Grace to You Resources
Grace to You - Resource

إنجيل مَتَّى والأصحاح الثَّاني. إنجيل مَتَّى والأصحاح الثَّاني. إنَّني أَصرِفُ وقتًا رائعًا في الدِّراسة، وفي تحضيرِ أفكاري بخصوصِ هذه الأحداثِ الرائعة المُحيطة بولادة المسيح. وما أرجوه هو أنْ يُكَلِّمَنا رُوحُ اللهِ حَقًّا في هذا المساء فيما نَتشارك معًا في ما سيكونُ دَرسًا للكِتابِ المقدَّسِ، لا عِظَةً. وأنا مُتَيَقِّنٌ بأنَّ اللهَ سيُبارِكُكم بطُرُقٍ رائعة.

إنَّ مَتَّى، كما نَعلمُ الآنَ جَيِّدًا، يُقَدِّمُ يسوعَ المسيحَ بوصفِهِ المَلِك. وَهُوَ يُقدِّمُ يسوعَ المسيحَ لا فقط بوصفِهِ المَلِك، بل أيضًا بوصفِهِ مَلِكَ المُلوك. ولا فقط بوصفِهِ مَلِكَ المُلوك، بل أيضًا بوصفِهِ مَسيحُ الله. بعبارة أخرى، إنَّهُ الشَّخصُ الَّذي اختارَهُ اللهُ اختيارًا خاصًّا ليكونَ مَلِكًا: مَلِكًا على جميعِ البَشَر، ومَلِكًا على جميعِ الأزمنة، وسَيِّدَ الكَوْن. ومَتَّى يَبتدئُ مُنْذُ بدايةِ إنجيلِهِ، ومِنْ بِدايةِ نَظرتِهِ إلى يسوعَ المسيحِ، بالقيامِ بهذا الأمر. فهو يَبتدئ بتلك الطَّريقة في تَبْيانِ مُلْكِ المَسيح، ونَسْلِهِ المَلَكِيِّ، وطَبيعَتِهِ كَمَلِك. وهو يَستمرُّ في القيامِ بذلك طَوالَ الأصحاحاتِ الثَّمانية والعِشرين.

وَحَتَّى فيما يَختصُّ بالأحداثِ المُحيطةِ بولادةِ يسوعَ المسيحِ، فإنَّ مَتَّى يُرَكِّزُ تركيزًا خاصًّا على أنْ نَرى يسوعَ بوصفِهِ مَلِكًا. لِذا، لَعَلَّكُمْ تَذكرونَ أنَّهُ في الأصحاحِ الأوَّل يُقَدِّمُ يسوعَ بوصفِهِ مَلِكًا مِنْ خلالِ نَسَبِهِ. وهو يَتَتَبَّعُ بعناية فائقة سِلسلةَ نَسَبِهِ المَلكيِّ ابتداءً مِن إنجيل مَتَّى 1: 1 إلى نهايةِ العدد 17. ونحنُ نَرى أنَّ يسوعَ وُلِدَ مِنْ نَسْلٍ مَلَكِيّ. فقد وُلِدَ مِنْ نَسْلٍ مَلَكِيّ. وقد كانَ لَهُ الحَقّ في أنْ يَمْلِك، والحَقّ في أنْ يَحْكُمْ في إسرائيل.

وقد رأينا أيضًا أنَّ ولادَتَهُ العَذراويَّة في الأصحاحِ الأوَّل والأعداد 18-25 كانت تأكيدًا لحَقِّهِ المَلَكِيّ. فاللهُ تَخَطَّى لَعنةً مُعَيَّنَةً في الولادةِ العَذراويَّة. وقد أَدَّى ذلك إلى حِمايةِ المسيحِ مِنْ فُقْدانِ الأهليَّة وَجَعْلِهِ يَمْلِكُ الحَقَّ في التَّرَبُّعِ على العَرْش. لِذا، مِنْ خلالِ سِلسلةِ نَسَبِه، ومِنْ خلالِ فَرادَةِ ولادَتِهِ العَذراويَّة أيضًا، نَرى أنَّ مَتَّى يُرَكِّز على المسيحِ بوصفِهِ مَلِكًا.

والآنْ، إذْ نأتي إلى الأصحاحِ الثَّاني، نَجِدُ مَرَّةً أخرى أنَّ مَتَّى يُرَكِّزُ على أنَّ يسوعَ هُوَ مَلِك. وهو يَفعلُ ذلك بطريقَتَيْن: الطريقةُ الأولى رَأيناها في الأعداد 1-12. فهو يُرينا طَبيعةَ المسيحِ المَلكيَّة لأنَّهُ يُحَدِّثُنا عن هؤلاءِ المَجوسِ الَّذينَ كانوا صُنَّاعَ المُلوكِ الرَّسميِّين في العالَمِ الشَّرقيِّ إذْ إنَّهُمْ أَتَوْا واعْتَرَفوا بالمسيحِ مَلِكًا.

بعبارة أخرى، إنَّها طريقةُ مَتَّى في القولِ إنَّهُ مَلِكٌ لأنَّ هذا هو ما قالَهُ العَالَم. والعَالَمُ مُمَثَّلٌ في هؤلاءِ الرِّجالِ الحُكَماءِ أوْ هؤلاءِ المَجوسِ الَّذينَ جاءوا مِنَ الشَّرْق. فقد كانوا صُنَّاعَ المُلوكِ الفُرْسِ الرَّسْمِيِّين. فلم يكن بمقدورِ أيِّ شخصٍ أنْ يَصيرَ مَلِكًا في ذلكَ الجُزءِ مِنَ العالم ما لَمْ يَعترفوا بِهِ مَلِكًا. ولم يكن بمقدورِ أيِّ شخصٍ أنْ يَصيرَ مَلِكًا ما لم يتدرَّب في شَريعَتِهم. وعندما يقولونَ إنَّهُ مَلِك، فإنَّهُ مَلِك.

لِذا فإنَّ مَتَّى يقولُ إنَّهُ حَتَّى صُنَّاعُ المُلوكِ الفُرْس رَأَوْهُ بوصفِهِ مَلِكًا، وجاءوا وسَجَدوا لَهُ، وقَدَّموا لَهُ الهدايا (كما جاءَ في العدد 11): "ذَهَبًا، ولُبنانًا، ومُرًّا". ولا شَكَّ في أنَّ أوَّلَ هَدِيَّة (وهي الذَّهب) تَليقُ بِمَلِك.

ولكِنْ هناكَ طريقة أخرى رأيناها تَتَّضِح في هذا الأصحاحِ وتُرينا أنَّهُ مَلِكٌ وهي: مِنْ خلالِ عَداوَةِ هيرودُس. فلو لم يكن مَلِكًا، ولم يكن يَملِكُ الحَقَّ في أنْ يَمْلِك، ما الَّذي سيَجعلُ هيرودسُ يَضْطَرِب جدًّا؟ وهذه طريقة أخرى يَستخدِمُها مَتَّى لتوضيحِ ذلك، ولكنَّها تَفي بالغَرَض. فهو مَلِكٌ لا فقط مِنْ خلالِ إجْلالِه، بل هو مَلِكٌ أيضًا مِنْ خلالِ الكَراهِيَة.

ويُمكنكم أنْ تَرَوْا طَبيعَتَهُ المَلَكِيَّة مِنْ خلالِ حقيقةِ أنَّ هؤلاءِ الأشخاصِ المُهِمِّينَ قد اعترفوا بِهِ مَلِكًا. ويمكنكم أنْ تَروا أنَّهُ مَلِكٌ حقيقيٌّ لأنَّ المَلِكَ الَّذي كانَ في قَصْرِه، المَلِكَ الزَّائفَ الَّذي اغْتَصَبَ العَرْشَ اغْتِصابًا؛ أيْ: هيرودُس الَّذي لم يكن لَهُ أيُّ حَقٍّ في أنْ يكونَ مَلِكًا في إسرائيل، والذي كانَ أَدوميًّا وليسَ حَتَّى يهوديًّا، شَعَرَ بالتَّهديدِ الحَقيقيِّ حينَ عَلِمَ بوجودِ شخصٍ يَخشى حَقًّا أنْ يَمْلِكَ الحَقَّ في أنْ يكونَ مَلِكًا على إسرائيل. إذًا، مِنْ خلالِ إجْلالِه، ومِنْ خلالِ الكَراهِيَة، يُبَيِّنُ مَتَّى الطَّبيعةَ المَلكيَّةَ ليسوعَ المسيح. وقد كانَ ذلكَ سَبَبًا للسُّجودِ لَهُ مِنْ قِبَلِ المَجوس، وسَبَبًا للخوفِ مِنْه مِنْ قِبَل هيرودُس.

ثُمَّ إنَّ هناكَ خَيْطًا ثَالِثًا نَراهُ بصورة واضحة في الأصحاحِ الثَّالثِ في الحديثِ عنِ الطَّبيعةِ المَلكيَّةِ ليسوعَ المسيح وهو أنَّهُ يُتَمِّمُ النُّبوءاتِ المَسيحانيَّة. ففي العهدِ القديم، أَعْطى اللهُ بعضَ النُّبوءاتِ بخصوصِ المَلِكِ الَّذي سيأتي. وَمَتَّى يَنْتَقي أربعًا مِنْ هذه النُّبوءاتِ. وسوفَ نُلقي نَظرةً إلى هذه النُّبوءاتِ في هذا المساء. فهو يَنتقي أربعًا مِنْ هذهِ النُّبوءاتِ كطريقة أخرى يُؤكِّدُ مِنْ خلالِها أنَّ هذا هو حَقًّا المَلِك.

فهو مَلِكٌ لأنَّهُ وُلِدَ مَلِكًا. وهو مَلِكٌ بسببِ ولادَتِهِ العَذراويَّة. وهو مَلِكٌ بسببِ نَسْلِهِ المَلَكِيِّ. وهو مَلِكٌ لأنَّ صُنَّاعَ المُلوكِ الفُرْس رَأَوْهُ بوصفِهِ مَلِكًا. وهو مَلِكٌ بسببِ خَوْفِ هيرودُس مِنْ أنْ يَنْتَزِعَ عَرْشَهُ. وهو مَلِكٌ لأنَّهُ يُتَمِّمُ النُّبوءاتِ المَلَكِيَّة؛ أيِ النُّبوءاتِ الَّتي تَتَحَدَّثُ عن هذا الَّذي كانَ مُزْمِعًا أنْ يأتي.

لذا فإنَّ مَتَّى يَستمرُّ في تأكيدِ الطبيعة المَلَكِيَّة ليسوعَ المسيح. وفي النَّصِّ الَّذي أمامَنا في هذا المساء، سنَرى التَّطَرُّفَ الَّذي بَلَغَهُ هيرودُس في سَعْيِهِ إلى قَتْلِ ذلك الطِّفْل الَّذي خَشِيَ أنْ يَمْتَلِكَ الحَقَّ في التَّرَبُّعِ على العَرْش. وسوفَ نرى ذلكَ التَّهديد، ونَرى أيضًا تَحَقُّقَ هذه النُّبوءات الأربَع المُختصَّة بمجيءِ المَلِك.

