
نَحْنُ نَدْرِسُ رسالةَ أفسُس ونَصْرِفُ وقتًا رائعًا في القيام بذلك. وعندما وصلنا إلى الأصحاح الخامس والعدد 18 مِن دراستنا لسلوك المؤمن كما يَحِقُّ للإنجيل، توقفنا قليلاً لأنَّ أُناسًا كثيرين طَرَحُوا أسئلةً عن شُرب الخَمْر. فنحن نقرأ في العدد 18: "لاَ تَسْكَرُوا بِالْخَمْرِ الَّذِي فِيهِ الْخَلاَعَةُ، بَلِ امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ". ومع أننا درسنا هذا الموضوع في سِياق النص، فإنَّ الموضوع أثار بعض التساؤلات.
ونحن نَعلم أنه لا يجوز لنا أن نَسْكر. فنحن نَعلم إنَّ الكتاب المقدَّس يُحَرِّم السُّكْرَ علينا، وأنَّ ذلك خطيَّة، وأنَّ ذلك كان جزءًا مِن حياتنا السابقة. وتأتي كلمات بطرس في مكانها الصحيح إذْ نقرأ: "لأَنَّ زَمَانَ الْحَيَاةِ الَّذِي مَضَى يَكْفِينَا لِنَكُونَ قَدْ عَمِلْنَا إِرَادَةَ الأُمَمِ". ثُمَّ إنهُ يُتابِعُ الحديثَ عنِ السُّلوكِ في الدَّعَارَةِ وَالشَّهَوَاتِ، وَإِدْمَانِ الْخَمْرِ، وَالْبَطَرِ، وَالْمُنَادَمَاتِ، وَعِبَادَةِ الأَوْثَانِ الْمُحَرَّمَةِ". فنحن نَعلم أنَّ ذلك كان جزءًا مِن حياتنا السابقة. ونحن نَعلم أنَّ السُكْرَ شيءٌ مُحرَّم. ونحن نَعلم أنه ينبغي لنا أن نمتلئ مِنَ الروح. ولكنَّ السؤال المطروح هو: نحن نَتَّفِقُ على أنَّ السُكْرَ خطيَّة، ولكنْ ماذا عن شُرب الخَمْر؟ وماذا ينبغي أن يكون موقف المؤمن المسيحيّ بخصوص شُرب المشروبات الكحوليَّة؟ وحيث إنَّ هذا الموضوع هو موضوعٌ مهمٌ في وقتنا الحاضر ولا بُدَّ مِنْ مناقشته، فقد توقَّفنا مؤقَّتًا عنْ دِراسة النَّصِّ نفسه لمناقشة هذه المسألة تحديدًا. فهل يجوز للمؤمن المسيحيّ أن يشرب الخَمْر، أو ما الذي يقوله الكتاب المقدَّس فيما يختص بالمؤمن المسيحيّ والمشروبات الكحوليَّة؟
ولَعَلَّكُم تَذكرون أننا حاولنا أن نُشارك معكم في المَرَّة السابقة بعض المبادئ الَّتي يَنبغي أنْ نَستخدمها كأسئلة في هذا النقاش. فالكتاب المقدس لا يقول إنك لا تستطيع أن تشرب الخَمْر. وقد أخبرتكم في المَرَّة السابقة أنه لو كان الكتاب المقدَّس يقول ذلك، لقرأتُ تلك الآيةَ وَذَهَبَ كُلٌّ مِنَّا إلى بيته. ولكنه لا يقول ذلك. لذا يجب علينا أن نتعرَّفَ إلى بعض المبادئ الأخرى التي تُساعدنا في معرفة ما إذا كان ذلك جائزًا أَمْ غير جائز. وإن كان جائِزًا، متى يكون جائِزًا ومتى لا يكون جائِزًا، وهَلُمَّ جَرَّا. فهل يجوز للمؤمن المسيحيّ أن يشرب المشروبات الكحوليَّة؟ إنَّ هذا أمرٌ مُهِمٌّ جدًّا. وإن كانت كلمة الله تقول شيئًا ما عن هذا الموضوع، يجب أن يَسْمَعَ كَثيرونَ ما يقول.
وقد قُلنا لكم إنَّ هناك ثمانية مبادئ أو نِقاط نريد أن نشاركها معكم مِن أجل التوصُّل إلى جواب. وقد تحدثنا عن المبدأ الأول والمبدأ الثاني. واسمحوا لي أن أُذكركم بِهما. فالسؤال الأول الذي طرحناه هو: هل الخَمْر هي نفسها؟ بعبارة أخرى، هل الخَمْر التي يشربها الناس اليوم هي نفس الخَمْر التي كان الناس يشربونها في أزمنة الكتاب المقدَّس؟ والسبب في أنهُ ينبغي لنا أن نَتَطَرَّقَ إلى هذا الموضوع هو أنَّ الناس سيقولون في نِهاية المطافِ (وما أَعنيه هو أنَّ المؤمنين المسيحيين الذين يشربون الخَمْر أو المشروبات الكحوليَّة سيقولون) إنَّ المؤمنينَ كانوا يَشربون في أزمنة الكتاب المقدَّس. لذلك، إنْ كانوا يفعلون هذا الأمر في أزمنة الكتاب المقدَّس، أيْ في أزمنة العهد القديم وأزمنة العهد الجديد، مِنَ المؤكد أنه لا بأس في شُرب الخَمْر اليوم. لذلك فإنَّ السؤال المطروح هو: هل شُرب الخَمْر في أزمنة الكتاب المقدَّس يُماثل شُرب الخَمْر اليوم؟ وهل كانَ المُنْتَجُ هُوَ نَفْسُهُ؟ أيْ: هَلْ كانتِ الخَمْر هِيَ نَفْسُها؟ وقد تحدثنا عن ذلك بتفصيلٍ شديد يوم الأحد الماضي ووجدنا أنَّ الجواب هو ماذا؟ "لا". فالمشروبات التي كانت تُشرب في أزمنة الكتاب المقدَّس لم تكن تحوي كحولًا بنسبة تتراوح بين 9–11 بالمئة كما هي حال الخَمْر التي يشربها الناسُ اليوم.
وقد شاركنا معكم أنه كانت هناك ثلاثة أنواع مِن الخَمْر. فقد كانت هناك الـخَمْر الَّتي تُسَمَّى "غلوكوس" (gleukos) – وَهِيَ كلمة يونانيَّة: "غلوكوس". وَهِيَ كَلِمَة تَصِفُ الخمر الجديدة والخَمْر المصنوعة حديثًا. وهُناكَ كلمة أُخرى تَرِدُ في العهد القديم وهي: "تيروش" (tirosh)، وَهِيُ تُشبهُ كثيرًا عصيرَ العِنَب. والشيء المؤكَّد هو أنَّ هذا النَّوع كان يمكن أنْ يَخْتَمِرَ بسرعة شديدة وأنْ يُسَبِّبَ السُّكْر. لذلك فقد كانَ يُمْزَجُ بالماء. وأقَلُّ نسبة تَخفيف هي ثلاثة أجزاء مِنَ الماء إلى جُزْءٍ واحدٍ مِنَ الخَمْر. وقد كانَ ذلكَ كَفيلاً بتخفيف أيِّ مُحْتَوىً كُحولِيٍّ إلى نسبةٍ ضئيلةٍ جدًّا وإلى نِسْبَةٍ لا تُذْكَر مِنَ الكُحول. لذلك فإنها لم تَكُنْ تَصَنَّفُ حَتَّى بأنها مشروبٌ كُحوليٌّ لأنهُ كانَ ينبغي للمرء أنْ يَشربَ ويَشربَ ويَشربَ إلى أنْ يَنْفَجِرَ لكي يَسْكَر. ثُمَّ هُناكَ الخَمْر الَّتي تُسَمَّى "أوينوس" (oinos) ... "أوينوس". وهي كلمة تَعني ببساطة: خَمْرًا بالمَعنى العامّ. وقد رأينا أنَّ تلك الخَمْرَ الَّتي كانت تَتوفَّرُ في شكلٍ سائلٍ كانت تُمْزَجُ دائمًا بالماء.
وفي العهد الجديد، كانت الخَمْر العادية تُخَزَّن وقتًا طويلاً في زِقَاقٍ كبيرةٍ، ثُمَّ كانت تُمزَجُ بالماء بنسبة تصل في حَدِّها الأعلى إلى 10 أو 15 إلى واحد، وفي حَدِّها الأدنى إلى ثلاثة أجزاء إلى واحِد. لذلك فهي لم تكن تحوي كحولاً بنسبة عالية، ولم تكن تُسَبِّب السُكْر. لذلك، فقد كانت هناك الخَمْر الجديدة التي كانت تُمزج بالماء أيضًا، وكانتْ هناك الخَمْر المُختمرة التي كانت أيضًا تُمزج بالماء. ثم كانت هناك الخَمْر الكثيفة القِوام التي تُصنع على شكل معجون بعد غَلْيِهَا. فقد كانوا يأخذون الخَمْر الجديدة ويَغْلُونَها، ويُبَخِّرون كل الماء منها لقتل البكتيريا، لذلك فإنها لم تكن تَخْتمر. ثم كانوا يضعونها في زِقاق الخَمْر. وعندما يرغبون في شُربها كانوا يَعْصِرونها مِن تلك الزِّقَاق فتخرج بِقِوامٍ كَثيفٍ يُشْبِهُ العَسَل، ثُمَّ كانوا يمزجونها بالماء. وبحسب المؤرِّخ الرومانيّ "بلايني" (Pliny) فإنه يقول إنهم كانوا يمزجونها بنسبةِ عِشْرينَ جُزءٍ مِنَ الماء إلى جُزْءٍ واحدٍ مِنَ الخَمْر لأنها كانت كثيفة جدًّا. وعند شُرْبِها بتلك الصورة فإنها لم تكن مُختمرة.
لذلك فإنَّ الخَمْر في الكتاب المقدَّس كانت إمَّا غير مُختمرة إذْ إنَّها كانت تُصْنَع في شكل مَعجونِ عِنَبٍ مخلوطٍ بالماء، أو أنها كانت تُخلط بالماء في شكلها السائل. أما الخَمْر الخالصة التي نعرفها اليوم، والتي تحوي كُحولاً بنسبةٍ تتراوح بين 9–11 بالمئة فإنها كانت تُسَمَّى في العهد القديم "شَكَار" [shaker] (أو "سِكِرا" [sikera] في العهد الجديد)، والتي يُمكن أن تُترْجَم: مَشْرُوبًا كُحوليًّا قَوِيًّا". وقد أَوْضَحْنَا لكم أنَّ المؤرِّخينَ وَالنَّاسَ الوَثَنِيِّينَ في زمن الكتاب المقدَّس كانوا ينظرون إلى ذلك الشَّراب بأنه شرابٌ يشربه الأشخاصُ الهَمَجِيُّون. لذلك فإنَّ الخَمْر التي نعرفها اليوم، والتي تحوي كحولاً بنسبة تتراوح بين 9–11 بالمئة، لم تكن تُستهلَكُ عادةً مِنْ قِبَل الناس في أزمنة الكتاب المقدَّس. ولا يَفُوتُنا أن نَذْكُرَ أنَّ أنواع المشروبات الكحوليَّة الأخرى اليوم تحوي نسبة كحول تتراوح بين 15 بالمئة و 50 بالمئة وهذا يعني أنَّ قُوَّتَها المِعياريَّة هي "مِئَة". لذلك فقد كانت الخَمْر آنذاك مختلفة. ويجب علينا أن نُبَيِّنَ ذلك لأننا لا نريد أن نُحَاجِجَ في موضوع شُرب الخمور اليوم استنادًا إلى أنهم كانوا يشربون الخَمْر في أزمنة الكتاب المقدَّس، لا سيما إذا كانت تلك الخَمْر مختلفة.
والنقطة الثانية التي طرحناها، أو السؤال الثاني هو: إنَّ الأمر لا يقتصر على أنَّ الخَمْر مختلفة، بل: هل شُرْبُها ضَرورِيّ؟ وقد أشرنا إلى أنه بالنسبة إلى أغلبية الناس في العهد القديم، كانت هناك ضَرُورة تُحَتِّمُ شُرب الخَمْر. فقد كانت خِيارات الشُرب قليلة ولا تَتَعَدَّى الماء، وحليب الماعز أو الأبقار، والخَمْر. وربما كانت هناك مشروبات أخرى لديهم. ولكِنْ بصورةٍ أساسيَّةٍ، كانت هذه هي المشروبات المتوفرة لديهم. وقد كانت الضَّرورة تُحَتِّمُ عادةً أن يشربوا الخَمْر بشكلٍ مِن الأشكال. وكما ذكرتُ، فقد كانت الخَمْر المستخدمة يوميًا مُخَفَّفَة - إلَّا إذا قَصَدَ المَرْءُ أن يشرب مشروبًا قويًّا لكي يَسْكَر أو بهدف تسكين الآلام الشديدة. لذلك فقد كان الناس في أزمنة الكتاب المقدَّس يُعانون مُشكلةً في قِلَّةِ الخِيارات. فقد كانت الخِيارات المتاحة أمامهم مَحدودة جدًّا. أمَّا اليوم فإننا لا نعاني بهذا الخصوص. لذلك، فإننا نَطْرَحُ السؤال الثاني وهو: هل شُرْبُ الخَمْرِ ضَرورِيّ؟ والجواب هو ماذا؟ "لا". فلا شيء يُحَتِّم علينا اليوم أنْ نَشْرَبَ الخَمْر. لذا فإنها تُصَنَّفُ في فِئَةِ الأشياء التي يختار المرء أن يفعلها، وتُصنَّف في فئة الأشياء التي يُفَضِّلُها الناس، وتًصنَّف في فئة الرغبات. وقد سمعتُ أُناسًا يقولون: "أنا أُحِبُّ طَعْمَها. ولا بأس في ذلك. فهذا القول يَدُلُّ على شيءٍ نُحِبُّه، أو نُفَضِّلُه، أو عنْ رغبة، ولكنَّهُ لا يَدُلُّ على ضرورة حَتْمِيَّة.
فنحنُ لَسْنا مِثْلَ بعض الثقافات. وبالمناسبة، هناك بعض الأشخاص، وهناك بعض الثقافات في العالم مِمَن سيسمعون هذِهِ العِظَة ويجدون أنفسهم في موقفٍ معينٍ لا توجد فيه سوى خِيارات محدودة جدًّا. وربما لا يكون أمامهم أيُّ خِيارٍ مِنْ أيِّ نوعٍ في أيِّ ظَرْفٍ مِنَ الظُّروف في وقتٍ مِن الأوقات. وهذهِ قد تكونُ حالَة مُختلفة. ولكن في مجتمعنا، أو بصراحة في أغلبية أنحاء العالم، فإنَّ شُربَ الخَمْر ليس شيئًا ضروريًا. ويُمكنني أن أقولَ بكُلِّ جُرْأة إنه في كل مكانٍ ذَهبتُ إليه، وفي كل لغة وكل ثقافة، وفي كل مُناخٍ، هناك "كُوكا كُولا". وعَدا عنِ "الكوكا كولا"، حَتَّى في البلاد العربيَّة، ذهبنا يومًا إلى وَسَطِ منطقة الأهراماتِ ووجدنا هناكَ أشخاصًا يَبيعونَ مَشروبات غازِيَّة مَحَلِّيَّة الصُّنْع. وربما ينبغي لك أن تَتَفَحَّصَ الشَّرابَ جيِّدًا للتأكد مِن عدم وجود أشياءٍ تَسْبَحُ فيه. ومع ذلك فإنها ما تزال مشروبات غازِيَّة.
لذلك فإنَّ شُرب الخَمْر ليس ضَرورة حَتميَّة في وقتنا الحاضر بكل تأكيد. فنحن لدينا مَصانع كثيرة لصُنع المشروبات، ولدينا أنظمة تَبريد وكل ما يَلزمُ للتغلُّب على مشكلة التَخمُّر. لذلك فإننا لسنا مُشابهين لأولئك الناس. إذًا فالسؤال الأول هو: هل الخَمْر الآن مُشابهة للخَمْر آنذاك؟ لا. وهل شُرب الخَمْر ضرورة؟ لا. وهذا يقودنا إلى حقيقة أنَّ شُرب الخَمْر هو خِيار. فإنِ اخترتَ أَن تشرب الخَمْر. فإنَّ السَّببَ في ذلك هو أنك اخترتَ ذلك. ولأنه خِيارٌ، فإن الناس يقولون: "أنا حُرٌّ في المسيح. أنا حُرٌّ، وكُلُّ الأشياء تَحِلُّ لي كما جاء في رسالة كورِنثوس الأولى 6: 12. فكُلُّ الأشياء تَحِلُّ لي، وأنا لستُ مُستعبدًا، وأنا لستُ تحت الناموس، والأطعمة لم تعد شيئًا مقدسًا، ولم تَعُدْ هناكَ أطعمة طاهرة وأطعمة نجسة كما جاء في الأصحاح العاشر مِن سفر أعمال الرُّسُل وفي الأصحاح 14 مِن رسالة رومية. لذلك أنا لستُ مُضطرًا للخوف مِن شُرب الخَمْر. فَحُرِّيَتي تَسمحُ لي بهذا الامتياز. إذًا، فهو اختيارٌ. ويُمكنني أنْ أختارَ أنْ أَشربَ أوْ ألَّا أَشْرَبَ". والآن اسمحوا لي أن أطرحَ السؤال الثالث وهو: "هل شُرب الخَمْر هو أفضل خِيار؟" هل هو أفضل خِيار؟ هناك الكثير مِن الأشياء الاختياريَّة. فكما تعلمون، فإنَّ الكتاب المقدَّس لا يقول إنك تستطيع أنْ تضع أعْوادًا (أيْ: سَجائِرَ) في فَمِكَ وأن تُشْعِلَ النَّارَ فيها. فالكتاب المقدَّس لا يقول ذلك. فإنَّ أردتَ أن تضعَ تلكَ أعوادًا في فَمِكَ وأن تُشْعِلَ النَّارَ فيها وأن تَنْفُثَ الدُّخان مِنْ أنْفِك، فأنْتَ تَمْلِكُ حَقَّ القيام بذلك. فهذا ليس شيئًا مُحَرَّمًا في الكتاب المقدَّس. ولكنَّ أَحَدَ الأشخاص قال إنَّهُ لو كانت مشيئةُ اللهِ هيَ أنْ نُدَخِّن لَزَوَّدَنا بِمِدْخَنَة. وقد لا يكونُ هذا صحيحًا. فالتَّدخينُ ليسَ مُحَرَّمًا في الكتاب المقدَّس، بل هو خِيارٌ تصنعه أنت. وهناك أُناسٌ يقولون لك إنَّ ذلك ليس أفضل خِيار. كذلك فإنَّ لك الخِيار في أن تشرب القهوة أو ألَّا تشرب القهوة. فبعض الناس يُفكِّرون في أنَّ القهوة رائعة، والبعض الآخر يعتقدون أنَّ هُناكَ تأثيرًا سَلبيًّا للكافيين وأنَّ القهوة ليست أفضل خِيار بالرغم مِنْ أنك تمتلك الحرية في أن تشرب القهوة، وفي أن تُدخِّنَ السَّجائر، وفي أن تشرب الخَمْر إنِ اخترتَ أنْ تَستخدمَ تلك الحريَّة. لذلك فإنَّ شُرْب الخَمْر مسألة اختيار. ولكِنْ هل هو أفضل خِيار؟ فلنتحدث عن هذه النقطة بِضع دقائق.
سوف أُبَيِّنُ لكم مجموعةً مُتَدَرِّجَةً مِنَ الحقائق الكتابية لمساعدتكم على رؤية أفضل خِيار. حسنًا؟ فلنرجع إلى الأصحاح العاشِر مِنْ سفر اللَّاويِيِّين. وأعتقد أنكم ستجدون ذلك مُدهشًا. ففي تَدبير الله الأصْلِيِّ لِبَني إسرائيل، كان هناك تَمْييزٌ بين الناس. فقد كانت هناك معاييرُ أعلى للأشخاص الذين يَضْطَلِعُون بمسؤلياتٍ أكبر. ولا أعلم إن كُنتم تُدركون ذلك، ولكنه صحيح. ويمكن توضيح ذلك بِطرق عديدة. خُذوا، على سبيل المثال، ذبيحة الخطيَّة. وربما تذكرون أنه كان ينبغي لبعض الأشخاص، أو بالأحرى لكل شخص، أن يُقَدِّمَ ذبيحة خَطيَّة، ولكن إن كانتْ تلكَ خطيَّة جماعيَّة، كان ينبغي أنْ تكونَ ذبيحةُ الخطيَّة ثورًا. وإنْ كانت خَطِيَّة اقْتَرَفَها رئيسُ الكهنة، كان ينبغي أن تكون ثورًا. وإن كانت خطيَّة اقْتَرَفَها حَاكِمٌ، كان ينبغي أن تكون جَدْيًا ذكرًا. وإن كانت خطيَّة اقْتَرَفَها شخصٌ عاديٌّ، كان يمكن أن تكون حَمامَتَيْن أو يَمَامَتَيْن أو دَقيق. بعبارةٍ أخرى، مِنَ الواضح أنه كُلَّما زادت مَكانَتُك، زادَتْ مُتَطَلَّباتُ الذبيحة. وكلما زادت الرُّتْبَة الدينيَّة، زادت قيمة الذبيحة. وحيث إنَّ الشعب نفسه هو أُمَّةٌ كَهَنوتِيَّة، كانَ ينبغي أَنْ يُقَدِّموا ذبيحةً مُماثلةً لذبيحة رئيس الكهنة.
فقد كان ينبغي لرئيس الكهنة أن يُقدِّم أَثمن ذبيحة وهي الثَّوْر. ويأتي بعدُهُ الحُكَّام الذين كانَ ينبغي لهم أن يُقدِّموا جَدْيًا. وكان يُمكن للشعب أن يُقدِّموا حَمامًا وأشياءَ مُشابهةً لأنه كلما زادت الرُّتْبَة زادت المسؤوليِّة وزادَ معها العِقاب. وهذا هو ما جاء في رسالة يعقوب 3: 1 إذ نقرأ: "لاَ تَكُونُوا مُعَلِّمِينَ كَثِيرِينَ يَا إِخْوَتِي، عَالِمِينَ أَنَّنَا نَأْخُذُ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ". لذلك فقد قالَ الربُّ: "فَكُلُّ مَنْ أُعْطِيَ كَثِيرًا يُطْلَبُ مِنْهُ" ماذا؟ "كَثِيرٌ". فكلما زادت الرُّتْبَة الدِّينيَّة، زادت المسؤوليَّة وزادت معها خُطورة الخطيَّة. فالخطيَّة تَزدادُ خُطورةً كُلَّما ارتفعت مكانةُ الشَّخْصِ الَّذي اقْتَرَفَها لأنه عندما تُخطئ وأنت في مَنْصِبٍ عالٍ، فإنَّ تأثير خطيئَتِكَ يكون أعظم بكثير؟ أليس كذلك؟ فالخطيَّة في قلب رئيس الكهنة أو الحاكم أو الملك لها تأثيرٌ هائلٌ بين الشعب، ولها تأثيرٌ خطير. فالأمر كذلك في معايير الله.
وقد وَضَعَ اللهُ مَعاييرَ لشعبهِ. ولكنه دَعا في العهد القديم أُناسًا مُعَيَّنين للارتقاء فوق تلك المعايير قائلاً: "سوف أَضَعُ مِعيارًا أعلى لكم. وأوَّلُ مَثَلٍ توضيحيٍّ على ذلك هو ما جاء في سِفْر اللَّاويِّين 10: 8 عندما أعطى الله مُتَطَلَّبات الكَهَنوت، وهذا أمرٌ مُدهشٌ جدًّا. فهو يقول لِهارون الذي كان رئيسًا للكهنة: "خَمْرًا وَمُسْكِرًا لاَ تَشْرَبْ أَنْتَ وَبَنُوكَ مَعَكَ عِنْدَ دُخُولِكُمْ إِلَى خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ لِكَيْ لاَ تَمُوتُوا". وهذا شَرْطٌ صَعْبٌ – لا تَشْرَبْ خَمْرًا وَلا مُسْكِرًا. وهل تَرَوْنَ ما يَحْدُث؟ ففي حين كان النَّاس يَشربون الخمر الممزوجة بالماء، أو ذلك المعجون الَّذي يُحْفَظُ في زِقاقِ الخَمْر – في حين أنَّ بعضَ النَّاسِ كانوا يَشربون ذلك، وأنَّ بعض الأشخاص الماجِنون كانوا يَشربونَ مشروبًا أَقوى، فقد دُعِيَ الكَهَنَة إلى مُستوىً أَعلى. أَتَرَوْنَ ذلك؟ "خَمْرًا وَمُسْكِرًا لاَ تَشْرَبْ أَنْتَ وَبَنُوكَ مَعَكَ عِنْدَ دُخُولِكُمْ إِلَى خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ لِكَيْ لاَ تَمُوتُوا فَرْضًا دَهْرِيًّا فِي أَجْيَالِكُمْ وَلِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُقَدَّسِ وَالْمُحَلَّلِ وَبَيْنَ النَّجِسِ وَالطَّاهِرِ". بعبارةٍ أخرى، "لَقَدْ دُعيتُمْ إلى الانْفِصالِ، وإلى الالْتِزامِ، وَإلى مُستوىً أعلى مِنَ التَّخْصيص، وإلى مُستوىً أعلى مِنَ التَّكريسِ لله".
ويقول بعض المُفَسِّرين إنَّ ذلك الأمر يَقْتَصِرُ فقط على الخدمة داخل خيمة الاجتماع، أي عندما كانوا يعبدون الرب. ويقول آخرون أنَّ ذلك كانَ أمْرًا يَصحُّ على حياتهم بأسْرِها. وفي كِلْتا الحالتَيْن، عندما كانوا يَعبُدون الربَّ، وعندما كانوا يُدْعَوْن لِخدمة الله، كان ينبغي لهم أن يمتنعوا تمامًا عن شُرْب الخَمْر ... أن يَمتنعوا تمامًا. لماذا؟ لِئَلَّا يَتأثَّرَ حُكْمُهُم أو تتأثَّر قُدراتُهم ولو قليلًا بِصِفَتِهم رؤساءَ كَهَنَة بسبب تناول أيِّ مَشروبٍ كُحوليّ. فقد أراد اللهُ مِنهم أن تكون أذهانهم صَاحِيَة، وواعية، وطاهرة. لذلك فقد حُرِّمَ عليهم شُرْبُ الخَمْر كما لو أنَّ الله قد رَفَعَهُم إلى مستوى آخر وإلى مكانةٍ ساميةٍ تَفوقُ مَكانَةَ الشعب. ونَرى في الأصحاح 31 مِنْ سِفْر الأمثال (أيْ في الأصحاحِ الأخير مِنْ هذا السِّفْر)، وتحديدًا، في العدد الرابع منه، نَرى المعيار نفسه ثانيةً يُطَبَّقُ لا على الكهنة فقط، بل أيضًا على الملوك والأمراء. فنحن نقرأ في سِفْر الأمثال 31: 4: "لَيْسَ لِلْمُلُوكِ يَا لَمُوئِيلُ، لَيْسَ لِلْمُلُوكِ أَنْ يَشْرَبُوا خَمْرًا، وَلاَ لِلْعُظَمَاءِ الْمُسْكِرُ". لماذا؟ "لِئَلاَّ يَشْرَبُوا وَيَنْسَوْا الْمَفْرُوضَ [أيْ: الشَّريعة]، وَيُغَيِّرُوا حُجَّةَ كُلِّ بَنِي الْمَذَلَّةِ". بعبارةٍ أخرى، لم يكن الكهنة الأشخاص الوحيدين الذين أَوْصاهُمُ اللهُ بالامتناع عن شُرْب الخَمْر، بل إنَّ ذلك كان يَصُحُّ أيضًا على الملوك والأمراء. فالله لم يكن يريد أن يكون فِكرهم ضَبابِيَّا. والله لم يكن يريد أن يكون تفكيرهم مُشَوَّشًا أو مُضْطَربًا، بل إنَّ الله أراد أن يُفْرِزَهُم، وأن يُقدِسَهُم، وأن يُخَصِّصَهُم، وأن يُمَيِّزَهُمْ عنِ الشعب. ونقرأ في العَدد السَّادس إنك إنْ أردتَ أنْ تُعطي مشروبًا قويًّا لشخصٍ ما، فإنَّ المشروبَ القويَّ لا يُعْطي إلَّا للأشخاص الهالِكين. بعبارةٍ أخرى، فإنَّ أيَّ شخصٍ آخر يَشْرَبُ ذلك هو شخصٌ بَرْبَرِيٌّ. فالمشروبُ القويُّ الخالِصُ وغيرُ المُخَفَّف لا يجوزُ أنْ يُعطَى إلَّا فقط لشخصٍ هالِكٍ. بعبارةٍ أُخرى، فإنَّهُ يُعْطى فقط كَدواءٍ مُسَكِّنٍ لشخصٍ يَتألَّمُ كثيرًا على فِراشِ الموت.
إذًا، فقد كان يجوزُ إعطاءُ الخَمْرِ (أيِ الخَمْرِ العاديَّةِ الممزوجَةِ) لِمُرِّي النَّفْسِ لكي يَشْرَبونَ وَيَنْسَوْنَ فَقْرَهُم، وَلاَ يَذْكُرُ تَعَبَهُم بَعْدُ". أيِ اتْرُكُوا الدِّفْءَ والابتهاجَ النَّاجِمَيْنِ عنِ الخمرِ لأولئكَ الأشخاص الذينَ يُعانونَ مشاكل مُسْتَعْصِيَة، أوِ اتْرُكوا المُسْكِرَ لأولئكَ الأشخاصِ الَّذينَ يَرْقُدونَ على سريرِ الموتِ. أمَّا بالنسبة إلى الملوك والأُمراء والكَهَنة (إنْ كانَ بمقدورنا أنْ نُضيفَ ما جاءَ في سِفْر اللَّاوِيِّين إلى تلكَ الفكرة) فينبغي أنْ يَمتنعوا عنِ الخمرِ تمامًا. لذلك فقد كان هناك مستوى مِنَ التَّكريس في القيادة يَتطلَّب معيارًا أَعْلى.
والآن لننظر إلى سفر العدد والأصحاح السادس إذْ سأريكم أنَّ ذلك لم يكن يقتصر على الملوك والأُمراء والكهنة ورؤساء الكهنة، بل أنَّ أُناسًا مُعَيَّنين في بني إسرائيلَ اختاروا هذا المعيار أيضًا. فقد كان بمقدور أيِّ شخصٍ أن يَرتقي إلى هذا المعيار. وقد كان هذا هو أعلى معيار. وربما تذكرون أنه في سفر العدد 6: 1 فإنَّ الربَّ تَكَلَّمَ إلى مُوسَى قائلاً: "كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: إِذَا انْفَرَزَ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ لِيَنْذُرَ نَذْرَ النَّذِيرِ، لِيَنْتَذِرَ لِلرَّبِّ".
والآن لنتوقف هنا قليلاً. فقد كان بمقدور أي شخصٍ مِنْ بني إسرائيل أن يقول: "أريد أن أُكَرِّسَ حَياتي بأسْرِها لله، وأريد أن أُخَصِّصَ حياتي بأسْرِها للربِّ، وأريد أن أُفرِزَ نفسي لله، وأريد أن أقولَ [لا] للأشياء المُختصَّة بهذه الحياة، وأن أقولَ [نعم] للأشياء المُختصَّة بالله، وأريد أن أكون مختلفًا وأريد أن أكون مُكَرَّسًا". لذلك فقد قالَ الله: "بمُقتضى ذلك، فإنَّني أَضَعُ أَعْلى مُستوىً للتَّكريس". وَهُوَ يُسَمَّى "نَذْر النَّذير"، وَهُوَ مُشتقٌّ مِنَ الكلمة "نَذير". و "النَّذيرُ" هُوَ الشَّخْصُ المُفْرَزُ. فالنَّذيرُ هُوَ شخصٌ مُكَرَّسٌ. لذلك، عندما كانَ أحدُ اليهودِ يُريدُ أنْ يَنْفَرِزَ وأنْ يُكَرِّسَ نفسهُ حقًّا، فإنَّهُ يَنْذِرُ نَذْرَ النَّذير. فقد كانَ النَّذيرُ يَنْذِر نَذْرَ انْفِرازٍ. ونقرأ في نهاية العدد الثَّاني: "لِيَنْتَذِرَ لِلرَّبِّ" – أيْ نَذْرَ تَقديسٍ، ونَذْرَ تَكْريسٍ وَانْفِرازٍ.
وما سِماتُ هذا النَّذْر؟ نَقرأ في العدد الثالث: "فَعَنِ الْخَمْرِ وَالْمُسْكِرِ يَفْتَرِزُ، وَلاَ يَشْرَبْ خَلَّ الْخَمْرِ وَلاَ خَلَّ الْمُسْكِرِ، وَلاَ يَشْرَبْ مِنْ نَقِيعِ الْعِنَبِ، وَلاَ يَأْكُلْ عِنَبًا رَطْبًا وَلاَ يَابِسًا. كُلَّ أَيَّامِ نَذْرِهِ لاَ يَأْكُلْ مِنْ كُلِّ مَا يُعْمَلُ مِنْ جَفْنَةِ الْخَمْرِ مِنَ الْعَجَمِ حَتَّى الْقِشْرِ. كُلَّ أَيَّامِ نَذْرِ افْتِرَازِهِ لاَ يَمُرُّ مُوسَى عَلَى رَأْسِهِ". إذًا، هذا هو نَذْرُ النَّذير. فأنْتَ لا تَقُصُّ شَعركَ ولا تَلْمَسُ الخَمْرَ البَتَّة. فقد كان أعلى مستوى مِن التكريس يتطلَّبُ الامتناعَ نهائيًّا عنِ الخَمْر. وكأنهم بذلك كانوا يَرْتَقونَ إلى مستوىً آخر ويَنْضَمُّونَ إلى فئة الكهنة والملوك والأمراء وأولئكَ الذين كَرَّسُوا أنفسهم لله. وقد كان بإمكانهم أن ينْذروا نَذْرَ النَّذير مُدَّةَ ثلاثينَ يومًا، أو سِتِّينَ يومًا، أو تِسْعين يومًا، أو حَتَّى طَوال حياتهم. وهناك ثلاثة أشخاص في الكتاب المقدَّس بَقَوْا نَذيرينَ للهِ طَوال حياتهم وَهُمْ: صَموئيل، وشَمْشُون، ويُوحَنَّا المَعْمَدان. وأكثرُ ما يُدهشنا هو أنَّ الأمر لا يقتصر على أنَّ هؤلاء كانوا نَذيرين لله طوال حياتهم، بل إنه في حالةِ زوجة "مَنُوح"، أُمِّ شَمْشون، فإنَّ الملاك جاء إليها وقال: "وَلاَ تَشْرَبِي خَمْرًا وَلاَ مُسْكِرًا" – كما هي حالُ الطِّفْلِ الَّذي تَحْمِلينَهُ في أَحْشائِكِ. ويُمْكِنُكم أنْ تَرْجِعُوا إلى سِفْرِ القُضاة 13: 4 وأنْ تَقرأوا الكلماتِ المُختصَّة بأُمِّ شَمْشون لكي تَعرفوا مَكانَها: "وَالآنَ فَاحْذَرِي وَلاَ تَشْرَبِي خَمْرًا وَلاَ مُسْكِرًا، وَلاَ تَأْكُلِي شَيْئًا نَجِسًا. فَهَا إِنَّكِ تَحْبَلِينَ". ثُمَّ نقرأ في العدد 7، أو في الجزء الأخير مِنَ العدد السابع: "لأَنَّ الصَّبِيَّ يَكُونُ نَذِيرًا ِللهِ مِنَ الْبَطْنِ". وعندما تأتون إلى العهد الجديد، تَجدون شيئًا مشابهًا في الأصحاح الأول والعدد 15. وهوَ أمرٌ مُدهشٌ جدًّا. فقد قال مَلاكٌ لزكريَّا وأليصابات إنهما سيُنْجِبانِ ابْنًا (في العدد 13)، وإنه سيكونُ لَهُما فَرَحٌ وَابْتِهَاجٌ، وَأنَّ كَثِيرينَ سَيَفْرَحُونَ بِوِلاَدَتِهِ. ثم نقرأ في إنجيل لوقا 1: 15: "لأَنَّهُ يَكُونُ عَظِيمًا أَمَامَ الرَّبِّ، وَخَمْرًا وَمُسْكِرًا لاَ يَشْرَبُ، وَمِنْ بَطْنِ أُمِّهِ يَمْتَلِئُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ
ونحن هنا أمام أعظمِ رَجُلٍ عاش على الأرض. فقد قال يسوع في إنجيل مَتَّى 11: 11 إنَّ أعظم رَجُلٍ عاش على الأرض هو يوحنا المعمدان. وقد كان أعظمُ رجل عاش على الأرض مُمْتَنِعًا تمامًا عن الخمر طوال حياته. وكما تَرَوْنَ، فإنَّ هناك مستوىً (وهو مُستوىً أعلى مِنَ المُعتاد) قام الله بِرَفْعِ أُناسٍ مُعَيَّنينَ إليه. وقد كان يوحنا أعظم رجل عاش على الأرض. وفي تلك الأوقات الخاصة، نَرى أنه بالنسبة إلى الكهنةِ، أوِ الملوكِ، أوِ العَظَماءِ، أوِ القُضاةِ العُظَماءِ (مِثْلَ: شمشون)، أوْ رِجَالِ اللهِ العظماءِ (مِثْلَ صموئيل)، أوْ رِجالِ اللهِ العظماءِ (مِثْلَ النبي يوحنا المعمدان)، كان هناك مُستوىً آخر مِنَ الفَرْزِ ومُستوىً آخر مِنَ التَّكريس - وهو تَكْريسٌ أعلى مِنَ المستوى المطلوب مِنَ الناس العاديِّين. وبالمناسبة، لم يكن ذلك أمرًا مَقْصُورًا على هؤلاءِ القادة فقط. فقد كان بمقدورِ أيِّ شخصٍ أن يفعل ذلك. وقد كان هناك الكثيرُ مِنَ النَّذيرينَ في إسرائيل. ولا أعتقد أننا نُدْرِكُ ذلك، ولا أعتقد أننا نَعْرِفُ عَددهم حَقًّا، ولكِنْ كان هناك الكثيرون منهم.
فمثلًا، نقرأ في سِفْر عاموس 2: 11 أنَّ اللهَ يقول: "وَأَقَمْتُ مِنْ بَنِيكُمْ أَنْبِيَاءَ، وَمِنْ فِتْيَانِكُمْ نَذِيرِينَ. أَلَيْسَ هكَذَا يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، يَقُولُ الرَّبُّ؟" بعبارةٍ أخرى فإنَّ اللهَ يقول: "لقد أَقَمْتُ أنْبياءَ وأَقَمْتُ أيضًا نَذِيرينَ. فقد أَفْرَزْتُ أُناسًا ... أُناسًا نَذَرُوا نَذْرًا أَعْلى ... أُناسًا كانَ لديهم مِعْيارٌ أعظم أوْ مِعيارٌ أعلى للحياةِ بينكم. وَهُوَ يُتابِعُ قائلًا إنه يوجد بينهم بكل تأكيد أشخاص فاسِدون: "لكِنَّكُمْ سَقَيْتُمُ النَّذِيرِينَ خَمْرًا، وَأَوْصَيْتُمُ الأَنْبِيَاءَ قَائِلِينَ: لاَ تَتَنَبَّأُوا". فقد نَجَّسوا هؤلاءِ النَّذيرينَ الذينَ أَفْرَزَهُمُ اللهُ وقَدَّسَهُمْ لنفسهِ مِنْ خلالِ الامتناعِ الكاملِ عنِ الخَمْرِ. فقد قامَ شعبُ اللهِ حقًّا بتنجيسهم إذْ إنَّهُمْ سَقَوْهُمْ خَمْرًا. ويبدو لي أنَّ أشخاصًا كثيرينَ مِمَّنْ أقامَهُمُ اللهُ في الأصحاحِ الثَّاني مِنْ سِفْر عاموس ليكونوا نَذيرين، كانوا نَذيرينَ مَدى الحياة، ولكِنْ تَمَّ تَنجيسهم أو رُبَّما تَمَّ إرغامُهُم أوْ إغواؤُهم حقًّا بِعِصْيانِ أَوامرِ اللهِ مِنْ قِبَلِ بقيَّةِ الشعبِ.
لذلك فقد أَنشَأَ اللهُ نَذْرَ التَّكريسِ هذا. وقد نَذَرَهُ أُناسٌ كثيرون. فاللهُ هو الذي أَسَّسَ هذا النَّذْرَ العالي. وقد أَقامَ أُناسًا يَسْلُكون بذلك المستوي مِنَ الكهنة والملوك والحكام والأنبياء والقضاة المَمَّيزين والأشخاصِ المُمَيَّزين مِثْلَ شمشون وآخرين مِنَ الذين رَفَعَهُم إلى ذلك المستوى. ولسببٍ عجيبٍ ما، شَعَرَ الشَّعْبُ بالرغبة في جَعْلِ هؤلاءِ النَّذيرينَ يَنْزِلونَ إلى مُستواهم. وكما تَعلمون، فإنَّ هذا أَمْرٌ غريبٌ بخصوص الناس. فعِوضًا عَنِ الارتقاءِ إلى أعلى مستوىً مُمْكِنٍ، فإنهم يَرغبونَ في جَذْبِ النَّاسِ الذين وَصَلُوا إلى أعلى مستوىً إلى مُستواهم المُتَدَنِّي. وهذا هو ما حَدَثَ في إسرائيل. وعندما رأى إرْمِيَا (لِيُبارِكِ اللهُ قَلْبَهُ)، عندما رأى ما كان يَجري بهذا الخصوص، اسْتَخْدَمَهُ اللهُ للتحدُّثِ بهذا الشأن فقال ليهوذا: "أنتِ عَاصِيَة يا يَهوذا". فقد قال في الأصحاح 35 مِن سفر إرميا: "أَنْتُم عُصَاةٌ".
واسمحوا لي أنْ أُقَدِّمُ لكم مُفارَقَةً. فنحن نقرأ في الأصحاح 35 مِنْ سِفْر إرْميا: "هل تَذكرونَ الرَّكَابِيِّينَ؟ - الرَّكابِيِّينَ، بَني يُونَاداب؟ هل تَذكرونَ أنَّ يُونَادابَ قالَ للرَّكابِيِّين: "لا تَشربوا خمرًا ولا مُسْكِرًا، لا أنتُم ولا بَنوكُم، ولا بَناتُكُم، ولا نَساؤُكم، ولا أيُّ شخصٍ مِنْ أفرادِ عائِلَتِكُم إلى الأبد"؟ بعبارةٍ أخرى، فقد نَذَرَتْ العائلةُ بأسْرِها نَذْرًا بالامتناعِ عنِ الخَمْرِ. فقدِ ارْتَقَت عائلةٌ بِأسْرِها إلى مُستوىً أعلى. واللهُ يقول: "وحتَّى عندما أَضَعُ أوعيةَ الخَمْرِ أمامَ الرَّكابِيِّينَ، فإنهم لن يَشربوها". فهذا هُوَ ما وَرَدَ في سِفْر إرْميا 35: 2-6. "وحتَّى عندما أَضَعُ أوعيةَ الخَمْرِ أمامَ الرَّكابِيِّينَ، فإنهم لن يَشربوها". وَهُوَ يَمْضي في الحديثِ عن ذلكَ في الأصحاحِ كُلِّه، ثُمَّ إنَّهُ يُلَخِّصُ الأمْرَ أخيرًا قائلًا: "انظروا إلى التَّجاربِ الَّتي تَعَرَّضوا لها ليشربوا الخَمْرَ، ولكنَّهم لم يَستسلموا يومًا لتلكَ التَّجارب. أمَّا أنتم – أمَّا أنْتُمْ فقد عَصَيْتُموني ... لقد عَصَيْتُموني". فنحنُ نَجِدُ هنا جماعةً مِنَ الأشخاصِ المُطيعينَ بالمُفارَقَةِ مَعَ بَني إسْرائيلَ العُصَاة. والسَّبَبُ في طاعَتِهِمْ هو أنَّهم امْتَنعوا عنِ الخَمْرِ تَمامًا. فقدِ ارْتَقوا إلى ذلكَ المُستوى فاسْتَخْدَمَهُمُ اللهُ بِوَصْفِهِمْ قُدْوَة حَسَنَة.
والآن قد تقول: "ما علاقة هذا الأمر بي؟" إنَّهُ يَعْني أُمورًا كثيرةً ضِمْنِيًّا. فنحنُ نقرأ في رسالة كورنثوس الثانية 6: 17: "اخْرُجُوا مِنْ وَسْطِهِمْ" – وماذا؟ "وَاعْتَزِلُوا. ... وَلاَ تَمَسُّوا نَجِسًا". ونقرأ في رسالة كورِنثوس الثانية 7: 1: "لِنُطَهِّرْ ذَوَاتِنَا مِنْ كُلِّ دَنَسِ الْجَسَدِ وَالرُّوحِ، مُكَمِّلِينَ الْقَدَاسَةَ فِي خَوْفِ اللهِ". فنحن مَدْعُوُّون جميعًا إلى أعلى مستوى، وقد تَمَّ رَفْعُنا جميعًا لاتِّخاذِ أَفْضَل خِيار. وعندما تأتونَ إلى العهد الجديد، يا أحبَّائي، لا أعتقدُ أنَّ المِعيار يَتَغَيَّر. فأنا لا أعتقد ذلكَ حَقًّا. فأنا لا أعتقدُ أنه يَتغيَّر. ولا أعتقد أنَّ الله في العهد الجديد قد وَضَعَ مَعاييرًا أَدْنَى. اسمعوني جيِّدًا: إنْ كان يَنبغي للكاهن أن يكون صَافي الذِّهْنِ كُلَّ الوَقْتِ، وأَلا يَسْمَحَ لنفسه أنْ يَقَعَ في التجربة، وإنْ كان هذا يَصحُّ أيضًا على المَلِكِ، ويَصحُّ على الأميرِ، وإنْ كان يَصحُّ على القاضي، وإنْ كان يَصُحُّ على قائدٍ عظيمٍ مِثْلَ صَموئيل، وإنْ كان يَصحُّ على نَبِيٍّ مِثْلَ يوحنا المعمدان، فَهَلْ يُعْقَلُ أنْ يَكونَ المِعيارُ أَقَلّ بالنسبة لأولئكَ الذين يَخْدِمون في كنيسةِ يَسوعَ المسيحِ الَّتي اشتراها بدمه الزَّكِيّ؟ هل يجوزُ أن يكون أَقَلّ؟
إنَّ ما أقوله هو الآتي: هناك مِعيارٌ أَعلى في الكتاب المقدَّس لأولئك الَّذينَ يَضْطَلِعونَ بمسئولياتٍ رُوحِيَّةٍ وقِياديَّة. وهذا، في رأيي، هو أفضلُ خِيار. فكما تَعلمون، إنْ كُنَّا جميعُنا كَهَنَةً، وإنْ كُنَّا جميعُنا مُفْرَزينَ مِنَ الله بِصِفَتِنا أشخاصًا مُكَرَّسين بواسطة الرُّوح القُدُس، وإنْ كُنَّا (وَفْقًا لِما جاءَ في رسالة رُومية 12: 1) سَنُقَدِّمُ أَجسادنا ذبيحةً مُقدَّسةً، وإن كُنَّا كُلُّنا سَنُقَدِّمُ أنفُسَنا سَكِيبًا ونُقَدِّمُ أنفُسَنا في تكريسٍ كاملٍ تَعبيرًا عن عِبادتنا الطبيعيَّةِ له، يبدو لي أننا جميعًا قادِرونَ على التَّفكيرِ وعلى اتِّخاذِ أَفْضَل وأَسْمَى خِيَار.
لذلك فإننا نسأل: هل الخَمْرُ آنذاك والخمرُ الآن مُتماثِلَتَيْن؟ "لا". وهل شُرْبُ الخَمْر ضَروريّ؟ "لا". وهل هذا أفضلُ خِيار؟ مِنَ الواضح أنه ليس كذلك. فربما كان أفضل خِيارٍ هو أن نَنْضَمَّ إلى صَفِّ أولئكَ الَّذينَ أَفْرَزوا أنفسَهُم في العهد القديم والجديد، وإلى صَفِّ القادَة في كنيسة اليوم.
والآن، لِنَطْرَح سؤالاً رابعًا: فإنْ كُنَّا سنَشربُ المشروباتِ الكحوليَّةَ، ينبغي أنْ نَطْرَحَ السؤال التالي: "هل شُرْبُ الخَمْر يُؤدِّي إلى إدماني". هل يُؤدِّي إلى إدماني؟ إنَّ هذه قضية شائكة لأنَّ الكثيرَ مِنَ الأشياءِ قد تُؤدِّي إلى الإدمان. فقد تقولُ: "أنا أَرْتَدي جَواربي كُلَّ يومٍ مُبْتَدِئًا بالقَدَمِ اليُسرى قَبْلَ اليُمْنَى. وقد صَارَتْ تلك عَادة لَدَيَّ لأنِّي أفعلُ ذلك مُنْذُ وقتٍ طويل. ولكنَّ ذلك لا يُؤذيني". ولكننا نتحدَّثُ هنا عنِ العادات التي لها تأثيرٌ سَلبيٌّ. وهذا يَقودُنا إلى رسالة كورنثوس الأولى 6: 12 ... إلى رِسالة كورنثوس الأولى 6: 12. وقدِ اقْتَبَسْتُ هذه الآيةَ جُزئيًّا قَبْلَ لَحَظاتٍ، ولكِنَّها تقول: "كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي" - "كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي، لكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تُوافِقُ".
ليست كُلُّ الأشياءِ تُوافِق. فهناك أشياءٌ يمكنني القيام بها، ولكنها سَتُعيقُني وتُقَيِّدُني. صحيحٌ أنَّ كُلَّ الأشياء تَحِلُّ لي، ولكنَّ بَعضًا منها سَيُعيقُني، وبعضًا منها سَيُشَوِّشُ فِكْري. وهذا يَصُحُّ على المشروباتِ الكُحولِيَّةِ أيضًا. فنحن قد نقول: "أنا أمتلكُ الحُرِّيَّةَ في أن أفعل ذلك". ولكننا قد نجد أثناءَ مُمارسَتِنا لتلك الحُرِّيَّةِ أنها صارت عائقًا لنا لأننا نقرأ في الجُزءِ الأخيرِ مِنَ الآية: "كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي. لكِنْ لاَ يَتَسَلَّطُ عَلَيَّ" – ماذا؟ "شَيْءٌ". فالكحول تمتلك القدرة على تشويشك. والأخطرُ مِنْ ذلك هي أنها تجعلك مُستعبدًا لتأثيرٍ آخر. فهي تجعلك معتمدًا عليها، فهي عادةٌ قد تُؤثِّرُ سلبيًّا في القراراتِ والتفكيرِ السليم.
وأعتقد أننا بحاجة إلى التحدُّثِ عن هذه المسألة. فأنا أريد أن أَتجنَّبَ الخطية. أليس كذلك؟ وأعتقد أنكم تريدون الشيء نفسه أيضًا. فأنا أريد ذلك حقًّا. فإنْ كنتُ أَعرِفُ أنَّ شيئًا ما خطيَّة، أريدُ مِنْ أعماق قلبي أنْ أتجنَّبَ ذلك. ولكنِّي سأخْطُو خُطوةً أخرى وأقول إنَّني أريدُ أيضًا أنْ أتجنَّب تلك الأشياء التي قد تَقودُ إلى الخطيَّة. وأنا أشعُرُ الشُّعورَ نفسَه فيما يَختصُّ بالطعام. فالشَّرَهُ خَطِيَّة. وإنْ لم آكُلْ بالطَّريقةِ الصَّحيحةِ، قد أَقَعُ في مَتاعِبَ كثيرة. ولكنِّي لا أَمْلِكُ خِياراتٍ كثيرة فيما يَختصُّ بتناول الطعام لأنه يجب عَليَّ أن آكُلَ الطعام. فهو ليس مِثْلَ شُرْبِ الخَمْر في هذا الخُصوص. ولكِنْ هل تَعلمونَ ماذا أُحِبُّ أن أفعل؟ أنا أُحِبُّ أنْ أُنَوِّعَ في طَعامي. وأنا أَمتنعُ عنِ الطعام تمامًا بينَ الحينِ والآخر لكي أَضْمَنَ سيطرتي على ما آكُل كَيْ لا يَتَحَكَّمَ الطَّعامُ بي. وأعتقد أنَّ هذا أمر أساسي جدًّا في الحياة المسيحيَّة. فلا يجوز لنا أن نكون تحت سَيْطَرَة أو هَيْمَنَة الأشياء التي تترك تأثيرات غير مُقَدَّسة علينا، أو الأشياء التي قد تجعلنا نسقط في الخطيَّة. لذلك فإنني أقول إنَّ أَفْضَلَ طريقةٍ هي أن نَتجنَّبَ الخطيَّةَ وأن نَتجنَّبَ كل ما يُمكن أن يؤدِّي إلى الخطيَّة.
وقد أَخْبَرَني الأشخاصُ في معهد الكحول، أنَّ الكحول تُسَبِّبُ الإدْمانَ لأنها قادرة على مُهاجمة العقل وجَعْلِهِ مُعْتَمِدًا عليها. ونحن جميعًا نعلم ذلك. فنحن جميعًا نعرف هذا الأمر. صحيحٌ أنَّ هناك أُناسًا يشربون الخَمْر دون أن يُدمنوا عليها، ولكنَّ الخَمْرَ تَمْتَلِكُ القُدرةَ على ذلك. فهي قد تَصيرُ عادةً. لذلك يجبُ علينا أن نُجيب عنِ السؤال: "هل الخَمْرُ تُسَبِّبُ الإدمانَ؟" أجل، إنها قد تُؤَدِّي إلى ذلك. فَهِيَ قد تصيرُ عادةً. والجسم قد يعتاد عليها. وقد نَصيرُ تحت سيطرتها فنفعلُ أشياءً، ونقولُ أشياءً، ونُفَكِّرُ في أشياءٍ لا يجوز لنا أن نُفَكِّرَ فيها؛ ولكنَّنا نَفْعَلُ ذلكَ بسببِ تأثيرِ الكُحولِ علينا.
والآنْ، لنَنْتَقِلْ إلى السؤالِ الخامس: فإن كانتِ الخَمْرُ تُؤدِّي إلى الإدمان، هل مِنَ الممكن أنْ تكون مُدَمِّرةً أيضًا؟ فإنْ كانت الخَمْر تُؤدِّي إلى الإدمان أو قد يَعْتادُ الجسمُ عليها، هل يمكن أن تَكونَ مُدَمِّرةً؟ والجواب عنْ هذا السؤالِ هُوَ: "أجل". وأنا أَحْمِلُ في يَدي الآنْ رِسالةً مِنْ شَابَّةٍ عَزيزةٍ على قُلوبنا في كنيستنا. ومَعَ أنِّي لَنْ أقرأَ الرسالةَ كاملةً، فإنِّي سأقرأُ جُزءًا منها بإيجاز: "في أثناء عِظة الأحد الماضي عن رسالة أفسس 5: 18، شَعَرْتُ بشيءٍ يَدْفَعُني إلى مُشاركة شيءٍ ما معك. ففي الخامس عشر مِنْ شهر آب/أغُسْطُس سنة 1978، ماتت أُمِّي في مُستشفىً عَامٍّ في وِحْدَة العِناية المُركَّزة بسبب تَوَقُّفِ القلبِ وفَشَلِ الرِّئَتَيْن. وقد كانت مُصابةً بِتَصَلُّبٍ في الكَبِدْ، وكانتْ تُعاني ارتفاعًا في ضَغْطِ الدَّمِ وتُعاني فَشَلاً كُلْوِيًّا، وأعتقد أنها كانت تُعاني أيضًا قَلْبًا مَكْسُورًا. ولا حاجة إلى القول إنَّ أُمِّي كانت مُدْمِنَةَ مَشروباتٍ كُحولِيَّة. فقد أَدْمَنَتْ أُمِّي شُرْبَ الخُمورِ منذ أن كانت في أواخِرِ العِشريناتِ واستمرَّت في ذلك حَتَّى مَاتَتْ في عُمْرِ السَّادِسَة والسِّتِّين".
"وعندما سَلَّمْتُ حياتي للمسيح، كانَ مِنَ البَديهيِّ أنْ يكونَ لَدَيَّ قَلَقٌ عَميقٌ على خَلاصِ أُمِّي. وقد شَارَكْتُ معها الإنجيلَ مَرَّاتٍ عديدة، ولِكَّنها كانت تقولُ لي إنَّ الله لا يستطيع أن يُساعدها لأنها كانت شخصًا مُريعًا. وقد كنتُ أقولُ لها إنَّ الله يُحبها أيًا كانت حالتها في السابق أو الحاضر، ولكنَّ الأمر كان مَيْؤوسًا منه في نَظَرِها. وعندما كنتُ أتحدَّثُ إليها على الهاتف أو بطريقةٍ أخرى، كانت تَطْلُبُ مِنِّي أنْ أُصَلِّي لأجلها. وقد كانت أيضًا تَقرأ في الكتاب المقدَّس مِنْ وقتٍ إلى آخر وتَبحثُ عن الله. وقد أَمْضَتْ أيَّامَها الأخيرةَ في فُنْدُقٍ قَديمٍ كَريهٍ في لوس أنجلوس. وقد تَعَرَّضَتْ إلى الاعْتِداءِ والسَّرِقَة أكثرَ مِنْ مَرَّة".
"وفي أحَدِ الأيَّامِ، تَمَّ نَقْلُها إلى المستشفى بعد إصابتها بنوبةِ رَبْوٍ. وعندما اتَّصَلْتُ بالمستشفى أخبروني أنها في غيبوبة. فقد توقَّفَ قَلْبُها مَرَّتَيْنِ وأُصيبت بنوبةٍ قلبية. وفي أثناء غيبوبتها، لم تكن هناك طريقةٌ لإخبارها عن يسوع. لذلك، فقد طَلَبْتُ مِنْ جميع أصدقائي، بِمن فِيهم مجموعةُ الصلواتِ الطَّارِئَةِ في كنيسةِ النِّعْمَة، طَلَبْتُ منهم جميعًا أن يُصَلُّوا لكي تَفيقَ أُمِّي مِنْ غيبوبتها. وفي اليوم التالي، أَفاقَتْ مِنَ الغَيبوبة. وقد كان هناكَ جِهازُ تَنَفُّسٍ اصْطِناعِيٍّ في فَمِها لكي تَتَنَفَّسَ مِنْ خِلالهِ، وقد وَضَعُوا لها جِهازًا لمراقبةِ نَبْضِ قَلْبِها وجِهازًا للكُلْيَتَيْن أيضًا. فقد كانت في وَضْعٍ مُؤْسِفٍ. وقد بَقيتُ مَعَها، وصَلَّيْتُ طَوال اليوم لأجلها، وشاركتُ معها مَحَبَّةَ الله وهِبَةَ الخلاص. وقد كانت مُشَوَّشَةً جدًّا، بل إنَّها في بعضِ الأوقاتِ لم تَكُنْ تَعْرِفُ أنِّي مَوجودة بجانِبِها".
وَتمضي هذه الشابة في وَصْفِ المزيدِ مِنَ العوامل الطِّبِّيَّةِ ثُمَّ تقول: "وقد سَألْتُها إنْ كانت تُؤْمِنُ بيسوعَ المسيح مُخَلِّصًا لحياتِها، وأنَّهُ ماتَ عن خطاياها. وقد طَلَبْتُ منها إنْ كانت تُؤْمِنُ بذلك أنْ تَضْغَطَ على يَدي. وقَدْ ضَغَطَتْ على يَدي. وبعد ذلك، ابتدأَ نَبْضُ قَلْبِها بالانخفاضِ إلى أنْ وَصَلَ إلى 94 نَبْضَة في الدَّقيقة. وقدِ اسْتَمَرَّ في الهُبوطِ تَدريجيًّا. وقدْ شَعَرْتُ أنَّها كانت في سَلامٍ أكثرَ مِنَ السَّابِقِ. وبعدَ يَوْمَيْن، تَوَقَّفَ قَلْبُ أُمِّي وماتت". وتَمْضي الشَّابَةُ قَائِلَةً: "لقد كانَتِ المشروباتُ الكُحُولِيَّةُ، ونَوعيَّةُ الحياةِ المُرافِقَةِ لها، والإدمانُ، كانَتْ سَبَبًا في مَوْتِها".
ولا شَكَّ أننا نعرفُ ذلك. ومعَ أنِّي لا أعلمُ تمامًا ما حَدَثَ لِقَلْبِ تلك السَّيِّدة المِسكينة قَبْلَ مَوْتِها، فإنِّي أرجو أن تكونَ قد قَبِلَت المسيحَ قَبْلَ موتها. ألا تَرْجُونَ ذلكَ أنتُم أيضًا؟ ولكنكم تَعرِفون شُرورَ المشروبات الكحوليَّة وتعرفونَ الدَّمَارَ الَّذي قَدْ يَنْجُمُ عنها. ولكنِّي أريدُ أنْ نَنظرَ معًا إلى أَفَسُس 5: 18 وأنْ نتأمَّل في هذه الآية - لا مِنْ وُجهةِ نَظَرٍ اختباريَّةٍ فحسب، بَلْ أنْ نَعْرِفَها مِنْ خِلالِ ما يَقولُهُ النَّصُّ. ففي أفسس 5: 18 هناك كلمة صَغيرة مُعَبِّرة جدًّا: "وَلاَ تَسْكَرُوا بِالْخَمْرِ الَّذِي فِيهِ الْخَلاَعَةُ". والكلمة "خَلاعَة" هِيَ باليونانيَّة "أَسُوْتِيَا" (asotia). وهي كلمةٌ مُثيرةٌ للاهتمام ومهمَّة جدًّا: "أَسُوْتِيَا". وهي تَعني في الأصل - اسمعوا ما سأقول؛ فهي تعني في الأصل أنْ يكون المرءُ مريضًا مَرَضًا عُضالًا غيرَ قابلٍ للشِّفاء ... أنْ يكون المرء مريضًا مَرَضًا عُضالًا غيرَ قابلٍ للشفاء. والآنْ، اقرأوا الآية هكذا: "لا تَسكروا بالخمر الَّذي يُؤدِّي إلى مَرَضٍ عُضَالٍ غير قابِلٍ للشِّفاء". وفي رأيِكُمْ: هَلِ اللهُ يَعْرِفُ أنَّ السُّكْرَ قد يُؤدِّي إلى الخَلاعَة؟ أجل! أجل!
ويمكننا أنْ نَقُولَ إنَّ المعنى الحَرْفِيَّ في زَمَنِ كِتابة بولس لهذه الآية هو: أنَّ الشخصَ الخَليعَ هوَ الَّذي دَمَّرَ حياتَهُ بسببِ أسلوبِ حياته. فقد دَمَّرَ نفسهُ بسببِ سُلوكِيَّاتِهِ. فالسُّكْرُ يُؤدِّي إلى مَرَضٍ عُضَالٍ غير قابلٍ للشِّفاءِ وإلى الدَّمار. فهذا هو ما يقوله الكتاب المقدَّس. وبالمناسبة، فإنَّنا نجد في إنجيل لوقا 15: 13 أنَّ هذه الكلمة (أيْ: "أَسُوْتِيَا") مُستخدمة أيضًا. فنحن نقرأ أنَّ الابنَ الأصْغَرَ جاءَ إلى أبيه وقالَ له: "يَا أَبِي أَعْطِنِي الْقِسْمَ الَّذِي يُصِيبُنِي مِنَ الْمَالِ". ولعلَّكم تَذكرون أنَّه أخذَ كُلّ شيءٍ ومضى إلى بلدٍ بعيدة. ونقرأ أنَّه بَذَّرَ مَالَهُ هُناكَ بِعَيْشٍ مُسْرِفٍ. أتذكرونَ ذلك؟ "بِعَيْشٍ مُسْرِفٍ". والكلمة المذكورة في إنجيل لوقا 15: 13 هي "أَسُوتِيَا". فقد فَسَدَ أخلاقيًّا وانغمسَ في حياةٍ أَدَّتْ إلى مَرَضٍ عُضالٍ غير قابلٍ للشِّفاء. ولا شَكَّ في أنَّ هذه الكلمة تُشيرُ إلى أنَّ اللهَ يقول لنا: إنَّ السُّكْرَ يقودُ إلى حياةِ الخَلاعَةِ، وإنَّ السُّكْرَ يقودُ إلى الدَّمار. فإذا دَرَسْتُمْ هذه الكلمة في كُلِّ الكتاب المقدَّس، ستجدون أنها تَعني ذلك.
ونحن نقرأ في سِفْر الأمثال: "اَلْخَمْرُ مُسْتَهْزِئَةٌ. الْمُسْكِرُ عَجَّاجٌ". ونقرأ في أمثال 4: 17 إنَّكَ إنْ شَرِبْتَ الخَمْرَ، ستجدُ أنَّ العُنْفَ يُرافِقُها. وإذا رجعتُم إلى سِفْر التَّكوين ستجدون أنَّهُ حيثُ يوجدُ سُكْرُ، يوجدُ فَسادٌ أخلاقيٌّ. وأنه حيثُ يوجدُ سُكْرٌ يوجدُ زِنا مَحارِم. وإذا قرأتم ما جاء في سِفْر التَّثنية 21: 20 ستجدون أنَّهُ حيثُ يوجد سُكْرٌ يوجد شَرَهُ، وأنه حيثُ يوجد سُكْرٌ يوجد تَمَرُّدٌ، وأنه حيث يوجد سُكْرٌ يوجد عِصْيانٌ للأبَوَيْنِ، وأنه حيث يوجد سُكْرٌ توجد حياةٌ خَليعَة. فهذا هوَ ما تقودُ إليه الخمر. لذلك، لا تَسكروا بالخمر الَّتي تؤدِّي إلى مَرَضٍ عُضالٍ غير قابلٍ للشفاء. فالكتاب المقدس يقول إنَّ السُّكْرَ قد يُؤدِّي إلى الدمار.
ولا أدري إنْ كُنتم تَعرفون المَعلومَةَ الَّتي سأقولها الآن. ولكنَّ رُبْعَ المَرْضَى الَّذين يَدْخُلونَ مُستشفياتِ الأمراضِ العقليَّة هُمْ مِنَ المُدْمِنينَ على الكحول. فالكحولُ تُفْسِدُ العقل وتُتْلِفُه. ونحن نَعرف أنَّ للخمر تأثيرات سَلبيَّة على الصَّعيدِ البَدَنِيِّ إذْ إنها تَتَسَبَّبُ في تَصَلُّبِ الكَبِدِ وانْسِدادِ الكَبِدِ، وفي تَشَكُّلِ الفُقاعات. فَهِيَ تُشكِّلُ الفُقاعاتِ في شَرايينِ المَريءِ أيضًا بحسب تقريرٍ طِبِّيٍّ قَرأتُهُ. وعندما تَصيرُ جُدْرانُ الشَّرايينِ رَقيقةً وضعيفةً، فإنها تَصيرُ مُعَرَّضَةً للتَّمَزُّقِ عند ابتلاعِ الطعام. وقد يؤدِّي ذلك إلى نَزْفٍ خطيرٍ ومُميت. لذلك فإنَّ بعض الأشخاص الذين ماتوا لهذا السبب كانوا قد تناولوا الطعام قبل موتهم.
كذلك، فإنَّك ستكونُ شخصًا مُهْمِلاً إنْ لم تتذكَّر أنَّ المشروباتِ الكحوليَّةَ تتسبَّبُ لا فقط في قَتْلِ الأشخاص الَّذينَ يشربونها، بل إنها تَتسبَّبُ في قَتْلِ الكثير مِنَ الأشخاص الأبرياء الذين يتواجدون حول السَّكَارى. وهل تَعلمون أنه في ما نِسْبَتُهُ 41 بالمِئة مِنْ جميع الحوادث المُميتة العنيفة، فإنَّ الكحول هي السبب؟ فَنِصْفُ الأشخاصِ الَّذين يموتون في حوادِثَ مُرَوِّعة، نِصْفُهُم تقريبًا، يَموتون نتيجة المشروبات الكُحوليَّة. وقد أَشَارَتْ دِراسَةٌ أُجْرِيَتْ في "ديلاور" (Delaware) إلى أنَّ الكحول هي السبب في نِصْفِ حَوادِثِ السَّيْرِ المُميتة في بَلَدِنا. وفي مدينة نيويورك، أُجْرِيَتْ دِراسةٌ مُشتركة مِنْ قِبَلِ وزارة الصحة في نيويورك وجامعة كورنيل (Cornell University) تَبَيَّنَ مِنْ خِلالِها أنَّ 73 بالمئة مِنَ السَّائقين المسؤولين عنْ حَوادِث ماتوا فيها كانوا سَكارى – 73 بالمئة. وفي مُقاطة "ويستشستر" (Westchester County) بنيويورك، أُجْرِيَتْ فُحوصُ دَمٍ على ثلاثةٍ وثَمانينَ سائقًا قُتِلوا في حوادث سَيْر مُنفردة. وقد بَيَّنَتِ الفُحوصُ أنَّ 79 بالمئة مِنْ هؤلاءِ السائقين كانوا تحت تأثير الكحول.
فالمشروباتُ الكحوليَّة شيءٌ مُميتٌ. وهي تؤدِّي إلى الخَلاعة، "أَسُوْتِيَا" (asotia)، وإلى مَرَضٍ عُضالٍ لا شِفاءَ مِنْهُ. وَسِفْرُ الأمثال يَتحدَّث عنْ ذلكَ مِرارًا وتكرارً. واسمحوا لي أن أقرأ لكم ما جاءَ في سفر إشعياء 28: 7: "وَلكِنَّ هؤُلاَءِ أَيْضًا ضَلُّوا بِالْخَمْرِ وَتَاهُوا بِالْمُسْكِرِ. الْكَاهِنُ وَالنَّبِيُّ تَرَنَّحَا بِالْمُسْكِرِ. ابْتَلَعَتْهُمَا الْخَمْرُ. تَاهَا مِنَ الْمُسْكِرِ، ضَلاَّ فِي الرُّؤْيَا، قَلِقَا فِي الْقَضَاءِ. فَإِنَّ جَمِيعَ الْمَوَائِدِ امْتَلأَتْ قَيْئًا وَقَذَرًا. لَيْسَ مَكَانٌ [لَمْ يَتَلَوَّث]".
لذلك، مَنْ بَقِيَ لتعليم المعرفة؟ ومَنْ بَقِيَ للتحدُّثِ نِيابةً عنِ اللهِ؟ فقد أدَّتِ الخمرُ إلى إفْسادِ الكَهنوتِ وإلى إفْسادِ الأنبياء. وكما تَرَوْنَ، فقد كان هذا هو السبب في أنَّ اللهَ رَفَعَ الجميعَ إلى المكانةِ الَّتي أرادَها للقَادَةِ. فهذا هوَ السَّبَبُ في أنهُ أعْطاهُمْ مَكانةً أَعلى. لأنَّ الخمرَ قادرةٌ على جَعْلِ القادةِ مُجَرَّدَ جماعةٍ يُرْثَى لها مِنَ الأشخاصِ المُقَزِّزينَ الجالسينَ حَوْلَ مائِدَةٍ فيما يَسيلُ لُعابُهُمْ ويتقَيَّأون. لذلكَ فقد نَهَى اللهُ عَنِ السُّكْرِ بِها. وفي سِفْرِ يوئيل، أَلْغى اللهُ رُخْصَةَ شُرْبِ الخَمْرِ إذْ نَقرأُ في سِفْر يوئيل 1: 5: "اِصْحُوا أَيُّهَا السَّكَارَى، وَابْكُوا وَوَلْوِلُوا يَا جَمِيعَ شَارِبِي الْخَمْرِ عَلَى الْعَصِيرِ لأَنَّهُ انْقَطَعَ عَنْ أَفْوَاهِكُمْ". فاللهُ يَقولُ: "لا مَزيدَ مِنَ الشُّرْبِ لكم". لماذا؟ لأنَّ الجَرادَ جاءَ وَقَضى على المحاصيل. لِذا فإنَّهُ يقول: "لَنْ تَشْرَبوا كأسًا أُخرى طَوالَ حياتِكُم".
وقد كانَ إثْمُ أفرايم في الأصحاحِ السابعِ مِنْ سِفْرِ هُوْشَع مُرتبطًا بالخَمْر. وقد كَتَبَ عاموسُ في أماكِنَ عديدة (كالأصحاحِ الثاني، والأصحاحِ الرابعِ، والأصحاحِ السادِسِ) عنِ الفُجورِ المُريعِ النَّاجِمِ عَنِ السُّكْرِ والخَمْرِ. ونحنَ نَعلمُ أنَّ الخَمْرَ قد تُؤدِّي إلى ذلك. لذا فإنَّ السُّؤالَ الَّذي يَطْرَحُ نفسَهُ هوَ: إنْ كانتِ الخَمْرُ تُؤدِّي إلى ذلك، لِمَ نَضَعُ أمامَنا شيئًا قد يُؤدِّي إلى ذلك في حين أنَّنا لسنا مُضْطَرِّينَ إلى ذلك؟ فنحن نقرأ في سِفْر حَبَقُّوق 2: 15: "وَيْلٌ لِمَنْ يَسْقِي صَاحِبَهُ سَافِحًا حُمُوَّكَ وَمُسْكِرًا أَيْضًا، لِلنَّظَرِ إِلَى عَوْرَاتِهِمْ. قَدْ شَبِعْتَ خِزْيًا عِوَضًا عَنِ الْمَجْدِ. فَاشْرَبْ أَنْتَ أَيْضًا وَاكْشِفْ غُرْلَتَكَ! تَدُورُ إِلَيْكَ كَأْسُ يَمِينِ الرَّبِّ، وَقُيَاءُ الْخِزْيِ عَلَى مَجْدِكَ". ويا لها مِنْ آيَة! فإنْ فَعلتَ ذلك فإنَّ اللهَ سيَغْمُرُكَ بالقَيْء. وسوف يَجعلُكَ اللهُ تَشرب كأسَ دينونَتِه. وإذا جَعَلْتَ جَارَكَ يَسْكَر – اسْمَعْ هذا التَّحذير: فإنَّ اللهَ سَيَغْمُرُكَ بالقَيْء. فهذا أمْرٌ خَطيرٌ.
وكما تَرَوْنَ، فإنَّ الله يَعرفُ ما قد تُسَبِّبُهُ الخَمْر. ولا بُدَّ أنكم ذهبتم إلى الأحياءِ التي يَعيشُ فيها المُشَرَّدون، وأنكم رأيتم الأشخاص الفقراء البائسينَ الذي يَتَجَوَّلون في تلك المنطقة، وأنكم تَعرفونَ ما يجري مِنْ حوادث طَعْن، وتسمعون عن أولئكَ الأشخاص الذين لا حَوْلَ لَهُمْ وَلا قُوَّة الَّذينَ لم يَتَمَكَّنوا مِنَ الدفاع عن أنفسهم البَتَّة ضِدَّ هَجَمات السَّكَارى. ولا بُدَّ أنكم رأيتم هذا النوع مِنَ الحياة. وقد كُنْتُ في سنواتِ حياتي الباكِرَة أَعِظُ مِنْ خِلال هيئاتٍ مَسيحيَّةٍ عَديدَةٍ في تلك المناطق. وأنا أعرفُ نوعيَّة تلك الحياة، وأنتم تعرفونها أيضًا. وأنتم تعرفون ما الذي تؤدِّي إليه الخَمْر. لذلك ينبغي لكل شخص أن يسأل نفسه السؤال التالي: "إن كان هناك شَيءٌ مُدَمِّرٌ إلى هذا الحَدِّ، هل مِنَ الحِكْمَةِ بالنسبة إلَيَّ أنْ أُوَرِّطَ نفسي في أيِّ تَسليَّة مِنْ هذا النوع؟
لذلك، هَلِ الخَمْرُ هِيَ نَفْسُها؟ وهل شُرْبُها ضَروريٌّ؟ وهل هي أَفْضَلُ خِيارٍ؟ وهل هي تُسَبِّبُ الإدمان؟ وهل قد تؤدِّي إلى الدمار؟ سادسًا (وسوف نَمُرُّ مُرورًا سَريعًا على الأسئلةِ الثَّلاثِ المُتَبَقِّيَة): هَل شُرْبُ الخَمْر يُعْثِرُ مُؤمنينَ آخرين؟ فهذا جانبٌ آخر ينبغي أن تُفَكِّروا فيه. فينبغي أن تَسألَ نفسك السؤال التالي: "إنْ شَرِبْتُ الخَمْرَ، هل سَيُعْثِرُ ذلك مُؤمنين آخرين؟" وقد تقول: "أنا حُرٌّ. وأنا لا أريدُ أنْ أَقَعَ في أيِّ عُبوديَّةٍ للنَّاموس. فأنا حُرٌّ في فِعْل ما أشاء. وأنا أستطيع أن أَحْتَمِلَ المشروب". فقد قال لي أحد الأشخاص في الأسبوع الماضي: "يمكنني أن أحتمل المشروب. لا أدري ما الذي يُزعجكم. فأنا أُحبُّ أن أتناول جُرْعَةً مِنَ الويسكي في الصباح وجُرْعَةً أخرى في المساء. وأنا أستطيع أن أحتملَ ذلك دون أن يؤثِّرَ فِيَّ". وقد قلت له: "حسنًا، ربما يُمكنك أن تحتمل ذلك المشروب. ربما تستطيع. ولكن ربما لا يكون بمقدور الشخص الذي يراك تفعل ذلك أن يحتمل المشروب".
والآن استمعوا إلى ما سأقول: ففي رسالة كورنثوس الأولى 8: 9، هناك مبدأٌ عام، ثم إنَّ ذلك المبدأ العام يصير محددًا جدًّا في رومية 14. ولكنَّ بولس يقول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس 8: 9 "وَلكِنِ انْظُرُوا لِئَلاَّ يَصِيرَ سُلْطَانُكُمْ هذَا مَعْثَرَةً لِلضُّعَفَاءِ". أيْ: لا تفعلوا ذلك لأنَّهُ سَيُعْثِرُهُم. والحقيقة هي أنَّ هناك أباءَ وأُمهاتٍ يأتون إليَّ ويقولون: "أتدري أننا كُنَّا نَشْرَبُ الخَمْر، وأننا اسْتَمَرَّيْنا في القيام بذلك إلى أن صار أبناؤنا مُراهقين. ثُمِّ إنَّنا تَوَقَّفْنا عنِ الشرب لأننا رأينا أنَّ أبناءَنا حَذَوْا حَذْوَنا وابتدأوا في شُرْبِ الخَمْر. ولكنهم لم يتمكنوا مِنَ احتمالِها". ولِعِلْمِكُمْ، فإنَّ الكثير مِن الآباء والأُمهات يُعانون بسبب هذا الأمر، ولا سِيَّما عندما يَتَّصِلُ مَرْكِزُ الشُّرْطَةِ بهم ويقولُ لهم: "إنَّ ابْنَكُمْ لدينا في قِسْمِ الشُّرْطَة. فقد كان ثَمْلاً! وقد وَجَدْناه مُلْقًى في الشارع". وكما تَرَوْنَ، ربما تكون لديكم الحُرِّيَّة. وربما يكون لديكم الاعتدال، وربما يكون لديكم النُّضْجُ والقوة. ولكنكم قد تُعْثِرونَ شخصًا لا يستطيع أن يحتمل الخَمْر.
فَضْلاً عن ذلك، في زمن بولس، كان السُّكْرُ مرتبطًا بالديانة الوثنية. أَتَذكرون ذلك؟ فقد تَحدَّثنا في المَرَّة السَّابقة عن "باخوس" وَ "دَيونيسيوس" وكُلِّ تلك الأشياء. فقد كان السُّكْرُ مرتبطًا بالديانة الوثنية. وعندما اهْتَدى هؤلاءِ الوثنيُّون إلى المسيحيَّة، لم يرغبوا في تناول اللُّحومِ المُقَدَّمَة للأوثان بعد ذلك. ولم يَرْغَبْ كثيرون منهم في الاقترابِ مِن الخَمْر أيضًا. فعندما صاروا مسيحيِّين، كان أحَدُ الأشياء التي تَخَلَّوْا عنها هو شُرْبُ الخَمْر. فقد امتنعوا عن الخمور. وعندما كان يأتي مَسيحيُّون ويقولونَ: "نحن لدينا الحُرِّيَّةَ في أنْ نَشربَ الخَمْر"، وكانوا يَشربون الخَمْر، كان ذلك مُعْثِرًا جِدًّا لهؤلاء الأشخاص الذين عاشوا حياةً طويلة في الوثنية وكانوا يَقْرِنون الشُرْبَ بِطُقوسِ التَّعَبُّد للشَّيطان.
والآن، افْتَحوا على رومية 14 إذْ سَأُريكم ذلك لأنها المسألة المُحَدَّدة التي يَتحدَّثُ بولس عنها. فنحن هنا أَمامَ أُناسٍ في روما تَعَرَّضُوا لِكُلِّ هذا الشَّرِّ المُخْتَصِّ بالشُّرْبِ والمرتبط بالعبادة الوثنيَّة، ولكنهم اهتدوا إلى المسيحيَّة الآن. ثم إنَّ بعض المسيحيين الآخرين الذين ربما كانوا مسيحيين مِنْ خلفيَّة يهوديَّة، لم تكن لديهم تلك الخلفيَّة، ولم تكن لديهم مشكلة في شُرب الخَمْر. ولكنَّ بعض هؤلاء المسيحيين مِنْ خَلفيَّة أُمَمِيَّة كانوا يَقْرِنونَ السُكْرَ بالخلاعة، والفَسادِ الأخلاقيِّ، والشَّراهةِ، والشَّرِّ، وكُلِّ تلك الشرور المُريعة التي كانت مُقْتَرِنَة بالسُّكْر. وَهُمْ لم يَرغبوا في أن تكون لَهُمْ أيُّ عَلاقَةٍ بتلك الأشياء. ولكِنَّ بعض المسيحيِّين كانوا يَأتون ويقولون: "اشربوا قليلاً! فهذا ليس أَمْرًا نَخْتَلِفُ عليه". ولكنَّ هؤلاء كانوا يَتَعَثَّرونَ كثيرًا، ولم يكونوا يعتقدون أنهم يَمْلِكون تلك الحرية. ففي نَظَرِهِم، فإنَّ هذا الأمر كانَ مُرتبطًا بحياتهم القديمة. أمَّا حَياتُهُم الجديدة فينبغي أن تكون مختلفة.
لذلك فقد كان بعضُ المسيحيين يستخدمون حُرِّيَّتَهُم وَيَشربونَ الخَمْر أمام هؤلاء المسيحيين الذين لا يستطيعون أن يَتَمَتَّعوا بتلك الحريَّة بسبب ماضيهم. وقد كان ذلك الأمرُ مُعْثِرًا جدًّا إذْ إنَّهُمْ كانوا يُعْثِرونَ ذلك الأخَ ويَجْرَحونَ مَشاعِرَهُ ويُحْزِنونَهُ. لذلك فإنَّ بولس يقول في رومية 14 إنه لا يجوز لهم أن يفعلوا ذلك. أَتَرَوْن؟ فهو يقول في العدد 13، أو تحديدًا في نهاية العدد 13: "لاَ يُوضَعَ لِلأَخِ مَصْدَمَةٌ أَوْ مَعْثَرَةٌ". لا تَفعلوا ذلك لأنَّهُ سَيُعْثِرْهُ.
ثُمَّ إنَّ هناك فئةً أخرى مِنَ الناس. فهناك بعض الأشخاص الذين لا يستطيعون أن يحتملوا بعض الأشياء. ولكن إنْ فَعَلْتَ ذلك قد يقولون: "يبدو أنه لا بأس في ذلك". وهم سيفعلون ذلك الأمر وَيُدْمِنوا على المشروبات الكحوليَّة. أَتَرَوْن؟ فالأمر لا يقتصر فقط على إعْثَار بعض المؤمنين، بل إنكم قد تُعْثِرون بعض المؤمنين وتُضْعِفونهم. لذلك فإنه يقول: لا تفعلوا ذلك ولا تُعثِروا الآخرين، لا مِن خلال القيام بشيءٍ يَشعرون أنه خاطئٌ جدًّا، ولا مِنْ خلال القيام بشيءٍ قد يَظُنُّونَ أنه لا بأس في القيام به؛ وَلَكِنْ عندما يَفعلونه فإنهم يُدْمِنونَ الخَمْر.
والحقيقة هي أنِّي التقيتُ أُناسًا كثيرين جدًّا مِنْ مُدمِني الكحول. وقد رأيتُ يسوعَ المسيح يُغَيِّرُ أُناسًا كثيرين مِنْ مُدْمِني الكحول. وقد ذَهَبْتُ إلى الكثيرِ مِنَ اجتماعاتِ مُدْمني الكحول، وجلستُ في الخَلْف، وراقبتُ ما يجري. ولأنِّي شاهدتُ الكثير مِنْ تلك الأمور، فإنِّي لا أريدُ أن أكون مَسؤولاً في حياتي عن إعطاء أيِّ شخصٍ فِكْرَةً بأنَّهُ يستطيع أن يَمْضِي قُدُمًا وأنْ يَشربَ إنْ أَراد. فأنا لا أستطيع أن أَعْرِفَ مَنْ سَيَحْذو حَذْوي، وَمَنْ سَيُدَمِّرُ حَياتَهُ. ولكنه يقول هنا: "لَيْسَ شَيْءٌ نَجِسًا بِذَاتِهِ" (في العدد 14). فهذه ليست المشكلة الرئيسيَّة في حَدِّ ذَاتِها. ولَكِنْ: "إِنْ كَانَ أَخُوكَ بِسَبَبِ طَعَامِكَ يُحْزَنُ" (في العدد 15)، "فَلَسْتَ تَسْلُكُ بَعْدُ حَسَبَ الْمَحَبَّةِ". بعبارةٍ أخرى، قد تقول: "انظُر! أنا لا أُبالي برأيك، بل إنِّي سأشربُ إنْ أَرَدْتُ. وهذا أمرٌ ينبغي أنْ تَعْرِفُهُ جَيِّدًا". إنْ كُنتَ تقولُ ذلك فإنَّكَ لا تُحِبُّ أخاكَ. أنتَ لا تُحِبُّ أخاكَ لأنَّنا نقرأ في العدد 17: "لأَنْ لَيْسَ مَلَكُوتُ اللهِ أَكْلاً وَشُرْبًا، بَلْ هُوَ بِرٌّ وَسَلاَمٌ وَفَرَحٌ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ". فما يَنْبَغي أنْ تَسْعى إليهِ هو البِرُّ والسَّلامُ والفَرَحُ، لا حُرِّيَّةَ الشُّرْبِ والأكْل.
ثُمَّ نقرأ في العدد 19: "فَلْنَعْكُفْ إِذًا عَلَى مَا هُوَ لِلسَّلاَمِ، وَمَا هُوَ لِلْبُنْيَانِ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ". أيْ: يجب علينا أنْ نَفعلَ فقط ما يَبْني الآخرين، لا ما يَهْدِمهم. فلا تَفعل شيئًا قد يُعْثِرهم أو يَجعلهم يَضْعُفون أوْ يَسقطون. ثم نقرأ في العدد 20: "لاَ تَنْقُضْ لأَجْلِ الطَّعَامِ عَمَلَ اللهِ. كُلُّ الأَشْيَاءِ طَاهِرَةٌ، لكِنَّهُ شَرٌّ لِلإِنْسَانِ الَّذِي يَأْكُلُ بِعَثْرَةٍ". فقد لا تكون هناك أيُّ مشكلة في أنْ تَشرب. فقد لا تكون هناك مُشكلة في الخَمْرِ في ذاتِها إنْ كانت مُخَفَّفة بالطَّريقة الصَّحيحة ولا تُعَطِّلُ مَلَكاتِكَ العقليَّة. ولكِنْ إنْ شَرِبْتَها، هل قد يُؤدِّي ذلك إلى إعْثارِ شخصٍ آخر؟ لذلكَ فإنَّ العدد 21 يَدعونا إلى الامتناع نهائيًّا عنِ الخمرِ في حالاتٍ مُعيَّنة: "حَسَنٌ أَنْ لاَ تَأْكُلَ لَحْمًا وَلاَ تَشْرَبَ خَمْرًا". فلا تَشْرَبها البَتَّة: "وَلاَ شَيْئًا يَصْطَدِمُ بِهِ أَخُوكَ أَوْ يَعْثُرُ أَوْ يَضْعُفُ". أَتَرَوْن؟ ابْتَعِدْ عنها. وَهُوَ لا يَتحدَّثُ هنا عنْ أيِّ طعامٍ تَحْديدًا، بل عنِ الطعامِ المقدَّم للأوثان. لذلكَ فإنه يقول: "حَسَنٌ أَنْ لاَ تَأْكُلَ لَحْمًا وَلاَ تَشْرَبَ خَمْرًا وَلاَ شَيْئًا يَصْطَدِمُ بِهِ أَخُوكَ أَوْ يَعْثُرُ أَوْ يَضْعُفُ".
وقد تقول: "ولكنَّ هذا يعني أننا سَنَعيشُ حَياتَنا بَأسْرِها نُراعي الأشخاص الآخرين". هذه هي الفكرة. وهذا ما يُريدُ الله منك أن تفعله. فهناك أشخاص جاءوا مِنْ خلفيَّة كحوليَّة، وقد كان أروعُ شيءٍ في العالم هو أنَّ يسوعَ المسيح قد حَرَّرَهُم. وهذا هو أروعُ شيءٍ يُمكنهم أن يُفكروا فيه: أنَّ المسيحَ قد حَرَّرَهُمْ، وخَلَّصَهُم، وغَسَلَهُم، وطَهَّرَهُم، ونَزَعَ خَطِيَّةَ السُكْرِ والشُرْبِ الشِّرِّيرةِ مِنْ حياتهم. لذلك عندما يأتي شخصٌ مسيحيٌّ ويُمارس تلك الحرية أمامهم، فإنَّ ذلك يكون مُعْثِرًا جِدًّا لهم. هذا عَدا عَنِ القيام بذلك أمامَ أبنائِكَ أوْ أمام أخٍ ضعيفٍ قد يَسْقُطُ في حُفْرَةٍ مُخيفةٍ وَمُريعَة.
لِذا، فإننا نَطْرَحُ السؤال: "هَلِ الخَمْرُ هي نفسُها؟ والجوابُ هو: "لا". وَهَلْ شُرْبُها ضَرورِيٌّ؟ والجوابُ هو: "لا". وهلْ هِيَ أفضلُ خِيار؟ والجواب هو: "لا". وهل شُربُها قد يُؤدِّي إلى الإدمان؟ "أجل، هذا مُحْتَمَلٌ". وهل قد تؤدِّي إلى الدَّمار؟ "أجل". وهل قد تُعْثِرُ مؤمنين آخرين؟ إنها تفعل ذلك غالبًا. وربما كانت هناك أماكن في العالم لا يَنْطَبِقْ عليها ذلك، ولكِنْ في مُجتمعٍ جاءَ بَعْدَ فَتْرَةِ تَحْريمِ السُّكْرِ (كَمُجْتَمَعِنا)، فإنَّ المسيحيَّةَ مُرتبطةٌ دائما بِعَدَمِ شُرْبِ الخَمْر. ومِنَ المؤكد أنَّ ذلك يُسِيءُ إلى أُناسٍ كثيرين، وأنَّ أُناسًا كثيرينَ قد يُعْثَرون بسببها بصورةٍ كبيرةٍ جدًّا لأنهم يَرَوْنَها كما لو كانت جُزءًا مِنْ حياتهم القديمة.
واسمحوا لي أن أَطْرَحَ عليكُمْ سُؤالَيْنِ آخَرَيْنِ بسرعة: "هل شُرْبُ الخَمْرِ يُلْحِقُ الأَذَى بِشَهادتي المسيحيَّة؟" هناك أُناسٌ يقولون: "إذا شَرِبْتُ الخَمْرَ فإنَّ ذلك سيُساعِدُني في تَوصيل الإنجيل إلى الناس. فإن فعلتُ ما يفعلونه فإنهم سيَقبلونني". ولكِنْ هل يُساعدُ شُربُ الخَمْر حَقًّا في شهادتك أَمْ يُؤذيها؟ نقرأ في رسالة رومية 14: 16: "فَلاَ يُفْتَرَ عَلَى صَلاَحِكُمْ". فَمِنَ المُحتملِ جِدًّا أن تكون شخصًا طَيِّبًا ولديك خِدْمة جيِّدة. ولكِنْ إذا مَارَسْتَ حُرِّيتَكَ في شُرب الخَمْر وأَعْثَرْتَ آخرين، ستتأثر شَهادَتكَ وخِدمتكَ، وسيَنظرونَ إليكَ باستخفاف. وأنا أَعْرِفُ أنَّ هذه حقيقة. فإذا صَعِدْتُ إلى المِنْبَرِ وقُلتُ لكم: "أريدُ أنْ تَعلموا أنِّي أَشْرَبُ الخَمْرَ، ولِكِّني قادرٌ على احتمالها". مِنَ المؤكد أنَّ البعض منكم سيُصْعَقُون. كذلك، فإنَّ البعض منكم سيَأخذون كِتابَهُم المُقَدَّسَ ويَهرُبون مِنْ هذا المكان. أَتَعْلَمون ذلك؟ فسوف يقولون: "إنَّ جُوْن مَكآرْثَر يَشْرَبُ الخَمْر". وفي كُلِّ مَرَّة أَقِفُ فيها للوعَظْ، سَتَتَذَكَّرون ذلكَ وتقولون: "إنَّهُ يَشْرَبُ الخَمْر! إنَّهُ يَشْرَبُ الخَمْر! ولا نَدْري إنْ كان ذِهْنُهُ صَاحِيًا حَقَّا". أَتَرَوْن؟ وهذا سِيُضَايِقُ كثيرين منكم. قدْ لا يَتضايَقُ البعض ولو قليلاً، ولكنَّ البعض الآخر سيَتضايق.
لذلك، كما هيَ الحالُ بالنِّسبةِ إلى أيِّ سَبَبٍ آخر، فإنِّي لا أريدُ أنْ أُزْعِجَ أوْ أُضايِقَ أيَّ شَخْصٍ منكم. وأنا لا أريدُ أنْ تَتَأَثَّرَ شَهادتي المسيحيَّةُ سَلبيًّا بأيَّة طريقة بسبب قِيامي بأيِّ شيءٍ. لذلك فإنِّي أَسْألُ نفسي هذا السؤال: "هل سَأخْسَرُ احْتِرامَ الآخرينَ بِصِفَتي مُؤمِنًا مَسيحيًّا إنْ فَعلتُ ذلك الشَّيء؟ وأنا أَعلمُ أنَّهُ يوجدُ في الأوساط الكَنَسِيَّةِ والأوساطِ المسيحيَّةِ أُناسٌ كثيروَن سَيَفْقِدونَ احْتِرامَهُمْ لي إنْ فَعلتُ ذلك. لذلك فأنا لا أريد أن أُعثِرهم. وماذا عَنِ العالم؟ وماذا عَنْ غير المُخَلَّصين؟
انظروا إلى الأصحاح العاشر مِنْ رسالة كورنثوس الأولى، وتحديدًا إلى رسالة كورنثوس الأولى 10: 31. فهذا مُدهش جدًّا. فنحن نقرأ في رسالة كورنثوس الأولى 10: 31: "فَإِذَا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ أَوْ تَشْرَبُونَ" – أيْ إذا كُنْتُمْ تأكلونَ اللَّحْمَ المُقَدَّمَ للأوثانِ أوْ تَشربونَ الخَمْرَ، "أَوْ تَفْعَلُونَ شَيْئًا، فَافْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ لِمَجْدِ اللهِ". والآن، كيف ستفعلون ذلك لِمَجْدِ الله؟ فنحن نقرأ في العدد 32: "كُونُوا بِلاَ" ماذا؟ "بِلا عَثْرَةٍ لِلْيَهُودِ وَلِلْيُونَانِيِّينَ وَلِكَنِيسَةِ اللهِ". لذلك، أنا لا أريدُ أنْ أَفعلَ شيئًا يُعْثِرُ الكنيسة. وأنا لا أريدُ أنْ أُمارِسَ حُرَّيَةً قد تُسِيءُ إلى مجموعةٍ كبيرة مِنَ المؤمنين المسيحيين وتجعلهم يَحْتَقِرون شَهادتي، ولا أريدُ أنْ أُعْثِرَ اليهودَ أوِ اليونانِيِّين. ثُمَّ يَقولُ بولسُ: "كَمَا أَنَا أَيْضًا أُرْضِي الْجَمِيعَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، غَيْرَ طَالِبٍ مَا يُوَافِقُ نَفْسِي، بَلِ الْكَثِيرِينَ، لِكَيْ يَخْلُصُوا" ... لِكَيْ يَخْلُصُوا. وهل تَعلمون ما الذي يقوله بولس هنا؟ إذا أردتَ أنْ تَكْرِزَ بالإنجيل للأشخاص الذين لم يَخْلُصوا، تَوَقَّفْ عَنْ شُرب الخَمْر وتوقفْ عن أَكْلِ الطعام المُقدَّم للأوثان. دَعْهُم يَرَوْنَ الفَرْق. هل فَهِمْتُم ذلك؟ دَعْهُم يَرَوْنَ الفَرْق. فأنا لا أَسْعَى إلى القيام بما أُريدُهُ أنا. صَحيحٌ أنِّي رُبَّما أمْلِكُ الحرية للقيام بشيءٍ ما، ولكِنْ هناك مَعاييرُ يَنْبَغي أنْ أَسْلُكَ بموجبها: أوَّلاً، أنْ أُمَجِّد الله. ثانيًا، ألَّا أُسِيءَ إلى أي شخص. ثالثًا، أنْ أَحْرِصَ على أنْ أُبَيِّنَ الفَرْقَ للناس لكي يخلصوا، أيْ أنْ أَجْعَلَهُم يَرَوْنَ الفَرْق.
وأخيرًا، إذا كنتم قد سمعتم الأسئلة السبعة السابقة، إليكم السؤال الثامن. اسأل نفسك السؤال التالي: "هل أنت مُتَيَقِّنٌ أنه مِنَ الصواب أنْ تَشربَ الخَمْر؟" وما أعنيه هو: هل أنتَ مُتَيَقِّنٌ تمامًا؟ لأنكَ إنْ كنتَ تشعر بأيِّ تَبْكيتٍ بهذا الخصوص، يجب أنْ تتعامل مع ذلك. فقد جاءَ إلَيَّ شخصٌ في الأسبوع الماضي وقال: "أتعلم شيئًا؟ أنا أَتناول البِيْرَة معَ أصدقائي". وقد سَأَلني: "هل ذلك خَطَأ"؟ "فقلت: "ما رأيك"؟ فقال: "في الحقيقة، لا أعتقد أن ذلك خَطَأ، ولكنَّ الأمْرَ يُزْعِجُني". فقلـتُ: "هل تُحِبُّ أنْ تكون مُنْزَعِجًا؟" قال: "لا، أنا لا أُحِبُّ أنْ أكون مُنزعِجًا". قُلْتُ: "وهل تَعْرِف كيف تَتَخَلَّصْ مِنْ ذلك الانزعاج؟ أجل! لا تَفْعَل ذلك". فقال: "أجل، لا أَظُنُّ أنَّ ذلك خطأ، ولكنه يُزعجني". وهل تَعلمونَ شيئًا؟ إنَّ الآية رومية 14: 23 هي آية مُفيدة في هذا الخصوص. ولكنِّي لا أَمْلِكُ الوقتَ الكافي لِشَرْحِها وتَفسيرها بِدِقَّة. ولكِنِّي أريدُ أنْ أُلقي نظرةً سريعةً عليها. فالآية تقول: "وَأَمَّا الَّذِي يَرْتَابُ فَإِنْ أَكَلَ يُدَانُ، لأَنَّ ذلِكَ لَيْسَ مِنَ الإِيمَانِ، وَكُلُّ مَا لَيْسَ مِنَ الإِيمَانِ فَهُوَ خَطِيَّةٌ".
والآن، إنَّ الصورة هي كالتالي. حسنًا؟ لننظر إلى هذه الآية مِن جانب شُرب الخَمْر. فنحن هُنا أمامَ شخصٍ جاءَ مِنْ دِيانةٍ وثنيَّةٍ. وهُوَ يقول: "مِنَ الخطأ أنْ يَشْرَبَ المُؤمِنُ الخَمْر لأنَّ شُرْبَ الخَمْر هُوَ جُزْءٌ مِنَ العِبادة الوثنية. وأنا لن أَمَسَّ هذا الشيء". ولكِنَّ أَخًا مُتَحَرِّرًا يقول: "هيا يا تَشارلي، لا تُعَقِّد الأمْرَ يا صَديقي! فنحنُ أَحْرارٌ في المسيح. لذلك، يُمكنكَ أنْ تَشرب". ولِكِنَّ تشارلي يَشْرَبُ وَهُوَ مُتَشَكِّكٌ في الأمر. لذلك فإنَّ ما يَحْدُثُ هو أنَّهُ في الأصْل مُسْتَعْبَدٌ لِناموسِيَّتِه. وَهُوَ مِنْ نَوْعِ الأخِ الأضعف. فهو لا يستطيع أن يَتَمَتَّعَ بحُرِّيَتِه. لذلكَ فإنَّكَ تُرْغِمُه على القيام بشيءٍ يُخالِف ضَميرَهُ. وكُلُّ ما تفعله هو أنك تُغْرِقُهُ أكْثَرَ في الشَّكِّ، وتُغْرِقُهُ أكْثَرَ في الشعور بالدَّينونة، وتُغرقه أكْثَرَ في التساؤل عن نوعِ الحرية التي يَمْلِكُها. ولأنه لم يشرب الخَمْرَ استنادًا إلى إيمانِهِ بأنَّهُ يَمْلِكُ الحُرِّيَّةَ في القيام بذلك، فإنَّ شُرْبَ الخَمْرِ يَكونُ خَطِيَّةً بالنسبة إليه.
فإنْ لم تكن قادرًا على فِعْلِ أيِّ شيءٍ بضميرٍ صَالِحٍ تَمامًا مِنْ مُنْطَلَقِ إيمانك بِكُلِّ قلبك أنَّ ذلك صحيح، لا تفعل ذلك الشَّيء لأنَّ ما ستفعله سيقودك إلى الشعور بالدينونة العميقة. وسوف أُضيفُ شيئًا آخر إلى ذلك. فعندما تُخالِفُ ما يُمليهُ عليك ضَميرك، فإنَّكَ تَفعلُ شيئًا سَيِّئًا لأنه كُلَّما زادَ عَدَمُ إصْغائِكَ لِصَوْتِ ضَميرِكَ، زادَ تَخْديرُ ضَميرك. وإذا اسْتَمَرَّيْتَ في تَخديرِ ضَميرِكَ في حينِ أنَّ اللهَ يُريدُ أنْ يَخِزَ ضَميرَكَ في الأمورِ الحَسَّاسة، فإنك ستتوقف عن الشعور بذلك. فالضمير هو أداةٌ يَستخدمُها اللهُ لِتَبكيتِكَ. وإذا استمريتَ في تَجاهُلِ ضَميرِكَ المَرَّةَ تِلْوَ الأُخرى، تِلْوَ الأخرى، فإنَّ ما سيحدث هو إنه عندما تَحتاج إليه، فإنك لَنْ تَجِدْهُ.
لذلك، هناك بعض المعايير التي ينبغي التَّقَيُّدُ بها. ويجب عليك أن تَفحَصَ نفسك استنادًا إلى هذه المعايير. لذا، تَأمَّل في هذه المعايير، واطْرَحْ على نفسك نَفْسَ هذه الأسئلة التي طَرَحْتُها أنا: "هَلِ الخَمْرُ مُتَماثِلَة؟" وَ "هَلْ شُرْبُها ضَرورِيّ؟" وَ "هل هي الخِيارُ الأفضل؟" وَ "هل يؤدِّي شُرْبُها إلى الإدمان؟" وَ "هل يُمْكِنُ أنْ تكونَ مُدَمِّرة؟" وَ "هل يُمكن أن تُعْثِرَ مُؤمنين آخرين؟" وَ "هل قد تُؤثِّرُ سلبيًّا في شَهادتي؟" و "هل أنا مُتَيَقِّنٌ مِنْ أنَّ شُرْبَها صحيح؟" وَ "هل يُمكنني أنْ أَشْرَبَ مِنْ مُنْطَلَقِ إيماني التَّامِّ بالله بأنَّ ذلك صحيح؟" وكُلَّ هذا، يا أحِبَّائي، هو مُجَرَّدُ بُعْدٍ واحِدٍ مِنَ السُّلوكِ بالتَّدقيقِ إذْ إنَّنا نقرأُ: "فَانْظُرُوا كَيْفَ تَسْلُكُونَ بِالتَّدْقِيقِ، لاَ كَجُهَلاَءَ بَلْ كَحُكَمَاءَ، مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ". فإذا أَرَدْتَ أنْ تَسْلُكَ بِوَصْفِكَ مُؤمِنًا حَكيمًا، فإنَّ هذه واحدة مِنَ الطُّرُقِ التي يُمكنك مِنْ خِلالِها أنْ تَفحصَ سُلوكَكَ. فينبغي أن تُعالِجَ هذه المسألة. والآن، لِنَحْنِ رُؤوسَنا للصَّلاة:
نَشكرك، يا أبانا، على الوقت الذي أَتَحْتَهُ لنا في هذا الصباح، وعلى أنك أَعْطَيتنا الفُرصة للمناقشة والمشاركة في هذا الموضوعِ المُهِمِّ جدًّا. ونحن لا نريد، يا رَبُّ، أنْ نَكون نَاموسِيِّينَ، ولا أنْ نكون غير مُحِبِّين، ولا أنْ نكون مُجَرَّدَ أشخاصٍ يَتَكَيَّفونَ مَعَ الثَّقافَةِ التي نَعيشُ فيها، بَلْ نُريدُ فقط أنْ نُطيعَ حَقَّكَ وكَلِمَتَكَ. لِذلك، ساعِدْنا على رَبْطِ هذه الأجزاءِ معًا، وعلى اتِّخاذِ قَرارٍ حَكيمٍ بهذا الخُصوص. باسمِ المسيحِ نُصَلِّي. آمين.

This article is also available and sold as a booklet.