Grace to You Resources
Grace to You - Resource

أرجو أن تأخذوا كِتابكم المقدَّس، مِن فَضلكم، استعدادًا لِدَرسِنا في هذا الصَّباح، وأن تَفتحوا معي على رسالة كورنثوس الأولى والأصحاح 16... رسالة كورنثوس الأولى والأصحاح 16. فقد وَصلنا إلى نهاية هذه الرِّسالة الرَّائعة الَّتي مَضى على دراستنا لها سنتين أو أكثر. وهذا يُشبه تَوديع صَديقٍ قَديم. لا تُودِّعوها، بل استمرُّوا في قراءتها. فهي غَنيَّة جدًّا. ولكنَّنا نَصِل في هذا الصَّباح إلى الأعداد مِن 5-12. عندما ابتدأتُ في تحضير أفكاري الَّتي سأُقدِّمُها لكم، قرأتُ هذه الآيات. وبصراحة، لم أَتبارَك حَقًّا. فهي لا تُعَلِّم حَقًّا الشَّيءَ الكثير. وهناك نُصوصٌ في الكِتابِ المُقدَّس شَبيهة بهذا النَّصِّ مِن حيث أنَّكَ تَنظر إليها وتقول: "ما الَّذي سأقولُهُ عنها؟"

واسمحوا لي أن أقرأَ النَّصَّ لكم، وأرجو أن تُتابعوني. ابتداءً مِن العدد الخامس: "وَسَأَجِيءُ إِلَيْكُمْ مَتَى اجْتَزْتُ بِمَكِدُونِيَّةَ، لأَنِّي أَجْتَازُ بِمَكِدُونِيَّةَ. وَرُبَّمَا أَمْكُثُ عِنْدَكُمْ أَوْ أُشَتِّي أَيْضًا لِكَيْ تُشَيِّعُونِي إِلَى حَيْثُمَا أَذْهَبُ. لأَنِّي لَسْتُ أُرِيدُ الآنَ أَنْ أَرَاكُمْ فِي الْعُبُورِ، لأَنِّي أَرْجُو أَنْ أَمْكُثَ عِنْدَكُمْ زَمَانًا إِنْ أَذِنَ الرَّبُّ". هل تَبارَكتُم حتَّى الآن؟ "وَلكِنَّنِي أَمْكُثُ فِي أَفَسُسَ إِلَى يَوْمِ الْخَمْسِينَ، لأَنَّهُ قَدِ انْفَتَحَ لِي بَابٌ عَظِيمٌ فَعَّالٌ، وَيُوجَدُ مُعَانِدُونَ كَثِيرُونَ. ثُمَّ إِنْ أَتَى تِيمُوثَاوُسُ، فَانْظُرُوا أَنْ يَكُونَ عِنْدَكُمْ بِلاَ خَوْفٍ. لأَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَ الرَّبِّ كَمَا أَنَا أَيْضًا. فَلاَ يَحْتَقِرْهُ أَحَدٌ، بَلْ شَيِّعُوهُ بِسَلاَمٍ لِيَأتِيَ إِلَيَّ، لأَنِّي أَنْتَظِرُهُ مَعَ الإِخْوَةِ. وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ أَبُلُّوسَ الأَخِ، فَطَلَبْتُ إِلَيْهِ كَثِيرًا أَنْ يَأتِيَ إِلَيْكُمْ مَعَ الإِخْوَةِ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ إِرَادَةٌ الْبَتَّةَ أَنْ يَأْتِيَ الآنَ. وَلكِنَّهُ سَيَأتِي مَتَى تَوَفَّقَ الْوَقْتُ".

هذا هو النَّصُّ يا أحبَّائي: "قد أذهبُ إلى هذا المكان، وقد أذهب إلى ذلك المكان. وإن جاءَ فُلان أَحسِنوا استقبالَه. وفُلان لن يأتي، ولكنَّه قد يأتي. آمين!" إنَّ هذا النَّصَّ يَفحص بَراعتَكَ في الوعظِ مِن الكتاب المقدَّس. وعندما ابتدأتُ بقراءة هذا النَّصّ، قرأتُهُ المرَّة تِلو الأخرى، تِلو الأخرى، تِلو الأخرى، وفَكَّرتُ فيه، وحاولتُ أن أقول: "لماذا يُبالي الرَّبُّ في ذِكْرِ هذه الأمور في هذا الأصحاحِ تَحديدًا؟ ما الَّذي يريدُ أن يَقولَه؟

ثُمَّ لاحظتُ أنَّ هذا النَّصَّ مُحاطٌ بعبارة مُهمَّة جدًّا. انظروا إلى العدد 58 مِن الأصحاح 15: "إِذًا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ، كُونُوا رَاسِخِينَ، غَيْرَ مُتَزَعْزِعِينَ..." [وهذه هي العِبارة:] "...مُكْثِرِينَ فِي عَمَلِ الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ". والآن، انظروا إلى العدد 10 مِن الأصحاح 16، وَهُوَ الجزء الآخر مِن هذا المقطع: "ثُمَّ إِنْ أَتَى تِيمُوثَاوُسُ، فَانْظُرُوا أَنْ يَكُونَ عِنْدَكُمْ بِلاَ خَوْفٍ. لأَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَ الرَّبِّ". وقد أَدركتُ فجأةً ما يَتحدَّثُ عنه بولس. فهو يتحدَّث عن... احزَروا! عن عَمَلِ الرَّبّ. فهو يقول: يجب عليكم أن تكونوا دائمًا مُكْثِرينَ في عملِ الرَّبِّ كما نَفعل أنا وتيموثاوس، ثُمَّ إنَّه يُتابِع حَديثَهُ عن كيفيَّة قيامه بذلك.

"سوفَ أذهبُ إلى المَكانِ الفُلانيِّ، وأذهبُ إلى المَكانِ الفُلانيِّ، وأُفكِّرُ في كذا، وقد أفعلُ كذا، وهَكذا دَوالَيْك". وهذا كُلُّه يُشيرُ إلى قيامِ بولس بعمل الرَّبّ. وقد وَجدتُ [عندما ابتدأتُ أدرُسُ هذا النَّصَّ] ما لا يَقِلّ عن سبعة مَبادئ مُهمَّة للقيام بعمل الرَّبّ بطريقة الرَّبّ هنا في هذا النَّصّ. وقد دُهشتُ جدًّا. والحقيقة هي أنَّ النَّصَّ كانَ غَزيرًا جدًّا بالمعلومات حتَّى إنِّي اضطُررتُ إلى تَجزئة العِظة إلى جُزءَيْن: جُزءٌ اليوم، والجُزء الثَّاني في المَرَّة القادمة. وهذا مُدهش. أليس كذلك؟ ولكنَّهُ أمرٌ مُدهش حقًّا. والآن، انظروا إلى العدد 58. فهو يقول: "[كونوا] غَيْرَ مُتَزَعْزِعِينَ"، مُكْثِرِينَ فِي عَمَلِ الرَّبِّ كلَّ حِيْن [أي: دائمًا]". فيجب عليكم أن تُكثِروا وَحَسْب في القيامِ به. لِذا، عندما يأتي إليكَ شخصٌ ويقول: "اسمع! أنتَ تَعمل كثيرًا"، اعلَم أنَّكَ تَفعلُ ما جاءَ في الآية 1كورنثوس 15: 58. فيجب علينا أن نَكونَ مُكْثِرينَ في عَملِ الرَّبّ. فالقيامُ بعمل الرَّبِّ شيءٌ مُهمٌّ جدًّا. وقد تقول: "أجل، ولكن ما هو عَملُ الرَّبّ؟" ما هو عملُ الرَّبّ؟ وهذا سؤالٌ جَيِّد وجوابُهُ سَهلٌ جدًّا. فكلُّ ما ينبغي لك أن تَفعلَه لمعرفة ماهيَّة عمل الرَّبّ هو أن تَعرف ماذا كان الرَّبُّ يَفعل عندما كانَ يَعمل هنا. وهذا يَتلخَّص بصورة رئيسيَّة في نُقطتَيْن: أوَّلاً، لقد كانَ يَكرِز. ثانيًا، لقد كانَ يُعَلِّم.

فنحنُ نَقرأ في إنجيل لوقا 19: 10: "لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ". وهذه كِرازَة. ونَقرأ في سِفْر أعمالِ الرُّسُل والأصحاح الأوَّل: "إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي ارْتَفَعَ فِيهِ [إلى السَّماءِ، كانَ...] يَتَكَلَّمُ [إلى تَلاميذِه] عَنِ الأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ الله". إذًا، مِن ناحية، كانَ يَكرِز بالإنجيلِ للنَّاس الَّذينَ لم يكونوا يَعرفونَه. ومِن جهة أخرى، كانَ يُعلِّم النَّاس الَّذينَ كانوا يَعرفونَه. الكِرازَة والتَّعليم. فهذا هو عَمَلُ الرَّبّ. رِبْحُ النُّفوس للمسيح، وبُنيانُهم في فَهمهم للإيمان. فهذا هو ما كانَ يَفعلُهُ يسوعُ عندما كان هنا. فقد صَرَفَ جُزءًا مِن خدمته خلال تلك السَّنواتِ الثَّلاث يَكرِز بالإنجيل للجُموع. ثُمَّ بعد انتهائِهِ مِن القيام بذلك، عادَ إلى سَفْحِ الجَبل مع تلاميذه. فقد كانَ [مِن جِهَة] يَكرِز، وكانَ [مِن جهة أخرى] يأخذ الأشخاص الَّذينَ آمنوا ويَبني إيمانَهُم.

هذا هو عَمل الرَّبّ. والآن، أريدُ أن أُضيف أنَّ الكتابَ المقدَّسَ لا يَصِف البَتَّة عَملَ الرَّبِّ بأنَّه سَهل، بل هو صَعبٌ دائمًا. وحتَّى إنَّ الكلمات المُستخدَمة في هذا النَّصِّ للتَّعبير عن التَّعَب [في العدد 58] والكَدّ، والجُهد، وهَلُمَّ جَرَّا هي كلمات تُشيرُ إلى العمل إلى حَدِّ الإجهاد. فهو عَمَلٌ صَعبٌ، ومُجهِدٌ، وصَعبٌ. فالقيامُ بعملِ الرَّبِّ هو تَعَب. وقد قالَ "ج. كيمبل مورغن" (G. Campbell Morgan) إنَّ بولس كانَ يُفكِّر في التَّعب الَّذي يَنطوي على التَّضحية الشَّديدة، وعن التَّعَب الَّذي يُجهِد المرءَ ويُضعِفُه في أثناءِ القيامِ به. فهو تَعَبٌ حَتَّى الإجهاد. والحقيقة هي أنَّنا نَقرأ عن أَبَفْرُودِتُس في رسالة فيلبِّي 2: 30: "لأَنَّهُ مِنْ أَجْلِ عَمَلِ الْمَسِيحِ قَارَبَ الْمَوْتَ". فقد أَجهَدَ ذلك الشَّخصُ نَفسَهُ حَرفيًّا حتَّى أَوشَكَ أن يَموت حَرفيًّا.