والآنْ، اسمَحوا لي أنْ أُضيفَ ما يَلي: هناكَ نحو 332 نُبوءة في العهد القديم تَختصُّ بيسوعَ المسيح. وقد تَمَّمَ يسوعُ نحو 330 أو 332 نُبوءة. وَمَتَّى يَنْتَقي أربعًا منها فقط. ولكِنَّ هذه النُّبوءاتِ الأربَع فريدة جدًّا ومُعَقَّدة جدًّا حَتَّى إنَّهُ لا يمكن أنْ تكونَ قد تَحَقَّقَتْ بِمَحْضِ الصُّدفَة. ولا يُمكن أن تَتحقَّق هذه الأمور الأربعة في أيِّ شخصٍ واحد بالصُّدفة. فاحتماليَّة حدوث ذلك هي ضئيلة جدًّا حتَّى إنَّهُ لا يمكن التعبير عنها بالأرقام، بالرَّغْمِ مِنْ أنَّها أربع نُبوءات فقط. لِذا، عندما تُفَكِّرونَ في وجود 332 نُبوءة فإنَّ الأمرَ يُحَيِّرُ العقلَ حَقًّا.

أمَّا أسلوبُ وبُنيةُ هذه النُّبوءات الأربَع فتُوحي لي على الأقلّ بوجودِ وَحْدَة أدبيَّة، وبأنَّ مَتَّى فَعَلَ ذلكَ عَنْ قَصْد. فَمَتَّى لا يَجولُ هُنا وهُناك ويَنتقي نُبوءاتٍ عَشوائيًّا. بل إنَّهُ مُكَرَّسٌ حَقًّا لتقديمِ هذه النُّبوءاتِ الأربع. وهي مَذكورة في الأصحاحِ الثَّاني بطريقة جميلة تُبَيِّنُ أربعَةِ أُمورٍ مُحَدَّدة بخصوصِ المَلِك.

والآن، لاحِظوا ما يَلي: إنَّ كُلَّ نُبوءة مِنها مُرتبطة بموقِعٍ جُغرافيّ. ونقولُ مَرَّةً أخرى إنَّ هذا يُساعِدُنا في أنْ نَرى أنَّ مَتَّى يُرَسِّخُ فِكرةً أدبيَّةً هُنا. فَلِكُلٍّ مِنها موقعٌ جُغرافيّ. وجميعُها تُرَكِّز على يسوعَ المسيح. أمَّا المواقعُ الأربعةُ الَّتي يَذكُرُها فهي: بيت لحم، ومِصْر، والرَّامة، والنَّاصِرة.

والحقيقة هي أنَّ هذه الأماكن الأربعة ستكونُ مُهِمَّة في ولادة المسيح. وهذا في ذاتِهِ شيءٌ مُدهش. فأغلبيَّةُ النَّاسِ يُنْسَبونَ مِنْ جِهَةِ ولادَتِهم إلى مكانٍ واحدٍ فقط. ولكِنَّنا نَقرأُ في العهد القديم أنَّ يسوعَ المَمْسوحَ، المَسِيَّا، المَسيحَ، المَلِك، الَّذي سيأتي، النبيُّ العظيمُ سيَقترِنُ ببيتِ لحم، ومِصْر، والرَّامَة، والنَّاصِرة.

وكُلُّ واحدٍ مِن هذه الأشياء الأربعة ستكونُ لهُ أهميَّتُه في ولادتِه. وكما قُلتُ، فإنَّ احتماليَّةَ تَحَقُّق ذلك في أيِّ شخصٍ واحد بهذا التَّرتيب، وبهذا التَّعاقُبِ الَّذي يَظهرُ هنا، هي احتماليَّة شبه معدومة. فلا بُدَّ أنَّ ذلكَ حَدَثَ بتخطيطٍ مِنَ الله. وقد صارَ ذلكَ أعظم دَليلٍ في كُلِّ إنجيلِ مَتَّى على الطَّبيعةِ المَلَكِيَّة ليسوعَ المسيح.

والآنْ، لِنَتفحَّص هذه الأشياء. فهي مُحَدَّدة جدًّا حَتَّى إنَّها تُغْلِقُ البابَ أمامَ أيِّ شخصٍ كاذِب. وهي مُحَدَّدة جدًّا حَتَّى إنَّها تُؤكِّدُ صِدْقَ الشَّخصِ الحقيقيِّ الَّذي يُطالِب بالعَرْشِ؛ أيِ الربِّ نفسِه. ولنبتدئ بالنُّقطة الأولى. وسوفَ نُسَمِّيها: "الوِلادة في بيتِ لَحْم". الولادة في بيت لحم. وسوفَ نَنطلِق مِنْ هُنا ونَصرِف وقتَنا في هذا المساء في دراسة الأعداد 4-6 لأنَّها الوَحدة الأولى الَّتي تَنظر إلى هذا الجانب مِن هذه الزَّاوية.

ونحنُ نَنظر هنا إلى الوراء، إلى ما رأيناه في دراساتِنا السَّابقة معًا. العدد 4. فقد اضْطَرَبَ هيرودُسُ عندَ وُصولِ المَجوسِ إلى أورُشليم باحِثينَ عن هذا المَلِك الَّذي قالوا إنَّهُ قد وُلِد. فقد رَأوا نَجْمَهُ في المَشْرِقِ وَعَلِموا أنَّهُ قد جاء. وقد أرادوا أنْ يَعرِفوا أين. وقد جاءوا بِرِفقة نُخبة مِنَ الجيشِ الفارسيِّ على ظُهورِ الخُيول، وكانوا يَحْمِلونَ الهَدايا. وقد اضطربَ هيرودسُ حَقًّا.

وقد كانت الخُطوة الأولى في ذِهْنِ هيرودُس هي أنْ يَعْرِف أينَ سيولدُ المَلِك. فقد أرادَ أنْ يَجِدَ الصَّبيَّ وأنْ يَقتُلَه. ومعَ أنَّهُ كانَ على وَشْكِ الموتِ، فإنَّهُ كانَ شديدَ التَّمَسُّكِ بِسُلْطَتِه ومَرْكِزِه حَتَى إنَّهُ أرادَ أنْ يُهْلِكَ الصَّبِيّ. لِذا، نَقرأُ في العدد 4 أنَّهُ جَمَعَ "كُلَّ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَكَتَبَةِ الشَّعْب، وَسَأَلَهُمْ: «أَيْنَ يُولَدُ الْمَسِيحُ؟»".

وأليسَ مِنَ المُدهشِ أنَّهُ رَبَطَ بينَ مَلِكِ اليهودِ هذا الَّذي تَحَدَّثَ عنهُ المَجوسُ وبينَ المسيح، المَسِيَّا، المَمسوح! فقد كانَ هُوَ وَهُمْ يَعلمُونَ أنَّهُ الشَّخصُ نَفسُه. لِذا فقد ارْتَعَب. فقد سَمِعَ الكَثيرَ مِنَ النُّبوءاتِ اليهوديَّة. وقد سَمِعَ الكثيرَ مِنَ الأمورِ اليهوديَّة خِلالَ حياتِهِ الَّتي صَرَفَ جُزءًا كبيرًا منها في السُّلْطَة، وكانَ يَعلمُ أنَّهُم يَتَرَقَّبونَ شخصًا يُدْعى "المَسِيَّا".

والآن، عندما عَلِمَ أنَّ المَسِيَّا قد جاء، أوْ خَشِيَ منْ أنَّهُ قد جاء، أرادَ أنْ يَعلمَ أين لكي يَقْتُلَ ذلكَ الطِّفْل. لِذا فقد استَدعى رؤساءَ الكَهَنَة (الَّذينَ كانوا السِّياسيِّينَ)، والكَتَبَة (الذينَ كانوا اللَّاهوتِيِّينَ) وسألهُم أينَ يُولَد.

ثُمَّ نَقرأُ في العددِ الخامس: "فَقَالُوا لَهُ: «فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ. لأَنَّهُ هكَذَا مَكْتُوبٌ بِالنَّبِيِّ...". وقد كانَ مِيْخَا هو النَّبِيُّ الَّذي كَتَبَ هذه الكلمات. إنَّهُ النبيُّ مِيخا. والحقيقة هي أنَّ هذه النُّبوءة مَذكورة في سِفْر ميخا 5: 2. والآنْ، اسمحوا لي أنْ أُحَدِّثَكُم قليلاً عنْ مِيخا لأنَّهُ يجب أنْ تَعرفوا ذلك في أثناءِ دراسَتِنا لهذه النُّبوءة. فقد كانَ ميخا نَبِيًّا أَعلنَ الدَّينونة. وقد كانت الدَّينوناتُ الَّتي أَعْلَنَها ميخا مُوَجَّهة إلى الأنبياءِ الكَذَبة والحُكَّام الكذبة والمُعَلِّمين الكذبة في زَمانِهِ.

فعلى سَبيلِ المِثال، نَقرأُ في سِفْر ميخا 2: 1: "وَيْلٌ لِلْمُفْتَكِرِينَ بِالْبُطْلِ، وَالصَّانِعِينَ الشَّرَّ عَلَى مَضَاجِعِهِمْ! فِي نُورِ الصَّبَاحِ يَفْعَلُونَهُ لأَنَّهُ فِي قُدْرَةِ يَدِهِمْ. فَإِنَّهُمْ يَشْتَهُونَ الْحُقُولَ وَيَغْتَصِبُونَهَا، وَالْبُيُوتَ وَيَأْخُذُونَهَا، وَيَظْلِمُونَ الرَّجُلَ وَبَيْتَهُ وَالإِنْسَانَ وَمِيرَاثَهُ. لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «هأَنَذَا أَفْتَكِرُ عَلَى هذِهِ الْعَشِيرَةِ بِشَرّ لاَ تُزِيلُونَ مِنْهُ أَعْنَاقَكُمْ، وَلاَ تَسْلُكُونَ بِالتَّشَامُخِ لأَنَّهُ زَمَانٌ رَدِيءٌ".

بعبارة أخرى، فإنَّهُ يَنظرُ إلى هؤلاءِ القادَة، وإلى هؤلاءِ الأَسْياد، وإلى هؤلاءِ الأُمراء، وإلى هؤلاءِ الرُّؤساء الَّذينَ يَغتَصِبونَ الأراضي ويأخذونَ البيوتَ، ويَفعلونَ ما يَفعلُهُ الطُّغاةُ ويَتَصَرَّفونَ مِثْلَ الطُّغاة. وَهُوَ يقول: "سوفَ أَدينُكُم" إذْ نَقرأُ في الأصحاحِ الثَّالثِ والعددِ الأوَّل: "وَقُلْتُ: «اسْمَعُوا يَا رُؤَسَاءَ يَعْقُوبَ، وَقُضَاةَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ. أَلَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الْحَقَّ؟ الْمُبْغِضِينَ الْخَيْرَ وَالْمُحِبِّينَ الشَّرَّ، النَّازِعِينَ جُلُودَهُمْ عَنْهُمْ، وَلَحْمَهُمْ عَنْ عِظَامِهِمْ. وَالَّذِينَ يَأْكُلُونَ لَحْمَ شَعْبِي، وَيَكْشُطُونَ جِلْدَهُمْ عَنْهُمْ، وَيُهَشِّمُونَ عِظَامَهُمْ، وَيُشَقِّقُونَ كَمَا فِي الْقِدْرِ، وَكَاللَّحْمِ فِي وَسَطِ الْمِقْلَى».

ويا لَها مِنْ صُورَةٍ حَيَّة! فهو يقولُ: "أنْتُم تُمَزِّقونَ حَرفيًّا شَعبي فتَنْزِعونَ جُلودَهُم عنهم، وتَنْزِعونَ لَحْمَهُم عن عِظامِهم، وتَضعونَهُ وَتَغْلونَهُ في قِدْر". وهذه هي بدايةُ دينونةِ اللهِ.

فنحنُ نقرأُ في العدد 9 مِنَ الأصحاحِ الثَّالث: "اِسْمَعُوا هذَا يَا رُؤَسَاءَ بَيْتِ يَعْقُوبَ وَقُضَاةَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، الَّذِينَ يَكْرَهُونَ الْحَقَّ وَيُعَوِّجُونَ كُلَّ مُسْتَقِيمٍ. الَّذِينَ يَبْنُونَ صِهْيَوْنَ بِالدِّمَاءِ، وَأُورُشَلِيمَ بِالظُّلْمِ. رُؤَسَاؤُهَا يَقْضُونَ بِالرَّشْوَةِ [بعبارة أخرى، فقد كانوا يَرْشُونَ القُضاة]، وَكَهَنَتُهَا يُعَلِّمُونَ بِالأُجْرَةِ، وَأَنْبِيَاؤُهَا يَعْرِفُونَ بِالْفِضَّةِ، وَهُمْ يَتَوَكَّلُونَ عَلَى الرَّبِّ قَائِلِينَ: «أَلَيْسَ الرَّبُّ فِي وَسَطِنَا؟ [فَهُمْ يَتَظاهرونَ بالتَّقوى] لاَ يَأتِي عَلَيْنَا شَرٌّ!»". لِذلِكَ بِسَبَبِكُمْ تُفْلَحُ صِهْيَوْنُ كَحَقْل، وَتَصِيرُ أُورُشَلِيمُ خِرَبًا، وَجَبَلُ الْبَيْتِ شَوَامِخَ وَعْرٍ". فسوفَ تَصيرُ قَاحِلَة.

والآنْ، هذه هي الدَّينوناتِ الَّتي أَعْلَنَها مِيخا على المُعَلِّمينَ الكَذَبة. وبعدَ أنْ أعلنَ الدَّينونة، فإنَّهُ يَنتقل إلى الحديثِ عن زَمَنٍ في المُستقبل سيأتي فيه مُعَلِّمٌ حقيقيٌّ، وزَمَنٍ سيأتي فيهِ حاكِمٌ حقيقيٌّ ومَلِكٌ حقيقيٌّ يَملِكُ بالبِرِّ والعَدْل. وَهُوَ يَتحدَّثُ أكثر عنهُ في هذا السِّفْر. ومِن خلالِ الحديثِ عن ذاكَ الَّذي سيأتي، أيْ ذاكَ العظيمُ والمَجيدُ الَّذي سيأتي في الأيَّامِ الأخيرة في بدايةِ الأصحاحِ الرَّابعِ، فإنَّهُ يَفْتَحُ البابَ على مِصْراعَيْه للنَّظَرِ إلى الأيَّامِ الأخيرة.

وإذْ يَتحدَّث عنْ ذاكَ الَّذي سيأتي، نَصِلُ إلى الأصحاحِ الخامسِ والعدد الثَّاني. وإذْ نَصِلُ إلى الأصحاحِ الخامسِ والعدد الثَّاني، نَجِدُ أنَّ هذا هو المكانُ الَّذي سيُولَدُ فيهِ هذا الَّذي سيأتي: "أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ، مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَل".

وها هُوَ المَلِكُ الأزليُّ، ابنُ اللهِ، والأقنومُ الثَّاني الأزليُّ في الثَّالوث، الَّذي سَيُولَد. وَهُوَ سَيُولدُ في مدينة صغيرة تُدعى "بَيْت لَحْم"، وهي صَغيرة بينَ ألوفِ مُدُنِ وَقُرى يَهوذا. لِذا، إذْ يَنظرُ ميخا عَبْرَ العُصور، فإنَّهُ يَرى ولادةَ المَلِك. فَهُوَ يَرى ولادةَ المَلِك بالارتباطِ بِمَكانٍ مَغْمور.

وهذه هي النُّبوءةُ الأولى الَّتي يَنْتَقيها مَتَّى. ومِنْ أجلِ التَّحَقُّقِ مِنَ التَّركيزِ على هذه النُّقطة تركيزًا كافيًا، لا أعتقد ... لا أعتقد أنَّ رؤساءَ الكهنة والكتبة اقتبسوا النُّبوءةَ المذكورةَ في هذا النَّصّ. بل أعتقد أنَّهم قالوا فقط ما جاءَ في العدد الخامس. انظروا إلى إنجيل مَتَّى 2: 5 إذْ نَقرأ: "فَقَالُوا لَهُ: فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ. لأَنَّهُ هكَذَا مَكْتُوبٌ بِالنَّبِيِّ".

ثُمَّ أعتقد أنَّ مَتَّى يُضيفُ العدد 6. فَمَتَّى هو الَّذي يَقْتَبِس الكلمات: "وَأَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ، أَرْضَ يَهُوذَا لَسْتِ الصُّغْرَى بَيْنَ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا، لأَنْ مِنْكِ يَخْرُجُ مُدَبِّرٌ يَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيل". وَمَتَّى يَستخدِمُ حَقَّهُ في تَدوينِ ما أُوْحِيَ إليه لأنَّ الرُّوحَ القُدُسَ أَوْحى إليه بِقَدْرٍ ما أَوحى إلى ميخا. وقد كانَ لَديهِ الحَقّ في اقتباسِ ما قالَهُ ميخا وإضافةِ بعضِ الأشياءِ الَّتي أُوْحِيَتْ لَهُ في ذلكَ الوقتِ تحديدًا، مَعَ الإشارةِ في الوقتِ نفسِهِ إلى ميخا.

لِذا فإنَّ مَتَّى يَقتبس ما جاءَ في ميخا 5: 2 ويقولُ إنَّ يسوعَ سيأتي مِنْ بيتِ لحم. وهي بيت لحم المَغمورة الَّتي لم يكن أحد يتوقَّع أنْ يأتي منها مَلِكٌ عظيم، ولم يكن أحدٌ يَتَرَقَّبُ مِنها مَلِكًا. فهو سيأتي مِن ذلكَ المكانِ تحديدًا. فالملكُ سيأتي مِنْ بيتِ لحم. فالولادةُ ستحدثُ في بيتِ لحم. دَوِّنوا ذلك. فَطَوالَ تاريخِ تعاملاتِ اللهِ معَ بني إسرائيل، لم يَكُن مِنْ حَقِّ أيِّ شخصٍ أنْ يَزْعُمُ أنَّهُ المَسِيَّا ما لم يَكُنْ قد وُلِدَ في بيتِ لحم. فهذا هو المكان. فالملكُ سيأتي مِنْ بيتِ لحم. والولادةُ ستحدثُ هنا.

والآن، لِنَنتقل إلى النبوءة الثانية. فقد تحدَّثنا للتوّ عنِ النُّبوءةِ الأولى بتفصيلٍ شديد. الولادة في بيتِ لحم. وفي تلكَ الولادة، رأينا إجْلالَ المجوسِ لَهُ، وكراهيةَ هيرودُس لَهُ. ولكنَّنا نَرى أنَّ النُّبوءة الأولى قد تَحقَّقت. وهذهِ نُقطة مُهِمَّة لدى مَتَّى. فالملكُ سيأتي مِنْ بيتِ لحم. لاحِظوا ذلك. وهذا هو ما فَعَلَهُ يَسوع.

والآن، نَنتقل إلى النُّبوءة الثَّانية. فالأولى هي الولادة في بيتِ لحم. أمَّا الثَّانية فهي ما أُسَمِّيه: "الخُروجُ إلى مِصْر" ... الخُروجُ إلى مِصْر. ونحنُ الآن في العدد 13. وسوفَ نَقرأُ نَصًّا لم نَصِلْ إليهِ بعد. العدد 13. وهذا يُسَمَّى أحيانًا: "الهَرَب إلى مِصْر".

وأنا أُفَكِّرُ دائمًا في صُورةٍ رَسَمَها صَبِيٌّ في صَفِّ مدرسةِ الأحد. فقد قالَتِ المُعَلِّمة: "أريدُ مِنكم أنْ تَرسُموا صورةَ الرِّحلة إلى مِصْر. ويجب أنْ تَرسموها بحسب ما جاءَ في الكتابِ المقدَّس". لِذا فقد سَلَّمَ واحدٌ مِنَ الصِّبْيانِ رَسْمًا. فنظرتِ المُعَلِّمَةُ إلى الصُّورة وصُعِقَت. فقد رَسَمَ طائرةً مِنْ طِراز "جِتّ 727" (Jet 727) وأربعةَ أشخاصٍ في حُجْرَةِ القيادَة.

فَنَظرتْ إلى الصبيِّ وقالت: "ما هذا؟" فقال: "هذه هي الرِّحلة إلى مِصْر". فقالت: "حسنًا! وَمَنْ هُمْ هؤلاءِ الأشخاص؟" فقال: "آه! هؤلاءِ هُمْ يوسُف، ومَريم، والطِّفل يسوع". فقالت: "ولكِنْ مَنْ يكونُ الشَّخصُ الرَّابع؟" فقال: "آه! هذا بيلاطُس البُنْطِيّ: الطَّيَّار". وهذه ليست صُورة مُوَفَّقة للرِّحلة إلى مِصْر بحسبِ الكِتابِ المُقدَّس.

فما الَّذي حَدَثَ في الخُروجِ إلى مِصْر؟ إنَّهُ تَحْقيقٌ عَجيبٌ ورائعٌ للنُّبوَّة. فعندما جاءَ المَجوسُ ... أعتقد أنَّهُ عندما جاءَ المَجوسُ أخيرًا إلى بيتِ لحم، ووصلوا إلى البيت حينَ كانَ الطِّفْلُ قد بَلَغَ عدَّةَ أشهر، أعتقد أنَّ ذلكَ الوقتَ كانَ وَقْتَ فَرَحٍ عظيم، ووقتَ تَعزية عظيمة لأنَّ يوسفَ ومَريم لم يكونا حَتَّى ذلكَ الوقت (بحسب ما نَعْرِفُهُ مِنَ الكتابِ المقدَّسِ) قد حَصَلا على تأكيدٍ لتلك الرِّسالةِ الَّتي سَمِعاها مِنَ الملاك.

فقد عَرَفا مِنَ اللهِ (مِنْ خلالِ المَلاك) أنَّ هذا الطفلَ سيكونُ ابنَ الله، عِمَّانوئيل، الله مَعَنا، المُخَلِّص، وكُلَّ ذلك. ولكنِّي أتَخَيَّلُ أنَّهُ عندما جاءَ المجوسُ أخيرًا وأكَّدوا ذلك، كانَ ذلكَ الحَدَثُ مَصْدَرَ طُمأنينة عظيم، ومَصْدَرَ فَرَح، ومَصْدَرَ رَجاءٍ لِقَلبهِما المُتَرَقِّب. ولا شَكَّ في أنَّهُما تَذَكَّرا الكلماتِ الرائعة الَّتي قالها الملاكُ ليوسُف، والكلماتِ الَّتي قالها جِبرائيلُ لمريم، والكلماتِ الَّتي قالتها أليصابات لمريم، والكلماتِ الَّتي قالها الرُّعاةُ ليوسُف ومَريم، والكلماتِ الَّتي قالها سِمْعان. وقد قالا: "إنَّ هذا كُلَّهُ صَحيح".

وقد تأكَّدَ لَهُما ذلك مِنْ خلالِ هؤلاءِ الرِّجال. ولكِنْ لَعَلَّكُم تَذكرونَ أنَّ سِمْعان قالَ أيضًا إنَّ سيفًا سيَخترِق نَفْسَ مَريم. وبعدَ وقتٍ قصيرٍ مِنْ زيارةِ المجوسِ، تَأكَّدا مِنْ كُلِّ ما سَمِعاه، وفَرِحا، وابتَهَجا، وتَحَقَّقا مِن ذلك، وتَعَجَّبا، وتَحَمَّسا جِدًّا، وحَصلا على التَّعزية بأنَّهما يَسيران في الطَّريقِ الصَّحيح. وها هُمْ أولئكَ المَجوسُ قد جاءوا مِنَ الشَّرْقِ لتأكيدِ ذلك. ولكِنْ بعدَ ذلك بوقتٍ قصير، ابتدأَ السَّيْفَ يَعْمَل عَمَلَهُ في الاختراق.

ونَجِد ذلك حَالاً في العدد 13: "وَبَعْدَمَا انْصَرَفُوا". والحديث هنا هو عنِ الرِّجالِ الحُكماء؛ أيِ المَجوس. "إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلاً". ويجب أنْ تَعلموا أنَّ هذا ليسَ حُلُمًا كبقيَّةِ الأحلام. فهذه حَالةُ شِبْهِ يَقَظَة. فهو ليس مُجَرَّدَ حُلُمٍ أوْ خيالٍ في العقلِ البشريّ، بل إنَّ هُناكَ مواجهة حقيقيَّة حَدَثَتْ معَ مَلاك. وهذا شيءٌ فريدٌ يَختصُّ بفتراتِ الإعلانِ الكِتابيَّة. فقد حَدَثَ لبُطرس حينَ كان يحاولُ أنْ يَنامَ على سَطْحِ مَنْزِلٍ في يافا. وقد حَدَثَ مِرارًا وتَكرارًا. فقد حدثَ لدانيال، وأبيمالك، ويعقوب، ويوسف، ولابان، والسَّاقي، والخَبَّاز. وقد حَدَثَ حَتَّى لفِرعون.

فهناكَ أوقاتٌ يَفعلُ فيها اللهُ ذلك. وهذه مَرَّة مِن هذه المَرَّات. وهناكَ مَرَّات عديدة تَكَلَّمَ فيها في حُلْمٍ في فترةِ ولادةِ المسيح. لِذا، فقد كانَ حُلُمًا مِنْ نَوْعٍ خاصّ إذْ إنَّ مَلاكًا ظَهَرَ ليوسُف وقالَ لَهُ: "قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ". ولاحِظوا أنَّهُ في كُلِّ مَرَّة تَقرأونَ فيها عن هَذَيْنِ الشَّخْصَيْنِ معًا، فإنَّكم سَتَجدونَ أنَّ اسمَ الطِّفْلِ يُذْكَرُ أوَّلاً لأنَّهُ هُوَ مِحْوَرُ القِصَّة. "وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ".

وفي هذا الوقتِ، كان الرِّجالُ الحُكَماء [أيِ المجوسُ] قد غادَروا؛ بحسب ما جاءَ في بدايةِ العدد. فعندما هَمُّوا بالانصراف، حَذَّرَهُمُ اللهُ في حُلُمٍ أيضًا إذْ نَقرأُ في العدد 12: "إِذْ أُوحِيَ إِلَيْهِمْ فِي حُلْمٍ أَنْ لاَ يَرْجِعُوا إِلَى هِيرُودُسَ، انْصَرَفُوا فِي طَرِيق أُخْرَى إِلَى كُورَتِهِمْ". فمؤامراتُ البشرِ لا تَستطيعُ أنْ تُحْبِطَ خُطَطَ الله. فكما أنَّ اللهَ مَنَعَ فِرعون مِنْ إهلاكِ بني إسرائيل مِنْ خلالِ التَّدَخُّلِ الإلهيِّ، فإنَّ اللهَ حَذَّرَ يوسُف وأوصاهُ أنْ يَهْرُبَ كما فَعَلَ المَجوس.

وقد كانَ اللهُ يَحمي ابْنَهُ. لقد كانَ اللهُ يَحمي المسيَّا. وأرضُ مِصرَ الَّتي كانت يومًا مكانًا للعُبوديَّة والاضطهاد، صارتِ الآنَ مَلاذًا. وصارتِ الآنَ بيتًا. وصارتِ الآنَ مكانًا للاختباء. وصارتِ الآنَ مَلجأً للعائلة الصغيرة الهاربة مِنْ خَطَرٍ وَشيك.

والكلمة "انْصَرَفَ" هي كلمة مُدهشة. وهذه مُجَرَّد مُلاحظة هامشيَّة. فالكلمة هي "أناكوريئو" (anachoreo). وهذهِ النُّقطة غير مُهِمَّة إلَّا لِطَلَبة اللُّغة اليونانيَّة. ولكنَّها تُستخدَمُ في مَوضعٍ آخر في إنجيل مَتَّى مَرَّتَيْن. وهي تَعني في كِلتا المَرَّتَيْن: "يَهْرُبْ مِنَ الخَطَر". فهي كلمة مُحَدَّدة تُشيرُ إلى وجودِ خَطَر. وهي تَعني: "يَهرب" أو "يَفِرُّ" أوْ "يَبتعد عنِ الخطر".

واسمحوا لي أنْ أُعطيكُم مَثلاً توضيحيًّا مِنْ إنجيل مَتَّى 4: 12: "وَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ أَنَّ يُوحَنَّا أُسْلِمَ، انْصَرَفَ إِلَى الْجَلِيل". بعبارة أخرى، لقد عَلِمَ يسوعُ أنَّهُم وَضَعوا يُوحَنَّا في السِّجْن، وأنَّهُ كانَ في خَطر. لِذا فقد ابتعد. فهي كلمة تَعني "يَهْرُب مِنْ خَطَرٍ ما". لِذا فقد عَلِمَ يوسفُ ومَريمُ أنَّهما والطِّفْلُ في خَطَر فَهَرَبوا. "وَبَعْدَمَا انْصَرَفُوا [أيِ المَجوس]، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلاً لَهُ أنْ يَهْرُب. لاحِظوا ما جاءَ هُنا إذْ نَقرأ: "قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ ... وَاهْرُبْ".

وهي كلمة يونانيَّة مُدهشة "فيوغي" (pheuge)، وهي الكلمة الَّتي اشْتُقَّتْ مِنها الكلمة الإنجليزيَّة "فيوجيتيف" (fugitive) ومعناها: "هَارِب". اهْرُب. وهي صيغةُ أَمْرٍ تُشيرُ إلى استمرارِ العَمَل، أيْ: "باشِرْ في الهَرَب". فقد كانتِ الرِّحلة طويلة إذْ كانتِ المسافةُ تَبْعُد نحوَ 120 كم إلى حُدودِ مِصْر، ونحو 160 كم أخرى إلى قَلْبِ البَلَد. فَرُبَّما قَطَعوا مسافةَ 280 كم. وهذه رِحلة تَستغرِق أيَّامًا وأسابيع لأنَّهم لم يكونوا يَتحرَّكونَ بسرعة كبيرة بسببِ الطِّفْل. إذًا، كانَ ينبغي لهم أنْ يَهربوا إلى مِصْر. وهي رِحلة تَستغرِق أيًّامًا كثيرة.

والآنْ، اسمحوا لي أنْ أُحَدِّثَكُم قليلاً عن مِصْر في هذا الوقتِ مِنَ التَّاريخ لكي تَفهموا ما يَجري. فقد كانت مِصْرُ مَلاذًا طبيعيًّا لليهود، ولا سِيَّما منذُ وقتِ الثَّورة المَكَابِيَّة. واسمحوا لي أنْ أُعطيكُم خلفيَّةً سريعةً جدًّا لن تَستغرِق أكثر مِن ثلاثينَ ثانية.

فما بينَ العهدِ القديم والعهدِ الجديد، كانت هناكَ فترةٌ في تاريخِ إسرائيل خَضَعوا فيها لِحُكْمِ اليونان. فنحنُ نَقرأُ أنَّ الرُّومانَ كانوا المُهَيْمِنينَ في فترةِ العهد الجديد. وفي العهدِ القديم، كانَتِ الهيمنةُ هي لإمبراطوريَّة بابل وإمبراطوريَّة مادي وفارِس. وما بينَ العَهْدَيْن، سادَتِ الإمبراطوريَّة اليونانيَّة. وفي عهدِ اليونان، حَدَثَتْ ثورة. وكانَ قادَةُ تلك الثَّورة أُناسا عُرِفوا باسْم "المَكَابِيِّين"، وَهُمْ عائلة يهوديَّة. فَهُمُ الَّذينَ أشَعلوا الثَّورة. ومنذُ عهدِ تلك الثَّورة المَكَابيَّة الَّتي تُعرفُ بفترةِ ما بَيْنَ العَهْدَيْن، ابتدأَ يهودٌ كثيرونَ في ذلك الوقت يَهربونَ إلى مِصْر.

وحَتَّى قبلَ ذلك، لاحظوا ما سأقول: حَتَّى قبلَ ذلك، سَمَحَ الإسكندرُ الكبير لليهودِ بأنْ يَعيشوا في مِصْر. والحقيقة هي أنَّ هناكَ مدينة مُحَدَّدة في مِصْر، وهي مَدينَتُهُ الخاصَّة. فهل سَمِعْتُم يومًا بمدينةِ الإسكندريَّة؟ فقد سَمَّاها على اسْمِه. لِذا، عندما فَتَحَ مِصْر، بَنى هذه المدينة، وهي الإسكندريَّة، وسَمَحَ لليهودِ باللُّجوءِ إلى تلك المدينة. فقد كانَ يُسْمَحُ لهم أنْ يَذهبوا إليها. وقد كانَ يُسمحُ لهم بالعيشِ فيها. وقد كانَ يُسْمَحُ لهم أنْ يُقيموا فيها. وقد هَرَبَ يهودٌ كثيرون.

والحقيقة هي أنَّ أغلبيَّةَ المُؤرِّخينَ يَعتقدونَ أنَّ "جَماعَة قُمْران" – وجماعةُ قُمران هي جماعة مِنَ الرُّهْبانِ المُتَنَسِّكين والزَّاهِدينَ مِنَ اليهود عاشوا بالقربِ مِنَ البحرِ المَيِّت. وقد كانوا الكَتَبَة الَّذينَ نَسَخوا العهدَ القديمَ الَّذي تَمَّ العُثورُ عليهِ والذي يُعرفُ اليومَ باسم "مَخطوطات البَحر المَيِّت". فقد جاءتْ هذه المَخطوطاتُ مِنْ جَماعَةِ قُمْران.

ويَعتقد أغلبيَّةُ المُؤرِّخين أنَّ جماعةَ قُمران لم يعودوا ... فقد هَرَبوا قبلَ وقتٍ طويل ولم يعودوا إلَّا بعدَ وقتٍ طويلٍ مِنْ موتِ هيرودُس. فما دامَ هيرودُس على قَيْدِ الحياة، استمرَّ اليهودُ يَهربونَ بأعدادٍ أكبر إلى مِصْر. وقد ابتدأ الأمرُ في فترةِ المَكابيِّين، ثُمَّ زادَ أكثرَ فأكثر. وفي عهدِ هيرودس، زادَ الأمرُ كثيرًا. ويَرى أغلبيَّةُ المُؤرِّخينَ أنَّ جماعةَ قُمران لم تَتْرُك مِصْرَ وتعود إلى الدِّيار إلَّا في نحوِ سنة 31 قبلَ الميلاد؛ أيْ بعدَ موتِ هيرودُس.

إذًا، فقد كانَ اليهودُ يَهربونَ إلى الجَنوبِ إلى مِصْر. وقد امتلأتْ مِصْرُ حَرفيًّا بالسُّكانِ اليهود مِنْ عهدِ المَكابِيِّينَ فَصَاعِدًا. وقد كانوا يَمْلِكونَ حُقوقًا مُساوية. والحقيقة هي أنَّ الإسكندرَ الكبيرَ قال: "سوفَ نُعطيهم حقوقًا متساوية للمَقدونِيِّين". وقد كانَ مَقدونيًّا.

وهُناكَ نُقطة مُدهشة أُخرى يَحْسُنُ أيضًا أنْ تَتذكَّروها، وهي أنَّهُ في سنة 150 قبلَ الميلاد، أيْ قبلَ 150 سنة مِنْ ميلادِ المسيح، سُمِحَ لليهودِ أنْ يُقيموا هَيْكلاً لَهُم في مِصْر. وهو هَيكلٌ مُستقلٌّ بُنِيَ لَهُم هناك لكي يَزْدَهِروا كَجَالِيَة. والحقيقة هي أنَّهُ في سنة 40 ميلاديَّة، أيْ بعدَ موتِ المسيح، فإنَّ المؤرِّخَ "فايلو" (Philo) يقول إنَّهُ كانَ هناكَ نحو مِليون يَهوديّ يعيشونَ في مِصْر.

لِذا فقد صارت مِصْرُ مأهولةً جدًّا باليهود. وقد كانت مَلاذًا ومكانًا آمِنًا ومُستَقِرًّا يُمْكِنُهم أنْ يَعيشوا فيهِ دونَ خَوْف. وأعتقد شخصيًّا أنَّ هدايا الذَّهبِ واللُّبانِ والمُرِّ كانت وسيلةً وَفَّرَها اللهُ للعائلة الصغيرة لكي يَعيشوا في مِصْر لأنها كانت هدايا قَيِّمة جدًّا. ولا شَكَّ أنَّهُ كانَ بمقدورهم أنْ يَبيعوها أوْ يُقايضوها بأشياءٍ أخرى يَحتاجونَ إليها لكي يعيشوا؛ على الأقل إلى أنْ يَجِدَ يوسفُ عَمَلاً خلالَ الأشهرِ الَّتي عاشوا فيها هناك.

ولكنَّ السَّببَ الرئيسيَّ في أنَّهُ قيلَ لهم أنْ يهربوا إلى هناك لم يكن أنَّهُ مكانٌ جَيِّدٌ لليهود، ولا لكي يهربوا مِنَ اضطهادِ هيرودس. بل إنَّ السببَ الرئيسيَّ في ذهابهم إلى هناك هو أنَّ هذا هو تمامًا المكانُ الَّذي قالَ العهدُ القديمُ إنَّ المَسِيَّا سيَذهبُ إليه. ولا أدري إنْ كانا يَعلمانِ ذلك آنذاك. والحقيقة هي أنَّني واثقٌ جِدًّا مِنْ أنَّهما لم يكونا يَعلمانِ ذلك بسبب غُموضِ نَصِّ العهدِ القديم. ولكِنَّ اللهَ كانَ يَعلمُ ذلك وكانَ يُجْري خُطَّتَهُ.

ولِعِلْمِكُم، فقد كنتُ أتساءلُ حينَ كنتُ طفلاً صغيرًا عن سببِ ذهابهم إلى مِصْر. فقد قرأتُ أنَّ يَسوعَ مَشَى بينَ الجُموعِ وأنَّهُم لم يتمكَّنوا مِنْ لَمْسِه. ثُمَّ إنَّني قرأتُ عن فيلبُّس الَّذي كانَ في غَزَّة، ثُمَّ إنَّ الرُّوحَ القُدُسَ نَقَلَهُ بطريقةٍ عجيبةٍ ومُدهشةٍ ووَضَعَهُ في وَسْطِ الصَّحراء. فقد كانَ في الشَّمال فَنَقَلَهُ إلى أسفل إلى البَرِّيَّة.

وكثيرًا ما قُلتُ لنفسي: "لماذا لم يَفعل اللهُ ذلك؟ فلماذا لم يَضَع العائلة الصغيرة في الفضاء ويُبقيهم هناكَ إنِ اقْتَضى الأمرُ ذلك، في ما يُشبِه الطَّائرة العَموديَّة الإلهيَّة إلى أنْ تَستقرَّ الأحوال ثُمَّ يُعيدُهم إلى هناك؟" أو "لماذا اضْطُرُّوا إلى السَّفَرِ كُلِّ تلك المسافة الطويلة؟"

ولكنِّي أعتقد أنَّ هذا كانَ جُزءًا مِنْ بَشريَّة يسوع. وقد كانَ جُزءًا مِنَ اشتراكِهِ في كُلِّ صُروفِ الدَّهْر. فقد كانَ طفلاً كأيِّ طفلٍ آخر. وكانَ يَتَّكِلُ على رعايةِ أبيهِ وأمِّه. وقد كانَ يجب عليهما أن يَعتنيا به. وكانَ يجب عليهما أن يُسافرا، وأن يَمْشِيا ويَحمِلا الطفلَ كما يُحمَلُ أيُّ طِفلٍ آخر. فهذا جزءٌ مِن تَجَسُّدِ الله. وقد كانتِ الخِبرةُ البشريَّةُ مطلوبة في كُلِّ المَراحِل. وأعتقد أنهما فَعَلا ما قد تَفعَلُه أيُّ عائلة أخرى.

وقد أرادَ هيردوس أنْ يَقتُلَهُم. وقد كانَ هيرودسُ مُجَرَّد بَيْدَق. فأصْلُ الشَّرِّ لم يكن هيرودس، بل كانَ إبليس. فقد كانَ الشَّيطانُ المَعروفُ بأنَّهُ قاتِل. اقرأوا سِفْر الرُّؤيا والأصحاح 12 فتجدوا في رؤيا 12 القصَّة كُلَّها عن كيفَ أنَّ الشَّيطانَ يَرغبُ دائمًا في أنْ يَقتُلَ المسيح. فسوفَ تَرَوْنَ التِّنِّينَ يُطارِدُ الطِّفْلَ في رُؤيا 12 مُحاولاً أنْ يَقْتُلَهُ.

لِذا فقد أُمِروا بالذَّهابِ إلى مِصْر. ولاحِظوا ما جاءَ في نهايةِ العدد: "وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ". فقد كانَ اللهُ يَعلمُ ما في فِكْرِ هيرودُس. وكانَ اللهُ يَعلمُ مُؤامرةَ هيرودُس. فلم يَكُنْ بمقدورِهِ أنْ يَخْدَعَ الله. وَلم يَكُنْ بمقدورِهِ أنْ يُخفي شيئًا البَتَّة عنِ الله. وقد قالَ الملاك: "سوفَ أعود. ابْقَوْا هناكَ إلى أنْ أعودَ وأُعطيكم أوامِرَ جديدة". لِذا فقد وَعَدَهُمُ الملاكُ أنَّهُ سيعود.

ولن تُصَدِّقوا، يا أحبَّائي، ما قالَهُ بعضُ الأشخاصِ السُّذَّج عَمَّا حَدَثَ في مِصْر. واسمحوا لي أنْ أقولَ لكم ما يلي: إنَّ الشيءَ الوحيدَ الَّذي نَعْلَمُهُ بخصوصِ ما حدثَ في مِصْر هو المذكور في العدد 13. وهل هذا يُطْلِعُكُم على الكثير؟ "اهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ". هذا هُوَ كُلُّ شيء. وبالرَّغمِ مِن ذلك، هناكَ حَرفيًّا مُجَلَّداتٌ كثيرة كُتِبَتْ عَمَّا حَدَثَ في مِصر.

والحقيقة هي أنَّ هناكَ كِتابًا بعُنوان "إنجيلُ طُفولةِ رَبِّنا" (The Gospel of the Infancy of Our Lord) يَتَحَدَّثُ عن حياتِهِ في مِصر. وهو كِتابٌ كاذِبٌ أو بَاطِل كَغَيْرِهِ مِنَ الكُتُب الباطلة الَّتي ظَهَرَتْ في الأزمنةِ الباكرة. ولكِنَّهُ يقولُ إنَّهُ حيثُما مَشى الصَّبيُّ الصغير، كانتِ الأصْنامُ تَسْقُط. وهو يقولُ إنَّ يسوعَ، عندما كانَ صَبِيًّا صغيرًا جدًّا في مِصْر، التقى كاهِنًا مِصريًّا كانَ لَهُ طِفْلٌ عُمْرُهُ ثلاثَ سَنواتٍ وتَسْكُنُهُ الشَّياطين، وأنَّ يسوعَ أَخَذَ قِطعةً مِنْ ملابِسِ قِماطِهِ (لأنَّهُ كانَ مَا يَزالُ طفلًا يَزْحَف آنذاك) وَوَضَعَ ملابِسَ قِماطِهِ على رأسِ ذلكَ الطِّفل البالغ مِنَ العُمر ثلاث سِنين فَتَحَرَّرَ حالاً.

وحيثُما ذَهَبت مَريم، لم يكن الخروفُ يَلْحَقْ بها في كُلِّ مكان (كما تقولُ أغنية "مَريم عندها خروف صغير"). فهذه قصَّة زائفة أخرى. فحيثُما ذهبت مَريم، كانَ كُلُّ مَنْ يَنظُر إليها يُشفَى. وحيثُما ذهبَ الطِّفلُ، كانَ اللُّصوصُ يَهْرُبونَ إلى البَرِّيَّة. وكانت كُلُّ أنواعِ الأمراضِ تُشْفى حيثُما ذَهَب. وهذا جُنون. فنحنُ لا نَعرِف أيًّا مِنْ هذه القصص.

ويُقالُ إنَّ أوريغانوس (Origen)، وَهُوَ واحِدٌ مِنْ آباءِ الكنيسةِ الباكرة، اقتبسَ عَنِ الفيلسوف "سيلسوس" (Celsus) القولَ التَّالي: "لقد وُلِدَ يَسوعُ بوصفِهِ طِفلاً غيرَ شَرعيٍّ وعَمِلَ في مِصْر. وبعدَ أنْ عَرَفَ بعضَ القُوى الخارقة المُعَيَّنة في مِصْر، عادَ إلى بَلَدِه واستخدمَ هذه القُوى لِيَدَّعي أنَّهُ الله". بعبارة أخرى، فقد ذَهَبَ إلى مِصْر لكي يَتَعَلَّمَ السِّحْر.

وهل تَعلمونَ ما الَّذي يَقولُهُ التَّلمود (Talmud)؟ يَقولُ التَّلمودُ اليهوديُّ ما يَلي: "هناكَ عَشرةُ مَكاييل مِنَ السِّحْرِ نَزَلَتْ على العالم. وقد حَصَلَتْ مِصْرُ على تِسْعَة مَكاييل مِنها، وحَصَلَ الجُزءُ الآخَرُ مِنَ العالَم على مِكْيالٍ واحد". وقد كانَ مُعَلِّمو الشَّريعةِ في التَّلمودِ يُؤمِنونَ بأنَّ مِصْرَ هي مَرْكِزُ السِّحْر. وقد قالَ يهودٌ كثيرونَ إنَّ يسوعَ ذَهَبَ إلى مِصْرَ عندما كانَ صَغيرًا، وتَعَلَّمَ السِّحْرَ، وعادَ إلى بَلَدِه، وخَدَعَ العالَمَ مُوْهِمًا إيَّاهُمْ بأنَّهُ المَسِيَّا.

وهذا هو التَّعليمُ اليهوديُّ عن يسوعَ المسيح. وقد أَقْحَمُوا ذلكَ كُلَّهُ بينَ كلماتِ العدد 13. صَحيحٌ أنَّهُ ذهبَ إلى مِصْر. ولكِنَّ كُلَّ ما نَعْرِفُهُ هو أنَّهُ ذهبَ إلى مِصْر. هذا هو كُلُّ ما نَعْرِفُهُ. وقد بقي هناك. ولكِنْ صَدِّقوني أنَّهُ لم يَتعلَّم السِّحْرَ ويعود ويَخدَع العالمَ بِسِحْرِه. فقد ذهبَ إلى مِصْرَ لأنَّ ذلكَ كانَ جُزءًا مِنَ النُّبوَّة.

وقد أَطاعَ يوسفُ الملاك إذْ نَقرأ في العدد 14: "فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ لَيْلاً وَانْصَرَفَ إِلَى مِصْرَ". فقد ذهب. فنحنُ نَقرأ أنَّهُ ذَهَبَ تَحْتَ جُنْحِ الظَّلام. فقد ذهبَ ليلاً. فقد هَربوا. وأنا متَيَقِّنٌ مِنْ أنَّهُم لم يُخبروا أحدًا لأنَّهُ لو عَلِمَ أيُّ شخصٍ بذلك، ولا سِيَّما في ضَوْءِ البُطْءِ الَّذي كانوا يَتَحَرَّكونَ بِهِ، لانْطَلَقَ جُنودُ هيرودُسُ في أَعْقابِهِم. ولكانت كارِثَة. لِذا، أنا مُتَيَقِّنٌ جدًّا مِنْ أنَّهُم تَسَلَّلوا خِفْيَةً في اللَّيل ولم يُخبروا أحدًا. وبالمناسبة، فإنَّ مَتَّى لا يَذكُرُ التَّفاصيل لأنَّهُ ليسَ مُهتمًّا بالتَّفاصيل، بل هو مُهتمٌّ بالنُّبوَّة.

والآن، انظروا إلى العدد 15: "وَكَانَ هُنَاكَ [فقدِ انْصَرَفَ إلى مِصْر]. "وكانَ هُناكَ إِلَى وَفَاةِ هِيرُودُس". تَوقَّفوا هُنا. فقد بَقَوْا هناكَ إلى وَفاةِ هيرودُس. ولا أعتقد أنَّهم بَقَوْا طويلاً جدًّا. فقد ماتَ هيرودُس قبلَ وقتٍ قصيرٍ مِنْ عيدِ الفِصْح في شهر آذار/مارِس أو نَيْسان/إبريل في سنة 4 قبلَ الميلاد. فقد كانت فترةً وَجيزة جدًّا؛ ربما بضعة أشهر. ولا يمكننا أنْ نَعرِف ذلكَ يقينًا، ولكِنَّ هذا الاحتمالَ قويٌّ جدًّا.

انظروا إلى العدد 19 الَّذي يُتابِعُ الحديثَ عن هذا الأمر. فنحنُ نقرأ: "فَلَمَّا مَاتَ هِيرُودُسُ، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ فِي حُلْمٍ لِيُوسُفَ فِي مِصْرَ". إذًا، بعدَ موتِ هيرودس، عادَ الملاكُ قَائِلاً: "أنْتُمْ بِمَأمَن. يُمكنكم العودة". لِذا، بعدَ هَرَبِهِم، ماتَ هيرودس. ثُمَّ إنَّ الملاكَ ظَهَر. ولكِنْ لماذا ذهبوا إلى مِصْر؟ وما هي النُّبوَّة؟

انظروا إلى نهايةِ العدد 15. فقد حدثَ هذا كُلُّهُ لا لكي يَنْجوا. فقد كانَ بمقدورِ اللهِ أنْ يُنَجِّيَهُمْ بأيِّ طَريقةٍ يَشاء. ولكِنَّ اللهَ أرادَ أنْ يُؤكِّدَ مُؤهِّلاتِ المسيَّا. لِذا فقد رَبَطَ ذلكَ بنُبوَّة. فنحنُ نقرأ: "لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِــيِّ".

اسمعوني: إنَّ هذه واحدة مِن أَهَمِّ الجُمَلِ الَّتي يمكن أنْ تَجدوها في أيِّ مَكانٍ في الكتابِ المقدَّس لأنَّها تُخبركم أنَّ الأنبياءَ الَّذينَ كَتَبوا صفحاتِ كلمةِ اللهِ قد تَلَقَّوْا الوحيَ مِنَ اللهِ نَفسِهِ. "لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِــيِّ الْقَائِل: «مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنـِـــي»".

بِعبارة أخرى، لقد كان نبيُّ العهدِ القديم يقول إنَّ الابنَ، المَلِكَ، المَمسوحَ، المَسِيَّا، المسيحُ سيَخرجُ مِنْ مِصْر. اسمعوني: كيفَ يُعْقَلُ أنَّ طِفلاً سيأتي مِنْ بيتِ لَحْم وَمِنْ مِصْرَ ما لم يَعْمَلِ اللهُ عَمَلاً مُعجزيًّا؟ فقد دَبَّرَ اللهُ كُلَّ شيءٍ قبلَ وقتٍ طويل مِن خلالِ الإسكندرِ الكبير. فقد جَهَّزَ اللهُ مِصْرَ لكي يُقيمَ فيها بِضْعَةَ أشهُر حينَ جاءَ إليها عندما كانَ طِفْلاً. فاللهُ يُحَرِّكُ التَّاريخ. وَهُوَ كُلُّهُ يَجْري بطريقةٍ تُحَقِّقُ خُطَّتَه. "مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنـِـــي". وَأيْنَ ذُكِرَتْ هذه الكلمات؟ في سِفْر هُوشَع 11: 1. هوشع 11: 1.

والآن، أريدُ مِنْكُمْ أنْ تَرَوْا شيئًا يَختصُّ بِسِياقِ تلك النُّبوَّة. فنحنُ نقرأ في سِفْر هوشع 11: 1: "لَمَّا كَانَ إِسْرَائِيلُ غُلاَمًا أَحْبَبْتُهُ، وَمِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي". والآن، لاحِظوا شيئًا مُدهشًا جدًّا هنا. فإلى مَنْ يُشيرُ الربُّ في هُوشَع 11: 1؟ مَنْ هُوَ الابنُ هُناك؟ إسرائيل. وَمَنْ هو الابنُ هنا؟ المَسيح. وكيفَ يُعْقَلُ ذلك؟ لقد قالَ البعضُ: "مَهْلاً منْ فَضْلِك! فعندما أُعْطِيَت النُّبوَّة، أُعْطِيَتْ كَجُمْلَة تاريخيَّةٍ عن إسرائيل. فلا توجد نُبوَّة هنا. فهي شيءٌ حَدَثَ في الماضي". "لَمَّا كَانَ إِسْرَائِيلُ غُلاَمًا أَحْبَبْتُهُ، وَمِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي".

وسوفَ يُخبرُكم أيُّ عَالِمٍ مِنْ عُلماءِ الكتابِ المقدَّس الَّذينَ دَرَسوا سِفْر هوشع، سوف يُخبرُكم بِبَساطة أنَّ اللهَ يُشيرُ إلى الوقتِ الَّذي حَرَّرَ فيهِ إسرائيل مِنَ العبوديَّة في مِصْر. والآن، ما هي النُّبوَّة؟ أليست شيئًا سيحدثُ في المُستقبَل؟ وكيفَ ترتبط بهذا الأمر؟ هذا هو ما نريدُ أنْ نَتحدَّثَ عنه. واسمحوا لي أنْ أُحَدِّثَكُم عن رسالة هوشَع قليلاً.

فهو واحدٌ مِنَ الأنبياءِ المُفضَّلينَ لديَّ. وأنا مُتيقِّنٌ مِنْ أنَّهُ سيكونُ واحدًا مِنَ الأنبياءِ المُفضَّلينَ لديكم إنْ قرأتُم سِفْرَهُ بعناية. وقد كانت رسالة هوشع تتحدَّثُ عنِ الإخفاق. وقد كانت تتحدَّثُ عنِ التَّقهقُر. وقد كانت تتحدَّثُ عنِ المأساةِ في إسرائيل. فقد نَظَرَ هوشع إلى إسرائيل وقال: "لقد عَصَيْتُم. وقد زَنَيْتُم. وقد أَخطأتُم. وقد تَقَهْقَرْتُم". والحقيقة هي أنَّهُ يقول: "أنْتِ زَانِيَة بالمَعنى الرُّوحيِّ. أنتِ مُوْمِس بالمَعنى الرُّوحيّ. أنتِ عَاهِرَة بالمَعنى الرُّوحيّ". فهذا هو ما يَقولُهُ لإسرائيل. والحقيقة هي أنَّ هذه هي أسوأ حالة مَرَّتْ بها إسرائيل عندما كَتَبَ هوشَع هذه الكلمات.

وَهُوَ يَسْكُبُ على إسرائيل هذه الدَينونات: "أنتِ زانية. أنتِ مُوْمِس. أنتِ فاجِرَة. أنتِ بَغِيٌّ". فهذا هو الوصفُ الَّذي يَصِفُها به. "هذه هي حالَتُكِ. فأنتِ خائنةٌ للهِ الَّذي خَطَبَكِ لنفسِه. وأنْتَ تَرْكُضينَ وراءَ آلهة زائفة صَاروا عُشَّاقًا لَكِ".

وهوشُع يُبَيِّن بطريقةٍ دراميَّة جدًّا هذا الواقِعَ مِنْ خلالِ حَياتِهِ الشَّخصيَّة. فقد سَمَحَ اللهُ لَهُ أنْ يَمُرَّ بأصعبِ تَجربة شخصيَّة يُمْكِنُكم أنْ تَتَخَيَّلوها. فقد تَزَوَّجَ امرأةً اسمُها "جُوْمَر". وهذه بداية سَيِّئة. وعلى أيِّ حال، فقد تَزَوَّجَها. وقد كانت غيرَ أمينة فصارت كما يُسَمِّيها الكتابُ المقدَّسُ "امرأةَ زِنَى". فقد رَكَضَتْ وراءَ كُلِّ عَشيقٍ تُريدُه. وأنا مُتَيَقِّنٌ مِنْ أنَّها رَكَضَتْ وراءَ عُشَّاقٍ كثيرينَ حَتَّى إنَّ هوشَعَ تَوقَّفَ عنِ العَدّ. وقد أَنْجَبَتْ أبناء مِنْ هؤلاءِ العُشَّاق. وكانَ قَلبُ هوشَع يَفيضُ بالمحبَّة لها حَتَّى إنَّهُ احْتَمَلَ كُلَّ هذه الإساءاتِ الَّتي حَطَّمَتْ قَلبَهُ.

وقد باعَتْ نفسَها للعُبوديَّة لأنَّها صارت مُستعبَدَةً للخطايا الجنسيَّة. ولكنَّهُ أَحَبَّها مِنْ أعماقِ قلبه. وعوضًا عَنْ أنْ يَرفُضَها هوشَع، وعوضًا عن أنْ يَترُكَها، وعوضًا عن أنْ يَتخلَّى عنها، بَحَثَ عنها ووجدها في مُستنقعِ الخطيَّة، وَعَثَرَ عليها، وذهبَ إلى هناك، واشتراها بخمسةَ عَشَرَ شاقِلاً مِنَ الفِضَّة وِبِحُوْمَرٍ ونِصْفِ حُوْمَر مِنَ الشَّعير وقال: "ها هو الثَّمن. سوفَ أَشتريها". وهكذا فقد اشتراها مِنْ عُبوديَّةِ الزِّنى، واستَرَدَّها بعدَ أنْ صارتْ عاهِرَةً، وأعادها لتكونَ زوجَتَهُ، ورَدَّ لها كَرامَتَها، وأَظْهَرَ لها كُلَّ محبَّةٍ رَفَضَتْها. فهذه هي خِبرَتُهُ الشَّخصيَّة.

وهو يقولُ لإسرائيل: "انظروا. عندما أُحَدِّثُكم عن قلبِ اللهِ المكسور بسبب زِناكُم الرُّوحيّ، فإنَّني أَعلَمُ كيفَ يَشعُرُ الله. فقدِ اختبرتُ ذلك". فهذا هو ما يَقولُه. فكما أنَّ هوشعَ تَزَوَّجَ جُوْمَر، فإنَّ اللهَ صَارَ زَوْجًا لإسرائيل. وكما أنَّ هُوشعَ أحَبَّها، فإنَّ اللهَ أَحَبَّ إسرائيل. وكما أنَّ جُوْمَر خَانَتْ هُوْشَع، فإنَّ إسرائيلَ خانَتِ اللهَ. وكما أنَّ جُوْمَر اسْتُعْبِدَتْ مِنْ قِبَلِ عُشَّاقِها، فإنَّ إسرائيلَ اسْتُعْبِدَتْ مِنْ قِبَلِ الأصنام. وقد اتَّكَلَتْ جُوْمَرُ على عُشَّاقِها فَجَعَلوها أَمَةً. وإسرائيلُ اتَّكَلَتْ على الأصنامِ فَصَارَتْ مُسْتَعْبَدَةً.

وكما أنَّ هُوشعَ قَدَّمَ كُلَّ مَحَبَّةٍ ورِفْقٍ واستردَّ زوجَتَهُ، فإنَّ يَهْوَه قَدَّمَ كُلَّ مَحَبَّة واستردَّ البقيَّة الَّتي أَظْهَرَت استعدادًا للعودة. فهذه هي رسالة هوشع. لِذا، عندما انكسرَ قلبُ هوشع، وعندما رأى حُلْمَ حَياتِهِ يَتحطَّمُ أمامَ عينيه، وعندما تألَّمَ أقسى ألمٍ قد يَختبرُهُ أيُّ إنسانٍ، قَالَ لَهُ اللهُ: "هوشع! أنتَ تَعلمُ الآنَ حَقيقةَ مَشاعِري. والآنْ، كُنْ كَارِزًا لي. والآنْ، أَخبرهُم عَمَّا في قلبي. والآنْ، اجْعَلْهُمْ يَفهمون".

وهذا التَّدريبُ المُحْزِنُ للنبيِّ هو في صَميمِ رِسالَتِه. فاللهُ أرادَ مِنْ إسرائيل أنْ تَعلَمَ مَدى مَحَبَّتِهِ لَها. واللهُ أرادَ مِنْ هوشَع أنْ يَعلمَ مَدى محبَّتِهِ لَهُ. واللهُ أرادَ مِنْ هوشع أنْ يَعلمَ كم أنَّ هذا مؤلم. لِذا فإنَّهُ يقولُ في الأصحاح 11 والعدد 1: "لَمَّا كَانَ إِسْرَائِيلُ غُلاَمًا أَحْبَبْتُهُ". فعلاقةُ المحبَّة هذه للزَّوجة الخائنة تَرْجِعُ إلى الوقتِ الَّذي كانَ فيها إسرائيلُ غُلامًا. وفي ذلكَ الوقت: "مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي". فهذا ليسَ شيئًا حَدَثَ في وقتٍ لاحِق. وهذا ليسَ شيئًا حَدَثَ في وَسْطِ أحداثٍ أخرى. وهذا ليسَ العَشيقَ الأخيرَ في صَفِّ العُشَّاق. بل هذا هو الحَبيبُ الَّذي ابتدأتُ أُحِبُّهُ عندما كانَ إسرائيلُ غُلامًا.

بعبارة أخرى، فإنَّ هذا المَقطعَ يُرَكِّزُ على المحبَّة الفائقة الَّتي أحَبَّ اللهُ بها إسرائيل دائمًا مِنَ الوقتِ الَّذي كانَ فيهِ إسرائيلُ غُلامًا مُستعبَدًا في مِصْر تحتَ هَيمنةِ فِرْعَوْن. فمنذَ ذلك الوقت، أَظْهَرَ اللهُ مَحَبَّتَهُ لهم وأرادَ أنْ يَفدي شَعبَهُ. ونقرأُ في سِفْر التَّثنية والأصحاح 32: "إِنَّ قِسْمَ الرَّبِّ هُوَ شَعْبُهُ. يَعْقُوبُ حَبْلُ نَصِيبِهِ. وَجَدَهُ فِي أَرْضِ قَفْرٍ، ... وَصَانَهُ كَحَدَقَةِ عَيْنِه". واللهُ يقولُ في سِفْر الخروج 4: 22: "إِسْرَائِيلُ ابْنِي" ... "إسرائيلُ ابْني الْبِكْرُ".

والآنْ، لِنَرْجِع إلى إنجيل مَتَّى ونَرى الرَّابِط. فعندما اقتبسَ مَتَّى ما جاءَ في سِفْر هوشع وطَبَّقَهُ على المسيح، ما الَّذي قَصَدَهُ؟ إنَّهُ يقولُ هنا: "لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ الْقَائِل: «مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْني»". وهُنا، يا أحبَّائي، تَجِدونَ واحدًا مِنْ أَعْظَمِ المفاهيمِ الرائعةِ في كُلِّ الكتابِ المقدَّس. ونحنُ نُسَمِّيه: "الرُّموز". فإسرائيلُ رَمْزٌ لِمَنْ؟ للمسيح.

وهل تَعلمونَ ما هو الرَّمز؟ الرَّمْزُ هو تَوَقُّعٌ غيرُ لَفظيّ. إنَّهُ تَوَقُّعٌ غيرُ لَفظيّ. فالنُّبوَّة هي تَوَقُّعُ لَفظيٌّ لِحَدَثٍ مُستقبليّ. أمَّا الرَّمْزُ فهو تَوَقُّعٌ غيرُ لَفظيٍّ. فهناكَ نُصوصٌ في العهد القديم تُخبرُنا أنَّ اللهَ سيُرسل مُخَلِّصًا سيموت. وهناكَ نُصوصٌ أخرى لا تقولُ ذلك، بل تُخبرنا فقط عنْ ذبيحةِ الحَمَل. ولكِنَّ كُلَّ حَمَلٍ صَغيرٍ ماتَ كانَ صُورةً عن مَنْ؟ عن يسوعَ المسيح. فهو صُورة غير لفظيَّة.

اسمعوني: إنَّ التَّوقُّعات غير اللَّفظيَّة الَّتي تُسَمَّى "رُموزًا" في الكتابِ المقدَّس ليست أقَلَّ شأنًا، وليست أقلَّ قُوَّةً، وليست أقَلَّ مُباشرةً مِنَ النُّبوَّاتِ اللَّفظيَّة. فإحدى دراساتي المُفَضَّلة هي دراسة الرُّموز. وأَذكُرُ أنَّني أَعْدَدْتُ دراسةً في كُليَّةِ اللَّاهوت كانت غَنِيَّةً جِدًّا لي. فقد قرأتُ عن هذا الموضوع لأنَّهُ أَسَرَني. وقد قرأتُ كِتابًا عظيمًا مِنْ تأليف "باتريك فيربيرن" (Patrick Fairbairn) عنِ الرُّموز. وَهُوَ جُهْدٌ عظيمٌ بُذِلَ في هذا المَجال.

وسوفَ أُخبرُكم رأيي في موضوعِ الرُّموز. فأنا ضَيِّقُ الأُفُقِ في هذا المجال. فأنا أُوْمِنُ بأنَّ الرُّموزَ الوحيدة الصَّحيحة، والرُّموزَ الوحيدة المَشروعة هي تلك الَّتي يُبَيِّنُ العهدُ الجديدُ أنَّها رُموز. حسنًا؟ بخلافِ ذلك، فإنَّنا سنُخطئُ كثيرًا في تفسيرِ العهدِ القديم. فهناكَ مَنْ يُحاولُ أنْ يُصَوِّرَ كُلَّ شَعرةٍ على رأسِ شخصٍ ما بأنَّها رَمْزٌ لشيءٍ ما. وهذا قد يَجْعَلُنا سُخَفاء إنْ لم نُحْسِن تَفسيرَ هذه الرُّموز.

لِذا أعتقد أنَّ الرُّموزَ ... اسمعوني: أعتقد أنَّ الرُّموزَ لَها مَعاني فقط بحسب تفسيرِ كُتَّابِ العهدِ الجديدِ لها. لِذا فإنَّ "إسرائيلَ" رَمْزٌ لأنَّ مَتَّى (المُوحَى إليهِ مِنْ رُوْحِ اللهِ) يَجْعَلُ هُنا إسرائيلَ صُورةً للمسيح. فما كانوا عليهِ (مِنْ دُوْنِ حَتَّى أنْ يَقولوا ذلك) كانَ صُورةً عَمَّا سيكونُ عليه. فحينَ دَعا اللهُ ابْنَهُ إسرائيل مِنْ مِصْر، كانت هذه صُورة عَمَّا سيفعلُه عندما يَدْعو ابْنَهُ الربَّ يسوعَ المسيح مِنْ مِصْر. أَتَرَوْن؟ فهذا رَمْزٌ كِتابِيٌّ؛ تَوَقُّعٌ غيرُ لَفْظِيّ.

وبالمناسبة، إنَّ المسيحَ وإسرائيل يَتشابهان كثيرًا غالبًا في الكلمة النَّبويَّة. فمثلاً، في سفر إشعياء، مِنَ الصَّعبِ أحيانًا أنْ نَعْرِفَ ما إذا كانَ العَبْدُ هو إسرائيل أَمِ المسيَّا لأنَّهُ يَصِفُ الاثنين بأنَّهما "عَبْدُ الرَّبِّ". وإسرائيلُ هي ابنُ اللهِ وبِكْرُه. والمسيحُ كذلك. وإسرائيلُ دُعِيَتْ مِنْ مِصْر. وكذلك هو المسيح. إنَّها صُورة جميلة.

ورُبَّما تَذكرونَ أنَّ يوسُف كانَ رَمْزًا للمسيح لأنَّ العهدَ الجديدَ يقولُ ذلك. وهل تَعلمونَ أنَّ يُونان أيضًا كانَ رَمْزًا للمسيح لأنَّ العهدَ الجديد يقولُ ذلك: "لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال، هكَذَا يَكُونُ [مَنْ؟] ابْنُ الإِنْسَان". فقد كانَ رَمْزًا. ويقول د. "غيبالاين" (Dr. Gaeblein): "إنَّ تاريخَ بني إسرائيل ابتداءً مِنْ مصر هو تاريخُ خطيَّة، وعِصيان، وارتداد، وعار. لذا، كانَ ينبغي أنَّ المسيَّا يأتي بوصفِهِ عَبْدَ الرَّبِّ الحقيقيّ، وأنْ يكونَ مُطيعًا ... مُطيعًا حَتَّى الموت. وكانَ ينبغي أنْ يَجْتازَ في كُلِّ تاريخِ شَعبِهِ". وكم أُحِبُّ ذلك.

فقد رَجَعَ يسوعُ حقًّا إلى كُلِّ تاريخِ شَعبِهِ لكي يُحَقِّقَ الرَّمْز أوِ الصُّورة. وكما حاولَ فِرْعونُ (المَلِكُ القاسي) أنْ يُهْلِكَ بني إسرائيل، فإنَّ مَلِكًا قاسيًا آخرَ اسْمُهُ هيرودس حاولَ أنْ يَقتُلَ ابنَ الله. وكما أنَّ اللهَ حَمَى ابْنَهُ إسرائيل في مِصْر وحَرَّرَهُم، فإنَّ اللهَ حَمَى المسيحَ ابْنَهُ في مِصْرَ وأنْقَذَهُ. فالمسيَّا هو أَصْلُ الشَّيءِ المَرموزِ إليهِ مِنْ خلال إسرائيل. فهو المَرموزُ إليه. وصَدِّقوني أنَّهُ لا يَجوزُ البَتَّة أنْ نُقَلِّلَ مِنْ قيمةِ وطبيعةِ الرُّموزِ الكِتابيَّة. فعندما يقولُ كاتِبُ العهدِ الجديد إنَّ هذا رَمْزٌ ، فإنَّهُ رَمْزٌ حَقًّا.

وأعتقد أنَّ الرَّمْزَ هُنا هو أكثر مِنْ مُجَرَّد رَمْز. فالرَّابِطُ أقوى مِنْ ذلك. فإسرائيلُ ليست فقط رمزًا للمسيح، بل هناكَ رابِطٌ غيرُ قابِلٍ للانفصال في هذا الإطار. فقد كانَ المسيحُ في صُلْبِ إسرائيل آنذاك. ولو لم تَخْرُج إسرائيل مِنَ العُبوديَّة في مِصْر، لما وُلِدَ أصلاً. لِذا، فقد كانَ هُناكَ بِمَعْنى مِنَ المَعاني. ولو أنَّ إسرائيل هَلَكت، لما تَحَقَّقَتْ النُّبوءةُ المسيحانيَّة أصلاً. لِذا، عندما خَرَجَتْ إسرائيل، خَرَجَ المسيحُ معهم آنذاك. أليسَ كذلك؟

لِذا فقد نُسِيَتْ رسالةُ هُوشَع منذُ وقتٍ طويل. وقد استمرَّ التَّقهقُرِ حَتَّى في زمنِ يسوع. فقد كانَ زِنى إسرائيل ودَعارَتُها مُستمرًّا آنذاك. ولكِنَّ نُبوءةَ هوشَع عادَتْ ثانيةً كالبَّرْقِ الَّذي يَشُقُّ السَّماء: "وَمِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي". فكما أنَّ اللهَ أَحَبَّ في القديم إسرائيل عندما كانَ غُلامًا وأَخْرَجَهُ مِنْ مِصْر، فإنَّ محبَّتَهُ الآنَ تَتركَّز على المسيَّا. وَهُوَ يُخْرِجُهُ مِنْ مِصْر.

والحقيقة، يا أحبَّائي، هي أنَّني أريدُ أنْ أقولَ لكم شيئًا. فَنَموذَجُ الخَلاصِ العَظيم في العهدِ القديم هو أنَّ اللهَ خَلَّصَ إسرائيل مِنْ مِصْر. فهذا هو النَّموذج. واسمحوا لي أنْ أُضيفَ مُلاحَظَةً. وأنا أُحِبُّ هذه الفِكرة. عندما يَعودُ الربُّ يَسوعُ بالبِرّ ليَملِك على الأرض، وعندما يأتي بوصفِهِ مَلِكَ المُلوكِ ورَبَّ الأرباب، هل لاحَظْتُمْ ما يَقولُهُ الأنبياءُ لنا؟ دَوِّنوا الشَّاهِدَيْن التَّالِيَيْن: إشعياء 19 وصَفَنْيا 3. إشعياء 19 وصَفَنْيا 3. فهل تَعلمونَ ما الَّذي نَقرأهُ في هَذَيْنِ الشَّاهِدَيْن؟ اسمعوا ذلك. لا تَفتحوا على هذينِ السِّفْرَيْن، بل اسمعوا وَحَسْب.

عندما يَعودُ الربُّ يسوعُ ليَمْلِك بالبِرِّ على الأرض، فإنَّ واحدةً مِنَ الأُمَم الَّتي سَتَحظى بمكانة خاصَّة في المُلْكِ الألفيِّ هي مِصْر. هل تَعلمونَ ذلك؟ وقد تقول: "مِصْر؟" عَجَبًا! وهل مِصْر تَعْني مِصْر الَّتي استعبدتهم، وقَهَرَتْهُم، وأرْغَمَتْهُمْ على صُنْعِ الطُّوْبِ مِنْ غيرِ قَشّ؟ وهل هذا يَعني مِصْر الفاسِدة والشِّرِّيرة والضَّالَّة؟ وقد سَمِعْنا مُؤخَّرًا عن الملك "تُوت عَنْخ آمون" (Tutankhamun) وعن كُلِّ تلكَ الأساطيرِ عنِ الحياةِ بعدَ الموتِ، والقاربِ الشَّمسيِّ، وما شَابَهَ ذلك.

وقد نقول: "مِصْر! وما الَّذي سيُعطي مِصْرَ مكانةً في المُلْكِ الألفيِّ؟" فقد كانوا مُعادينَ جدًّا لإسرائيل. ولكِنْ أَيُعْقَل ... أَيُعْقَل أنَّ بَرَكَةَ مِصْر في المُلكِ الألفيِّ هي بَرَكة إلهيَّة لِبَلَدٍ مَنَحَ الملاذَ لابنِ اللهِ حينَ كانَ طفلاً؟ رُبَّما!

لِذا، فقد رأينا الولادةَ في بَيْتِ لَحْم، والخروجَ مِنْ مِصْر. دَعونا نُصَلِّي: يا رَبّ، أشعرُ بالدَّهشة في قلبي مَرَّةً أخرى بسببِ الطريقة الرائعة والعجيبة والدَّقيقة الَّتي رَتَّبْتَ فيها أحداثَ التَّاريخِ بِكُلِّ تفاصيلها الدَّقيقة. فالتَّاريخُ هو حَقًّا قِصَّتُه. فأنْتَ مَنْ تَضَعُ تُخومَ الأُمَم. وأنتَ مَنْ تُحَدِّدُ مَسارَ البَشَر - مُلوكًا كانوا أَمْ عَبيدًا. وأنْتَ تَجْعَلُ غَضَبَ الإنْسانِ يَحْمَدُكَ. وأنتَ تُغَيِّرُ مَسارَ الأشياء. نَشكركَ على المَلِكِ الَّذي جاءَ لأنَّ النبيَّ قالَ إنَّهُ سيأتي مِنْ بيتِ لحم. وقد جاءَ لأنَّ النبيَّ قالَ إنَّهُ سيأتي مِنْ مِصْر.

ونحنُ نَشكُرُكَ لأنَّ هذا يَحِدُّ مِنَ المُدَّعينَ ويُؤكِّدُ هُويَّةَ المَلِكِ الحَقيقيّ. نَشكركَ لأنَّ يسوعَ هو الَّذي يُتَمِّمُ ما لا يَقِلَّ عن 332 نُبوءة، ولأنَّهُ يَسُدُّ أيضًا الجوعَ الشَّديدَ وشوقَ قَلْبِ كُلِّ شخصٍ يأتي إليكَ بإيمان.

ولا يَسَعُنا، يا أبانا، إلَّا أنْ نُدركَ أيضًا أنَّهُ إنْ كانَ هو المَلِك (وَهُوَ كذلكَ حَقًّا) فإنَّ المُلوكَ يَستحقُّونَ السُّجودَ والاحترامَ والطَّاعة. وحيثُ إنَّهُ مَلِكٌ مُحِبٌّ، فإنَّ تلكَ الطَّاعَةَ وذلك الاحترام هُما مَصْدَرُ فَرَحٍ لنا. ونحنُ نَسْمَعُ مَتَّى. فنحنُ نَسْمَعُهُ وَهُوَ يَرفَعُ عاليًا رايةَ المَلِكِ ويَدْعونا إلى تَتويجِهِ بِغَضِّ النَّظَرِ عَمَّا يَفعلُهُ العالَم.

وهناكَ دائمًا أشخاصٌ مِثْل هيرودُس. وهناكَ دائمًا أشخاصٌ مِثل رؤساءِ الكهنة والكتبة في كُلِّ عَصْر؛ أشخاصٌ ضَالُّون. فهناكَ أشخاصٌ يُبْغِضونَهُ. وهناكَ أشخاصٌ لا يُبالونَ بِهِ. ولكِنْ هناكَ دائمًا أشخاصٌ حُكَماء يأتونَ إليهِ ويَسجدونَ لَهُ لأنَّهُمْ يُدركونَ أنَّهُ المَلِك. نَشكركَ، يا أبانا، لأنَّ كلِمَتَكَ رَسَمَتْ لنا صُورةً واضحةً لكي لا نُخْطِئْهُ. وكما يقولُ العهدُ القديم: "مَنْ سَلَكَ فِي الطَّرِيقِ حَتَّى الْجُهَّالُ، لاَ يَضِلُّ". ساعِدْنا على أنْ نُتَوِّجَهُ في حياتِنا مَلِكًا. نُصَلِّي هذا باسْمِهِ. آمين!

This sermon series includes the following messages:

Please contact the publisher to obtain copies of this resource.

Publisher Information
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969

Welcome!

Enter your email address and we will send you instructions on how to reset your password.

Back to Log In

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize
View Wishlist

Cart

Cart is empty.

Subject to Import Tax

Please be aware that these items are sent out from our office in the UK. Since the UK is now no longer a member of the EU, you may be charged an import tax on this item by the customs authorities in your country of residence, which is beyond our control.

Because we don’t want you to incur expenditure for which you are not prepared, could you please confirm whether you are willing to pay this charge, if necessary?

ECFA Accredited
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Back to Cart

Checkout as:

Not ? Log out

Log in to speed up the checkout process.

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize