ قويٌّ. وقد قال الرَّسول بولس: "لأَنِّي لَسْتُ أَسْتَحِي بِإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، لأَنَّهُ قُوَّةُ اللهِ لِلْخَلاَصِ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِن". وكما تَعلمون، قد تجلس أحيانًا مع شخصٍ مَا وتَفتح الإنجيل فترى قوَّة إنجيل الله تَفوق أيَّ فلسفةٍ صَرَف ذلك الشَّخص عشرين سنةً في تَعَلُّمِها.
ونقرأ في رسالة أفسُس 4: 23: "وَتَتَجَدَّدُوا بِرُوحِ ذِهْنِكُمْ". وفي رسالة رومية والأصحاح 12، نَقرأ أنَّنا نستطيع أن نَتغيَّر بتجديد أذهانِنا. ونقرأ في الرِّسالة الثانية إلى أهل كورِنثوس 3: 18 أنَّنا نستطيع أن نتغيَّر حَرفيًّا بواسطة الرُّوح القُدُس إلى صُورةِ يسوعَ المسيح المَجيدة.
فعندما تُركِّز على كلمة الله فإنَّها تملك قدرةً هائلةً في حياتك. وعندما تتأمَّل فيها فإنَّها تَمُدُّك بالقوَّة. وكما تَعلمون، إنَّ الأمر يُشبه ما يحدث في الحاسوب. ولعلَّكم تَعرفون ذلك المصطلح القديم في الحواسيب وهو "جي.آي.جي.أو" (GIGO) ومَعناه: "المُدخَلات الخاطئة تُؤدِّي إلى مُخْرَجات خاطئة". فكلُّ ما تُدخله إلى حاسوبك هو ما سيَخرج مِنه في حياتك. وحين تتغذَّى على كلمة الله، وتُدخِل كلمة الله إلى ذهنك، سيكون هذا هو ما يَخرج منه عندما يَتِمُّ الضَّغط على مفاتيحك. فهي مصدر الطَّاقة ومصدر القوَّة.
والحقيقة هي أنَّنا نقرأ في رسالة أفسُس والأصحاح الثَّالث، وهي أصحاحات غنيَّة جدًّا...تلك الأصحاحات الثلاثة الأولى مِن رسالة أفسُس... إذْ إنَّ الرَّسول بولس يقول: "والآن، أريد منكم أن تَتعلَّموا كذا، وأن تَتعلَّموا كذا، وأن تَتعلَّموا كذا". وهو مُجرَّد لاهوت...لاهوت...لاهوت حتَّى نهاية العدد 13. المزيد مِن اللاَّهوت، واللاَّهوت، واللاَّهوت. وهي حقائق عظيمة، وحقائق مُدهشة. فقد تباركنا بكلِّ بركةٍ روحيَّةٍ في السَّماويَّات. وقد غُفِرَت خطايانا. وقد افتُدينا. وقد صِرْنا مَقبولين في المَحبوب. وقد أُعطينا حِكمةً وروح تمييز. وقد أُعطينا معلوماتٍ عن معرفة الدُّهور كي نَعرف خُطَّة الله الأبديَّة. وقد أُعطينا الرُّوح القُدُس. وقد خُتِمْنا بالرُّوح. وقد أُعطينا عربون الرُّوح. فكلُّ هذه الأشياء الرَّائعة هي لنا. وهو يَذكر المزيد والمزيد والمزيد.
وقد صِرْنا إنسانًا جديدًا. ونحن مَسكَن الله في الرُّوح. ونحن أهل بيت الله. ونحن عائلة الله. وحائط السِّياج المتوسِّط قد نُقِضَ بين اليهود والأمم. وقد صرنا جسدًا واحدًا...جسد يسوع المسيح. ونحن نَملِك غِنَى الْمَسِيحِ الَّذِي لاَ يُسْتَقْصَى الَّذي صار لنا. وقد أُعطينا أن نَفهم أسرار الله. فهناك غِنى عظيم لنا. وهو يستمرُّ ويستمرُّ ويستمرّ. وهو يُصلِّي في الأصحاح الأوَّل قائلاً: "أنا أُصَلِّي إلى الله أن تَفهموا، وأن تستنير عُيون أذهانكم كي تفهموا وتستوعبوا هذه الحقائق العظيمة".
وبعد أن يقول ذلك كلَّه، إن فَهمتُهم هذه الحقائق، وإن تَعلَّمتم هذه الحقائق، فإنَّه يقول ما يلي في الأصحاح الثَّالث والعدد 20 ... استمعوا إلى ما يقول: "وَالْقَادِرُ أَنْ يَفْعَلَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، أَكْثَرَ جِدًّا مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ، بِحَسَبِ الْقُوَّةِ الَّتِي تَعْمَلُ فِينَا". أترون؟ يا لها مِن مَصادر! هل فَكَّرتَ يومًا في حقيقة أنَّك تستطيع أن تفعل كلَّ شيءٍ يَخطر ببالك؟ وهل فَكَّرتَ يومًا في حقيقة أنَّك تستطيع أن تفعل أكثر مِمَّا تَفتكر؟ وهل فَكَّرتَ يومًا في حقيقة أنَّك تستطيع أن تفعل أكثر جدًّا مِمَّا تَطلُب أو تَفتكر؟ فهذه قوَّة كبيرة. أليست كذلك؟ ولكن لا فائدة مِن السَّير بأسطوانة واحدة فقط، بصراحة، إن كنت تمتلك كلَّ هذه المصادر. فعندما تتغذَّى على كلمة الله فإنَّها فعَّالة جدًّا. وهي تجعل حياتك مصدرًا للطَّاقة في مواجهة أيِّ شخصٍ في أيِّ وقت.
لِذا يجب علينا أن ندرس كلمة الله لأنَّها مَصدر الحقّ، ومَصدر السَّعادة، ومَصدر النُّصرة، ومَصدر النُّموّ، ومَصدر القوَّة. وهناك سبب آخر. فيجب علينا أن ندرس الكتاب المقدَّس لأنَّه مَصدر الإرشاد... الإرشاد. فكلَّما أردتُ أن أعرف ما يريد منِّي الله أن أفعله فإنَّني أَلتَجِئ إلى الكلمة. فالنَّاس يقولون: "أنا أبحث عن مشيئة الله". فأنتم تسمعونهم يقولون ذلك طَوال الوقت. وقد كَتبتُ كتابًا عن ذلك بعنوان: "مشيئة الله الَّتي تَمَّ العُثور عليها" (Found: God’s Will)، كي يَعلم النَّاس أنَّها غير مفقودة.
فالكلُّ يريد أن يجدها. أين هي مشيئة الله؟ وَهُم يَظنُّون أنَّ الله هو أرنب الفِصْح الكَونيّ الَّذي يُخَبِّئ مشيئته بين الأشجار ويجلس في السَّماء قائلاً: "لقد اقتربتم مِن العثور عليها". هذا غير صحيح. فمِن السَّهل العثور على مشيئة الله. فهي موجودة في كِتابه. وإن درستَ الكتاب المقدَّس ستجد المَرَّة تِلو المَرَّة العبارة: "هذه هي إرادة الله... هذه هي إرادة الله... هذه هي إرادة الله". لِذا، يمكنك أن تَعرف مشيئة الله مِن خلال دراسة كلمة الله.
وما الَّذي يقوله المزمور 119: 105؟ إنَّه يقول ببساطة: "سِرَاجٌ لِرِجْلِي كَلاَمُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِي". فالأمر بسيط جدًّا. فالكلمة مُرشِد. فكلَّما فتحتُ كلمة الله فإنَّها تُرشدني. ومِن المدهش كيف يتكلَّم الله إليَّ مِن خلال كلمته. فإن كان هناك قرار ينبغي لي أن أتَّخِذه، فإنَّني أجد المكان المناسب في الكتاب المقدَّس حيث إنَّ هناك شخصًا في العهد القديم أو العهد الجديد اتَّخذ قرارًا مُشابهًا. وأنا أحاول أن أرى كيف قادَهُم اللهُ، أو قد أبحث عن نَصٍّ في الكتاب المقدَّس يُقدِّم لي إجابة مُباشِرة.
فالله يُرشدنا مِن خلال كتابه. فَهُوَ يُرشدنا مِن خلال كتابه. وكما تَعلمون، هناك عُنصرٌ شخصيٌّ في ذلك أيضًا. فبصفتنا مسيحيِّين فإنَّ الرُّوح القُدُس يَسكن فينا. فنحن نقرأ في رسالة يوحنَّا الأولى 2: 20 أنَّ الرُّوح يَسكُن فينا. ونقرأ في رسالة يوحنَّا الأولى 2: 27 أنَّ لنا مَسحة مِن الله. فنحن لسنا بحاجة إلى الحِكمة البشريَّة لأنَّ الرُّوح القُدُس سيُعَلِّمنا.
وما يحدث هو التَّالي: عندما تَدرس الكتاب المقدَّس فإنَّ الرُّوح القُدُس الَّذي يَسكن فيك يأخذ كلمة الله ويَصنع منها تطبيقًا شخصيًّا يُعطيك إرشادًا. ويا لها مِن تَركيبة رائعة أن تحصل على الحقِّ وسُكنى مُعَلِّم الحقّ. فَهُما يُرشدان المؤمن.
ما الَّذي ذَكرناه إذًا؟ أمورًا عظيمة! ففوائد دراسة الكتاب المقدَّس تَتلخَّص في أنَّه مَصدر الحقّ، والسَّعادة، والنُّصرة، والنُّموّ، والقوَّة، والإرشاد. والآن، اسمحوا لي أن أقول ما يلي، ثُمَّ سنَختِم حديثَنا لهذه المَرَّة. ما هو تجاوبك؟ فعندما تقول: "يجب عليَّ أن أفعل شيئًا بهذا الشَّأن. إن كان هذا صحيحًا حقًّا، وإن كان الكتاب المقدَّس سيفعل كلَّ هذه الأشياء، ماذا ينبغي أن أفعل؟" اسمحوا لي أن أَذكُر لكم نقاطا سريعة. هل أنتم جاهزون؟ والآن، اسمعوا:
أوَّلاً، آمِن به...آمِن به. وأنا أعني بذلك: "إن كان يقول شيئًا ما، آمِن بذلك في الصَّميم". فقد قال يسوع لبُطرس ذات مَرَّة: "أَلَعَلَّكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا تُرِيدُونَ أَنْ تَمْضُوا؟» فَأَجَابَهُ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: «يَا رَبُّ، إِلَى مَنْ نَذْهَبُ؟ كَلاَمُ الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ عِنْدَكَ. فلا يمكنك أن تَتخلَّص مِنِّي حتَّى لو أردتَ. فقد عَثرتُ على المصدر. وأنا بَاقٍ هنا". فإن كنت تؤمن بأنَّه صحيح، ابق راسخًا فيه. آمِن به.
ثانيًا، أَكْرِمْهُ. فإن كنت تُؤمن بأنَّ هذه هي كلمة الله، أَكرمها. ففي سِفْر أيُّوب 23: 12، نقرأ تلك الكلمات الرائعة لأيُّوب إذْ إنَّه قال: "أَكْثَرَ مِنْ فَرِيضَتِي ذَخَرْتُ كَلاَمَ فِيهِ". اسمعوني: إن كُنَّا نُؤمِن بأنَّ هذه هي كلمة الله، وبأنَّها ستفعل كلَّ شيءٍ ذَكرناه، آمِن بها وأكرمها. والحقيقة هي أنَّ المُرنِّم يقول في المزمور 138: 2 إنَّ اللهَ عَظَّمَ كَلِمَتَهُ..." [اسمعوا ما يَقول] "...عَلَى كُلِّ اسْمِهِ". أَلا تجدون أنَّها كلمات رائعة؟ فاللهُ يُعَظِّمُ الكلمة.
ولعلَّكم تَعلمون أنَّهم كانوا في أفسُس يَعبدون الإلَهَة "دَيانا" (Diana) أو "أرطميس" (Artemis). وأريد أن أقول لكم شيئًا: نحن نُفَكِّرُ في الإلَهَة دَيانا كما لو أنَّها إلَهَة مَمشوقة وجميلة. ولكنَّ الإلَهَة دَيانا كانت وحشًا أسودًا مُخيفًا وبشعًا؛ بل واحدةً مِن أبشع الأشياء الَّتي رأيتَها مِن قَبل. ولكنَّهم كانوا يعبدون ذلك الشَّيء السَّخيف المَنظر دائمًا. وهل تَعلمون السَّبب؟ لأنَّه كانت هناك أُسطورة تقول إنَّها نزلت مِن السَّماء. وإنْ كانت قد نَزلت مِن السَّماء، لا بُدَّ أنَّها تَستحقُّ العبادة.
واسمحوا لي أن أقول لكم شيئًا عن الكتاب المقدَّس. لقد نَزل مِن السَّماء. ولكنَّ ذلك التِّمثال لم يَنزل منها. فهذا الكتابُ نَزَل مِنها. وهو جَديرٌ بالتَّبجيل. لذا، آمِنوا به وأَكرموه.
ثالثًا، أريد أن أقترح عليكم أن تُحِبُّوه. فحيث إنَّه صحيح تمامًا، يَجدر بكم أن تُحِبُّوه. فقد صاح المُرنِّم بأعلى صوته وقال: "كَمْ أَحْبَبْتُ شَرِيعَتَكَ!" كَمْ أَحْبَبْتُ شَرِيعَتَكَ! وقد قال ذلك في المزمور 119. وأنا أُحِبُّ المزمور التَّاسع عشر الَّذي قال فيه إنَّ شريعة الله "أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَقَطْرِ الشِّهَادِ"، وإنَّها "أَشْهَى مِنَ الذَّهَبِ وَالإِبْرِيزِ الْكَثِير". اقرأوا المزمور 19: 7-10. فهو واحدٌ مِن أروع المقاطع. وحيث إنَّه صَادقٌ في ما يقوله عن نفسه، آمِنوا به، وأكرِموه، وأحِبُّوه.
واسمحوا لي أن أقول لكم شيئًا رابعًا. وأريد فقط أن أُذكِّركم بما ذَكرناه في وقتٍ سابق: أَطيعوه. فحيث إنَّه صحيح حقًّا، أطيعوهُ وتجاوبوا معه قائلين: "نعم" عندما يتكلَّم، وواظبوا على قراءته. افعلوا ما جاء في رسالة يوحنَّا الأولى 2: 5: "وَأَمَّا مَنْ حَفِظَ كَلِمَتَهُ، فَحَقًّا فِي هذَا قَدْ تَكَمَّلَتْ مَحَبَّةُ اللهِ". فحيث إنَّه صادقٌ حقًّا في ما يَقوله عن نفسه، آمِنوا به، وأكرِموه، وأحِبُّوه، وأطيعوه مَهما كان الثَّمن باهظًا.
والحقيقة هي أنَّنا نقرأ في رسالة رُومية 6: 16: "أَنْتُمْ عَبِيدٌ لِلَّذِي تُطِيعُونَهُ": فإن قَدَّمتُم أنفسَكم عبيدًا لله ستُطيعون الله. فهذا جُزءٌ لا يتجزَّأ مِن الصَّفقة. أطيعوه.
خامسًا [وأنا أُحِبُّ هذه النُّقطة]: دافعوا عنه. فحيث إنَّه صحيحٌ حقًّا، دافعوا عنه. والحقيقة هي أنَّنا نقرأ في رسالة يهوذا والعدد الثَّالث: "اجْتَهِدُوا لأَجْلِ الإِيمَان". والإيمانُ هنا يعني: "الحقّ المُعلَن". اجتهدوا لأجله، وادخلوا غِمار المعركة لأجل الدِّفاع عن كلمة الله. فحيث إنَّها صحيحة حقًّا، وحيث إنَّها قادرة حقًّا على فِعل الأشياء الَّتي ذكرناها، آمِنوا بها، وأَكرِموها، وأحبُّوها، وأطيعوها، ودافعوا عنها.
واسمحوا لي أن أَذكُر لكم نُقطةً أخرى: اكرِزوا بها. ففي الرِسالة الثَّانية إلى تيموثاوس 4: 2، يقول بولس ببساطة ما يلي: "يا تيموثاوس! اكْرِزْ [بماذا؟] بالْكَلِمَة". اكْرِزْ بالْكَلِمَة". فحيث إنَّها صحيحة حقًّا، اكرِز بها.
وأخيرا... قد قُلنا: آمِنوا بها، وأكرموها، وأحبُّوها، وأطيعوها، ودافعوا عنها، واكرزوا بها. هل أنتم مستعدُّون لهذه النُّقطة؟ ادرسوها...ادرسوها. والحقيقة هي أنَّ بولسَ قال لتيموثاوس في رسالته الثَّانية إلى تيموثاوس 2: 15: "اجْتَهِدْ أَنْ تُقِيمَ نَفْسَكَ للهِ مُزَكُى، عَامِلاً لاَ يُخْزَى، مُفَصِّلاً كَلِمَةَ الْحَقِّ بِالاسْتِقَامَة". والعبارة "مُفَصِّلاً بالاستقامة" تعني: "اقطعها باستقامة". اقطعها باستقامة يا رَجُل. ادرسها بطريقة تُتيح لك أن تُفسِّرها تفسيرًا صحيحًا. اقطعها باستقامة.
وقد كان بولس يَستخدم لُغة صانِع خِيام. وكان صانِع الخِيام يَصنع الخِيام مِن جُلود حيوانات مختلفة. فقد كان يأخذ كلَّ جِلْدٍ مِن جلود تلك الحيوانات ويَقطع كلَّ قطعة باستقامة كي يتمكَّن مِن وَصْلِها بعضُها ببعض. فإن لم تَقطع كلَّ قطعة بالطَّريقة الصَّحيحة، ستُفسِد الصِّناعة كلَّها. وما يقوله هو: لا يمكنك أن تَبني لاهوتًا سليمًا مِن دون شرحٍ استدلاليٍّ سليم. فلا يمكنك أن تَبني لاهوتًا متكاملاً عن المسيحيَّة ما لم تُفَسِّر كلَّ الآيات تفسيرًا سليمًا. اقطعه باستقامة. وهذا يتطلَّب دراسةً.
وقد قال "سبيرجن" (Spurgeon): "يجب على كلِّ مؤمنٍ أن يدرس الكتاب المقدَّس إلى أن يصير دَمُهُ كِتابيًّا". وهل تَعلمون ما الَّذي كانوا يقولونه عن أبُلُّوس؟ لقد أَثْنَوْا على أبُلُّوس في العهد الجديد وقالوا إنَّه كان مُقتدرًا في الكُتُب. لِذا فإنَّ صلاتي لأجلكم قبل كلِّ شيءٍ آخر هي أن تدرسوا كلمة الله، وأن تَكرزِوا بها، وأن تدافعوا عنها، وأن تُطيعوها، وأن تُحبُّوها، وأن تُكرموها، وأن تُؤمنوا بها.
والآن، في الدَّرسَيْن الاثنين القادِمَيْن، سوف نتحدَّث عن كيفيَّة دراسة الكتاب المقدَّس. لنشترك معًا في كلمة صلاة:
يا أبانا، نَشكرك لأنَّنا نستطيع أن نأتي إلى كتابك بمثل هذا التَّرقُّب مِن مُنطلَق يَقينِنا بما سيفعله في حياتنا وكيف أنَّه مِن خلاله يمكننا أن نُمَجِّدَك. باسم يسوع. آمين.

This article is also available and sold as a booklet.