
في هذا الصَّباح، تحدَّثنا عن حقيقة أنَّ هناك عددًا مِن المُتطلَّبات الَّتي ينبغي أن تتوفَّر في الأشخاص الَّذينَ يريدون أن يَجْنُوا مِن الكلمة ما يريد منهم اللهُ أن يَعرفوه. فالكتاب المقدَّس ليس كتابًا مفتوحًا لأيِّ شخصٍ وحسب، بل هو كتاب مفتوح فقط للأشخاص الَّذينَ يَستوفون شروطًا مُعيَّنة. وقد تحدَّثنا عن الأشخاص الَّذينَ يمكنهم أن يدرسوا الكتاب المقدَّس، أو الأشخاص الَّذينَ يستطيعون حَقًّا أن يفهموا الكتاب المقدَّس. وقد ذَكرنا لكم ستَّة مبادئ؛ أو في الحقيقة خمسة مبادئ ثُمَّ مبدأً سادسًا وهو: الصَّلاة. فيجب أن يكون الشَّخص قد اختبر الولادة الجديدة، وأن يكون مُجتهدًا في دراسته، وأن تكون لديه رغبة شديدة، وأن يَعترف بالخطيَّة في حياته كي تكون هناك قداسة واضحة، وأن يَمتلئ مِن روح الله الَّذي هو مُعَلِّمُنا بحقّ.
فعندما تَفحص حياتك، إن فَهمتَ هذه الأولويَّاتِ، وكنتَ مستعدًّا لتكريس حياتك لهذه الأولويَّاتِ والقيام بذلك كلِّه بروح الصَّلاة، فإنَّك ذلك الشَّخص الَّذي يستطيع أن يَفهم الكتاب المقدَّس، وأنت هو ذلك الشَّخص الَّذي سيَفتح اللهُ له صفحات كِتابه ويُعطيه الحقّ.
والآن، أنا أُقِرُّ بأنَّ الشَّخص الَّذي لم يَختبر التَّجديد قد يَفهم القليل عن التَّاريخ المُدوَّن في الكتاب المقدَّس، وقد يَفهم بضع كلمات في الكتاب المقدَّس؛ ولكنَّه لن يمتلك معرفة كتابيَّة بالمعنى الَّذي يعمل فيه الكتاب المقدَّس في حياته. فقد يحصل على معرفة عقليَّة مِن خلال القراءة والفهم والدِّراسة إلى حدٍّ ما، ولكنَّها لن تكون تلك المعرفة الحقيقيَّة الَّتي يتحدَّث عنها الكتاب المقدَّس لأنَّها لن تعمل يومًا في حياته.
لِذا فإنَّ ما نتحدَّث عنه هو حقيقة أنَّه ما لم تتوفَّر فيك الشُّروط، فإنَّ الكتاب المقدَّس لن يصير حيًّا في حياتك. لذا فإنَّه بحسب الفكر اليهوديِّ فإنَّك لن تستوعبه حقًّا ولن تفهمه حقًّا إلاَّ إن طَبَّقته في حياتك يومًا فيومًا.
والآن، في ضوء ما قُلناه عن "مَن" يمكنه أن يدرس الكتاب المقدَّس، لننظر إلى "كيفيَّة القيام بذلك" في هذا المساء. ومِن الصَّعب جدًّا أن أَعرف مِن أين أبتدئ بالحديث عن هذا الكتاب الَّذي لا مَثيل له. ولا أدري إن كنتم قد فَكَّرتم حقًّا يومًا في روعة الكتاب المقدَّس وفي الامتياز العظيم المُعطَى لنا بأن ندرسه. ولكنِّي أرجو في هذا المساء، على أقلِّ تقدير، أن تتمكَّنوا مِن التركيز على عددٍ مِن الأمور الرَّائعة الَّتي تنتظركم في الكتاب المقدَّس حين تفتحوه.
وقد قرأتُ ذات يوم نَظرة مُهندسٍ مِعماريٍّ عن الكتاب المقدَّس، وأودُّ أن أشاركها معكم كمُقدِّمة: "الكتاب المقدَّس يُشبه قصرًا بديعًا بُنِيَ مِن حجارة شرقيَّة كريمة ويتألَّف مِن سِتٍّ وستِّين حُجرة فَخمة. وكلُّ حُجرة من هذه الحجرات تَختلف عن أخواتها وكاملة في بهائها الفريد؛ مع أنَّها تُشكِّل معًا قصرًا بديعًا، وعظيمًا، ومَجيدًا، وفخمًا. ففي سِفْر التَّكوين، نَدخل إلى رُواقٍ نَتعرَّف مِن خلاله حالاً إلى سِجلاَّت أعمال الله العظيمة في الخليقة. وهذا الرُّواق يَقودنا إلى قاعات المحكمة الَّتي نَعبر مِن خلالها إلى مَعرضٍ تصويريٍّ للأسفار التاريخيَّة. وهنا نجد على الحائط صورًا عن المعارك والأعمال البطوليَّة، وصور رجال الله الشُّجعان.
"وبعد معرض الصُّور، نجد حُجرة الفلاسفة، سِفْر أيُّوب، الَّتي نعبر من خلالها إلى حُجرة الموسيقا: سِفْر المزامير. وهنا نُبطئ قليلاً بسبب شَغَفِنا بأروع الألحان الَّتي سمعتها أُذُنيّ إنسان. ثمَّ إنَّنا ندخل مكتب الأعمال، سِفْر الأمثال، الَّذي نجد في وسطه الشِّعار التَّالي: ’ اَلْبِرُّ يَرْفَعُ شَأْنَ الأُمَّةِ، وَعَارُ الشُّعُوبِ الْخَطِيَّةُ‘.
"وبعد أن نُغادر مكتب الأعمال فإنَّنا نَمُرُّ مِن قسم الأبحاث: سِفْر الجامعة. ثُمَّ نَدخل معهد الفنون فنجد أنفسنا في سِفْر نَشيد الأنشاد حيث نَشتمُّ الرَّائحة العَطِرة لأفضل الفاكهة والأزهار وأعذب تَغريدات للطُّيور. وعندما نَصِل إلى المَرصَد، حيث يَرصد الأنبياءُ بمناظيرهم القويَّة ظهور كوكب الصُّبح المُنير قبل شُروق شمس البرّ.
وبعد أن نَعبر السَّاحة، نأتي إلى قاعة جلوس الملك، الأناجيل، حيث نجد أربع صور حيَّة للمَلِك نفسه تُظهر كمالات جماله المُطلَق. ثُمَّ إنَّنا ندخل حُجرة عمل الرُّوح القُدُس: سِفْر أعمال الرُّسُل، ثُمَّ حُجرة المُراسَلة: الرَّسائل، حيث نرى بولس، وبطرس، ويعقوب، ويوحنَّا، ويهوذا مُنهمكين وراء مناضِدِهم تحت الإشراف الشخصيِّ لروح الحقّ.
"وأخيرًا، ندخل حجرة العرش: سِفْر الرُّؤيا، حيثُ نَفرح جدًّا بالكَمِّ العجيب مِن العبادة والتَّسبيح للمَلِك الجالس على العرش؛ وهو تسبيحٌ يَملأ كلَّ الحجرة. وفي أثناء تَجَوُّلِنا في المعارض المجاورة وقاعة الدَّينونة، هناك صور رهيبة للدَّينونة، وهناك صور بديعة للمجد المصاحب لظهور مَلِك الملوك وربِّ الأرباب".
إنَّها رحلة سريعة في رِحاب الكتاب المقدَّس. فيا لِجلال هذا الكتاب مِن بدايته إلى نهايته. وهذا يدعونا إلى دراسته بِجِدّ. وكيف نفعل ذلك؟ أوَّلاً، كيف نَفهم حَقًّا الكتاب المقدَّس؟ النُّقطة الأولى: اقرأ الكتاب المقدَّس. وهذا أمر بسيط جدًّا. اقرأ الكتاب المقدَّس. فمِن هنا تبدأ دراسة الكتاب المقدَّس: بقراءته. وبصراحة، هناك أناس كثيرون لا يَصِلون إلى هذه النُّقطة. فَهُم يَتصفَّحونه وحسب دون أن يقرأوه حقًّا. فَربَّما يَقرأون الكثير عنه في كُتُبٍ هنا وهناك، ولكنَّهم لا يقرأون حقًّا الكتاب المقدَّس. ولكن لا يوجد أيُّ بديلٍ لقراءة الكتاب المقدَّس.
فيجب علينا أن نُكرِّس أنفسنا تكريسًا كاملاً لقراءته. فالأمر بِرُمَّته يبتدئ مِن هنا. وما أَقترِحُهُ على النَّاس هو أن تحاولوا أن تقرأوه كُلَّه مَرَّةً واحدةً في السَّنة. فأوَّلاً، سوف نَقرأُ العهد القديم؛ فأنا أتحدَّث هنا عن قراءة العهد القديم. فسوف تبتدئ بالعهد القديم وتحاول أن تقرأه كلَّه مَرَّةً في السَّنة. فهو يحوي تسعةً وثلاثين سِفْرًا. وإن قرأت نحو عشرين دقيقة يوميًّا تقريبًا، بحسب سرعتك في القراءة، يمكنك عادةً أن تقرأ كلَّ العهد القديم في سنة واحدة.
وأنا أذكر عندما كنتُ في كليَّة اللاَّهوت أنَّ الدَّكتور "فاينبرغ" (Feinberg) الَّذي كان مُعلِّمًا رائعًا لي، ورجلاً رائعًا مِن رِجال الله، وكان يعرف الكثير جدًّا عن العهد القديم حتَّى إنَّ معرفته تلك كانت تُذهل الطَّلبة. أَترون؟ وقد حاول أحد الطَّلبة أن يُحْرِجَهُ ذات مَرَّة فقال له: "دكتور فاينبرغ! ماذا تقول الآية مُلوك الأوَّل 7: 34؟" وقد اختار آيةً اختيارًا عشوائيًّا وحسب. راح الدُّكتور فاينبرغ يُتَمْتِم بها في عقله باللُّغة العِبريَّة، ثُمَّ تَرجمها لنا وقال لنا ما تقوله الآية.
وقد قال لي ذات يوم... قال: "أنا أحاول أن أقرأ كِتابًا في اليوم كي أُتابع ما يَجري". قلتُ: "أيَّ نوعٍ مِن الكُتب؟" قال: "أيَّ كتاب. كِتابًا عن الفنّ، أو كِتابًا عن التَّاريخ، أو كِتابًا عن حياة شخصٍ مَا...أيَّ كتاب. كتابًا واحدًا في اليوم كي أُتابع ما يَجري". وقد قلتُ له يومًا... قلتُ: "حيثُ إنَّك تقرأ كتابًا في اليوم، وتَقوم بكلِّ تلك الدِّراسة للُّغة العِبريَّة، وتَكتُب التَّفاسير، وتُعلِّم بدوامٍ كامل، هل يتبقَّى لديك وقت لقراءة الكتاب المقدَّس؟" قال: "أنا أقرأ الكتاب المقدَّس...أنا أقرأ الكتاب المقدَّس كُلَّه أربع مَرَّاتٍ في السَّنة. وأنا أفعل ذلك مُنذ سنواتٍ طويلة لا أدري كم هي".
وهذه هي نُقطة البداية يا أصدقائي. فلا بديل عن قراءة الكتاب المقدَّس. ابتدئ بالعهد القديم واقرأه كُلَّه وحسب. واللُّغة العِبريَّة لغة بسيطة جدًّا. فهي لا تحوي المفاهيم المُعقَّدة الَّتي يَشتهر بها التَّفكير اليونانيّ. فهي ليست لُغة نظريَّة. وهي ليست لُغة مفاهيميَّة. وهي ليست لُغة فلسفيَّة تحوي الكثير مِن الأفكار المُجرَّدة، بل هي لُغة بسيطة جدًّا، ولُغة ملموسة جدًّا.
والحقيقة هي أنَّني وجدتُ في أثناء دراستي في كُليَّة اللاَّهوت أنَّ دراسة اللُّغة العِبريَّة أسهل جدًّا مِن دراسة اللُّغة اليونانيَّة. فهي ليست لُغة مُعقَّدة في أغلب الأحيان، بل إنَّها تُعبِّر عن الأشياء بألفاظ واقعيَّة وبسيطة جدًّا. لِذا، يمكنك أن تقرأ كلَّ الأحداث والقصص في العهد القديم في أغلب الأحيان في جلسة واحدة وقراءة مُتتابعة وحسب. وفي كلِّ سنة، ارجع مِن البداية واقرأ مرَّةً أخرى وأخرى كلَّ العهد القديم. وحينئذٍ ستبتدئ في استيعاب الأمور أكثر فأكثر في أثناء قراءتك له.
وأودُّ أن أقترح عليك في أثناء قراءتك للكتاب المقدَّس أن تكتب ملاحظات في الهوامش في كلِّ مَرَّة لا تفهم فيها ما يتحدَّث عنه. فإن فعلتَ ذلك ستجد شيئًا مدهشًا جدًّا يحدث. سوف تبتدئ بملاحظات كثيرة. وبمرور الوقت، ستبتدئ بحذف تلك الملاحظات الَّتي كَتبتها في الهامش لأنَّك في أثناء قراءتك وإعادة قراءتك له، وفي أثناء انتقالك مِن سِفْر التَّكوين إلى سِفْر ملاخي، ستجد أنَّك اكتسبتَ فَهمًا جيِّدًا جدًّا. وهذا سيُجيب عن الكثير مِن الأسئلة الَّتي طَرحتَها.
وفيما يَختصُّ بالأسئلة الَّتي لم تجد إجابةً عنها في أثناء قراءتك، يمكنك أن تَستخدمها للدراسة الفرديَّة بالرِّجوع إلى أحد كُتب التَّفسير أو إلى مَرجعٍ آخر كي تَفهم المعنى. ولكن ابتدئ بقراءته وحسب. لا ترتبك قائلاً: كيف سأتعلَّم كلَّ هذا؟ كيف سأفهم كلَّ آية؟ ابدأ وحسب واقرأ كلَّ العهد القديم. وأقترح عليك أن تفعل ذلك كلَّ سنة... على الأقلِّ مَرَّةً في السَّنة.
والآن، عندما تأتي إلى العهد الجديد، لديَّ خُطَّة صغيرة مُختلفة. وقد شاركتُ ذلك معكم، ولكنِّي سأذكرها لكم مَرَّةً أخرى؛ وهي تَختصُّ بقراءة العهد الجديد. وبالمناسبة، أعتقد أنَّ التَّركيز الكبير ينبغي أن يَنْصَبَّ على قراءة العهد الجديد. فأنا أُوْمِنُ بذلك حقًّا. وهذا مَبنيٌّ على ما يقوله الكتاب المقدَّس. فمثلاً، في الرِّسالة إلى أهل كولوسي يقول بولس في الأصحاح الأوَّل والعدد 24، بل بالحَرِيِّ في العدد 25: "الَّتِي صِرْتُ أَنَا خَادِمًا لَهَا، حَسَبَ تَدْبِيرِ اللهِ الْمُعْطَى لِي لأَجْلِكُمْ، لِتَتْمِيمِ كَلِمَةِ اللهِ. السِّرِّ الْمَكْتُومِ مُنْذُ الدُّهُورِ وَمُنْذُ الأَجْيَالِ، لكِنَّهُ الآنَ قَدْ أُظْهِرَ". بعبارة أخرى فإنَّ بولس يقول: "أنا مَدعوٌّ مِن قِبَل الله كي أُظهِرَ لكم السرَّ الَّذي كان مَحجوبًا".
والسِّرُّ، بصورة رئيسيَّة، هو إعلان العهد الجديد. وبولس يقول: "أنا رسولٌ للسِرّ" في رسالة أفسُس والأصحاح الثَّالث. لِذا فقد كان التَّركيز الكبير في خدمته مُنصبًّا على الإعلان الجديد. وَهُوَ يُلَمِّحُ إلى العهد القديم مِن جهة أنَّه يُلَمِّحُ إلى العهد الجديد، ويُشيرُ إليه، ويُوضِّحُه. لِذا فإنَّ رسالة العهد الجديد تَتركَّزُ في الإعلان. فهي الرِّسالة الَّتي تُجَسِّدُ وتَضُمُّ كلَّ ما هو قديم. وهي تَضُمُّ كلَّ ما هو جديد. لِذا، يمكننا أن نَقول إنَّ العهد الجديد يُلخِّص لك العهد القديم، ويقودك أكثر أيضًا إلى مِلْءِ الإعلان.
لِذا، عندما تَقرأ العهد الجديد، اصرف وقتًا أطول لأنَّه يَشرح العهد القديم. والسَّببُ في ذلك هو أنَّه كُتِبَ باليونانيَّة؛ وهي لُغة أكثر تعقيدًا وربَّما أكثر صعوبةً [مِن أوجُه عديدة] للفهم؛ وهذا يَصِحُّ أحيانًا وليس دائمًا. ولكن في أغلب الحالات فإنَّه أصعب قليلاً بسبب ألفاظها المُجرَّدة إذ إنَّها تتكلَّم مِن خلال المفاهيم وليس مِن خلال سَرد القصص.
لِذا، يجب علينا أن نُوْلِي جُهدًا أكبر لدراسة العهد الجديد. وإليكم كيف فَعلتُ ذلك. وقد ابتدأت ذلك حين كنتُ في كليَّة اللاَّهوت. فقد ابتدأت برسالة يوحنَّا الأولى وقرَّرت أن أقرأ رسالة يوحنَّا الأولى كلَّ يوم مُدَّة ثلاثين يومًا. وأعتقد أنَّ هذه هي أفضل طريقة للقيام بذلك. ففي اليوم الأوَّل، اقرأ وحسب رسالة يوحنَّا الأولى. وبالنِّسبة إلى أشخاص كثيرين، إن جلسوا وقرأوا رسالة يوحنَّا الأولى سيدركون أنَّ هذه هي أوَّل مَرَّة يقرأون فيها سفرًا كاملاً إلى آخره. فهناك أشخاص كثيرون يَظُنُّون أنَّ الكتاب المقدَّس هو مجموعة آيات وحسب.
وأنا أذكُر عندما كنتُ صَبيًّا أنَّه كان يوجد لدينا عُلبة بلاستيكيَّة على طاولة المطبخ تحوي آياتٍ مِن الكتاب المقدَّس. وذلك أشبه بكتاب "خُبزُنا اليوميّ" (Our Daily Bread). فأنت تضع الآيات بأيِّ ترتيبٍ تشاء؛ فالأمر ليس مهمًّا. فأنت تُخرج الآيات وحسب وتقول: "هذه آية جيِّدة! آه، هذه آية رائعة!" فيمكنك أن تَسحب الآياتِ مِن العُلبة وأن تَطرحها في الهواء، وأن تُعيدها بأيِّ ترتيبٍ تشاء.
ولكنَّ هذه ليست الطَّريقة الَّتي كُتِبَ بها الكتاب المقدَّس. فعندما يبتدئ سِفْر ما فإنَّه يبتدئ مِن نُقطة مُعيَّنة. وعندما يَنتهي فإنَّه يَنتهي عند نُقطة مُعيَّنة. وفي تلك الأثناء فإنَّه يَتَّجِه في اتِّجاهٍ مُعيَّن. ولكنَّ أغلبيَّة النَّاس لا يقرأون السِّفر كُلَّه. لِذا، يجب عليكم أن تتعلَّموا أن تقرأوا السِّفرَ كُلَّه. لذا، اجلس واقرأ رسالة يوحنَّا الأولى. وهذا يَتطلَّب 25 دقيقة أو 30 دقيقة. وما لم تكن تقرأ قراءةً عِلاجيَّة، لا تكترث بالوقت المطلوب. أمَّا إن كنتَ قد دَرستَ مَساق "إيفيلين وود" (Evelyn Wood) عن القراءة السَّريعة، يمكنك أن تَقرأه بسرعة أربع أو خمس مَرَّات وتَنتهي مِن ذلك!
ولكنَّ الفكرة هي أن تقرأه كُلَّه في اليوم الأوَّل. وفي اليوم الثَّاني، اقرأه كُلَّه. وفي اليوم الثالث، اقرأه كُلَّه. وفي اليوم الرَّابع، اقرأه كُلَّه. وفي اليوم الخامس، اقرأه كُلَّه. اجلس فقط واقرأهُ. وفي اليوم السَّابع أو الثَّامن ستقول لنفسك: "أتدري! أنا أعرف هذا السِّفر جيِّدًا. فأنا مُتمكِّنٌ جيِّدًا مِنه". ولكنَّ هذا هو الجزء الصَّعب. فيجب عليكَ أن تستمرَّ في القيام بذلك. وغالبًا، في اليوم الخامس عشر أو السَّادس عشر، كنتُ أقول لنفسي: "أنا أعرف هذه المادَّة"، ولكنِّي كنتُ أَستمرُّ في قراءتها. وأذكر أنَّني عندما وَصَلْتُ إلى اليوم الثَّلاثين في قراءة رسالة يوحنَّا الأولى أنِّي قلت: "أنا لا أفهم هذا السِّفر حقًّا". وقد استمرَّيتُ تسعين يومًا قبل أن أفهمه. فقد صَرفتُ تسعين يومًا في قراءة رسالة يوحنَّا الأولى كلِّها كلَّ يوم.
والآن، بعد ثلاثين يومًا، إذا التزمتَ بالقراءة مُدَّة ثلاثين يومًا، ستحصل على استيعابٍ رائعٍ لذلك السِّفر. وإن قال لك أحد الأشخاص: "أين يقول الكتاب المقدَّس: ’ إن اعترفنا بخطايانا فهو وعادلٌ؟‘ فتقول: "هذا سهل. رسالة يوحنَّا الأولى والأصحاح الأوَّل...الصَّفحة اليسرى، العمود الأيمن، في منتصف العمود" لأنَّك ستتمكَّن مِن تصوير الصَّفحة في ذهنك. فسوف ترى ذلك حرفيًّا في ذهنك.
فالنَّاس يسألونني دائمًا: "لماذا ما زلت تَستخدم ترجمة الملك جيمس؟" لِمَ لا تَستخدم التَّرجمة الأمريكية الجديدة أو التَّرجمة الدَّوليَّة الجديدة؟" لأنَّ كتابي المُقدَّس مُصَوَّر في ذهني. فأنا أعثر على الآيات بحسب موقعها في نُسختي. بعبارة أخرى، فإنَّ عقلي يلتقطُ صورًا ذهنيَّة للصَّفحة. لِذا، يُمكنِّنُي أن أقول لكم... صحيحٌ أنَّني قد لا أحفظ موضوعَ كلِّ أصحاحٍ في الكتاب المقدَّس، ولكنِّي أستطيع أن أقول لكم موقع كلِّ شيءٍ في الصَّفحة. أمَّا إن أهداني أحدُهم كتابًا مُقدَّسًا جديدًا فإنَّني أشعر بالضَّياع. فقد أصيرُ شبيهًا بأحد أتباع المورمون إن غَيَّرتُ كِتابي المقدَّس. فأنا لا أستطيع العثور على أيِّ شيءٍ في كتابٍ مُقدَّسٍ آخر.
لِذا، يجب عليك أن تقرأ سِفْرًا كاملاً ثلاثين مَرَّة. وفي نهاية تلك المَرَّات الثَّلاثين، ستجد أنَّك قد خَزَّنتَ ذلك السفر في ذهنك حقًّا. والآن، هذا هو، بصورة رئيسيَّة، ما أفعله طوال الوقت عندما أُحَضِّر العِظة. فأنا أقرأ السِّفر كلَّه، وأعيد قراءته، وأعيد قراءته إلى أن يصير السِّفر كلَّه في ذهني في هيئة صُوَر ذِهنيَّة يمكنني أن أراها بعينِ ذِهني.
وبينما أفعل ذلك، إليكم هذا الشَّيء الآخر الَّذي أنصحكم بالقيام به أيضًا: أحضِر بطاقات صغيرة واكتب عليها الفكرة الرئيسيَّة لِكُلِّ أصحاح... الفكرة الرئيسيَّة لِكُلِّ أصحاح. حسنًا؟ وحين تفعل ذلك، دَوِّن ذلك وحسب على البطاقة. وفي كلِّ يوم تقرأ فيه هذا السِّفر، انظر وحسب إلى تلك البطاقة، واقرأ تلك اللَّائحة. وما سيحدث هو أنَّك ستتعلَّم مُحتوى الأصحاحات. فسوف تبتدئ في تَعَلُّم الأشياء المذكورة في الأصحاحات.
والآن، قد تقول: "بعد أن أُنهي قراءة رسالة يوحنَّا الأولى ثلاثين يومًا، ماذا أفعل بعد ذلك؟" أقترح عليك أن تختار سِفْرًا كبيرًا في العهد الجديد. تَذَكَّر الوقت الَّذي كنت تقرأ فيه تلك القصص في العهد القديم مُدَّة عشرين دقيقة يوميًّا. ولكنَّك الآن ستختار سِفْرًا أكبر. وأقترح عليك أن تنتقل مِن رسالة يوحنَّا الأولى إلى إنجيل يوحنَّا. وقد تقول: "ولكنَّه يحوي واحدًا وعشرين أصحاحًا!"
هذا صحيح. لِذا، يجب عليك أن تُقَسِّمه إلى ثلاثة أجزاء. اقرأ أوَّل سبعة أصحاحات يوميًّا طَوال 30 يومًا، ثُمَّ اقرأ ثاني سبعة أصحاحات طَوال ثلاثين يومًا، ثُمَّ اقرأ ثالث سبعة أصحاحات طَوال ثلاثين يومًا. في نهاية تلك الأيَّام التِّسعين، ستكون قد قرأت كلَّ السِّفْر واستوعبت تمامًا مُحتوى إنجيل يوحنَّا. وبالمناسبة، ستكون لديك أيضًا بطاقات صغيرة لأوَّل سبعة أصحاحات، وثاني سبعة أصحاحات، وثالث سبعة أصحاحات لأنَّه يحوي واحدًا وعشرين أصحاحًا. لذا، ستكون قد حفظتَ الفكرة الرئيسيَّة لكلِّ أصحاح.
والآن، عندما ابتدأتُ في القيام بذلك، أَذكُرُ أنَّني دُهِشتُ جدًّا مِن السُّرعة الَّتي ابتدأتُ فيها في تَذكُّر الأشياء في العهد الجديد. فقد كنتُ أريد دائمًا أن أتيقَّن مِن أنِّي لستُ مُستعبدًا لفهرس الكتاب المقدَّس، ومِن أنِّي لن أكون عاجزًا عن العثور على أيِّ شيءٍ في الكتاب المقدَّس مِن دون البحث عن كلِّ شيءٍ في ذلك الفهرس قائلاً: "أين تلك الآية؟" لِذا فقد أردتُ أن أتعلَّم هذه الأشياء. وقد قرأتُ إنجيل يوحنَّا بعد أن قرأت رسالة يوحنَّا الأولى. وهل تعلمون ما الذي حدث؟ حتَّى هذا اليوم، ومنذ أن عَلَّمتُ ذلك، فإنَّ إنجيل يوحنَّا، ورسالة يوحنَّا الأولى، وبقيَّة أسفار العهد الجديد ما تزال مُخَزَّنةً في ذهني.
فأنا أُفَكِّر في إنجيل يوحنَّا وأُفَكِّر في الأصحاح... لِنَقُل أنَّ شخصًا قال لي: "أين نقرأ أنَّ يسوع هو الكرمة؟" في الأصحاح 15. الرَّاعي الصَّالح؟ أصحاح 10. لِعازَر؟ أصحاح 11. القبض على يسوع؟ أصحاح 18. حديث يسوع إلى إخوته؟ أصحاح 7. كُلوا جسدي واشربوا دَمي؟ أصحاح 6. خُبْز الحياة؟ أصحاح 6. عُرْس قانا؟ أصحاح 2. المرأة عند البئر؟ أصحاح 4. نيقوديموس؟ أصحاح 3. وهكذا دَوالَيْك. دينونة الأبرار والأشرار؟ أصحاح 5 والعددَان 28 و 29، الصَّفحة اليُمنى في المنتصف، في العمود الأيسر. في المكان الفُلانيّ. أَتَرَوْن؟ فأنا أَعلم في ذهني أين توجد كلُّ تلك الأشياء. فكلُّ شيءٍ مُخَزَّن في ذهني.
والنَّاس يقولون: "يا لكَ مِن عَالِم!" اسمعوني: لقد قَرأته تسعين مَرَّة. أليس كذلك؟ فقد قرأته تسعين مَرَّة. وهذه هي الطَّريقة الَّتي تَتعلَّمون مِن خلالها. أترون؟ فإشعياء يقول: "أَمْرٌ عَلَى أَمْرٍ. أَمْرٌ عَلَى أَمْرٍ. فَرْضٌ عَلَى فَرْضٍ. فَرْضٌ عَلَى فَرْضٍ. هُنَا قَلِيلٌ هُنَاكَ قَلِيلٌ". فحين تريد أن تدرس لأجل امتحان، أنت لا تفتح كتابك وتقرأ ملاحظاتك مَرَّةً فقط وتُغلقه قائلاً: ’ آه! لقد فهمتُ المادَّة". ليس إذا كنتَ شخصًا طبيعيًّا. وليس إذا كنتَ شخصًا مثلي. فأنت تتعلَّم مِن خلال التَّكرار تِلْو التَّكرار تِلْو التَّكرار. فهذه هي الطَّريقة الصَّحيحة لتعلُّم الكتاب المقدَّس.
وقد ترغب بعد ذلك في الانتقال إلى رسالة فيلبِّي، وفي تَعَلُّمِ رسالة فيلبِّي؛ وَهُوَ سِفْر قصير آخر. وقد ترغب بعد ذلك في الرُّجوع إلى إنجيل مَتَّى، ثُمَّ في الانتقال إلى رسالة كولوسي، ثُمَّ في الانتقال إلى سِفْر أعمالِ الرُّسُل بعد أن تُقَسِّموه بتلك الطَّريقة؛ وهكذا دَواليك: سفرًا صغيرًا يَليه سِفْرٌ كبير. وقد تقول: "ولكنَّ ذلك سيستغرق وقتًا طويلاً". لا! ففي نحو سنتين ونصف، ستكون قد أَنهيتَ العهد الجديد. وهذا رائع حقًّا.
فأنت ستقرأ الكتابَ المقدَّس بأيِّ حال. إذًا، لِمَ لا تقرأه بطريقة تَتذكَّره بها. فأغلبيَّة النَّاس يقولون: "أنا أتأمَّل يوميًّا، وقد قَرأتُ المقطعَ الخَاصَّ بهذا اليوم". وقد تقول له: "وما هو المقطع الَّذي قرأته؟" "آه... دعني أتذكَّر!" "وماذا عن المقطع الَّذي قرأته قبل يومين أو ثلاثة أيَّام؟" "لا يمكنني أن أتذكَّر ذلك. فأنا بالكاد أتذكَّر ما قرأته يوم أمس".
فأنت لا تستطيع حقًّا أن تتذكَّر أيَّ شيءٍ إن كنت تقرأ بهذه السُّرعة، بل يجب عليك أن تقرأه المَرَّة تِلو المَرَّة تِلو المَرَّة. وإن كنتَ تؤمنُ بأنَّه كلمة الله الحيَّة، سيَصير حَيًّا في حياتك حين تقرأه مِرارًا وتَكرارًا. والآن، إن قال لي أحد الأشخاص: "اقرأ الصَّحيفة بتلك الطريقة" أو "اقرأ روايةً ما بتلك الطَّريقة"، سأقول له إنَّني لا أُبالي بذلك. ولكنَّ هذا الكتاب هو الحقُّ الحَيّ. وَهُوَ يَترك تأثيرًا في حياتك حين تقرأه مِرارًا وتَكرارًا.
وكما تَعلمون، إن كان العَالِمُ الجليلُ في اللُغة العِبريَّة الدُّكتور "فاينبرغ" (Dr. Feinberg) يَقرأ كلَّ العهد القديم وكلَّ العهد الجديد أربع مرَّات في السَّنة، ماذا ينبغي لي أن أفعل؟ وهذا يُذكِّرُني بجون وِسلي (John Wesley) الَّذي كان يَنهض في كلِّ صباح طَوال أيَّام حياته في السَّاعة الرَّابعة صباحًا...اسمعوا هذا: ويقرأ الكتاب المقدَّس بخمس لُغاتٍ مُختلفة كي يستمتع بكلِّ التَّفاصيل الدَّقيقة لكلِّ نَصٍّ كِتابِيٍّ يقرأه. وقد كان يفعل ذلك مُدَّة ثلاث ساعات أو أكثر كلَّ صباح طَوال حياته.
وأنا أَذكُرُ عندما زُرتُ لندن أنَّني ذهبتُ إلى كنيسته. وقد تَقَدَّمنا رَجُلٌ وصَعِدَ بنا درجًا لولبيًّا يؤدِّي إلى غرفة صغيرة كان يجلس فيها كلَّ صباح. وكانت نَظَّاراته على المكتب؛ وهي نظَّارات صغيرة. وكان يوجد على المكتب أيضًا عهدُهُ الجديد الصَّغير وبضعة كُتب أخرى؛ وهي الكتب الَّتي كان جون وِسلي يقرأها في كلِّ صباح مِن حياته في السَّاعة الرابعة صباحًا. وأعتقد أنَّ الأمر بِرُمَّته يبتدئ مِن هُنا عندما يختصُّ الأمر بدراسة الكتاب المقدَّس... مِن هُنا.
والآن، هناك أشخاص يقولون: "هل ينبغي أن تقرأ نفس التَّرجمة؟" في العادة: أجل. اقرأوا نفس التَّرجمة كي تتآلفوا معها. ومِن حين إلى آخر، أعتقد أنَّه لا بأس في قراءة ترجمة أخرى قد تساعد في تفسيره. وأنا أقرأ عادةً ترجمة الملك جيمس. ولكن لأجل بُنياني الشخصيِّ، أنا أقرأ أحيانًا التَّرجمة الأمريكيَّة الجديدة أو ترجمة "إن.آي.ڨي" (NIV)؛ أيْ: "التَّرجمة الدوليَّة الجديدة". فهاتان التَّرجمتان هما، في نظري، أفضل ترجمتان لأغراض المقارنة.
مِن هنا ينبغي لك أن تبدأ. وهذه طريقة سهلة. وهذا هو كلُّ ما سأقوله عنها لأنِّي أعتقد أنَّها واضحة جدًّا. اقرأوا وحسب أسفار العهد القديم. فيمكنكم أن تقرأوه مِن سِفْر التَّكوين إلى سِفْر مَلاخي أو أن تَتبعوا خُطَّةً أخرى لديكم، أو جدول قراءة، أو شيئًا مِن هذا القَبيل. أمَّا فيما يختصُّ بالعهد الجديد، اقرأوا كلَّ سِفْر مِرارًا وتَكرارًا.
وبالمناسبة، لديَّ مُلاحظة صغيرة: سوف يساعدكم حقًّا أيضًا أن تَقرأوا السِّفر الَّذي أعِظ عنه في الفترة الزمنيَّة الَّتي أعظ فيها عنه. صحيح أنَّكم لن تتمكَّنوا دائمًا مِن القيام بذلك لأنِّكم قد تقرأون السِّفر في ثلاثين يومًا؛ في حين أنِّي أُعَلِّمُ عنه أربع سنوات. ولكن في فترة زمنيَّة مُعيَّنة، عندما أبتدئ في قراءة أحد الأسفار، أو بالحرِّي: عندما أبتدئ في تعليم أحد الأسفار، قد يكون ذلك الوقت مناسبًا لك للبدء في قراءته.
والآن، ما السُّؤال الَّذي أجبنا عنه؟ إنَّ قراءة الكتاب المقدَّس تُجيب عن السُّؤال التَّالي: ما الَّذي يقوله الكتاب المقدَّس؟ ونحن بحاجة إلى معرفة ذلك. ما الَّذي يقوله الكتاب المقدَّس؟ ولكي تَعرف ما يقوله، يجب عليك أن تقرأه. ثُمَّ يجب عليك أن تعرف تمامًا ما يقوله.
والآن، سوف أخبركم شيئًا مدهشًا آخر يَحدث، وهذه مُجرَّد ملاحظة هامشيَّة. فعندما تبتدئ في قراءة الكتاب المقدَّس، اقرأه وحسب...اقرأه وحسب. فسوف تكتشف أنَّ استيعابك سيزداد بصورة مذهلة لأنَّ الكتاب المقدَّس يُفسِّر نفسه بنفسه.
ولا أدري إن كنتم قد حَلَّلتُم وَعظي. فإنا أَعلم أنَّكم رُبَّما انتقدتموه وقلتُم عنه إمَّا أنَّه جيِّد أو سَيِّء أو مُتوسِّط، أو رُبَّما تُقَيِّمونه على مقياسٍ مُدَرَّجٍ مِن واحد إلى عشرة في البيت بعد ظُهر يوم الأحد. ولكن بصورة رئيسيَّة، إن حَلَّلتُم وعظي...وهذا هو السِّرّ.... وأنا أكشفه لكم، يا أصدقائي، هنا. فبصورة رئيسيَّة، ما أفعله هو أنَّني أُفَسِّر آيات الكتاب المقدَّس بآيات أخرى مِن الكتاب المقدَّس. فهذا هو ما أفعله دائمًا. وبعد أن عرفتم ذلك، يمكنكم أن تُتابعوا كيف أفعل ذلك.
وما دفعني إلى القيام بذلك هو أنَّ رَجُلاً عزيزًا قال لي ذات مَرَّة إنه إن أردتُ أن تكون لديَّ خِدمة فعَّالة... إليكم ما قاله: "إليك الكتاب الوحيد الَّذي ينبغي أن تَستخدمه". وقد أعطاني نسخةً مِن كتابٍ بعُنوان: "خَزينة المَعرفة الكِتابيَّة" (The Treasury of Scripture Knowledge). وذلك الكتاب الصَّغير هو كتاب يَذكر كلَّ آيات الكتاب المقدَّس ويُعطيك شَواهد كِتابيَّة تَشرح معنى ذلك النَّصّ. فربَّما اعتقدتم أنَّني أحتفظ بكلِّ تلك المعلومات في رأسي. أترون؟ ولكنَّ ذلك الكتاب الصَّغير كان كتابًا رائعًا.
وقد قال لي هذا الرَّجُل: "افتح كتابك المقدَّس وذلك الكتاب الصَّغير فتتمكَّن مِن الوعظ إلى أن تموت". وهو أداة رائعة. لماذا؟ لأنَّه يَستخدم الكتاب المقدَّس لتفسير الكتاب المقدَّس. وهذا هو ما يحدث حين تقرأ. لذا فإنَّك تقرأ رسالة يوحنَّا الأولى، ثُمَّ تقرأ في إنجيل يوحنَّا وتقول: "حسنًا! الآن، أنا أفهم ما قَصَدَهُ في رسالة يوحنَّا الأولى لأنَّ ذلك يتوافق مع ما جاء في إنجيل يوحنَّا والأصحاح الخامس". أو أنت تقرأ في رسالة فيلبِّي وتقول: "الآن، أنا أفهم ذلك لأنَّه مشروح هنا. والآن، أنا أعلم ما قصده بتلك الفكرة هناك لأنَّني أراها هنا".
وحين تقرأ في العهد القديم، كما رأينا... فمثلاً، لقد تحدَّثنا عن الطَّلاق. أليس كذلك؟ فنحن نقرأ في إنجيل مَتَّى 5: 31: "وَقِيلَ: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَلْيُعْطِهَا كِتَابَ طَلاَق. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إلاَّ لِعِلَّةِ الزِّنَى يَجْعَلُهَا تَزْنِــي، وَمَنْ يَتَزَوَّجُ مُطَلَّقَةً فَإِنَّهُ يَزْنِـي". إلخ، إلخ. والآن، أنت تقرأ في العهد القديم وتِصِل إلى سِفْر التَّثنية والأصحاح 24 فتجد هناك تمامًا ما يُشير إليه يسوع.
أو أنت تقرأ، مثلاً، في إنجيل يوحنَّا والأصحاح الثَّالث وتقول لنفسك: "ينبغي أن تولد مِن الماء والرُّوح!" ما الَّذي يَتحدَّث عنه؟ الماء والرُّوح؟" ثُمَّ يأتي أحد الأشخاص ويقول: "الماء يُشير إلى كيس الماء الَّذي يَنفجر حين يُولد الجنين. فيجب أن تُولد جسديًّا وأن تُولد روحيًّا". لا! لأنَّ اليهود لم يكونوا يُسمُّون ذلك كيس ماء. فهكذا يُسَمَّى في اللُّغة الإنجليزيَّة. وقد تقول: "إذًا ما المقصود بالماء والرُّوح؟" في الوقت نفسه، أنت تقرأ في سِفْر حزقيال وتَصِل إلى الأصحاح 36 فتجد أنَّ حزقيال يقول إنَّه سيأتي يوم يُولد فيه البشر مِن الماء والرُّوح. آها! والآن، نحن نَفهم أنَّ الماء هو الكلمة، وأنَّ الرُّوح هو الرُّوح القُدُس. وبهذا فإنَّ سِفْر حزقيال يُفسِّر ما جاء في إنجيل يوحنَّا والأصحاح الثَّالث.
لِذا، حين تبتدئ بقراءة الكتاب المقدَّس، ستجد فجوات كثيرة تُسَدُّ لأنَّك ستتمكَّن مِن فهمها. وبالمناسبة، أنا أقول للنَّاس طَوال الوقت إنَّ الله لم يكتب كِتابًا كي يُعثِركم. فهذا ليس كتابًا يُفترَض به أن يكون حَقًّا مَحجوبًا. وهذا ليس كتابًا سِرِّيًّا يجعلك تقول: "هاها يا رَبّ! لقد اكتشفتُ ما تحاول أن تقوله هنا". لا! بل ينبغي أن تَفهم ذلك.
والنَّاس يقولون: "آه! أيًّا كان ما تفعله، لا تقرأ سِفْر الرُّؤيا. فذلك السفر مُربِكٌ جدا". ولكنَّ الحقيقة هي أنَّه يقول في الأصحاح الأوَّل والعدد الثَّالث: "طُوبَى لِلَّذِي يَقْرَأُ وَلِلَّذِينَ يَسْمَعُونَ أَقْوَالَ النُّبُوَّة". إنَّه ليس صعبًا إلى هذا الحَدّ، ولكنِّي سأقول لكم شيئًا واحدًا: لن تفهموا سِفْر الرُّؤيا ما لم تقرأوا سِفْر دانيال وإشعياء وحزقيال. لِذا، حين تقرأونها مِرارًا، ستبتدئ الأجزاء المُفَكَّكة تَتجمَّع معًا. وإن استمرَّيت وحسب في قراءة كلمة الله، ستُذهَل مِن الأمور الرَّائعة الَّتي ستحدث في حياتك.
حسنًا! المبدأ الثَّاني. فالمبدأ الأوَّل هو أن تقرأ الكتاب المقدَّس. والمبدأ الثَّاني هو أن تُفَسِّر الكتاب المقدَّس... أن تُفسِّر الكتاب المقدَّس. وهناك أشخاص لا يُفسِّرون الكتاب المقدَّس، بل يَكتفون بتطبيقه فقط. فَهُم يَنتقلون مُباشرةً مِن قراءته إلى تطبيقه مِن دون تفسيره. فَهُم لا يُكَلِّفون أنفسهم مَشقَّة معرفة ما يعنيه، بل هُم يُحَلِّقون وحَسْب. ولكنَّ المبدأ الأوَّل هو: اقرأ الكتاب المقدَّس. وهذا يُجيب عن السُّؤال: "ما الَّذي يقوله الكتاب المقدَّس؟" والنُّقطة الثَّانية الَّتي هي: "فَسِّر الكتاب المقدَّس" تُجيب عن السُّؤال: "ما الَّذي يعنيه الكتاب المقدَّس بما يقوله؟" فنحن نقرأ الكتاب المقدَّس. وهذا رائع. فهو يقول كذا. ولكن ما الَّذي يعنيه بما يقوله؟ لِذا، يجب علينا أن نُفسِّره.
والآن، يجب عليكم أن تُفسِّروا الكتاب المقدَّس. فلا يمكنك أن تأخذ الكتاب المقدَّس كما تأخذ حَبَّة أسبرين. فهو ليس حَبَّة دواء. فالنَّاس يقولون دائمًا: "لقد أنهيتُ وقتَ تأمُّلي، وكنتُ أقرأ في الكتاب المقدَّس وقَرَّرتُ أنَّه يعني كذا". لا، بل ينبغي أن تَعرف ما يعنيه. أتذكرون الخَصِيَّ الحبشيَّ الَّذي كان يقرأ مِن سِفْر إشعياء؟ ثُمَّ إنَّ فيلُبُّس جاء وقال له: "أَلَعَلَّكَ تَفْهَمُ مَا أَنْتَ تَقْرَأُ؟" فَقَالَ: "كَيْفَ يُمْكِنُنِي إِنْ لَمْ يُرْشِدْنِي أَحَدٌ؟" فلا يمكنني أن أفهمه. وما أعنيه هو أنِّي قرأتُ آيةً.
فمثلاً، ربَّما تأتي وتقرأ في رسالة كولوسي. ورُبَّما تقرأ الآية: "وَإِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا فِي الْخَطَايَا وَغَلَفِ جَسَدِكُمْ، أَحْيَاكُمْ مَعَهُ، مُسَامِحًا لَكُمْ بِجَمِيعِ الْخَطَايَا، إِذْ مَحَا الصَّكَّ الَّذِي عَلَيْنَا فِي الْفَرَائِضِ، الَّذِي كَانَ ضِدًّا لَنَا، وَقَدْ رَفَعَهُ مِنَ الْوَسَطِ مُسَمِّرًا إِيَّاهُ بِالصَّلِيبِ، إِذْ جَرَّدَ الرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينَ أَشْهَرَهُمْ جِهَارًا، ظَافِرًا بِهِمْ فِيهِ. فَلاَ يَحْكُمْ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ فِي أَكْل أَوْ شُرْبٍ". ماذا؟
وقد يقول قائل: "آه! نحن نجد هنا الكلمة ’ خطيَّة‘، ونجد الكلمة ’يَغفر‘. أليس مِن الرَّائع أنَّه غَفَر خطاياكم؟" وهذا هو أقصى ما يمكنك أن تعرفه إن لم تَتعلَّم ما يعنيه بقيَّة النَّصّ. وهناك وعظ كثير يَتِمُّ بهذه الطَّريقة. فَهُم يقرأون النَّصَّ وحسب. هل سمعتم يومًا واعظًا يَقرأ آيةً تلو الأخرى تلو الأخرى، ثُمَّ إنَّه يجد كلمةً واحدةً يَفهمها فيعظ ساعةً كاملةً عنها ولا يُخبركم عن معناها في النَّصّ؟ وهذا يُشبه ما قاله أحد الأشخاص: "أوَّلاً، أنا أقرأُ النَّصَّ، ثُمِّ إنِّي أتركُ النَّصَّ. ثالثًا، أنا لا أعود إليه مَرَّةً أخرى".
في سِفْر نحميا والأصحاح الثَّامن... في سِفْر نحميا والأصحاح الثَّامن والعدد الأوَّل، نجد هذه الكلمات المدهشة جدًّا: "اجْتَمَعَ كُلُّ الشَّعْبِ كَرَجُل وَاحِدٍ إِلَى السَّاحَةِ الَّتِي أَمَامَ بَابِ الْمَاءِ وَقَالُوا لِعَزْرَا الْكَاتِبِ أَنْ يَأتِيَ بِسِفْرِ شَرِيعَةِ مُوسَى الَّتِي أَمَرَ بِهَا الرَّبُّ إِسْرَائِيلَ". حسنًا. أَحضِروا السِّفر. أَحضِروا كِتاب شريعة الله. "فَأَتَى عَزْرَا الْكَاتِبُ بِالشَّرِيعَةِ أَمَامَ الْجَمَاعَةِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَكُلِّ فَاهِمٍ مَا يُسْمَعُ، فِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ السَّابعِ. وَقَرَأَ فِيهَا أَمَامَ السَّاحَةِ الَّتِي أَمَامَ بَابِ الْمَاءِ، مِنَ الصَّبَاحِ إِلَى نِصْفِ النَّهَار". فهذه هي نُقطة البداية. فيجب عليك أن تقرأ الكتاب المقدَّس. فقد وقف وحسب وقَرأَهُ. قَرَأَهُ وحسب.
"وَكَانَتْ آذَانُ كُلِّ الشَّعْبِ نَحْوَ سِفْرِ الشَّرِيعَةِ". وفي العدد الخامس: "وَفَتَحَ عَزْرَا السِّفْرَ أَمَامَ كُلِّ الشَّعْبِ، لأَنَّهُ كَانَ فَوْقَ كُلِّ الشَّعْبِ. وَعِنْدَمَا فَتَحَهُ وَقَفَ كُلُّ الشَّعْبِ. وَبَارَكَ عَزْرَا الرَّبَّ الإِلهَ الْعَظِيمَ. وَأَجَابَ جَمِيعُ الشَّعْبِ: «آمِينَ، آمِينَ!» رَافِعِينَ أَيْدِيَهُمْ، وَخَرُّوا وَسَجَدُوا لِلرَّبِّ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى الأَرْضِ". بعبارة أخرى، تجاوُبًا مع القراءة، عَبدوا الربَّ وحسب. ولكنَّ الآية 8 هي المِفتاح: "وَقَرَأُوا فِي السِّفْرِ، فِي شَرِيعَةِ اللهِ، بِبَيَانٍ...". وقرأوا...ببيان". ثُمَّ نقرأ: "وَفَسَّرُوا الْمَعْنَى، وَأَفْهَمُوهُمُ الْقِرَاءَةَ".
كما تَعلمون، لقد أُتيحت لي في هذه السَّنة فرصة حضور المؤتمر الدّوليِّ عن عِصْمَة الكتاب المقدَّس. وقد اجتمع هؤلاء العلماء العُظماء مِن جميع أنحاء أمريكا، ربَّما مئتان وخمسون منهم، اجتمعوا معًا كي يُؤكِّدوا للعالم كُلِّه أنَّ كلَّ كلمة مِن الله نَقيَّة (كما يقول سِفْر الأمثال والأصحاح 30). فقد أرادوا أن يؤكِّدوا للعالم كلِّه أنَّ الكتاب المقدَّس هو الحقُّ الإلهيُّ المُطلق، وأنَّه مُنَزَّهٌ في كلِّ كلمة فيه. وطَوال أربعة أيَّام، وَزَّعوا أبحاثًا، أبحاثًا دسمة جدًّا لم أتمكَّن حتَّى أنا مِن فهمها. فقد كان مؤتمرًا عِلميًّا هائلاً. وقد ضَخُّوا فيه كلَّ تلك الموادّ. وكُنَّا نحمل تلك الكرَّاسات الضَّخمة الَّتي تحوي كلَّ تلك الأبحاث اللاَّهوتيَّة الرَّائعة والدِّراسات العظيمة. وقد كانوا يتحدَّثون عن أهميَّة حفاظنا على العقيدة الَّتي تقول إنَّ كلَّ كلمة في الكتاب المقدَّس صحيحة.
وكانت لديَّ حلقة دراسيَّة في نهاية المؤتمر. وكانت حلقتي الدراسيَّة هي بعنوان: "كيف يرتبط تَنَزُّه الكتاب المقدَّس عن الخطأ بخدمة الكنيسة؟" وقد قلتُ ما يلي: "ما يُدهشني هو كيف أنَّهُ في مؤتمرٍ عن تَنَزُّه الكتاب المقدَّس عن الخطأ، وفي مؤتمرٍ يُنَبِّرُ فيه الجميع على أهميَّة كلِّ كلمة في الكتاب المقدَّس، فإنَّ أحدًا لم يُقدِّم عظةً تفسيريَّة تتناول كلَّ كلمة". بعبارة أخرى، لماذا نُحارب مِن أجل كلِّ كلمة إن لم نُكَلِّف أنفسنا يومًا عَناء تَعليم كلِّ كلمة، أو إن لم نَتعلَّم معناها؟ فلا يكفي أن نقول وحسب: "نحن نؤمن بأنَّ كلَّ كلمة صحيحة"، ثُّمَّ أن نَنتقي كلمةً واحدةٍ مِن خمسٍ وأربعين آيةً ونَعِظ عظةً كاملةً عن تلك الكلمة الواحدة. لِذا فإنَّ الغاية الأسمَى للتَّكريس الحقيقيِّ لتَنَزُّه الكتاب المقدَّس عن الخطأ هي أن نُفَسِّرَهُ كما أعطاهُ الله.
لِذا، يجب علينا أن ندرس ما يعنيه الكتاب المقدَّس بما يقوله. وأعتقد حقًّا أنَّه مِن أوجه عديدة، هذا هو مِفتاح نُمُوِّ كنيسة "النعمة" (Grace Church). فأنا أعتقد أنَّ النَّاس تجابوا... وهناك أسباب عديدة، ولكنَّ واحدًا من الأسباب الرئيسيَّة هو أنَّ النَّاس تجاوبوا أخيرًا مع العثور على ما يعنيه الكتاب المقدَّس بما يقوله. فقد قَبعوا في الظَّلام وقتًا طويلاً جدًّا. وقد فَتحنا الباب. وكما تَعلمون، لم يكن مِنَ الصَّعب علينا أن نَفعل ذلك لأنَّ الله أعطانا كلمته كي نَفهمها، ولأنَّ رُوحَهُ هو مُعَلِّمُنا.
وفي الرِّسالة الأولى إلى تيموثاوس 4: 13، يقول بولس لتيموثاوس كيف ينبغي له أن يَعِظ. وإليكم ما يقول: "إِلَى أَنْ أَجِيءَ اعْكُفْ [أو رَكِّز انتباهك] عَلَى الْقِرَاءَةِ وَالْوَعْظِ وَالتَّعْلِيم". والآن، هل تعلمون ماذا يقول؟ استمعوا إلى ما يلي: إنَّه يقول: "اقرأ النَّصَّ؛ ثُمَّ تأتي العقيدة: اشرح النَّصَّ؛ ثُمَّ يأتي الوعظُ: طَبِّق النَّصَّ". فلا يمكنك أن تكتفي بقراءتها وتطبيقها، بل يجب عليك أن تقرأها، وأن تشرحها، ثُمَّ أن تُطبِّقها. والآن، هذا هو المعنى الحقيقيّ لتفصيل الكلمة بالاستقامة.
ولعلَّكم تَذكرون ما قلته لكم في تلك العظة عن الطَّلاق عن كيف أنَّ الفَرِّيسيِّين أوقعوا أنفسهم في المتاعب لأنَّهم أساءوا تفسير الأصحاح 24 مِن سِفْر التَّثنية. فسوء التَّفسير هو، بصراحة، أصلُ كلِّ هَوَس بشَتَّى أصنافه وأنواعه. فمثلاً، اسمحوا لي أن أذكر لكم بضعة أمور يَتِمُّ تعليمها اليوم بسبب سوء التَّفسير: حيث إنَّ الآباء الأوائل تَزَوَّجوا مِن نساء عديدات، يجب علينا أن نفعل ذلك. فهذا هو ما يُعَلِّمُه أُناسٌ. وإليكم تعليمًا آخر: حيث إنَّ العهد القديم أَقَرَّ بالحقِّ الإلهيِّ لمَلِك إسرائيل، فإنَّ جميع المُلوك يمتلكون حقوقًا إلهيَّة. وقد اختبرنا ذلك في العصور الوُسطى.
وحيث إنَّ العهد القديم نَصَّ على قتل السَّحرة، يجب علينا أن نَقتل السَّحرة. وحيث إنَّ بعضًا مِن الأوبئة في العهد القديم كانت مِن الله، يجب علينا أن نتجنَّب تمامًا تطبيق مَعايير النَّظافة كي لا نُبطِل علمه. وماذا عن هذا التَّعليم؟ لأنَّ العهد القديم يُعلِّم أنَّ المرأة تتألَّم عند الولادة كعقابٍ مِن الله لها، لا يجوز البتَّة استخدام وسائل التَّخدير. وهذه كُلُّها سوء تفسير. فهناك أشخاص لا يفهمون ما يقوله الكتاب المقدَّس في الحقيقة، ولا يفهم الموقف الَّذي كُتبت تلك النُّصوصُ فيه.
والآن، ليس مِن السَّهل علينا أن نَفهم كلَّ هذه الأشياء. فأنا أَذكُرُ أنَّ رجُلاً قال لي: "لقد سَئمتُ جدًّا مِن محاولة معرفة ما يعنيه الكتاب المقدَّس". وهو مُعلِّم للكتاب المقدَّس. فقد قال: "لقد سَئمتُ جدًّا مِن محاولة معرفة ما يعنيه الكتاب المقدَّس". وقد كنتُ أتحدَّث إليه في "هيوم ليك" (Hume Lake) ذات مَرَّة، فقال: "لقد قَرَّرتُ أن أقبل أنَّ أيَّ تعليم على أنَّه للجميع". وقد قال: "لقد جَرَّبتُ اللاَّهوت التَّدبيريَّ، وجَرَّبتُ اللاَّهوت التَّدبيريَّ المُعَدَّل، وجَرَّبتُ لاهوت العهود، وقد قَرَّرتُ أن أقبل أيَّ تعليمٍ على أنَّه للجميع". قلتُ له: "متى حَلَقْتَ سَالِفَيْكَ؟ فالعهدُ القديمُ يقولُ لليهود إنَّه يجب عليهم أن يتركوا سَوالِفَهُم كما هي. فهل هذا مُطَبَّقٌ عليك؟" وقلتُ: "متى كانت آخر مَرَّة قَدَّمتَ فيها حَمَلاً؟" وقلتُ: "آمُلُ أنَّك لا تَملك ملابسَ مصنوعة مِن الصُّوف والقُطن في آنٍ واحد". "هل تَستخدم الغسلات الطقسيَّة لغسلِ كلِّ آنية في مطبخك قبل أن تُعِدَّ زوجتك طعامك كي يكون مُحَلَّلاً وفقًا للشَّريعة اليهوديَّة؟ لا يمكنك أن تأخذ كلَّ جُملة كما لو أنَّها قيلت للجميع. متى كانت آخر مَرَّة حاولتَ فيها أن تَمشي إلى هيوم ليك؟" فكما تَرون، إنَّ الأمر ليس بهذه البساطة. فيجب أن يكون هناك تفسير.
والآن، مِن أجل فَهْمِ الكلمة فهمًا سليما وتفسيرها، هناك ثلاثة أخطاء ينبغي تجنُّبها... ثلاثة أخطاء ينبغي تجنُّبها. ويمكنني أن أقول لكم الكثير مِن الأمور المُضحِكة هنا، ولكنِّي سأحاول أن أمنع نفسي مِن ذلك. أوَّلاً...أوَّلاً، لا تُحاول أن تُثبت أيَّ شيءٍ على حساب التَّفسير الصَّحيح. لا تُحاول أن تُثبت أيَّ شيءٍ على حساب التَّفسير الصَّحيح. بعبارة أخرى، لا تحاول أن تجعل الكتاب المقدَّس يقول ما تريد منه أن يقول.
وهذا يُشبه الواعظ الَّذي وَعَظ عن حقيقة أنَّه لا يجوز للنِّساء أن يَرفعن شعرهنَّ فوق رؤوسهنَّ. وقد كان النَّصُّ الَّذي استَنَد إليه هو أنَّ ما هو فوق لا يجوز أن يَنزل بحسب ما جاء في إنجيل مَتَّى والأصحاح 24 حيثُ نَقرأ: "وَالَّذِي عَلَى السَّطْحِ فَلاَ يَنْزِلْ". ومِن الواضح أنَّ هذه الآية لا تُعَلِّم ذلك. ولكنَّه مِثالٌ توضيحيٌّ غريبٌ، وبكلِّ تأكيدٍ: هَزليّ. ولكن يمكنك أن تنظر إلى الكتاب المقدَّس كذلك الشَّخص الَّذي قال: "لقد حَضَّرتُ عِظَةً ولم يبقَ سوى أن أجد آياتٍ مُناسبة لها". وما أعنيه هو أنَّك قد وَضعتَ أفكارك المُسَبَّقة، وأنَّ كلَّ ما تَبَقَّى هو أن تبحث عن آياتٍ تُدَعِّمُها.
ولكن هل تعلمون... وهذا اعترافٌ أيضًا... أنَّني إن حاولتُ أن أُعِدَّ عظةً بهذه الطَّريقة، سينتهي بي المَطافُ إلى تَطويع آيات الكتاب المقدَّس بحسب عِظَتي. أمَّا إن حاولتُ أن أستوعب النَّصَّ، سوف تَنبُع مِن فهمي لذلك النَّصِّ رسالة يمكنني أن أشاركها معكم. لذا، منذُ وقتٍ طويل، تَخَلَّيتُ عن محاولة إعداد عظة. وأنا أحاول الآن أن أفهم كلمة الله. ومِن خلال ذلك الفهم تأتي العِظَة.
فكما تَعلمون، يمكنكم أن تُفكِّروا في مادَّة رائعة بحقّ، وبمُخَطَّط مدهش للعِظَة، وبأفكار رائعة؛ ولكن سوف تُضطرّ إلى لَوْي عُنُق الكتاب المقدَّس قليلاً ... كي تجعله يقول ما تريد منه أن يقول.
وقد كان أحبارُ اليهودِ في وقتٍ مِن الأوقات (بحسب ما أَذكُر أنَّني قرأتُ في التَّلمود) كانوا قد قَرَّروا في وقتٍ من الأوقات أن يَعِظوا عن حقيقة أنَّهُ يجب على النَّاس أن يَعتنوا بعضُهم ببعض، وأنَّه توجد مشكلة اجتماعيَّة، وأنَّ النَّاس لا يُحبُّون النَّاس. لذا فقد قالوا إنَّ القصَّة العظيمة الموجودة في الكتاب المقدَّس والتي تتحدَّث عن أنَّه ينبغي للنَّاس أن يُحِبُّوا النَّاس هي قصَّة بُرْج بابل. والتَّلمودُ يُفَسِّر القصة كما يلي: فهو يقول إنَّ السَّبب في أنَّ اللهَ شَتَّت كلَّ هؤلاء النَّاس، وإنَّ السَّبب في أنَّه بَلبَلَ ألسنتهم هو أنَّهم كانوا يَهتمُّون بالأمور الماديَّة أكثر مِن البشر.
وهذا غير معقول البتَّة، ولكنَّ هذا هو ما قالوه: "كلَّما زاد ارتفاع بُرج بابل، كان الأمر يتطلَّب مِن العامِل ساعات عديدة كي يحمل الطُّوب إلى أعلى كي يَستخدمه البَنَّاؤون في البناء. فإن سقطَ عامِل في أثناء نُزوله مِن البُرج، لم يكن أحد يَكترث بذلك. أليس كذلك؟ فَهُم لن يخسروا أيَّ طُوب. أمَّا إن سقط عَامِل في أثناء صُعوده، كانوا يَستشيطون غضبًا لأنَّهم خَسِروا الطُّوب. وهذا هو السَّبب في أنَّ الله شَتَّتَهُم وبَلبَل ألسنتهم لأنَّهم كانوا يَهتمُّون بالطُّوب أكثر مِن النَّاس.
والآن، هل تَعلمون شيئًا؟ يجب عليكم أن تَهتمُّوا بالنَّاس أكثر مِن الطُّوب، ولكنَّ هذا لا صِلَة له بقصَّة بُرج بابل. والله لم يُشَتِّتهم لأنَّهم كانوا يهتمُّون أكثر بالطُّوب، بل لأنَّهم كانوا يَبنون نظامًا دينيًّا وثنيًّا. لِذا، لا يمكنك أن تجعل الكتاب المقدَّس وسيلةً لتدعيم عِظَتِك أو أفكارك. وعليه فإنَّ الشَّيء الَّذي ينبغي أن تُراعيه هو: لا تُفَسِّر الكتاب المقدَّس على حساب مَعناه الحقيقيّ، بل دعه يقول ما قَصَدَ أن يقول.
وقد سمعتُ عِظات عديدة على رسالة بطرس الثانية 2: 20 حول فقدانك لخلاصك. فقد تسمعون واعظًا يَقرأُ الآية الَّتي تقول: "لأَنَّهُ إِذَا كَانُوا، بَعْدَمَا هَرَبُوا مِنْ نَجَاسَاتِ الْعَالَمِ، بِمَعْرِفَةِ الرَّبِّ وَالْمُخَلِّصِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، يَرْتَبِكُونَ أَيْضًا فِيهَا، فَيَنْغَلِبُونَ، فَقَدْ صَارَتْ لَهُمُ الأَوَاخِرُ أَشَرَّ مِنَ الأَوَائِلِ". ثُمَّ إنَّه يقول: "أتَرونَ ما تقوله تلك الآية؟ قد تَهرب مِن النَّجاسات، وقد تَعرف الربَّ والمُخلِّص، ولكنَّك قد تسقط وترتبك فتصير آخرتُك أَشَرَّ مِن الوقت الَّذي سَبَق إيمانك. أتَرون؟ فقد تخسر خلاصك!".
ولكنَّ الشَّيء الوحيد الَّذي نَسَوْهُ يختصُّ بضَمير الغائب في حالة الجمع المُستخدم هنا. فإن درستَ الضَّمير في البداية، ستجد أنَّه نفس الضَّمير المستخدم في الأصحاح كُلِّه. وَهُوَ يُشير إلى آبارٍ بلا ماء، وإلى غُيومٍ بلا مطر، وإلى لطخاتٍ وعيوبٍ ووصماتِ عارٍ في ولائم المحبَّة. وإن تَتَبَّعتُم ذلك إلى الأصحاح الثَّاني والعدد الأوَّل ستجدون أنَّه يُشير إلى الأنبياء الكذبة الَّذينَ كانوا يَتبعون تعاليم شياطين. لِذا، لا يمكنك أن تَستخدم هذه الآية بهذا المعنى لأنَّ هذا لا يُوافق سِياق الآية.
والحقيقة هي أنَّ بولس يتحدَّث عَمَّا يحدث حين تفعل ذلك. فهو يقول في رسالته الثَّانية إلى أهل كورنثوس 2: 17: "لأَنَّنَا لَسْنَا كَالْكَثِيرِينَ غَاشِّينَ كَلِمَةَ الله". وَهُوَ يَستخدم هنا الكلمة "كاپيلوس" (kapelos). والكلمة "كاپيلوس" تُشير عادةً إلى بيع شيءٍ ما. فهي كلمة كانت في الأصل تُستخدَم في السُّوق. وهي تُشير إلى بيع شيءٍ ما بطريقة الغِشّ؛ أي إلى بيع سِلعة لا تنطبق عليها المواصفات الَّتي تَدَّعيها، بل هي زائفة. وهو يقول هنا إنَّ هناك أناسًا يَغِشُّون كلمة الله، ويُفسدونها مِن أجل جَعلِها موافقةً لأفكارهم.
وأنا أُصعَق حين أسمع أشخاصًا مِثل المُبَجَّل "آيك" (Reverend Ike) وآخرين يأخذون آيات الكتاب المقدَّس ويَلوونَها لتُوافق المعنى الَّذي يَشاؤون. وقد سَمعتُ شخصًا ذات ليلة على شاشة التِّلفزيون. وقد كان يَعِظ ويَعِظ ويقول: "والآن، ما المعنى الَّذي يقصده الكتاب المقدَّس؟" ثُمَّ إنَّه قَدَّم أغرب وأعجبَ تفسير. وكان النَّاس يُصفِّقون. فقد ظَنُّوا أنَّه رائع. ولكنَّه كان مِنْ نَسْجِ خياله فقط. فهو لم يكن صحيحًا. لِذا، افهم الرِّسالة الصَّحيحة.
الشَّيء الثَّاني الَّذي ينبغي لك أن تَتجنَّبه هو: تَجَنَّب التَّفسير السَّطحيّ... التَّفسير السَّطحيّ. فعندما تَدرس الكتاب المقدَّس لمعرفة ما يقول، لا تكن سَطحيًّا. فالنَّاس يقولون دائمًا: "حسنًا، لِنَرى! في رأيي أنَّ هذه الآية تعني كذا. ما معنى هذه الآية في رأيك؟" وكما تعلمون فإنَّ النَّاس يجتمعون في أغلب الأحيان لدراسة الكتاب المقدَّس؛ ولكنَّ تلك الدُّروس هي مُجَرَّد جَهالة في جَهالة لأنَّها تَضُمُّ مجموعةً كبيرةً من الأشخاص الَّذينَ يجلسون ويتشاركون في أمورٍ لا يَعرفون شيئًا عنها بخصوص الآيات. وأنا أُشَجِّع على دروس الكتاب المقدَّس، ولكن يجب أن يدرسه شخصٌ ما لمعرفة ما يعنيه حقًّا. بعد ذلك، يمكنكم أن تُناقشوا التَّطبيق. ولكن لا تكونوا سَطحيِّين. فنحن نقرأ في الرِّسالة الأولى إلى تيموثاوس 5: 17 أنَّ الشُّيوخ كانوا يتعبون في كلمة الله. فمن المهمِّ جدًّا ألاَّ تكونوا سَطحيِّين.
ثالثًا، هناك خطأ آخر ينبغي أن تَتفادوه. الخطأ الأوَّل الَّذي ذَكرناه هو: لا تُحاولوا إثبات أيِّ شيء على حساب التَّفسير الصَّحيح. ثانيًا، تَجنَّبوا التَّفسير السَّطحيّ. ثالثًا، لا تُرَوْحِنوا النَّصَّ... لا تُرَوْحِنوا النَّصَّ. وقد كانت أوَّل عِظَة قَدَّمتُها مُريعة حقًّا. وكان النَّصُّ الَّذي وعظت منه هو أنَّ مَلاكًا "دَحْرَجَ الْحَجَر". وكانت عِظتي هي: "دَحْرَجَةُ الحِجارة في حياتِك". وقد تحدَّثتُ عن حجر الشَّكِّ، وحجر الخوف، وحجر الغضب. ولكنَّ تلك الآية لا تتحدَّث عن ذلك، بل تتحدَّث عن حجرٍ حقيقيّ.
ولكنِّي جَعلتُ مِن النصِّ قصَّةً رمزيَّةً لا صِلَة لها بالمعنى الحقيقيّ. وقد سمعتُ عظةً عن الآية الَّتي تقول: "رَمَوْا مِنَ الْمُؤَخَّرِ أَرْبَعَ مَرَاسٍ، وَكَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَصِيرَ النَّهَارُ": مَرساة الرَّجاء، ومَرساة الإيمان... ولكنَّ تلك لم تكن سوى مَرَاسٍ مِن حَديد. وقد سمعتُ أمورًا عجيبةً جدًّا. وأَذكُر أنَّه عندما كُنَّا نَعقِدُ حلقات دراسيَّة عن الحركة الكارزماتيَّة أنَّني أخبرتكم عن سلسلةٍ عن سِفْر نحميا تقول إنَّ نَحميا يرمز إلى الرُّوح القُدُس، وأنَّ سقوط الأسوار هو رمز لسقوط جدران الشخصيَّة الإنسانيَّة، وأنَّ بِرْكَة المَلِك ترمز إلى معمودية الرُّوح القُدُس، وأنَّ الطِّيْن المستخدم بين الطُّوب يَرمز إلى الألسنة، وأنَّ ما يُعلِّمُه نحميا هو أنَّ الرُّوح القُدُس يريد أن يأتي إلى حياتك، وأن يَستخدم الألسنة ومعموديَّة الرُّوح لإعادة بناء الأسوار المنهدمة في شخصيَّتك البشريَّة. ولكن لا بُدَّ أن تمتلك مُخيِّلة خصبة كي تخرج بتفسيرٍ كهذا. ولا بُدَّ أنَّ نَحميا يَتقلَّب في قَبره!
وأنا أَذكر شابًّا وفتاةً جاءا إلى هنا طلبًا للمشورة، وأنَّ واحدًا مِن رُعاتنا تَحدَّثَ إليهما. وكان الشَّابُّ يواجه مشاكل في زواجه. وأعتقد أنَّ الرَّاعي كان "جيري ميتشيل" (Jerry Mitchell). وقد قال جيري إنَّه سألهما كيف تَزوَّجا! فقد كانا مُختلفين جدًّا. قال الشَّابّ: "بسبب عِظة وَعَظ بها راعي كنيستنا". "عظة عن ماذا؟" "عن أسوار أريحا". "وما علاقة أسوار أريحا بالزَّواج؟" قال: "هناك مبدأ روحيّ: فأنت تَدور حول شيءٍ ما وتُطالب به الله، وتدور حوله سبع مَرَّات فتسقط الأسوار. فقد قال الرَّاعي: ’ ابحث عن الفتاة الَّتي تريد، واحرص على الدَّوران حولها سبع مرَّات فتسقط أسوار قلبها. وتزوَّجها‘".
قال: "لا، لا! هذا غير صحيح. لا يوجد راعٍ يَعِظ شيئًا كهذا!" قال: "بَلى!" "لا يمكنني أن أُصَدِّق ذلك". وقد أعطاه رقم هاتف الرَّاعي فاتَّصل به. وقد قال له الرَّاعي: "أجل، لقد وعظتُ ذلك. ولديَّ الكثير مِن العظات الجيِّدة الأخرى على ذلك النَّصِّ نفسه".
وكما تَرون، أنا أُسَمِّي ذلك: "وعظ على طريقة "بو پيپ" (Bo Peep) الصَّغيرة" لأنَّكم لا تحتاجون فيه إلى الكتاب المقدَّس. فيمكنكم أن تستخدموا أيَّ شيء. يمكنكم أن تَستخدموا "بو پيپ الصَّغيرة". فيمكنك أن تقف وتقول: "بو پيپ الصَّغيرة أضاعت خروفها. والنَّاسُ في جميع الأنحاء قد ضَلُّوا". أترون؟ فأنت لستَ بحاجة إلى الكتاب المقدَّس. "وهي لا تعرف أين ستعثر عليه؟" ولكنَّهم سيعودون إلى الحظيرة... سيعودون إلى الحظيرة". ثُمَّ إنَّك تُخبرهم قصَّةً مؤثِّرةً عن شخصٍ عاد بعد فُتورٍ رُوحيٍّ طويل. أترون؟ فَالخرافُ الضَّالَّة تعود وهي تَهُزُّ أذيالها وراءها".
لقد فهمتم المعني الَّذي أقصده. أليس كذلك؟ فمن السَّهل جدًّا عليكم أن تفعلوا ذلك. وأنتم تَعلمون أنَّ أشخاصًا كثيرين يفعلون ذلك بالعهد القديم. فَهُم يَجعلون العهد القديم كتابًا يحوي قصصًا خُرافيَّة، ويَختلقون كلَّ أنواع القصص الغريبة. لِذا، لا تُرَوْحِنهُ، بل افهم المعنى الصَّحيح. ومِن الصَّعب عليَّ أن أخبركم عدد العِظات الَّتي سمعتها عن الآية التَّالية مِن إنجيل مَتَّى والأصحاح 19. وقد ذكرتُها قبل وقتٍ ليس بالطَّويل: "إِنَّ مُرُورَ جَمَل مِنْ ثَقْب إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ!". فقد سمعتُ عظاتٍ كثيرة عن هذه الآية يقول فيها الوُعَّاظ: "كيف يمكن لجملٍ أن يَمُرَّ مِن ثَقْبِ إبرة؟ نحن نَعلم أنَّنا إن نَجحنا في ترتيب كلِّ جُزيئات الجمل، وفي وَضْعِها في خَطٍّ أُفقيٍّ مستقيم..." وقد أُغمي عليَّ عندما سمعتُ ذلك!
أو هناك مَن يقول: "عندما ننظر إلى الكلمة ’جَمَل‘ في اليونانيَّة وننظر إلى الكلمة ’خَيْط‘ في اليونانيَّة، سنجد أنَّ الفرق بينهما يَكمُن في حرفٍ واحدٍ فقط. وقد غَيَّر بعضُ الكَتبة الكلمة. فقد كان ينبغي أن تكون الآية: "إِنَّ مُرُورَ خَيْطٍ مِنْ ثَقْب إِبْرَةٍ...". أو رُبَّما سمعتم هذا التَّفسير: "كانت هناك بوَّابة في مدينة أورُشليم تُدعي: "بَوَّابة الإبرة". وقد كانت بَوَّابةً صغيرة جدًّا لا تستطيع الجِمال أن تَعبُر مِن خلالها. والآن، أخبروني شيئًا: ما الَّذي سيجعل أيَّ شخص يبني بوَّابة صغيرة جدًّا لا تستطيع الجِمال المرور مِن خلالها؟ كذلك، لا يوجد عالم آثار على وجه الأرض عَثَرَ على تلك البوَّابة.
إنَّ ما يقوله يسوع هنا هو ما يلي: إِنَّ مُرُورَ جَمَل مِنْ ثَقْب إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى السَّماء، أو إلى مَلَكُوتِ الله. وهل تعلمون لماذا قال ذلك؟ لقد قال ذلك لأنَّ اليهود كانوا يَظُنُّون أنَّه كلَّما زادت أموالك زاد المبلغ الَّذي تُقدِّمه للهيكل، وأنَّه كلَّما زادت أموالك زاد عدد الذَّبائح الَّتي تشتريها، وأنَّه كلَّما زادت الذَّبائح الَّتي تشتريها وزادت النُّقود الَّتي تُقدِّمها للهيكل، زاد قُربُك مِن ملكوت الله. لِذا، كُلَّما زاد غناك، زادت فُرصتك في دخول الملكوت. وما يقوله يسوع: "لا يستطيع أغنى إنسان في العالم أن يدخل إلى ملكوتي؛ تمامًا كما لا يستطيع جَمَلٌ أن يَمُرَّ مِن ثَقب إبرة".
وقد رَدَّ التَّلاميذ وقالوا: "إِذًا مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْلُصَ؟" فقد فَهِموا الرِّسالة. "هل تعني أنَّ الإنسان لا يستطيع أن يَخلَص... وحتَّى إنَّ الإنسان الغَنيَّ لا يستطيع أن يَخلص؟" فقال يسوع: "هذَا عِنْدَ النَّاسِ غَيْرُ مُسْتَطَاع". وقد قَصَد بذلك: لا يستطيع الإنسان الغنيّ أن يَشتري بماله حَقَّ الدُّخول إلى الملكوت. فهذا مُستحيل كاستحالة مرور جمل مِن ثَقب إبره. فهذا هو تمامًا ما قصده.
ولكنَّه يقول بعد ذلك مباشرةً: "وَلكِنْ عِنْدَ اللهِ..." ماذا؟ " كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ". فقد كان يحاول أن يُبيِّن لهم أنَّه وفقًا لقدراتهم البشريَّة، لا يمكنهم أن يفعلوا ما يستطيع الله أن يفعله بقدرته.
إذًا، هناك ثلاثة أمور ينبغي أن تتجنَّبوها: لا تُفسِّروه تفسيرًا خاطئًا مِن أجل تحقيق أهدافكم الشخصيَّة؛ أي مِن أجل إثبات نُقطة مُعيَّنة على حساب التَّفسير الصَّحيح. وتَجَنَّبوا التَّفسير السَّطحيَّ. ولا تُرَوْحِنوه أو تُضْفُوا عليه صِبغةً رمزيَّة.
والآن، لكي تُفسِّروا الكتاب المقدَّس تفسيرًا صحيحًا... ويجب علينا أن نَتحدَّث عن ذلك بسرعة كبيرة... لكي تُفسِّروا الكتاب المقدَّس تفسيرًا صحيحًا، ما الَّذي ينبغي أن تفعلوه؟ يجب عليكم أن تَسُدُّوا بضع فجوات. حسنًا؟ فهذا ليس كتابًا جديدًا. حسنًا؟ فهذا الكتاب موجود منذ سنوات طويلة. وهناك أجزاء منه مضى عليها أربعة آلاف سنة. لذا فإنَّه موجود منذ وقتٍ طويل.
والآن، كيف نفهم ما كانوا يقولونه وما كان يجري في المشهد؟ يجب علينا أن نَسُدَّ أربع فجوات: الأولى هي الفجوة اللُّغويَّة. فنحن نتكلَّم الإنجليزيَّة، ولكنَّ الكتاب المقدَّس كُتِبَ باللُّغتين العِبريَّة واليونانيَّة. وهناك أجزاء منه كُتبت بالآراميَّة الَّتي تُشبه كثيرًا العِبريَّة. ولكن هناك فجوة لُغويَّة ينبغي لنا أن نَسُدَّها. لذا فإنَّكم تسمعوني في أحيان كثيرة أستخدم كلمةً يونانيَّة وأشرح تلك الكلمة؛ وإلاَّ فإنَّكم لن تفهموها.
فمثلاً، في رسالة كورنثوس الأولى 4: 1، يقول بولس الرَّسول: "هكَذَا فَلْيَحْسِبْنَا الإِنْسَانُ كَخُدَّامِ الْمَسِيح". ولكنَّنا نقول: "عجبًا يا بولس! أنت وَزيرٌ للمسيح". فعندما نَسمع الكلمة الإنجليزيَّة "مينيستر" (minister) فإنَّنا نُفكِّر في رئيس الوزراء، أو في وزير الدِّفاع. أليس كذلك؟ فالكلمة "مينيستر" تُشير إلى رُتبة عالية، وهي لفظة تُشير إلى شيءٍ ذي مكانة مَرموقة. ولكنَّ الكلمة اليونانيَّة هي "هوبيريتيس" (huperetes)، وهي تعني: عبدًا وضيعًا يعمل مُجَذِّفًا على سفينة إذْ إنَّه يجلس في القعر مربوطًا إلى قطعةٍ خشبيَّة ولا يفعل شيئًا آخر سوى ذلك. وَهُوَ يقول: "عندما يُشار إلى اسمي، أريد أن يَقولوا عنِّي إنِّي كنتُ مُجرَّد عبدٍ حقيرٍ ليسوع المسيح".
وكما تَرون، لا يمكنكم أن تفهموا هذا المعنى مِن اللَّفظة الإنجليزيَّة. لماذا؟ لأنَّه يجب عليكم أن تَجْسُروا الهُوَّة اللُّغويَّة. فيجب أن تعرفوا الكثير عن اللُّغة. فهذه حاجة مُلِحَّة جدًّا جدًّا.
فمثلاً، إذا درستم الرِّسالة إلى العِبرانِيِّين وقرأتم الكلمة "كمال"، سوف تَتشوَّشون تمامًا في فَهم الرِّسالة إلى العِبرانِيِّين ما لم تفهموا أنَّ الكمال هنا مرتبط بالخلاص، لا بالنُّضج الرُّوحيّ. ولكن هذا هو ما ينبغي لكم أن تكتشفوه عند دراستكم للكلمات والمصطلحات وعلاقتها بالنَّصّ. فمن المهمِّ جدًّا أن تفعلوا ذلك.
وبالمناسبة، إن أردتم أن تدرسوا الكلمات في الكتاب المقدَّس، ولا سيَّما في العهد الجديد، اشتروا قاموس "ڨاين" (Vine). فهو وسيلة مفيدة جدًّا لأيِّ شخصٍ لا يَعرف اليونانيَّة. فيمكنكم أن تبحثوا عن أيِّ كلمة إنجليزيَّة فتجدون معانيها اليونانيَّة؛ وهَلُمَّ جَرَّا. وسوف يساعدكم ذلك حقًّا في دراستكم للكتاب المقدَّس. كذلك، سوف يُساعدكم فهرسٌ جَيِّدٌ للكتاب المقدَّس في ذلك أيضًا. وهناك فهرس "سترونغ" (Strong) وفهرس "يونغ" (Young)؛ ولكنَّ فهرس "سترونغ"، بصورة خاصَّة، مُفيد.
ثانيًا، يجب عليكم أن تَسُدُّوا الفجوة الثَّقافيَّة. حسنًا؟ فالثَّقافات مختلفة. وأنا أعني أنَّها مختلفة جدًّا جدًّا. وإن لم نَفهم ثقافة الزَّمن الَّذي كُتِبَ فيه الكتاب المقدَّس، لن نفهم معناه. فمثلاً: "فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ". ما معنى ذلك؟ ولماذا لم يَقُل وحسب: "قبل أن يُولَد يسوع، كان موجودًا منذ البَدء"؟ لماذا؟ لَكان ذلكَ قد حَلَّ مشاكل كثيرة تَعترضنا.
ولكن، كما تَعلمون، لقد استخدم مصطلح "الكلمة" لأنَّها كانت الكلمة الدَّارجة آنذاك. وهو يقول لليونانيِّين: "إنَّ ذلك الشَّيء الَّذي خَلَقَ كلَّ شيء، أو تلك القوَّة الكَونيَّة، ما هي إلاَّ الكلمة الَّذي صار جسدًا". وبالنِّسبة إلى اليهود، كانت اللَّفظة "الكلمة" هي دائمًا الإعلان عن الله لأنَّ كلمةَ الرَّبِّ... كلمةَ الرَّبِّ... كلمةَ الرَّبِّ كانت تعني دائمًا أنَّ الله يُعلِن عن ذاتِه. لذا عندما قال: "وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا"، أو "والكلمة حَلَّ بَيْنَنَا"، أو "والكلمة كان في العالَم"، أو "والكلمة خَلَقَ كذا"، فإنَّه يُشير بذلك إلى يسوع المسيح؛ أي إلى المسيح المُتجسِّد بصفته الله. لِذا فإنَّكم تجدون في النَّصِّ هنا... تجدون أنَّه يُخاطب العقل اليونانيّ والعقل اليهوديّ بالكلمة المناسبة الَّتي تخاطب الفَريقَيْن بالمستوى الَّذي يُناسب فكرهم. فهذا هو سبب استخدامه لهذه الألفاظ.
لِذا فإنَّني أقول إنَّ هذا يَسري على كلِّ الكتاب المقدَّس. فيجب علينا أن نَجْسُرَ الهُوَّة الثَّقافيَّة والهُوَّة اللُّغويَّة. فهذا مهمٌّ جدًّا جدًّا. فإن لم تفهموا وجود الغنوصيَّة في زمن كتابة رسالة كولوسي، لن تفهموا الرِّسالة. وإن لم تفهموا الثَّقافة الَّتي كانت سائدةً آنذاك، وانتقال المُهَوِّدين إلى كنيسة الأُمم، لا يمكنكم أن تفهموا الرِّسالة إلى أهل غلاطيَّة. وإن لم تفهموا الثَّقافة اليهوديَّة، لن تتمكَّنوا مِن فهم إنجيل مَتَّى. فيجب أن يكون هناك استيعابٌ ثقافيٌّ. وأنتم تَفعلون حسنًا إن قرأتم كُتبًا تساعدكم في ذلك مِثل كُتُب "إيدرشايم" (Edersheim) وبعض كُتب "باركلي" (Barclay)؛ مع أنَّ لاهوته غير قويم، ولكنَّ ما يكتبه عن الجوانب الثَّقافيَّة جيِّد جدًّا.
ثالثًا، يجب أن تَجْسُروا الهُوَّةَ الجُغرافيَّة. فأنتم تقرأون أنَّهم نزلوا إلى أريحا. فما الَّذي يقصده الكاتب بقوله إنَّهم "نَزلوا إلى أريحا"؟ إن ذهبتم يومًا إلى هناك، ستعلمون ما معنى النَّزول. وقد كانوا يَصعَدون إلى أورُشليم. فأورُشليم هي في الأعلى بكلِّ تأكيد. فهي أعلى مِن أيِّ مكان آخر. فهي في أعلى التَلّ.
وفي رسالة تسالونيكي الأولى، نقرأ: "لأَنَّهُ مِنْ قِبَلِكُمْ قَدْ أُذِيعَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ، لَيْسَ فِي مَكِدُونِيَّةَ وَأَخَائِيَةَ فَقَطْ...". والمدهش في الأمر هو أنَّها انتشرت بسرعة كبيرة جدًّا. فالوقت المُنصَرِم بين ذهاب بولس إلى هناك، ومُغادرته ذلك المكان، وكتابته تلك الرِّسالة هو وقتٌ قصيرٌ جدًّا. وقد تقول: "كيف تَمَكَّن أهل تسالونيكي الَّذينَ حَظَوْا بوجود بولس في وسطهم مُدَّة أسبوعين فقط أن يَشهدوا تلك الشَّهادة القويَّة جدًّا الَّتي انتشرت في كلِّ عالمهم المعروف آنذاك؟ كيف يُعقَلُ أنَّ يَحدث ذلك؟"
ثُمَّ إنَّك تدرس قليلاً عن الجغرافيا فتجد أنَّه كان يوجد في وسط مدينة تسالونيكي طريق رئيسيّ يُعرَف بالطريق الأغناطيّ؛ وهو الطَّريق الرئيسيّ مِن الشَّرق إلى الغرب. فقد كان كلُّ شخص يُسافر في كلا الاتِّجاهين يَمُرُّ من تسالونيكي. وكلُّ ما كان يحدث هناك كان يَنتشر بسرعة فائقة. لِذا فإنَّ فهمًا بسيطًا للجغرافيا يُغني استيعابكم للنَّصّ.
وإن فهمتم أنَّ الربَّ يسوع المسيح كان يعبر وادي قدرون كي يصعد إلى جبل الزَّيتون ليُصلِّي، وفهمتم أنَّه خلال موسم عيد الفصح كانوا يَذبحون حرفيًّا آلاف الحُملان إذ يُقدَّر أنَّ نحو رُبع مليون حَمَل كان يُذبَح في غضون أسبوع واحد. فقد كانوا يذبحون تلك الحُملان. وكان الدَّمُ يجري خلف الهيكل، وخلف جبل صهيون، ويجري في نهر وادي قدرون فيصير لونه أحمر بسبب الدَّم. وقد مشى يسوع خارج المدينة، وعبر ذلك الجدول الصَّغير، وعَبَر فوق دَمِ كلِّ تلك الحُملان المذبوحة. وهذا تَذكير قويّ بدمه الَّذي سيُسفَك قريبًا جدًّا والَّذي سيَرفع خطيَّة العالَم. وكما تَرون، فإنَّ فهمًا بسيطًا للجغرافية (كأن تَعرفوا عن ذلك النَّهر) يُغني فَهمكم.
وأنا أُفكِّر في حقيقة أنَّه عندما أقام يسوعُ لِعازَر مِن الموت فإنَّ الخبر انتشر في أورُشليم سريعًا جدًّا. هل تعلمون لماذا؟ لأنَّ بيت عنيا كانت تقع في الجهة الشرقيَّة مِن أورُشليم على مقربة شديدة منها. فما حدث في بيت عنيا كان يبعد فقط مسافة كيلومترين أو ثلاثة كيلومترات عن أرض الهيكل. وكانت الأخبار تنتشر كانتشار النَّار في الهَشيم بسرعة فائقة. لذا فقد ابتدأ النَّاس ينظرون إلى ذاك الَّذي أقام رَجُلاً مِن الأموات. لِذا، يجب علينا أن نَسُدَّ عددًا مِن تلك الفجوات.
فهناك الفجوة اللُّغويَّة، والثَّقافيَّة، والجُغرافيَّة، وفجوة أخرى هي الفجوة التاريخيَّة. فإن كنت تعرف قليلاً عن التَّاريخ فإنَّ ذلك يساعد حقًّا. ولا يمكنني أن أنسى يومًا أنَّني عندما كنتُ أُدَرِّس إنجيل يوحنَّا، كان المفتاح الرئيسيُّ لفهم الحديث الَّذي جَرى بين بيلاطُس ويسوع يتوقَّف على المعرفة التَّاريخيَّة. فإن كنت تفهم الوضع في روما، وإن كنت تفهم الأشياء الغبيَّة الَّتي فعلها بيلاطُس عندما جاء إلى الأرض، وكيف أنَّه جاء وَراحَ يُلوِّح بلافتات كبيرة تحمل صورة قيصر. ولأنَّهم كانوا يعبدون قيصر، وكانت عبادة الإمبراطور ديانةً، كان الإمبراطور صَنَمًا. وقد أغضب ذلك اليهود، وأغضب كَهنتهم.
لذا فقد كانت بداية بيلاطُس سيِّئة منذ اللَّحظات الأولى. ثُمَّ إنَّ بيلاطُس حاول أن يَعبث مع اليهود فأمسكوا ذلك عليه واشتكوا عليه لروما فكاد يخسر وظيفته. لذا فقد أثار جدًّا حَفيظة اليهود في مُناسبتين على أقَلِّ تقدير.
وفي وقتٍ لاحق، اقترف غلطةً ثالثةً. وعندما حان وقت محاكمة يسوع، كان بيلاطُس خائفًا مِن اليهود. لذا فقد سَمح بصلب المسيح. ولكن لماذا كان خائفًا؟ لأنَّ مَلفَّهُ كان يحوي نقاطًا سوداء في روما. وكان يَعلم أنَّ وظيفته على المِحَكّ.
وهذا هو نوع المعلومات التاريخيَّة الَّتي ينبغي لنا أن نَفهمها كي نَفهم الكتاب المقدَّس. ويمكنكم أن تفهموا ذلك مِن خلال قاموس زوندرفان المُصَوَّر (Zondervan’s Pictorial Dictionary)، أو مِن خلال قاموسٍ للكتاب المقدَّس تختارونه بأنفسكم. فهذا سيُغني فَهمكم.
فيجب عليكم أن تُفسِّروا الكتاب المقدَّس. وهذا يعني ضرورة سَدِّ تلك الفجوات. فأنتم تسمعون دائمًا النَّاس يقولون: "أنا لا أقرأ الكُتب، بل أذهب مباشرةً إلى الكتاب المقدَّس". ولكنَّ هذه ليست تَقوى، بل هذه غَباوة لأنَّه يجب عليك أن تدرس المصادر والخلفيَّات كي تفهم. فأنا أودُّ أن أسمع شخصًا يُقدِّم شَرحًا واضحًا للكلمات "شُوْر" و "موآب" و "مَهَيْرَ شَلاَلَ حَاشَ بَز" و "كَلْنو" و "كَرْكَمِيش" و "مِخْمَاس" مِن دون كتابِ تفسير أو قاموسٍ للكتاب المقدَّس. فسوف تجد أنَّه مِن الصعب جدًّا أن تقوم بذلك. لذا، يجب علينا أن نَستخدم مصادر جيِّدة.
والآن، عندما تُفَسِّرون باستخدام المصادر، يجب عليكم أن تَسُدُّوا الفجوة اللُّغويَّة، والفجوة الثقافيَّة، والفجوة الجغرافيَّة، والفجوة التاريخيَّة. وما هي المبادئ الَّتي ستستخدمونها؟ استمعوا جيِّدًا لما سأقوله عن ذلك:
أوَّلاً، المبدأ الحَرفيُّ. فيجب عليك أن تستخدم المبدأ الحَرفيّ. وسوف أذكر لكم خمسة مبادئ في عُجالَة. وهذا يعني أنَّه يجب عليك أن تفهم الكتاب المقدَّس بمعناه الحرفيِّ والعاديِّ والطَّبيعيّ. صحيحٌ أنَّه توجد استعارات، ولكنَّ تلك هي لُغة عاديَّة أيضًا. وسوف تكون هناك رموز. وهذه لُغة عاديَّة أيضًا. فعندما تقرأون مقاطع رُؤيويَّة مِثل زكريَّا ودانيال وحزقيال وإشعياء وسِفْر الرُّؤيا، سترون حَيواناتٍ وأشكالاً فتعلمون أنَّها رموز. فسوف تعلمون أنَّها رموز، ولكنَّها تُشير...انتبهوا إلى هذا: تُشير إلى حقيقة حَرفيَّة. فيجب عليكم أن تفهموا الكتاب المقدَّس بمعناه العاديِّ والطَّبيعيّ. افهموه بمعناه الحرفيِّ والعاديِّ والطَّبيعيّ.
وكما تعلمون، يجب أن تقلقوا عندما يأتي شخص ويقول: "هناك معنى سِريّ هنا". وَهُم يَستخدمون الآية: "الْحَرْفُ يَقْتُلُ وَلكِنَّ الرُّوحَ يُحْيِي". لذا فإنَّهم يَتبعون هذا الأسلوب الرَّمزيَّ قائلين: "لا تنظروا وحسب إلى ما تقوله الآيات، بل ابحثوا عن المعاني الخَفيَّة والسريَّة". ولكن هل تعلمون مَن يعرف هذه المعاني؟ لا أحد يَعرفها. فهي مِن بَناتِ أفكارهم وحسب. لذا، افهموه بمعناه الحَرفيّ.
ثانيًا، يجب علينا أن نَتبع المبدأ التاريخيّ. فيجب أن يُدرَس الكتاب المقدَّس في سِياقه التاريخيّ. وقد ذَكرنا للتوّ هذا الأمر. فما الَّذي كان يعنيه بالنِّسبة إلى النَّاس الَّذين قيل أو كُتِب إليهم؟ فنَصٌّ مِن دون سياقٍ تاريخيٍّ هو مُجَرَّد زَعْم. فإن قرأتم الأصحاح الأوَّل مِن رسالة فيلبِّي وقرأتم الجُمَل العظيمة الَّتي قالها بولس هناك، يجب أن تعلموا أنَّه عندما يتكلَّم عن أنَّه كان يوجد أناس يَكرزون بالمسيح عن تَحَزُّب، وهَلُمَّ جَرَّا، ويقول ’ ولكنِّي أفرح أنَّه يُنادَى بالمسيح‘، يجب أن تَفهموا السِّياق التاريخيَّ؛ وإلاَّ لن تفهموا حقًّا ما في قلبه. المبدأ التَّاريخيّ.
ثالثًا، المبدأ النَّحويّ...النَّحويّ. وما أعنيه بذلك هو: انظروا إلى الجُملة، وحروف الجرّ، والضَّمائر، والأفعال، والأسماء. فقد جاء وقتٌ كُنَّا نَتعلَّم فيه كيف نُحلِّل جُملةً كي نعرف ما تقوله. فمثلاً، نقرأ في إنجيل مَتَّى والأصحاح 28 المأموريَّةَ العُظمى: "اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا، وَعَمِّدُوهُمْ وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ". عندما تقرأون الكلمة "اذهبوا"، ستبدو أنَّها فِعْل. "...إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ، وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيل، وتَلمذوا، وعَمِّدوا، وعَلِّموا...". فهي كُلُّها تبدوا أفعالاً.
ولكن عندما تقرأون الجُملة تجدون أنَّ هناك فِعْلاً واحدًا فقط. وذلك الفِعل الوحيد هو: "ماثيتوسيتي" (matheteusete): "تَلْمِذوا". أمَّا الكلمة "اذهبوا" فهي في الأصل حال. والكلمة "عَمِّدوا" هي في الأصل حال. والكلمة "عَلِّمُوا" هي في الأصل حال. وهذا يعني أنَّها كلمات تَصِف الفعل الرئيسيّ. فما تقوله المأموريَّة العُظمى هو: تَلمِذوا. وفي أثناء قيامكم بالتَّلمذة، سيتوجَّب عليكم أن تَذهبوا وتُعمِّدوا وتُعَلِّموا. وإن فَهمتم ذلك فإنَّ المعنى الكُليَّ لذلك المفهوم يَنبع مِن ذلك النَّصّ. لذا، هذه هي دراسة النَّحو. فهذا مُجرَّد مثلٍ توضيحيٍّ على ذلك.
واسمحوا لي أن أُقدِّم لكم مَثلاً توضيحيًّا آخر مِن إنجيل مَتَّى والأصحاح 18. وأعتقد أنَّه مَثل جيِّد. كم مَرَّة سمعتم فيها شخصًا يقول هذا في اجتماع صلاة؟ "لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ. يا أصدقائي، إن كان يوجد اثنان أو ثلاثة مِنَّا هنا سيكون الربُّ حاضرًا". اسمعوني: هل تريدون أن تَعلموا شيئًا؟ إن كنتُ موجودًا بمفردي، سيكون الربُّ حاضرًا. أجل. فتلك الآية لا صِلَة لها باجتماع الصَّلاة. وإن درستم السِّياق ستجدون ذلك. وإن درستم النَّصَّ نَحويًّا، ستجدون ذلك. فما تقوله هو أنَّه عندما تَعتزم تأديب شخصٍ مَا، أو عندما تُريد أن تَطرد شخصًا مِن الكنيسة، أنا موجود في الوسط عندما تَتحقَّقون مِن خطيئته على فَمِ شاهدين أو ثلاثة. وسوف تَعلمون ذلك إن درستم النَّصّ. لذا، يجب عليكم أن تفحصوا النَّصَّ نَحويًّا، ولكن كونوا مُدقِّقين جدًّا كي تستوعبوه حقًّا.
والحقيقة هي أنَّني سمعتُ شيئًا عن عِبرانيِّين 12. وأنا أذكر ذلك منذ أن كنتُ صَبيًّا. فقد سمعتُ أكثر عِظَة مُرعبة في حياتي مِن عبرانيِّين 12. ولن أنساها يومًا: "لِذلِكَ نَحْنُ أَيْضًا إِذْ لَنَا سَحَابَةٌ مِنَ الشُّهُود". وقد قال هذا الشَّخص: "إنَّ كلَّ شخصٍ مِن هؤلاء يُراقبكم". ما الَّذي تعنيه "كُلُّ شخص"؟ كلُّ شخصٍ مذكور في الأصحاح 11 مِن الرِّسالة إلى العِبرانِيِّين: أخنوخ، وإبراهيم، ومُوسى، وقد راح يُعَدِّد كلَّ أبطال الإيمان العظماء هؤلاء. "إنَّهم جميعًا يراقبونك ليروا كيف تفعل في حياتك المسيحيَّة!" هذا مُخيف جدًّا. وقد كان رَدُّ فِعلي الأوَّل هو: "أَلا يجدون شيئًا أفضل مِن هذا يَفعلونه؟" و "ما الَّذي سيحدث عندما نَصعد جميعًا إلى هناك، مَنِ الَّذي سيقوم بعمليَّة المراقبة؟"
ولكنَّ هذا ليس المعنى المقصود. ففي الأصحاح 11 مِن الرِّسالة إلى العِبرانِيِّين، تجدون لائحةً كاملةً بأسماء الأشخاص الَّذينَ عاشوا بالإيمان. وفي الأصحاح 12 يقول الكاتب إنَّ تلك السَّحابة العظيمة مِن الشُّهود هُم شهود يَشهدون على أنَّ الحياة المُباركة هي حياة الإيمان، وأنَّه يجب عليكم أن تَتعلَّموا مِن شَهادتهم. فالأمر لا صِلة له بأنَّهم يجلسون على المَراصِد ويُراقبونكم. وهذا يتأتَّى مِن الفهم النَّحويِّ للنَّصّ.
رابعًا، مبدأ الانسجام. فهناك المبدأ الحَرفيّ، والمبدأ التاريخيّ، والمبدأ النَّحويّ، ومبدأ الانسجام. وهذا هو ما كان المُصلِحون يُسمُّونه: "تَناغُم الكتاب المقدَّس". فالكتاب المقدَّس كُلُّه مُتناغم. بعبارة أخرى... والآن لاحظوا هذا: لا يمكن لأيِّ جزءٍ في الكتاب المقدَّس أن يُعلِّم شيئًا يُناقِضُهُ جُزءٌ آخر. لِذا، عندما تدرس الكتاب المقدَّس، يجب أن يكون كُلُّه مُتوافقًا.
فلا يمكنك، على سبيل المِثال، في أثناء قراءتك لرسالة كورِنثوس الأولى، ووصولك إلى المقطع الَّذي يتحدَّث عن المعموديَّة مِن أجل الأموات، لا يمكنك أن تَفغَرَ فمكَ وتقول: "هناك عقيدة جديدة. فإن اعتمدتَ، يمكنك أن تَعتمد لأجل شخصٍ مَيِّت. وهذا سيُخَلِّصه. فها هو هذا التَّعليم. إنَّها مَعموديَّة مِن أجل الأموات". والآن، مَهلاً! هل يَسمح الكتاب المقدَّس بأن يَعتمد شخصٌ مِن أجل شخصٍ مَيِّت؟ هل يوجد هذا التَّعليم في أيِّ مكانٍ في الكتاب المقدَّس أصلاً؟ وهل ذلك يتعارض مع عقيدة الخلاص كما نَعرفها؟ إذًا، لا يمكن أن يكون ذلك التَّفسير هو التَّفسير الصَّحيح لذلك المقطع لأنَّه لا يمكن أن يوجد نَصٌّ في ذاته يُعارض تَعليم الكتاب المقدَّس. وهذا هو مبدأ الانسجام.
ويقول "جاي.آي. باكر" (J.I. Packer) هذه الجُملة الرَّائعة: "يبدو الكتاب المقدَّس كأوركسترا سيمفونيَّة. والرُّوح القُدُس هو قائدها الموسيقيّ "توسكانيني" (Toscanini). فكلُّ آلة موسيقيَّة تقوم طوعًا وعفويًّا وبصورة مُبدعة بعزف نغماته الموسيقيَّة كما يُريد القائد الموسيقيُّ العظيم. ومع أنَّه لا يمكن لأيٍّ منهم أن يَسمع المقطوعة الموسيقيَّة كُلَّها، فإنَّ روعةَ كلّ جزءٍ لا تَتَّضح تمامًا إلاَّ في علاقتها بكلِّ الأجزاء الأخرى".
وهل تَعلمون معنى ذلك بالنِّسبة إليّ؟ مبدأ الانسجام؟ أنَّه لا توجد حقًّا تناقضات. فما يبدو أنَّه تناقضات يمكن حَلُّه إن حصلنا على المعلومات لأنَّ الكتاب المقدَّس كُلٌّ مُتكامل.
خامسًا، المبدأ التَّطبيقيّ... المبدأ التَّطبيقيّ. وقد تقول: "جون! هذا كُلُّه كلامٌ ضَبابيّ في الهواء... المبدأ الحرفيُّ وكلُّ تلك الأمور الأخرى! متى سَيُطَبَّق ذلك عمليًّا في حياتي؟" هذا هو المبدأ التَّطبيقيّ. فالسُّؤال الأخير هو: ماذا إذًا؟ فبعد أن أسعى إلى تفسير الكتاب المقدَّس، كيف أعرف معناه بالنِّسبة إليَّ؟ وهذا رائع. تَيَقَّن في أثناء دراستك للكتاب المقدَّس مِن عثورك على المبدأ التَّطبيقيّ.
هناك عبارة صغيرة أستخدمها عندما أُعَلِّم هذا الصَّفَّ وهي كما يلي: تَعَلَّم أن تَصيغ الكتاب المقدَّس في صورة مبادئ". فأنا اقرأه وأبحث عن المبدأ الروحيِّ الَّذي يَصِحُّ عليَّ. ولكن لا يمكنك القيام بذلك إلاَّ إذا طَبَّقتَ المبادئ الأخرى أوَّلاً: المبدأ الحرفيّ، والتاريخيّ، والنَّحويّ، ومبدأ الانسجام. فبعد أن تَعلم ما الَّذي يعنيه بما يقوله، يمكنك أن ترى كيف يُطَبَّق عليك.
والآن، هذه هي الطَّريقة الَّتي تُفسِّرون بها الكتاب المقدَّس. وفي أثناء قراءتك للكتاب المقدَّس وقراءتك للعهد القديم، حاول الآن أن تَفهم عددًا مِن تلك المقاطع الصَّعبة أو أن تأخذ سفرًا مُحدَّدًا وتدرسه بِتَأنٍّ. وقد لا يتوفَّر لديك الوقت الكافي للقيام بذلك. فعندما تنتهي مِن هذه القراءة، قد يكون الوقت المُتبقِّي لديك هو 15 دقيقة فقط في اليوم؛ ولكن يمكنك أن تستغلَّ هذا الوقت وحسب.
اقرأ قليلاً في أحد القواميس أو كُتب التَّفسير، وابدأ في تركيب الأشياء معًا، واسأل نفسك: ما المعنى الحرفيّ؟ ما الخلفيَّة التاريخيَّة؟ ما البُنية النَّحويَّة؟ كيف يَتَّفق هذا النَّصّ مع بقيَّة الكتاب المقدَّس؟ وكيف يُطَبَّق عليَّ؟
لذا، اقرأ الكتاب المقدَّس وفَسِّر الكتاب المقدَّس. وفي عُجالة، سوف أُضيف بضع نقاط في الخِتام؛ ثُمَّ سأَسمح لكم بالمغادرة.
ثالثًا، تأمَّل في الكتاب المقدَّس... تأمَّل في الكتاب المقدَّس. لا تَتَعَجَّل. ولا حاجة لي إلى قول الكثير عن هذه النُّقطة سوى أن أُذكِّركم بما يقوله الكتاب المقدَّس: "وَلْتَكُنْ هذِهِ الْكَلِمَاتُ الَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ عَلَى قَلْبِكَ..." [تَثنية 6]، "...وَقُصَّهَا عَلَى أَوْلاَدِكَ، وَتَكَلَّمْ بِهَا حِينَ تَجْلِسُ فِي بَيْتِكَ، وَحِينَ تَمْشِي فِي الطَّرِيقِ، وَحِينَ تَنَامُ وَحِينَ تَقُومُ". بعبارة أخرى، يجب عليك أن تجعل هذه الأشياء في ذهنك طَوال الوقت.
والآن هل تريدون أن تَعلموا شيئًا؟ سوف أخبركم سِرًّا: إن كنت تقرأ في العهد القديم وتقرأ سِفرًا في العهد الجديد ثلاثين مَرَّةً متُتالية طَوال الوقت، ستترسَّخ هذه المادَّة في ذهنك. والتَّأمُّل هو الَّذي سيأخذ كلَّ هذه الأجزاء ويبتدئ في تشكيلها معًا فتفهم جيِّدًا الحقَّ الكتابيَّ. وحتَّى إنَّ الله قال في سِفْر التَّثنية والأصحاح السَّادس: "وَارْبُطْهَا عَلاَمَةً عَلَى يَدِكَ، وَلْتَكُنْ عَصَائِبَ بَيْنَ عَيْنَيْكَ، وَاكْتُبْهَا عَلَى قَوَائِمِ أَبْوَابِ بَيْتِكَ وَعَلَى أَبْوَابِك". فالله يقول: "أنا أريد أن تكون كلمتي في كلِّ مكان. فأنا أريد أن تكون في فمك، وعندما تنهض، وتنام، وتمشي، وتجلس. وأنا أريد أن تكون أمام بيتك، وعلى أبوابك. وأنا أريد أن تكون على ذراعيكَ، وأن تُعلِّقها بين عينيك. فأنا أريد أن تكون في كلِّ مكان". وكما تعلمون، نحن نعيش في ثقافة تقودون فيها سيَّاراتكم في الشَّارع فترون ماذا؟ ما أعنيه هو أنَّ عينيكَ تتأذَّى حرفيًّا مِن القُمامة. أليس كذلك؟ دِعايات الويسكي، ودِعايات الجِعَة، وعروض الفتيات، والأفلام الرَّديئة، والقمامة الَّتي تُطرَح وحسب في رأسك. والله يقول: "خذ كلمتي واجعلها لافتةً أمام عينيك. ضعها على ذراعيك، واملأ بها ذهنك، وصوتك، وضعها في أيِّ مكانٍ تذهب إليه". فهكذا ينبغي أن يكون الأمر.
وقد سأل أحدهم شخصًا: "عندما تعجز عن النَّوم، هل تَعُدُّ الخِراف؟" فأجاب: "لا، بل أتحدَّث إلى الرَّاعي". وهذا هو ما يريد الله مِن شعبه أن يفعله: أن يتحدَّث إلى الرَّاعي مِن خلال التَّأمُّل. فنحن نقرأ في المزمور 1: 1-2: "طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَسْلُكْ فِي مَشُورَةِ الأَشْرَارِ، وَفِي طَرِيقِ الْخُطَاةِ لَمْ يَقِفْ، وَفِي مَجْلِسِ الْمُسْتَهْزِئِينَ لَمْ يَجْلِسْ. لكِنْ فِي نَامُوسِ الرَّبِّ مَسَرَّتُهُ، وَفِي نَامُوسِهِ..." [ماذا؟] "...يَلْهَجُ نَهَارًا وَلَيْلاً".
وهذا يُشبه البقرة الَّتي تَجْتَرُّ الطَّعام. وهذا مَثلٌ توضيحيٌّ وحسب. فهي تستمرُّ في استرجاعه، واسترجاعه، واسترجاعه. فالأبقار تَمتلك مَعِدات عديدة. وهي تستمرُّ وحسب في تَمرير الطَّعام مِن مَعِدة إلى الأخرى في أثناء عمليَّة الهضم.
لذا، يجب علينا أن نقرأ الكتاب المقدَّس، وأن ندرس الكتاب المقدَّس، وأن نَلْهَجَ في الكتاب المقدَّس. رابعًا وأخيرًا: عَلِّم الكتاب المقدَّس. هل تَعلمون ماذا اكتشفت؟ أنَّ أفضل طريقة لِتَعَلُّمِه هي أن تُعَلِّمَهُ. هل تَعلمون ذلك؟ فالأشياء الَّتي تَعلَّمتُها جيِّدًا كي أُعَلِّمها لكم هي الأشياء الَّتي ما زلتُ أتذكَّرها. واسمحوا لي أن أقول لكم شيئًا، يا أحبَّائي: أنتُم مَصدر قُوَّتي الرُّوحيَّة. أجل. فلو لم تكونوا موجودين ولم أكُن مُلزَمًا بالوقوفِ هنا لتقديم عظة كلَّ أسبوع، أعتقد أنَّني سأتقاعس. ولكنِّي أَعلم أنَّكم ستكونون هنا، وأنَّكم ستقولون: "ماك آرثر، ها نحنُ. أخبرنا". وإدراكي الدَّائم لحقيقة أنَّه ينبغي لي أن أُعلِّمكم هو الَّذي يدفعني إلى التَّعلُّم.
وسوف أقول لكم شيئًا آخر: هل تريدون أن تَعرفوا: مِن السَّهل جدًّا أن يَجِد الآخرون صُعوبة في فَهمِك. هل تعلمون ذلك؟ فإن ذهبت للاستماع إلى شخصٍ يتكلَّم ولم تَفهم شيئًا قاله، مِن المُرجَّح أنَّه لا يَفهم موضوعه. فإن كان المُتكلِّم غير واضح، فإنَّه لا يَفهم موضوعه. فمِن السَّهل جدًّا أن يَجِد الآخرون صُعوبة في فَهمِك. ومِن الصَّعب جدًّا أن تكون واضحًا لأنَّه لكي تكون واضحًا، يجب عليك أن تَعرف موضوعك جيِّدًا. لِذا، عندما تكون مُعلِّمًا، أنتَ مُرغمٌ على فَهم موضوعك جيِّدًا؛ وإلاَّ لن تكون واضحًا.
في أحيان كثيرة يقول النَّاس: "أتدري أنَّني لا أفهم! فلا شيء يَحدث في كنيستي! أنا أُعلِّم الكتاب المقدَّس. والنَّاس يَخرجون ويقولون: ’إنَّه يُعلِّم الكتاب المقدَّس، ولكنِّي لا أدري ما الَّذي يتحدَّث عنهَ‘". يجب أن يكون واضحًا. وإن عَلَّمتَهُ، ستتذكَّرهُ. احرص على تَغذية شخص آخر فترى كيف أنَّ ذلك سيُشبع قلبك أنت أيضًا.
وأنا أعتقد أنَّ الدَّافع الشخصيَّ للدِّراسة يأتي مِن الشُّعور بالمسؤوليَّة. فإن لم يكن لديَّ أشخاص أُعلِّمهم، لن أكون مُنتجًا. فقد ذهبتُ إلى البيت...للإيضاح فقط... يوم الجُمُعة. وكان أمامي يومان فقط لتحضير هذا الدَّرس. الحقيقة هي أنَّني صَرفتُ عشرين سنة في الاستعداد، ولكن كان أمامي يومان فقط لترتيب أفكاري. وهل تَعلمون ما الَّذي حدث؟ لقد فعلتُ ذلك. ولو أنَّه لم يكن ينبغي لي أن أُعلِّم هذا الدَّرس في يوم الأحد القادم لما فَعلتُ ذلك. فقد كان بإمكاني أن أقرأ شيئًا ما وأن أصرف وقتي ببطء. ولكنِّي أشكر الله على الضَّغط الَّذي تُمارسوه في حياتي لدفعي للقيام بهذا.
فلا يمكنني أن آتي يوم الأحد وأقول: "مرحبًا! أنا أُحَضِّر أعظم عظة. وأعتقد أنَّها ستكون جاهزة يوم الثُّلاثاء". ولكنَّكم لن تكونوا هنا يوم الثُّلاثاء. لذا فإنَّ هذا الضَّغط يُرغمني على دِراسة الموضوع إلى أن أفهمه.
وأرجو أن يُساعدكم هذا على البدء. اقرأ الكتاب المقدَّس، وفَسِّر الكتاب المقدَّس، والْهَج في الكتاب المقدَّس، وعَلِّمْهُ. وعندما تفعل هذا كلَّه، قد تأتي وتقول: "لقد بَلَغْتُ مُرَامِي. لقد فهمتُه". ولكن تَذكَّروا وحسب ما جاء في سِفْر التَّثنية 29: 29: "السَّرَائِرُ لِلرَّبِّ إِلهِنَا". فبعد أن تقول كلَّ ما تُريد، وتَفعل كلَّ ما تُريد، وتتعلَّم كلَّ شيء، لن تكون قد عَرفتَ بعد جُزءًا بسيطًا مِن فِكْر الله.
ولكنْ هل تعلمون ما هو الهدف؟ اسمحوا لي أن أقول لكم ما يلي؛ ويجب عليَّ أن أقول لكم هذا: إنَّ هدفك مِن تَعلُّم كلمة الله هو ليس أن تَكتسب المعرفة، لأنَّ بولس قال: "الْعِلْمُ..." [يَفعل ماذا؟] "...يَنْفُخُ". لذا فإنَّ هدفَك هو أن تَعرف الله. ولكي تَعرف الله ينبغي لك أن تَتعلَّم التَّواضُع. أترون؟ فَلِكَي تَعرف الله ينبغي لك أن تَتعلَّم التَّواضُعَ الحقيقيّ.
حسنًا! دَعونا نُصَلِّي:
يا أبانا، أشكرك على صَبْر الرَّعيَّة اللَّيلة لأنَّنا أَطلنا الحديثَ. وبالرَّغم مِن ذلك، يبدو أنَّنا صَرفنا وقتًا رائعًا في التحدُّث معًا عن الحاجة إلى دراسة الكلمة. يا رَبّ، قد يكون الأمر صعبًا على جُزءٍ مِن الحاضِرين الأعزَّاء، وحتَّى إنَّني أجد أحيانًا صعوبةً في القيام بكُلِّ ما ينبغي لي أن أقوم به لمعرفة كلمتك. يا رَبُّ، ساعدنا على أن نبتدئ مِن نُقطةٍ ما، على الأقلِّ بخطوة القراءة. وشيئًا فشيئًا، سنبتدئ في تفسير الأشياء.
وعندما يقوم هؤلاء الأشخاص بكتابة ملاحظاتهم الهامشيَّة والعودة إليها لفهمها، اكشف لهم عن المصادر السَّليمة، والكُتب الجيِّدة، أو رُبَّما أن يَستمعوا إلى مُعلِّمين آخرين يمكنهم أن يُساعدوهم. لِذا، ساعدنا يا أبانا على أن نَلهج في كلمتك، ثُمَّ أن نُعلِّمها كي نُكمل الدَّورة: أوَّلاً، أن نَقبلها مِنك، ثُمَّ أن نقوم أخيرًا بتوصيلها إلى آخرين.
يا له مِن وقتٍ مُبارك صَرفناهُ في هذا المساء! اجعلنا شعبًا مُحِبًّا للكلمة. وأنا أَعلم أنَّك تَقرأ قلبي وامتِناني العَميق لأمانة هذه الرَّعيَّة الَّتي جاءت اللَّيلة كي تَفتح قلبها لهذه الحاجة المُلِحَّة لدراسة كلمتك. أشكرك، يا أبانا، على انفتاحهم. وصلاتي هي أن تُكافئهم على رغبتهم وأمانتهم بأن تُتَمِّمَ في حياتهم كلمتك الصَّالحة؛ لا فقط مِن خلال دراستها بأذهانهم، بل أيضًا مِن خلال تطبيقها عمليًّا في حياتهم. باسم المسيح. آمين!

This article is also available and sold as a booklet.