
أرْجو أنْ تَفتحوا كِتابَكُم المُقَدَّسَ مَعي على الأصحاحِ السَّادِسِ مِنْ إنجيلِ مَتَّى. إنجيل مَتَّى والأصحاح السَّادِس. وأنا أَصرِفُ وقتًا رائعًا جدًّا في حياتي الشَّخصيَّة في دراسةِ التَّطويباتِ، أوْ بالحَرِيِّ في دراسةِ الصَّلاةِ الرَّبَّانيَّةِ كما فَعَلْتُ في دراسةِ التَّطويبات. وأعتقد أنَّكم تَذكرونَ عندما دَرَسْنا التَّطويبات كيفَ أنَّنا تَعَمَّقْنا جدًّا في دراسَتِها. وإنَّهُ لَمِنْ دَواعي سُروري أن أقولَ لكم إنَّهُ في يومِ الجُمُعة الماضي، صارت تلك السِّلْسِلَة عنِ التَّطويبات كِتابًا بِعُنوان "الحَياةُ في المَلكوت: هُنا والآن" (Kingdom Living: Here and Now). وسوفَ نُوَفِّرُ نُسَخًا لكم في غُضونِ أُسبوعَيْن. وسوفَ تَحْصُلونَ على نُسخة مِنْ كُلِّ دراسَتِنا عنِ التَّطويباتِ في شَكْلِ كِتاب. وأنا مُتَحَمِّسٌ بالقَدْرِ نَفسِه لدراسةِ الصَّلاةِ الرَّبَّانيَّةِ أوِ الصَّلاةِ الَّتي أَسْمَيْناها: "صَلاة التَّلاميذ" إذْ نَتَعَمَّقُ قَدْرَ الإمكانِ في هذا المَنْجَمِ الغَنِيِّ الَّذي أعطانا إيَّاهُ المسيح حينَ عَلَّمَنا كيفَ نُصَلِّي. ومَرَّةً أخرى، أريدُ أنْ أقرأَ لكم كُلَّ هذهِ الآياتِ الَّتي تَحويها هذهِ الصَّلاة الرَّائعة بِكُلِّ عُمْقِها وَبَساطَتِها حَتَّى تَكونَ مَرْجِعًا لنا في أثناءِ تأمُّلِنا بِصورة خاصَّة في العدد 12:
"فَصَلُّوا أَنْتُمْ هكَذَا: أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. لِيَأتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ. خُبْزَنَا كَفَافَـنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ. وَاغْفِرْ لَــنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضًا لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا. وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ. لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ، وَالْقُوَّةَ، وَالْمَجْدَ، إِلَى الأَبَدِ. آمِين".
سوفَ نُرَكِّزُ أنظارَنا في يومِ الرَّبِّ هذا، وفي يومِ الرَّبِّ القادِم بِكُلِّ تأكيد (ورُبَّما الَّذي يَليهِ أيضًا) على العدد 12: "وَاغْفِرْ لَــنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضًا لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا". ثُمَّ نَجِدُ المُلاحظةَ التَّالية على العدد 12 في العدد 14: "فَإِنَّهُ إِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَّلاَتِهِمْ، يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضًا أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ. وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا لِلنَّاسِ زَّلاَتِهِمْ، لاَ يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمْ أَيْضًا زَّلاَتِكُمْ". وسوفَ تَكونُ هذهِ الآياتُ الثَّلاثُ (أيِ الصَلاةُ نَفسُها، ثُمَّ مُلاحظةُ الربِّ المُهمَّة جدًّا جدًّا والَّتي يُساءُ فَهْمُها كَثيرًا في العَدَدَيْن 14 و 15) سَوفَ تَكونُ هذهِ الآياتُ مَوضوعَ دِراسَتِنا في الأيَّامِ القادِمة. فسوفَ يَنْصَبُّ التَّركيزُ والاهتمامُ في العَدد 12 على موضوعِ الخطيَّةِ وَغُفرانِها. وهذهِ هي الطِّلْبَة الَّتي ينبغي لِكُلِّ إنسانٍ أنْ يُواجِهَها كَجُزْءٍ مِنْ حَياةِ الصَّلاةِ لديه.
ومَنِ المؤكَّدِ أنَّكُم إنْ فَكَّرتُم في ذلك فإنَّكم ستُوافِقونَني الرَّأيَ بأنَّ أَهَمَّ شيءٍ، وأكثرَ شيءٍ مُبارَكٍ، وأصعبَ شيءٍ فَعَلَهُ اللهُ يَومًا هو أنَّهُ دَبَّرَ للإنسانِ غُفْرانًا لِخَطاياه. وهذا مُهِمٌّ جِدًّا لأنَّهُ يَحْفَظُنا مِنْ جَهَنَّمَ الأبديَّة، ويُعطينا فَرَحًا حَتَّى في هذهِ الحَياة. فهو أكثرُ شيءٍ مُباركٍ لأنَّهُ يَجْعَلُنا نَتمتَّعُ بالشَّركة معَ اللهِ إلى الأبد. وَهُوَ أَصْعَبُ أَمْرٍ لأنَّهُ كَلَّفَ ابْنَ اللهِ حَياتَهُ على الصَّليب. ولكِنَّ النُّقطةَ الأكثرَ جَوهريَّةً، والأكثر بَرَكَةً، والأكثر صُعوبةً هي غُفرانُ الخطيَّة. فهي أَكثرُ حاجَةٍ مَاسَّةً للقلبِ البشريِّ. والخطيَّةُ لَها تأثيرُ ثُنائِيٌّ مِنَ النَّاحيةِ العَامَّة. فَهِيَ تَدينُ الإنسانَ إلى الأبد. وهذا هو تأثيرُها المُستقبليُّ. أمَّا تأثيرُها الحاضِرُ فهو أنَّها تَحْرِمُ الإنسانَ مِنْ مِلْءِ الحَياةِ لأنَّها تَجْعَلُ ضَميرَهُ مُعَذَّبًا دائمًا وتَجْعَلُهُ يَشْعُرُ بالذَّنْبِ دائمًا. لِذا، إذْ نُواجِهُ مُشكلةِ الخطيَّةِ فإنَّنا نُواجِهُ حقيقةَ أنَّ الخطيَّةَ لها عَواقِبَ مُباشِرة إذْ إنَّها تَجْعَلُنا نَشعُرُ بالذَّنْبِ وَنَفْقِدُ قُدرَتَنا على التَّمَتُّعِ بقيمةِ الأشياءِ، ونَفْقِدُ السَّلامَ والفَرَحَ والشُّعورَ بالحياةِ. وَهُناكَ أيضًا التَّأثيرُ المُستقبليُّ لأنَّ الخطيَّةَ تَجْلِبُ الدَّينونةَ الأبديَّة.
لِذا فإنَّ الخطيَّةَ هي، بِلا شَكٍّ، الحاجةُ المَاسَّةُ أوِ المُشكلةُ الكُبرى الَّتي نَحْتاجُ إلى حَلٍّ لها في حياةِ الإنسان. فإنْ فَكَّرْنا وَحَسْب في حياةِ الإنسانِ الَّذي لم تُغْفَر خَطيئَتُه، يجب علينا أنْ نُواجِهَ حَقيقةَ ما يَفْعَلُهُ الشُّعورُ بالذَّنْبِ بِنا، وما يَفْعَلُهُ التَّبكيتُ الَّذي نَشْعُرُ بِهِ في ضَميرِنا.
وَمِنَ المُؤكَّدِ أنَّ "شِكسبير"، الَّذي كانَ يَزْعُمُ أنَّهُ ليسَ لاهوتيًّا، كانَ يَعْلَمُ على الأقَلِّ ما يُشيرُ إليهِ الكتابُ المقدَّسُ، ويَعْرِفُ حَقيقةَ أنَّ النَّاسَ قد يُصابونَ بأمراضٍ نَفسيَّة وَبَدَنِيَّة بسببِ الخطايا الَّتي لا يَعترفونَ بها ولا تُغْفَرُ لهم. وما زِلْتُ أَذْكُرُ أنَّني شاهَدْتُ مَسرحيَّةَ "مَكْبِث" حينَ كُنتُ شابًّا صغيرًا، وأنَّني سَمِعْتُ الصِّراعَ والألمَ والقلقَ الَّذي يَعْتَمِلُ في قَلْبِ السَّيِّدة مَكْبِث (Lady Macbeth) بسببِ مَقْتَلِ "دَنْكان" (Duncan). وقد تأثَّرَتْ جِدًّا مِنْ جميعِ الأوجُهِ، ولا سِيَّما جَسَدِيًّا ونَفسيًّا، بسببِ هذهِ الجريمةِ الَّتي لم يَعْتَرِفْ أَحَدٌ بها. وقدِ استَدعى زَوْجُها "مَكْبِث" طَبيبًا وقالَ لهُ هذهِ الكلمات؛ أوْ بالأحرى، لقد قالَ الطَّبيبُ لِزَوْجِها مَكْبِث الكلماتِ التَّالية: "إنَّها ليست مَريضة، يا مَولاي، بقَدْرِ ما هِيَ تُعاني بسببِ تَخَيُّلاتٍ كثيرةٍ تُؤرِّقُها وَتَحُوْلُ بينَها وبينَ الرَّاحَة".
بِعبارة أخرى، لقد قالَ الطَّبيبُ لِمَكْبِث إنَّ مُشكلةَ زوجَتِهِ تَكْمُنُ في عَقْلِها. ثُمَّ إنَّ مَكْبِث سَألَ الطَّبيبَ هذا السُّؤالَ الكَلاسيكيّ: "أَليسَ بِوِسْعِكَ أنْ تُعالِجَ عَقْلَ المَريض؟ أنْ تَنْزِعَ مِنَ الذَّاكرةِ جُذورَ حُزْنٍ عَميق، وأنْ تَمْحو مِنَ العَقْلِ ما كُتِبَ فيهِ مِنْ مَتاعِب، وأنْ تَستخدِمَ تِرْياقًا حُلْوًا يَجْلِبُ السُّلْوانَ وَيُطَهِّرُ القلبَ المُثْقَلَ مِمَّا يُخامِرُهُ مِنْ هُمومٍ سَامَّة؟" ولا يُمْكِنُ لأيِّ طَبيبٍ أنْ يَفعلَ ذلك.
وقد قالَ "ويليام سادلر" (William Sadler): "الضَّميرُ الطَّاهِرُ خُطوة عَظيمة في تَحْصينِ الذِّهْنِ مِنَ الأمراضِ النَّفسيَّة". ويَقولُ "جون ر. دبليو. ستوت" (John R. W. Stott) في كِتابٍ صَغيرٍ لَهُ بِعُنوان: "اعترِف بخطاياكَ" (Confess Your Sins)، مُقْتَبِسًا كَلامَ رَئيسِ مُستشفىً بريطانيٍّ كبيرٍ بأنَّهُ قالَ الكلماتِ التَّالية: "يُمْكِنُني أنْ أُعْطي إذْنًا لِنِصْفِ مَرْضايَ بِمُغادرةِ المُستَشفى يومَ غَدٍ لو أنَّهم أَكَّدُوا لي أنَّهُمْ غَفَروا لِكُلِّ مَنْ أَسَاءُوا إليهم". فالغُفرانُ هُوَ أعمقُ حَاجةٍ لدى الإنسانِ الآنَ وفي المُستقبَل؛ أيْ لأجْلِ الصِّحَّة ولأجْلِ السَّماء. لِذا، إنَّها أوَّلُ طِلْبَة تَختصُّ بِرُوْحِ الإنسانِ هُنا في هذهِ الصَّلاة.
فالطِّلباتُ الثَّلاثُ الأولى ("لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. لِيَأتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْض") تَختصُّ باللهِ. والطِّلْبَاتُ الثَّلاثُ الأخيرةُ تَختصُّ بالإنسان: ("خُبْزَنَا كَفَافَـنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ. وَاغْفِرْ لَــنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضًا لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا. وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّير"). ولكِنَّ الطِّلبةَ الأولى مِنْ هذهِ الطِّلباتِ الأخيرةِ تَختصُّ بالحاجاتِ الماديَّة: "خُبْزَنَا كَفَافَـنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ". وفي حين أنَّهُ توجد طِلبة واحدة فقط تَختصُّ بالحَياةِ الماديَّة، هُناكَ طِلْبَتانِ للحياةِ الرُّوحيَّةِ لأنَّها أكثرُ أهميَّة جِدًّا. ولكِنَّ الطِّلْبَةَ المَاديَّة تأتي أوَّلاً، وَهِيَ مُهِمَّة. فلا يمكننا أنْ نَعيشَ المبادئَ الرُّوحيَّةَ ما لم تَكُنْ لدينا حياة جَسديَّة. لِذا، يجب أنْ تُسَدَّ حاجاتُنا الماديَّة أوَّلاً في العدد 11، ثُمَّ نأتي إلى الحاجاتِ الرُّوحيَّة. والطِّلْبَةُ الأولى والأكثر أهميَّة مِنْ جِهَةِ الإنسانِ الباطِنِ تَختصُّ بِغُفرانِ الخطايا. فهذهِ هي أَعمقُ حاجةٍ رُوحيَّةٍ لدى الإنسان. وَهذا هُوَ المَكانُ الَّذي يَنْبَغي أنْ يَتلاقى فيهِ اللهُ والإنسانُ أوَّلاً. فقبلَ أنْ يَتَمَكَّنَ اللهُ مِنْ إرشادِنا، وَمِنْ أنْ يُنَجِّينا مِنَ التَّجرِبة، وقبلَ أنْ يُنَجِّينا اللهُ مِنْ أيِّ شيءٍ، يجب علينا أنْ نَتمتَّعَ بعلاقةٍ مَعَهُ. وهذا لا يُمْكِنُ أنْ يَتَحَقَّقَ إلَّا إذا غُفِرَتْ خَطايانا.
فَعَيْنا اللهِ أَطْهَرُ مِنْ أَنْ تَنْظُرَا الشَّرَّ، وَلاَ تَسْتَطِيعُ النَّظَرَ إِلَى الْجَوْرِ. "قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ" (كَما قالَ إشعياء). ولا يُمْكِنُ بأيِّ حالٍ مِنَ الأحوالِ أنْ يَحْتَمِلَ اللهُ الكُليُّ القَداسَةِ في حَضْرَتِهِ عَلاقَةً بِبَشَرٍ أَشرار، وغير مُقَدَّسين، وَخُطاة. فإنْ أردنا أنْ نَتمتَّعَ بـِأيَّة عَلاقة باللهِ، وإنْ أردنا أنْ نَحْصُلَ على أيَّة بَرَكة روحيَّة، فإنَّ الأمرَ يَبتدئُ بِطَلَبِ الغُفران. وسوفَ تُلاحِظونَ في العدد 12 أنَّ الكَلِمَة "غُفران" تَرِدُ مَرَّتَيْن. وفي العدد 14، تَرِدُ الكلمة "غُفران" مَرَّتَيْن. وفي العدد 15، تَرِدُ الكلمة "غُفران" مَرَّتين أيضًا. فَفِكرةُ وَموضوعُ غُفرانِ الخطايا يُذْكَرُ سِتَّ مَرَّاتٍ.
والآن، تَذَكَّروا (كَما تَعَلَّمْنا) أنَّ هذهِ الصَّلاةَ هي في الأصلِ تُرَكِّزُ على الله. فهي صلاةٌ تَرمي إلى تَمجيدِ الله. وهي تَبتدئُ بأُبوَّةِ اللهِ: "أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ"، ثُمَّ بِأولويَّةِ اللهِ: "لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ"، ثُمَّ هُناكَ بَرنامَجُ اللهِ: "لِيَأتِ مَلَكُوتُكَ". ثُمَّ هُناكَ قَصْدُ اللهِ: "لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ". ثُمَّ هُناكَ سَدُّ اللهِ لاحتياجاتِنا: "خُبْزَنَا كَفَافَـنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ". والآن، هُناكَ غُفرانُ اللهِ: "وَاغْفِرْ لَــنَا ذُنُوبَنَا". ثُمَّ هُناكَ حِمايةُ اللهِ لنا: "وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ"، وأخيرًا هُناكَ سُمُوُّ اللهِ: "لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ". فهي كُلُّها تُرَكِّزُ على الله. ونأتي الآنَ إلى مَوضوعِ غُفرانِ اللهِ لِخَطايانا.
فطبيعةُ الصَّلاةِ، يا أحبَّائي، والآن لاحِظوا ما سأقول: هي أنَّها إقرارٌ مِنَّا باتِّكالِنا الكامِلِ على الله. فنحنُ لن نَحْصُلَ على خُبْزِنا اليوميِّ مِنْ دونِ اللهِ. ونحنُ لن نَحصُلَ على الغُفرانِ مِنَ الخطيَّةِ مِنْ دونِ اللهِ. ونحنُ لن نَحْصُلَ على الإرشادِ والهِدايَةِ في حَياتِنا مِنْ دونِ اللهِ. لِذا فإنَّ لَهُ الْمُلْك وَالْقُوَّة وَالمَجْد في المَلكوت. فَنحنُ نُرَكِّزُ على الله.
لِذا فإنَّنا نأتي في العدد 12 مِنْ صَلاتِنا، بِصورة اعتياديَّة، إلى التَّحَدُّثِ إلى اللهِ عن موضوعِ غُفرانِ الخطيَّة. والآن، هناكَ أربعة مَبادئ أريدُ أنْ أُعَلِّمَكُم إيَّاها في هذا الصَّباحِ. وسوفَ نَتحدَّث عن أربعِ كَلِمات. وسوفَ نَذْكُرُ الكلمتَيْنِ الأولى والثَّانية اليوم. وفي الأسبوعِ القادِمِ سَنُتابِعُ الحَديثَ عنِ البقيَّة. ولكِنْ هناكَ أربعة مبادئ تُجَسِّدُ هذهِ الكلماتِ الأربَع. وأودُّ أنْ أَذكُرَ لَكُم المبادئ، ثُمَّ سَنَذكُرُ الكلماتِ ونَنظر إليها تَحديدًا:
المَبدأُ الأوَّل. فَهُناكَ أربعة مبادئ أَرَى أنَّها وَثيقةُ الصِّلةِ بهذا النَّصِّ. المَبدأُ الأوَّل: الخطيَّةُ تَجْعَلُ الإنسانَ مُذْنِبًا وَتَجْلِبُ عليهِ الدَّينونة. الخطيَّةُ تَجْعَلُ الإنسانَ مُذْنِبًا وَتَجْلِبُ عليهِ الدَّينونة. وهذا مَبدأُ رَئيسيٌّ جدًّا. وأعتقد أنَّ أيَّ مُؤمِنٍ مِنَّا أو أيَّ شخصٍ يَعْرِفُ ما تُعَلِّمُهُ كلمةُ اللهِ أصلاً يَعْلَمُ أنَّ هذا صَحيح. فالخطيَّةُ تَجعَلُنا مُذْنِبينَ وتَجْلِبُ علينا الدَّينونة. وهذه هي النُّقطة الجوهريَّة. أليسَ كذلك؟ فهذهِ هي مُعْضِلَةُ الإنسانِ. فالإنسانُ خاطئٌ وهذهِ هي مُشكِلَتُه. والكِتابُ المُقَدَّسُ يَقول إنَّ الخطيَّة هي التَّعَدِّي. الخطيَّة هي التَّعَدِّي. فهي كَسْرٌ لِناموسِ اللهِ. وهي تَعَدِّي على مِعْيارِ اللهِ. والكتابُ المقدَّسُ يَقولُ ذلك في رسالة يوحنَّا الأولى 3: 4. فالخطيَّة هي التَّعَدِّي. ونَقرأُ في رسالة رُومية 3: 19 أنَّنا "تَحْتَ قِصَاصٍ مِنَ اللهِ". فنحنُ نَكْسِرُ شَرائِعَهُ وَنَصيرُ مُذْنِبين. ثُمَّ نَقرأُ في رسالة رُومية والأصحاحِ السَّادِس إنَّهُ لأنَّنا مُذْنِبون، فإنَّ "أُجْرَةَ الخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ"، أوْ إنَّ العِقابَ أوِ القَصاصَ هُوَ الموت. لِذا فإنَّ الإنسانَ خاطئٌ لأنَّهُ مُتَعَدٍّ. فَهُوَ يَكْسِرُ شَرائِعَ اللهِ. وبِسَبَبِ كَسْرِهِ لِشرائِعِ اللهِ فإنَّهُ يَصيرُ مُذْنِبًا. وأُجرةُ الخطيَّةِ هي مَوت. لِذا فإنَّ الخطيَّة تَجعَلُنا مُذنِبينَ وتَجْلِبُ علينا الدَّينونة. وكُلُّ النَّاسِ على كُلِّ وَجْهِ الأرضِ يَقِفونَ مُدانينَ أمامَ اللهِ بسببِ خَطاياهُم.
المَبدأُ الثَّاني، وَهُوَ بَسيطٌ جدًّا، ولكنِّي أريدُ منكم أنْ تَفهموه: الغُفرانُ مُقَدَّمٌ مِنْ قِبَلِ اللهِ على أساسِ موتِ المسيح. الغُفرانُ مُقَدَّمٌ مِنْ قِبَلِ اللهِ على أساسِ موتِ المسيح. فهذا هو المبدأُ البسيطُ الثَّاني الَّذي ينبغي أنْ تَفهموهُ لكي تَفهموا هذا النَّصَّ الكِتابِيَّ. فاللهُ إلَهٌ قُدُّوسٌ. واللهُ يَرى إنسانًا خاطئًا، أوِ امرأةً خاطئةً، أوْ مُجتمعًا خاطئًا. ولكِنَّ اللهَ رَحيمٌ أيضًا، ومُحِبٌّ، وإلَهٌ غَفور. لِذا فإنَّ الغُفرانَ مُقَدَّمٌ إلى الإنسانِ الخاطئ. فَمَعَ أنَّهُ مُذْنِبٌ وَيَسْتَحِقُّ الدَّينونة، فإنَّ اللهَ إلَهٌ غَفور. والكتابُ المقدَّسُ يَقولُ إنَّهُ لا يَعودُ يَذْكُرُ خَطايانا في ما بَعْد. فهو سَيَدوسُ آثَامَنَا وَيَطْرَحُها فِي أَعْمَاقِ البَحْر. وَهُوَ سَيُبْعِدُها كَبُعْدِ المَشْرِقِ عَنِ المَغْرِب. وفي كُلِّ الأنبياءِ والرُّسُلِ في الكتابِ المقدَّسِ، هُناكَ هذا الوَعْدُ الدَّائِمُ بأنَّ اللهَ هُوَ إلَهٌ غَفور. وَهُوَ يُريدُ أنْ يَغْفِرَ لَنا خَطايانا.
ولكِنَّهُ لا يَستطيعُ أنْ يَفعلَ ذلكَ وَحَسْب! فيجبُ عليهِ أنْ يَحْمِلَ عُقوبةَ خطايانا وأنْ يَدْفَعَها بِكُلِّ مِلْئِها. لماذا؟ لأنَّ اللهَ العَادِلَ والبارَّ والقُدُّوسَ لا يَستطيعُ أنْ يَغْفِرَ الخطيَّةَ ما لَمْ تُدْفَعَ أُجرةُ الخطيَّة. أَتَرَوْن؟ لِذا فقد أَخَذَ المَسيحُ مَكانَنا. والغُفرانُ مُقَدَّمٌ مِنَ اللهِ على أساسِ مَوتِ المسيح.
المَبدأُ الثَّالث: الاعْترافُ بالخطيَّة لازِمٌ للحُصولِ على ذلكَ الغُفرانِ مِنَ الله. الاعْترافُ بالخطيَّة لازِمٌ للحُصولِ على ذلكَ الغُفرانِ مِنَ الله. فالغُفرانُ مُتاحٌ. والأُجْرَةُ دُفِعَتْ. والاسترضاءُ أوِ الكَفَّارةُ قد تَمَّتْ. وَإرْضاءُ اللهِ قد تَحَقَّق. وَكُلُّ ما تَبَقَّى هُوَ قَبولُ العَطِيَّة. وأساسُ ذلكَ القَبول هُوَ الاعترافُ بالخطيَّة. وَقد عَبَّرَ بُولسُ عن ذلكَ في سِفْر أعمالِ الرُّسُل والأصحاح 20 فقالَ إنَّ "التَّوْبَةَ إِلَى اللهِ وَالإِيمَانَ الَّذِي بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ يُؤدِّيان إلى الخَلاص". لِذا، لا بُدَّ أنْ يكونَ هُناكَ اعترافٌ بالخطيَّة. والحقيقةُ هي أنَّنا نَقرأُ في رسالةِ يُوحنَّا الأولى 1: 9 إنَّ الأشخاصَ الَّذينَ يَعتَرِفونَ بخطاياهُم هُمُ الأشخاصُ الَّذينَ يُبَرْهِنونَ على أنَّهم نَالوا الغُفران. بعبارة أخرى، فإنَّ الاعترافَ بالخطيَّة هو إعلانٌ ضَروريٌّ للغُفران. وَهُوَ جُزءٌ لا يَتجزَّأُ مِنْ ذلك.
فحينَ تأتي إلى اللهِ فإنَّكَ تأتي إليهِ بِوَصفِكَ خاطئًا. فلا يوجد إنسانٌ حَصَلَ يومًا على الخَلاصِ مِنْ دُوْن أنْ يَتوب عنِ الخطيَّة. وفي التَّطويباتِ، يَقولُ رَبُّنا: إنْ أردتَ أنْ تَدخُلَ مَلكوتي اللهِ، يجب عليكَ أنْ تَدخُلَ مَلكوتي بالطَّريقةِ التَّالية: أوَّلاً، يجب عليكَ أنْ تَعْتَرِفَ بأنَّكَ مِسْكينٌ بالرُّوح. فأنتَ بَائِسٌ وفَقيرٌ وَبِلا أيَّة مَوارِد مُتاحة لَكَ. وفي وَسْطِ بَالوعَةِ خَطاياكَ، وخَطيئَتِكَ المُريعةِ، وَمَلابِسِكَ الرَّثَّةِ، فإنَّكَ تَصْرُخُ وَتَنوحُ على خَطاياكَ، وتَتواضَعُ أمامَ اللهِ القُدُّوسِ، وتَجوعُ وَتَعْطَشُ للبِرِّ، وتَتوسَّلُ إليهِ كَيْ يَرْحَمَكَ. وعلى هذا الأساسِ فإنَّ اللهَ يَقْبَلُكَ.
وفي إنجيل لوقا والأصحاح 18، نَقرأُ أنَّ فَرِّيسيًّا جاءَ إلى الهَيْكَلِ وَقال: "اَللّهُمَّ أَنَا أَشْكُرُكَ أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي النَّاسِ الْخَاطِفِينَ الظَّالِمِينَ الزُّنَاةِ، وَلاَ مِثْلَ هذَا الْعَشَّارِ. أَصُومُ مَرَّتَيْنِ فِي الأُسْبُوعِ، وَأُعَشِّرُ كُلَّ مَا أَقْتَنِيهِ. إلخ، إلخ. وَأَمَّا الْعَشَّارُ فَوَقَفَ مِنْ بَعِيدٍ، لاَ يَشَاءُ أَنْ يَرْفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ، بَلْ قَرَعَ عَلَى صَدْرِهِ قَائِلاً: اللّهُمَّ ارْحَمْنِي، أَنَا الْخَاطِئَ". وقد قالَ يَسوعُ: أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هذَا نَزَلَ إِلَى بَيْتِهِ مُبَرَّرًا دُونَ ذَاكَ". لِماذا؟ لأنَّ واحِدًا مِنْهُما رَفَضَ أنْ يُقِرَّ بأنَّهُ خاطئ، في حين أنَّ الآخَرَ أَقَرَّ بذلك. لِذا، مِنْ أجْلِ الحُصولِ على الغُفرانِ، مِنَ الضَّروريِّ أنْ تَعترِفَ بخطيئَتِك. واللهُ يَتوقُ وَيَرْغَبُ في أنْ يَغْفِرَ لِلشَّخصِ الَّذي يَعْتَرِف بخطيئَتِه. فإنِ اعْتَرَفْنا بخطايانا، فَهُوَ أمينٌ وعادِلٌ حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْم.
وهُناكَ مَبدأٌ رابِعٌ. وهذا المَبدأُ هُوَ الضَّربةُ القاضيةُ في هذا النَّصِّ. وَهُوَ المَبدأُ الَّذي يُشَوِّشُ أغلبيَّةَ النَّاسِ. رابعًا: مُسامَحَتُنا بَعْضُنا لِبَعْض هِيَ أساسُ حُصولِنا على الغُفرانِ لأنفُسِنا. مُسامَحَتُنا بَعْضُنا لِبَعْض هِيَ أساسُ حُصولِنا على الغُفرانِ لأنفُسِنا. وغالبًا جِدًّا، عندما يَقرأُ النَّاسُ هذهِ الآياتِ، ولا سِيَّما العَدَدَيْن 14 و 15 (أيْ أنَّنا لن نَنالَ الغُفرانَ إلَّا إنْ غَفَرْنا للآخرين)، فإنَّهم يَتَشَوَّشونَ لأنَّهُ يبدو كأنَّ الغُفرانَ مِنَ اللهِ يَتطلَّبُ أنْ نَغفِرَ لشخصٍ آخر. وَهُمْ يَفترِضونَ حينئذٍ أنَّهُ ينبغي أنْ نَبتدئَ بالغُفران للآخرينَ قبلَ أنْ نَنالَ الخَلاص. وهُناكَ أشخاصٌ كثيرونَ يَقولون: "نحنُ لا نَفهم ذلك! هل تَعني أنَّني لن أنالَ الغُفرانَ مِنَ اللهِ إلَّا إنْ غَفَرْتُ لشخصٍ آخر؟ وكيفَ يُمْكِنُني أنْ أَغفِرَ لشخصٍ آخر إنْ لم أَكُنْ حَتَّى مَسيحيًّا؟" أيْ: كيفَ يُمكنُني أنْ أفعلَ أيَّ صَلاحٍ قبلَ أنْ أَحْصُلَ على طَبيعةٍ بارَّة؟ فهذا هو السُّؤال. ولكِنَّ ذلكَ السُّؤالَ يَفْتَرِضُ مُسَبَّقًا شيئًا خاطِئًا وفِكرةً مَغلوطةً مِنَ العَدَدَيْن 14 و 15. وأرجو أنْ تَبْقَوْا مَعَنا في هذا الصَّباحِ إذْ إنَّنا سنُجيبُ عن هذهِ النُّقطة.
والآن، لقد ذَكَرْتُ لكم أربعةَ مَبادئ. أليسَ كذلك؟ وأرجو أنْ تَتَذكَّروها. المبدأُ الأوَّل: الخطيَّة تَجعلُ البَشَرَ مُذْنِبينَ وَتَجْلِبُ عليهم الدَّينونة. المبدأُ الثَّاني: الغُفرانُ مُقَدَّمٌ مِنَ اللهِ على أساسِ مَوتِ المسيح. المبدأُ الثالث: الاعترافُ بالخطيَّة لازِمٌ للحُصولِ على الغُفرانِ المُتاحِ مِنَ الله. رابعًا: مُسامَحَتُنا بَعضُنا لِبَعض لازِمٌ إنْ أردنا أنْ يُغْفَرَ لنا.
والآنْ، لنَنظُر إلى أربَعِ كلماتٍ بناءً على هذهِ المبادئِ الأربعة. المَبدأُ الأوَّلُ هو أنَّ الخطيَّة تَجْعَلُنا مُذْنِبين. والثَّاني هو أنَّ الغُفرانَ مُقَدَّمٌ مِنَ اللهِ. ثالثًا: الاعترافُ ضَروريٌّ. رابعًا: مُسامَحَتُنا بعضُنا لِبَعض ضَروريٌّ. وأودُّ أنْ أتحدَّثَ اليومَ وفي المَرَّة القادِمة (ورُبَّما في المَرَّةِ الَّتي تَلي ذلكَ أيضًا) عن الخَطيَّة، والغُفران، والاعتراف، والمُسامَحة لأنَّنا إنْ فَهِمْنا هذهِ الكلماتِ الأربع جَيِّدًا سَنَفْهَمُ المَعنى الكامِنَ وراءَ هذا الجُزءِ المُرْبِكِ في أغلبِ الأحيان.
وَلنبتَدِئ بالكلمة الأولى وَهِيَ: الخطيَّة. "وَاغْفِرْ لَــنَا ذُنُوبَنَا". والعدد 15 يَستخدِمُ الكلمة "زَلَّة" أوْ "زَلاَّت". والآن، اسمعوني: إنَّ كِلا هَاتينِ الكَلِمَتَيْن تَصِفانِ الخطيَّة. فالخطيَّةُ هي المُشكلة. حَسَنًا؟ وَرُبَّما هذا مَذكورٌ في المُخَطَّطِ الَّذي بينَ أيديكُم. فالخطيَّة هي المُشكلة. فهي مُشكلةُ كُلِّ إنسان. فالإنسانُ خاطئٌ. واسمحوا لي أنْ أُريكم قليلاً ما جاءَ في رسالة رُومية والأصحاحِ الثَّالث. وهذا نَصٌّ بَسيطٌ جدًّا، ولكِنَّهُ ضَروريٌّ جدًّا. وسوفَ أَنطَلِقُ مِنْهُ لأقولَ أمورًا أعتقدُ أنَّكُم لم تَسْمَعوها مِنْ قَبْل. رسالة رُومية 3: 10: "كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ لَيْسَ بَارٌّ وَلاَ وَاحِدٌ". والرَّبُّ يُضيفُ الجُزءَ الأخيرَ لأنَّهُ مِنَ المُؤكَّدِ تمامًا أنَّهُ لو أنَّ الآيةَ تَقولُ: "ليسَ بارٌّ" فإنَّ شخصًا سَيَقولُ: "باستثنائي أنا". لِذا فإنَّ الرَّبَّ يَقولُ إنَّهُ "لا يوجدُ أَحَدٌ بارٌّ. لا، وَلا حَتَّى أنْتَ". وَلا واحِد. ونَقرأُ في العدد 12: "الْجَمِيعُ زَاغُوا"؛ أيْ أنَّهُمْ زَاغُوا عَنْ طَريقِ الحَقِّ. "وَفَسَدُوا مَعًا". والكلمة اليونانيَّة تَعني أنَّهُمْ فَسَدُوا كَما يَفْسَدُ الحَليب. "لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا. ولا حَتَّى أنتَ". وَلا أيُّ شخص.
ثُمَّ نَقرأُ في العدد 19: "وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا يَقُولُهُ النَّامُوسُ فَهُوَ يُكَلِّمُ بِهِ الَّذِينَ فِي النَّامُوسِ، لِكَيْ يَسْتَدَّ كُلُّ فَمٍ". بِعبارةٍ أخرى: لَنْ يَتَمَكَّنَ أَحَدٌ مِنَ الدِّفاعِ عن نَفسِه. فلا يُمْكِنُكَ أنْ تَقولَ أيَّ شَيءٍ لِتِبريرِ نَفسِك. "وَيَصِيرَ كُلُّ الْعَالَمِ تَحْتَ قِصَاصٍ مِنَ اللهِ". ثُمَّ نَقرأُ في العدد 23: "إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ". ثُمَّ نَقرأُ في الأصحاحِ الخامِس أنَّ الجَميعَ مَاتوا في آدَمَ وأنَّ الْمَوْتَ اجْتازَ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الجَمِيع".
والنُّقطة الأساسيَّة، يا أحبَّائي، هي الآتية: أنَّ الجَميعَ سَقطوا في الخطيَّة. الجَميع. فالخطيَّة تُفْسِدُ كُلَّ علاقة في إطارِ العلاقاتِ البَشريَّة. والخطيَّة تُحْدِثُ فَوضى كَونيَّة. والخطيَّة تَتَرَصَّدُ بِكُلِّ إنسانٍ وَتُهاجِمُ كُلَّ طِفْلٍ يُوْلَدُ في العالَم. وقد قالَ دَاوُد: "بِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي". والكتابُ المقدَّسُ يُخبِرُنا أنَّ الإثْمَ يَبتدئُ حَتَّى مِنَ اللَّحظةِ الَّتي يُوْلَدُ فيها الإنسان. فالخطيَّةُ مُتَسَلِّطَةٌ في العالَمِ وَتَسُودُ على قَلْبِ كُلِّ إنسان. والخطيَّةُ هيَ السَّيِّدُ الأوَّلُ على النَّفس. فَعَدْوى الخطيَّة تُصيبُ كُلَّ كَائِنٍ حَيٍّ. والخطيَّة هي القُوَّة المُدَمِّرة في الجِنسِ البشريِّ إذْ إنَّها تَجعل الإنسانَ مُعَرَّضًا للمَرَضِ والعَدوى والموتِ وَجَهَنَّم. والخطيَّةُ هي السَّبَبُ وَراءَ كُلِّ زَواجٍ يُهْدَم، وكُلِّ خِلافٍ في المَنزِل، وكُلِّ صَداقة تُهْدَم، وكُلِّ جِدال، وكُلِّ ألم، وكُلِّ حُزْن، وكُلِّ مُعاناةٍ، وكُلِّ موت. فالخطيَّة هي القَاسِمُ المُشْتَرَك.
لِذا، لا عَجَبَ أنَّ الكتابَ المقدَّسَ يَقولُ في سِفْرِ يَشوع 7: 13: "فِي وَسَطِكَ حَرَامٌ". فالخطيَّةُ تُشَبَّهُ بِسُمِّ الأفاعي. وَهِيَ تُشَبَّهُ بِشَوْكَةِ المَوْتِ. وللأسَف، مِنْ وُجْهَةِ نَظَرِ المَوارِدِ البَشريَّة، لا يوجدُ شيءٌ يُمْكِنُنا أنْ نَفْعَلَهُ لإبطالِها. وقد قالَ إرْميا: "هَلْ يُغَيِّرُ الْكُوشِيُّ جِلْدَهُ أَوِ النَّمِرُ رُقَطَهُ؟ فَأَنْتُمْ أَيْضًا تَقْدِرُونَ أَنْ تَصْنَعُوا خَيْرًا أَيُّهَا الْمُتَعَلِّمُونَ الشَّرَّ!" فهذا أَمْرٌ مَيؤوسٌ مِنْهُ. فالخطيَّة تُهَيْمِنُ على الفِكْر. فنحنُ نَقرأُ في رسالة رُومية 1: 21 أنَّ النَّاسَ يَمْلِكونَ ذِهْنًا فاسِدًا مُسْتَسْلِمًا للشَّرِّ والشَّهوة. فالخطيَّةُ تُهَيْمِنُ على الإرادة. ونَقرأُ في سِفْرِ إرْميا والأصحاح 44 إنَّ البَشَرَ يَفعلونَ الشَّرَّ لأنَّ إرادَتَهُم خاضِعَة للخطيَّة. فالخطيَّة تُهيمِنُ على العَواطِفِ وَالمَشاعِر. ونَقرأُ في رسالة يوحنَّا الثَّالثة إنَّ النَّاسَ أَحَبُّوا الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّور. فالذِّهْنُ، والإرادَةُ، والمَشاعرُ، والعَواطِفُ ... كُلُّها تُهَيْمِنُ عليها الخطيَّة.
والخطيَّةُ تَجْعَلُ الإنسانَ تحتَ سُلْطَانِ الشَّيطان. فنحنُ نَقرأُ في رسالة أفسُس والأصحاحِ الثَّاني أنَّ النَّاسَ يَسْلُكونَ "حَسَبَ رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ، الرُّوحِ الَّذِي يَعْمَلُ الآنَ فِي أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ". والخطيَّةُ تَجعلُ النَّاسَ تحتَ الغَضَبِ الإلهيِّ فَيَصيرونَ أولادَ الغَضَبِ (كما جاءَ في رسالة أفسُس 2: 3)، وَتَحْتَ الدَّينونةِ الإلهيَّة. والخطيَّةُ تَجعلُ حَياةَ الإنسانِ بَائِسَة جدًّا. فأيُّوبُ يَقولُ في الأصحاحِ الخامِسِ والعَددِ السَّابِعِ: "وَلكِنَّ الإِنْسَانَ مَوْلُودٌ لِلْمَشَقَّةِ كَمَا أَنَّ الْجَوَارِحَ لارْتِفَاعِ الْجَنَاحِ". ونَقرأُ في سِفْر إشعياء 57: 21: "لاَ سَلاَمَ، قَالَ الرَّبُّ لِلأَشْرَار". ونَقرأُ في رسالة رُومية 8: 20: "إِذْ أُخْضِعَتِ الْخَلِيقَةُ لِلْبُطْلِ".
لِذا فإنَّ حَياةَ الإنسانِ بِأسْرِها مُلَطَّخة وَمُلَوَّثَة بالخطيَّة. والخَمسونَ مَليونِ شَخْصٍ الَّذينَ يَموتونَ كُلَّ سنة يُواجِهونَ العُقوبة المَحتومة للخطيَّة. لِذا فإنَّ الإنسانَ في مُشكلة عَويصة جدًّا. فالخطيَّة هي مُشكِلَتُه! وهي مُشكلةٌ أَعْوَصُ مِنْ حَاجَتِهِ إلى الخُبْزِ أوْ أيِّ شيءٍ آخر. لِذا فإنَّ رَبَّنا يَقولُ: "حينَ تُصَلُّونَ، يجب أنْ تُصَلُّوا رَابِطينَ صَلاتَكُمْ بِطبيعَتِكُم الخاطئة. فيجب أنْ تَعْتَرِفوا بها أمامَ اللهِ لأنَّها أَعْمَقُ احْتياجٍ لَديكُم. ويجب أنْ تُعالَج". أَتَرَوْن؟ لِذا، حينَ نَرْفَعُ صَلواتِنا، يجب أنْ تَشْمَلَ صَلواتُنا الاعترافَ بِخطيئَتِنا. فهذا هُوَ ما يَقولُهُ.
والآن، سوفَ تُلاحِظونَ في العَدَد 12 الكلمة "ذَنْب" (أوْ دَيْن). وسوفَ تُلاحِظونَ في العَدَدَيْن 14 و 15 الكلمة "زَلاَّت" أوْ "زَلَّة". واسمحوا لي أنْ أُريكُم شيئًا. فهُناكَ خَمْسُ كلماتٍ في العهدِ الجديدِ تُتَرْجَم "خطيَّة". وإليكُم هذا الدَّرْس الصَّغير عن هذهِ الكلمة. وسوفَ أُضْطَرُّ إلى التَّكَلُّمِ بِسُرعة كبيرة. لِذا، رَكِّزوا مَعي. الكلمةُ الأولى هي "هَامَارْتِيا" (hamartia). ولا حَاجَةَ إلى كِتابَتِها. أمَّا بالنِّسبة إلى الأشخاصِ الَّذينَ يَعرِفونَ اليونانيَّة مِنْكُم فإنَّكُم تَفهمونَ ذلك. فالكلمة "هَامَارْتِيَا" مُستخدمَة أكثر مِن أيِّ كلمة أخرى في العهدِ الجديدِ للإشارة إلى الخطيَّة. وهي تَعني: "إخْطاء الهَدف". فهي كَلِمَة يَسْتَخْدِمُها رَامي السِّهام. فأنتَ تُطْلِقُ سَهْمًا وتُخطئُ الهَدف. والفِكرة عَامَّةً هي أنَّكَ تُخطئُ الهَدَفَ لأنَّ سِهامَكَ لا تَصِلُ إليه. "إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ". فالجَميعُ مُذْنِبونَ إذْ إنَّهم "هَامَارْتِيَا" وَأَعْوَزَهُم". فَمَهْما حاولتَ أنْ تُطْلِقَ السَّهْمَ إلى مَسافةٍ أبعَد، فإنَّهُ لَنْ يَبْلُغَ الهَدفَ يومًا. فَكَما تَعلمونَ، فإنَّ سِهامَ بَعْضِ الرُّماةِ تَصِلُ إلى مَسافَةٍ أكثر مِنْ غَيْرِهم، ولكِنَّ الجَميعَ يَعْجَزونَ عَنْ إصابَةِ الهَدف. والأمرُ يُشْبِهُ القَفْزَ إلى جَزيرة "كاتالينا" (Catalina). فكما تَعلمونَ، يُمْكِنُكم أنْ تُحضِروا ألفَ شخصٍ وأنْ يُحاولَ كُلٌّ مِنهُم أنْ يَقفِزَ إلى أبعدِ مَسافَةٍ مِنْ شاطِئِ "سانتا مونيكا" (Santa Monica) إلى "كاتالينا". ومَعَ أنَّ النَّاسَ قَدْ يَقْفِزونَ إلى مَسافاتٍ مُختلِفة، فإنَّه أحدًا منهم لم يتمكَّنَ مِنْ بُلوغِ جَزيرة كاتالينا.
لِذا، هناكَ مُستويات مُختلِفة في كيفيَّةِ مُعالجةِ المُشكلة؛ ولكِنَّ سِهامَ الجَميعِ لن تَبْلُغَ الهَدف. فنحنُ نُخطئُ الهَدف لأنَّهُ ما هو الهَدف؟ نَقرأُ في إنجيل مَتَّى 5: 48 أنَّ رَبَّنا قالَ في جُزءٍ سابِقٍ مِنَ العِظَةِ (أيِ العِظَةِ على الجَبل): "فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ". فحينَ تَصيرُ مِثْلَ اللهِ تَكونُ قد أَصَبْتَ الهَدف. أمَّا إنْ لم تَصِرْ مِثْلَهُ، فإنَّكَ لم تُصِبْ الهَدف. وأهلاً بِكُم في شَرِكَةِ الأشخاصِ الَّذينَ أَخطأوا الهَدف. فقد أخطأنا الهَدف. وهذهِ هي الكلمة الأولى الَّتي تُتَرْجَم "خَطِيَّة".
أمَّا الكلمة الثَّانية فهي "باراباسيس" (parabasis). وهي تَعني بِصورة رئيسيَّة: "يَتجاوَز الحُدود". فاللهُ رَسَمَ خَطًّا بينَ الصَّوابِ والخطأ. وعندما تُخطئُ فإنَّكَ تَتجاوَزُ الخَطَّ. فكأنَّكَ تَذهبُ إلى مَكانٍ مَا وتَرى لافِتَةً صَغيرةً تَقول: "ابْتَعِد عَنِ العُشْب"، ولكِنْ هُناكَ شيءٌ في داخِلِكَ يَجْعَلُكَ تَرغَبُ في أنْ تَدوسَ عَليهِ هَكذا. فهناكَ شيءٌ في طبيعَتِنا يَجْعَلُنا نَرْغَبُ في تَجاوُزِ الحُدود. لِذا فإنَّ الخطيَّة تَعني أنْ نَتَجاوَزَ الحُدودَ المَرسومة لنا بينَ الصَّوابِ والخطأ. وهي تَعني أنْ نَفعلَ شيئًا نَهانا اللهُ عَنْهُ سَواءَ في الفِكْرِ أوِ الكَلامِ أوِ العَمل.
ثالثًا، هُناكَ الكلمة "أَنُوميا" (anomia)، وهي مُشتقَّة مِنَ الكلمة "نوموس" (nomos)؛ وهي كلمة قانونيَّة في اللُّغة اليونانيَّة. وهي تُشيرُ إلى التَّعَدِّي (كما ذَكَرْتُ سابقًا). وهي تُشيرُ إلى التَّعَدِّي السَّافِرِ على شَريعةِ اللهِ، وإلى التَّمَرُّدِ على الله. وسوفَ تُلاحِظونَ تَدَرُّجًا في هذهِ الكلمات. فالكلمة "هامارتيا" (الَّتي تَعني إخْطاء الهَدَف) تُشيرُ بصورة رئيسيَّة إلى عَدَمِ القُدرةِ؛ أيْ إلى طَبيعَتِنا. فنحنُ عاجِزونَ وَحَسْب عن إصابَةِ الهَدف. ونَحْنُ مُقَصِّرونَ وَحَسْب. فهي تَتَحَدَّثُ عَنْ عَدَمِ قُدرَتِنا الطَّبيعيَّة.
والكلمة الثَّانية (باراباسيس) تَنْطَوي على فِكرةِ أنَّنا نَتَخَطَّى الحُدودَ المَرسومة. فكأنَّنا لا تَستطيعُ أنْ نَمْنَعَ أنْفُسَنا مِنَ الذَّهابِ إلى المَنْطِقَةِ المَحظورة. ويبدو أنَّ هذهِ الكلمة تُشيرُ إلى التَّعَدِّي أكثرَ مِنَ الكلمة "هامارتيا" الَّتي تُشيرُ إلى عَدَمِ قُدرَتِنا، وإلى عَجْزِنا، وإلى إخفاقِنا في إصابةِ الهَدف. فالكلمة "باراباسيس" تُشيرُ أكثر إلى رَغْبَتِنا الشَّخصيَّة، وتُشيرُ أكثر إلى شيءٍ نُخَطِّطُ لَهُ وَنَتَعَّمَدُ القِيامَ بِهِ. ولكِنْ حينَ نأتي إلى الكلمة "أنوميا" فإنَّها تُشيرُ إلى تَمَرُّدٍ وَاضِحٍ وَسافِرٍ على الله. لِذا، يُمْكِنُكُم أنْ تَرَوْا تَدَرُّجًا صَغيرًا في هذهِ الكلمات.
فنحنُ هُنا أمامَ إنسانٍ يُريدُ أنْ يَسيرَ بِعَكْسِ التَّعليمات. ونحنُ هُنا أمامَ إنسانٍ لا يُريدُ أنْ يَتَدَخَّلَ اللهُ في أيِّ شَأنٍ مِنْ شُؤونِ حَياتِه. فَهُوَ يُريدُ أنْ يَخْرُجَ وَيَفعلَ ما يُريد. وأنا أُفَكِّرُ دائمًا في الجُنديِّ العَجوز في قَصيدة "مينديليه" (Mandalay) الَّتي كَتَبَها "كِبلينغ" (Kipling) إذْ قال: "خُذوني إلى مَكانٍ ما شَرْقَ السُّوَيْس حيثُ يَكونُ الأفضلُ والأسوأُ سِيَّان، وحيثُ لا توجد وَصايا عَشْر، وحيثُ يَستطيعُ المَرءُ أنْ يَفعلَ مَا يَشاء". وما أعنيه هو أنَّهُ لم يَكُنْ يُريدُ أنْ يَنْصاعَ إلى مَعاييرِ اللهِ. لِذا فقد تَمَرَّدَ كَثيرًا وأَظْهَرَ رَدَّ فِعْلٍ عَنيف.
لِذا فإنَّكم تَرَوْنَ التَّدَرُّجِ في الحِدَّة في هذهِ الكلماتِ مَعَ أنَّ الخطيَّة موجودة في كُلِّ هذهِ المُصطلحات. ولكِنَّنا نأتي إلى الكلمَتَيْن المُستخدَمَتَيْن هُنا: الأولى مَذكورة في العدد 14 و 15، وهي الكلمة "ذَنْب" ("بارابتوما" – “paraptoma”). وهي تَعني: "يَتَعَثَّر" أو "يَسْقُط". ومَرَّةً أخرى، فإنَّها تُشْبِهُ الكلمة "هامارتيا". فيبدو أنَّها تُرَكِّزُ على عَدَمِ قُدرَتِنا. فنحنُ نَتَعَثَّرُ وَحَسْب. وما أعنيه هو أنَّنا نَسقُط. فنحنُ نَقرأُ في رسالة غلاطيَّة 6: 1: "أَيُّهَا الإِخْوَةُ، إِنِ انْسَبَقَ إِنْسَانٌ فَأُخِذَ فِي زَلَّةٍ مَا، فَأَصْلِحُوا أَنْتُمُ الرُّوحَانِيِّينَ مِثْلَ هذَا بِرُوحِ الْوَدَاعَةِ". فأنتَ عَاجِزٌ عن مَنْعِ نَفسِكَ مِنَ الزَّلَل. فَعاجِلاً أَمْ آجِلاً، سوفَ تَتَعَثَّرُ بِخَطِيَّةٍ ما. فأنتَ تَنْجَرِفُ وَراءَ الخطيَّة. والفِكرة مِنَ الكلمة "بارابتوما" هي شَغَفُ اللَّحْظَة، أوِ الشَّهْوَةُ اللَّحظيَّة، أوْ فُقدانُ السَّيطرةِ في اللَّحظةِ الَّتي تَنْساقُ فيها وراءَ الخطيَّة. فهذا هو مَعنى الكلمة "بارابتوما". وهي كَلِمة أخرى تَعني: "خَطِيَّة". ورُبَّما لا تَكونُ هذه الكلمة قويَّة مِثْلَ "باراباسيس" أو "أنوميا".
وأخيرًا، نأتي إلى الكلمة المذكورة في العدد 12 وهي الكلمة "ذَنْب" أوْ "دَيْن" ("أوفيليما" – “opheilema”) ... "أوفيليما". وهي كلمة مُدهشة جدًّا جدًّا. وهي تُستخدَمُ فقط هُنا، وأعتقد في رُومية 4. فَهُما المَرَّتانِ الوَحيدتانِ الَّتي تُستخدَمُ فيها بصيغةِ الاسْم. أمَّا صيغةُ الفِعْلِ مِنْها فقدِ استُخْدِمَتْ مَرَّاتٍ عديدة. وهي كلمة ليست مألوفة جدًّا لنا بِمَعنى "خَطيَّة". ولكِنِّي سأُخبركم شيئًا مُدهشًا جدًّا. فَصيغَةُ الفِعْلِ مِنْها مُستخدمة ثلاثينَ مَرَّة. فَهِيَ تُسْتَخْدَمُ خَمْسًا وَعِشرينَ بالمَعنى الأخلاقيِّ. وَهِيَ تَعني أنْ تَكونَ مَدينًا. وَهي مُسْتَخْدَمَة خَمْسَ مَرَّاتٍ في العهد الجديد بِمَعنى الدَّيْن المَالِيّ، وخَمسًا وعِشرينَ مَرَّة بِمَعنى الدَّيْنِ الأخلاقيّ. والفِكرة هي أنَّ الخطيَّة دَيْنٌ؟ فحينَ تُخطِئ، فإنَّكَ تَدينُ للهِ بِعَواقِبِ خَطيئَتِك. وأنتَ تَصيرُ مُطالَبًا بذلكَ الدَّيْن. فقد تَعَدَّيْتَ على قَداسَتِه. وأنتَ تَدينُ لَهُ بِذلك. وهذا يُشْبِهُ أنْ تَقولَ لأولادِكَ: "إنْ فَعَلْتُمْ كَذا سَتُعاقَبونَ بِصَفْعَة واحدة. وإنْ كَرَّرْتُم ذلكَ سَتُعاقَبونَ بِصَفْعَتَيْن". وَهُمْ يَستمرُّونَ في فِعْلِها وَتَكرارِ ذلكَ فَيُراكِمونَ على أنفُسِهِم العَديدَ مِنَ الصَّفْعات. وهكذا فإنَّهُمْ يَصيرونَ مَديونينَ بِدَيْنٍ يَنبغي لَهُمْ أنْ يَدفعوه.
وَبِمَعْنى مِنَ المَعاني، هذا هو ما يَقولُهُ اللهُ؛ أيْ إنَّ الخطيَّة تَصيرُ دَيْنًا. فحينَ تَخالِفُ قَداسَةَ اللهِ، فإنَّ دَيْنَكَ يُسَجَّلُ عَليكَ. وبالمُناسبة، في نِهايةِ الدَّهْرِ (كَما جاءَ في سِفْرِ الرُّؤيا)، عندَ العَرْشِ الأبيضِ العَظيمِ في وقتِ الدَّينونة، سوفَ يَدينُ اللهُ غيرَ المُؤمِنينَ بحسبِ الكُتُبِ. هل قَرأتُم ذلك؟ أيُّ كُتُبٍ؟ الكُتُبُ الَّتي دُوِّنَتْ فيها الدُّيونُ الَّتي يَدينونَ بها. وَسوفَ يُحْكَمُ عليهم بِجَهَنَّم الأبديَّة كَيْ يَدْفَعوا ذلكَ الدَّيْن.
أَتَرَوْن؟ فالخطيَّةُ دَيْنٌ. ورُبَّما يَهُمُّكُمْ أنْ تَعلَموا أنَّهُ في وَسْطِ اليَهودِ وَمُعَلِّمي اليهودِ في زَمَنِ مَتَّى، كانت الكلمة الأكثرُ شُيوعًا للخطيَّة هي الكلمة "كوبا" (koba)؛ وهي كلمة آراميَّة. وقد كانوا يَتكلَّمونَ الآراميَّة في حَياتِهم اليوميَّة، وليسَ اليونانيَّة الَّتي كانت لُغَة الكِتابة. لِذا فقد كانت الكلمة "كوبا" هي الكلمة الأكثر شُيوعًا لدى اليهودِ للإشارة إلى الخطيَّة. والكلمة "كوبا" تَعني "دَيْن" لأنَّ المَسؤوليَّة الأساسيَّة في حياةِ الإنسانِ اليهودِيِّ هي أنْ يُطيعَ اللهَ. وعندما تَعْصِي اللهَ فإنَّكَ تَدينُ لَهُ بِدَيْنٍ بسببِ عِصيانِكَ. لِذا فقد كانَ اليَهودُ يُفَكِّرونَ مِنْ هذا المُنْطَلَق. وعندما تَفتحونَ إنجيلَ لوقا وتَقرأونَ عَنْ صَلاةِ التَّلاميذ، فإنَّ لوقا لا يَقول: "اغْفِرْ لنا دُيونَنا"، بل يَقول: "اغْفِر لنا ذُنوبَنا" أوْ "خَطايانا" لأنَّهُ يَتحدَّثُ بطريقة كلاسيكيَّة إلى حَدٍّ كبير. أمَّا هُنا، فإنَّ مَتَّى (الَّذي كانَ يُخاطِبُ اليهودَ) فإنَّهُ يُرَكِّزُ على هذهِ الفِكرةِ المُختصَّةِ بالدَّيْن لأنَّهُ يَعلمُ أنَّ قُرَّاءَهُ اليهودَ سَيَفهمونَ ذلكَ حَالاً. فنحنُ نَدينُ بِدَيْن. لِذا فإنَّ الخطيَّة هي دَيْنٌ نَدينُ بِهِ للهِ. لِذا فإنَّها تُلَخِّصُ كُلَّ ما ذَكَرْناه. فَالكلماتُ الخَمْسُ جَميعُها تُصَنِّفُ الخَطِيَّةَ وَتُبَوِّبُها.
ويَقول "آرثر بِنْك" (Arthur Pink): "حيثُ إنَّ الخطيَّة تُنَافي قَداسَةَ اللهِ، فإنَّ الخطيَّة تُنَجِّسُنا، وَتُخْزينا، وتَجْلِبُ العَارَ عَلينا. وحيثُ إنَّها تَتَعَدَّى على نَاموسِه، فإنَّها جَريمة. وَمِنْ جِهَةِ الذَّنْبِ الَّذي نَشْعُرُ بِهِ بِسَبَبِها، فإنَّها دَيْن. فَبِصِفَتِنا مَخلوقاتٍ، فإنَّنا نَدينُ بِدَيْنِ الطَّاعَةِ لِخَالِقِنا وَسَيِّدِنا. ولأنَّنا نُخْفِقُ في سَدادِ الدَّيْنِ الَّذي عَلينا بسببِ عِصْيانِنا، فإنَّنا نُراكِمُ على أنفُسِنا دَيْنَ الدَّينونة. وَهَذا هُوَ مَا يَجْعَلُنا نَطْلُبُ الغُفرانَ الإلهيَّ". بعبارة أخرى، نحنُ نَدينُ بهذا الدَّيْنِ الهائِل للهِ بسببِ خَطيَّتِنا المستمرَّة. ونحنُ عَاجِزونَ عَنْ سَدادِه. هل تَعلمونَ ذلك؟ فنحنُ سَنَبقى عاجِزينَ عَنْ سَدادِ ذلكَ الدَّيْن. وهذا يُشْبِهُ العَبْدَ غَيْر الأمينِ الَّذي كانَ يَدينُ بِمَبلَغٍ كَبيرٍ جِدًّا لا يَستطيعُ الوَفاءَ بِهِ طَوالَ حَياتِه. فنحنُ عاجِزونَ عَنِ الوَفاءِ بالدَّيْن. نحنُ عاجِزونَ عَنْ دَفْعِه. وهذهِ هي مُشكلَتُنا الأساسيَّة. فنحنُ خُطاة نَدينُ بِدَيْنٍ ضَخْمٍ جِدًّا. وهو هائلٌ جدًّا حَتَّى إنَّنا عاجِزونَ عَنْ سَدادِه. فنحنُ لن نَتَمَكَّنَ يَوْمًا مِنَ القيامِ بذلك. وإنْ أردتُم أنْ تأتوا يومًا إلى اللهِ، يا أحبَّائي، يجب عليكم أنْ تأتوا إليهِ وأنْ تَعتَرِفوا بذلكَ الدَّيْن. أجل.
وَحَتَّى إنَّ بُطرسَ قال: "اخْرُجْ مِنْ سَفِينَتِي يَا رَبُّ، لأَنِّي رَجُلٌ خَاطِئٌ!". وَحَتَّى إنَّ بولسَ قالَ: "أنا أَوَّلُ الْخُطَاةِ". اسمعوني: لقد عَلَّمَ يَسوعُ كُلَّ النَّاسِ في كُلِّ مَكانٍ أنْ يُصَلُّوا هذهِ الصَّلاة: "وَاغْفِرْ لَــنَا ذُنُوبَنَا". وبِقيامِهِ بذلك، بَيَّنَ شُموليَّةَ مُشكلةِ الخطيَّة. فإنْ كانَ ينبغي لجميعِ النَّاسِ أنْ يُصَلُّوا بهذا الخُصوص، يجب على كُلِّ النَّاسِ أنْ يُقِرُّوا أنَّ الخطيَّةَ هِي مُشكِلَتُهُم. لِذا فإنَّ الرُّوحَ القُدُسَ جاءَ إلى العالَمِ (كما جاءَ في إنجيل يوحنَّا والأصحاح 16) كَيْ يُبَكِّتَ العالَمَ على خَطِيَّة لأنَّنا خُطاة. وَلا يَسَعُ أيُّ إنسانٍ يُواجِهُ بِصِدْق واقِع شخصيَّتِهِ إلَّا أنْ يُدرِكَ أنَّهُ يَدينُ للهِ، وأنَّهُ بِحاجة إلى الغُفران. فَنَحْنُ خُطاة.
وهذا يَقودُنا إلى الكلمة الثَّانية وَهِيَ: الغُفران. فإذا كانتِ الخطيَّة هي المُشكلة، فإنَّ الغُفرانَ هُوَ الحَلّ. ألستُم فَرِحينَ بذلك؟ فالغُفرانُ هُوَ الحَلّ. فما الَّذي نَقرأُهُ في العدد 12؟ "وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا". اغْفِر لنا. وسوفَ تُلاحِظونَ مَرَّةً أخرى أنَّ الطَّبيعة الجَماعيَّة للصَّلاةِ (ذُنوبَنا)، عَوِضًا عَنِ الفَرديَّة، تَضُمُّ جَميعَ المُؤمِنينَ الآخرين. فَهُناكَ حِسٌّ بالجَماعَةِ هُنا. فنحنُ جَميعُنا في قَارِبٍ واحِد، يا أحبَّائي. الغُفران. يا لَها مِنْ حَقيقة رائعة! ولكِنْ هل تَفْهَمونَ حَقًّا ما هُوَ الغُفران؟
هذهِ هي النُّقطةُ الَّتي نُحاوِلُ أنْ نَصِلَ إليها. فما هُوَ الغُفران؟ هل تَعلمونَ ما هُوَ؟ فما هو الشَّيءُ الَّذي يَجْعَلُ اللهَ يَغْفِرُ لَكَ؟ هل تَذكرونَ المَبدأَ الثَّاني؟ فَهُوَ يَقولُ إنَّ الغُفرانَ مُتاحٌ على أساسِ ماذا؟ مَوْتِ المَسيح. حسنًا، لِنَتَحَدَّث عنْ مَعنى الغُفران. فبصورة رئيسيَّة، الغُفرانُ ... وسوفَ أُبَسِّطُ الأمرَ لكُم قَدْرَ الإمكان مِنْ عِدَّةِ أَوْجُه: الغُفرانُ هُوَ صَفْحُ اللهِ عَنْ خَطايانا. وَهو يَعني أنْ يَمْحو اللهُ خَطايانا مِنَ السِّجِلِّ. وَهُوَ يَعني أنْ يُعْلِنَ اللهُ بَراءَتَنا مِنَ العِقابِ والذَّنْب. وَهُوَ يتَلَخَّصُ في ما جاءَ في سِفْر مِيْخا 7: 18 و 19 إذْ نَقرأُ: "مَنْ هُوَ إِلهٌ مِثْلُكَ غَافِرٌ الإِثْمَ وَصَافِحٌ عَنِ الذَّنْبِ لِبَقِيَّةِ مِيرَاثِهِ! لاَ يَحْفَظُ إِلَى الأَبَدِ غَضَبَهُ، فَإِنَّهُ يُسَرُّ بِالرَّأْفَةِ. يَعُودُ يَرْحَمُنَا، يَدُوسُ آثَامَنَا، وَتُطْرَحُ فِي أَعْمَاقِ الْبَحْرِ جَمِيعُ خَطَايَاهُمْ". أليسَ هذا رائعًا؟ فالعهدُ القَديمُ يَقولُ إنَّ اللهَ لا يَعودُ يَذْكُرُ خَطايانا في ما بَعْد. فَهُوَ يَصْفَحُ عَنْ خَطايانا.
واسمحوا لي أنْ أُلَخِّصَ ذلكَ في أربعِ جُمَلٍ بسيطة: الغُفرانُ يَعني أنْ يَنْزِعَ اللهُ خَطايانا، وأنْ يَسْتُرَ خَطايانا، وأنْ يَمْحو خَطايانا، وأنْ يَصْفَحَ عَنْ خَطايانا؟ فَهُوَ يَنْزِعُ خَطايا. لماذا؟ نَقرأُ في سِفْر إشعياء 53: 6 إنَّ الرَّبَّ نَزَعَ خَطايانا وَوَضَعَ على يَسوعَ إِثْمَ جَمِيعِنَا. أليسَ كذلك؟ فقد نَزَعَ خَطايانا. ثُمَّ إنَّ الغفُرانَ يَعني أنْ يَسْتُرَ خَطايانا. فنحنُ نَقرأُ في المَزمور 85: 2"سَتَرْتَ كُلَّ خَطِيَّتِهِمْ". وَهُوَ مَحا خَطايانا إذْ نَقرأُ في إشعياء 43: 25 هذهِ الآيةَ الَّتي أُحِبُّها: "أَنَا أَنَا هُوَ الْمَاحِي ذُنُوبَكَ". ثُمَّ إنَّهُ يَنْسَى خَطايانا. فَهُوَ لا يَعودُ يَذْكُرُها في مَا بَعْد. فاللهُ يَمْحو خَطايانا حَرفيًّا.
هل تَفهمونَ ذلكَ، يا أحبَّائي؟ وهل تَعلمونَ أنَّكم إذا بَلَغْتُمْ في حياتِكُم الرُّوحيَّة مَكانًا صَارَ فيهِ هذا الأمرُ عَاديًّا، ولم تَعودوا تَشعرونَ بالفَرَحِ النَّاشِئِ عَنْ فَهْمِ الغُفران، تكونونَ قد بَلَغْتُمْ مَكانًا جَافًّا في حَياتِكُم. وَمَا أكْثَرَ مَا يَنبغي أنْ نكونَ شاكِرينَ على هذا الغُفران! اسمعوني: إنَّ هذا الغُفرانَ مُتاحٌ فقط بسببِ المسيح. فاللهُ لم يَكُنْ يَستطيعُ أنْ يَتغاضَى عن خطاياكُم ما لم يَضَعِ عِقابَ الخطيَّة على شخصٍ آخر. وهذا هُوَ تَمامًا السَّبب الَّذي ماتَ لأجلِهِ يَسوع.
والآن، هناكَ نَوعانِ مِنَ الغُفران. والآن، راقِبوا ما سأقول. فهذا مُدهِشٌ حَقًّا. فهناكَ نَوعانٍ: النَّوعُ الأوَّلُ هُوَ الغُفرانُ القَضائِيُّ. والنَّوعُ الثَّاني سَنُسَمِّيهِ الغُفران الأبويّ. القَضائيُّ والأبَوِيُّ. والآن، لِنَبتدِئ بالنَّوعِ الأوَّل؛ أيْ بالغُفرانِ القَضائِيِّ. وأعتقد أنَّنا سَنَكتَفي بالحَديثِ عن هذا النَّوعِ في هذا الصَّباح ... فقط عَنِ النَّوعِ الأوَّلِ. الغُفرانُ القَضائِيُّ. ما هُوَ ذلكَ الغُفران؟ إنَّهُ يُصَوِّرُ اللهَ بِوَصْفِهِ دَيَّانًا. فاللهُ يَنظُرُ إلى أسفَل ويَقول: "أنتَ مُذْنِب. لقد تَعَدَّيْتَ على النَّاموس. أنتَ تَحتَ العِقابِ والدَّينونة. يجب أنْ تُعاقَب". ولكِنَّ ذلكَ القاضي نَفسَهُ يقول: "على أساسِ مَوْتِ المَسيح إذْ حَمَلَ عِقابَكَ، وَحَمَلَ ذَنْبَكَ، وَدَفَعَ أُجرةَ خطاياك، تَمَّ دَفْعُ الثَّمَن. وأنا أُعْلِن أنَّ خَطاياكَ قد غُفِرَت". وَهذا عَمَلٌ قَضائِيٌّ. فَهُوَ غُفرانٌ كامِلٌ، وَتَامٌّ، وَيَختَصُّ بِمَقامِنا. وأنا أُحِبُّ أنْ أستخدِمَ تلكَ الكلمة لأنَّها تَختصُّ بأمورٍ دَرَسناها في الماضي. فَهُوَ يَختصُّ بِمَقامِنا الَّذي مَنَحَنا اللهُ إيَّاهُ بوصفِهِ الدَّيَّانَ الأخلاقيَّ للكَوْن. ومِنْ خلالِ عَمَلُ الغُفرانِ القَضائِيِّ ذاكَ، اسمَعوا ما سأقول: فإنَّ جَميعَ خَطاياكَ (الماضية والحاضِرَة والمُستقبليَّة الَّتي اقْتَرَفْتَها في الماضي، أوِ الَّتي اقترَفْتَها في الحاضِر، أوِ الَّتي لم تَقْتَرِفْها بعد) قد غُفِرَتْ تَمامًا، وكُليًّا، والى الأبد. وأنتَ قد تَبَرَّرْتَ مِنْ كُلِّ هذهِ الأشياءِ إلى الأبد.
وقد تَقول: "عَجَبًا! وَمَتى يَحْدُثُ ذلك؟" هذا يَحْدُثُ في اللَّحظةِ الَّتي تَدعو فيها يَسوع المَسيح إلى حَياتِكَ. ففي اللَّحظةِ الَّتي تُفْتَدى فيها، وفي اللَّحظةِ الَّتي تُؤمِنُ فيها بالمسيح، فإنَّ خَطاياكَ تُوْضَعُ عَليه، وَغُفْرانُهُ يُحْسَبُ لَكَ، واللهُ يُعْلِنُكَ مُبَرَّرًا قَضائيًّا. وهذا هو ما جاءَ في رُومية 3. فَهُوَ يُعْلِنُ أنَّكَ بارٌّ. فَمِنْ جِهَةِ المَقامِ وإلى الأبد، سُتِرَتْ كُلُّ خَطاياكَ، وَصُفِحَ عَنْها، وَمُحِيَتْ، وَغُفِرَتْ. ويا لَها مِنْ فِكرة! أليسَتْ فِكرة رائعة؟
وَهُوَ يَستمرُّ في القِيامِ بذلك. وهذا بسببِ المَسيحِ، يا أحبَّائي. فهذا هُوَ ما فَعَلَهُ على الصَّليب! وفي إنْجيل مَتَّى 26: 28، قالَ يَسوعُ وَهُوَ يَحْمِلُ الكَأسَ: "هذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا". أَتَرَوْن؟ وفي رسالة أفسُس 1: 7، قالَ بولُس: "الَّذِي فِيهِ [أيْ: في المَسيحِ] لَنَا الْفِدَاءُ بِدَمِهِ، غُفْرَانُ الْخَطَايَا". ونَقرأُ في رسالة يُوحَنَّا الأولى 2: 12: "أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، لأَنَّهُ قَدْ غُفِرَتْ لَكُمُ الْخَطَايَا مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ". ونَقرَأُ في رسالة أفسُس 4: 32: "كَمَا سَامَحَكُمُ اللهُ أَيْضًا فِي الْمَسِيح".
بِعبارة أخرى، لأنَّ المسيحَ حَمَلَ كُلَّ خطايانا ودَفَعُ الأُجرة، عندما نُؤمِنُ بالمسيح ونَقبَلُ ذَبيحَتَهُ، فإنَّ اللهَ يَحْسِبُ مَوْتَهُ نِيابَةً عَنَّا. فَمِنْ نَاحِيَة قَضائيَّة، فإنَّهُ يُعْلِنُ أنَّنا أبرارٌ وصَالِحونَ إلى الأبد، وأنَّهُ قد غَفَرَ لنا خطايانا الَّتي اقتَرَفناها في الماضي والحاضِرِ والمُستقبَل. وقد تَقول: "هل هذا هُوَ فقط تَعليمُ العهد الجديد؟" لاحِظوا ما سأقول: أنا لا أُوْمِنُ بذلك، بل أُوْمِنُ أنَّ العهدَ القديمَ يُعَلِّمُ ذلكَ أيضًا. صَحيحٌ أنَّ هُناكَ أشخاصًا يَعتقدونَ أنَّ النَّاسَ في العهدِ القديمِ كانوا يَخْلُصونَ إلى أنْ يُخْطِئوا ثانيةً، وأنَّهُمْ عندما كانوا يُقَدِّمونَ ذَبيحةً أخرى كانوا يَخْلُصونَ مَرَّةً أخرى، ولكنِّي لا أعتقدُ ذلك. بل أعتقدُ أنَّ النَّاسَ في العهدِ القديمِ كانوا يَخلُصونَ كما هِيَ حالُ النَّاسِ في العهدِ الجديد؛ أيْ مِنْ خلالِ الإيمانِ باللهِ وَتَقديمِ نَفْسِكَ إلى الله. وأعتقدُ أنَّ الفِداءَ في العهدِ القديمِ كانَ يَحْدُثُ حالاً وفَوْرًا على غِرارِ العهدِ الجديد.
فعلى سَبيلِ المِثال، لنأخُذ إبراهيم بحسب ما جاءَ في رسالة يَعقوب 2: 23 إذْ نَقرأُ: "فَآمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِاللهِ". بِعبارة أخرى، لقد بَلَغَ إبراهيمُ نُقطةً في حياتِهِ آمَنَ فيها بالله. وقد مَارَسَ ذلكَ الإيمانَ مِنْ نَحْوِ اللهِ وآمَنَ بِكُلِّ ما أعْلَنَهُ اللهُ حَتَّى ذلكَ الوقت، وَقَبِلَ اللهَ رَبًّا وَمُخَلِّصًا لَهُ. وفي تلكَ اللَّحظة، مَعَ أنَّهُ لم يَرَ الصَّليبَ يومًا ولم يَكُنْ يَقْدِرُ أنْ يَعْرِفَ كُلَّ شيءٍ عنِ المَسيح، فإنَّهُ آمَنَ باللهِ. ويَعقوبُ يَقولُ: "[في تِلْكَ اللَّحظةِ] حُسِبَ لَهُ بِرًّا". وَدُعِيَ مِنْ تلكَ اللَّحظةِ فَصاعِدًا "خَلِيلَ [مَنْ؟] اللهِ". فقد خَلَصَ في لَحظة.
وفي رِسالة رُومية والأصحاح 4، نَقرأُ مَرَّةً أخرى: "فَآمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِاللهِ فَحُسِبَ لَهُ بِرًّا". "وَأَمَّا الَّذِي...يُؤْمِنُ بِالَّذِي يُبَرِّرُ الْفَاجِرَ، فَإِيمَانُهُ يُحْسَبُ لَهُ بِرًّا". فقد آمَنَ فَحُسِبَ لَهُ بِرًّا. وَمِنْ تلكَ اللَّحظةِ فَصاعِدًا (كما جاءَ في نَفسِ ذلكَ الأصحاح): "طُوبَى لِلَّذِينَ غُفِرَتْ آثَامُهُمْ وَسُتِرَتْ خَطَايَاهُمْ. طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي لاَ يَحْسِبُ لَهُ الرَّبُّ خَطِيَّةً". فَمِنْ تلكَ اللَّحظة الَّتي آمَنَ فيها إبراهيمُ، مِنْ تلكَ اللَّحظة فَصَاعِدًا إلى نِهايةِ حَياتِهِ، لم يَحْسِبْ لَهُ اللهُ خَطِيَّةً مَرَّةً أخرى لأنَّ خَطاياهُ قد وُضِعَتْ على المَسيحِ؛ على غِرارِ خَطاياكُمْ.
فقد آمَنَّا نَحْنُ بعدَ أنْ جاءَ المسيح. أمَّا هُوَ فآمَنَ قبلَ أنْ يأتي المسيح. ولكِنَّ كُلَّ خَطايا جَميعِ القِدِّيسينَ في كُلِّ تلكَ العُصورِ، مِنَ اللَّحظةِ الَّتي آمَنوا بها، وُضِعَتْ على المسيح. فالمسيحُ هو ذُرْوَةُ التَّاريخ. وسَواءٌ عَاشوا قبلَ أنْ يأتي أوْ بعدَ أنْ جاءَ، فإنَّهُ يَحْمِلُ خَطاياهُم. وَمِنْ خِلالِ الإيمانِ العامِلِ في تلكَ النُّقطة، طُبِّقَ فِداءُ المَسيحِ، أوْ طُبِّقَتْ قيمَةُ فِداءِ المَسيحِ عَليهِم. فالمَزمور 103: 3 يَقولُ إنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي يَغْفِرُ جَمِيعَ ذُنُوبِنا والَّذِي يَشْفِي كُلَّ أَمْرَاضِنا".
وأنا أُوْمِنُ أنَّهُم قَدِ اخْتَبَروا الفِداءَ القَضائيَّ في العهدِ القديم. وأنا أُوْمِنُ أنَّ خَطاياهُم قد سُمِّرَتْ على الصَّليبِ (تَمامًا كَما حَدَثَ لِخَطايانا) عندما آمَنوا بالله. واسمَعوا ما جاءَ في رسالة كولوسي 2: 13. فَهَذا مَثَلٌ توضيحيٌّ رائعٌ ورائع. وَهُوَ يُبَيِّنُ أنَّ اللهَ يَحْتَفِظُ بتلكَ الأسْفارِ الَّتي أخبرتُكُم عنها. وطَوالَ حَياتِهِم، كَتَبَ اللهُ سِجِلًّا بِخطاياهم. وقد صارَ الدَّيْنُ يَزيدُ أكثرَ فأكثر فأكثر فأكثر فأكثر فأكثر. ولا يُمْكِنُنا طَوالَ حَياتِنا أنْ نَفي بالدَّيْنِ كُلِّه. وَكُلُّ هذا الدَّيْنِ مُسَجَّل. وَفجأةً، يَمضي المَسيحُ إلى الصَّليب فَنَقرأُ في رسالة كولوسي 2: 13: "وَإِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا فِي الْخَطَايَا وَغَلَفِ جَسَدِكُمْ". والحَديثُ هُوُ عَنْكُم. فأنتُم أمواتٌ. فقد كُنْتُمْ عاجِزينَ عَنْ فِعْلِ أيِّ شيءٍ بِخُصوصِ خَطاياكُم. فقد كُنتُم يَائِيسي. ولكِنَّهُ "أَحْيَاكُمْ مَعَهُ". والآن، لاحِظوا مَا يَلي: "مُسَامِحًا لَكُمْ بِجَمِيعِ الْخَطَايَا". ثُمَّ نَرى هذهِ الصُّورةَ الرَّائعة: "إِذْ مَحَا الصَّكَّ الَّذِي عَلَيْنَا فِي الْفَرَائِضِ، الَّذِي كَانَ ضِدًّا لَنَا، وَقَدْ رَفَعَهُ مِنَ الْوَسَطِ مُسَمِّرًا إِيَّاهُ بِالصَّلِيبِ".
ولِعِلْمِكُمْ، عندما كانوا يَصْلِبونَ مُجْرِمًا، كانوا يَصْلِبونَهُ وَيَضَعونَ فوقَ الصَّليبِ سِجِلَّ جَرائِمِهِ إذْ يُثَبِّتوها بالمَساميرِ في الأعلى كَيْ يَرى العَالَمُ سَبَبَ صَلْبِه. والرَّسولُ بولسُ يَقولُ مَا يَلي، وَهُوَ حَقٌّ عَظيم: عندما مَاتَ يَسوعُ على الصَّليب، أَخَذَ اللهُ كُلَّ الصَّفَحاتِ مِنَ الأسفارِ الَّتي تَخُصُّ جَميعَ الأشخاصِ الَّذينَ آمَنوا عَبْرَ التَّاريخِ، وَضَمَّها مَعًا، وَسَمَّرَها على الصَّليب كما لو كانَتْ جَرائِمَ ارْتَكَبَها يَسوع. وعندما مَاتَ يَسوع، دَفَعَ أُجرةَ كُلِّ جَريمة سُمِّرَتْ على صَليبِهِ. واللهُ مَحاها جَميعًا. أَتَرَوْن؟
وهذا هُوَ الغُفرانُ القَضائِيُّ. ويا لَهُ مِنْ فَرَحٍ عَظيمٍ أنْ نَعلَمَ أنَّ خَطايانا قد غُفِرَتْ تَمامًا وإلى الأبد في المَسيح! أليسَ كذلك؟ ويَقولُ "ريتشارد الثَّالث شكسبير" (Richard III, Shakespeare): "ضَميري لَهُ ألفُ لِسَان. وكُلُّ لِسَانٍ مِنْها يَحْكي حِكاية. وكُلُّ حِكايَةٍ مِنْها تَدينُني". ولكِنْ إنْ كُنْتَ مُؤمِنًا بالمسيح، أنتَ لَسْتَ مُضْطَرًّا إلى قَوْلِ هذهِ الكلمات. أليسَ كذلك؟ بل يُمْكِنُكَ ما قالَهُ بولُسُ في رسالة رُومية والأصحاح 8: "مَنْ هُوَ الَّذِي يَدِينُ؟" أينَ هُوَ؟ مَنْ هُوَ الَّذي يَدينُني؟ فَهَلْ يَدينُ اللهُ مَنْ بَرَّرَهُمْ؟ بِعبارة أخرى، إنْ كانَ اللهُ هُوَ المَحكمة العُليا في الكَوْن، وكانَ قد أَعْلَنَ أنَّني بَارٌّ، مَنِ الَّذي سَيَدينُني؟ لا أحد. "لِذا، لا شَيءَ يَفْصِلُنا عَنْ مَحَبَّةِ المسيح". لا شَيءَ البَتَّة.
وأودُّ أنْ أَخْتِمَ حَديثي بِنَصٍّ آخر وَهُوَ الرِّسالة إلى العِبرانِيِّين والأصحاح 10. وَهذا واحِدٌ مِنَ المَقاطِعِ المُفَضَّلة لَدَيَّ. وأرجو أنْ يكونَ كذلكَ بالنِّسبةِ إليكم. ففي عِبرانِيِّين 10، يُفَارِقُ الكاتِبُ بينَ نِظامِ الذَّبائِحِ في إسرائيل وَذَبيحَةِ المسيح. وأودُّ أنْ تُلاحِظوا العَدَد 10 مِنْ عِبرانِيِّين 10. فهو يَقول: "نَحْنُ مُقَدَّسُونَ..." (لاحِظوا مَا يَقول هُنا): " نَحْنُ مُقَدَّسُونَ بِتَقْدِيمِ جَسَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَرَّةً وَاحِدَةً". تَوَقَّفوا هُنا قليلاً. فالكلمة "مُقَدَّسون" تَعني أنْ نكونَ طَاهِرين، وأنْ نكونَ أنْقياء، وأنْ نَكونَ قِدِّيسين، وأنْ نَكونَ مُفْرَزينَ وَمُنْفَصِلين. فقد صِرْنا مُقَدَّسينَ. وقد صِرْنا مُفْرَزينَ بذبيحةِ المسيحِ الواحِدة. اسمعوني، يا أحبَّائي: فلا حاجَةَ إلى تَكرارِ ذلك. فعندما ماتَ المَسيحُ، وآمَنَّا بِهِ، فإنَّ ذَبيحَتَهُ كافِيَة. وقد قالَ على الصَّليب: "تيتيليستاي" (tetelestai) أيْ: "قَدْ أُكْمِل".
فقد تَقَدَّسْنا، وَأُفْرِزْنا عنِ الخطيَّة لِنِصيرَ مُكَرَّسينَ للهِ. والفِعْلُ المُسْتَخْدَمُ هُنا يَرِدُ بِصيغةِ المُضارِعِ التَّامِّ في اللُّغةِ اليونانيَّة. وهي أقوى صِيغة مُمْكِنَة في اللُّغةِ اليونانيَّة للتَّعبيرِ عنْ حالةِ الخلاصِ الدَّائِمِ والمُستمرِّ الَّذي يَحْدُثُ نَتيجةَ حَدَثٍ عَظيمٍ واحد. لِذا فقد ماتَ المَسيحُ على الصَّليب. وفي اللَّحظةِ الَّتي نُؤمِنُ فيها، فإنَّ ذلكَ يُحْسَبُ لَنا. وهُناكَ غُفرانٌ مُستمرٌّ قائمٌ على تلكَ الذَّبيحةِ الواحِدَة.
وعلى النَّقيضِ مِن ذلك، نَقرأُ في العدد 11 أنَّ الكهَنة في العهدِ القديمِ كانوا يَخْدِمونَ كُلَّ يومٍ وَيَقِفون. هَلْ تَرَوْنَ الكلمة "يَقومُ"؟ فقد كانَ الكاهِنُ "يَقُومُ كُلَّ يَوْمٍ يَخْدِمُ وَيُقَدِّمُ مِرَارًا كَثِيرَةً تِلْكَ الذَّبَائِحَ عَيْنَهَا". فقد كانوا يَقِفونَ دائمًا لأنَّ العَمَلَ لم يَكْتَمِلْ يومًا. ونَقرأُ في العدد 12: "وَأَمَّا هذَا فَبَعْدَمَا قَدَّمَ عَنِ الْخَطَايَا ذَبِيحَةً وَاحِدَةً، جَلَسَ إِلَى الأَبَد". لماذا؟ لأنَّهُ "قَدْ أُكْمِل". فالكَهَنَة قد يَقِفونَ، ويَمشونَ، ويُقَدِّمونَ الذَّبائِحَ المَرَّةَ تِلْوَ المَرَّة؛ وأمَّا المَسيحُ فقد فَعَلَ ذلكَ مَرَّةً واحِدَةً وَجَلَسَ. فهي ذبيحة لا يُمْكِنُ أنْ تَتَكَرَّر. ولا حاجَةَ إلى القِيامِ بذلك. لماذا؟ نَقرأُ في العدد 14: "لأَنَّهُ بِقُرْبَانٍ وَاحِدٍ قَدْ أَكْمَلَ إِلَى الأَبَدِ الْمُقَدَّسِين". وإنْ كانَ يَسوعُ يَقولُ في إنجيل مَتَّى 5: 48: "كُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ"، وكانَ المَسيحُ قد مَضى إلى الصَّليبِ وَكَمَّلَنا، فإنَّ المَسيحَ هُوَ الحَلُّ لهذهِ المُشْكِلَة. أليسَ كذلك؟ فيجب علينا أنْ نَكونَ كَامِلين. وَهُوَ يُكَمِّلُنا مِنْ خِلالِ ذَبيحَتِه الواحدة. وهذا هُوَ، يا أحبَّائي، الغُفرانُ القَضائِيُّ. والنَّتيجَةُ المُتَرَتِّبَةُ على ذلك مَذكورة في العَدَد 17: "وَلَنْ أَذْكُرَ خَطَايَاهُمْ وَتَعَدِّيَاتِهِمْ [مَتى؟] فِي مَا بَعْدُ". ويا لَها مِنْ فِكرة رائعة! اسمعوني، يا أحبَّائي: لقد غُفِرَتْ جَميعُ خَطايانا بسببِ المَسيح؛ إنْ كُنْتُمْ تُؤمِنونَ بِهِ. وهذا هُوَ الغُفرانُ القَضائيُّ مِنْ جِهَةِ المَقام.
والآن، لِنَعُدْ إلى إنجيل مَتَّى والأصحاح 6. وسوفَ أَخْتِمُ بِتَقديمِ فِكرة واحدة. فالآيَةُ تَقول: "وَاغْفِرْ لَــنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضًا لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا". والعَدد 14 يَقول: "فَإِنَّهُ إِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَّلاَتِهِمْ، يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضًا أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ. وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا لِلنَّاسِ زَّلاَتِهِمْ، لاَ يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمْ أَيْضًا زَّلاَتِكُمْ". وفَجأةً نَقول: "مَهْلاً! إنْ كانَتْ كُلُّ خَطايايَ قد غُفِرَتْ في المسيح، وإنْ كانت كُلُّ خَطايايَ قد مُسِحَتْ مِنْ خِلالِ صَليبِ المَسيح، لِماذا أحْتاجُ إلى طَلَبِ الغُفران؟ ولماذا لن أَحْصُلَ عليه إلَّا إنْ غَفَرْتُ للآخرين؟" وهذا هو السُّؤالُ الَّذي أَرْبَكَ أُناسًا كَثيرين.
فهناكَ أشخاصٌ يَقولونَ: "إنَّها صَلاةٌ يُصَلِّيها غَيْرُ المُؤمِن". لا، لا، إنَّها ليست صَلاةً يُصَلِّيها غَيْرُ المُؤمِن لأنَّ غيرَ المُؤمِنِ لا يَبتدئُ صَلاتَهُ قائلاً: "أبانا". أليسَ كذلك؟ بل إنَّها صَلاةٌ يُصَلِّيها المُؤمِن. وهي صَلاةُ التِّلميذ. فأنتَ تَكونُ مُؤمِنًا قبلَ أنْ تَصِلَ إلى العدد 12، يا أحبَّائي. وقد تَقول: "حسنًا، إنْ كُنتُ مُؤمِنًا وكانت كُلُّ خَطايايَ قد غُفِرَت، ما الَّذي يَدْفَعُني إلى القول: "اغْفِر لنا ذُنوبَنا"، ولماذا يَقولُ اللهُ لنا: "وَإنْ لَمْ تَغْفِرُوا لِلنَّاسِ زَّلاَتِهِمْ، لن أغفِرَ لَكُم زَلاَّتِكُم"؟ إنْ أردتُم أنْ تَعرِفوا الإجابة على ذلك، تَعالوا إلى هُنا في الأسبوعِ القادِم. وإنْ لم تُريدوا أن تَعرِفوا الإجابة على ذلك، لِيَرْحَمِ اللهُ رُوحَكُم المُلَوَّثَة بالخطيَّة لأنَّ هذا الحَقَّ هو واحِدٌ مِنْ أعظمِ الحقائقِ في كُلِّ الكتابِ المقدَّس. وأساسُ ذلكَ هُوَ الآتي: يجب عليكم أنْ تَفهموا ذلك. وسوفَ أُعطيكُم تَلميحًا الآن: يجب عليكم أنْ تَفهموا الفَرْقَ بينَ الغُفرانِ القَضائيِّ والغُفرانِ الأبويّ. فالأوَّلُ يَختصُّ بِمَقامِكَ أمامَ اللهِ إلى الأبد، والثَّاني يَختصُّ بِفَرَحِ شَرِكَتِكَ يومًا فَيَوْمًا. وسوفَ نَتحدَّثُ عن ذلكَ، بمشيئةِ الرَّبِّ، في الأسبوعِ المُقْبِل. دَعونا نُصَلِّي:
مِنَ الرَّائعِ أنْ نَجتَمِعَ مَعًا مَرَّة أخرى، يا أبانا، وأنْ نَتشارَكَ في كَلِمَتِك. نَشكُرُكَ على غِناها، ونَشكُرُكَ على غُفرانِكَ، وعلى التَّرتيبِ الَّذي أَعْدَدْتَهُ لِكُلِّ شخصٍ هُنا. فيما تَحْنونَ رُؤوسَكُم وتُغْمِضونَ أعْيُنَكُم قليلاً، هل تَسْمَحونَ لي أنْ أقولَ شيئًا؟ إنَّ البعضَ مِنْكُم لا يَعرِفونَ المسيح. لِذا فإنَّكُمْ لم تَخْتَبِروا يَومًا غُفرانَهُ. ولكِنَّهُ مُتاحٌ لكم اليوم. وكُلُّ ما يَنبغي أنْ تَفعلوهُ الآنَ هُوَ أنْ تَفتحوا قُلوبَكُم وتَقولوا: "أيُّها المَسيح، تَعالَ إلى الدَّاخِل واغْفِر لي خَطاياي. أنا أَعْرِفُ أنَّني خاطئ. وأنا أُريدُ تَطهيرَكَ. أنا أَعلَمُ أنَّكَ مُتَّ عَنِّي. وأنا أَعْلَمُ أنَّكَ دَفَعْتَ أُجْرَةَ خَطاياي".
إنَّ هذهِ الصَّلاةَ البَسيطةَ سَتُؤدِّي إلى تَطبيقِ الغُفرانِ القَضائِيِّ عليكَ، وإلى أنْ تَكونَ إلى أبدِ الآبِدينَ في عائلةِ اللهِ، وإلى التَّمَتُّعِ بِمِلْءِ سَمائِهِ الأبديَّة. وهو لن يَحْرِمَكَ يَوْمًا مِنْ هذهِ الهِبَة. وأرجو أَلَّا تُغادِر مِنْ دُوْنِ ذلكَ الغُفران.
يا أبانا، اصْرِفْنا مِنْ هُنا بِبَرَكَتِك. نَشكُرُكَ على غُفرانِك. أَعِدْنا في هذا المَساءِ مِنْ أجْلِ وَقْتٍ عَظيمٍ وَرائعٍ مَعًا. نُعْطيكَ كُلَّ التَّسبيح باسْمِ المَسيح. والكُلُّ يَقول: "آمين". لِيُبارِكُكُم الرَّبُّ.

This article is also available and sold as a booklet.