وهذا هو دائمًا مَعنى أن نكونَ "مُكْثِرِينَ فِي عَمَلِ الرَّبِّ". فهو يَعني أن نقومَ به بكثرة. وهذا يعني أن نَتعَبَ حقًّا في القيامِ به. وهذا يعني أن نَشعُرَ بالإجهاد في أثناء القيامِ بعمل الرَّبّ. وبالمناسبة، عندما تَقومونَ به بتلك الطَّريقة، نَقرأُ في نهايةِ العدد 58: "عَالِمِينَ أَنَّ تَعَبَكُمْ لَيْسَ [ماذا؟] بَاطِلاً". فهو لن يَذهبَ هَباءً، وَلن يَذهبَ سُدَىً، ولن يكونَ بلا فائدة، ولن يكونَ بلا جَدوى؛ بل سيكونُ مُهمًّا، ويَصنَعُ فَرقًا، ويُعطي نَتيجةً، ويُؤتي ثَمَرًا.

فهناكَ أشخاص كثيرون يَعملون ويَنشغلونَ جدًّا بالأمورِ المُختصَّة بالكنيسة، ولكنِّي لا أعتقد أنَّهم يقومونَ بعمل الرَّبِّ المُختصّ بالكِرازة أو التَّعليم بالطَّريقة الَّتي يُريدُها الرَّبُّ وَفقًا للمبادئ الَّتي سنَراها هنا. فهناك انشغالٌ بلا ثَمر؛ وهو أمرٌ يَحدُث كثيرًا في المسيحيَّة. وقد يَرجِع السَّبب في ذلك إلى أنَّهم يَفعلونَ ذلك بالجسد. وقد يَرجِع السَّبب في ذلك إلى أنَّهم كَسالى جدًّا ولا يَقومونَ بذلك العمل كما يَنبغي. وقد يَرجِع السَّبب في ذلك إلى أنَّهم لا يَكرزونَ أو يُعلِّمونَ حَقًّا، بل هُم مَشغولونَ وَحَسْب. ولكنَّ ما يُريدُ اللهُ مِنَّا أن نَفعله هو أن نَعملَ بِجِدٍّ، وأن نَكونَ مُكْثِرينَ في العمل، وأن نَعملَ عَمَلَ اللهِ بالطَّريقةِ الَّتي يُريدُها الله. وقد وَضَعَ اللهُ تَعليماتٍ صارمةً جدًّا.

وما زِلتُ أَذكُرُ الوقتَ الَّذي كانَت فيهِ كلُّ المباني المُحيطة بكنيسة غريس تُبنَى. فعندما جئتُ إلى هنا، كان كلُّ ما يوجد هنا هو ذلك المَبنى التَّعليميّ الصَّغير وقاعة العبادة. ومنذُ ذلك الحين، تَمَّ بناءُ كلِّ هذه المباني الأخرى. وقد تَعلَّمتُ الكثيرَ عن البِناء. فأنا لم أكُن أعرفُ شيئًا عنها، ولكنِّي تَعلَّمتُ الكثيرَ مِن مُجرَّد المُشاهدة. وقد تَعلَّمتُ على الأقلّ مجموعةً مِن الأشياء الأساسيَّة. وهذه هي النُّقطة الأساسيَّة المُرتبطة بما أريدُ أن أقولَه لكم في هذا الصَّباح. فيجب عليكم أن تَبنوا وَفقًا للمُخَطَّطات، ووَفقًا لِمَعايير البِناء المَطلوبة. ويجب عليكم أن تَجتازوا الفحص. بعبارة أخرى، يجب أن تكونَ لديكم خُطَط مُعَدَّة حَسَبَ الأصول. ثُمَّ يجب أن تكونَ الخُطَط مُوافقة لمعايير البِناء الَّتي تَطلُبها المدينة. ثُمَّ يجب أن يَتحقَّق المُراقِب مِن أنَّ كلَّ شيء على ما يُرام. وهل تَعلمونَ شيئًا؟ عندما تَقومونَ بعمل الرَّبّ، يجب عليكم أن تَعملوه وَفقًا للخُطَّة الَّتي يَضَعُها رُوحُ الله، ووَفقًا لمعايير الخدمة الَّتي وَضَعها الله. ويجب عليكم أن تَسمحوا للمُراقِبِ الإلهيّ أن يَفحَصَهُ ويُخبرَكُم إن كان عَملُكم نافعًا أَم لا.

فيجب علينا أن نَعملَ عَملَ الرَّبِّ بالطَّريقة الَّتي يُريدُها الرَّبُّ حَتَّى نَحصل على الخَتْم الَّذي يقول إنَّنا حَصلنا على الموافقة، وإنَّ عَمَلَنا مُثمِر، وإنَّ عَمَلَنا مُجْدٍ. لِذا فإنَّ الآية 2 تيموثاوس 2: 15 تقول: "اجْتَهِدْ أَنْ تُقِيمَ نَفْسَكَ للهِ مُزَكُى، عَامِلاً [ماذا؟] لاَ يُخْزَى". فعندما يأتي المُراقِب ويقول: "ماك آرثر، سوفَ أفحصُ العمل الَّذي تَقوم به"، فإنِّي لا أريدُ أن أُخزَى. لذا، يجب عليَّ أن أجتهد في العملِ الدَّؤوبِ وأن أُطَبِّقَ المعاييرَ والمواصفاتِ حتَّى يقولُ المُراقبُ إنَّ عَملي جيِّد. هذا هو مَعنى أن نقومَ بعمل الرَّبِّ بالطَّريقة الَّتي يُريدُها الرَّبُّ. وما أعنيه هو: عندما أَبني (كما جاء في رسالة كورِنثوس الأولى والأصحاح الثَّالث)، لا أريدُ أن أبني خَشَبًا أو عُشْبًا أو قَشًّا، بل أريدُ أن أَبني ذَهبًا وفِضَّةً وحِجارةً كَريمةً لكي يَدومَ هذا العمل. وفي يومٍ ما، عندما يأتي الفَاحِص حينَ نَظهرُ أمامَ كُرسيِّ المسيح (كما جاءَ في رسالة كورنثوس الثَّانية 5: 10)، سوفَ يُقَرِّرُ الرَّبُّ إن كانَ عَمَلُنا خَيْرًا أَمْ شَرًّا [أو "فاولوس" – "phaulos" باللُّغة اليونانيَّة، ومَعناها: "عَديم القيمة"]. فهناك مسيحيُّون كثيرون سيقفونَ في ذلك اليوم أمامَ الرَّبِّ مُقدِّمينَ ذلك العمل الصَّغير الَّذي عَمِلوه فيُمْتَحَن بالنَّار فيَظهر أنَّه ليسَ شَرًّا بالضَّرورة، بل "عَديمَ القيمةِ" وَحَسْب، أو أنَّه رُبَّما كانَ مُجرَّدَ نَشاطٍ غيرَ مُثمِر، أو غيرَ مُجْدٍ، أو بلا طَائِل.

اسمعوني: لقد دُعينا إلى القيام بعمل الرَّبّ بالطَّريقة الَّتي يُريدُها الرَّبّ. ويجب علينا أن نَتحمَّس كثيرًا لأنَّ الرَّبَّ سَمَحَ لنا أن نَقومَ بعمله. ولا أدري كيفَ تَشعرونَ تُجاهَ ذلك، ولكنَّ هذا الأمرَ يُدهشني جدًّا. وما أعنيه هو: كيف ستشعر إن اتَّصلَ بك الرَّئيس "كارتر" (Carter) وقال: "مرحبًا! هذا جيمي كارتر. أريدُ منكَ أن تكونَ مَبعوثي الشَّخصيّ والخاصّ جدًّا، وأريدُّ منكَ أن تَعملَ على توصيلِ الرَّسائل الَّتي أريدُ تَوصيلَها إلى الأشخاص الَّذي ينبغي أن يَتَسَلَّموها ما دُمْتَ حَيًّا. هذه هي مَهمَّتُك". سوفَ تَفرح جدًّا وتَعجَز عن إخفاءِ غُرورِك. ولكن هل تُدرك أنَّ اللهَ القَديرَ، رَبَّ السَّماواتِ والأرض، قال: "أريد منك أن تكونَ مَبعوثي الشَّخصيَّ، وأن تَقومَ بتوصيل رسالتي إلى النَّاس حول العالَم ما دُمْتَ حَيًّا"؟ إنَّها دَعوة أعلى. أليس كذلك؟ فالواقعُ المُذهلُ في هذا هو الآتي: ليس فقط أنَّنا أُعطينا مَهمَّةً، بل إنَّ الحَقيقةَ المُدهشة هي أنَّ الإنسانَ ليسَ هو الَّذي يُضفي أهميَّةً على المَهمَّة، بل إنَّ المَهمَّة هي الَّتي تُضفي أهميَّةً على الإنسان. "لا يوجد شَرَف... [بِحَسَب قول وليام باركلي" (William Barkley) "...أكبرَ مِن شَرَف الدَّعوة العُليا". فلا يوجد شَرَف يَفوقُ شَرَف المَهمَّة العظيمة.

وقد أُعطينا مسؤوليَّة القيام بعمل الرَّبّ. ويجب علينا أن نَفعل ذلك بالطَّريقة الَّتي يُريدها الرَّبّ. لذا فإنَّ بولس هنا (في أثناء حديثِهِ القصير عَمَّا سيفعله مِن جهة عمل الرَّبّ، وعَمَّا سيفعله تيموثاوس مِن جهة عمل الرَّبّ، وعَمَّا سيفعله أبُلُّوس مِن جهة عمل الرَّبّ) يُقدِّم لنا هنا ما أُسَمِّيها: "المَبادئ السَّبعة للقيام بعمل الرَّبّ بالطَّريقة الَّتي يُريدُها الرَّبّ". فهي سبعة مبادئ للقيام بعمل الرَّبّ بالطَّريقة الَّتي يُريدُها الرَّبّ. وهي مبادئ عَمليَّة جدًّا. وهي رسالة مُشجِّعة. لِذا، استعدُّوا وتَهيَّأوا لأنَّكم قد تَتحمَّسون.

النُّقطة الأولى: يجب أن تكونَ لدى الشَّخص الَّذي يقوم بعمل الرَّبّ، أو الشَّخص الَّذي يَعمل عمل الرَّبّ بالطَّريقة الَّتي يُريدُها الرَّبّ [قبلَ كلِّ شيء]، يجب أن تكونَ لديه رُؤية للمُستقبَل. فيجب أن تكونَ لديه رُؤية للمستقبل. وأعتقد حقًّا أنَّ هذه النُّقطة مُهمَّة لأيِّ شخصٍ يَعمل حقًّا عملَ الرَّبّ. وما أعنيه هو أنَّ أيَّ شخصٍ يَعمل حقًّا في هذا المَجال، ومُكَرَّس حقًّا له، ومُخَصَّص حقًّا له سيجد أنَّه حيثُ إنَّ قَلبَهُ مُتحمِّس جدًّا، وحيثُ إنَّ مَحبَّته مُلتهِبَة، سيكتشف أنَّ هناك حاجات لم تُسَدّ بعد، وأنَّه ينبغي له أن يُخَطِّطَ دائمًا لكيفيَّة سَدِّها. فيجب عليه أن يَنظرَ إلى الأمام. ويجب أن توجد رؤية في قلبه. فمعَ أنَّه يعمل الآن، يجب عليه أن يَنظر إلى الأمام إلى ما لم يُعمَل بَعد. ويجب ألاَّ يَكتفي بما عُمِلَ حَتَّى الآن، بل يجب عليه أن يَرى تلك الأشياء الَّتي لم تُعمَل بعد. فيجب عليه أن يُخَطِّطَ مُسَبَّقًا، وأن يَبحث عن عَوالِمَ لم تُفْتَحْ بعد، وأن يَرى الفُرصَ الَّتي لم تُسْنَحْ بَعْد، وَأن يَنتظرَ أن تُفتَح أبوابٌ جديدة. وَهُوَ يُدَبِّر ويُخَطِّط ويَضَع الاستراتيجيَّات والأساليب. فَهُوَ يَضَعُ خُطَّةَ هُجومٍ للمستقبَل. وقد كانَ بولس هكذا.

وقد تقول: "هل هذا مَذكور في هذه الآيات؟" أجل! انظروا إلى العدد الخامس. فهو يقول: "وَسَأَجِيءُ إِلَيْكُمْ مَتَى اجْتَزْتُ بِمَكِدُونِيَّةَ، لأَنِّي أَجْتَازُ بِمَكِدُونِيَّة". والآن، اسمحوا لي أن أُعطيكم خَلفيَّةً صغيرة. فقد كُتِبَت الرِّسالة الأولى إلى أهل كورِنثوس مِن قِبَل بولس في نهاية السَّنوات الثَّلاث الَّتي صَرَفَها في مدينة أفسُس. وقد أخذَ بولس رسالته الأولى إلى أهل كورِنثوس وسَلَّمها إلى تيموثاوس باليَد، وأرسَلَ تيموثاوس لتوصيلها. ووَفقًا لما جاء في الرِّسالة الثانية إلى أهل كورِنثوس 1: 15 و 16، كانَ بولس يُخَطِّط أصلاً لِلَّحَاقِ بتيموثاوس. فبعدَ فترة قصيرة مِن مُغادرة تيموثاوس، كانَ بولس يُخَطِّطُ للمُغادرة والذَّهاب إلى كورنثوس، ثُمَّ إلى مَكِدونِيَة، ثُمَّ إلى كورِنثوس مَرَّةً أخرى. فقد كانت لديه خُطَّة. ولكن كما يَكتُب الآن في رسالته الثَّانية إلى أهل كورِنثوس فإنَّهُ يَتذكَّر خُطَّتَهُ الأصليَّة ويقول: "لقد غَيَّرتُ خُطَّتي. سوفَ آتي لزيارتكم بعدَ أن أذهبَ لزيارة مَكِدونِيَة". إذًا: "عِوَضًا عن الذَّهاب إلى كورِنثوس، ثُمَّ إلى مَكِدونِيَة، ثُمَّ إلى كورِنثوس، سأَذهب مُباشرةً إلى مَكِدونِيَة ثُمَّ أَذهب إلى كورِنثوس، ثُمَّ أرجِعُ إلى أورُشَليم". لِذا فقد وَضَعَ هذه الخُطَّة، ثُمَّ اضطُرَّ لاحقًا إلى تَغييرها. ولكنَّه كانَ في الأصل قد وَضَعَ خُطَّةً للمستقبل. وَهُوَ يقول: "أنا آتٍ". فهو يقول في رسالته الأولى إلى أهل كورِنثوس 4: 18: "فَانْتَفَخَ قَوْمٌ كَأَنِّي لَسْتُ آتِيًا إِلَيْكُمْ. وَلكِنِّي سَآتِي إِلَيْكُمْ سَرِيعًا إِنْ شَاءَ الرَّبُّ".

لذا فإنَّه يُخَطِّط للذَّهاب. لماذا؟ لسببٍ مُهمّ. اسمعوني: لقد كانت كنيسة كورِنثوس مَكانًا مَشهورًا بعبادة الأوثان. وكانت لدى كنيسة كورِنثوس مشاكل جَمَّة. وكانت كنيسة كورِنثوس في حالة مُريعة. وبولس يقول: "اسمعوني! يجب عليَّ أن آتي وأكونَ معكم. ويجب عليَّ أن أفعلَ ذلك في المستقبل. وحتَّى إنَّني أُخَطِّط لذلك". ثُمَّ انظروا إلى العدد السَّادس: "وَرُبَّمَا أَمْكُثُ عِنْدَكُمْ أَوْ أُشَتِّي أَيْضًا لِكَيْ تُشَيِّعُونِي إِلَى حَيْثُمَا أَذْهَبُ". بعبارة أخرى، سوفَ أمكُث. فهناكَ حاجات لديكم. وكلُّ ما أَرمي إلى إيضاحِه لكم مِن تلك الفِكرة بمُجملِها هو ليسَ الأحداث التَّاريخيَّة، بل أريدُ مِنكم وَحَسْب أن تَعلموا أنَّ بولس كان يُخَطِّط مُسَبَّقًا. فقد كانت لديه نَظرة إلى المستقبل. فقد كان مُنشغلاً في أفسُس. بعبارة أخرى، كانت هناك أمور كثيرة تحدث في أفسُس، وأمور كثيرة تَحدث هنا. فقد كان اللهُ يَعمل، وكانَ النَّاسُ يَخلصون، وكان القِدِّيسونَ يَنْمون، وكانت هناك طَاقة رائعة تَتدفَّق في ذلك المكان. ولكِن طَوالَ الوقتِ الَّذي كانَ فيه مُنهمكًا جدًّا في العمل في أفسُس، تَمَكَّنَ أيضًا مِن تَصَوُّر ما ينبغي له أن يَفعلَه عندما يَذهب إلى كورنثوس، وإلى مَكِدونِيَة، وإلى كورنثوس مَرَّةً أخرى، وأخيرًا إلى أورُشليم. يا لَهُ مِن نابغة! ويا لَهُ مِن مُخَطِّطٍ عظيم! فكأنَّهُ كَشَّافٌ يَقِف فوق تَلٍّ ويَنظر إلى مِنطقة لم تُفتَح بعد. فبولس يَنظر إلى ما كانَ ينبغي القيامُ به. وأنا أشعُر حَقًّا أنَّ أيَّ شخصٍ يَعمل عملَ الرَّبِّ بالطَّريقة الَّتي يُريدها الرَّبُّ هو شخصٌ لديهِ رُؤية وقادر على تحليل أمورٍ لم تَحدث بعد، والتَّخطيط للقيام بها. فلا بُدَّ مِن ذلك. ولِعِلمِكُم، لا يُمكنكَ أن تَضَعَ عِصَابةً على عَينيكَ وأن تَكتفي بالنَّظر إلى هذا المكانِ وهذا الوقت. ولا يُمكنك أن تقول: "انظر! لقد تَمَّ القيامُ بكلِّ شيءٍ هنا. ألا تَعتقد أنَّهُ أمرٌ رائع؟" بل يجب عليكَ أن تَنظر بعيدًا وأن تَرى الأشياءَ الَّتي لم تُنَفَّذ بعد.

لقد كانت توجد لدى بولس خُطَط. فقد كانَ شخصًا مِن هذا النَّوع وَحَسْب. وقد قالَ أَحَدُ الكُتَّاب: "كان بولس يُفكِّر دائمًا في المَناطِق الأخرى. فهو لم يَرَ يومًا سفينةً في المَرفأ إلاَّ وأرادَ أن يُبحِرَ فيها لتوصيل البِشارة إلى النَّاسِ الَّذينَ يَعيشونَ في الجانبِ الآخر. وهو لم يَرَ يومًا سِلسلةً جَبَليَّةً أو أُفُقًا يَترامَى أمامَهُ إلاَّ وَأرادَ أن يَعبُرَهُ ويَبني القِدِّيسينَ هناك" [نهايةُ الاقتباس]. هذا صحيح! وما أعنيه هو أنَّ بولسَ كانت لديهِ رُؤية. فقد كانَ يَرى دائمًا عالَمًا جديدًا لم يَصِل إليهِ أحد. وهو لم يَرْضَ يومًا بِالحالِ القائمة في المكانِ الَّذي هو فيه، بل كانت لديه رُؤية عظيمة لما لم يُنَفَّذ بعد.

انظروا معي قليلاً إلى رسالة رُومية والأصحاح 15 إذْ ستَرونَ شَيئًا مُدهشًا هنا عَمَّا كانَ بولس يَشعُر به في قلبِه. ففي رسالة رُومية 15: 24، يقولُ بولس إلى أهل رُومية: "فَعِنْدَمَا أَذْهَبُ إِلَى اسْبَانِيَا آتِي إِلَيْكُمْ". وهذا مُدهش. ثُمَّ إنَّه يقول في العدد 28 (في رسالة رُومية 15: 28): "فَمَتَى أَكْمَلْتُ ذلِكَ، وَخَتَمْتُ لَهُمْ هذَا الثَّمَرَ، فَسَأَمْضِي مَارًّا بِكُمْ إِلَى اسْبَانِيَا". فقد كانَ بولس قد وَضَعَ إسبانيا في ذِهنِه. لماذا؟ لأنَّ أحدًا لم يَذهب إلى هناك. فهي مكانٌ لم يَصِل إليهِ أحد بالبِشارَة. وكانت إسبانيا في أَوْجِها آنذاك. فقد كانت قد فُتِحَت مِن قبل الإمبراطوريَّة الرُّومانيَّة. وكانت الطُّرُق الرُّومانيَّة ما تزال هناك. ويمكنكم أن تَروا أجزاءً منها في إسبانيا اليوم. وما تزالُ هناك آثار رومانيَّة قديمة هناك ويمكنكم أن تَرَوها هناك اليوم. فقد كانت إسبانيا في أَوْجِها. وكانَ أعظمُ الشُّعراءِ والكُتَّابِ والخُطباءِ يعيشونَ في إسبانيا. وكانَ واحدٌ مِن أعظمِ جميعِ الرُّومان الَّذينَ عاشوا يَومًا هو مُعَلِّم نيرون، ورئيس وزراء الإمبراطوريَّة الرُّومانيَّة، والفيلسوف الرِّواقيّ العظيم "سينيكا" (Seneca) هو الشَّخصيَّة الرئيسيَّة في إسبانيا. وقد رأى بولس هذه الفُرصة الرَّائعة. لذا فقد كانَ قَلبُهُ وعَقلُهُ مُنشغلان بإسبانيا.

وعندما كَتَب، كَتَبَ مِن كورنثوس. وكانَ مَشغولاً في كورنثوس. فقد كانَ يَعمل في كورنثوس، وكانَ يريد الذَّهاب إلى روما، ويريد أن يَقومَ ببعض الأعمال هناك. ولكنَّ إسبانيا كانت موجودة في ذِهنِه. وكما تَرَون، لقد كان قادرًا على تَكريسِ نفسِه لمَهمَّة مُعيَّنة، وقادرًا في الوقتِ نفسه على وَضعِ رُؤية للمستقبل. وهذا جُزءٌ مِن القيام بعمل الرَّبّ بالطَّريقة الَّتي يُريدُها الرَّبّ. فلا يمكنكَ أن تَنظر إلى أسفل وأن تَضَعَ عِصَابةً على عينيك وتُفكِّر فقط في ما تَراهُ أمامَ عينيك. سوف أخبركم عن واحدٍ مِن الأمورِ المُحبِطَة في الخدمة وهو أن تَشعر بأنَّك لا تُنهي العمل البَتَّة. فأيًّا كانَ ما تَفعلُه، هناك دائمًا شيء لم يُنَفَّذ بعد. وجود رُؤية للمستقبل. والآن، أعتقد أنَّه مِن المُهمِّ عندما تَنظر إلى المستقبل أن تَبدأ في التَّفكير بما ينبغي القيام به، وكيفيَّة القيام به لكي تكونَ مُستعدًّا عندما يريدُ اللهُ أن يُوفِّرَ لك الفُرصة. والآن، هناك أشخاص سيقولون: "لا بُدَّ مِن وجود أمور كثيرة يمكن القيام بها في المستقبل"، ولكنَّهم لا يَفعلونَ أيَّ شيء في الحاضر للاستعداد.

اسمعوني: لم يَذهب نَحَمْيا إلى المَلِك ويقل له: "أريدُ أن أخدِم. هل يمكنك مِن فَضلِك أن تَجِدَ لي شيئًا أفعلُه مع شَعبي"، بل قال: "انظر! إنَّ شعبي في وَرطة. فَهُم بحاجة إلى إعادة بناء المدينة، وإلى إعادة بناء سُور المدينة. أريدُ أن أفعلَ ذلك. وأنا أعرفُ كيفَ أفعل ذلك. فقد وَجدتُ طريقةً للقيام بذلك. وقد خَطَّطتُ لذلك. وأنا أنتظر. وكلُّ ما أحتاجُ إليه هو الموافقة". أتَرَون؟ وما الَّذي حَدث؟ لقد ضَغَطَ المَلِكُ على زِرِّ الإطلاق وأَطلَقَ نَحَمْيا. وقد كانَ جاهزًا للانطلاق. وقد نَفَّذَ العمل. اسمعوني: إن كنتم ستَضعونَ رُؤية للمستقبل، يجب عليكم أن تُخَطِّطوا في الحاضر أن تَجعلوا المستقبلَ حَقيقةً إنْ ضَغَطَ اللهُ الزِرَّ. وأخشى أنَّ السَّببَ في أنَّ هناكَ أشخاصًا لا يَبتدئونَ الخدمة الَّتي يَستمرُّونَ في البحثِ عنها وانتظارها لأنَّهم لم يَفعلوا أيَّ شيءٍ في الحاضر سواء للتَّخطيط لها أو لإثباتِ أنَّهم جَديرونَ بالقيامِ بها. لِذا، أنا أُوْمِنُ حَقًّا بأنَّه يجب علينا في الحاضر أن نَعمل على إثبات جَدارَتِنا، وأن نُخَطِّط لكي نكونَ مُستعدِّينَ للانطلاق عندما يَتِمُّ الضَّغطُ على الزِّرّ.

ولا يَسَعُني إلاَّ أن أُفَكِّرَ في "ويليام كاري" (William Carey)... ويليام كاري الرَّائد العظيم للإرساليَّاتِ المُعاصرة، الَّذي كانَ إسكافِيًّا في إنجلترا. ولكن هل تَعلمون ماذا كان يَفعل في أثناءِ عَمله في إصلاح الأحذية؟ كانت توجد أمامَهُ مباشرةً، كلَّ يوم، خريطة للعالم. وكانَ يَبكي على تلك البلاد، ويُصَلِّي لأجلِ تلك البلاد، ويُخَطِّط لأجلِ تلك البلاد، ويَضَعُ الاستراتيجيَّات لتلك البِلاد. وذاتَ يوم، ضَغَطَ اللهُ زِرَّ الإطلاق وقالَ له: "لقد انتهيتَ مِن إصلاح الأحذية يا ويليام كاري". وقد ذَهبَ إلى الهِند وفَتَحَ الهِند للإنجيل لكلِّ مُرسَلٍ ذهبَ إلى هناك منذُ ذلك الحين. فقد استخدَمَ اللهُ رَجُلاً أمينًا في الحاضر وأثبَتَ أنَّهُ قادر؛ وهو رَجُل كانت لديه رُؤية للمستقبل ووَضَعَ خُطَطًا. وعندما حانَ الوقت، كانَ مُستعدًّا. فهذه نُقطة مُهمَّة.

وأخشى أنَّ هناك أشخاصًا حتَّى في كُليَّة اللاَّهوت، ولا سِيَّما مِن الشَّبابِ الَّذينَ يَلتحقونَ بكُليَّة اللاَّهوت، يَدرُسونَ فقط في كُليَّة اللاَّهوت مِن أجل الحصول على الدرجات. فَهُم ليسوا مُنخرِطينَ في خِدمة فَعَّالة وديناميكيَّة الآن. لِذا فإنَّهم لا يُبرهنونَ على أنَّهم سيكونونَ أُمناءَ في أيَّة خِدمة مستقبليَّة. وَهُم لا يُخَطِّطونَ لأيِّ شيء في المستقبل. وعندما يُنهونَ دراسَتَهُم، لن تكونَ لديهم أيَّة خِدمة لأنَّهم لم يُعِدُّوا أنفسَهُم للقيام بأيِّ شيء مِن خلال الأمانة، ولأنَّهم لم يُخطِّطوا للقيام بأيِّ شيء مِن خلال تَقييم الحاجاتِ ووضع الاستراتيجيَّات. ولكن يجب عليكم أن تكونوا مُستعدِّين.

هل تَظُنُّونَ أنَّ اللهَ سيَدَعُكَ تَخدِم مِن دونِ أن يَعرفَكَ على حَقيقتِك؟ لا. فعندما يُريدُ اللهُ مِن شخصٍ أن يقومَ بعملٍ ما فإنَّه يريدُ شخصًا مستعدًّا للقيام به، وشخصًا أَثبَتَ جَدارَتَهُ، وخَطَّطَ لذلك. ويجب أن تَعلموا أنَّه طَوالَ وقتِ عَملي في كُليَّة لاهوت "تالبوت" (Talbot Seminary)، وهذا مَثَلٌ مِن حياتي الشخصيَّة... طَوالَ انخراطي في الوعظ في جميعِ أنحاءِ البَلد، كنتُ أُخَطِّط لأن أكون راعي كنيسة عندما يُتيحُ لِي اللهُ الفُرصة. لِذا، عندما فَتَحَ لي الرَّبُّ الفُرصة لأن أكون راعيًا لكنيسة النعمة، كنتُ أعرِفُ تمامًا ما يريدُ اللهُ مِنِّي أن أفعلَهُ هنا. ولا شَكَّ في أنَّ هناك العديد مِن التَّغييرات والنُّموّ والتَّقدُّم، ولكنَّ تلك هي السَّنوات الَّتي فَكَّرتُ فيها بما سأقومُ به. لِذا، عندما فَتَحَ اللهُ البابَ، كنتُ جاهزًا للقيام بذلك.

وكما تَرَون فإنَّ التَّدريبَ على الخدمة لا يَقتصِر فقط على تَعَلُّم بِضع حقائق كِتابيَّة وانتظار الرَّبِّ كي يُنْزِلَكَ مُعَلِّمًا رُوحيًّا عظيمًا مِنَ السَّماءِ في مكانٍ رائعٍ ويقولُ لك: "اذهب". أتَرَون؟ فالأمرُ مُرتبط بأمانتك في الحاضر، وبعَمَلِكَ الدَّؤوبِ في الحاضر، وبانخراطِكَ بعملِ اللهِ في الحاضر، وبالتَّخطيطِ حَتَّى عندما يأتي اليوم وتُفتَحُ الأبواب فإنَّكَ تكونُ جاهزًا للذَّهاب. فقد أَعَدَّ اللهُ "ويليام كاري" قبلَ وقتٍ طويلٍ بأن ثَقَّلَ قَلبَهُ تُجاهَ الهِند. وقد أعَدَّه اللهُ قبلَ وقتٍ طويلٍ بأن أعطاهُ خُطَّة وبأن وَفَّرَ له الفرصة لتنفيذِ الخُطَّة الَّتي كانت تَضطَرِمُ أصلاً في قلبه.

ما الَّذي تُخَطِّط للقيامِ به؟ وما هي رُؤيتُك؟ وما الَّذي تَراهُ يَحدُث مُستقبلاً؟ فهناكَ أُناسٌ كثيرونَ جدًّا مِن دونِ الله. ماذا تَرى؟ وأينَ هُوَ دَورُك؟ وما الَّذي تُخَطِّط له؟ وما هي استراتيجيَّتُك للكِرازة لأشخاصٍ مُعيَّنينَ وتَنمية مَوهبتك، أو لاستخدامِ مَوهبتِك، أو للكِرازة؟ فإن كنتَ تَعيشُ يَومًا فَيومًا وتقول: "أنا أنتظر هنا وحسب إلى أن يُعطيني اللهُ شَيئًا أفعلُه" فإنَّ هذا ليسَ صائبًا ولن تُحقِّق ذلك. فإن أردتَ أن تَقومَ بعمل الرَّبِّ بالطَّريقة الَّتي يُريدها الرَّبُّ، يجب أن تكونَ لديك رؤية للمستقبل.

لننظر إلى النُّقطة الثَّانية. فالشَخصُ الَّذي يَقومُ بعمل الرَّبِّ بالطَّريقة الَّتي يُريدها الرَّبُّ هو شخصٌ لديهِ لا رُؤية فقط للمستقبل... وأنا أُحِبُّ ذلك... بل يَتمتَّع أيضًا بالمُرونة. هل تَعلمونَ شيئًا؟ قد لا تَتحقَّق الأشياءُ في المستقبل بالطَّريقة الَّتي فَكَّرتَ فيها. لِذا، يجب عليكَ أن تكونَ مَرِنًا. وهذه نُقطة مهمَّة جدًّا. فهناكَ أشخاص يقولون: "حسنًا، أنا أَعلم تمامًا ما يريدُ اللهُ مِنِّي أن أفعلَه. فأنا لديَّ موهبة في كذا، وقُدرة على القيام بكذا، ومِن الواضح أنَّني أَملِك الموهبة كذا. لِذا، هذا يَعني أنَّه يجب عليَّ أن أفعلَ كذا. وإلى أن يَحدث ذلك، أنا مُتيقِّنٌ مِن أنَّني لن أذهب إلى ذلك المكان وأقوم بتلك الخدمة. فهذا لا يُوافقني تمامًا". ولكنَّها فِكرة عَبقريَّة فاشلة! إنَّها سَيِّئة. أَتَرَون؟ فأنتَ تُقنِع نفسكَ ذِهنيًّا بأنَّك ستفعل ذلك، ولكنَّكَ تَغاضَيتَ عن عُنصرٍ مُهمٍّ جدًّا في الخدمة المسيحيَّة وهو أنَّ القيامَ بعملِ الرَّبِّ بالطَّريقة الَّتي يُريدها الرَّبُّ يَتطلَّب مُرونَةً. لننظر إلى النَّصِّ مَرَّةً أخرى. ونحنُ في رسالة كورنثوس الأولى والأصحاح 16 ونَنُظر إلى العدد السَّابع. أو لِنَنظُر أوَّلاً إلى العدد السَّادس. فهو يقول: "وَرُبَّمَا أَمْكُثُ عِنْدَكُمْ أَوْ أُشَتِّي أَيْضًا لِكَيْ تُشَيِّعُونِي إِلَى حَيْثُمَا أَذْهَبُ. لأَنِّي لَسْتُ أُرِيدُ الآنَ أَنْ أَرَاكُمْ فِي الْعُبُورِ، لأَنِّي أَرْجُو أَنْ أَمْكُثَ عِنْدَكُمْ زَمَانًا إِنْ [ماذا؟] أَذِنَ الرَّبُّ". أليسَ هذا التَّفكيرُ هو ما قد تُسَمِّيهِ "سُلوكًا يَخلو مِن أيِّ استقرار"؟

لقد كانَ بولس يَملِك روحَ المُغامرة. فهو يقول: "حسنًا، أعتقد أنِّي سآتي إليكم. وأعتقد أنِّي قد أمكُث عندكم في الشِّتاء. وعندما أَفرُغ مِن زيارتكم، قد أذهبُ إلى مكانٍ آخر. أنا لستُ مُتأكِّدًا مِن ذلك، ولكنِّي سأمكُث عندكم إن أَذِنَ الرَّبُّ". وأنا أُحِبُّ ذلك. فقد تكونُ لديَّ أفكارٌ رائعة، ولكن هناك شيءٌ في ذِهني يقولُ لي: "لا تَتَمَسَّك كثيرًا بأفكارك يا أخي. فقد يُغيِّرُكَ اللهُ في خِضَمِّ الأحداث". وهذه نُقطة مُهمَّة. "إنْ أَذِنَ الرَّبُّ".

ويجب أن تَعلموا أنَّ أهلَ كورنثوس لم يكونوا لُطفاء البتَّة مع بولس. فقد اتَّهموا بولس بأنَّه مُتَقَلِّب. ففي رسالة كورنثوس الثَّانية والأصحاح الأوَّل، اتَّهموهُ بأنَّه مُتقلِّب. وهو يقول في العدد 15: "كُنْتُ أَشَاءُ أَنْ آتِيَ إِلَيْكُمْ"، ثُمَّ يقول في العدد 16: "[كُنْتُ أَشَاءُ أَنْ آتِيَ إِلَيْكُمْ] وَأَنْ أَمُرَّ بِكُمْ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ، وَآتِيَ أَيْضًا مِنْ مَكِدُونِيَّةَ إِلَيْكُمْ، وَأُشَيَّعَ مِنْكُمْ إِلَى [أورُشَليم] والْيَهُودِيَّة". وَهُوَ يقول في العدد 17: "فَإِذْ أَنَا عَازِمٌ عَلَى هذَا، أَلَعَلِّي اسْتَعْمَلْتُ الْخِفَّةَ؟" بعبارة أخرى: عندما استمرَّيتُ في تَغييرِ خُطَّتي وَوَضعتُ هذه الخُطَّة، هل كنتُ أَمزَحُ أو أَعبثُ أو أُلقي الكَلامَ جِزَافًا؟ وهو يقول: "لا" "أَمْ أَعْزِمُ عَلَى مَا أَعْزِمُ بِحَسَبِ الْجَسَدِ، كَيْ يَكُونَ عِنْدِي نَعَمْ نَعَمْ وَلاَ لاَ؟" بعبارة أخرى، أنا مُضطرٌّ إلى وَضعِ الخُطَط حَسَبَ عِلْمي، ولكن يجب عليَّ أن أكونَ مُستعدًّا لتغييرِ فِكري. هذا هو كلُّ ما في الأمر.

وهذه هي رُوحُ المُغامرة في الخِدمة. فكما تَعلمون، قد أقولُ أحيانًا إنَّه يجب علينا أن نَفعل كذا، ويجب علينا أن نَفعل كذا. وبعدَ ثلاثة أشهر، آتي وأقول إنَّه لا يَنبغي لنا أن نَفعل ذلك الشَّيء. وهذه هي رُوحُ المُغامرة في الخدمة. فإن اختَفَت روحُ المُغامرة سأختفي أنا أيضًا. فأنا أُحبُّ هذا الجُزءَ مِن الخدمة. لِذا فإنَّه يقول: "إنْ أَذِنَ الرَّبُّ". اسمعوني: لقد تَعَلَّمَ دَرسَهُ. انظروا إلى سِفْر أعمالِ الرُّسُل والأصحاح 16. فقد وَضَعَ خُطَّةً. أتَرَون؟ فقد كانَ في فَرِيجيَّة وغَلاطيَّة، وكانَ يقولُ لرِفاقِه: "والآن، يا رِفاق، سنَذهب إلى أَسِيَّا الصُّغرى. سوفَ نَكرِز بالإنجيل في أَسِيَّا الصُّغرى. فهي مِنطقة حَيويَّة. سنَذهب إلى أفسُس، ولاوُدِكِيَّة، وبَرْغامُس، وسِمِيرنا، وثَياتيرا، وغيرها، وإلى سَاردِس. سوف نَذهب إلى أَسِيَّا الصُّغرى لنَخدِمَ الله. لدينا هذه الخُطَّة الرَّائعة". وأنا مُتيقِّنٌ مِن أنَّه كان قد خَطَّطَ جَيِّدًا لتلك الرِّحلة.

وهو يقول في العدد السَّادس (أي في سِفْر أعمال الرُّسُل 16: 6): "وَبَعْدَ مَا اجْتَازُوا فِي فِرِيجِيَّةَ وَكُورَةِ غَلاَطِيَّةَ، مَنَعَهُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِالْكَلِمَةِ فِي أَسِيَّا [الصُّغرى]". ولكنَّنا خَطَّطنا لذلك يا رَبّ! إنَّها استراتيجيَّتُنا. لا! الرُّوحُ القُدُسُ يقولُ إنَّه لا يُمكنكم الذَّهاب. وأنا لا أعرفُ كيفَ مَنَعَهُم الرُّوحُ القُدُس، ولكنَّهُ فَعَل ذلك. ونَقرأ في العدد 7 أنَّهم قالوا: "حسنًا! إن لم يَكُن بمقدورِنا أن نَذهبَ جَنوبًا، يجب علينا أن نَذهبَ شَمالاً. لنذهب إلى بِثِينِيَّة. لننطلق إلى هُناك". ولكنَّنا نَقرأ في نهاية العدد 7: "فَلَمْ يَدَعْهُمُ الرُّوحُ". حسنًا! لا يُمكننا الذَّهاب إلى هناك. فنحنُ هنا في الشَّرق. ولا يُمكننا الذَّهاب جَنوبًا لأنَّ الرُّوحَ مَنَعَنا. ولا يُمكننا الذَّهاب شَمالاً لأنَّ الرُّوح مَنَعَنا. لم يَبْقَ سِوى طَريق واحد. لنذهب يا رِفاق. استعدُّوا! وقد ذَهبوا غَربًا. فقد سَاروا نحو أربعمئة أو خمسمئة كيلو متر واستمرُّوا في التَّوجُّه غربًا. وهل تَعتقدون أنَّهم كانوا يَعلمونَ إلى أينَ هُم ذاهبون؟ لا، ولكنَّهم كانوا يَعلمونَ أنَّه المكانُ الوحيدُ الَّذي يُمكنهم الذَّهاب إليه. وكانَ بإمكانهم أن يقولوا: "يجب علينا أن نَرجِع إلى أنطاكِيَة لمزيدٍ مِن التَّدريب". لا، لا. فَهُم لم يكونوا بحاجة إلى مَزيدٍ مِن التَّدريب، ولم يكونوا بحاجة إلى الرُّجوع مِن أجل إكمالِ شَهادةِ الدُّكتوراه، بل كانوا بحاجة فقط إلى الذَّهاب، وإلى الاستمرارِ في التَّحَرُّك. فالبابُ مَفتوحٌ في مكانٍ مَا. لِذا فقد استمرُّوا في التَّقدُّم إلى أن وَصلوا إلى تَرُواس. وقد "ظَهَرَتْ لِبُولُسَ رُؤْيَا فِي اللَّيْلِ: رَجُلٌ مَكِدُونِيٌّ قَائِمٌ يَطْلُبُ إِلَيْهِ وَيَقُولُ: «اعْبُرْ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ وَأَعِنَّا!»". ونَقرأ في العدد 10: "فَلَمَّا رَأَى الرُّؤْيَا لِلْوَقْتِ طَلَبْنَا أَنْ نَخْرُجَ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ، مُتَحَقِّقِينَ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ دَعَانَا لِنُبَشِّرَهُمْ". ألا تَعتقدونَ أنَّ ما حَدَثَ رائع؟ يا لها مِن مُرونَة! فقد كانت لديهم خُطَط. ومع أنَّ خُطَطَهُم تَعَرقَلت فإنَّهم استمرُّوا في السَّيْر.

ولا أدري إن كنتَ قد حَاولتَ يَومًا أن تُحَرِّكَ مِقوَدَ شَاحِنَةٍ ثابتة في مَكانِها. فالأمرُ صَعبٌ جدًّا. ولكن حَالَما تَسيرُ الشَّاحنةُ على الطَّريق فإنَّ اللهَ قادرٌ أن يُوَجِّهَها. واللهُ قادرٌ أن يُحَرِّكَها. لِذا، لقد كانوا مَرِنين. هل تَعلمونَ شيئًا مُدهشًا؟ هل تَعلمونَ أنَّ "ديفيد ليفينغستون" (David Livingston) عاشَ حَياتَهُ كُلَّها وهو يُضْمِرُ في قلبِه أنَّه سيَذهب مُرْسَلاً إلى الصِّين؟ هل تَعلمونَ ذلك؟ لقد أرادَ "ديفيد ليفينغستون" طَوالَ حياتِه أن يَذهبَ إلى الصِّين. وقد خَابَ ظَنُّ "ديفيد ليفينغستون" طَوالَ حياته لأنَّه لم يَذهب إلى هناك. ولكن في يومٍ مِنَ الأيَّام، ضَغَطَ اللهُ الزِّرَّ في حياتِه فذهبَ إلى أين؟ إفريقيا. وقد فَعَلَ "ديفيد ليفينغستون" في إفريقيا ما فَعَلَهُ "ويليام كاري" في الهِند. فقد فَتَحَها للمُرسَلين الَّذينَ ابتدأوا في الذَّهاب إلى هناك مُنذُ ذلك الحين. إنَّها المُرونَة.

فأنتَ تَرى حاجةً، وتَرى البابَ يُفْتَح، وتكونُ مُستعدًّا قَلبيًّا، ولديكَ خُطَّة؛ ولكنَّ اللهَ قد يُرسِلُك إلى مكانٍ لم تُفَكِّر يومًا أن تَذهبَ إليه. وأنا أتذكَّرُ دائمًا قصَّة "مارتي وولف" (Marty Wolfe) الَّتي ذَكَرتُها في ذلك الكِتاب القصير بِعُنوان: "وَجَدْتُها: مَشيئة الله" (Found: God's Will). فقد كُنَّا أنا و "مارتي" نَذهبُ معًا إلى الجامعة عندما كنتُ في كُليَّةِ اللاَّهوت. وكانَ "مارتي" شخصًا رائعًا. وقد أرادَ "مارتي" أن يَخدِمَ الرَّبّ. وكانَ "مارتي" يَعرِف أنَّه سيَصيرُ مُرسَلاً. فقد كان يَعرف ذلك في قَلبه. وقد استعدَّ لذلك وَحَسْب، ووَضعَ استراتيجيَّةً، وخَطَّطَ. فقد كانَ قَلبُهُ مُعَلَّقًا بهذا الأمر. وكانَ يَخدِمُ طَوالَ الوقت، ويَشهَدُ للنَّاس، ويَصحبني إلى منازل أَحْبارِ اليَهودِ لمُجادلتهم. وقد كُنَّا نَقضي وقتًا رائعًا. وكانوا يَصْفَعونَنا بكلامٍ مِن التَّلمود (Talmud) وَما إلى ذلك. فقد كُنَّا نَقضي وقتًا رائعًا. وكنتُ أَصْفَعُهُم بكلامٍ مِن تَفسيرَ سكوفيلد للكتاب المُقدَّس! فهذا هو ما كُنَّا نَفعلُه! وعلى أيِّ حال، كانت هناك شركة رائعة بيني وبين "مارتي". وكانَ "مارتي" يقول دائمًا: "جون! أينَ تَظُنُّ أنَّ اللهَ يُريدُني؟ أينَ تَظُنُّ أنَّ اللهَ يُريدُ مِنِّي أن أخدِم؟" وكنتُ أقول: "مارتي! أينَ تُريد أن تَخدِم؟" فيقول: "لقد ذَهبتُ إلى فرنسا، وعِشتُ في باريس. يُمكنني أن أَخدِمَ في وَسطِ هؤلاء اليهود النَّاطقين بالفَرنسيَّة وأن أُخبرهم عن المسيح". قلتُ: "هذا رائع يا مارتي. افعل ذلكَ وحسب. اذهب إلى هناك وحسب". فقد كانَ هذا الأمرُ مُحَبَّبًا جدًّا إلى قلبِه. لِذا فقد التَحَقَ بهيئة إرساليَّة وهي "الهيئة المَسيحيَّة الكِتابيَّة" (Bible Christian Union) وكانَ عَاقِدَ العَزمِ على الذَّهاب إلى فرنسا. ولن أَنْسَ يَومًا أنَّنا وَضعنا لَوحةً في كنيستنا تقول: "مارتي وولف سيذهبُ إلى فرنسا". وقد كانَ ذلك الأمرُ مُدهشًا. وقد أَكرَمَ اللهُ حَقًّا ذلك الرَّجُل. فهو يَخدِمُ المسيحَ اليوم في كَندا! إنَّها المُرونَة. وهل تَعلمونَ أين يَخدِم في كندا؟ في مونتريال. فهو يَخدِم في وسط اليهود النَّاطقين بالفرنسيَّة؛ أي في مدينة أخرى!

وكما تَرَون، هذا هو ما يُريدُهُ اللهُ. فاللهُ يُريدُ قَلبًا مُستعدًّا، وقَلبًا مُهَيَّأً، وقلبًا لديهِ رُؤية ومُرونة للذَّهاب إلى المكانِ الَّذي يَقودُهُ الرُّوحُ إليه. وبالمناسبة، لقد بارَكَ اللهُ خِدمَتَهُ بَرَكَة عظيمة. لِذا، يجب على خادِمِ الرَّبِّ أن يَقومَ بعملِ الرَّبِّ بالطَّريقة الَّتي يُريدُها الرَّبُّ، وأن تكونَ لديهِ رُؤية للمُستقبل، وأن يَتحلَّى بالمُرونة.

النُّقطة الثَّالثة: الشَّخصُ الَّذي يَعملُ عملَ الرَّبِّ بالطَّريقة الَّتي يُريدُها الرَّبُّ... وهذه نُقطة مُهمَّة... ينبغي أَلاَّ يكونَ سَطحيًّا – ينبغي أَلاَّ يكونَ سَطحيًّا. فنحنُ نَقرأ في العدد السَّادس: "وَرُبَّمَا أَمْكُثُ عِندَكُم". لاحظوا أنَّه يريدُ أن يَمكُثَ عِندهم. "أَوْ أُشَتِّي أَيْضًا". وبالمناسبة، لقد شَتَّى بولسُ عندهم. فلا شَكَّ في أنَّه كَتَبَ رسالته الأولى إلى أهل كورِنثوس في الرَّبيع، وبقي في أفسُس حتَّى شهر حزيران/ يونيو، ثُمَّ ذهبَ لزيارة أهل كورِنثوس، وقَضى الشِّتاءَ هناك، أو مُعظمَ الأشهر الثَّلاثة هناك. وَهُوَ يقول: "أريدُ أن أَمكُثَ عِندكم". وفي العدد 7: "أَرْجُو أَنْ أَمْكُثَ عِنْدَكُمْ زَمَانًا". فأنا لا أريدُ فقط أن أراكُم في عُجالة، ولا أريدُ أن أُلَوِّحَ لَكُم في أثناء مُروري، بل أريدُ أن أَمكُثَ عندكم، وأريدُ أن أبقى عندكم زَمانًا. لماذا؟ لأنَّه كانَ مُكَرَّسًا للقيامِ بعملِ الخِدمة بإتقان. فهو لم يَكُن مُهتمًّا بالسَّطحيَّة.

فعندما نَظرَ إلى الوضعِ الرَّاهنِ في كورِنثوس رأى حاجةً هناك. والشَّيءُ الوحيدُ الَّذي فَكَّرَ في القيامِ به هو أن يُكرِّسَ نفسَه لخدمة طويلة الأمد. وبالمناسبة، هذا يَرجِع إلى المأموريَّة العُظمى الَّتي أعطاها الرَّبُّ لنا في إنجيل مَتَّى والأصحاح 28 حينَ قال: "فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ... وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ". اسمعوني: لا يُمكنكم أن تُعَلِّموا أُناسًا أن يَحفظوا كلَّ الأشياءِ الَّتي أوَصى بها اللهُ مِن دونِ أن تَستثمِرَ حياتَكَ فيهم. فلا يمكنك القيام بذلك بطريقة سَطحيَّة. ولا يُمكنك أن تُعطيهم نُبذةً وتَخرُج مِن البَلدة. فالأمرُ يَتطلَّب ما هو أكثر مِن ذلك. فالقيام بعملِ الرَّبِّ بالطَّريقة الَّتي يُريدُها الرَّبُّ لا يَحتاجُ إلى سَطحيَّة، بل يَحتاجُ إلى عَمَلٍ عَميقٍ مُتْقَن. ولم يَكُن في نِيَّةِ بولس أن يَتوقَّفَ فترةً قصيرة، ولم يَكُن في نِيَّتِه أن يُسَلِّمَ عليهم في أثناءِ سَفَرِهِ. فقد كانَ يَعرف أنَّ الحاجاتِ عظيمة كما هُو واضحٌ مِن مُحتوى رسالتهِ هذه. وقد كانَ يَعرفُ أنَّ الحِمْلَ ثَقيلٌ. لذا فقد قال: "سوفَ أمكُثُ عِندكم". وكانَ قد مَكَثَ هناكَ ثمانية عشرَ شهرًا في أوَّلِ مَرَّة. وَهُوَ يريد أن يَبقى على الأقلِّ طَوالَ الشِّتاءِ هناك. وفي أفسُس، بَقِيَ ثلاثَ سَنواتٍ يَخدِم هناك. فقد ذَهبَ إلى غَلاطيَّة في رِحلته التَّبشيريَّة الأولى، وذَهبَ إلى غَلاطيَّة في رِحلته التَّبشيريَّة الثَّانية، وذَهبَ إلى غَلاطيَّة في رِحلته التَّبشيريَّة الثَّالثة. لماذا؟ لأنَّه أرادَ أن يَعملَ عَمَلَهُ بإتقان في غَلاطيَّة. وقد عَمِلَ بإتقان. وهذا أمرٌ مُهِمٌّ جدًّا. وأعتقد أنَّه يَنبغي لأيِّ شخصٍ يَعمل عَملَ الرَّبِّ بالطَّريقة الَّتي يُريدها الرَّبُّ، ووَفقًا لخُطَّتِه، وحَسَبَ الأصول، وأن يَحصُلَ على مُوافقة الفاحِص، ينبغي له أن يَعملَ ذلك بإتقان.

سوف أقولُ لكم شيئًا: هذا هو سبب خِدمتي في الرِّعاية لأنَّ هذا هو ما أشعر أنِّي أستطيع القيام به. فكما تَعلمون، لقد كنتُ أَجُولُ وأَعِظُ خمسةً وثلاثينَ إلى أربعينَ مَرَّة في الشَّهر طَوالَ سَنتين ونِصف السَّنة قبلَ أن آتي إلى كنيسة غريس. فقد كنتُ أتجوَّلُ في جميعِ أرجاءِ البَلد وأَعِظ، وأَعِظ، وأَعِظ. وكما تَعلمون، لقد كنتُ أُسافِرُ يَومًا أو يَومَين، أو ثلاثة أو أربعة أيَّام كَحَدٍّ أقصى فأذهبُ وأعودُ بأقصى سُرعة مُمكنة. وعندما كنتُ أذهبُ إلى المكانِ الَّذي سأعِظُ فيه، كنتُ أشعُرُ بشعورٍ مُريعٍ ومُحبِطٍ. فكما تَعلمونَ، لقد كنتُ أذهبُ عادةً وأكونُ مُستعدًّا لتقديم سِلسلة مُعيَّنة مِن العِظات. وكانتِ الكَنائسُ تَطلُب مِنِّي أن أتحدَّثَ عن مَوضوعٍ مُعيَّن مِثل النُّبوَّة أو الكِرازة أو أن أُقدِّمَ سِلسلةَ عن الرُّوح القُدُس أو عن الحياةِ الدُّنيويَّة أو الخطيَّة والجنس والماديَّة وما إلى ذلك. فالواعِظُ يَذهبُ ويَتجوَّلُ بينَ الكنائسِ ويَعِظُ نَفسَ العِظاتِ القديمة. أتَعلمونَ ذلك؟ فالواعِظُ يُجَهِّزُ في الأغلَب خمسًا وعشرينَ عِظة ويُجَهِّز خمسًا وعِشرينَ حَقيبة سَفَر ويَستمرُّ في السَّفر. وكانَ هذا هو كلُّ ما أقومُ به. أتَعلمونَ ذلك؟ وطَوالَ ذلك الوقت الَّذي كُنتُ أفعلُ فيه ذلك في حياتي، كنتُ مُحبَطًا لأنِّي كنتُ أقول: "ولكنِّي لا أفعلُ شيئًا عميقًا حَقًّا". ثُمَّ إنَّ كنيسة غريس دَخَلَتْ حياتي وشَعرتُ أنِّي مُبارَكٌ جدًّا. فقد وَعظتُ هنا مَرَّةً واحدة، وكانَ قد رَعى هذه الكنيسة راعيان. وهُما رَجُلان رائعان ماتا بِنوبة قَلبيَّة! وقد قالت الكنيسة: "لا نُبالي إن كانَ الرَّاعي الجديد جَيِّدًا! أحضِروا وَحَسْب راعيًا شَابًّا".

لِذا، هأنذا هنا. وقد أَشبَعَ الرَّبُّ شَوقَ قَلبي في أن أفعلَ شيئًا عميقًا وليسَ سَطحيًّا. وقد بارَكَني الرَّبُّ. وأعتقد أنَّ الطَّريقةَ الوحيدةَ للقيام بعمل الرَّبّ هي أن يُكَرِّسَ الخادِمُ نَفسَهُ للقيام بذلك. انظروا إلى رسالة كولوسي 1: 27 و28. فنحن نقرأ في رسالة كولوسي 1: 27 على لِسانِ بولس: "الَّذِينَ أَرَادَ اللهُ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ مَا هُوَ غِنَى مَجْدِ هذَا السِّرِّ فِي الأُمَمِ، الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ رَجَاءُ الْمَجْد". بعبارة أخرى، كانَ بولس خادِمًا لِسِرّ. وقد كانت رِسالَتُه هي: "المَسيحُ فيكُم". وَهُوَ يقول: "[المسيحُ] الَّذِي نُنَادِي بِهِ [والآن لاحظوا ما يَقولُهُ هنا لأنَّهُ المِفتاح:] مُنْذِرِينَ كُلَّ إِنْسَانٍ، وَمُعَلِّمِينَ كُلَّ إِنْسَانٍ، بِكُلِّ حِكْمَةٍ، لِكَيْ نُحْضِرَ كُلَّ إِنْسَانٍ كَامِلاً فِي الْمَسِيحِ يَسُوع". وهذا رائع. فبولس يقول: "انظروا! نحنُ نُريد أن نُعَلِّم كلَّ شخصٍ كلَّ شيءٍ كلَّ حين لكي يصيروا جميعًا ناضجين". وهذا تَكريسٌ للعَملِ المُتقَن. أليس كذلك؟ للعَمل المُتقَن.

وأنا أعني ذلك حقًّا. فإن لم تكن مُستعدًّا لتكريس نفسك للعمل المُتقَن في نِطاق الخدمة ستُؤثِّر سَلبًا في فَاعليَّتِك. ولكنَّ عملَ الرَّبِّ الَّذي نقومُ به بالطَّريقة الَّتي يُريدُها اللهُ لن يَكونَ باطلاً عندما يُعمَل بإتقان. ونَقرأ في رسالة أفسُس 4: 13 إنَّ الربَّ أَعْطَى مُبَشِّرِينَ ورُعَاةً للكنيسة لكي يَبني الجسدَ إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيح، ولبُنيان القِدِّيسينَ إلى أن يَنضُجوا حقًّا. لِذا فقد قالَ بولسُ لِمُؤمِني أفسُس: "لأَنِّي لَمْ أُؤَخِّرْ أَنْ أُخْبِرَكُمْ بِكُلِّ مَشُورَةِ الله" (في سِفْر أعمالِ الرُّسُل 20: 27). بعبارة أخرى: لقد أخبرتكم جميعًا بها لأنِّي أريدُ أن يَفهمَ كلُّ شخصٍ منكم كلَّ شيءٍ يُساعِدُهُ في النُّضج. لِذا، إن أردتم أن تَعملوا عملَ الرَّبِّ بالطَّريقة الَّتي يُريدُها الرَّبُّ، اعملوهُ بإتقان.

وقد قال يسوع في إنجيل يوحنَّا والأصحاح 17 للآب: "يا أبتاه، لقد أعطيتني العملَ لأعملَه، وقد عَمِلتُهُ. فقد أعطيتُهم كلمتَك وقَبِلوها. وَهُم مُستعدُّون للعمل بها مِن تلقاءِ أنفسهم الآن. لِذا، يُمكنني أن أعودَ إليكَ". فقد عَمِلَ يَسوعُ عَمَلَهُ بإتقان. صَحيحٌ أنَّ الأمرَ تَطلَّبَ ثلاثَ سنوات، ولكنَّهُ عَمِلَهُ. وقد عَمِلَ بولس العملَ بإتقان. فقد عَمِلَ عَمَلَ الرَّبِّ بالطَّريقة الَّتي يريدُها الرَّبُّ بإتقان مُقدِّمًا شَهادةً كاملة. وبولس يقول في سِفْر أعمالِ الرُّسُل الأصحاح 20: "لقد شَهِدتُ للبِشارة". وهو يَستخدِمُ الكلمة "ديامارتوروماي" (diamarturomai). فقد قَدَّمَ شهادةً كاملة. فقد كانَ هذا هو أسلوبُه. اسمعوني: إذا كنتَ تَستعدُّ للخدمة، أو إذا كنتَ تَخدِمُ المسيح [وبالمناسبة: إنَّ كلَّ واحدٍ مِنَّا خادم. فنحنُ جميعًا مَبعوثوه وسُفراؤه]، يجب علينا أن نفعلَ ذلك بإتقان. ويجب علينا أن نفعل ذلك بشكلٍ مُمتاز. ويجب علينا أن نفعلَ ذلك بأقصى قُدرةٍ لدينا. فلا يجوزُ أن تُعَلِّمَ دَرسًا ما لم تَتعهَّدَ تمامًا بأن يكونَ دَرسًا مُمتازًا وبأن تَعملَهُ بإتقان. ولا يَجوزُ لكَ أن تَذهبَ لتخدمَ آخرينَ ما لم تُكرِّس نفسكَ لِخدمتهم بإتقان. فحينئذٍ، لن يَضيعَ تَعَبُكَ باطلاً. لِذا فإنَّ القيامَ بعملِ الرَّبِّ بالطَّريقة الَّتي يُريدُه الرَّبُّ يَحتاجُ إلى رُؤية للمستقبل، ومُرونة، والقيام بالعمل بطريقة ليست سَطحيَّة.

رابعًا، وسوفَ نَتحدَّث عن الجُزءِ الأوَّل فقط مِن هذه النُّقطة ونُتابِعُ في المرَّة القادمة لِنُنهيها. فيجب على الشخص الَّذي يقوم بعمل الرَّبّ بالطَّريقة الَّتي يُريدها الرَّبُّ... وأنا أُحبُّ ذلك... يجب عليه أن يَكونَ مُكَرَّسًا لِخدمةٍ في الوقتِ الحاليّ... لِخدمةٍ في الوقتِ الحاليّ. وأنا أعني بذلك ما يلي: لا يُمكنكَ أن تكونَ مُخَطِّطًا فقط، بل يجب عليك أن تُنَفِّذَ تلك الخُطط. فيجب عليك أن تُنفِّذَها الآن لكي يَستخدمكَ اللهُ في المستقبل. فهناك الكثيرُ مِن الحَالِمينَ الَّذينَ يُخطِّطونَ ما سيفعلونه، وأشخاصٌ أقَلّ بكثير يَفعلونَ ما يُمكنهم فِعلُه. الكثير مِن الحَالِمين. وأنا أَعلمُ أنَّك عندما تَجلس في كُليَّة اللاَّهوت فإنَّك تقول: "عندما أَخرج مِن هذا المكان، هذا هو ما سأفعلُه... هذا هو ما سأفعلُه. ثُمَّ إنَّني سأفعلُ كذا، وسوفَ أَخدِمُ في هذه الخِدمة الرَّائعة. وسوفَ يَحدُث كَذا وكَذا". ثُمَّ يأتي السُّؤال التَّالي مِن الرَّسول بولس: "هذا مُدهش جدًّا! ما الَّذي تَفعلُه الآن؟ لأنَّ الحاضِرَ هو البُرهانُ القويُّ. والحاضِر هو وقتُ الامتحان".

ولا يُمكنني أن أنسى أنَّني تَحدَّثتُ إلى طالبِ كُليَّة لاهوت كانَ سيتخرَّج بعدَ نحوِ شهر فقالَ لي: "لقد أنهيتُ أربعَ سنواتٍ في كُليَّة اللاَّهوت، ولديَّ كلُّ المعلومات في عقلي". ثُمَّ قال: "سوف أذهب وأرعى كنيسة". ثُمَّ قال: "جون، ليست لديَّ أَدنى فكرة عَمَّا هو مَطلوبٌ مِنِّي!" يا لها مِن مأساة! وإن كنتُم تَشعرونَ بالأسف عليه، تَخيَّلوا حَالَ الأشخاصِ المَساكين الَّذينَ سيَرعاهُم! وما أعنيه هو أنَّكَ لن تَسقُط مِن السَّماء على هؤلاء النَّاس وأنتَ تَمتلك كلَّ الإجابات، بل يجب عليكَ أن تُثبِت نَفسَك. هل تَعلمونَ ماذا يَحدث عندما يَكتُبُ النَّاسُ إلينا؟ فنحنُ نَتَسَلَّم رسائلَ كلَّ يوم مِن أيَّام الأسبوع. وأنا مُتيقِّنٌ مِن أنَّنا نَتسلَّمُ رسائل كلَّ يوم مِن كنائس ومُنظَّمات تَكتُب إلينا كي نُوصي بأشخاصٍ يَخدمونَ لديهم. وَهُم يقولونَ دائمًا الشَّيءَ نفسَهُ: "نريدُ شخصًا أثبَتَ أنَّهُ فَعَّال". وأنا لا أَلومُهم. فاللهُ يَطلُبُ الشَّيءَ نَفسَه. اللهُ يَطلُبُ الشَّيءَ نَفسَه. فلا يُمكنكَ أن تُعطي شخصًا عَديمَ الخِبرة مكانًا استراتيجيًّا في الخدمة. لِذا، مِن المهمِّ جدًّا أن يكون الشَّخصُ الَّذي يُخطِّط للمستقبل مُكَرَّسًا أيضًا للخدمة في الحاضر.

وأحيانًا يكونُ مِن الصَّعب أن نُحافظَ على ذلك التَّوازُن. ولكن يجب عليك أن تُكرِّس نفسكَ للخدمة في الحاضر وأن تَسكُبَ نَفسَك، وتَجتهِد، وتكون أمينًا ومُجتهدًا ومُكَرَّسًا تمامًا، وأن تَشعر في الوقت نفسه بالرَّغبة الشَّديدة في القيام بالأشياء الَّتي لم تُعمَل بعد. ويجب عليكَ أن تَحتفظ بهذَيْن الشُّعورَيْن المُتضارِبَيْن. فإن تَمَلَّصتَ مِن الحاضِر وفَكَّرتَ فقط في المستقبل، يكونُ أمرُكَ قدِ انتهى لأنَّكَ ستُخفِقُ في الاختبارِ الَّذي يَجري على أرضِ الواقع. وإن غَرِقْتَ في الحاضِر ولم تُفكِّر في المستقبل تكونُ قد أَضَعْتَ الرُّؤية. لِذا، يجب عليكَ أن تُرَكِّز على كِلا الجانِبَيْن.

انظروا إلى العدد الثَّامن. فهو جيِّد جدًّا. فبولس يقول: "لديَّ هذه الخُطط. سوفَ آتي إلى هُنا، وأذهبُ هُناك، وآتي إلى هُنا..."، وهَكذا دَوَاليكَ. ثُمَّ إنَّه يقولُ في العدد الثَّامن: "وَلكِنَّنِي أَمْكُثُ فِي أَفَسُسَ إِلَى يَوْمِ الْخَمْسِينَ". لماذا يا بولس؟ "لأَنَّهُ قَدِ انْفَتَحَ لِي بَابٌ..." (كما يقولُ في العدد 9). فلديَّ خدمة هناك. وأنا لا أريدُ أن أتركَ هذه الخدمة. ويا للعَجَب! فنحنُ هنا أمامَ شخصٍ يستطيعُ لا فقط أن يُخَطِّطَ للمستقبل، بل يَقدر حقًّا أن يَخدِمَ في الحاضر. فخُطَطُه العظيمة للكنائس الأخرى ينبغي أن تُؤجَّلَ إلى يوم الخمسين. فقد كانَ لديه عمل يقومُ به. فقد كان قادرًا على التَّخطيط للمستقبل، وأن يُفَجِّرَ في الوقت نفسه كلَّ طاقتِه في الحاضر. إنَّه رَجُل يقومُ بعملِ الرَّبِّ بالطَّريقة الَّتي يُريدُها الرَّبُّ.

لقد كُنتُ أتحدَّثُ أنا و "مايك مَكيلَب" (Mike McKellup) ذاتَ يوم عن هذا الأمر وسألتُ "مايك" إن كنتُ أستطيع أن أُشارك هذا الأمرَ معكم. ومارك حاضرٌ معنا في هذا الصَّباح. لقد خَضَعَ مايك لعمليَّة جِراحيَّة في دِماغِه فاكتشفوا وَرَمًا لا يُمكن استئصالُه جِراحيًّا. وقد أخبروا مايك أنَّه قد بَقي أمامَهُ كَم؟ مِن سِتَّة أشهر إلى سَنتين أو رُبَّما شيئًا مِن هذا القبيل ليعيش. وقد بَقِيَ لدى مايك ثمانية ساعات مُعتمدة لإنهاء دراسته في كُليَّة اللاَّهوت. وأنا أعرفُ ما كانَ مايك يُخَطِّط له طَوال دراسته في كُليَّة اللاَّهوت لأنِّي سَمِعتُ ذلك مِن أصدقائه. وحتَّى إنَّه شارَكَ ذلك معي وقالَ إنَّه يريدُ أن يكونَ واحدًا مِن الرُّعاة. فهو يريدُ أن يَرعى كنيسة. فهو لديهِ هذه الرُّؤية. وقد وَضَعَ هذه الخُطَط. ولكنِّي سأقولُ لكم شيئًا رائعًا عن مايك. أنا لم أعرف مايك فقط بصفتِه شخصًا يَضَعُ الخُطَط فقط دونَ أن يَفعلَ شيئًا، بل إنَّني طَوالَ معرفتي بمايك أراهُ مُنهمكًا جدًّا في الخدمة. والحقيقة هي أنَّه عندما التقيتُ مايك أوَّلَ مَرَّةً، كانَ قد ابتدأ دروسًا للكتاب المقدَّس في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجليس (UCLA). وهو لم يكن يَخدِم مع هيئة أو كنيسةٍ ما، بل كانَ يَخدِم وحَسْب. وقد ابتدأ دروسًا للكتاب المقدَّس. وقد استمرُّوا في النُّموِّ والنُّموِّ والنُّموِّ، وابتدأوا دروسًا للكتابِ المُقدَّسِ في السَّكَنِ الجامِعيِّ، وابتدأَ اللهُ يَعمل. وقد ابتدأَ يُتَلمِذُ آخرين. وهناكَ أشخاصٌ تَلمَذَهُم يُشرِفونَ على تلك الخدمات هناك. وهناك أشخاص آخرونَ مِنهم يَدرسونَ في كُليَّة اللاَّهوت. فقد كانَ هذا كُلُّه يَجري في حياتِه. ونحنُ نتحدَّث عن حقيقة إنَّه إن كانَ الرَّبُّ يُريدُ أن يَأخُذَهُ إليه بعد سِتَّة أشهر فإنَّه لن يَذهب إلى السَّماءِ وَهُوَ يقول: "ولكنِّي... ولكنِّي وَضعتُ خُطَطًا لكلِّ شيء... لقد وَضعتُ خُطَطًا لكلِّ شيء"، بل إنَّه سيَذهبُ إلى السَّماء وهو يقول: "لقد كنتُ أَخدِم. لقد كنتُ أَخدِم". فينبغي أن تكونَ لديكَ خِدمة في الحاضر.

ويجب أن تَعلموا أنَّه مِن الرَّائع أن تكونَ لديكَ رُؤية، ولكن لا تَجْمَد في مَكانِك. فقد لا يكونُ هناكَ وقتٌ لتحقيقِ رُؤيتك. لا أدري ما قد يحدث، ولكِن لا تتوقَّع مِن الله أن يَضَعَكَ في مَوقفٍ نَموذجيٍّ في المستقبل إلاَّ إذا كنتَ تَفعل شيئًا تُبَرهِنُ مِن خلاله أنَّكَ تَخدِم في الحاضِر. فهذه نُقطة جوهريَّة.

وهذا يُذكِّرُني باستفانوس وفيلبُّس. هل تَعلمونَ كيفَ ابتدآ خِدمتَهُما؟ لقد كانا يَخدِمان في تَقديم الطَّعام. أجل! فقد قالَ الرُّسُل: "انظروا! لا يمكننا أن نُقدِّمَ الطَّعامَ للنَّاسِ وأن نَدرُسَ كلمةَ الله أيضًا (كما جاء في سِفْر أعمال الرُّسُل والأصحاح السَّادس). لِذا، يجب عليكم أن تَنتخبوا مجموعةً مِن خُدَّام الموائِد. أحضِروا أشخاصًا يُمكنهم أن يَخدموا في تَوزيعِ الطَّعام. ونحنُ نُريدُ أشخاصًا بمؤهِّلات جيِّدة. وما هي هذه المؤهِّلات؟ يجب أن يكونوا قادرين على حَمْلِ صَحْنَيْن بيَدٍ واحدة دونَ أن يُسقطوهما. لا! ما هي... ما هي مؤهِّلاتُهم؟ نريدُ رجالاً مَمْلُوِّينَ إيمانًا، ومَمْلُوِّينَ مِن الرُّوح القُدُس، ومَمْلُوِّينَ حِكمةً. ويا لها مِن مؤهِّلاتٍ مُدهشة لأشخاصٍ سيُقدِّمونَ الطَّعام! لذا فقد اختاروا مجموعةً مِن الأشخاص المُمتازين، وكانَ أفضلُ اثنين مِنهم هُما استفانوس وفيلبُّس. هل سَمِعتُم بهما؟ أتَعلمونَ لماذا؟ لأنَّهما ابتدآ بخدمة تقديم الطَّعام وكانا أَمينَيْنِ في تقديم الطَّعام فَجَعَلَهُما اللهُ مُبَشِّرَيْن. وهذا هو ما يَعكِفُ اللهُ على القيامِ به. وتُلاحظونَ أنَّ بولسَ يقول: "لديَّ الكثير مِن الخُطَط العظيمة، ولكنَّي لا أَسمَحُ البتَّة لهذه الخُطط أن تُفْقِدَني رؤيتي لخدمتي الحاليَّة. فهذه هي الخدمة الَّتي أُكَرِّس حياتي لها... الآن". لِذا، إن أردتَ أن تَعملَ عَملَ الرَّبِّ بالطَّريقة الَّتي يُريدُها الرَّبُّ، يجب أن تَكونَ لديكَ رؤية للمستقبل، ويجب أن تكونَ مَرِنًا، ويجب أن تَعملَ بطريقة ليست سَطحيَّة، ويجب أن تَكونَ مُكرَّسًا لخدمة في الوقت الحاضر... خِدمة حَاليَّة مُثمرة وفَعَّالة.

وعندما يَحينُ الوقتُ المُناسب الَّذي يَضغَطُ فيه اللهُ على زِرِّ إطلاقِكَ في المستقبل، ستكونُ جاهزًا، وتكونُ قد أَثْبَتَّ نَفسَك، وتكونُ قد طَبَّقتَ المبادئَ الَّتي ستُطبِّقها في نِطاقِ خِدمتك الجديد. لِذا يا أحبَّائي، لِنَكُن دائمًا مُكْثِرينَ في عمل الرَّبّ. ولنعمل ذلك بطريقة لا يَضيعُ فيها تَعَبُنا باطِلاً، بل بطريقة تُمَجِّدُ الله. وهذا يعني أن يَخدِمَ كُلٌّ مِنَّا هكذا أيًّا كانت مواهِبُنا وقُدُراتُنا ودَعوَاتُنا. دَعونا نُصَلِّي:

يا رَبّ، مِن الرَّائع جدًّا أن تُنعِشَ ذاكِرَتَنا مُجَدَّدًا مِن خلالِ الشَّهادةِ والنَّموذَجِ اللَّذينِ نَراهُما في حياةِ هذا الرَّجُل: بولُس. يا لَهُ مِن خادِمٍ رائع! يا أبانا، اجعَلنا نَتَمَثَّلُ ببولس الَّذي كانَ يَتمثَّلُ بيسوع. وساعِدنا على أن نَعملَ العملَ الَّذي يُريدُه الرَّبُّ بالطَّريقة الَّتي يُريدُها الرَّبّ. ساعِدنا على أن نفعل ذلك بالطَّريقة الَّتي تُريدُها أنت. وساعِدنا على أن نُكَرِّسَ أنفسنا للخدمة، وأن نُخَصِّصَ أنفسَنا لها. وساعِدنا على أن نكونَ مِثلَ أَبَفْرُودِتُس؛ أي أن نَعمَلَ بِجِدٍّ حتَّى الموت إن كانَ هذا هو ما تُريدُه، وأن نكونَ مُجتهدين، وأن يُقيمَ كُلُّ مِنَّا نَفسَهُ للهِ مُزَكُى، عَامِلاً لاَ يُخْزَى. استخدمنا يا أبانا لكي نَعمل عَملكَ بطريقتك حَتَّى يَؤولَ كُلُّ المجدِ إليكَ أنت. آمين!

This sermon series includes the following messages:

Please contact the publisher to obtain copies of this resource.

Publisher Information
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969

Welcome!

Enter your email address and we will send you instructions on how to reset your password.

Back to Log In

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize
View Wishlist

Cart

Cart is empty.

Subject to Import Tax

Please be aware that these items are sent out from our office in the UK. Since the UK is now no longer a member of the EU, you may be charged an import tax on this item by the customs authorities in your country of residence, which is beyond our control.

Because we don’t want you to incur expenditure for which you are not prepared, could you please confirm whether you are willing to pay this charge, if necessary?

ECFA Accredited
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Back to Cart

Checkout as:

Not ? Log out

Log in to speed up the checkout process.

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize