Grace to You Resources
Grace to You - Resource

رِسَالة أفسُس 4: 25-32. هذا مَقطعٌ عَمليٌّ جدًّا. وهو واحِدٌ مِنَ المَقاطِعِ الَّتي لا تَحتاجونَ إلى أن أُفَسِّرَهُ لَكُم. فيُمكنكم وَحَسْب أن تَسمَحوا لِروحِ اللهِ أن يُبَكِّتَكُم في أثناءِ قِراءَتِكُم لَهُ لأنَّهُ يَقولُ الكثيرَ مِن تِلقاءِ ذاتِه. ولكنِّي سأحاولُ قَدرَ استِطاعَتي أن أُرشِدَكُم قليلاً في التَّفكيرِ فيه، وأن أُساعِدَكُم على رُؤيةِ تأثيرِهِ الكامِل. رسالة أفسُس 4: 25. وأودُّ أن أقولَ للزُّوَّارِ إنَّنا نُتابِعُ دراستَنا لرِسالة أفسُس أسبوعًا تِلو الآخر، وشَهرًا تِلو الآخر، مَقطعًا مَقطعًا، ونَصرِفُ وقتًا رائعًا.

ونَقرأُ ابتداءً مِنَ العدد 25: "لِذلِكَ اطْرَحُوا عَنْكُمُ الْكَذِبَ، وَتَكَلَّمُوا بِالصِّدْقِ كُلُّ وَاحِدٍ مَعَ قَرِيبِهِ، لأَنَّنَا بَعْضَنَا أَعْضَاءُ الْبَعْضِ. اِغْضَبُوا وَلاَ تُخْطِئُوا. لاَ تَغْرُبِ الشَّمْسُ عَلَى غَيْظِكُمْ، وَلاَ تُعْطُوا إِبْلِيسَ مَكَانًا. لاَ يَسْرِقِ السَّارِقُ فِي مَا بَعْدُ، بَلْ بِالْحَرِيِّ يَتْعَبُ عَامِلاً الصَّالِحَ بِيَدَيْهِ، لِيَكُونَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ لَهُ احْتِيَاجٌ. لاَ تَخْرُجْ كَلِمَةٌ رَدِيَّةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ، بَلْ كُلُّ مَا كَانَ صَالِحًا لِلْبُنْيَانِ، حَسَبَ الْحَاجَةِ، كَيْ يُعْطِيَ نِعْمَةً لِلسَّامِعِينَ. وَلاَ تُحْزِنُوا رُوحَ اللهِ الْقُدُّوسَ الَّذِي بِهِ خُتِمْتُمْ لِيَوْمِ الْفِدَاءِ. لِيُرْفَعْ مِنْ بَيْنِكُمْ كُلُّ مَرَارَةٍ وَسَخَطٍ وَغَضَبٍ وَصِيَاحٍ وَتَجْدِيفٍ مَعَ كُلِّ خُبْثٍ. وَكُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ اللهُ أَيْضًا فِي الْمَسِيح".

مِنَ الواضحِ أنَّكُم تُدركونَ أنَّ هذا المَقطعَ عَمليٌّ جدًّا. واسمَحوا لي أن أعودَ وأُذكِّرَكُم بأمورٍ ذَكرناها صَباحَ يومِ الأحدِ الماضي لَعَلِّي أتمكَّنَ مِن مُساعدتِكُم على نَقلِكُم مِن ذلكَ النَّصِّ إلى هذا النَّصّ. فلَعَلَّكُم تَذكرونَ أنَّنا تأمَّلنا في المَرَّةِ السَّابقةِ في العِظةِ على الجبل. فقد تأمَّلنا في إنجيل مَتَّى والأصحاحات مِن 5 إلى 7 وقُلنا إنَّ يَسوعَ يَقولُ هُناكَ إنَّ الأشخاصَ الَّذينَ هُمْ جُزءٌ مِن مَلكوتِهِ ينبغي أن يكونوا مُختلِفينَ عن بَقيَّةِ العالَم. فَينبغي أن يُفكِّروا تَفكيرًا مُختلفًا، ويَنبغي أن يَتكلَّموا كَلامًا مُختلفًا وأن يَتصرَّفوا تَصَرُّفًا مُختلفًا. كما أنَّ دَوافِعَهُم ينبغي أن تَكونَ مُختلفة، وينبغي أن يَعبُدوا اللهَ بطريقةٍ مُختلفة. بعبارة أخرى: يَنبغي أن يكونَ بَنُو المَلكوتِ الحَقيقيُّونَ أشخاصًا يَسهُلُ تَمييزُهُم عن أهلِ العالَم – على الأقلِّ في جَوانبِ الاختلافِ المَذكورةِ في العِظةِ على الجَبل.

فيجب أن يكونَ هُناكَ فَرق. فلا يَجوزُ أن نَكونَ مِثلَ العالَم. فعندما يُعيدُ اللهُ خَلْقَ إنسانٍ في يسوعَ المسيح، هُناكَ شيءٌ جَديد. وهُناكَ شيءٌ مُختلف. فهذهِ الخَليقةُ الجديدة هي بِحَقّ خَليقة جَديدة. وقد رأينا أنَّ الرَّبَّ كانَ يَتكلَّم في إنجيل مَتَّى والأصحاحات مِن 5 إلى 7 إلى مَجموعةٍ مِنَ الأشخاصِ الَّذينَ كانوا يؤمنونَ بأنَّهم مُواطِنو المَلكوت. فقد كانوا يؤمنونَ بذلك. فقد كانوا يُؤمِنونَ بأنَّهُم في تَدبيرِ الله، وبأنَّهُم قد حَصَلوا على بَرَكَةِ الله. ولكنَّهُم كانوا مُجرَّدَ أشخاصٍ مُدَّعينَ، وليسوا مُؤمِنينَ حَقيقيِّين. فقد كانوا يُغَطُّونَ قُلوبَهُم الشرِّيرة بعَباءَةٍ دِينيَّة. وقد كانوا يَرتدونَ قِناعًا رُوحيًّا زائفًا لتَغطيةِ سُلوكِهم الحَقيقيِّ في الجسدِ؛ وهي صِفَة كانوا يَتَّصِفونَ بها بِطبيعتِهم. فقد كانوا مُتَدِيِّنينَ؛ ولكنَّهُم لم يُولدوا ثانيةً.

لِذا فإنَّ رَبَّنا يَقول: "إِنْ لَمْ يَزِدْ بِرُّكُمْ عَلَى الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ لَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّماوَات". وقد رأينا أنَّ رَبَّنا يَدعو إلى هذا المِعيارِ مِنَ البِرِّ لِكونِهِ شَيئًا مُلازِمًا للمُؤمِن وصِفَةً مُلازمةً للمؤمِن. فَلا قيمةَ للغِطاءِ الدِّينيِّ الزَّائفِ والمُزيَّفِ والسَّطحيِّ الَّذي كانَ يَرتديهِ النَّاسُ في زَمانِه. لِذا فإنَّ رَبَّنا يَقول: "المؤمنونَ الحَقيقيُّونَ هُم ليسوا أولئكَ الَّذينَ يَقولونَ يا رَبّ، يا رَبّ، وليسوا أولئكَ الَّذينَ يَدَّعونَ أنَّهُم في المَلكوت؛ بل هُمُ الأشخاصُ الَّذينَ يُبَرهِنونَ على ذلكَ مِن خلالِ حَياتِهم، ومِن خِلالِ حَقيقةِ أنَّهُم مُميَّزونَ ومُختلِفونَ وفَريدون". وقد قُلنا إنَّك إن لم تَكُن تَسلُك بتلكَ الطَّريقة، وإن لم تَكُن حَياتُكَ مُختلفة تمامًا عن أهلِ العالَم، هُناكَ احتِمالٌ كَبيرٌ في أنَّكَ لستَ مُؤمِنًا أصلاً؛ بِغَضِّ النَّظرِ عَمَّا تَدَّعيه، وبِغَضِّ النَّظرِ عَمَّا تَتَخَيَّلُه، وبِغَضِّ النَّظرِ عن مِقدارِ تَدَيُّنِك.

فما لم يَكُن هُناكَ اختلافٌ واضحٌ في نَمَطِ حَياتِك، هُناكَ احتمالٌ كَبيرٌ في أنَّهُ لا يوجدُ شيءٌ مُمَيَّزٌ في طَبيعتِكَ أيضًا. وبولُسُ يُعيدُ بِصورةٍ رَئيسيَّةٍ تأكيدَ نَفسِ الحَقِّ في رسالة أفسُس. فبولُس يَقول في الأصحاحات 1-3: "انظُروا! هذه هي صِفاتُكُم". وهو يَقولُ في الأعداد 4-6: "هَكذا ينبغي أن تَسلُكوا". ولا يُمكنُكم أن تَفصِلوا هذا الجانِبِ عن ذاك. فهناكَ دائمًا مِعيارٌ فيما يَختصُّ بالمَقام. وهُناكَ دائمًا مِعيارٌ يَختصُّ بالسُّلوك. والجانِبانِ يَسيرانِ معًا. فلا يُمكنُكَ أن تَقول: "أنا مُؤمِنٌ لأنَّني قَبِلتُ ذاتَ يومٍ المسيح". فهذا ليسَ ما يُعَلِّمُهُ بولُس. وهذا ليسَ ما يُعَلِّمُهُ بُطرس. وهذا ليسَ ما يُعَلِّمُهُ يوحنَّا. وهذا ليسَ ما تُعَلِّمُهُ العِظَةُ على الجَبل. فبُطرس، ويوحنَّا، وبولُس، والمسيحُ يَقولونَ جَميعًا الشَّيءَ نَفسَهُ. فإن كُنتَ مُؤمنًا، يجب أن يَظهَرَ ذلكَ في حَياتِك.

وقد ذَكَرَ بُطرسُ ذلكَ في رسالة بُطرس الثَّانية والأصحاحِ الأوَّل. فهو يَقولُ إنَّكُم حَصلتُم على الطَّبيعةِ الجديدة. فقد حَصلتُم على طَبيعةٍ غيرِ قابلة للفَساد. وقد حَصلتُم على وُعودٍ رائعةٍ وثَمينة. وقد صِرتُم شُركاءَ الطَّبيعةِ الإلهيَّة. والطَّريقةُ الوحيدةُ الَّتي يُمكِنُكم فيها أن تُبَرهِنوا على ذلكَ، والطَّريقةُ الوحيدةُ الَّتي يُمكِنُ مِن خِلالِها أن تُؤكِّدوا دَعوتَكُم واختيارَكُم هي أن تُضيفوا إلى ذلكَ فَضيلة. فعندما تُضيفونَ الفَضيلةَ إلى ذلكَ ستَبتَدِئونَ في رُؤيةِ حَقيقة ذلك. وهو يَتحدَّثُ عنِ الفَضيلة، ويَتحدَّثُ عنِ اللُّطف، ويَتحدَّثُ عنِ المحبَّة، وعن كُلِّ تلكَ الصِّفاتِ النَّابعةِ مِنَ الخَليقةِ الجديدة. بعبارة أخرى، إنَّ ما يَقولُهُ بُطرسُ هو التَّالي: سوفَ تَتأكَّدونَ مِن خَلاصِكُم، وتَتَيَقَّنونَ مِن خَلاصِكُم لا مِن خلالِ تَذَكُّرِ شَيءٍ حَدَثَ في الماضي، بل مِن خِلالِ مُمارسةِ الفَضيلة في الوقتِ الحاضِر.

فهذا شيءٌ رَئيسيّ. ويوحنَّا يَقولُ الشَّيءَ نَفسَهُ في رسالة يوحنَّا الأولى. فيُمكِنُكَ أن تَعلمَ أنَّكَ مُؤمِنٌ مِن خلالِ ما يَحدُثُ في حَياتِكَ الآن. وهذا صَحيح. فيجب أن تَعلموا أنَّهُ حَتَّى عندما يَعيشُ المؤمنونَ في الخطيَّة لأيَّة مُدَّة فإنَّ واحدًا مِن أوائلِ الأشياءِ الَّتي يَختبرونَها هو أنَّهُم يَفقدونَ شُعورَهُم بالأمان. وَهُم يَبتدِئونَ في الشَّكِّ فيما إذا كانوا حَقًّا مُخَلَّصينَ لأنَّ ذلكَ الشُّعورَ يَتأتَّى مِن شَهادةِ الحَياةِ وتأكيدِ الرُّوحِ القُدُسِ الَّذي يَسكُنُ فينا. لِذا، إن لم تَكُن تَحيا حَياةً مُختلفة، هُناكَ احتمالٌ كَبيرٌ في أنَّكَ لستَ شَخصًا مُختلفًا. فالخَليقةُ الجَديدةُ تَتصرَّف مِثلَ الخَليقةِ الجديدة. ولكن لاحِظوا ما سأقول: مَعَ أنَّ هذا الأمرَ حَقيقة مُطلَقة، ومعَ أنَّ اللهَ يَقول: "هذه حَقيقة مُطلقة"، ما زالَ هُناكَ عُنصُرُ تَعاوُنٍ نابعٍ مِن إرادَتي.

ومعَ أنَّ الرَّبَّ يَقولُ: "إن كُنتَ مُؤمِنًا يجب عليكَ أن تَعيشَ هكذا"، فإنَّ هذا لا يَعني أنَّ ذلكَ يَحدُثُ رَغمًا عَنِّي. وهذا هو جَمالُ المُفارقةِ في الحياةِ المسيحيَّة. فإن قالَ شخصٌ لي: "مَن يَحيا الحياةَ المسيحيَّة: أنتَ أمِ الرَّبّ؟" فإنَّني أَرُدُّ عليهِ قائلاً: "إنَّهُ الرَّبُّ. ’لا أنا، بلِ المَسيحُ يَحيا فِيَّ‘. وبالرَّغمِ مِن ذلك، مِن جانبٍ آخر، إنَّهُ أنا" لأنَّهُ ما لم أَقمَع جَسدي وأُخضِعُهُ، وما لم أتجاوب معَ الوصايا، وما لم أقُل "نَعم" وأخضَعُ لرُوحِ اللهِ لحظةً تِلو الأخرى، لن يَحدُثَ ذلك. لِذا فإنَّها سِيادةُ اللهِ مِئة بالمِئة. ومع ذلك، إنَّهُ تَجاوُبي مع ذلكَ مِن خلالِ إرادتَي الذَّاتيَّة. ويُمكِنُنا أن نَرى هُنا نَفسَ المُفارَقة. وهذا هو تَمامًا ما يَقولُهُ بولُسُ هُنا. فإن كُنتَ خَليقةً جَديدة (وَفقًا للأصحاحات 1-3)، يجب عليكَ أن تَحيا ذلك (وَفقًا للأصحاحات 4-6).

ولكنَّكَ تَصيرُ خَليقةً جَديدةً مِن خِلالِ سِيادةِ اللهِ وإرادَتِكَ الشَّخصيَّة (وَفقًا للأصحاحات 1-3). وأنتَ تَحيا ذلكَ وَفقًا لسيادةِ اللهِ لأنَّكَ خَليقة جَديدة، ووَفقًا لإرادَتِكَ الشَّخصيَّة حينَ تَتجاوبُ معَ ذلك. لِذا فإنَّ كِلا الجَانبَيْنِ لازِمان. وهذا أمرٌ بسيطٌ جدًّا. ويُمكنُنا أن نَتعَمَّقَ في ذلك؛ ولكنَّ هذا يَكفي الآن. لِذا، يُمكنُكم أن تُلاحِظوا في الكتابِ المقدَّسِ – والآن لاحِظوا ما سأقول: أنَّ هُناكَ آياتٍ تَقولُ: "هكذا ينبغي للمؤمِنِ أن يَسلُك"، وأنَّ نَفسَ المَبدأ يُذكَرُ أحيانًا في شَكلِ وَصيَّة تَقول: "يَنبغي أن تَسلُكَ هَكذا". هذا هو ما سيَفعلُهُ اللهُ في حَياتِكَ إن كُنتَ مُؤمِنًا؛ ولكن إليكَ ما يَجِبُ عليكَ أن تَفعلَهُ. وكما تَرى، أنتَ لستَ شَخصًا آلِيًّا، بل إنَّ لَكَ دَورًا، بطريقةٍ مَا، في تَفجيرِ الطَّاقةِ الإلهيَّةِ في حَياتِكَ لِكي تَصيرَ ما يَنبغي أن تَصيرَ عليه.

لِذا، ستَجِدونَ ذلكَ حِينًا في صِيغةِ جُملةٍ مُثْبَتَةٍ، وستَجِدونَ ذلكَ حِينًا آخرَ في صِيغةِ وَصِيَّة. وهُنا يَقولُ الرَّسولُ بولسُ ذلكَ بصيغةِ وَصايا. فهو يَقول: "حيثُ إنَّكُم خَليقة جَديدة، وحيثُ إنَّ الخَليقةَ الجديدة مُختلفة، إليكُم كيفَ تَكونونَ مُختلِفين، وإليكُم كيفَ تَكونونَ مُتَمَيِّزين، وإليكُم كيفَ ينبغي أن تَكونَ حَياتُكُم مُنفصلةً عن حياةِ الآخرين". ويا أحبَّائي، لا حَاجةَ إلى القولِ إنَّهُ يَجدُرُ بالكنيسةِ أن تَكونَ مُختلفة؛ وإلاَّ لن يَكونَ لَدينا أيُّ شيءٍ جَديد نَقولُهُ. أليسَ كذلك؟ والآن تَذَكَّروا أنَّهُ في الأعداد مِن 17 إلى 24، يَتحدَّثُ الرَّسولُ بولُسُ بصُورةٍ عامَّة. وكَلامُهُ العامُّ هُوَ ببساطة كالتَّالي: "يجب عليكم أيُّها المؤمنونَ أن تَكونوا مُختلِفين. يجب عليكم أن تكونوا مُختلفين. لا يَجوزُ أن تَسلُكوا كما يَسلُكُ الأُمَمُ أوِ الوَثنيُّونَ" (في العدد 17).

ولا يَجوزُ أن تَسلُكوا في عَمى، وظُلمة، وغَلاظَةِ قَلب، وعدمِ رَهافَةِ حِسٍّ، ودَعارَةٍ، وجَشَعٍ. فأنتُم مُختلِفون. أنتُم مُختلِفون. وأنتُم لم تَتَعلَّموا المَسيحَ هَكذا. لِذا يجب عليكم أن تَخلعوا [في العدد 22] الإنسانَ العَتيقَ، وفي العدد 23: أن تَلبَسوا الإنسانَ الجَديد. فهذه هي القاعدةُ العامَّة. يجب عليكم أن تَتَبَنُّوْا نَمَطَ الحياةِ الجديد. ويجب عليكم أن تَسلُكوا سُلوكًا جَديدًا، وأن تَعيشوا وَفْقَ نَمَطِ حَياةٍ جَديد. لِذا فقد قَدَّمَ تلكَ القاعدةَ العامَّةَ وَفقًا لِهُوِيَّتِنا في الأصحاحات 1-3. وهو يُخبرُنا في الأصحاحات 4-6 كيفَ نَسلُك. فيجب عليكم أن تَخلعوا الإنسانَ العَتيقَ وتَلبَسوا الإنسانَ الجَديد. وقد يَقولُ قَائِلٌ: "ماذا تَعني يا جون تَحديدًا؟" إنَّهُ يَتكلَّمُ بعِباراتٍ مُحَدَّدة جدًّا في العدد 25.

فمِن ذلكَ العَدد حَتَّى نِهايةِ الأصحاح، أو بالحَرِيِّ: حَتَّى نِهايةِ الرِّسالة، نَراهُ يَتكلَّم بعباراتٍ مُحَدَّدة جدًّا. وهُنا، يجب عليكم أن تُعْمِلوا إرادَتَكُم. ويجب عليكم هُنا أن تَقولوا: "نَعم". ويجب عليكم هُنا أن تُديروا المِفتاحَ الَّذي يُشَغِّلُ المُحَرِّك. فالكَلامُ العامُّ مَذكورٌ في الأعداد 17-24. والآن نأتي إلى الكَلامِ المُحَدَّد ابتداءً مِنَ العدد 25. وأوَّلُ شَيءٍ يَفعلُهُ هو ما يَلي: إنَّهُ يُخَصِّصُ الحقيقةَ العامَّةَ للانتقالِ مِن نَمَطِ الحياةِ القديمِ إلى نَمَطِ الحياةِ الجَديد. وهو يُقَدِّمُ لَكُم خَمسَ فِئاتٍ يَحدُثُ فيها التَّغيير، أو خَمسة جَوانب إيضاحيَّة. أولاً، يجب عليكم أن تَطرحوا عَنكُم الكَذِبَ وتَتَكَلَّموا بالصِّدق. يجب عليكم أن تَطرحوا عَنكُم الكَذِبَ وتَتَكَلَّموا بالصِّدق. العَدد 25:

"لِذلِكَ" – بعبارة أخرى، حيثُ إنَّ القاعِدَةَ العامَّةَ تَقولُ إنَّ الإنسانَ العَتيقَ قد مَاتَ وإنَّ الإنسانَ الجَديدَ قد وُلِد، "لِذلكَ..." [أي: تَحديدًا]: "...اطْرَحُوا عَنْكُمُ الْكَذِبَ، وَتَكَلَّمُوا بِالصِّدْقِ كُلُّ وَاحِدٍ مَعَ قَرِيبِهِ لأَنَّنَا بَعْضَنَا أَعْضَاءُ الْبَعْضِ". والآن، تَذَكَّروا ما يَلي: أنَّنا نَقرأُ في سِفْر الرُّؤيا 21: 8 ما يَلي: "وَأَمَّا الْخَائِفُونَ وَغَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالرَّجِسُونَ وَالْقَاتِلُونَ وَالزُّنَاةُ وَالسَّحَرَةُ وَعَبَدَةُ الأَوْثَانِ وَجَمِيعُ الْكَذَبَةِ، فَنَصِيبُهُمْ فِي الْبُحَيْرَةِ الْمُتَّقِدَةِ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ". والآن، هُناكَ أمرٌ واحدٌ مُؤكَّدٌ وهو أنَّ الكَذَبَة سيَذهبونَ إلى جَهَنَّم. فهذا هو ما تَقولُهُ الآية. وعلى النَّقيضِ مِن ذلك، لا شَكَّ في أنَّ الأشخاصَ الَّذينَ سيَذهبونَ إلى السَّماءِ لَيسُوا ماذا؟ لَيسُوا كَذَبَة. فهذه ليست صِفَةً مِن صِفاتِ المُؤمِن.

ولا شَكَّ في أنَّ هُناكَ أوقاتًا نُخطِئُ فيها ونَسقُط، ولكن لا يُعقَلُ أن تَنظُرَ إلى حَياتِكَ وَتَرى كَذِبًا مُستمرًّا وأن يَكونَ لَديكَ أيُّ أساسٍ كِتابيٍّ للاعتقادِ بأنَّكَ مُؤمِنٌ لأنَّ جَهنَّمَ هي مَثوى الكَذَبة. وبالمُناسبة، نَقرأُ في إنجيل يوحنَّا 8: 44: "أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ". وإبليسُ هُوَ أَبُو ماذا؟ الْكَذَّاب. لِذا، إن كُنتَ كاذِبًا بِطبيعَتِكَ، وإن كانت حَياتُكَ هي كَذِبٌ مُستمرٌّ، وإن لم تَكُن تَستطيعُ أن تَتعاملَ تَعامُلاً سَليمًا معَ الحَقِّ، فإنَّكَ تُشيرُ إلى أنَّ إبليسَ هوَ مَصدَرُكَ، وإلى أنَّ جَهنَّمَ هي مَصيرُكَ. وبِغَضِّ النَّظرِ عَمَّا تَدَّعيه، وبِغَضِّ النَّظَرِ عن تَدَيُّنِكَ، وبِغَضِّ النَّظَرِ عنِ التزامِكَ بالمجيءِ إلى الكنيسة فإنَّكَ لن تَكونَ جُزءًا مِن مَلكوتِ اللهِ لأنَّ الكَذَبة لا يَذهبونَ إلى السَّماء.

فالنَّاسُ الَّذينَ يَذهبونَ إلى السَّماءِ ليسوا كَاذِبين. لِذا فَهُوَ يَقولُ إنَّه ينبغي لكَ أن تُعْمِلَ إرادَتَكَ: "اطْرَحُوا عَنْكُمُ الْكَذِبَ، وَتَكَلَّمُوا بِالصِّدْقِ كُلُّ وَاحِدٍ مَعَ قَرِيبِهِ". وبالمُناسبة، هذا اقتباسٌ مِن سِفْر زَكريَّا 8: 16. وهذا يُعطينا فِكرةً بَسيطةً عن كيفيَّةِ تَعامُلِ بولُس معَ العهدِ القديم. فهو يَقتَبِسُ مِنَ العهدِ القديم. وواحِدةٌ مِنَ السِّماتِ الرَّئيسيَّةِ لنَمَطِ حَياتِنا البشريَّةِ اليومَ هي الكَذِب. هل تُدركونَ أنَّ لَدينا نِظامًا عَالميًّا كامِلاً قائمًا على الكَذِب؟ وهل تَتخيَّلونَ ما الَّذي يُمكِنُ أن يَحدُثَ إن قامَ جَميعُ النَّاسِ في يومٍ واحدٍ فقط بِقَولِ الحقيقة؟ سوفَ تَنشُبُ الحَربُ العالميَّةُ الثَّالثة. فإن عُرِفَت حَقيقةُ كُلِّ شيءٍ، وإن قَرَّرَ الجَميعُ فجأةً أن يَقولوا الحقيقة فإنَّ نِظامَنا كُلَّهُ سَيَنهار. ولكن يجب علينا أن نَطرَحَ الكَذِبَ وأن نَكونَ مُختلِفينَ بهذا المَعنى.

فأهلُ العالَمِ ليسوا مُختلِفين. فالكذبُ هو كُلُّ شيءٍ في حَياتِهم. فأينَما نَظرنا نَجِدُ أنَّ المُحامينَ يَكذِبونَ، وأنَّ الأطِبَّاءَ يَكذِبون، وأنَّ المُعَلِّمينَ يَكذِبون، وأنَّ الوُعَّاظَ يَكذِبون... بَعضٌ مِنَ الوُعَّاظِ يَكذِبون! ومَندوبو المَبيعاتِ يَكذِبون، والسِّكرتيراتُ يَكْذِبْنَ، ورُؤساءُ العَملِ يَكذِبون، والمُعلِنونَ يَكذِبون، والسِّياسيُّونَ يَكذِبون، والحُكومَةُ تَكذِب، وكُلُّ شخصٍ يَكذِب. وهذا هو ما يُبقي العَجَلَةَ دائرةً. فلا أحدَ مُطالَب بقولِ الحَقيقة. فالأمرُ لا يَعملُ بتلكَ الطَّريقة. واللُّعبةُ لا تُلعَبُ هكذا. فكُلُّ شيءٍ قائمٌ على الأكاذيب. وإن قَرَّرَ الجَميعُ أن يَقولوا الحقيقةَ فإنَّ النِّظامَ بِرُمَّتِهِ سيَنهارُ انهيارًا كبيرًا. فأنتَ تَفعلُ ما يُوافِقُ مَصلَحَتَك. والكَذِبُ يُوافِقُ مَصلَحَتَك. وهذا أمرٌ عَجيب! فالنَّاسُ يَكذِبونَ بشأنِ الأُمورِ الصَّغيرةِ والأمورِ الكبيرة. فهو نَمَطُ حَياةٍ وَحَسْب. وهو أمرٌ نابِعٌ مِنَ الطَّبيعةِ الخاطِئَةِ الفاسِدَة.

والعالَمُ يَكذِبُ لأنَّهُ يَستمِدُّ الكَذِبَ مِن أبيهِ؛ أي مِن إبليس الَّذي هو أبو الكَذِب، والَّذي وَضَعَ نِظامًا قائمًا على الأكاذيب. والنِّظامُ الدِّينيُّ بأسرِه، بِمَعزِلٍ عنِ الحَقِّ الَّذي تُعلِنُهُ المَسيحيَّةُ، هو مَجموعةٌ مِنَ الأكاذيب. فهي مُجرَّدُ أكاذيبٍ، وأكاذيبٍ، ومَزيدٍ مِنَ الأكاذيب. فالشَّيطانُ يَكذِبُ بخصوصِ الحياةِ، ويَكذِبُ بخصوصِ المَوتِ، ويَكذِبُ بخصوصِ اللهِ، ويَكذِبُ بخصوصِ المسيحِ، ويَكذِبُ بخصوصِ الرُّوحِ، ويَكذِبُ بخصوصِ الكتابِ المقدَّسِ، ويَكذِبُ بخصوصِ السَّماءِ، ويَكذِبُ بخصوصِ جَهنَّم، ويَكذِبُ بخصوصِ الأمورِ الصَّالحَةِ، ويَكذِبُ بخصوصِ الأمورِ الطَّالِحَةِ، ويَكذِبُ بخصوصِ كُلِّ شيءٍ. فكُلُّ شيءٍ قَائِمٌ على الأكاذيب. وعندما يُرَوِّجُ لِنظامٍ دِينيٍّ فإنَّهُ يَضَعُ فيهِ حقيقةً صَغيرةً لكي تَظُنُّوا أنَّهُ لا بأسَ بِهِ. وهذا يُشبِهُ السَّاعةَ المُعَطَّلَة. فهي تُخبرُكَ الوقتَ الصَّحيحَ مَرَّتينِ في اليومِ فقط. هذا هو كُلُّ ما في الأمر.

وكُلُّ النِّظامِ الَّذي نَعيشُ فيه مِن جِهَةِ الاقتصادِ قائمٌ على الأكاذيب. وحُكومَتُنا تَكذِبُ عَلينا طَوالَ الوقتِ. ونحنُ نَسمعُ فقط ما يُريدونَ مِنَّا أن نَسمَعَهُ. وهكذا هي الحالُ في عَالَمِنا. وإن ذَهبتَ لِشراءِ أيِّ شيءٍ وسَمِعتَ الكثيرَ مِنَ الدَّعايةِ والإعلانِ عنهُ، اعلَم أنَّ ما سَمِعتَهُ غير صَحيح. ولكنَّكَ تَقِفُ هُناكَ ولا تَجِدُ أمامَكَ أيَّ خِيار. وَهُم يُرَوِّجونَ لذلكَ الشَّيء على شَاشَةِ التِّليفزيون. وإن كانَ ذلكَ الشَّيء يَرتَقي إلى مُستوى تَوَقُّعاتِكَ فإنَّهُ يَكونُ غاليًا جدًّا. وفجأةً يَدخُلُ اللهُ حَياتَكَ. والكِتابُ المُقَدَّسُ يَقولُ إنَّ اللهَ صَادِقٌ وإنَّ كُلَّ إنسانٍ كاذِب. فالمسيحُ يأتي إلى حَياتِكَ ويقول: "أنا هو الطَّريقُ والحَقُّ والحياة". والرُّوحُ القُدُسُ يَسكُنُ في حَياتِكَ. وهو يُدعَى "رُوحُ الحَقِّ" الَّذي يَقودُكَ إلى كُلِّ الحَقِّ. وكلمةُ اللهِ تُدعى "الحَقّ" إذ نَقرأُ في إنجيل يوحنَّا والأصحاح 17: "كَلامُكَ هُوَ حَقٌّ".

وفجأةً، عندما تَصيرُ مُؤمِنًا فإنَّكَ تَخرُجُ مِن نِطاقِ الأكاذيبِ وتَدخُلُ إلى نِطاقِ الحَقّ. فأنتَ تَعرِفُ اللهُ الحَقيقيَّ، وقد افتُديتَ مِن قِبَلِ المَسِيَّا الحَقيقيّ، ويَسكُنُ فيكَ الرُّوحُ الحَقيقيُّ، ولَديكَ الكلمة الحَقيقيَّة، وتَحياها في حَياةٍ حَقيقيَّة. وعندما يَفتَحُ المُؤمِنُ فَمَهُ (وَفقًا لرسالة أفسُس 4: 15) يجب عليهِ أن يَقولَ الحَقَّ. فنحنُ نُؤمِنُ بالحَقّ. وهذا يعني أنَّهُ يجب علينا أن نَطرَحَ الكَذِب. وأنا أعني هُنا كُلَّ أشكالِ الكَذِب. فقد تَقول: "ماذا تَعني بالكَذِب؟" واحدٌ مِن أشكالِ الكَذِب هو أن تَقولَ شيئًا ليسَ صَحيحًا. فهذا هو الشَّكلُ الرَّئيسيُّ للكذب. ولكن توجدُ أشكالٌ كثيرةٌ أخرى للكَذب مِثلَ حَجْبِ الحَقِّ، والمُبالغة. ولا شَكَّ في أنَّ المُبالغةَ مُشكلةٌ حَقيقيَّة.

لا أَذكُرُ مَنِ الَّذي أخبرني ذاتَ يومٍ أنَّ شخصًا كانَ يَجولُ ويَشهَدُ عن إيمانِه. وقد قالَ إنَّهُ كانَ يَشهَدُ في كُلِّ مَكانٍ يَذهبُ إليه. فقد كانَ يَتكلَّمُ ويُقدِّمُ شَهادةً رائعةً. فقد كانَ يَفعلُ ذلكَ في كُلِّ مَكانٍ يَذهبُ إليه. لِذا فقد دُعِيَ إلى مَكانٍ ما فقالَ لَهُ أحدُ الأشخاصٍ: هل ستُقدِّمُ شَهادَتَكَ؟" قال: "لا! لقد تَوقَّفتُ عن تَقديمِ شَهادَتي. لن أُقَدِّمَ شَهادَتي بعدَ اليوم". قال: "ماذا تَعني؟" قال: اسمَع! لقد قَدَّمتُ شَهادَتي على مَدى سَنواتٍ عَديدة. وقد كُنتُ أُضيفُ إليها شيئًا في كُلِّ مَرَّة حتَّى نَسَيْتُ شَهادَتي الحقيقيَّة". هل تَعرفونَ ذلك؟ فقد تَكذِبُ وتغِشُّ في مَدرستِك كأن تَغِشَّ في الامتحاناتِ، أو تَعرِفَ الأسئلةَ قبلَ الامتحان.

وقد تَغِشُّ في تِجارَتِكَ، أو تَغِشُّ في عَمَلِكَ، أو تَغِشُّ في ضَرائِبِكَ، أو لا تَفي بِوعودِكَ؛ حَتَّى تلكَ الَّتي تَقطَعُها للهِ. فهذا كَذِب. وقد تَخونُ الثِّقة. وقد تَقولُ إنَّكَ لن تَبوحَ بالسِّرِّ؛ ولكنَّكَ تَفعلُ ذلك. وقد تُجامِلُ الآخرينَ؛ وهذا كَذِب لأنَّكَ تقولُ لَهُم أشياءً كثيرةً غير صَحيحة عنهم لكي يَظُنُّوا أنَّكَ شخصٌ رائعٌ ويُعطوكَ شيئًا بالمُقابِل. وقد تُقَدِّمُ أعذارًا واهِيَةً. هل تَعلمونَ شيئًا؟ أريدُ أن أقولَ لكم إنَّ الإنسانَ الشَّريفَ هو رَجُلٌ يَقول: "أجل! لقد فَعلتُ ذلك. وقد كُنتُ مُخطئًا". فأغلبيَّةُ النَّاسِ يَقولون: "أنتَ لا تَفهم أسبابي!" ثُمَّ إنَّهُم يَذكرونَ أمورًا كثيرةً لتبريرِ ما فَعلوه. لِذا، أعتقدُ أنَّ هُناكَ أعذارًا كثيرةً بخصوصِ شَيءٍ مَا. وأعتقدُ أنَّ السُّكوتَ في المواقفِ الَّتي ينبغي لكَ فيها أن تقولَ الحقيقةَ هو كَذِب.

ولا مَجالَ للكذب في الحياةِ المسيحيَّة. وهذا مَذكورٌ في سِفْر الخروج والأصحاح 20: "لاَ تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ". قُل الحقيقة. قُل الحقيقة. فتَدبيرُ اللهِ قائمٌ على الحَقّ. ويجب أن يكونَ كذلك. وكما تَرَوْنَ، أنا لا أتحدَّثُ عن نَوعٍ مِنَ الصِّدقِ النَّفسيِّ، ولا أتحدَّثُ عن التَّدريبِ على رَهافَةِ الحِسِّ إذ هُناكَ مَن يَقولون: "إنَّ أفضلَ شيءٍ تَفعلُهُ هو أن تَقولَ الحقيقة". فأنا أذكُرُ أنَّني انضَممتُ إلى مَجموعةٍ كهذهِ ذاتَ مَرَّة. ولا أدري كيفَ انضَممتُ إليها! ولكنِّي كنتُ أجلسُ هُناكَ. وكانَ ينبغي لكُلِّ شخصٍ أن يَقولَ ما يَعرِفُهُ عنِ شخصٍ آخر، وعنِ الأشياءِ الَّتي لا يُحِبُّها فيه. وقد قالَ واحدٌ مِنهُم للآخر: "أريدُ أن تَعلمَ أنَّكَ تَجعلُني أشعُر بالغَثَيان! أنا أكرهُك. أنا أَكرَهُ أُذُنَيْكَ، وأَكرَهُ الطَّريقةَ الَّتي تَتَّحدَّث بها. فهناكَ شيءٌ فيكَ أكرَهُه!"

والفِكرةُ بِمُجملِها هي: "أَتَرى ما حَدَثَ الآن! ألا تَشعُرُ بمشاعِر أفضل؟" اسمعوني... اسمعوني: أنتَ لستَ بحاجة إلى الصِّدقِ في ذلكَ الموقف، بل أنتَ بحاجة إلى الرُّجوعِ إلى اللهِ كي تَطلُبَ مِنهُ أن يَستأصِلَ الكَراهِيَةِ مِن قَلبِك. فأنتَ تُعاني مُشكلةً أخرى. وأنتَ تَقرأُ الآيةَ غير المُناسبة. فيجب عليكَ أن تَنظُرَ إلى الآيةِ الَّتي تَليها؛ إلى الآية 26. فلا يوجد سَبب لقيامِكَ بذلك. فنحنُ لا نَتحدَّثُ عن صِدْقٍ زائفٍ لَهُ أبعادٌ نَفسيَّة. فاللهُ لا يَتحدَّثُ عن هذا الجانبِ هُنا. وهذه ليست النُّقطة الجَوهريَّة. فإن لم تَكُن تُحِبُّ شخصًا ما، لن يَنفَعَكَ الصِّدقُ في شيء إن قُلتَ لَهُ إنَّكَ تَكرَهُه. فإن لم تَكُن تُحِبُّهُ، يجب عليكَ أن تَلتجئَ إلى اللهِ لكي يُساعِدَكَ في جانبِ المَحبَّةِ لأنَّهُ يجب عليكَ أن تُحِبَّ النَّاسَ.

لِذا، يجب عليكم أن تَطرحوا كُلَّ أشكالِ الكَذِبِ في أيَّة عَلاقة. ولكنَّ هذه ليست رُخصةً لَكَ للتَّعبيرِ عن كَراهِيَّتِكَ. فهذه مُشكلة أخرى. والآن، قد تَقول: "وما هو أساسُ ذلك؟ ولماذا مِنَ المُهمِّ جدًّا أن نَقولَ الحقيقة؟" انظروا إلى العدد 25: "لأَنَّنَا بَعْضَنَا أَعْضَاءُ الْبَعْضِ". ونحنُ نَتحدَّثُ عنِ الجَسَدِ في رسالة أفسُس، يا أحبَّائي. ونحنُ نَتحدَّثُ عن وَحدةِ الكنيسة. وإن لم نَقُلِ الحقَّ بعضُنا لبعض، سوفَ نَهدِمَ الشَّركةَ بينَنا. وسوفَ أُقَدِّمُ لَكُم مَثلاً إيضاحيًّا: ماذا سيَحدُثُ إنِ رَاحَ عَقلُكَ يَكذِبُ عليكَ؟ سوفَ أُقَدِّمُ لكم مَثلاً إيضاحيًّا. ماذا لو عَكَسَ أوامِرَ الحارِّ والبارِد؟ وماذا لو فَكَّرَ قائلاً: "سوفَ أكذِبُ قليلاً هُنا وأَعكِسُ الحارَّ والبارِد".

هل ستَعلمونَ ما الَّذي سيَحدُثُ في المَرَّةِ القادِمَةِ الَّتي تَسْتَحِمُّونَ بها؟ سوفَ تَحرِقونَ أنفسَكُم. وماذا سيَحدُثُ في المرَّةِ القادمةِ الَّتي ستُحاولُ فيها أن تُسَخِّنَ قَهوَتَكَ؟ فإن عَكَسَ عَقلُكَ الحَرارةَ ستَستمرُّ في تَسخينِها، ثُمَّ تَسخينِها، ثُمَّ تَسخينِها؛ ولكنَّها ستَبقى باردةً! وستكونُ هذهِ هي نِهايَتُكَ بسببِ ذلكَ الشَّيء الصَّغير. واسمَحوا لي أن أطرحَ عليكُم السُّؤالَ التَّالي: ماذا سيَحدُثُ إن قَرَّرَتْ عَينُكَ أن تَخدَعَكَ قَليلاً في المرَّةِ القادِمَةِ الَّتي تَقودُ فيها سَيَّارَتَكَ للذَّهابِ إلى مَكانٍ مَا؟ أي إن قالت عَينُكَ: "أعتقدُ أنِّي سوفَ أُخفي المَشاهِدَ الحقيقيَّةَ قليلاً! فلا يوجد مُنعَطَفٌ حَقًّا في الطريق"، أو "لا توجد شاحِنَة كبيرة تَعبُرُ الطَّريق!" وَداعًا! فلا شَكَّ في أنَّكَ تَتَّكِلُ على صِدْقِ جِهازِكَ العَصبيِّ، وتَتَّكِلُ على صِدْقِ كُلِّ عُضوٍ في جَسَدِك؛ وإلاَّ فإنَّكَ ستَموت.

وحَتَّى إنَّ اللهَ وَضَعَ في عَقلِكَ نِظامًا أساسيًّا لِصِحَّتِك وَهُوَ نِظامُ الإنذارِ مِن خلالِ الألم. وهو نِظامٌ صَادِقٌ ويُخبرُكَ بذلكَ حينَ تَكونُ هُناكَ مُشكلة. فهو نِظامٌ يَكشِفُ عن وُجودِ الأمراض. وهو يُخبِرُكَ ما هي الأعراض. فاللهُ أعطانا مَجموعةً كاملةً مِنَ الأعراض لكي نَعلمَ أنَّنا نُواجِهُ مُشكلةً ينبغي عِلاجُها. وصِدْقُ الجَسَدِ هو الَّذي يَسمَحُ لَهُ بالعمل. ولا يُمكِنُ لجسدِ المسيحِ أن يَكونَ أقَلَّ مِن ذلك. فلا يُمكنُنا أن نُخفي الحَقَّ بعضُنا عن بعض؛ وإلاَّ فإنَّنا لن نَعملَ كما ينبغي. فكيفَ نَخدِمُ بعضُنا بعضًا، وكيفَ نَحمِلُ بَعضُنا أحمالَ بَعضٍ، وكيفَ يَعتني بعضُنا ببعض، وكيفَ يُحبُّ بعضُنا بعضًا، وكيفَ يَرفَعُ بعضُنا بعضًا، وكيفَ يُعَلِّمُ بعضُنا بعضًا، وكيفَ يُصَلِّي بعضُنا لأجلِ بعض إن لم نَكُن نَعلَمُ ما يَجري حَقًّا؟ لِذا، كونوا صَادِقينَ، وقولوا الحَقَّ. فأنتُم تَطرحونَ الكَذِبَ وَتقولونَ الصِّدقَ عندما تَصيرونَ خَليقةً جديدة. وهذا واحدٌ مِنَ الأشياءِ العَتيقةِ الَّتي تَخلَعونَها. والكلمة "اطرَحُوا" ("أبوتيثيمي" – "apotithemi") تَعني أن تَخلَعوا شيئًا كما تَخلَعونَ ثَوبًا عَتيقًا. وهي كلمة استُخدِمَت في سِفْرِ أعمالِ الرُّسُلِ للإشارةِ إلى الأشخاصِ الَّذينَ خَلَعوا ثِيابَهُم وطَرحوها عندَ قَدَمَيّ شاوُل. اخْلَعوها! ثانيًا، يجب عليكم أن تَستعيضوا عنِ الغَضَبِ غيرِ المُقدَّس بالغضبِ المُقدَّس: "اِغْضَبُوا وَلاَ تُخْطِئُوا". وهناكَ ثلاثُ كلماتٍ يونانيَّة تُشيرُ إلى الغضب: "ثوموس" (thumos)، و "بارورغيزموس" (parorgismos)، و "أورغيه" (orge). والكلمة "ثوموس" تُشيرُ إلى الغَضَبِ العَارِم حيثُ تَفقِدونَ أعصابَكُم تمامًا. وهي تُشيرُ حَرفيًّا إلى تَصاعُدِ الدُّخان. فأنتَ تَفقِدُ أعصابَكَ تَمامًا. أمَّا الكلمة "بارورغيزموس" فتُشيرُ إلى ذلكَ الامتِعاضِ الدَّاخليِّ، والغَيْظِ، والغَلَيانِ النَّاجِمِ عنِ الغَيْرَةِ والغَضَبِ، والحَسَد. وهو غَضَبٌ يَستمرُّ في الغَليانِ إلى أن تَصيرَ شخصًا بَشِعًا ومُتقلِّبَ المَزاجِ، ولديكَ أَصْلُ مَرارة.

أمَّا الكلمة "أورغيه" فتُشيرُ بصورةٍ رئيسيَّةٍ إلى الغَضب. وهي ألفاظٌ تُستخدَمُ بالتَّبادُل؛ ولكنِ اسمَحوا لي أن أُبَيِّنَ لَكُم ظِلالَ المَعاني. فالكلمة "أورغيه" تُشيرُ إلى قَناعَةٍ راسِخَةٍ تُوَلِّدُ الغَضَب. بعبارة أخرى، هُناكَ أولويَّات مُعيَّنة في حَياتِك وأمورٌ مُعيَّنةٌ أنتَ مُقتَنِعٌ بها تَمامًا. وعندما يَحدُثُ شَيءٌ يُخالِفُ ذلك فإنَّ هذا هو رَدُّ فِعلِكَ الطَّبيعيّ. فمثلاً، إن عَقدتَ العَزمَ بكُلِّ قلبِكَ على أن تُحِبَّ طِفلاً في عائلتِك، وكَرَّستَ حَياتَكَ لذلكَ الطِّفل، سوفَ تَكرَهُ أيَّ شخصٍ يأتي ويُؤذي ذلكَ الطِّفل. فهو تَكريسٌ راسِخ. وهذه الكلماتُ قد تُشيرُ إلى غَضَبٍ حَميد أو سَيِّء. فقد تَغضَبُ وتُخطِئ. وقد تَغضَبُ ولا تُخطِئ.

ولكِنَّ الأمرَ بِرُمَّتِه يَتوقَّفُ على دافِعِك. أليسَ كذلك؟ وبالمُناسبة، إنَّ الغَضَبَ الَّذي مِنَ النَّوع "ثوموس" (thumos) ليسَ غَضَبًا يَليقُ بالمُؤمِن. فذلكَ الغَضَبُ العَارِمُ ليسَ شيئًا يُسمَحُ بأن يَفعلَهُ الأشخاصُ الَّذينَ يُسَمُّونَ اسمَ المسيح. فالكلمة "ثوموس" تُشيرُ إلى الإنسانِ الَّذي لم يُولَد ثانيةً. وهي تُستَخدَمُ للإشارة إلى الإنسانِ الَّذي يَتصرَّفُ بطريقةٍ خاطئة. وهي تُستخدَمُ للإشارةِ إلى الشَّيطانِ في سِفْرِ الرُّؤيا 12: 12. وهي تُستخدَمُ للإشارةِ إلى اللهِ في رسالة رُومية 2: 8. فاللهُ هُنا يَسكُبُ غَضَبَهُ حَرفيًّا في الدَّينونةِ الأخيرة. فهي تُستخدَمُ للإشارةِ إلى غَضبِ اللهِ النِّهائيّ. واللهُ هو الوحيدُ الَّذي يَستطيعُ حَرفيًّا أن يُمارِسَ أعنفَ وأقصى غَضَبٍ مُمكِن. لِذا فإنَّ الكلمة "ثوموس" تُعَبِّرُ عن أعنفِ غَضَبٍ مُمكن. واللهُ هو الوحيدُ الَّذي يَستطيعُ أن يَسكُبَ جَامَ غَضَبِهِ وأن يَبقى بالرَّغمِ مِن ذلكَ بارًّا لأنَّ كلَّ شيءٍ في فِكرِ اللهِ هو تَحتَ السَّيطرةِ التَّامَّة؛ حَتَّى غَضَبَهُ النِّهائيّ. أَتَرَوْن؟

أمَّا أنتُم وأنا فلا نَستطيعُ ذلك. فنحنُ لا نَستطيعُ أن نَتحكَّمَ في الغَضَب "ثوموس" لأنَّهُ سيَخرُجُ عنِ السَّيطرة. ولكن أحيانًا، قد يكونُ الغَضَبُ مِنَ النَّوع "بارورغيزموس" (أيِ الامتعاض الدَّاخليّ)، أوِ الغضب مِنَ النَّوع "أورغيه" (أيِ الغَضَبُ النَّابعُ مِنَ القَناعاتِ الرَّاسخة) مُحتَملاً. وهو يَكونُ مُحتَملاً عندما يكونُ غَضَبًا لأسبابٍ غير أنانيَّة. فيُمكنُنا أن نَغضبَ بسببِ الأشياءِ الَّتي تُحزِنُ قَلبَ الله. ويُمكنُنا أن نَغضبَ بسببِ الأشياءِ الَّتي تُعيقُ إنجيلَهُ وتُؤذيه. ففي نِهايةِ المَطافِ، لقد غَضِبَ الرَّبُّ. فأنا أرى غَضَبَ يَسوعَ المُقدَّسَ عندما طَهَّرَ الهَيكل. فأنا أرى ذلك. فهذا هو ما حَدَثَ عندما طَرَدَ يسوعُ الصَّيارفةَ وباعَةَ الحَمام. فقد كانَ غَضَبًا ظَاهِرًا. وقد كانَ غَضَبًا شَديدًا. ورُبَّما كانَ غَضَبًا مِنَ النَّوع "أورغيه" هُناك. وهو يَدُلُّ على أنَّهُ بارٌّ. فقد كانَت لديهِ قَناعةٌ بأنَّ قَداسةَ اللهِ على المِحَكِّ. وعندما رأى الشَّرَّ هُناكَ، تَحَرَّكَ ضِدَّهُ.

وأنا أراهُ أيضًا في إنجيل يوحنَّا والأصحاح 11 إذْ نَقرأُ أنَّ يَسوعَ بَكى. ولكن قبلَ ذلك نَقرأُ أنَّهُ انزَعَجَ بالرُّوح. وأعتقد أنَّهُ كانَ غَضَبًا مِنَ النَّوع "بارورغيزموس". فأعتقدُ أنَّهُ كانَ غَضَبًا مِن عَواقبِ الخطيَّة عندما رأى أنَّ لِعازَرَ ماتَ. فالمَوتُ مِثالٌ ورَمزٌ مُباشِرٌ على قُوَّةِ الخطيَّة. وقد ذَكَّرَهُ ذلكَ بالأشياءِ المُريعةِ الَّتي سيَحتَمِلُها على الصَّليبِ عندما سيَحمِلُ أُجرةَ الخطيَّة في جسدِه. لِذا فقد غَضِبَ مِنَ الخطيَّة، وقد استاءَ جدًّا مِنَ الخطيَّة. وقد كانَ مُحِقًّا في أن يَغضَب. ولكن فيما يَخُصُّ المؤمِن، هُناكَ هذهِ الوَصيَّة: لا تَغضَب حَتَّى لا يَصيرَ ذلكَ الغَضبُ خَطيَّةً. لا تَغضَب بسببِ أُمورٍ تَخُصُّك. لا تَغضَب عندما يُسيءُ النَّاسُ إليك. لا تَسمَح لغضبِكَ أن يَصيرَ امتِعاضًا شخصيًّا، أو مَرارةً شَخصيَّةً، أو تَجَهُّمًا شَخصيًّا، أو تَقَلُّبًا مِزاجيًّا شَخصيًّا.

فذلكَ الشَّيءُ مَحظور. إنَّهُ مَحظور. فإن كانَ لديكَ أيُّ غَضَبٍ مُبَرَّر فإنَّهُ ذلكَ الغَضب الَّذي يَهدِفُ إلى الدِّفاعِ عنِ الطَّبيعةِ العَظيمةِ والمَجيدةِ والمُقدَّسةِ لله. وهو غَضَبُ يَسوعَ حينَ بَكى وانزَعَجَ بالرُّوحِ عندَ قَبرِ لِعازَر. وهو غَضَبُ يَسوعَ عندما صَنَعَ سَوْطًا وطَهَّرَ الهَيكل. إنَّهُ غَضَبُ اللهِ. وهو غَضبُ اللهِ المُقدَّس في سِفْر التَّثنية وسِفرِ العَدد في العهدِ القديم. ولكنَّ النَّوعَ المَغلوطَ مِنَ الغضبِ (بحسبِ الأصحاحِ الخامسِ مِن إنجيل مَتَّى) هو أوَّلُ خُطوةٍ تُؤدِّي إلى القَتل. وهذا خطأ. فأحيانًا، رُبَّما يجب علينا أن نَغضب. وأحيانًا، أنا أغضب. وفي الرِّسالةِ الأولى إلى تيموثاوس والأصحاحِ الأوَّل، يبدو أنَّ بولسَ غَضِبَ قليلاً مِن شخصَيْنِ اسمُهُما "هِيمِينَايُس" وَ "الإِسْكَنْدَر"، وأمسكَهُما مِن أُذِنِهما وطَرَدَهُما مِنَ الكنيسة.

فمِن حَقِّكَ أن تَغضبَ على أمورٍ مُعيَّنة. فالمَزمور 97: 10 يَقول: "يَا مُحِبِّي الرَّبِّ، أَبْغِضُوا الشَّرَّ". وفي المَزمور 69: 9، يَقولُ داوُد: "لأَنَّ غَيْرَةَ بَيْتِكَ أَكَلَتْنِي، وَتَعْيِيرَاتِ مُعَيِّرِيكَ وَقَعَتْ عَلَيَّ". فهو يَقولُ: "يا رَبُّ، لا يُمكنُني أن أَحتمِلَ ما يَفعلُهُ النَّاسُ باسمِك. فهذا يُغضِبُني". وأنا أَعترفُ بأنيِّ أغضبُ أحيانًا. وأنا أرجو ألاَّ أغضبَ مِن أجلِ الأمورِ الَّتي قد تَخُصُّني شخصيًّا، بل أرجو أن أغضبَ دائمًا على ما يَحدُثُ لاسمِ اللهِ القُدُّوس. وأرجو ألاَّ أتوقَّفَ عنِ الغضبِ لأجلِ ذلك. فيجب علينا أن نَملِكَ الحَدَّ الأدنى مِن غَضَبِ "الـ "أورغيه" (orge)؛ أيِ الغَضَب مِنَ الخطيَّة، والغَضَب مِنَ الشَّرّ لأنَّ هذا يَجعلُنا دائمًا نُفكِّرُ بالعقليَّةِ الَّتي تُشيرُ إليها التَّطويبات حَتَّى إنَّهُ في كُلِّ مَرَّةٍ أرى فيها خَطيَّة فيكُم أو فِيَّ فإنَّني أَحزَنُ في رُوحي.

فهذا النَّوعُ مِنَ الغضبِ هو عَصَبُ الرُّوح. أمَّا الغضبُ الأنانيُّ، والعَاطفيُّ، وغيرُ المُنضبطِ، والخارجُ عنِ السَّيطرةِ فهو خاطئٌ، وعَديمُ الفائدةِ، ومُؤذٍ. ويجب نَزْعُ هذا النَّوعِ مِنَ الغَضبِ مِن الحياةِ المسيحيَّة. أمَّا الغَضبُ المُنضَبِطُ الَّذي يَسعى إلى إعطاءِ اللهِ البارِّ مَكانَهُ الصَّحيح فهو غَضَبٌ طَاهِرٌ، وغيرُ أنانيٍّ، وديناميكيّ. وهُناكَ أشخاصٌ مِنَّا لا يَغضبونَ في حين أنَّهُ يجب عليهم أن يَغضَبوا. فيجبُ علينا أن نَغضبَ بسببِ أمورٍ كثيرةٍ تَحدُثُ في العالَم. ويجب علينا أن نَغضبَ بسببِ أمورٍ كثيرةٍ تَحدُثُ في الكنيسة؛ ولكن لا يَجوزُ لنا أن نَسمحَ لذلكَ الغضب أن يَصيرَ غَضَبًا مِنَ النَّوعِ الخطأ. لِذا فإنَّ بولسَ يَقول: "اِغْضَبُوا وَلاَ تُخْطِئُوا". لا تَناموا أو تَدَعوا الشَّمسَ تَغرُبُ على غَيظِكُم. لا تَكُن شخصًا مُمتَعِضًا وغاضِبًا. عَالِج الغضب.

وأعتقدُ أنَّ الجُزءَ الثَّاني مِنَ الآيةِ يُشيرُ إلى النَّوعِ الخطأِ مِنَ الغضب. والمَعنى المقصودُ هو أنَّكَ إن كُنتَ تَغضَبُ غَضَبًا مِنَ النَّوعِ المَغلوطِ، وإن كُنتَ تَغضبُ بتلكَ الطَّريقة فإنَّ ذلكَ خَطيَّة ويجب عليكَ أن تُعالِجها الآن؛ لا أن تَتركُها على حَالِها. لا تَنَم وأنتَ غَاضِب. واجِهها وتَعامَل مَعها. فكما تَعلمونَ، نحنُ نَقرأُ في كُلِّ العهدِ الجديدِ أنَّهُ عندما نَجِد أنفسَنا أمامَ خَطيَّة، يجب علينا أن نُعالِجَها الآن. فيجب علينا أن نَتوبَ، ونَعترفَ بها، ونَترُكها. وبالمُناسبة، إنَّ هذا الأمرَ (أيِ الغَضَب الَّذي لا نَعتَرِف بهِ ولا نُعالِجهُ) هو شيءٌ سَيِّئٌ جدًّا. فعندما تَرْعَى ذلكَ النَّوع مِنَ الغضب، أو ذلكَ النَّوع مِنَ الرُّوح غير الغَفور، فإنَّ الآية 2كورنثوس 2: 11 تَقولُ إنَّكَ تَجعلُ الشَّيطانَ يَطمَعُ بِكَ. لِذا، لا يَجوزُ أن تَغضبَ بتلكَ الطَّريقة. وهل تُريدونَ أن تَعلموا لماذا؟

إليكُم المِفتاحَ لكُلِّ هذا الأمر. اسمعوني: هل تَعلمونَ لماذا تَغضبون؟ أنتُم تَغضبُونَ لأنَّ النَّاسَ يَفعلونَ بِكُم أمورًا لا تُحِبُّونَها. فحقيقةُ الأمرِ هي أنَّكُم لا تَستحقُّونَ أيَّ شيءٍ البتَّة. أليسَ كذلك؟ هذا هو المَعنى المقصود. فما الَّذي تَستحقُّونَهُ؟ "لا يُمكِنُكَ أن تَفعلَ هذا بي!" لِمَ لا؟ مَن أنت؟ "أنا إنسانٌ ولِي حُقوق". حقًّا؟ بحسبِ مَعاييرِ اللهِ، أنتَ لن تَدخُلَ البتَّة في مَلكوتِهِ ما لم تَحزَن في الرُّوح، وما لم تُعلِن إفلاسَكَ الرُّوحيَّ، وما لم تُدرك أنَّكَ فَقير. اسمعوني: إن لم تَكُن لديكَ أيُّ حُقوق، لن تَغضبَ مِن أيِّ شخصٍ يَتَعَدَّى عليها. أليسَ كذلك؟ فالغضبُ هو رُوحُ انتقام. ولكنَّ المَرَّةَ الوحيدةَ الَّتي يَكونُ فيها صَحيحًا هو عندما تُدافعُ عن قَداسةِ اللهِ لأنَّ اللهَ لَديهِ حُقوق بسببِ طَبيعَتِه.

وهو يَقولُ إنَّكَ إن فَعلتَ ذلك، أي إن سَمَحتَ لنفسِكَ أن تَغضب (في العدد 27)، سوفَ تُعطي مَكانًا لإبليس. وبالمُناسبة، إنَّ الكلمة "ديابولوس" (diabolos) هي الكلمة المُستخدَمَة هُنا ومَعناها: المُجَدِّف. ولاحِظوا ما يلي: إنَّهُ تَلاعُبٌ بالألفاظ. فإن غَضِبْتَ فإنَّ ما سيَحدُثُ في النِّهاية عندما تَغضب هو أنَّكَ ستُجَدِّف. فسوفَ تُجَدِّفُ لَفظيًّا، أو تُجَدِّفُ في أفكارِكَ وقَلبِكَ، وتُعطي مَكانًا للمُجَدِّف. وهذا يُكَرِّرُ ما جاءَ في إنجيل يوحنَّا 8: 44 إذْ إنَّكَ عندما تَبتدئُ بالكَذِبِ فإنَّكَ تَصيرُ ابنًا لأبيكَ إبليس. وعندما تَغضَب فإنَّكَ تُقَدِّمُ دَليلاً إضافيًّا على أنَّ أباكَ هُوَ الشَّيطان. لِذا فإنَّ الشَّخصَ الَّذي يبدو أنَّهُ عَصَبِيٌّ دائمًا، وغَاضِبٌ في رُوحِهِ، ولديهِ امتِعاضٌ ومَرارةٌ في قَلبِهِ، ولديهِ حَسَدٌ بَشِعٌ وغَيْرَةٌ يُقَدِّمُ الدَّليلَ على أنَّهُ رُبَّما لم يَكُن مَسيحيًّا يَومًا؛ بل إنَّ كُلَّ ما يَفعلُهُ هو أنَّهُ يُعطي الشَّيطانَ فُرصةً لإظهارِ نَفسِه.

لِذا أوَّلاً، اطرَحوا الكَذِبَ وتَكلَّموا بالصِّدق. ثانيًا، لا تَغضبوا غَضبًا غيرَ بَارٍّ، بل غَضبًا مُقدَّسًا. ثالثًا، وهذهِ نُقطةٌ عَمليَّةٌ أخرى: عندما تَصيرُ مَسيحيًّا (كما يَقولُ بولُس)، يجبُ عليكَ أن تَستعيضَ عنِ السَّرِقَةِ بالمُشاركة. فالسَّرقة مُشكلة للجميع. أليسَ كذلك؟ فأنا أَذكُرُ عندما كنتُ طِفلاً صَغيرًا أنَّني مَرَرتُ بمرحلةٍ قصيرةٍ في حَياتي كُنتُ أَظُنُّ فيها أنَّهُ مِنَ الرَّائعِ أن أسرِقَ الأشياء. وقد تَخلَّصتُ مِن تلكَ العادةِ لِحُسنِ الحَظِّ؛ ولكنِّي مَررتُ بتلكَ المَرحلةِ القصيرة. وأنا أَذكُرُ أنَّ أُختي كانت تَفعلُ ذلكَ أيضًا. وقد كانَ أهلُ أفسُس خُطاةً مِثلي. وما أعنيه هو أنَّ ذلكَ جُزءًا مِن طَبيعتِنا. فهذا جُزءٌ آخر مِنَ الطَّبيعةِ البشريَّة. فالإنسانُ العَتيقُ يَسرِق؛ ولكنَّ الإنسانَ الجَديدَ لا يَفعلُ ذلك. انظُروا إلى العدد 28. فهو عَددٌ رائع: "لاَ يَسْرِقِ السَّارِقُ فِي مَا بَعْدُ".

فالأمرُ بَسيطٌ جدًّا. وأنتَ لستَ بحاجةٍ إلى أن تَكونَ مُفَسِّرًا عَظيمًا لكي تَعرِفَ مَعنى ذلك: "بَلْ بِالْحَرِيِّ يَتْعَبُ عَامِلاً الصَّالِحَ بِيَدَيْهِ، لِيَكُونَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ لَهُ احْتِيَاجٌ". فعِوَضًا عنِ السَّرقة، اعمَل لكي تَتمكَّنَ مِن مُساعدةِ الآخرين. بعبارة أخرى، كُن "رُوبن هُود" (Robin Hood)؛ ولكِن مِن دُونِ أن تَسرِق. هل ذَهبتَ يومًا إلى مَتجَرٍ أو مَحَلٍّ فأعادَ إليكَ البائِعُ مَبلغًا أكبَرَ مِمَّا يجب؟ أو هل ذَهبتَ إلى مَطعمٍ أو مَكانٍ مَا فوجدتَ أنَّ الفاتورةَ أقَلُّ مِمَّا يجب؟ فالرَّجُلُ يُعطيكَ الفاتورة فتَجِدُ أنَّها أقَلُّ مِمَّا يَجِب بثلاثة دولارات أو شَيئًا مِن هذا القبيل فتَقولُ لَهُ: "اسمَع، إنَّ المَبلغَ الَّذي ينبغي أن أدفعَهُ أكبرُ مِن هذا. أريدُ أن أدفعَ المبلغَ الصَّحيح. أعتقد أنَّ هذا المبلغَ أقَلّ مِمَّا يجب". وهو سيَذهبُ مُتَعَجِّبًا ويَنظُرُ إليكَ نَظرةَ دَهشة وَيَقولُ في نَفسِه: "إنَّهُ رَجُلٌ نَزيه!" أَتَرَوْن؟

ما أساليبُ الغِشِّ الَّتي تَلجأُ إليها؟ وما هي الألاعيبُ الَّتي تُمارِسُها؟ فالنَّاسُ لا يَعلَمونَ كيفَ يَنبغي أن يَتعامَلوا معَ النَّزاهَة. فسواءَ كُنَّا نَتحدَّثُ عن سَرِقَةٍ كَبيرة أو سَرِقَةٍ صَغيرة، وسواءَ كُنَّا نَتحدَّثُ عن سَرِقَةٍ مِن مَتجَرٍ أو سُوقٍ، أو عنِ السَّرِقَةِ مِن خِزانةِ أبيكَ أو مِن أيِّ مَكانٍ آخر، فإنَّها كُلُّها سَرِقَة. فالسَّرِقَة تَعني أن تأخُذَ شَيئًا ليسَ لَكَ، أو أن تَعثُرَ على شَيءٍ قبلَ أن يَفقِدَهُ صَاحِبُهُ. والكِتابُ المُقدَّسُ يَتحدَّثُ عن أنواعٍ مُختلفة مِنَ السَّرقة. والمَزمور 37: 21 يَتحدَّثُ عن عَدَمِ سَدادِ الدَّين. فإن لم تَدفَع دَينَكَ فإنَّكَ تَسرِقُ مِن مُقْرِضِكَ؛ أيْ مِنَ الشَّخصِ الَّذي أَقرَضَكَ المال. وهو يَتحدَّثُ عنِ التَّلاعُبِ بحسابِ النَّفَقات. فهذه سَرِقَة.

وهُناكَ الغِشُّ في ضَرائِبِك. فقد قالَ يَسوع: "أَعْطُوا إِذًا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا للهِ للهِ". كما أنَّ عَدَمَ تَصحيحِ أخطاءِ المُحاسِبِ هي طَريقة أخرى. وهُناكَ طَريقة أخرى للسَّرقة وهي ألاَّ تَدفعَ أَجرًا مُنْصِفًا للشَّخصِ الَّذي يَعملُ لديكَ. فنحنُ نَقرأُ في رسالة يَعقوب والأصحاحِ الخامِسِ إنَّ صُراخَ العامِلينَ يَدخُلُ إلى أُذُنَيِّ اللهِ عندما لا يَحصُلونَ على الأَجْرِ الَّذي يَستحقُّونَهُ. لِذا، يُمكِنُكم أن تَسرِقوا بِطَرائِق كَثيرة ... بطَرائِق كَثيرة. وبالمُناسبة، إن كُنتَ لِصًّا، أو إن كُنتَ شخصًا يَسرِق فإنِّي أُحَذِّرُكَ مِمَّا جاءَ في رسالة كورِنثوس الأولى والأصحاحِ السَّادِسِ: "أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الظَّالِمِينَ لاَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ؟ لاَ تَضِلُّوا: لاَ زُنَاةٌ وَلاَ عَبَدَةُ أَوْثَانٍ وَلاَ فَاسِقُونَ وَلاَ مَأْبُونُونَ وَلاَ مُضَاجِعُو ذُكُورٍ، وَلاَ سَارِقُونَ وَلاَ طَمَّاعُونَ وَلاَ سِكِّيرُونَ وَلاَ شَتَّامُونَ وَلاَ خَاطِفُونَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ".

فاللُّصوصُ... اللُّصوصُ لا يَرِثونَ مَلكوتَ اللهِ، ولا السِّكِّيرونَ، ولا الزُّناةُ، ولا مُضاجِعو الذُّكورِ، إلخ، إلخ. ولكنَّ الآيةَ 28 تُخبرُنا أنَّهُ يجبُ على السَّارِقِ أن يَعملَ عَكسَ ذلك: "بَلْ بِالْحَرِيِّ يَتْعَبُ". وقد تَكونُ هذهِ طَريقة جَديدة في حَياةِ اللُّصوص: أن يَعملوا. والكِتابُ المُقَدَّسُ يَقولُ الكثيرَ عنِ العمل. فهو شَيءٌ شَريف. "بَلْ بِالْحَرِيِّ يَتْعَبُ عَامِلاً الصَّالِحَ بِيَدَيْهِ، لِيَكُونَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ لَهُ احْتِيَاجٌ". فالفِكرةُ بمُجملِها هي أن تَعمل. والكِتابُ المُقدَّسُ يَستخدِمُ هُنا كلمةً تَعني عَمَلاً يَدويًّا، أو عَملاً شَاقًّا. ونَقرأُ في سِفْر الخُروج 20: 9: "سِتَّةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ وَتَصْنَعُ جَمِيعَ عَمَلِكَ". اعمل كُلَّ عَمَلِكَ في سِتَّة أيَّام. ويَتحدَّثُ سِفْرُ الأمثالِ كثيرًا عن هذا الموضوع. وهُناكَ أيضًا ما جاءَ في رسالة تسالونيكي الثَّانية 3: 10. ولا يوجد نَصٌّ مُباشِرٌ أكثر مِن هذا: "فَإِنَّنَا أَيْضًا حِينَ كُنَّا عِنْدَكُمْ، أَوْصَيْنَاكُمْ بِهذَا: أَنَّهُ إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَغِلَ فَلاَ يَأكُلْ أَيْضًا".

والآن، هَذا المبدأُ كَفيلٌ بأن يَفعلَ أمورًا كثيرةً في مُجتمعِنا: إن لم تَعَمل لن تأكُل. "لأَنَّنَا نَسْمَعُ أَنَّ قَوْمًا يَسْلُكُونَ بَيْنَكُمْ بِلاَ تَرْتِيبٍ، لاَ يَشْتَغِلُونَ شَيْئًا بَلْ هُمْ فُضُولِيُّونَ". واللهُ يَدينُ ذلك. فيجب عليكم أن تَعمَلوا. ونَقرأُ في الرِّسالة الأولى إلى تيموثاوس: "إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْتَنِي بِخَاصَّتِهِ، فَهُوَ شَرٌّ مِنْ غَيْرِ المُؤْمِن". وأعتقدُ أنَّهُ يَتحدَّثُ هُنا عنِ العائلةِ المُمتدَّة، لا فقط عن أبنائِكُم، بل عن أقارِبِكُم الَّذينَ هُم في حاجَة. اعمَلوا. ويجب عليكم أن تَعملوا الصَّلاحَ. فيجب عليكم أن تَعملوا أعمالاً صالحة. فيجب أن يكونَ ما تَعملُهُ غيرَ أنانِيٍّ. والمَعنى المَقصودُ هو أنَّهُ عندما تَفعلُ هذا كُلَّهُ، يجبُ عليكَ أن تَفعلَهُ لكي تُعطي مَن لَهُ احتياجات. بعبارة أخرى، اعمَلوا بِجِدّ.

ولكن لا لكي تُكَدِّسوا المالَ أكثر فأكثر وتَحصُلوا على ما هو أكثر فأكثر مِمَّا تَحتاجونَ إليهِ أقَلّ فأقلّ، ولا لكي تَجمَعوا الأموالَ وتُكَدِّسوها وتَجنوا المَزيدَ والمَزيد؛ بل يجب أن تَعملوا لكي تُعطوا؛ لا لتأخُذوا. فهذه هي الفِكرة. لِذا، إن حَصلتُ على عَلاوَة، سيَكونُ لديَّ المَزيدَ لأُعطيهِ لِمَن هُم في حاجَة. ويا لها مِن طَريقة رائعة في النَّظرِ إلى هذا الأمر. فهذه فِكرة مُختلفة جَذريًّا. وهي فِكرة ثَوريَّة. فالنَّهجُ السَّائِد هو أن تَحصلَ على المزيدِ وأن تُكَدِّسَ الأموالَ، وأن تُخَبِّئَهُ في الأرضيَّاتِ، وفي الجُدرانِ، وفي الخَزْناتِ، وأن تَضَعَهُ في كِيسٍ، وأن تُحَوِّلَهُ إلى سويسرا، وأن تُكَدِّسَهُ. ولكنَّ المبدأَ الَّذي يُعَلِّمُهُ العهدُ الجديدُ هو: أعمل بِجِدٍّ أكثر فأكثر، واكدَح أكثر فأكثر، وافعل أمورًا صالحةً لكي تَحصُلَ على المزيدِ والمَزيدِ والمَزيدِ والمَزيدِ لكي تُعطي أكثرَ فأكثرَ فأكثرَ فأكثر للنَّاسِ الَّذينَ هُم في حَاجَة.

هذهِ هي الأخلاقُ الكِتابيَّةُ. وهذا هوَ أساسُ عَمَلِنا. فنحنُ نَقرأُ في إنجيل لوقا 14: 13: "إِذَا صَنَعْتَ ضِيَافَةً فَادْعُ: الْمَسَاكِينَ، الْجُدْعَ، الْعُرْجَ، الْعُمْيَ، فَيَكُونَ لَكَ الطُّوبَى إِذْ لَيْسَ لَهُمْ حَتَّى يُكَافُوكَ". أليسَ هذا المبدأُ رائعًا؟ فَهُم ليسَ لَهُم حَتَّى يُكافُوكَ. وَهُم لا يَستطيعونَ أن يَشتروا تَذكَرَةَ الدُّخول. واللهُ سيُبارِكُكَ. وقد كانَ هذا هو ما فَعَلَهُ بولُس. فهو يَقولُ في سِفْرِ أعمالِ الرُّسُل والأصحاح 20: "لقد عَمِلتُ عندما كُنتُ أخدِمُكُم". فهذا هو ما يَقولُهُ لشُيوخِ أفسُس في العددَيْن 33 و 34. "لقد عَملتُ. وأنا لم أَعمل لِسَدِّ حاجاتي فقط لِئَلاَّ تُضطَرُّوا إلى مُساعدتي ماليًّا، بل إنِّي عَملتُ أيضًا لِسَدِّ حاجاتِ جَميعِ الأشخاصِ الَّذينَ كانوا يَخدِمونَ مَعي". والآن، هذا عَمَلٌ شَاقٌّ. أليسَ كذلك؟ وقد تَقول: "كيفَ يُمكِنُ لَهُ أن يَفعلَ ذلك؟ أي كيفَ يُمكِنُ لأيِّ شخصٍ أن يَعملَ، وأن يَكسَبَ رِزْقَهُ وَرِزْقَ كُلِّ شخصٍ كانَ يُسافِر مَعَهُ وأن يَستمرَّ في الوَعظِ كما كانَ يَفعلُ بولُس؟" لقد كانَ يَملِكُ شيئًا واحًدا لا أَملِكُهُ أنا وهو أنَّهُ كانَ يَحصُلُ على إعلانٍ مُباشِر. فقد كانَ يَقِفُ ويَفتَحُ فَمَهُ فيَتكلَّمُ اللهُ مِن خِلالِه. وكم أُحِبُّ ذلك!

وهُناكَ نُقطة رابعة: فهو يَقولُ إنَّهُ يَنبغي للإنسانِ الجَديدِ أن يَفعلَ شيئًا آخرَ: أن يَستعيضَ عنِ الكَلامِ القَبيحِ بالكَلامِ الصَّالِحِ للبُنيان. وهذه نُقطة عمليَّة جدًّا. فنحنُ نَقرأُ في العدد 29: "لاَ تَخْرُجْ كَلِمَةٌ رَدِيَّةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ، بَلْ كُلُّ مَا كَانَ صَالِحًا لِلْبُنْيَانِ، حَسَبَ الْحَاجَةِ، كَيْ يُعْطِيَ نِعْمَةً لِلسَّامِعِين". والآن، سأكونُ صَريحًا جدًّا معكُم. لا يوجد شيء... لا يوجد شيء يُثيرُ اشمئزازي أكثرَ مِنَ الكَلامِ البَذيء. فلا يُمكنُني حقًّا أن أَحتَمِلَ ذلك. وأنا لا أُحِبُّ ذلك، ولا أريدُ أن يَكونَ لي أيُّ شَأنٍ بذلك، ولا أن أكونَ قَريبًا مِن ذلك. فهذا ليسَ شيئًا يَجذبُني.

وبالمُناسبة، نَقرأُ: "لاَ تَخْرُجْ كَلِمَةٌ رَدِيَّةٌ". والكلمة "رَدِيَّة" هي "سابروس" (sapros)، وهي تَعني: "مُتَعَفِّن". وهي تُشيرُ إلى شيءٍ عَديمِ القيمة، وعَديمِ النَّفع، ومَيِّت. فالخَضْراواتُ الفاسِدةُ أوِ الفاكِهَةُ الفاسِدَةُ هي شيءٌ عَديمُ النَّفعِ وعَديمُ القيمة. كما أنَّ رائِحَتَها سَيِّئة ومُنَفِّرة. وهي لا تَنفعُ أيَّ شخصٍ. والحقيقةُ هي أنَّكُم لا تَرغبونَ في الاقترابِ مِنها؛ فما بالُكُم في أن تأكُلوها! فهذا النَّوعُ مِنَ الكَلامِ لا مَكانَ لَهُ. فسواءَ كَانت نُكاتًا سَمِجَةً، أو كانَ تَجديفًا، أو كانت قِصَصًا بَذيئةً، أو كلماتٍ قاسية، لا يُوجدُ مَكانٌ في حياةِ المؤمنِ لهذه الأشياء. واسمَحوا لي أن أُعطيكم آيةً تَتَذَكَّرونَها. المَزمور 141: 3. دَوِّنوها. فالمَزمور 141: 3 يَقول: "اجْعَلْ يَا رَبُّ حَارِسًا لِفَمِي. احْفَظْ بَابَ شَفَتَيَّ".

اسمَعوني: إن كانَ يسوعُ المسيحُ هو حَارِسُ شَفَتيكَ، سيكونُ الشَّخصُ الَّذي يُقَرِّرُ ما يَخرُجُ مِنهُما. فلا يوجد مَكانٌ للكَلامِ البِذيء. وأنا لا أُحِبُّ النُّكاتِ البَذيئةَ والقِصَصِ الوَسِخَة. وأنا لا أُحِبُّ الغَمْزَ واللَّمْز. وأنا لا أُحِبُّ الكَلامَ الفَجَّ والبَذيء. فهذا لا يَعنيني البتَّة. وقد تَحَدَّثَت رسالة كولوسي عن ذلك. فالرَّسولُ بولُسُ يَتحدَّثُ في الأصحاحِ الثَّالثِ عن طَرْحِ كُلِّ الأشياءِ العَتيقةِ فيقولُ في العدد 8: "اطْرَحُوا الْكَلاَمَ الْقَبِيحَ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ". فلا يوجد مَكانٌ لذلك. وهل تَعلمونَ شَيئًا؟ عندما يَتكلَّمُ أيُّ شخصٍ هكذا، مِنَ الواضِحِ تَمامًا ما يَجري لأنَّ إنجيل مَتَّى والأصحاح 12 يَقول: "إِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْب [يَحدُثُ ماذا؟] يَتَكَلَّمُ الْفَمُ".

ويُمكنُكَ أن تَعرفَ الكثيرَ عن قَلبِ الشَّخصِ الآخر مِن خِلالِ ما يَخرُج مِن فَمِه. ونَقرأُ في الأصحاحِ الخامِسِ مِن رسالة أفسُس – انظروا إلى ذلكَ الأصحاحِ والعَددِ الثَّالث: "وَأَمَّا الزِّنَا وَكُلُّ نَجَاسَةٍ أَوْ طَمَعٍ فَلاَ يُسَمَّ بَيْنَكُمْ". وما أعنيه هو أنَّهُ لا يَجوزُ أن تَفعلوا هذا ولو مَرَّةً واحدة. "وَلاَ الْقَبَاحَةُ، وَلاَ كَلاَمُ السَّفَاهَةِ". فلا يوجد مَكانٌ للكَلامِ البَذيءِ أوِ القَذِرِ أوِ السَّفيهِ أوِ القَبيح. وكما تَعلمونَ فإنَّ الأصحاحَ الثَّالثَ مِن رسالة رُومية يتحدَّثُ عن فَسادِ الإنسان. وهو يُبيِّن كيفَ أنَّ فَسادَ الإنسانِ يَبتدِئُ مِنَ الدَّاخل ويَخرُجُ مِنَ فَمِهِ ولِسانِهِ وشَفتيهِ إلى الخارِج. تَخَلَّصوا مِن هذا كُلِّه. وعِوَضًا عنهُ، إليكُم ما يَنبغي أن تَفعلوه. فهنُاكَ ثَلاثُ سِماتٍ لكلامِ الإنسانِ الجَديد في العدد 29:

أوَّلاً، يجب أن يَكونَ كَلامًا بَنَّاءً: "بَلْ كُلُّ مَا كَانَ صَالِحًا لِلْبُنْيَان". ما كانَ صَالِحًا للبُنيان. فعندما تَتكلَّم، إن كانَ الرَّبُّ يَحرُسُ شَفتيكَ، وفَتحتَ فَمَكَ، فإنَّ أيَّ شَيءٍ يَخرُجُ مِنهُ ينبغي أن يَبني الآخرين. يجب أن يَكونَ صَالِحًا للبُنيان. فيجب أن يَبنيهم. ويجب أن يَكونَ مُشَجِّعًا، ويجب أن يَمنَحَهُم القُوَّة، ويجب أن يَبنيهِم رُوحيًّا، وأن يَكونَ إيجابيًّا رُوحيًّا، وأن يُقَوِّيهم رُوحيًّا، وأن يَبنيهِم رُوحيًّا. هل هذا هو ما يَحدُثُ عندما تَتكلَّم؟ وعندما تَلتقي شخصًا فيتحدَّث إليكَ عن مَوضوعٍ قليلاً، هل يَمضي وهو يَشعُرُ أنَّكَ بَنَيْتَهُ في يَسوعَ المسيح؟ هل يَمضي وَهُوَ مُتَشَجِّعٌ في يَسوعَ المسيح؟ هل هذا هو ما يَحدُث؟

وعندما تَكونينَ في البيتِ طَوالَ اليومِ أيَّتُها الأُمُّ، وعندما تَكونينَ معَ أبنائِكِ، هل ما تَقولينَهُ يُشَجِّعُهُم ويَبنيهِم؟ وماذا عنكَ أيُّها الأبُ عندما تَخرُجُ معَ أبنائِكَ وتَصرِفُ اليومَ مَعَهُم، وتَتحدَّثُ إليهم، هل ما يَحدُثُ يَرفَعُهم، ويَبنيهِم، ويُقوِّيهم، وَيُشَجِّعُهم؟ ثانيًا، يجبُ أن يكونَ ضَروريًّا. فنحنُ نَقرأُ في العدد 29 تلكَ العِبارة الصَّغيرة: "حَسَبَ الحَاجَةِ"؛ وهي تَعني حَرفيًّا أنَّهُ كَلامٌ يَفي بالحَاجَة... أن يَكونَ كَلامًا يَفي بالحاجَة. اسمعوني: لقد كانت أُمِّي تَقولُ لي عندما كنتُ صَبيًّا وأقولُ لها: "مَرحبًا يا أُمِّي، هل تَعلمينَ ماذا فَعَلَ فُلان؟" فكانت تَقول: "هل هذا ضَروريّ؟ هل هذا ضَروريّ؟" "إنَّهُ شَيءٌ مُدهشٌ، ولكنِّي لا أَعلمُ إن كانَ ضَروريًّا!" ولكن: "هل هو ضَروريّ؟"

فإن قُلنا فقط ما هو صَالِحٌ للبُنيانِ وضَروريٌّ، سيَلتَمُّ النَّاسُ مِن حَولِنا. ثالثًا، أن يَفيضَ بالنِّعمة إذ نَقرأُ في نِهايةِ العدد 29: "كَيْ يُعْطِيَ نِعْمَةً لِلسَّامِعِين". وهذا يَعني أن تَتحدَّثَ مَعَ الآخرينَ بتَهذيبٍ وأن يَكونَ كَلامُكَ مُفعَمًا بالنِّعمة. فهل توجَد حَلاوة في ما تَقولُهُ تُعطي السَّامِعينَ نِعمةً ووُدًّا؟ ففي كُلِّ مَرَّة تَفتَحُ فيها فَمَكَ، يجب أن يَكونَ كَلامُكَ صَالِحًا للبُنيان، وأن يَكونَ لائقًا، وأن يَكونَ مُفعَمًا بالنِّعمة. فهكذا ينبغي لنا أن نَتكلَّم. وهذا هو ما يَنبغي أن يَخرُجَ مِن أفواهِنا؛ لا الكَلام البَذيء. فنحنُ نَملِكُ قَلبًا جَديدًا، ومِن فَضْلَةِ القَلبِ الجديدِ ينبغي أن يَخرُجَ كَلامٌ جَديد. وأنا أُحِبُّ ما جاءَ في إنجيل لوقا 4: 22: "وَكَانَ الْجَمِيعُ يَشْهَدُونَ لَهُ وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْ كَلِمَاتِ النِّعْمَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ فَمِه".

وكَم أُحِبُّ ذلك! فعندما كانَ يَسوعُ يَفتَحُ فَمَهُ، كانت كَلِماتُ النِّعمةِ تَخرُجُ مِنهُ. وعندما كانَ يَتكلَّم، كانَ كَلامُهُ صَالِحًا للبُنيانِ ولازِمًا ومُفعَمًا بالنِّعمة. وإن سَمحتُم لكلماتِ المسيحِ أن تَسكُنَ فيكُم بِغِنَى (كما جاءَ في رسالة كولوسي 3: 16)، عندما تَفتَحُ فَمَكَ، هذا هو ما سيَخرُجُ مِنهُ أيضًا. وإن وَضَعَ الرَّبُّ حَارِسًا على فَمِكَ، وإن كانَ الرَّبُّ هُوَ الَّذي يَحفَظُ شَفتيكَ، ستكونُ الكلماتُ الخارجة مِنهُ مُماثِلَة. افحَص كَلامَك. فرسالة كولوسي تَقولُ إنَّ كَلامَنا ينبغي أن يَكونَ مُصْلَحًا بِمِلْح. فكما تَعلمونَ، هُناكَ فَسادٌ في العالَم. والمِلْحُ – يَجِبُ علينا أن نَكونَ مِلْحًا في هذا العالَم. فعندما يَكونُ هُناكَ شَيءٌ فَاسِدٌ فإنَّهُم يَضَعونَ عليهِ مِلحًا. فالمِلْحُ يُوقِفُ الفَساد.

ماذا يَحدُثُ حينَ تَتكلَّم؟ هل أنتَ جُزءٌ مِنَ الفَساد، أَم أنَّكَ تَمنَعُ الفَساد؟ هل أنتَ مِلحٌ، أَم أنَّكَ مُجرَّدُ فَسادٍ آخر؟ عندما تَفتَحُ فَمَكَ، هل أنتَ المِلحُ الَّذي يَمنَعُ الفَسادَ، أَم أنَّكَ مُجرَّدُ جُزءٍ مِنَ الفَساد؟ هذه فِكرة ينبغي أن تُفكِّروا فيها. ونَتيجةُ هذا كُلِّه مَوجودة في العدد 30: "وَلاَ تُحْزِنُوا رُوحَ اللهِ الْقُدُّوسَ الَّذِي بِهِ خُتِمْتُمْ لِيَوْمِ الْفِدَاء". هل تَعلمونَ أنَّ الرُّوحَ القُدُسَ قد يَحزَن؟ فهذا هو ما تَقولُهُ الآية. وهل تَعلمونَ أنَّ اللهَ يَبكي؟ اقرأوا عنهُ في سِفْر إرْميا: "لِتَذْرِفْ عَيْنَايَ دُمُوعًا" (كما يَقول). وقد كانَ قَلبُ اللهِ مَكسورًا في سِفْر هُوشَع. وقد بَكى يَسوعُ على أورُشَليم. وقد بَكى يَسوعُ عندَ قَبرِ لِعازَر.

ونَقرأُ هُنا أنَّ رُوحَ اللهِ يَحزَن. وما الَّذي يَجعلُهُ يَحزَن؟ ما يَجعلُهُ يَحزَنُ هو أَلاَّ تَعمَلَ (بصِفَتِكَ مُؤمِنًا) على طَرْحِ العَتيقِ ولَبْسِ الجَديد. والرُّوحُ القُدُسُ يَحزَنُ عندما يَرى كَذِبًا عِوَضًا عنِ الحَقِّ، وعندما يَرى غَضَبًا عِوَضًا عنِ الغُفرانِ، وعندما يَرى سَرِقَةً عِوَضًا عنِ المُشاركَة، وعندما يَسمَعُ كَلامًا بَذيئًا عِوَضًا عنِ الكَلامِ المُفعَمِ بالنِّعمة. والمَعنى الَّذي يَقصِدُهُ في العدد 30 هو: كيفَ تُحزِنونَ رُوحَ اللهِ القُدُّوسَ الَّذِي بِهِ خُتِمْتُمْ لِيَوْمِ الْفِدَاء؟ فعندما دَرَسنا في وقتٍ سابقٍ رسالةَ أفسُس، دَرسنا عنِ الخَتْم. والفِكرةُ الَّتي أُريدُ منكم أن تَرَوها هُنا هي التَّالية: عندما نِلتُم الخَلاصَ، وَضَعُ رُوحُ اللهِ خَتْمًا عليكُم يَقول: "هذا الشَّخصُ يَنتمي إلى اللهِ. وَهذا شَخصٌ إيمانُهُ حَقيقيٌّ، وصادِقٌ، وباقٍ إلى الأبد".

اسمعوني: إن كانَ رُوحُ اللهِ مُنعِمًا إلى هذا الحَدِّ حَتَّى إنَّهُ أعطاكُم خَلاصًا أبديًّا، وإن كانَ رُوحُ اللهِ مُنعِمًا إلى هذا الحَدِّ حَتَّى إنَّهُ خَتَمَكُم إلى الأبد، وإن كانَ رُوحُ اللهِ مُنعِمًا إلى هذا الحَدِّ حَتَّى إنَّهُ نَقَشَكُم على كَفِّهِ إلى يَومِ الفِداء، كيفَ يُعقَلُ أن تُحْزِنَوا طَوعًا مِثلَ هذا الرُّوحِ المُنعِم؟ هذا هو ما يَقولُه. كيفَ تَفعلونَ ذلك؟ كيفَ يُمكنُكم أن تُحزِنوا الرُّوحَ القُدُسَ الَّذي بِهِ خُتِمتُم؟ فأنتُم تَعلَمونَ أنَّ خَلاصَكُم هو إلى الأبد، وتَعلمونَ أنَّ ما فَعَلَهُ لأجلِكُم لا يُمكِنُ أن يَتغيَّر، وتَعلمونَ أنَّهُ وَهَبَكُم هِبَةً أبديَّة. لِذا، هل ستُسيئونَ استخدامَها مِن خِلالِ إحزانِه؟ كيفَ يُمكنُكم أن تَفعلوا ذلك؟ كيفَ تُحزِنونَ ذاكَ الَّذي جَعَلَ جَسَدَكُم هَيكلاً لرُوحِهِ القُدُّوس؟

كيفَ يُمكنُكم أن تَفعلوا ذلك؟ فهو الَّذي قامَ بذلكَ العَمل العَظيم وفَرَزَكُم أبديًّا لَهُ. فكيفَ سَمحتُم لأنفُسِكُم أن تُحزِنوه؟ لِذا فإنَّ بولسَ يَقولُ إنَّهُ يجبُ على الإنسانِ الجَديدِ أن يَخلَعَ الكَذِبَ ويَلبَسَ الحَقَّ. ويجبُ عليهِ أن يَخلَعَ الغَضبَ غيرَ البَارّ ويَلبَسَ الغَضَبَ المُقَدَّس. ويجبُ عليهِ أن يَخلَعَ السَّرقةَ ويَلبَسَ المُشاركة. ويجب عليهِ أن يَطرَحَ الكَلامَ البَذيءَ وغيرَ النَّافِعِ وأن يَتكلَّمَ بالكلامِ الصَّالِحِ للبُنيانِ والمُفعمِ بالنِّعمة. ويجب عليهِ ألاَّ يُعطي مَكانًا لإبليس، وألاَّ يُحزِنَ الرُّوحَ القُدُس. ثُمَّ إنَّ هُناكَ هَذِهِ المُفارَقة الأخيرة إذْ يَجِب علينا أن نَستعيضَ عنِ الرَّذائِلِ الجَسديَّةِ بالنِّعَمِ الخَارقةِ للطَّبيعة. وفي العَدد 31، يُلَخِّصُ بولسُ هذا كُلَّهُ فيقول: "لِيُرْفَعْ مِنْ بَيْنِكُمْ كُلُّ مَرَارَةٍ وَسَخَطٍ وَغَضَبٍ وَصِيَاحٍ وَتَجْدِيفٍ مَعَ كُلِّ خُبْثٍ".

والآن، اسمَعوا ما قالَهُ. فهو يُلَخِّصُ ذلك ويقول: "يِيُرفَع مِن بَينِكُم كُلُّ مَرارة"؛ أيْ كُلُّ امتِعاضٍ شَديدٍ، وعُبوسٍ، وضَغينةٍ، ورُوحِ عَدَمِ غُفران. ثُمَّ إنَّهُ يَقولُ: "كُلُّ سَخَطٍ"؛ أيْ كُلُّ رُدودِ الفِعلِ الجَامِحَةِ تلكَ. "وكُلُّ غَضَبٍ"؛ أيْ كُلُّ امتِعاضٍ داخليٍّ. "وكُلُّ صِياحٍ". وهل تَعلمونَ ما هو مَعنى الكلمة "صِياح"؟ إنَّها تُشيرُ إلى الغَضَبِ العَنيفِ والصُّراخِ بصوتٍ عَالٍ. وكُلُّ ما يَنبغي لكُم أن تَفعلوهُ هو أن تَتجَوَّلوا قليلاً في الحَيِّ الَّذي تَسكُنونَ فيه لِتَسمعوا ذلك؛ ولا سِيَّما في الصَّيف عندما تَكونُ النَّوافِذُ مَفتوحَة. وقد سَمِعنا أشياءً مُدهشةً في الحَيِّ الَّذي نَسكُنُ فيه. الصُّراخُ العالي. هذا هو المَقصودُ بالصِّياح. أو رُبَّما تَصرُخُ على الشَّخصِ الَّذي يُقْحِمُ سَيَّارَتَهُ أمامَ سَيَّارَتِكَ على الطَّريق فتَصيحُ قائلاً: "أيُّها الأحمَق!"

والآن لاحِظوا شَيئًا: إنَّهُ يَقولُ: "إن كانت لديكَ مَرارة، وكانَ لديكَ سَخَطٌ، وغَضَبٌ، ستَنفَجِرُ في الصِّياحِ، وستَتَأَجَّجُ غَضَبًا في الدَّاخِل، وسَتَصيحُ على النَّاسِ؛ أي أنَّكَ ستَصيحُ عليهم بأعلى صَوتِكَ. ومِن جِهَةٍ أخرى [كما يَقولُ]: "كُلُّ تَجديفٍ". فأحيانًا قد تَتَكلَّمُ عنِ الآخرينَ مِن خَلفِ ظُهورِهم. فالنَّميمةُ قد تَكونُ على المَلأِ أو في الخَفاءِ؛ أي: هَمْسًا. ولكنَّ المَعنى المَقصودُ هُنا هو التَّالي: إنَّ عَلاقاتِكَ بالنَّاسِ سَيِّئة. فالأمرُ كُلُّهُ يَختصُّ بالعلاقاتِ هُنا. فهو لا يَتحدَّثُ كثيرًا عن عَلاقَتِكَ باللهِ في هذا المَقطعِ بأسرِه، بل يَتحدَّثُ عن عَلاقَتِكَ بالنَّاس لأنَّ الجَسَدَ هُوَ الفِكرة الرَّئيسيَّة في هذهِ الرِّسالة. فعندما تَتعامَلُ معَ النَّاسِ، لا يَجوزُ أن تَكونَ مُرَّ النَّفسِ، أو سَاخِطًا، أو غاضِبًا، أو أن تَصيحَ أو تُجَدِّفَ أو تَقولَ كَلامًا شِرِّيرًا مِن وراءِ ظُهورِهم في الخَفاء. اطرَحوا ذلك. اطرَحوا ذلك.

ويجب عليكم أيضًا أن تَطرحوا مَعَ ذلكَ كُلَّ "كاكيا" (kakia). وهي تَعني: "كُلُّ شَرٍّ". فهي تُشيرُ إلى الشَّرِّ عامَّةً... إلى كُلِّ شَرٍّ. اطرَحوا ذلكَ كُلَّهُ وَحَسب. وكما تَعلمونَ، يجبُ علينا نحنُ المَسيحيِّينَ أن نُعامِلَ بَعضُنا بعضًا بلِياقَة. وهذه كُلُّها مَسائِل شَخصيَّة. فكيفَ تُقَيِّمُ عَلاقَتِكَ بأفرادِ عائِلَتِكَ مِن هذهِ الجوانب؟ وكيفَ تُعامِلُ الآخرينَ في نِطاقِ الشَّرِكَة أوِ الكنيسة؟ هل هُناكَ مَرارة، أو سَخَط، أو غَضَب، أو تَجديف، أو كَلام شِرِّير؟ اطرَح تلكَ الأشياء. وعِوَضًا عن هذهِ الأشياء، نَقرأُ في العدد 32: "وَكُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ مُتَسَامِحِينَ...". وقد تَقول: "ولكنَّكَ لا تَعلمُ ما فَعلوهُ بي! فَمِن حَقِّي أن أغضب. فَهُم لم يَتغيَّروا. وأنا أشعُرُ بالمَرارة. وعندما أرى ذلكَ الشَّخصَ سَأَصرُخُ، وأقولُ كَلامًا شِرِّيرًا. فأنا لديَّ حُقوق. انظُر إلى ما فَعَلَهُ بِي!"

وهذا هو السَّببُ في أنَّ العَدد 32 يَنتهي بهذهِ الطَّريقة: "كَمَا سَامَحَكُمُ اللهُ أَيْضًا فِي الْمَسِيح". وهل تُريدونَ أن تَسمعوا شيئًا مُدهشًا؟ لقد كانَ اللهُ لَطيفًا مَعَكُم، وكانَ رَقيقَ القلبِ مَعَكُم، وقد سامَحَكُم. وهل تُريدونَ أن تَعلموا شيئًا؟ أنتُم لم تَكونوا ماذا؟ تَستحِقُّونَ ذلك. فإن أردتُم أن تُطالِبوا بذلكَ على هذا الأساس، لن تَفهموا المَعنى المقصود. فأنتَ لا تَصيحُ على الآخرينَ لأنَّهُم يَستحقُّونَ ذلك؛ بل تَصيحُ على الآخرينَ لأنَّكَ خَاطِئ. وأنتَ لا تَقولُ كَلامًا بَذيئًا للآخرينَ لأنَّهُم يَستحقُّونَ ذلك؛ بل تَقولُ كَلامًا بَذيئًا لأنَّكَ خَاطِئ. وأنتَ لا تَغضبُ على الآخرينَ لأنَّهُم يَستحقُّونَ ذلك؛ بل تَغضبُ لأنَّكَ خَاطِئ. وأنتَ لا تَسْخَط وتَثور على الآخرينَ لأنَّهُم يَستحقُّونَ ذلك؛ بل إنَّكَ تَفعلُ ذلكَ لأنَّكَ خَاطِئ.

فاللهُ يَقولُ بِحُكْمِ طَبيعتِه: "أنا لا أُبالي بما فَعلتَهُ بي، بل سأُحبُّكَ، وأكونُ لَطيفًا مَعَكَ، وأكونُ رَقيقًا مَعَكَ، وسأغفِرُ لَكَ". وبولُس يَقول: "وهذا هو تَمامًا ما يَتوقَّعُهُ اللهُ مِنَ المَسيحيِّين". فإن كُنتُم خَليقةً جَديدة، يجب أن تَفعلوا ذلك. وإن كُنتُم خَليقة جديدة في يَسوعَ المسيح، يجب أن تَفعلوا ذلك. وكم سَيَفرَحُ اللهُ بِحُدوثِ ذلك! اسمعوني يا أحبَّائي: إذا كُنَّا جَماعةً مِنَ النَّاسِ في وَسْطِ هذا العالَم؛ أي إذا كُنَّا جَماعةً مِنَ النَّاسِ الَّذينَ لا يَكذِبون، بل نَقولُ دائمًا الحقَّ، وإذا كُنَّا جَماعةً مِنَ النَّاسِ الَّذينَ لا يَغضَبونَ البتَّة غَضَبًا غيرَ مُقَدَّس، بل نَتصرَّفُ دائمًا بمحبَّة، وإذا كُنَّا أشخاصًا لا نَسرِق، بل نُشارِك وَحَسْب، وإن كُنَّا أشخاصًا لا نَتكلَّمُ البتَّة كَلامًا بَذيئًا، بل نَخدِمُ دائمًا ونُعطي نِعمةً للسَّامِعين، وإن كُنَّا أشخاصًا لا نُضْمِرُ مَرارةً أو سَخَطًا أو غَضبًا، ولا نَصيحُ، ولا نَقولُ كَلامًا شِرِّيرًا، بل نَتَّصِفُ دائمًا باللُّطفِ ورِقَّةِ القَلبِ والغُفرانِ، هل تَعتقدونَ أنَّ العالَمَ سيُلاحِظ رِسالَتَنا؟ أعتقد أنَّهُم سيُلاحظونَها. وهذه هي الطَّريقةُ الَّتي ينبغي للأشخاصِ الجُدُد أن يَتصرَّفوا بها. امتَحِنوا أنفُسَكُم لِتَرَوْا إن كُنتُم في الإيمان. هل تَقولُ الحَقَّ؟ هل تُسيطِر على غَضَبِك لكي يَعملَ فقط بطَرائقَ مُقدَّسة؟ هل تُشارِك؟ هل تَتكلَّم بنعمة؟ هل تُحبُّ بلُطفٍ ورِقَّةٍ؟ وهل تَغفِر؟ فالأشخاصُ الجُدُدُ يَعيشونَ حَياةً جَديدة.

يا أبانا، نحنُ نَتِّفِقُ معَ ما يَقولُهُ رُوحُ اللهِ في قُلوبِنا. وقد شَعرنا جَميعًا بالتَّبكيتِ في هذا الصَّباح. وقد رأينا الطَّريقةَ الَّتي نَتحدَّثُ بها غالبًا معَ الأشخاصِ الأعِزَّاء جدًّا على قُلوبِنا مِثلَ زَوجاتِنا، وأزواجِنا، وأبنائِنا، وأصدقائِنا.

وهُناكَ أشخاصٌ مِنَّا تَكَلَّموا بالشَّرِّ على الآخرينَ مِن وراءِ ظُهورِهم واغتابوهُم. وهُناكَ أشخاصٌ مِنَّا صَاحُوا وصَرَخُوا في الأماكِنِ العامَّةِ وتَصرَّفوا بطريقةٍ صَاخِبَة. فنحنُ جَميعًا خُضْنا مَعارِكَ الغَضَبِ، والكَذِبِ، والكَلامِ الشرِّير. يا رَبّ، ساعِدنا على أن نَختبِرَ النُّصرةَ الَّتي لا يُمكِنُ لأحدٍ سِواكَ أن يُعطيها لنا حَتَّى لا نُعطي [مِن جِهَة] مَكانًا لإبليس، وحَتَّى [مِن جِهةٍ أخرى] لا نُحزِنُ الرُّوحَ القُدُسَ المُبارَك الَّذي أنعَمَ علينا بنِعمةِ الخلاصِ الأبديّ. فحيثُ إنَّنا مُرتبطونَ بهِ إلى الأبد، ساعِدنا على ألاَّ نَتَعَدَّى على وَصاياه بطريقةٍ تُحزِنُهُ.

ويا رَبّ، نحنُ نَعلمُ أنَّهُ ما لم نَتعامَل بهذهِ الطَّريقة بعضُنا مع بعض، لا يُمكنُ للجسدِ أن يَعمل. وإن لم يَعمل الجسد فإنَّ المسيحَ لن يَظهَر. وإن لم يَظهر المسيح، لن يَراهُ العالَمُ ولن يَعرِفَهُ. وليتَ ذلكَ العَمل يَبتدئُ بِنا نحنُ، يا أبانا، حَتَّى نُطيعَكَ ونَعمل عَمَلَكَ بقوَّةِ رُوحِكَ السَّاكِن فينا. باسمِ المسيح. آمين!

This sermon series includes the following messages:

Please contact the publisher to obtain copies of this resource.

Publisher Information
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969

Welcome!

Enter your email address and we will send you instructions on how to reset your password.

Back to Log In

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize
View Wishlist

Cart

Cart is empty.

Subject to Import Tax

Please be aware that these items are sent out from our office in the UK. Since the UK is now no longer a member of the EU, you may be charged an import tax on this item by the customs authorities in your country of residence, which is beyond our control.

Because we don’t want you to incur expenditure for which you are not prepared, could you please confirm whether you are willing to pay this charge, if necessary?

ECFA Accredited
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Back to Cart

Checkout as:

Not ? Log out

Log in to speed up the checkout process.

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize