
افتَحوا كِتابَكُم المُقدَّس مَعي ولنَنظُر معًا إلى إنجيل مَتَّى 7: 13 و 14 – إنجيل مَتَّى 7: 13 و 14. هَاتان الآيتَانِ هُما النَّصُّ الَّذي سنَستخدِمُهُ في هذهِ العِظَةِ القائمةِ عَلى كلمةِ اللهِ، وَهُما النَّصُّ الَّذي سنتأمَّلُ فيهِ في هذه السَّاعَةِ الصَّباحيَّة. في الأصحاحِ السَّابعِ مِن إنجيلِ مَتَّى، أيْ في العِظَةِ على الجَبَلِ الَّتي تَبتدئُ مِنَ الأصحاحِ الخامِس، نَصِلُ إلى تَصاعُدٍ عَظيمٍ أو إلى ذُروةٍ عَظيمة. وهذهِ الذُّروةُ تَتَلَخَّصُ في هَاتين الآيتَيْن. أمَّا بَقيَّةُ العِظَةِ إلى نِهايةِ الأصحاحِ فَهِيَ ببساطَة شَرْحٌ لِهَاتَيْنِ الآيتَيْن. استَمِعوا فيما أقرأهُما: "اُدْخُلُوا مِنَ الْبَاب الضَّيِّقِ، لأَنَّهُ وَاسِعٌ الْبَابُ وَرَحْبٌ الطَّرِيقُ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْهَلاَكِ، وَكَثِيرُونَ هُمُ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ مِنْهُ! مَا أَضْيَقَ الْبَابَ وَأَكْرَبَ الطَّرِيقَ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْحَيَاةِ، وَقَلِيلُونَ هُمُ الَّذِينَ يَجِدُونَهُ!".
إنَّ هذهِ كلماتٌ تَحريضيَّةٌ مِن رَبِّنا. وهذهِ هي حَقًّا النُّقطةُ الَّتي كانَ يُحاولُ تَوصيلَها في كُلِّ الجُزءِ الأوَّلِ مِن هذهِ العِظَةِ العَظيمةِ الرَّائعة. فهو يَصِلُ في الكَلامِ كُلِّهِ إلى ذُروةِ اتِّخاذِ قَرارٍ أو خِيار. فهُناكَ بَابانِ يَقودانِ الإنسانَ إلى طَريقَيْنِ يُؤدِّيانِ إلى وُجْهَتَيْنِ يَتَّجِهُ إليهِما حَشْدانِ مُختلفانِ مِنَ النَّاس. ثُمَّ إنَّ الرَّبَّ يُرَكِّزُ على القرارِ المَحتومِ الَّذي يَنبغي اتِّخاذُهُ بشأنِ ما كَانَ يَقولُه. وَقد أَصابَ أحدُ الأشخاصِ في قَولِهِ إنَّ الحَياةَ بأسْرِها تَتركَّزُ حَولَ وُقوفِ الإنسانِ عِندَ مُفترَقِ طَريقَيْن. وَهَذا صَحيحٌ تَمامًا. فَمُنذُ أن نَبلُغَ ذلكَ الوقتَ مِن حَياتِنا الَّذي نَصيرُ فيهِ نَاضِجينَ بِالقدرِ الَّذي يُؤهِّلُنا لاتِّخاذِ قَرارٍ مُستقلٍّ أو أيِّ قَرار، تَصيرُ الحَياةُ مَسألةَ اتِّخاذِ قَراراتٍ دَائِمًا.
فَفِي كُلٍّ يَومٍ مِن حَياتِنا نَتَّخِذُ قَراراتٍ بشأنِ كُلِّ شَيء. فنحنُ نُقَرِّرُ مَتى سَنَنهَضُ أو مَا إذا كُنَّا سَننهَضُ في الصَّباح، ومَا سنأكُل، والملابسَ الَّتي سنَرتديها، وأينَ سنذهب، وما سنَفعل. فالحياةُ هي سِلسِلةٌ دائمةٌ مِنَ القَرارات. ونحنُ نَختارُ الطُّرُقَ طَوالَ حَياتِنا. لِذا، مِنَ الإنصافِ أن نَقولَ إنَّ الحَياةَ تَتركَّزُ حَولَ وُقوفِ الإنسانِ عِندَ مُفترَقِ طَريقَيْن. وفي نِهايةِ المَطافِ، وَدُونَ أدنى شَكٍّ، هُناكَ خِيارٌ جَوهريٌّ، أو خِيارٌ يُقَرِّرُ لا فقط حَياتَنا الآن، بَل خِيارٌ يُقَرِّرُ المَصيرَ الأبديَّ. وذلكَ الخِيارُ هُوَ الَّذي يَتحدَّثُ عنهُ رَبُّنا في هذهِ الآيات – الخِيارُ الجَوهريّ. والآن، إنَّ مَا يُحاولُ اللهُ أن يَفعلَهُ دائمًا هُوَ أن يُساعِدَ الإنسانَ على اتِّخاذِ ذلكَ الخِيارِ الجَوهريّ – دائمًا. فهُناكَ دَائِمًا بَديلٌ. لِذا، هُناكَ دائمًا خِيار. والخِيارُ الجَوهريُّ هُوَ الخِيارُ الَّذي يَهتمُّ اللهُ بِهِ أكثرَ مِن غَيرِه.
فَمَثلاً، لَقد وَاجَهَ اللهُ [مِن خلالِ مُوسَى] بَني إسرائيلَ في الأصحاحِ الثَّلاثين مِن سِفْر التَّثنية وقالَ مَا يَلي: "قَدْ جَعَلْتُ الْيَوْمَ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْخَيْرَ، وَالْمَوْتَ وَالشَّرَّ. فَاخْتَرِ الْحَيَاةَ لِكَيْ تَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ". فقد أَعطَى اللهُ بَني إسرائيلَ أَهَمَّ خِيارٍ في الوُجود: الحَياة أوِ المَوت... الخَير أوِ الشَّرّ. وَقد دَعاهُم إلى اتِّخاذِ قَرار. وَقَد قَالَ يَشوعُ الَّذي خَلَفَ مُوسَى في قِيادَةِ بَني إسرائيلَ عندما دَخَلُوا أرضَ المَوعِدِ في الأصحاحِ الرَّابع والعِشرين مِن سِفْر يَشوع والعَدد 15: "فَاخْتَارُوا لأَنْفُسِكُمُ الْيَوْمَ مَنْ تَعْبُدُون"؛ أيْ مَا إذا كُنتُم ستَعبدونَ آلِهَةَ آبائِكُم، أو اللهَ الحَقيقيَّ. "وَأَمَّا أَنَا وَبَيْتِي فَنَعْبُدُ الرَّبَّ". وَمَرَّةً أخرى، هُناكَ خِيار.
وَقَد سَمِعَ إرْميا اللهَ يَقول في الأصحاحِ الحادي والعِشرينَ والعَددِ الثَّامن: "وَتَقُولُ لِهذَا الشَّعْبِ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هأَنَذَا أَجْعَلُ أَمَامَكُمْ طَرِيقَ الْحَيَاةِ وَطَرِيقَ الْمَوْتِ". وقد دَعا إيليَّا الشَّعبَ على جَبلِ الكَرمِل إلى اتِّخاذِ قَرار. فَقَد قَالَ في سِفْرِ المُلوكِ الأوَّل 18: 21: "حَتَّى مَتَى تَعْرُجُونَ بَيْنَ الْفِرْقَتَيْنِ؟ إِنْ كَانَ الرَّبُّ هُوَ اللهَ فَاتَّبِعُوهُ، وَإِنْ كَانَ الْبَعْلُ فَاتَّبِعُوهُ". إنَّهُ الخِيارُ الأهَمّ. وفي إنجيل يُوحنَّا والأصحاحِ السَّادِسِ، نَقرأُ أنَّ كَثيرينَ تَبِعُوا يَسوعَ، وَأنَّ كَثيرينَ دَعَوْا أنفسَهُم تَلاميذ. ولكِنَّنا نَقرأُ في الأصحاحِ السَّادسِ والعَدد 66: "مِنْ هذَا الْوَقْتِ رَجَعَ كَثِيرُونَ مِنْ تَلاَمِيذِهِ إِلَى الْوَرَاءِ، وَلَمْ يَعُودُوا يَمْشُونَ مَعَهُ. فَقَالَ يَسُوعُ لِلاثْنَيْ عَشَرَ: «أَلَعَلَّكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا تُرِيدُونَ أَنْ تَمْضُوا؟» فَأَجَابَهُ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: «إِلَى مَنْ نَذْهَبُ؟ كَلاَمُ الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ عِنْدَكَ...»".
لَقد اختارَ بُطرسُ مَا يُريد. فقد رَجَعَ أُناسٌ، وبَقِيَ أُناسٌ. وكانَ سِمْعان قَد قالَ عَن يَسوعَ: "هَا إِنَّ هذَا قَدْ وُضِعَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِين". فقد صَارَ يَسوعُ النُّقطةَ الجَوهريَّةَ في مَصيرِ كُلِّ إنسان. والخِيارُ يُصْنَعُ على مُفْتَرَقِ طَريقِ يَسوعَ [إنْ جَازَ القَول]. اخْتَر الحَياةَ، أوِ اخْتَر المَوتَ. فَهذا هُوَ بِصورةٍ رَئيسيَّةٍ مَا يَقولُهُ يَسوعُ هُنا في إنجيل مَتَّى 7: 13 و 14. وقد عَبَّرَ الشَّاعِرُ البريطانِيُّ "جون أوكسينهام" (John Oxenham) عن ذلكَ بالكلماتِ التَّالية: "يُوجَدُ أمامَ كُلِّ إنسانٍ طَريقٌ وطُرُقٌ وطَريقٌ. والنَّفسُ العَاليةُ تَرُومُ إلى الطَّريقِ الصَّاعِدِ، والنَّفسُ الدَّنيئَةُ تَتَسَكَّعُ على الطَّريقِ الهَابِط. وفي الوَسَط، هُناكَ الطُّرُقُ المُنبسطةُ الَّتي يَرتادُها البقيَّةُ ذَهابًا وإيابًا. ولكن يُوجدُ أمامَ كُلِّ إنسانٍ طَريقٌ صَاعِدٌ وطَريقٌ هَابِطٌ. وكُلُّ إنسانٍ يُقَرِّرُ الطَّريقَ الَّذي سيَسلُكُه".
لِذا فإنَّ رَبَّنا هُنا يُواجِهُ البَشَرَ بِقرارٍ ويقولُ إنَّهُ يجبُ عليهم أن يَتَّخِذوا قَرارًا. وقد قَالَ أحدُ الكُتَّابِ: "إنَّهُ وَقْتُ اتِّخاذِ قَرارٍ على الجَبَل". واسمَحُوا لي أن أقولَ لكُم إنَّ هُناكَ شَيئَيْنِ لا يُمكِنُكَ أن تَفعلَهُما بالعِظَةِ على الجَبل: الأوَّلُ هُوَ أنَّكَ لا تَستطيعُ أن تَقِفَ مِن بَعيدٍ وتُعَبِّرَ عَن إعجابِكَ بها وَحَسْب. فيسوعُ لا يُبالي بِتَلَقِّي بَاقاتٍ مِنَ الزُّهورِ على أخلاقِيَّاتِه. ويسوعُ لا يُبالي بالأشخاصِ الَّذي يُريدونَ أن يُعَبِّرُوا وَحَسْب عن إعجابِهم بفَضائِلِ الجُمَلِ الأخلاقيَّةِ في العِظَةِ على الجَبل؛ بَلْ إنَّ يَسوعَ يُريدُ قَرارًا بشأنِ مَصيرِك. وأعتقدُ أنَّ هُناكَ شَيئًا ثَانيًا لا يُمكِنُكَ أن تَفعلَهُ بالعِظَةِ على الجَبَل وَهُوَ أنْ تَضَعَها في قَالَبٍ نَبويٍّ مُستقبليّ. فَلا أعتقدُ أنَّ يَسوعَ يَقولُ إنَّ هَذا الكَلامَ يَختصُّ بفترةٍ مُستقبليَّة.
بَلْ أعتقدُ أنَّهُ يُطالِبُنا بِاتِّخاذِ قَرارٍ الآن... في هذا الوقت. وأعتقدُ أنَّ هُناكَ أُناسًا كَثيرينَ يُعجَبونَ بأخلاقيَّاتِ العِظَةِ على الجَبل؛ ولكنَّ يَسوعَ لا يُريدُ ذلك. وأعتقدُ أنَّ هُناكَ أُناسًا كَثيرينَ يَأخذونَ سِماتِ العِظَةِ على الجَبلِ وَمَطالِبَها ويُطَبِّقونَها على المَلَكوتِ المُستقبليِّ. ولكنِّي لا أعتقدُ أنَّ هَذا هُوَ مَا يُريدُهُ يَسوعُ أيضًا. فَما طَلَبَهُ يَسوعُ هُوَ أنْ يَكونَ هُناكَ خِيارٌ، أو فِعْلٌ، أو قَرارٌ قَطْعِيٌّ في ذلكَ الوقتِ وَتِلكَ اللَّحظةِ على أساسِ مَا قَالَهُ للتَّوّ. فينبغي اتِّخاذُ قَرارٍ مَقصود. فقد جَاءَ المَسيحُ لكي يُؤسِّسَ مَلكوتًا. وَهُوَ مَلِكٌ؛ بَلْ إنَّهُ المَلِك. وَهُوَ مَلِكُ المُلوك. وَقد جَاءَ بملكوتٍ فَريدٍ، وخَاصٍّ، ومُنفصلٍ، ومُختلفٍ عَن كُلِّ مَمالِكِ العَالَم.
ولَن يَفهمَ النَّاسُ مَلكوتَهُ مَا لَم يَعمَل على صِياغَةِ مَبادِئِه. لِذا، في هذهِ العِظَةِ الرَّائعةِ، قَامَ يَسوعُ بِصياغَةِ مَبادِئِ العَيشِ في مَلكوتِه. وَهُوَ يُعطينا الآنَ الخِيارَ حيثُ إنَّهُ إمَّا أنْ نَدخُلَهُ، وَإمَّا أنْ نَبقَى خَارِجَهُ. هَذا هُوَ الخِيارُ الَّذي يُريدُ مِن كُلِّ إنسانٍ أن يُفَكِّرَ فيه. فَهُوَ يَطلُبُ تَجاوُبًا. وأنتُم تَعرِفونَ الآنَ مُؤهِّلاتِ المَلكوت. وَأنتُم تَعرِفونَ الآنَ مَعاييرَ المَلِك. فَما هُوَ رَدُّك؟ وَما هِيَ رَدَّةُ فِعلِك؟ هَذهِ هِيَ النُّقطةُ الجَوهريَّة. وأعتقدُ أنَّ يَسوعَ يَدعونا إلى العَمل. فأعتقدُ أنَّ العَددَيْنِ 13 و 14 هُما الذُّروةُ أوْ أعلى نُقطةٍ كَانَ يَسعَى إلى الوُصولِ إليها في كُلِّ عِظَتِه هَذِه؛ أيْ أنْ يَأتي بالنَّاسِ إلى تلكَ النُّقطةِ، أو أن يَأتي بِنا إلى النُّقطةِ الَّتي نَتجاوَبُ فيها.
وَيا أحبَّائي، إنَّ الخِيارَ وَاضِحٌ جدًّا. فَهُناكَ خِيارانِ فقط: البَابُ الضَّيِّقُ (أوِ الطَّريقُ الضَّيِّقُ)، والبَابُ الوَاسِعُ (أوِ الطَّريقُ الوَاسِع). هَذا هُوَ كُلُّ شَيء. فَلا تُوجَدُ بَدائل أخرى... البَتَّة. وأنا أُحِبُّ مَا يَقولُهُ "جون ستوت" (John Stott) عن ذلك. فَهُوَ يَقول: "يَسوعُ يَحْسِمُ مَسألةَ التَّوفيقيَّةِ السَّهلَة". فَنَحنُ نَميلُ إلى أنْ نَكونَ انتِقائِيِّينَ في وَضْعِ الأنظمةِ الدّينيَّة؛ ولكنَّ يَسوعَ يَقولُ إنَّ الأمرَ مَحسومٌ. فَإمَّا أنْ تَختارَ هَذا الطَّريقَ أو ذَاك. وَهَذا يَحْسِمُ الأمر. والآن، قَد يَقولُ أُناسٌ: "حسنًا! ولكن كَيفَ يَحْسِمُ يَسوعُ هذهِ المَسألةَ المُختصَّةَ بالدِّينِ في حين أنَّهُ تُوجَدُ دِياناتٌ كَثيرةٌ أمامَ الإنسان؟" لا تُوجَدُ دِياناتٌ كَثيرة، بَل تُوجَدُ دِيانَةٌ صَحيحَةٌ ودِياناتٌ بَاطِلَة. أليسَ كذلك؟ فَهُناكَ الصَّواب والخَطأ. هَذا هُوَ أوضَحُ شَيءٍ يُمكِنُني أن أقولَه.
والحَقيقةُ هِيَ أنَّهُ في كُلِّ العِظَةِ على الجَبل، يُفَارِقُ يَسوعُ بَينَ الدِّيانَةِ الحَقيقيَّةِ (أيْ مَعاييرَهُ) والدِّيانَةِ البَاطِلَةِ (أيْ دِيانَةَ اليَومِ، أو دِيانَةَ الإنسان). فالتَّناقُضُ القَائِمُ هُوَ بينَ بِرِّ اللهِ وَمَطالِبِهِ [مِن جِهَة]، وَبينَ بِرِّ الإنسانِ وَمَطالِبِه [مِن جِهَةٍ أخرى]. والتَّناقُضُ هُوَ بينَ المَسيحِ [مِن جِهَة]، والكَتبةِ وَالفَرِّيسيِّينَ [مِن جِهَةٍ أخرى]. فَهُناكَ خِيارانِ فقط. والآن، اسمَحُوا لي أن أُضيفَ مُلاحظةً بهذا الشَّأن. فالتَّناقُضُ هُنا... وأريدُ مِنكُم أن تَفهموا هَذا وإلاَّ فإنَّكُم لَن تَفهَمُوا هذا المَقطَع... إنَّ التَّناقُضَ هُنا هُوَ ليسَ بينَ الدِّينِ والوَثنيَّة. فقد سَمِعتُ أُناسًا كَثيرينَ يَستخدمونَ هَذا النَّصَّ بهذهِ الطَّريقة إذْ يَقولونَ إنَّ الطَّريقَ الضَّيِّقَ هُوَ طَريقُ المَسيحيَّةِ الَّذي يُؤدِّي إلى السَّماء، وَأنَّ الطَّريقَ الرَّحْبَ هُوَ طَريقُ السُّكْرِ والعَرْبَدَةِ الَّذي يُؤدِّي إلى جَهنَّم.
فَهُوَ ليسَ تَناقُضًا بينَ التَّقوى والمسيحيَّةِ وبينَ الأشخاصِ غَيرِ المُتَدَيِّنينَ، أوِ الأشخاصِ الوَثنيِّينَ، أوِ الأشخاصِ الفاجِرينَ والفَاسِقينَ، والكُفَّارِ، وعَديمي الأخلاقِ الَّذينَ يَتَّجِهونَ وَحَسْب إلى جَهنَّم. فهو ليسَ كذلك، بَل هُوَ تَناقُضٌ بَينَ نَوعَيْنِ مِنَ الدِّيانات. فَكِلا الطَّريقَيْنِ يُظْهِرانِ لافِتَةً كُتِبَ عَليهِا: "هَذا هُوَ الطَّريقُ إلى السَّماء". فالشَّيطانُ لا يَضَعُ لافِتَةً تَقول: "هَذا هُوَ الطَّريقُ إلى جَهنَّم". فهذا لَنْ يَكونَ خِداعًا كَبيرًا. لِذا فإنَّهُ ليسَ تَناقُضًا بينَ الدِّينِ والوَثنيَّة، وليسَ تَناقُضًا بينَ البِرِّ وعَدَمِ البِرّ، بَلْ هُوَ تَناقُضٌ بينَ البِرِّ الإلهيِّ والبِرِّ البَشريِّ، أو بينَ الدِّيانَةِ الإلهيَّةِ والدِّيانَةِ البَشريَّةِ، أو بينَ الدِّيانَةِ الحَقيقيَّةِ والدِّيانَةِ الزَّائفة.
فَمُشكلةُ الفَرِّيسيِّينَ مَذكورةٌ لَنا في إنجيل لُوقا 18: 9 إذْ نَقرأُ أنَّ الفَرِّيسيِّينَ كَانُوا "وَاثِقِينَ بِأَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ أَبْرَارٌ". فَقد كانَت هذهِ هِيَ دِيانَتُهم. ولكِنَّها لم تَكُن كَافِيَة. فَكُلُّ إنسانٍ يَختارُ مَا يَشاء. والخِيارُ هُوَ التَّالي: إمَّا أنَّكَ صَالِحٌ صَلاحًا كَافِيًا بِذاتِكَ أو مِن خِلالِ نِظامِكَ للوصولِ إلى السَّماءِ، وَإمَّا إنَّكَ لستَ صَالِحًا وَتُلقِي نَفسَكَ على رَحمةِ اللهِ مِن خِلالِ المَسيح. هَذانِ هُما النِّظامانِ الدِّينيَّانِ الوَحيدانِ في العَالَم. والآن، قَد تَرى حَولَ العَالَمِ عَشَرَةَ آلافِ اسْمٍ ولَفْظٍ دينيٍّ مُختلِفٍ؛ ولكِن تُوجَدُ فقط دِيانَتانِ في العالَم. اسمَحُوا لي أن أُذَكِّرَكُم بذلك: دِيانَتانِ فقط. فَهُناكَ دِيانَةُ الإنجازِ الإلهيِّ بِمَعنى أنَّ اللهَ فَعَلَ كُلَّ مَا يَلزَمُ في المَسيح، وهُناكَ دِيانَةُ الإنجازِ البَشريِّ بِمَعنى أنَّنا نَفعلُ جُزءًا مِنَ المَطلوب.
وَالأولى هِيَ دِيانَةُ النِّعمَة، والثَّانيةُ هِيَ دِيانَةُ الأعمال. والأولى هِيَ دِيانَةُ الإيمانِ، والثَّانيةُ هِيَ دِيانَةُ الجَسَد. والأولى هِيَ دِيانَةُ القَلبِ، والثَّانيةُ هِيَ دِيانَةُ الجسدِ الخارجيِّ أوِ الأنظمةُ الدِّينيَّةُ البَشريَّةُ القائمةُ على اعتقادِنا بأنَّنا لَسنا بِحاجَةٍ حَقًّا إلى مُخَلِّص لأنَّنا نَملِكُ القُدرةَ والقوَّةَ على تَبريرِ أنفُسِنا. فَإنْ وَفَّرْتُم لنا بِيئةً دينيَّةً صَغيرةٍ، وأعطيتُمونا مَجموعَةً مِنَ القَواعِد، ومَجموعَةً مِنَ الفَرائِض، ومَجموعَةً مِنَ الطُّقوس، سَنَفعلُ ذلكَ بأنفُسِنا. هَذِهِ هِيَ دِيانَةُ الإنجازِ البَشريِّ. وَهِيَ تَأتي بِمُسَمَّياتٍ عَديدةٍ ومُختلفة؛ ولكنَّها كُلُّها تَتبَعُ النِّظامَ نَفسَهُ لأنَّ مَصدَرَها وَاحِدٌ: الشَّيطانُ نَفسُهُ. فَمَعَ أنَّه يُقَدِّمُها في أشكالٍ مُختلفةٍ، فإنَّها السِّلَعَةُ نَفسُها.
مِن جِهةٍ أخرى فإنَّ دِيانَةَ الإنجازِ الإلهيِّ هِيَ المَسيحيَّة. وَهِيَ فَريدَةٌ مِن نَوعِها. ومِنَ المُؤسِفِ أنَّ أغلبيَّةَ البَشريَّةِ تَسيرُ في طَريقِ الإنجازِ البَشريِّ وتَظُنُّ أنَّها تَستطيعُ أن تُحَقِّقَ أفضلَ مَصيرٍ مُمكِنٍ بِسَببِ مَجموعَةٍ مِنَ القُدُراتِ والإمكاناتِ الَّتي تَملِكُها مِن خِلالِ أعمالِها الصَّالحةِ وأفعالِها الصَّالحة. وهذا هُوَ التَّناقُض. فيسوعُ يَقول: "انظُروا! هُناكَ طَريقانِ يَحمِلانِ لافِتَةً تَقول: ’إلى السَّماء‘. واحِدٌ مِنهُما هُوَ الطَّريقُ الضَّيِّقُ والصَّغيرِ القَائِمِ على بِرِّ الله. والثَّاني هُوَ الطَّريقُ الرَّحْبُ القائِمُ على بِرِّ الإنسان". وكما تَرَوْنَ، لقد كانَ اليَهودُ يُعَلِمونَ أنَّهُم يَستطيعونَ أن يَدخُلوا السَّماءَ بأعمالِهم. لِذا فقد صُدِمُوا جدًّا عندما قَالَ الرَّسولُ بُولُس: "بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ كُلُّ ذِي جَسَدٍ لاَ يَتَبَرَّرُ أَمَامَهُ" (في رِسالة رُومية والأصحاحِ الثَّالث).
وَقد قَالَ بُولُس: "لَقد جَاءَ النَّاموسُ لِكَيْ يَسْتَدَّ كُلُّ فَمٍ [عَنْ أيِّ ادِّعاءٍ بالبِرِّ]، وَيَصِيرَ كُلُّ الْعَالَمِ تَحْتَ قِصَاصٍ مِنَ الله". فقد جاءَ النَّاموسُ لكي يُرينا خَطيئَتَنا. ولكِن عندما رَأى الإنسانُ البَّارُّ في عَينيِّ نَفسِهِ والأنانِيُّ أنَّهُ خَاطِئٌ أمامَ النَّاموسِ، لم يَرغَب في مُواجَهَةِ خَطاياه. لِذا فقد وَضَعَ النَّاموسَ جَانِبًا، وابتَكَرَ نِظامًا جَديدًا يَتَغاضَى عَن تَقصيرِه. ثُمَّ إنَّهُ استَخدَمَ ذلكَ النِّظامَ البَشريَّ لكي يُؤكِّدَ في ذِهنِهِ أنَّهُ بَارٌّ. هَذا هُوَ الإنجازُ البَشريُّ. ولكِنَّ الغَايَةَ الرَّئيسيَّةَ للرَّبِّ في العِظَةِ على الجَبَل هِيَ أنْ يَهْدِمَ ذلكَ النِّظامَ، وَأنْ يُبَيِّنَ لَهُم أنَّ كُلَّ ذلكَ النِّظامِ لا يَستطيعُ أن يُحَقِّقَ ذلك، وَأنْ يُبَيِّنَ لَهُم أنَّ نَظرتَهُم لكُلِّ شَيءٍ مَغلوطَة.
والنُّقطةُ الجَوهريَّةُ مِنَ العِظَةِ هِيَ أن يُعيدَهُم إلى النُّقطةِ الَّتي ابتدأَ مِنها العِظَة: "طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ... طُوبَى لِلْحَزَانَى... طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ... طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرّ". بعبارةٍ أخرى، لقد ابتدأَ مِن حَيثُ أرادَ أن يَنتهي؛ أيْ بالمَساكينِ بالرُّوحِ الَّذينَ يَحْزَنونَ على خَطاياهُم، ويُظْهِرونَ كُلَّ وَداعَةٍ أمامَ اللهِ وَناموسِه، ويَجوعونَ ويَعطَشونَ إلى ذَاكَ البِرِّ الَّذي يَعلمونَ أنَّهُم لا يَملِكونَهُ ولكنَّهُم في حَاجَةٍ مُلِحَّةٍ إليه: بِرِّ الله. فَهُوَ يُريدُ أن يُعيدَهُم إلى النُّقطةِ الَّتي ابتدأ بِها؛ أيْ إلى ذلكَ الانكسارِ بِسَببِ الخطيَّة. ولكنَّ الفَرِّيسيِّينَ لم يَفهَمُوا قَطّ الرِّسَالَة.
ومَا أعنيهِ هُوَ أنَّكُم تَسمعونَ الفَرِّيسِيَّ في لُوقا 18 إذْ إنَّهُ صَلَّى قَائِلاً: "اَللّهُمَّ أَنَا أَشْكُرُكَ أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي النَّاس". وَقد قالَ: "أنا أفعلُ كَذا، وأفعلُ كَذا". وفي كُلِّ تلكَ الصَّلاةِ لم يَذكُر حَاجَةً واحِدَةً إلى اللهِ... لم يَذكُر حَاجَةً واحِدَةً لأنَّهُ لم يَظُنَّ لَحظةً أنَّ لَديهِ حَاجَة لأنَّهُ كَانَ صَالِحًا جدًّا في نَظَرِ نَفسِه. وفي تِلكَ الزَّاويةِ البَعيدةِ وَقَفَ ذلكَ الرَّجُلُ الَّذي رَاحَ يَقرَعُ على صَدرِهِ قَائِلاً: "اللّهُمَّ ارْحَمْنِي، أَنَا الْخَاطِئَ". وقد قَالَ يَسوعُ: "إِنَّ هذَا نَزَلَ إِلَى بَيْتِهِ مُبَرَّرًا دُونَ ذَاكَ". فيسوعُ يُريدُ أن يُعيدَ الإنسانَ إلى النُّقطةِ الَّتي يُدركُ فيها عَدَمَ قُدرتِهِ على إرضاءِ اللهِ في جَسَدِه. لِذا فإنَّهُ يَصرُخُ في يَأسٍ بسببِ رُوحِهِ المَكسورِ، وَفي تَواضُعٍ وَحُزْنٍ طَالِبًا التَّبريرَ مِنَ الله. ولكِنْ لا شَكَّ في أنَّ اليهودَ كَانُوا يَحْسَبونَ أنفسَهُم أبرارًا.
فَقد كانُوا يَظُنُّونَ أنَّهُم مَاضُونَ إلى السَّماءِ، أو مَاضُونَ إلى المَلكوتِ؛ ولكنَّ يَسوعَ أرغَمَهُم على إعادَةِ التَّفكيرِ في ذلك، وعلى اتِّخاذِ قَرار، وعلى الاختيار. وَهُوَ نَفسُ الاختيارِ الَّذي يَنبغي لِكُلِّ واحِدٍ مِنَّا أن يَقومَ به أيضًا. والآن، بِوُصولِنا إلى العَدَدَيْن 13 و 14، بَاتَ الخِيارُ وَاضِحًا تَمامًا. وبالمُناسَبة، كَما ذَكَرْتُ، هَذهِ هِيَ الذُّروة. أمَّا بَقِيَّةُ الأصحاحِ فَهِيَ تَوضيحٌ لهذهِ الفِكرةِ وَشَرْحٌ لَها. وَسَوفَ نَرى ذلكَ في الأسابيعِ القَادِمَة. ولكِنْ مِنَ الآن فَصاعِدًا، بَاتَ الخِيارُ وَاضِحًا. فهُناكَ بَابانِ: البابُ الواسِعُ، والبابُ الضَّيِّق. وَهُناكَ طَريقان: الطَّريقُ الرَّحْبُ، والطَّريقُ الضَّيِّق. وَهُناكَ وُجْهَتان: الحَياةُ أوِ الهَلاك. وهُناكَ نَوعانِ مِنَ المُسافِرين: القِلَّة والكُثُر.
وَهُناكَ نَوعانِ مِنَ الأشجار: الجَيِّدةُ، والرَّدِيَّة. وَهُناكَ نَوعانِ مِنَ الثَّمَر: الثَّمَرُ الجَيِّدُ، والثَّمَرُ الرَّديءُ. وَهُناكَ نَوعانِ مِنَ البَنَّائِين: الحُكَماءُ، والأغبياء. وَهُناكَ نَوعانٍ مِنَ الأساسِ: الصَّخرُ، والرَّمل. وهُناكَ مَنزلانِ وعُنصُرانِ في العَاصِفَةِ يَذكُرُهما. بِعبارةٍ أخرى، إنَّ القَرارَ الحَاسِمَ هُوَ الفِكرةُ الجَوهريَّةُ في ذُروةِ العِظَة. وأقولُ مَرَّةً أخرى إنَّ يَسوعَ لا يُريدُ بَاقاتِ زُهورٍ على الأخلاقيَّاتِ، وَلا يُريدُ تَأجيلاً للشُّروط، بَل إنَّ مَا يُريدُهُ هُوَ العَملُ والتَّجاوُب. وَهُوَ يُرغِمُنا على اتِّخاذِ قَرار. ويا أحبَّائي، لا أعتقدُ أنَّنا نَفهمُ حَقًّا هَذا المَقطَع. ولكنِّي أعتقدُ أنَّهُ في نِهايةِ حَديثَنا في هذا الصَّباح، سَتَرَوْنَهُ بِطريقةٍ جَديدة.
هُناكَ أربَعُ مُفارَقاتٍ أريدُ مِنكُم أن تُلاحِظوها في هذهِ الآياتِ – أربَعُ مُفارَقات: المُفارقةُ الأولى هِيَ البَابان... البَابان: "اُدْخُلُوا مِنَ الْبَاب الضَّيِّقِ، لأَنَّهُ وَاسِعٌ الْبَابُ". ثُمَّ في العَدد 14: "مَا أَضْيَقَ الْبَابَ". فَهُوَ يَذكُرُ البَابَ الضَّيِّقَ مَرَّتَيْن، ويَذكُرُ البابَ الواسِعَ مَرَّةً. فَهُناكَ بَابان... بَابانِ فقط. وَكَما قُلْتُ فإنَّ كِلا الطَّريقَيْنِ يَزْعُمانِ أنَّهُما يُؤدِّيانِ إلى الخَلاص. وَكِلا الطَّريقَيْنِ يَزْعُمانِ أنَّهُما يُؤدِّيانِ إلى الله. وكِلا الطَّريقَيْنِ يَزْعُمانِ أنَّهُما يُؤدِّيانِ إلى المَلكوت. وكِلا الطَّريقَيْنِ يَزْعُمانِ أنَّهُما يُؤدِّيانِ إلى المَجد. وكِلا الطَّريقَيْنِ يَزْعُمانِ أنَّهُما يُؤدِّيانِ إلى البَرَكة. وكِلا الطَّريقَيْنِ يَزْعُمانِ أنَّهُما يُؤدِّيانِ إلى السَّماء. ولكِنَّ الطَّريقَيْنِ لا يُؤدِّيانِ حَقًّا إلى هُناك. فَواحِدٌ هُوَ طَريقُ البِرِّ الذَّاتِيِّ، والآخرُ هُوَ طَريقُ البِرِّ الإلهيِّ. وقَبلَ أن تَسيرَ في الطَّريق، يَنبغي أن تَدخُلَ مِنَ البَاب. لِذا فإنَّ البَابَ يَأتي أوَّلاً.
والآن، لِنَنظُر أوَّلاً إلى البابِ الضَّيِّق. وَهَذا هُوَ صُلْبُ التَّفسير. لِذا، سَوفَ نَصرِفُ وَقتًا أكثرَ في هذهِ النُّقطة. وأريدُ أن أبتدِئَ بِتَوضيحِ الفِكرةِ الَّتي يَنطوي عليها هذا البابُ الضَّيِّق. قَبلَ كُلِّ شَيءٍ، أوَّلُ شَيءٍ أراهُ عندما أنظُرُ إلى العَدد 13 هُوَ أنَّهُ يَنبغي لكَ أن تَدخُل. هَل فَهِمتُم ذلك؟ يَنبغي لكَ أن تَدخُل. فهُناكَ شُعورٌ بالإلحاحِ هُنا في هذا الفِعْلِ الَّذي يَرِدُ بِصيغةِ الأمر. فَهُوَ يَتَطَلَّبُ عَمَلاً الآن. افعَل ذلكَ الآن. ادخُل الآن. هَذا هُوَ الوَقتُ، وهذهِ هي اللَّحظةُ المُناسبةُ. وَهَذا هُوَ مَا يَدعوكَ اللهُ إلى القِيامِ بِه. يَجِبُ عليكَ أن تَفعلَ هذا. فَهُوَ ليسَ خِيارًا. إنَّها وَصِيَّة... وَصِيَّةٌ حَازِمَة. والآن، لَقد كانَ الرَّبُّ يُعَلِّمُهُم عن وُجودِ طَريقٍ ضَيِّقٍ جدًّا يُؤدِّي إلى الحَياة.
فطريقُهم كانَ يَنطوي على كُلِّ أنواعِ التَّهاوُنِ معَ الخطيَّة. وقد وَضعوا كُلَّ أنواعِ القوانينِ الَّتي تُخالِفُ نَاموسَ الله. وَقد وَضَعُوا كُلَّ أنواعِ المَعاييرِ الَّتي تَختلفُ عَن مَعاييرِ الله. وَقد ابتَكَروا نِظامًا مِن صُنعِ الإنسانِ يَختلفُ عَن شَريعةِ اللهِ. وكانَتْ كُلُّ أنواعِ الأشياءِ جُزءًا مِن نِظامِهم. وقد قالَ يسوعُ: "يَنبغي أن تَتخلَّصُوا مِن هَذا الشَّيء، وَيَنبغي أن تَتخلَّصُوا مِن ذلكَ الشَّيء، وَيَنبغي أن يَكونَ هَذا الأمرُ هَكذا، وَيَنبغي أن يَكونَ ذلكَ الأمرُ هَكذا". وَقد ضَيَّقَ الأمرَ أكثرَ فأكثرَ فأكثرَ إلى أنْ وَصَلَ إلى الأصحاحِ السَّابعِ والعددِ الثَّاني عشر حيثُ قَدَّمَ لَهُم نَهْجًا مُحَدَّدًا جدًّا وواضحًا جدًّا للعَيشِ لِمَجدِ الله. وَقد فَهِمُوا أنَّ ذلكَ الطَّريقَ ضَيِّقٌ جدًّا.
وَقد قَالوا في نِهايةِ الأصحاحِ إنَّ يَسوعَ يَتكلَّمُ "كَمَنْ لَهُ سُلْطَانٌ". وَهُوَ لم يَتكلَّم عن كُلِّ مَا كانَ مُعَلِّمو اليَهودِ يُعَلِّمونَهُ، بَل تَكَلَّمَ فقط عنْ أمورٍ مُحَدَّدة. لِذا فقد فَهِموا المَغزى. فعلى النَّقيضِ مِن نِظامِهم، كَانَ هَذا الطَّريقُ ضَيِّقًا جِدًّا ومُحَدَّدًا جِدًّا. ويسوعُ يَقولُ: "يَنبغي أن تَسلُكوا في هذا الطَّريقِ الضَّيِّق. فإن أردتُم أن تَدخُلوا مَلكوتي، يَنبغي أن تَأتوا بهذهِ الشُّروط". وقد طَالَبَ بِتَجاوُبٍ فَورِيٍّ. فهي وَصِيَّةٌ حَازِمَة، وَلا يُوجَد بَديلٌ آخر. فَلا يَكفي أن تَستمعَ إلى وَعْظٍ عَنِ البَاب، وَلا يَكفي أن تُبدي إعجابَكَ بالأخلاقيَّاتِ، بَل يَنبغي أن تَدخُل. فَهُوَ يَقولُ: "لا يُمكِنُكَ أن تَدخُلَ المَلكوتَ إلاَّ إذا جِئْتَ بالشُّروطِ التَّالية: أنْ تَتَخَلَّى عَن بِرِّكَ الذَّاتِيِّ، وأنْ تَرى نَفسَكَ مِسكينًا بالرُّوح، وأنْ تَحزن على الخطيَّة، وأنْ تَتواضَع أمامَ اللهِ القُدُّس عِوَضًا عَن أن تَكونَ مُفتَخِرًا أو مُتكبِّرًا، وأن تَجوعَ وتَعطَشَ إلى البِرّ؛ لا أن تَظُنَّ أنَّكَ بَارّ".
يَنبغي أن تَأتي بِشروطِه. وسوفَ تَكونُ جَهَنَّمُ مُزدحمةُ بأناسٍ أبدوا إعجابَهُم بالعِظَةِ على الجَبل. لِذا، لا بُدَّ مِن أن تَدخُل. النُّقطةُ الثَّانية: يَنبغي أن تَدخُلَ مِن هذا الباب. يَنبغي أن تَدخُلَ مِن هذا الباب. "ادخُلوا مِنَ البابِ الضَّيِّق". فهو يَقولُ إنَّهُ يُوجَدُ بَابٌ وَاسِعٌ، ولكِنَّهُ لا يَقولُ لَكَ أن تَدخُلَ مِن ذلكَ البابِ لأنَّهُ يُؤدِّي إلى الهَلاك. يجبُ عليكَ أن تَدخُل. فلا يَكفي أن تَقِفَ وَتُبدي إعجابَكَ بِهِ، بَل يَنبغي أن تَدخُلَ مِنهُ. فإنْ أردتَ أن تَدخُلَ الملكوتَ، يَجِبُ عليكَ أن تَدخُلَ مِن هذا الباب. والبابُ ضَيِّقٌ جدًّا. أليسَ كذلك؟ فَهُوَ مُحَدَّدٌ جدًّا. والنَّاسُ يَقولونَ: "إنَّ المَسيحيَّةَ لا تَترُكُ مَجالاً لأيَّة دِيانَة أخرى". هَذا صَحيحٌ تَمامًا. ولكِنَّنا لا نَفعلُ ذلكَ لأنَّنا أنانِيُّونَ، أو مُتَكَبِّرونَ، أو لأنَّنا مُتَبَجِّحونَ، بَل نَفعلُ ذلكَ لأنَّ هَذا هُوَ مَا قَالَهُ اللهُ.
فإنْ قَالَ اللهُ إنَّهُ تُوجَدُ ثَماني وأربعونَ طَريقة للخَلاص، سَوفَ أعِظُ بِها جَميعًا. ولكِنْ لا تُوجَد. "وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ [مَاذا؟] نَخْلُصَ". لا يُوجَدُ اسمٌ آخر غَير يَسوع. (أعمال الرُّسُل 4: 12). "أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاة... أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ... أَنَا هُوَ الْبَابُ... جَمِيعُ الَّذِينَ أَتَوْا قَبْلِي هُمْ سُرَّاقٌ وَلُصُوصٌ" (يوحنَّا 10). ونَقرأُ في الرِّسالة الأولى إلى تيماوثاوس والأصحاح الثَّاني: "لأَنَّهُ يُوجَدُ... وَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ". واحِدٌ فقط. فلا يُوجَدُ اسمٌ آخر. المَسيحُ وَلا أحَدَ سِواه. فالطَّريقُ ضَيِّقٌ هكذا. وَهُوَ مُحَدَّدٌ جدًّا. ولا تُوجَدُ بَدائِل. وينبغي لكَ أن تَدخُل. فينبغي لكَ أن تَدخُلَ بإرادَتِكَ وبإيمانٍ شَخصيٍّ حَسَبَ شُروطِ اللهِ وَمِنَ البَابِ الَّذي حَدَّدَهُ اللهُ. والمَسيحُ هُوَ ذلكَ الباب. وَهُوَ ذلكَ الطَّريق. فَمِنْ حَقِّ اللهِ القُدُّسِ أن يُقَرِّرَ أساسَ الخَلاص. وقَد قَرَّرَ أنَّ يَسوعَ المَسيحَ وَحدَهُ هُوَ الطَّريق.
ثَالثًا: لقد قُلنا إنَّهُ يَنبغي لكَ أن تَدخُلَ، وَيَنبغي أن تَدخُلَ مِنَ البابِ الضَّيِّقِ، ثُمَّ يَنبغي أن تَدخُلَ بِمُفردِك. يَنبغي أن تَدخُلَ بِمُفردِك. وأنا أرى أنَّ ذلكَ الأمرَ مُشارٌ إليهِ ضِمنيًّا في النَّصّ. فإن دَرستُم الكَلِمَة "ضَيِّق" سَتُدركونَ أنَّهُ بَابٌ ضَيِّقٌ جدًّا. والحَقيقةُ هِيَ أنَّ شُرَّاحًا كَثيرينَ يَقولونَ إنَّ أفضلَ مَثَلٍ إيضاحِيٍّ مُعاصرٍ على ذلكَ البابِ هُوَ البَابُّ الدَّوَّار. فَهُوَ بَابٌ يَنبغي أن تَدخُلَ مِنهُ بِمُفرَدِكَ. فالجَوانِبُ ضَيِّقة جدًّا، وهُناكَ ذِراعٌ يَنبغي أن تَدفَعَها لِتَدخُل. فعندما أذهبُ أنا وَعائلتي إلى حَديقةِ الحَيَواناتِ، أو عندما نَذهبُ في رِحلةٍ بالقِطارِ، أو نَذهبُ في رِحلةٍ بالطَّائرةِ، لا بُدَّ أن نَدخُلَ مِن مَكانٍ كَهذا: مِن بَابٍ دَوَّار.
والجَميعُ يَكونونَ في عَجَلَةٍ مِن أمرِهم. ولِكِنَّنا نُدركُ دائمًا عندما نَذهبُ إلى هُناكَ أنَّنا لا نَستطيعُ أن نَدخُلَ جَميعًا مِن ذلكَ الباب. هَل يُمكِنُنا أن نَفعلَ ذلكَ أيُّها الصِّغار؟ لا، بَلْ يَجِبُ علينا أن نَدخُلَ واحِدًا وَاحِدًا. هكذا هِيَ حَالُ البابِ الضَّيِّق. فلا يُمكِنُكم أن تَدخُلوا مَلكوتَ المَسيحِ أفواجًا. فقد كانَ اليهودُ يَقولون: "نَحنُ جَميعًا في المَلكوت. وَنَحنُ جَميعًا نَسلُكُ الطَّريقَ نَفسَهُ. وَنَحنُ جَميعًا نَدخُلُ مَعًا بِناءً على الإرْثِ الإبراهيميِّ، وبِناءً على النَّسَبِ اليَهوديِّ، وبِناءَ على الخِتان. فَنَحنُ هُنا جَميعًا". وأعتقدُ أنَّ هُناكَ أُناسًا يَظُنُّونَ أنَّهُم يَسيرونَ على الطَّريقِ الصَّحيحِ الَّذي يُؤدِّي إلى السَّماء. وَقَد سَارُوا على هذا الطَّريقِ عندما جاؤوا إلى الكنيسة. فَقد جاؤوا إلى الكنيسة. وحيثُ إنَّنا جَميعًا في الكنيسة، فإنَّ جَميعَ مَن في الكَنيسةِ يَدخُلونَ مَعًا. ولكِنْ لا يُمكِنُ لمَجموعَةٍ مِنَ الأشخاصِ أن يَدخُلُوا مَعًا مِنَ البابِ الدَّوَّارِ يا أحبَّائي.
بَلْ يَنبغي أنْ تَدخُلَ بِمُفرَدِكَ. فالخَلاصُ شَيءٌ فَرديٌّ. ولا يُمكِنُ للنَّاسِ أن يَخلُصُوا في جَماعات. صَحيحٌ أنَّهُ عندما يُؤمِنُ شَخصٌ واحِدٌ فإنَّ ذلكَ قَد يُؤثِّرُ في شَخصٍ آخر فيُؤمِن هُوَ أيضًا؛ ولكِنَّ خَلاصَ كُلِّ إنسانٍ هُوَ شَيءٌ حَصرِيٌّ وشَخصيٌّ جدًّا. وَهُوَ يَسمَحُ بِدُخولِ شَخصٍ واحدٍ فقط كُلَّ مَرَّة. وَهَذا شَيءٌ صَعبُ التَّصديقِ كَما تَعلمونَ لأنَّنا صَرَفْنا كُلَّ حَياتِنا في الالتِفافِ حَولَ النَّاسِ، وَلأنَّنا صَرَفْنا كُلَّ حَياتِنا في القِيامِ بِما يَقومُ بِهِ الجَميع، وفي الانضمامِ إلى مَجموعاتٍ، وفي الانضمامِ إلى الرِّفاق، وبالانضمامِ إلى النِّظامِ مِن حَولِنا، وبالسَّعيِ إلى أن نَكونَ مَقبولين. وفجأةً يَقولُ المَسيحُ: "يَنبغي أن تَأتي؛ ولكِن يَنبغي أن تَسيرَ في هذا الطَّريقِ كُلِّهِ بِمُفردِك". وفي نَظرِ الفَرِّيسِيِّ، كانَ هَذا يَعني أن تُوَدِّعَ هؤلاءِ الأشخاصَ وذلكَ النِّظام، وَأن تَدخُلَ بِمُفردِك.
فَهُناكَ ثَمَنٌ يَنبغي أن تَدفَعَهُ... ثَمَنٌ حَقيقيٌّ. فَلا يَكفي أن تَدَّعِي أنَّكَ مِنْ نَسْلِ إبراهيم. وَلا يَكفي أن تَتَّكِلَ على خِتانِك. وَلا يَكفي أن تَقول: "لَقد وُلِدتُ في عَائلةٍ مَسيحيَّةٍ وأذهبُ إلى الكَنيسةِ طَوالَ حَياتي". فأنتُم لا تَدخُلُونَ المَلكوتَ في جَماعاتٍ، بَل تَدخُلُ بِمُفرِدَكَ بالإيمان. فينبغي أن تَدخُلَ، ويَنبغي أن تَدخُلَ مِنَ البَابِ الضَّيِّقِ، ويَنبغي أن تَدخُلَ بِمُفردِك. ثُمَّ استَمِعُوا إلى هذهِ النُّقطةِ الرَّابعة: يَنبغي أن تَدخُلَ بِصُعوبَةٍ شَديدَة... بِصُعوبَةٍ شَديدَة. والآن، أنا أعلَمُ أنَّ هَذا الكَلامَ يَصدُمُ أُناسًا كَثيرين لأنَّنا نَسمَعُ طَوالَ الوَقتِ أنَّ الخَلاصَ سَهلٌ. فَكُلُّ مَا يَنبغي لكَ أن تَفعلَهُ هُوَ أن تُؤمِنَ وَحَسْب، وَأن تَكتُبَ اسمَكَ على بِطاقَةٍ صَغيرةٍ، أو أن تَسيرَ بينَ المَقاعِد، أو تَرفَعَ يَدَكَ، أو تَذهبَ إلى غُرفةِ الصَّلاةِ، أو أيَّ شَيءٍ آخر. فقد جَعلنا الأمرَ سَهلاً.
ولكِنَّ الشَّيءَ الوَحيدَ الحَقيقيَّ هُوَ أنَّنا عِندَما نَنتَهي مِن فِعلِ ذلكَ فإنَّنا نَرى أنَّ النَّاسَ ليسُوا على الطَّريقِ الصَّحيحِ لأنَّهُم لم يَدخُلوا مِنَ البابِ الضَّيِّق. والآن، لا أريدُ أن أصدُمَكُم كَثيرًا؛ ولكنِّي أُوْمنُ بأنَّهُ مِنَ الصَّعبِ جدًّا جدًّا أن تَخلُص. هَل سَمِعتُم ذلك؟ اسمَحُوا لي أن أُريكُم لماذا. نَقرأُ في نِهايةِ العَدد 14 بخصوصِ البابِ الضَّيِّقِ والطَّريقِ الضَيِّق: "وَقَلِيلُونَ هُمُ الَّذِينَ [مَاذا؟] يَجِدُونَهُ". والمَعنى الضِّمنِيُّ هُوَ أنَّكَ لَن تَعلَمَ حَتَّى بأنَّهُ مَوجودٌ مَا لَم تَفعل ماذا؟ تَبحَث عنهُ. وقد جَاءَ على لِسانِ أحدُ أنبياءِ العهدِ القديمِ أنَّ اللهَ قَالَ: "وَتَطْلُبُونَنِي فَتَجِدُونَنِي إِذْ تَطْلُبُونَنِي بِكُلِّ قَلْبِكُمْ". فلا أَظُنُّ أنَّ أيَّ شَخصٍ يُمكِنُ أن يَتَعَثَّرَ وَيَسقُطَ وَيَجِدَ نَفسَهُ في مَلكوتِ الله. وَلا أُوْمِنُ بأنَّ دُخولَ المَلكوتِ أمرٌ هَيِّن. فَهذِهِ نِعْمَةٌ رَخيصَةٌ، وهَذا إيمانٌ سَهلٌ.
وَهَذا هُوَ نَهْجُ الأشخاصِ الموْلَعِيْنَ بالنَّهْضات. ارفَع يَدَكَ [أوْ تَقَدَّم إلى الأمام، أوِ اكتُب اسمَكَ على البِطاقَة] فَتَصيرُ مَسيحيًّا. وعندما يَقولُ شَخصٌ: "أنا أُوْمِنُ... أنا أُوْمِنُ بيسوع"، نَقولُ لَهُ: "حسنًا، لَقد صِرتَ عُضْوًا في العَائلة". ولكِنَّ العِبارَةَ "وَقَلِيلُونَ هُمُ الَّذِينَ يَجِدُونَهُ" تُشيرُ إلى أنَّهُ يَنبغي لكَ أن تَبحثَ عَنهُ، وَأنَّهُ يَنبغي لكَ أن تُفَتِّشَ عَنهُ. واسمَحُوا لي أن أَتَعَمَّقَ في ذلكَ قَليلاً: انظُروا مَعي إلى إنجيل لُوقا والأصحاح 13. وسوفَ أُريكُم آيةً سَتَصدُمُكُم حَقًّا. فنحنُ نَقرأُ في إنجيل لُوقا 13 والعَدد 22 أنَّ يَسوعَ عَبَرَ العَديدَ مِنَ المُدُنِ والقُرى وكانَ يُعَلِّم إلى أن وَصَلَ إلى أورُشليم. وبسببِ خِدمتِهِ، كانَ مِنَ الواضِحِ لِمُرافِقيهِ أنَّ هُناكَ أشخاصًا لم يُؤمِنوا كما كانوا يَتوقَّعون. فَمِنَ الصَّعبِ علينا أن نَفهمَ دائمًا كيفَ أنَّ النَّاسَ لا يَتجاوبونَ مَعَ يَسوع.
لِذا فقد قالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنهُم في العَد 23: "يَا سَيِّدُ، أَقَلِيلٌ هُمُ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ؟" بعبارةٍ أخرى، لَقد لاحَظَ أنَّ هُناكَ أشخاصًا كَثيرينَ لم يَتجاوَبوا. لِذا فإنَّهُ يَقولُ: "يَا رَبُّ، أَقَلِيلٌ هُمُ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ؟" وَقد رَدَّ عَليهِ؛ ولكنَّهُ رَدَّ على السُّؤالِ الَّذي يَليهِ والذي لم يَسألوهُ بَعد. فقد كانَ جَوابُ السُّؤالِ الأوَّل هُوَ: "أجل". وكانَ السُّؤالُ الَّذي يَليهِ هُوَ: "لِماذا؟" وَقد أجابَ قَائِلاً: "اجْتَهِدُوا أَنْ تَدْخُلُوا مِنَ الْبَابِ الضَّيِّق". والكلمة "اجتِهِدُوا" هِيَ في اليُونانيَّة "أغونيتزوماي" (agonizomai)؛ وهي الكلمة الَّتي اشتُقَّتْ مِنها الكلمة "أغونايز" (agonize)؛ وهي تُستخدَمُ في رِسالة كورنثوس الأولى 9: 25 للإشارةِ إلى الرِّياضيِّ الَّذي يُجاهِد في سَبيلِ الفَوز. وَهِيَ تُستخدَمُ أيضًا في رِسالةِ كولوسي 4: 12 للإشارةِ إلى الجِهادِ الشَّديد. وَهِيَ تُستخدَمُ أيضًا في رِسالةِ بولُس الأولى إلى تيموثاوس 6: 12 للإشارةِ إلى القِتال. بعبارةٍ أخرى فإنَّ الرَّبَّ يَقولُ إنَّ الخَلاصَ يَتَطَلَّبُ جِهادًا، وَإنَّهُ يَتَطَلَّبُ خَوضَ حَرْب.
إنَّها حَماسَةٌ مَطلوبَة، وجِهادٌ للدُّخولِ مِنَ البابِ الضَّيِّق. وَهُناكَ كَثيرونَ (خِلافًا للقَليلينَ) سيُحاولونَ أن يَدخُلوا مِنه؛ ولكنَّهُم لن يَتمكَّنوا مِن ذلك. والآن، لاحِظُوا مَا يَلي: مِنَ الصَّعبِ أن تَنالَ الخَلاصَ، بِحَسَبِ كَلامِ يَسوعَ، لأنَّهُ [أوَّلاً] يَنبغي أن تَسعَى إلى ذلك. وهُناكَ أشخاصٌ كَثيرونَ يَسعَوْن. ولكِنْ عندما يَعرفونَ ثَمَنَ الدُّخولِ فإنَّهُم لا يَعُودونَ رَاغِبينَ في ذلك. وهذهِ عِبارةٌ قَويَّةٌ جدًّا. اسمَعوني: لا يُمكِنُكَ أن تَصيرَ مَسيحيًّا مِن خِلالِ التَّقَدُّمِ إلى الأمامِ في الكَنيسة. وَلا يُمكِنُكَ أن تَصيرَ مَسيحيًّا بطريقةٍ رَخيصةٍ وسَهلة. في إنجيل مَتَّى 11: 12، يَقولُ الكتابُ المقدَّس: "مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ يُغْصَبُ، وَالْغَاصِبُونَ يَخْتَطِفُونَهُ". فَهُناكَ مَا يُشْبِهُ العُنْفَ في دُخولِ المَلكوت.
وفي إنجيل لُوقا 16: 16، يَقولُ الرَّبُّ: "كُلُّ وَاحِدٍ [يَدخُلُ المَلكوتَ] يَغْتَصِبُ نَفْسَهُ إِلَيْه". والآن، هَذا ليسَ مَا تَسمَعونَهُ، ولكِنَّ هَذا هُوَ مَا قَالَهُ يَسوع. فالمَلكوتُ هُوَ لهؤلاءِ الَّذينَ يَطلبونَهُ مِن كُلِّ قُلوبِهم. والمَلكوتُ هُوَ لهؤلاءِ الَّذينَ يُجاهِدونَ أو يَبذُلونَ جُهدًا في الدُّخولِ إليه، ولهؤلاءِ الَّذينَ يَشعُرونَ بِحُزنٍ شَديدٍ في قُلوبِهم بِسَببِ خَطيَّتِهم، والَّذين يَبْكُونَ بِتَواضُع، ويَجوعونَ ويَعطشونَ للبِرّ، ولا يَشعُرونَ بالارتواء، ويَتوقونَ إلى أن يُغَيِّرَ اللهُ حَياتَهُم. فَهُوَ ليسَ للأشخاصِ الَّذينَ يَأتونَ بطريقةٍ رَخيصةٍ ويُريدونَ يَسوعَ مِن دُونِ أيِّ تَغييرٍ في حَياتِهم. لِذا، عندما قَالَ يَسوعُ إنَّهُ لا يُمكِنُ للإنسانِ أن يَدخُلَ بِتَكاسُلٍ إلى المَلكوتِ، كَانَ يَعني بِذلك: "لِكَي تَدخُلَ إلى مَلَكوتي، يَجبُ عليكَ أن تَسعَى إلى ذلكَ بِحَماسَةٍ شَديدةٍ، وَطاقَةٍ قُصوى، وَجُهدٍ عَظيم".
والحَقيقةُ هِيَ أنَّهُ قَالَ في إنجيل يَوحَنَّا 16: 33: "فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ". فَالخَلاصُ ليسَ سَهلاً البَتَّة. وليسَ مِنَ السَّهلِ البَتَّة أن تَصيرَ مَسيحيًّا لأنَّ كُلَّ الجَحيمِ يِقِفُ ضِدَّك. فالشَّيطانُ وأعوانُهُ والطَّابورُ الخَامِسُ الَّذي يَستخدِمُهُ الشَّيطانُ هُوَ الجَسَدُ الَّذي فيكَ. فَكُلُّ ذلكَ يُقاوِمُ الخَلاص. وبِقوَّةِ اللهِ، يَجِبُ علينا أن نَغلِبَ الشَّيطانَ والجسدَ لكي نَدخُلَ المَلكوت. يَقول "ويليام هندركسن" (William Hendriksen): "لِذا فإنَّ المَلكوتَ ليسَ للمَهزوزينَ، والمُتَذبذِبينَ، والمُساوِمينَ. وَهُوَ ليسَ لِأشباهِ بَلعام، وَلا لأشباهِ الحَاكِمِ الغَنِيِّ الشَّابِّ، وَلا لأشباهِ بيلاطُس، وَلا لأشباهِ دِيماس". وَهُوَ يَقولُ: "وَلا يُمكِنُكَ أن تَنالَهُ مِن خِلالِ الصَّلواتِ الَّتي تُؤجِّلُها، وَلا مِن خِلالِ الوُعودِ الَّتي تَنكُثُ بِها، وَلا مِن خِلالِ القَراراتِ الَّتي لا تَلتَزِمُ بها، وَلا مِن خِلالِ الشَّهاداتِ الَّتي تَتَرَدَّدُ في تَقديمِها.
"بَلْ هُوَ للأشخاصِ الأقوياءِ والرَّاسِخينَ مِثلَ يُوسُف، وَناثان، وَإيليَّا، وَدانيال، ومُرْدَخاي، وَبُطرس، وبولُس. وَلا يَفوتُنا أيضًا أن نَذكُرَ رَاعوث، ودَبُورَة، وَأستير، وَليديَّة" [نِهايةُ الاقتباس]. وأنا أعتقدُ أنَّ واحِدةً مِن أكاذيبِ الشَّيطان الكُبرى في العالَمِ اليوم هِيَ أنَّهُ مِنَ السَّهلِ أن تَصيرَ مَسيحيًّا... أنَّ الأمرَ هَيِّن. فَهُوَ ليسَ هَيِّنًا. إنَّهُ ليسَ بالأمرِ الهَيِّن البَتَّة. فَالبابُ ضَيِّقٌ جدًّا. وَيَنبغي أن تَدخُلَ مِنهُ بِمُفردِك. ويَنبغي أن تُجاهِدَ طُولَ الطَّريقِ بسببِ خَطاياك. وينبغي أن تَكونَ مَكْسُورًا في رُوحِكَ. وَقد يَقولُ قَائِلٌ: "حسنًا، ولكنَّ هَذا الشَّيءَ الَّذي تَتحدَّثُ عَنهُ يُشبِهُ دِيانَةَ الإنجازِ البَشريِّ".
لا! بَل إنَّهُ عِندَما تَنكَسِرُ، وتَعتَرِفُ بأنَّكَ لا تَستطيعُ في ذاتِكَ أن تَفعلَ ذلك فإنَّ المَسيحَ يُغْدِقُ عليكَ نِعْمَةً فَوقَ نِعمَةٍ لكي يُقوِّيكَ حَتَّى تَبذُلَ كُلَّ ذلكَ الجُهدِ المَطلوبِ لِدُخولِ المَلكوت. فَعندما تَنكَسِرُ فإنَّ قُوَّتَهُ تَصيرُ مَصدَرَ قُوَّتِك. ولكِن يَنبغي أن تَدخُلَ، ويَنبغي أن تَدخُلَ مِنَ البابِ الضَّيِّق، ويَنبغي أن تَدخُلَ بمُفردِك، ويَنبغي أن تَدخُلَ بِصُعوبَة، ثُمَّ يَنبغي أن تَدخُلَ عَارِيًا. فَلا يُمكِنُكَ أن تَدخُلَ مِنْ بَابٍ دَوَّارٍ وَأنتَ تَحمِلُ حَقائِب. هَل لاحَظتُم ذلكَ يَومًا؟ فَالأمرُ مُستحيل، وَلا يُمكِنُكَ أن تَفعلَ ذلك. فَهُوَ بَابُ... لاحِظُوا مَا يَلي: إنَّهُ بَابُ نُكرانِ الذَّات. فَهُوَ ليسَ البَابُ الَّذي يُرَحِّبُ بالنُّجومِ الَّذينَ يُريدُونَ أن يُدْخِلوا كُلَّ نُفاياتِهِم إلى الدَّاخِل؛ بَل هُوَ بَابٌ يَتطلَّبُ مِنكَ أن تَتَعَرَّى مِن ذَاتِك، وَمِنْ بِرِّكَ الذَّاتِيِّ، ومِنَ الخطيَّةِ، وَمِنَ الفَسادِ الأخلاقِيِّ، ومِن كُلِّ شَيء. فيجبُ عليكَ أن تَتَخَلَّى عن كُلِّ ذلك؛ وَإلاَّ فإنَّكَ لن تَتمكَّنَ مِن دُخولِه.
لَقد جاءَ الحَاكِمُ الشَّابُّ إلى البَاب. فَقد بَحَثَ وَسَعَى بِجِدٍّ حَقًّا. وَقد وَجَدَ يَسوعَ وَقال: "ماذا يَنبغي أن أفعلَ لكي أدخُلَ المَلكوت؟ لقد أتيتُ بَاحِثًا. فَقد بَحَثْتُ وأريدُ أن أدخُلَ الملكوت". وقد لَمَسَ الرَّبُّ صَميمَ مُشكلتِهِ بأنْ قَالَ لَهُ: "اذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاء". وَهَل تَعلمونَ مَاذا فَعَل؟ لقد ضَرَبَهُ في الصَّميم. فقد كانَ يُحاوِلُ أن يَدخُلَ البابَ بأمتِعَتِهِ؛ أيْ بأموالِهِ. وبصراحَة، مِن جِهَةٍ أخرى، لَقد كَانَ مُعْتَدًّا بِبِرِّهِ الذَّاتِيِّ لأنَّهُ عندما تَحدَّثَ الرَّبُّ عَن كُلِّ الأشياءِ الَّتي يَنبغي أن يَفعلها قال إنَّهُ فَعَلَ كُلَّ تلكَ الأشياء.
لِذا فقد جَاءَ بِبِرِّهِ الذَّاتِيِّ مِن جِهَة، وَبكُلِّ أموالِهِ مِن جِهةٍ أخرى؛ ولكنَّهُ لم يَتمكَّن مِنَ الدُّخول. ويُخبرُنا الكِتابُ المُقدَّسُ أنَّهُ "مَضَى حَزِينًا". فَقد بَحَثَ، ولكِنَّهُ لم يَكُن مُستعدًّا لحَياةِ التَّضحيةِ، وإنكارِ الذَّاتِ، والنَّدَمِ على الخطيَّة، والعُرِيِّ المَطلوبِ للدُّخولِ مِنَ البَاب. لِذا، إنْ لم تَكُنْ قَدْ دَخَلْتَ بتلكَ الطَّريقة، أعتقدُ أنَّكَ تَسيرُ في الطَّريقِ المَغلوط. صَحيحٌ أنَّهُ يَحمِلُ لافِتَةً تَقولُ إنَّهُ يُؤدِّي إلى السَّماء، ولكِنَّهُ لا يُؤدِّي إلى هُناك. وَحَتَّى إنَّهُ قَد يَحْمِلُ لافِتَةً كُتِبَ عليها الاسم "يَسوع". ولكِن لا بُدَّ مِن إنكارِ النَّفسِ، وإنكارِ أيِّ اتِّكالٍ على الذَّات، وَإنكارِ البِرِّ الذَّاتِيِّ. وأعتقدُ أنَّ الرَّبَّ عَبَّرَ عَن ذلكَ تَعبيرًا رائعًا في إنجيل مَتَّى 18: 3 حينَ قَال: "إِنْ لَمْ تَرْجِعُوا وَتَصِيرُوا مِثْلَ الأَوْلاَدِ فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَات".
وَما الَّذي يَجعلُ الطِّفلَ مُمَيَّزًا؟ إنَّهُ الاتِّكالُ الكَامِل... الاتِّكالُ الكَامِل. "ليسَ في يَدي شَيءٌ أُقَدِمُهُ لَكَ؛ بَلْ أتَشَبَّثُ وَحَسْب بِصَليبِك". فالإيمانُ المُخَلِّصُ ليسَ مُجرَّدَ قَرارٍ ذِهنيٍّ، بَل هُوَ تَجَرُّدٌ مِنَ الذَّاتِ، وَعُرْيٌ كَامِل. وَهُوَ يَعني أن تَقْرَعَ صَدرَكَ وَتَقول: "اللَّهُمَّ ارْحَمْني، أنا الخَاطِئ". وَأعتقدُ أنَّ الرَّبَّ هُنا يَتحدَّثُ عَن خَطَرِ الخَلاصِ السَّهلِ الَّذي يَقول: "تَعالَ وَحَسْب إلى يَسوع. إنَّهُ أمرٌ هَيِّن. آمِنْ وَحَسْب. كُلُّ مَا يَنبغي لكَ أن تَفعلَهُ هُوَ أن تُؤمِن. صَلِّ صَلاةً قَصيرةً". لا يُوجَد شَيءٌ يُعيبُ الإيمانَ، وَلا يُوجَدُ شَيءٌ يُعيبُ الصَّلاةَ؛ ولكنَّ هذهِ الأشياءَ لا تُخَلِّصُ الإنسانَ حَقًّا عِندَما تُمارَسُ في الفَراغ. فَنَحنُ لا شَيء وَلا نَمْلِكُ أيَّ شَيءٍ يَجعَلُنا مَقبولينَ لَدى الله.
إذًا، يَنبغي أن تَدخُل، ويَنبغي أن تَدخُلَ مِنَ البابِ الضَّيِّق، ويَنبغي أن تَدخُلَ بمُفردِك، ويَنبغي أن تَدخُلَ بِصُعوبة، ويَنبغي أن تَدخُلَ عَارِيًا، ثُمَّ يَنبغي أن تَدخُلَ بِتَوبَة. فَلا أَعتقدُ أنَّهُ يُمكِنُكَ أن تَدخُلَ مَا لَم تَتُبْ في قَلبِكَ عَنِ الخطيَّة، وَما لم تَترُك الخطيَّةَ وتَعبُد اللهَ الحَيَّ. فعندما كانَ يُوحَنَّا المَعمدانُ يُهَيِّئُ النَّاسَ لمَجيءِ المَسِيَّا، كانُوا يَأتونَ ويَعْتَمِدونَ لأنَّهُم أرادُوا أن يَطْهُروا مِن خَطاياهُم. وَأيُّ شَخصٍ، في الإطارِ اليَهوديِّ، يَعلَمُ أنَّ الاستِعدادَ لِمَجيءِ المَسيَّا يَتطلَّبُ تَطهيرَ القَلبِ مِنَ الخطيَّة. وَقد قالَ "تشارلز هادُّون سبيرجن" (Charles Haddon Spurgeon)، ذلكَ الوَاعِظُ العَظيمُ: "يَنبغي أن تَنفَصِلَ عَن خَطاياكَ؛ وَإلاَّ لَن تُوجَد شَرِكَةٌ بينَكَ وبينَ الله".
وَقد قَالَ: "لا يُمكِنُكَ أن تَحتفِظَ بخطيَّةٍ واحِدَة، بَل يَنبغي أن تَتخلَّصَ مِنها جَميعًا. فَينبغي أن تُخرِجَها جَميعَها [كَما تَمَّ إخراجُ المُلوكِ الكَنعانِيِّينَ مِنَ المَغارَةِ] وأن تُعَلِّقَها تَحتَ أشِعَّةِ الشَّمس" [نِهايةُ الاقتباس]. فَيجبُ علينا أن نَترُكَ الخطيَّةَ وَنأتي إلى الله. فَينبغي أن تَكونَ هُناكَ تَوبة. وأخيرًا، يَجبُ عليكَ أن تَدخُلَ البابَ الضَّيِّقَ بِمُفردِكَ، وبصعوبة، وعُريانًا، وتائِبًا، وفي تَسليمٍ كامِلٍ للمَسيح... في تَسليمٍ كَامِلٍ للمَسيح. فلا أعتقدُ أنَّ الإنسانَ يَستطيعُ أن يُولَدَ ثَانيةً [كَما أشارَ يَسوعُ هُنا] مِن خِلالِ إضافَةِ يَسوعَ إلى أنشطَتِهم الجَسديَّة. فَلا أعتقدُ أنَّ الخَلاصَ هُوَ إضافَةُ شَيءٍ، بَل أعتقدُ أنَّ الخلاصَ تَغيير. فالمَغزى مِنْ رِسالةِ يوحنَّا الأولى هُوَ أنَّكَ إنْ كُنتَ مَفديًّا حَقًّا فإنَّ ذلكَ سَيَظهَرُ جَلِيًّا مِن خِلالِ التَّغييرِ الَّذي حَدَثَ في حَياتِك حيثُ تَعتَرِفُ بخطيَّتِك، وتَصيرُ حَياتُكَ مُتَّسِمَةً بالطَّاعَة، وتَصيرُ المَحبَّةُ ظَاهِرَةً فيها.
فالخَلاصُ يَظهَرُ مِن خِلالِ تَغييرِ حَياتِك. وَحَتَّى إنَّ يَسوعَ قَال: "يُمكِنُني أن أُمَيِّزَ تَلاميذي الحَقيقيِّينَ مِن خِلالِ طَاعَتِهم لِكَلامي. فَهُم يُطيعونَ كَلامي". فَقد يَقولُ قَائِل: "أنا مَسيحيٌّ"، ولكِنْ مِن دُونِ وُجودِ عَلامَةٍ على الطَّاعَةِ في حَياتِه. صَحيحٌ أنَّهُ قد يَظُنُّ نَفسَهُ مَسيحيًّا، ولكِنَّهُ لا يَسيرُ في الطَّريقِ الصَّحيح. وَصَحيحٌ أنَّ الطَّريقَ قَد يَحمِلُ لافِتَةً تَقول: "السَّماء"، وصَحيحٌ أنَّهُ قَد يَحمِلُ لافِتَةً تَقول: "يَسوع"؛ ولكِنَّهُ قَد لا يَكونُ الطَّريقَ الصَّحيح وَلا الباب الضَّيِّق جدًّا. على النَّقيضِ مِن ذلك، هُناكَ بَابٌ وَاسِع. وَلَسنا بِحاجَةٍ إلى التَّحدُّثِ كَثيرًا عنه. فَهُوَ وَاضِحٌ مِن خِلالِ هذهِ المُفارَقَة. فالبابُ الوَاسِعُ يُتيحُ للجَميعِ أن يَدخُلوا مِنه مَعًا. فَأنتَ لَستَ بِحاجَةٍ أن تَأتي بِمُفردِك، بَل يُمكِنُ لِكُلِّ رِفاقِكَ أن يَدخُلوا مَعَك. فَباستِطاعَتِهم جَميعًا أن يَدخُلوا مَعًا. فَهُمْ يَنْضَمُّونَ إلى الكَنيسةِ وَيَدخُلونَ مَعًا. فَلا يُوجَدُ شَيءٌ فَردِيٌّ فيه.
بَلْ يُمكِنُ لكُلِّ النَّاسِ أن يَدخُلوا مِنه معًا. وَهُوَ لا يَتطلَّبُ إنكارَ الذَّات. فيُمكنكَ أن تُدخِلَ مَا تَشاء: خَطاياكَ، وكُلَّ فَسادِكَ الأخلاقِيِّ، وكُلَّ عَدمِ تَوبَتِك، وعَدمَ تَكريسِكَ للمسيح. فيُمكِنُكَ أن تَدخُلَ وَحَسْب مِن بَوَّابَة الانغماسِ الذَّاتِيّ. وهُناكَ أُناسٌ كَثيرونَ يَدَّعُونَ أنَّهُم مَسيحيُّونَ؛ ولكِنَّهُم مُنغمِسونَ تَمامًا وكُليًّا في ذَواتِهم. وَكَمْ شَعَرْتُ بالحُزنِ في قَلبي حينَ رَأيتُ اللَّيلةَ المَاضيةَ على التِّلفزيون شَخصًا يَدَّعي ذلكَ ثُمَّ يُظْهِرُ انغِماسًا هَائلاً في الذَّات. لِذا فإنِّي أشُكُّ في ذلك. فالكِبرياءُ، والبِرُّ الذَّاتِيُّ، والانغِماسُ الذَّاتِيُّ، والخَطايا مِن كُلِّ نَوعٍ هِيَ أُمورٌ مُرَحَّبٌ بِها على الطَّريقِ الرَّحْب. ولكِنْ إنْ كُنتَ تَتَمَسَّكُ بهذهِ الأشياءِ، لا يُمكِنُكَ أن تَسلُكَ على الطَّريقِ الضَّيِّقِ لأنَّكَ لَن تَتمكَّنَ مِنَ الدُّخولِ مِنَ البابِ بتلكَ الأشياء. فقد قالَ شَخصٌ هِنديٌّ غَربِيٌّ اختارَ الإسلامَ على المَسيحيَّةِ مَا يَلي: "السَّببُ في اعتناقي للإسلامِ هُوَ أنَّ الإسلامَ طَريقٌ شَريفٌ رَحْبٌ. فَهُناكَ مَجالٌ للإنسانِ وَخَطاياه فيه. أمَّا طَريقُ المَسيحِ فَضَيِّقٌ جدًّا". هَذا هُوَ الخِيار.
هُناكَ بَابانِ... بَابانِ يُؤدِّيانِ إلى طَريقَيْن. انظروا مَرَّةً أخرى. فَهُناكَ طَريقان. وَما هُما الطَّريقان؟ هُناكَ الطَّريقُ الرَّحْبُ في العَدد 13، وهُناكَ الطَّريقُ الضَّيِّقُ [أوِ الصَّعبُ، أوِ الصَّغيرُ، أوِ المَحصورُ] في العَدد 14. وَهَذا هُوَ تَمامًا مَا يَقولُهُ المَزمورُ الأوَّل. فَهُناكَ طَريقُ الأبرارِ، وَطَريقُ الأشرار. ففي المَزمورِ الأوَّلِ والأعداد مِن 1 إلى 3، نَقرأُ عَنْ طَريقِ الأبرار. وفي العَددَيْن 4 و 5، نَقرأُ عَن طَريقِ الأشرار. وفي العَددِ السَّادِسِ، نَقرأُ عن نَتيجَةِ هَذا الطَّريقِ وَذاك. والخِيارُ هُوَ نَفسُهُ كَما هِيَ الحَالُ دَائِمًا: طَريقُ الأشرارِ، وطَريقُ الأبرار. والآن، انظُروا إلى الطَّريقِ الرَّحْب. فَما إنْ تَدخُل مِنَ البابِ الوَاسِعِ حَتَّى تَجِدَ أُناسًا كَثيرينَ هُناكَ. فَالحَياةُ سَهلةٌ بهذهِ الطَّريقة. أليسَ كذلك؟ فَلا يُوجَدُ ضِيق، بَلْ هُناكَ مِساحَةٌ كَبيرة، ويُمكِنُكَ أن تَصُوْلَ وَتَجُوْلَ كَما تَشاء.
فَلا تُوجَدُ قَوانين، وَلا تُوجَدُ مَعاييرُ أخلاقِيَّة خَانِقَة، بَلْ هُناكَ مَجالٌ للاختلافاتِ اللاَّهُوتيَّة. وَهُناكَ تَهاوُنٌ مَعَ كُلِّ خَطِيَّةٍ تَخطُرُ في البَال. فَطالَما أنَّكَ تُحِبُّ يَسوعَ، أو طَالَما أنَّكَ مُتَدَيِّنٌ لا تُوجَدُ قُيودٌ، وَلا تُوجَدُ حُدودٌ، وَلا مُعَوِّقات. فَكُلُّ شَهَواتِ القَلبِ السَّاقِطِ يُمكِنُ أن تُشْبَعَ في ذلكَ الطَّريق. وَلا حَاجَةَ إلى أيِّ شَيءٍ مَذكورٍ في التَّطويبات، وَلا حَاجَةً إلى الاتِّضاع، وَلا حَاجَةَ إلى دِراسةِ كلمةِ الله، ولا حَاجَةَ إلى وُجودِ مَعايير دَاخليَّة أو أخلاقيَّة صَارِمَة، بَل يُمكِنُكَ أن تَدخُلَ بِتَدَيُّنِكَ الاعتياديِّ الرُّوتينيِّ الَّذي لا يَعْدُو عَنْ كَوْنِهِ رِياءً وَحَسْب. فالأمرُ لا يَحتاجُ إلى صِفاتٍ شَخصيَّةٍ، بَلْ هُوَ يُشْبِهُ سَمَكَةً مَيِّتَةً تَنْجَرِفُ مَعَ التَّيَّار. فالأمرُ سَهلٌ جدًّا لأنَّ التَّيَّارَ هُوَ الَّذي يَقومُ بِكُلِّ العَمَل.
وَهُوَ يُسَمَّى في رِسالةِ أفسُس 2: 2: "دَهْرِ هذَا الْعَالَم"؛ ولكنَّ المَأساةَ الكُبرَى في هَذا كُلِّه هِيَ تِلكَ المَوصوفَة في سِفْرِ الأمثال إذْ نَقرأُ: "تُوجَدُ طَرِيقٌ تَظْهَرُ لِلإِنْسَانِ مُسْتَقِيمَةً، وَعَاقِبَتُهَا طُرُقُ الْمَوْت". إنَّهُ الطَّريقُ الرَّحْب. فَلا تُوجَد قَوانين، ولا تُوجَد مَعايير سِوى تلكَ الَّتي وَضَعَها الإنسانُ لِتَوفيرِ الرَّاحَةِ لَك. ولكِنَّ المَزمور 1: 6 يَقول: "أَمَّا طَرِيقُ الأَشْرَارِ فَتَهْلِكُ". على عَكسِ ذلك، هُناكَ طَريقٌ شَاقٌّ في العَدد 14. وَهُناكَ تَرْجَماتٌ تَستخدِمُ الكلمة "ضَيِّق". وَأفضلُ تَرجمةٍ هِيَ أنَّهُ طَريقٌ "مَحصورٌ". وَهذا يَعني حَرفِيًّا أنَّهُ مَضغوطٌ وَمُحَدَّد. فَهُوَ يُشبِهُ الطَّريقَ الضَّيِّقَ في البابِ الدَّوَّار. فَهُوَ ضَيِّقٌ جدًّا. لِذا فإنَّ بُولسَ يَقول في رسالتهِ إلى أهلِ أفسُس إنَّهُ يَنبغي لكَ أن تَسلُكَ بِحَذَرٍ وبِعَيْنينِ مَفتوحَتَيْنِ لأنَّكَ لا تَستطيعُ أن تَصُوْلَ وَتَجُوْلَ كَما تَشاء.
إنَّهُ طَريقٌ ضَيِّقٌ جدًّا. وَهُوَ مَحصورٌ مِن كِلا الجَانِبَيْنِ بسببِ يَدِ التَّأديبِ الإلهيِّ. فَإنْ حِدْتَ عَنْ هَذا الجَانِبِ فإنَّكَ تَتَلَقَّى صَفْعَةً أوْ ضَرْبَةً بالمَعنى الرُّوحيِّ. وَإنْ حِدْتَ عَنْ ذلكَ الجَانِبِ تَلقى نَفسَ المَصير. فالمُتطلَّباتُ عَظيمة، وَصَارِمَة، ومُحَدَّدة، وَحَازِمَة. وَلا مَجالَ للحَيَدانِ أوِ الزَّوَغانِ عَنها. فَيَنبغي أن يَكونَ شَوقُ قُلوبِنا أن نَفعلَ تِلكَ الأشياءَ عَالِمينَ تَمامًا أنَّهُ عندما نُخفِقُ فإنَّ اللهَ سَيُؤدِّبُنا، ثُمَّ إنَّهُ سَيَغفِرُ لَنا بِطريقَتِهِ الرَّائعةِ والمُحِبَّة، وَإنَّهُ سَيُقيمُنا على أرجُلِنا مَرَّةً أخرى. وَقد تَقول: "إنَّهُ طَريقٌ صَعبٌ، وَصارِمٌ، وَضَيِّقٌ. وَهُوَ يَبدو شَيئًا لا أرغبُ فيه". هُناكَ شَيءٌ رَائِعٌ في هذا الطَّريقِ وَهُوَ أنَّ كُلَّ الصُّعوبَةِ، وكُلَّ الضِّيقِ، وكُلَّ القُيودِ هِيَ أُمورٌ يَحْمِلُها المَسيحُ نَفسُهُ. لِذا فإنَّ نِيْرَهُ هَيِّنٌ بالنِّسبةِ إلينا. وَحِمْلُهُ مَاذا؟ خَفيف.
وَما أعنيه هُوَ أنَّهُ عِندما تَسلُكُ في ذلكَ الطَّريق، يَنبغي لكَ أن تَكونَ مُستعدًّا لَهُ. فَفي إنجيل لُوقا والعَدد 25، مَاذا نَقرأ؟ "وَكَانَ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ سَائِرِينَ مَعَهُ، فَالْتَفَتَ وَقَالَ لَهُمْ". فَقد كَانَ هُناكَ جُموعٌ كَثيرةٌ يَتبعونَهُ، أوْ حَشْدٌ كَبيرٌ. وَهُوَ يَقولُ: "انظُروا! إِنْ أرادَ أحدٌ أن يَتبَعَني، يَنبغي أن يَعلَم بِضعةَ أشياء: إنْ لم تُبغِض أباكَ، وَأُمَّكَ، وزَوجَتَكَ، وأبناءَكَ، وإخوتَكَ، وأخواتِكَ، وحَياتَكَ، لا يُمكِنُكَ أن تَصيرَ لي تِلميذًا". حَاوِل أن تَقولَ ذلكَ للشَّخصِ التَّالي الَّذي سَتُشارِك مَعَهُ الإنجيلَ في المَرَّةِ القَادِمَة: "هَل تُريدُ أن تَصيرَ مَسيحيًّا؟ حسنًا! يَنبغي أن تُبغِضَ أُمَّكَ، وَأباكَ، وأُختَكَ، وأخاكَ". فَهَذا سَيَجعلُ الأمرَ أصعَبَ مَا يُمكِن.
"يَنبغي أن تَترُكَ الجَميعَ، وَأنْ تُوَدِّعُ كُلَّ شَخصٍ تُحِبَّهُ؛ وَإلاَّ لَن تَكونَ تِلميذي. ثُمَّ يَجِبُ عليكَ أن تَحمِلَ صَليبًا وَتَعيشَ حَياةً مَصلوبَة". والآن، حَاوِل أنْ تُنادي بذلكَ في الاجتماعِ الانتِعاشِيِّ القَادِم وانظُر عَدَدَ الأشخاصِ الَّذينَ سَيَتَقدَّمونَ لقَبولِ المَسيح. هَل تَعلَمونَ مَن سَيَقبَلِ المَسيح؟ الأشخاصُ الَّذينَ يَنبغي أن يَقْبَلوه. أيِ الأشخاصُ الَّذينَ يُريدونَ حَقًّا أن يُكَرِّسوا أنفسَهُم. وقَد وَضَّحَ يَسوعُ ذلك: "وَمَنْ مِنْكُمْ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بُرْجًا لاَ يَجْلِسُ أَوَّلاً وَيَحْسِبُ النَّفَقَةَ؟" بِعبارةٍ أخرى، لا يُوجَدُ شَخصٌ أحمق يَبني شَيئًا مِن دُونِ أن يَحسِبَ النَّفَقَة. "وَأَيُّ مَلِكٍ [في العَالَمِ] إِنْ ذَهَبَ لِمُقَاتَلَةِ مَلِكٍ آخَرَ فِي حَرْبٍ، لاَ يَجْلِسُ أَوَّلاً وَيَتَشَاوَرُ: هَلْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُلاَقِيَ بِعَشَرَةِ آلاَفٍ الَّذِي يَأْتِي عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ أَلْفًا؟"
"فَكَذلِكَ [في العَدد 33] كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ لاَ يَتْرُكُ جَمِيعَ أَمْوَالِهِ، لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا". فيسوعُ يَرسمُ خَطًّا مُحَدَّدًا جدًّا. فإن قُلْتَ "لا" لِكُلِّ شَيءٍ، وإن قُلْتَ "أجل، سَأقومُ، بِنعمةِ اللهِ، بالسُّلوكِ في ذلكَ الطَّريقِ الضَّيِّق"، وإن كُنتَ تَعلم يَقينًا أنَّكَ لا تَستطيعُ أن تَفعلَ ذلكَ بمُفردِكَ أو بالاتِّكالِ على إنجازِكَ البَشريِّ، وَتَعلَمُ أنَّ اللهَ سيُعطيكَ نِعمَةً فَوقَ نِعمةٍ للقيامِ بذلكَ على الرَّغمِ مِن ضَعفِكَ مِن خِلالِ قُوَّتِه، وإن أبديتَ الاستعدادَ للعَيشِ بتلكَ الطَّريقةِ، سَتكونُ حِينئذٍ قَدْ جئْتَ إليهِ بالطَّريقةِ الَّتي يَقبَلُها. وينبغي لكَ أن تَتوقَّعَ الاضطهاد: "في العَالَمِ سَيَكونُ لَكُم ضِيْق". وَقد قَالَ يَسوعُ لِتَلاميذِه: "تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُكُمْ [يُوحَنَّا 16] أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً للهِ".
فأنتَ لا تَسيرُ في هذا الطَّريقِ الضَّيِّقِ حَافِي القَدَمَيْن. فَهذا الطَّريقُ لَيْسَ حَقلاً مَزروعًا بالأعشابِ الطَّريَّة، بَل هُوَ طَريقٌ وَعِر. ولم يَحدُث يَومًا أنْ قَدَّمَ رَبُّنا المسيحيَّةَ على أنَّها خِيارٌ سَهْلٌ للرُّكَبِ المُخَلَّعَةِ والقُلوبِ الوَاهِيَة. فأنتَ تُعلِنُ الحَربَ على جَهَنَّمَ حِينَ تَبتدِئ. وَجَهَنُّمُ تَشُنُّ حَرْبًا ضَرُوسًا ضِدَّكَ. وأنتَ تَعيشُ بَقيَّةَ حَياتِكَ مُستعدًّا للحَرب، وتُحاولُ أن تُقاوِمَ كِبرياءَكَ، ورَغباتِكَ، وإرادَتِكَ الأنانيَّة. وَقَد قَالَ يَسوعُ لبُطرس: "اتبَعني! وبالمُناسَبة يا بُطرس، سوفَ يُكَلِّفُكَ ذلكَ الأمرُ حَياتَك". فَهل أنتَ مُستعِدٌّ لاتِّباعي بهذهِ الشُّروط؟ هَل أنتَ مُستعِدٌّ لاتِّباعي بهذهِ الشُّروط؟ لأنَّ هَذا الطَّريقَ هُوَ الطَّريقُ الضَّيِّق. فَهُوَ صَعْبٌ، ومَحصورٌ، وضَيِّق. وَإنْ حِدْتَ عَن هذا الطَّريقِ فإنَّكَ سَتُؤدَّب.
وَقد تَقول: "إنَّ الأمرَ يَبدو مُريعًا!" لا، لأنَّ كُلَّ الصُّعوبَةِ تَقَعُ على المَسيح. لِذا فإنَّ الطَّريقَ يَصيرُ رَائِعًا. والآن، عندما تُقَرِّرُ السَّيرَ في هذا الطَّريق، تَذَكَّر الشَّيءَ الثَّالث: أنَّهُ تُوجَدُ وُجْهَتان... وُجْهَتان. ونَحنُ نَعودُ مَرَّةً أخرى إلى إنجيلِ مَتَّى والأصحاحِ السَّابع. فَهُناكَ الطَّريقُ الرَّحْبُ الَّذي يُؤدِّي إلى الهَلاكِ، وَهُناكَ الطَّريقُ الضَّيِّقُ الَّذي يُؤدِّي إلى الحَياة. فَهُناكَ طَريقُ الحَياةِ وطَريقُ المَوتِ كَمَا قَالَ إرْميا، وَكَما قَالَ إشَعْياء، وَكَمَا قَالَ إيليَّا، وَكَمَا قَالَ مُوسَى. فَهُوَ الشَّيءُ نَفسُهُ: فَهُناكَ طَريقُ الحَياةِ، وطَريقُ المَوت. وقد قالَ المَزمورُ الأوَّلُ ذلك. فالأبرارُ يَدخُلونَ إلى البَرَكة، والأشرارُ يَهلِكون. فَهُناكَ طَريقُ الحَياةِ، وهُناكَ طَريقُ المَوت. والكلمة "هَلاك" هُنا تُشيرُ بِبَساطةٍ إلى الدَّينونةِ الأخيرةِ والنِّهائيَّةِ في جَهَنَّم. فَهِيَ العَذابُ الأبديّ.
والوقتُ لا يَسمَحُ لَنا بالتَّحدُّثُ عِن كُلِّ تَبِعاتِ ذلك؛ ولكِنَّنا سَنَرى الكَثيرَ مِن ذلكَ عندما نُتابِعث دِراسَتَنا لإنجيلِ مَتَّى. فالرَّبُّ يَقولُ إنَّ الحَياةَ تَنتَهي إمَّا في هذا المَكانِ وإمَّا في ذاكَ المَكان. وَكُلُّ الدِّياناتِ في كُلِّ العالَمِ، باستثناءِ دِيانَةِ الإنجازِ الإلهيِّ في المَسيحِ، سَتَنتهي في نَفسِ المَكان: الهَلاك. وَمِنَ السَّهلِ أن تَسلُكَ في ذلكَ الطَّريق. فَمِنَ السَّهلِ أن تَصِلَ إليهِ وأنْ تَحمِلَ مَعَكَ كُلَّ الأمتِعَةِ الَّتي تَشاء. ومِنَ السَّهلِ أن تَسيرَ عليهِ لأنَّهُ لا تُوجَدُ مَعايير. وَهُوَ لا يَصيرُ شَاقًّا جدًّا إلاَّ في النِّهاية. فَمَعَ أنَّهُ لا تُوجَد فيه قُيود، وأنَّ هُناكَ أُناسًا كَثيرينَ يَسلُكونَهُ، فإنَّهُ يُؤدِّي إلى جَهَنَّم. فَديانَةً الإنجازِ البشريِّ (ابتداءً بالنَّزعَةِ الإنسانيَّةِ وانتهاءً بالإلحادِ الَّذي هُوَ أشنَعُ دِيانَةٍ قَائمةٍ على الإنجازِ البَشريِّ لأنَّ الإنسانَ هُوَ إلَهُ نَفسِهِ، بِما في ذلكَ اليَهوديَّةِ مِن غَيرِ المَسيحيَّةِ) سَتَنتهي في نَفسِ جَهنَّم.
وَكما قالَ "جون بَنْيان" (John Bunyan): "مَدْخَلُ جَهَنَّم هُوَ مِن بَوَّاباتِ السَّماء". وَيا لَها مِن صَدمَةٍ سَيَتعرَّضُ لها أُناسٌ كَثيرون! مِن جِهَةٍ أخرى فإنَّ الطَّريقَ الضَّيِّقَ يُؤدِّي إلى النَّعيمِ الأبديِّ. فالطَّريقُ الواسِعُ يَضيقُ تَدريجيًّا إلى أنْ يَنتَهي بحُفرةٍ مُريعَة. والطَّريقُ الضَّيِّقُ يَتَّسِعُ تَدريجيًّا إلى أنْ يَنتهي بِمِلْءِ الشَّرِكَةِ المُدهشةِ، والأبديَّةِ، والرَّائعةِ، والمُبهِجَةِ مَعَ اللهِ؛ وهي شَرِكَةٌ يَصعُبُ علينا أن نَتخيَّلَها. لِذا، لا عَجَبَ أنَّ هَذَيْنِ الطَّريقَيْنِ في الحَياةِ يَختَلِفانِ مِن نَاحِيَةِ الكَمِّ والكَيف. والخِيارُ لَك. فَكِّر في الوُجهَة لأنَّكَ سَتَقضي الأبديَّةَ هُناك. وكيفَ يَختارُ النَّاسُ: النُّقطةُ الأخيرة: هُناكَ حَشْدان. فَهُناكَ بابانِ، وطَريقانِ، ومَصيرانِ، وَهُناك حَشْدان.
فَهُناكَ الطَّريقُ الرَّحْبُ (في العَدد 13)، وكَثيرونَ هُمُ الَّذينَ يَسُلكونَ ذلكَ الطَّريق. وَهُناكَ الطَّريقُ الضَّيِّقُ (في العَدد 14)، وقَليلونَ هُمُ الَّذي يَجِدونَه. وَهَذا أمرٌ مُدهشٌ حَقًّا. فأغلبيَّةُ النَّاسِ يَسلُكونَ طَريقَ الإنجازِ البَشريِّ. ولكِنَّ أغلبيَّةَ النَّاسِ يَسلُكونَ الطَّريقَ الخَطأ. وكَثيرًا مَا يَسألُني النَّاسُ: "هَل تَظُنُّ أنَّهُ سيكونُ هُناكَ أُناسٌ أكثر في السَّماءِ أَمْ في جَهَنَّم؟" لَقد استَخدَمَ يَسوعُ هُنا الكلمة "كَثيرون" والكلمة "قَليلون". وَإنْ رَجَعتُم إلى العهدِ القديمِ سَتَجِدونَ أنَّهُ كانَت هُناكَ دَائِمًا بَقِيَّة مِنَ المُؤمِنين. والوقتُ الفَريدُ في تَاريخِ الفِداءِ هُوَ وَقتُ الضِّيقةِ العَظيمَة. فَبِحَسَبِ مَا جاءَ في سِفْر التَّكوين 7: 9، نَقرأُ أنَّهُ سيكونُ هُناكَ "جَمْعٌ كَثِيرٌ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَعُدَّهُ، مِنْ كُلِّ الأُمَمِ وَالْقَبَائِلِ وَالشُّعُوبِ وَالأَلْسِنَةِ"، وَأنَّ كُلَّ أُمَّةِ إسرائيل ستَكونُ مَفديَّةً أيضًا.
قَد يَكونُ هُناكَ تَجاوُبٌ فَريدٌ مَعَ الكِرازَةِ في فَتـرَةِ الضِّيقة؛ وهذا يَعني أنَّ أُناسًا كَثيرينَ في العَالَمِ سيَتجاوبونَ مَعَ المَسيح. ولكِنَّ التَّجاوُبَ مَعَ الحَقِّ في وَقتِنا هَذا، أو في هَذا الدَّهرِ، ضَئيلٌ جدًّا جدًّا جدًّا لأنَّ البَشَرَ يُفَضِّلُونَ أن يُؤمِنوا بأنفسِهم. لِذا فإنَّ الَّذينَ يَخلُصونَ قِلَّة. وفي إنجيل لُوقا 12: 32، نَظرَ يسوعُ إلى تَلاميذِه وقالَ لَهُم مَا يَلي: "لاَ تَخَفْ، أَيُّهَا الْقَطِيعُ الصَّغِير". والكلمة "صَغير" ("مايكرون" – "mikron") هي الكلمة الَّتي اشتَقَقْنا مِنها الكلمة "مايكرو" (micro) وتَعني: "صَغير". "لاَ تَخَفْ، أَيُّهَا الْقَطِيعُ الصَّغِير". وهي نَفسُ الكلمة المُستخدمَة في إنجيل مَتَّى والأصحاح 13 للإشارة إلى حَبَّةِ الخَردَل الَّتي هِيَ أصغرُ جَميعِ البُزُور. فَهُوَ دَائِمًا قَطيعٌ صَغير.
فَهُناكَ أشخاصٌ قَليلونَ دَائِمًا يَطلُبونَ المَلكوتَ بكُلِّ قُلوبِهم، ويُجاهِدونَ بقوَّةِ اللهِ عَالِمينَ أنَّهُم لا يَستطيعونُ بقُدرتِهم البشريَّةِ أن يَدخُلوا لأنَّهُم مُستعدُّونَ لِدَفعِ الثَّمنِ والتَّكلُفَة. والحَقيقةُ هِيَ أنَّ يَسوعَ عَبَّرَ عن ذلكَ في إنجيل مَتَّى 22: 14 بالكلماتِ التَّالية: "لأَنَّ كَثِيرِينَ يُدْعَوْنَ وَقَلِيلِينَ [ماذا؟] يُنْتَخَبُون". فَهُم قَليلون! فَمِنَ السَّهلِ جدًّا أن تَختارَ الطَّريقَ الرَّحْب. فَهُوَ طَريقٌ مِنَ السَّهلِ جدًّا أن تَسيرَ فيه لأنَّهُ يَكفي أن تَسيرَ مَعَ الجُموع. ويُمكِنُكَ أن تُضيفَ إليهِ يَسوعَ، وَأن تَشعُرَ بالتَّديُّن، وَأن تَذهبَ إلى الكنيسة، أو أن نَنتَمي إلى نِظامٍ دِينيٍّ يُخبِرُكَ أنَّ هَذا هُوَ الطَّريق الَّذي يَنبغي أن تَسلُكَ فيه. ولكِنَّكَ لا تُنكِرُ نَفسَكَ البَتَّة. لِذا فإنَّكَ تَنْتَهي بِكارِثَةٍ مُريعَة.
وَفي إنجيل لُوقا والأصحاح 13 أيضًا، أريدُ وَحَسْب أن أَلْفِتَ أنظارَكُم إلى النُّقطةِ التَّاليةِ ثُمَّ أريدُ أن أختِمَ حَديثي بِمَثَلٍ إيضاحِيٍّ. إنجيل لُوقا 13: 24. فَقد قالَ يَسوعُ مَا يَلي: "اجْتَهِدُوا..."، أو "جَاهِدُوا". وَقد رأيناها سَابِقًا. "...أَنْ تَدْخُلُوا مِنَ الْبَابِ الضَّيِّقِ، فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَطْلُبُونَ أَنْ يَدْخُلُوا وَلاَ يَقْدِرُون". ثُمَّ اسمَعُوا مَا يَقول: "مِنْ بَعْدِ مَا يَكُونُ رَبُّ الْبَيْتِ قَدْ قَامَ وَأَغْلَقَ الْبَابَ، وَابْتَدَأْتُمْ تَقِفُونَ خَارِجًا وَتَقْرَعُونَ الْبَابَ قَائِلِينَ: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! افْتَحْ لَنَا. [نَحنُ نَعرِفُكَ. هَذا نَحنُ يا رَبّ، يَا رَبّ]. يُجِيبُ، وَيَقُولُ لَكُمْ: لاَ أَعْرِفُكُمْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمْ! حِينَئِذٍ تَبْتَدِئُونَ تَقُولُونَ: أَكَلْنَا قُدَّامَكَ وَشَرِبْنَا". وَقَد يَقولُ بَعضٌ مِنهُم: "لَقد اشتركنا في المَائِدَة، وكُنَّا في شَرِكَة".
"فَيَقُولُ: أَقُولُ لَكُمْ: لاَ أَعْرِفُكُمْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمْ، تَبَاعَدُوا عَنِّي يَا جَمِيعَ فَاعِلِي الظُّلْمِ! هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ، مَتَى رَأَيْتُمْ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَمِيعَ الأَنْبِيَاءِ فِي مَلَكُوتِ اللهِ، وَأَنْتُمْ مَطْرُوحُونَ خَارِجًا". فَلا يُوجَدُ أُناسٌ غَيرُ مُتَدَيِّنينَ هُنا، بَل أُناسٌ مُتديِّنونَ ظَنُّوا أنَّهُم على الطَّريقِ الصَّحيح؛ ولكنَّهُم لم يَكونوا على الطَّريقِ الصَّحيح. لِذا، سَوفَ يَقرَعونَ البابَ. وأريدُ أن أقولَ لَكُم إنَّهُ لا يُمكِنُني أن أتخيَّلَ مَشهَدًا مُرعِبًا أكثرَ مِن أن يَكونَ هُناكَ أُناسٌ يَعيشونَ في وَهْمٍ بأنَّهُم مُخَلَّصُونَ ثُمَّ يَكتشِفونَ أنَّ البَابَ قَد أُغلِقَ في وُجوهِهم! وفي إنجيل مَتَّى والأصحاحِ السَّابِعِ، يَقولُ يَسوعُ إنَّ كَثيرينَ يَسلُكونَ ذلكَ الطَّريق. كَثيرونَ يَسلُكونَ الطَّريقَ الرَّحْب. هَل تُريدونَ أن تَلتَقُوا هؤلاءِ الكَثيرين؟ انظُروا إلى العَدد 22:
"كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟" هَذا يَبدو جَيِّدًا جدًّا. "فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ!" يا لَها مِن صَدمَة! فالكَثيرونَ الَّذينَ يَسلُكونَ الطَّريقَ الرَّحْبَ سيَكتشفونَ أنَّ ذلكَ الطَّريقَ هُوَ ليسَ الطَّريقَ المُؤدِّي إلى السماءِ، وَأنَّ البَابَ سَيُغلَقُ في وُجوهِهم إلى الأبد. اسمَعوني: صَحيحٌ أنَّ الطَّريقَ الصَّحيحَ ضَيِّق، ولكنْ مِنْ دَواعِي سُروري أن أُعلِنَ أنَّهُ مَفتوحٌ على مِصراعَيْهِ لاستِقبالِ أوَّلِ الخُطاة. وينبغي أن تَأتي بمُفردِكَ. ولا يُمكِنُكَ أن تَتَمَلَّصَ مِنَ الاختيار. فَهُوَ خِيارٌ حَتْمِيٌّ لا مَفَرَّ مِنه. وإنْ لم تَخْتَرْ أَحَدَ الطَّريقَيْنِ تَكونُ قدِ اختَرْتَ طَريقًا. ويَنبغي لكَ أن تَتَحَمَّلَ عَواقِبَ اختيارِكَ ذاك.
كَتَبَ أحَدُهُم رِسالةً إلى صَحيفةِ ميلبورن اليوميَّة (Melbourne Daily) بعدَ الحَملةِ الكِرازِيَّةِ الَّتي قَامَ بها "بيلي غراهام" (Billy Graham) قبلَ سَنوات. وإليكُم مَا قَالَهُ هَذا الرَّجُلُ الَّذي كَتَبَ هذهِ الرِّسالة: "بَعدَ أن سَمِعتُ الدُّكتور بيلي غراهام على الهَواءِ، وشَاهَدْتُهُ على شَاشَةِ التِّلفزيون، وقَرأتُ تَقاريرَ ورسائلَ عنهُ وعن إرسالِيَّتِه، أشعُرُ بالغَثَيانِ حَقًّا مِن تِلكَ الدِّيانَةِ الَّتي تُلِحُّ عَلَيَّ وعلى كُلِّ شخصٍ آخرَ بأنَّنا بحاجةٍ إلى الخَلاصِ؛ أيًّا كانَ مَعنى ذلك. فأنا لم أشعُر قَطّ أنِّي هَالِك، وَلا أشعُرُ بأنِّي أَتَمَرَّغُ يَوميًّا في حَمْأةِ الخَطيَّة؛ مَعَ أنَّ العِظاتِ المُتَكَرِّرَة تُصِرُّ على أنِّي أفعلُ ذلك. أَعطوني دِيانَةً عَمليَّةً تُعَلِّمُ اللُّطفَ والتَّسامُح، ولا تَسْمَحُ بوجودِ حَواجِزَ عِرقيَّة أو طَائِفيَّة، بَلْ تَتذكَّرُ المُسِنِّينَ، وتُعَلِّمُ الأطفالَ عَنِ الصَّلاحِ؛ لا عَنِ الخَطيَّة.
"إنْ كانَ يَنبغي لي مِن أجلِ تَخليصِ نَفسي أن أقبَلَ مِثلَ هَذهِ الفَلسفةَ كَما سَمِعتُ الوَاعِظَ يَقولُ مُؤخَّرًا، أُفَضِّلُ أن أَبقَى مَلعونًا إلى الأبد". وَقد وَقَّعَ اسْمَهُ. وَهَذا هُوَ الخِيارُ الَّذي يَختارُهُ كُلُّ إنسان. فَإمَّا أنْ تَبتَكِرَ دِيانَةً لَطيفةً تُلائِمُكَ، وَإمَّا أنْ تَسْمَعَ الحَقَّ الإلهيَّ وَتَقبَلَهُ. هَذا هُوَ خِيارُكَ أنت. وواحِدٌ مِنَ الخِيارَيْنِ يُؤدِّي إلى الحَياةِ، والثَّاني يُؤدِّي إلى المَوت. دَعونا نُصَلِّي:
نَشكُرُكَ، يا أبانا، في هذا الصَّباحِ لأنَّكَ تُكَلِّمُنا بِوضوحٍ شَديد. إنَّ هذهِ الكلماتِ صَعبة. فهي كَلِماتٌ صَعبَةٌ لا بُدَّ لَنا مِن سَماعِها بسببِ خَطايانا. ولَيتَنا نَسمَعُها. وعلى أيَّةِ حَالٍ، نَشكُرُكَ لأنَّهُ عندما نَدخُلُ مِنَ البابِ الضَّيِّق، هُناكَ ضَمانٌ وَثِقَةٌ عَظيمانِ حينَ تَصرُخُ قُلوبُنا "يَا أَبَا الآب"؛ عَالِمينَ يَقينًا أنَّنا أبناؤُك.
نُصَلِّي لأجلِ الأشخاصِ الحَاضِرينَ في وَسْطِنا في هذا الصَّباحِ والَّذينَ لم يَدخُلوا بَعد مِن ذلكَ البابِ الضَّيِّق، ولم يَحسِبُوا الكُلفَةَ، ولم يُجَرِّدُوا أنفسَهُم مِن كُلِ شَيءٍ، ولم يُسَلِّموا الكُلَّ لَكَ، ولم يَأتوا بَعْد بالإيمان. نُصَلِّي أنْ يَكونَ هَذا اليومُ هُوَ ذلكَ اليَوم العَظيم. وَيا رَبُّ، لَيتَنا نَفعلُ مَا تُوصينا بهِ الآيةُ 2كورنثوس 13: 5 ونَمْتَحِنَ أنفسَنا لِنَرى إنْ كُنَّا في الإيمان. فَيا لَهُ مِنْ شَيءٍ مُرعِبٍ أن نَكتَشِفَ أنَّنا كُنَّا مَخدوعينَ طَوالَ حَياتِنا وَأنَّ البَابَ أُغلِقَ في وُجوهِنا. لَيتَنا لا نَكون مَخدوعين.
فيما تَحنونَ رُؤوسَكُم قَليلاً، وَفيما نَختِمُ خِدمَتَنا، أوَدُّ أن أقولَ إنَّ غُرفةَ الصَّلاةِ إلى يَميني ستَكونُ مَفتوحَة. إنَّها غُرفةُ المَشورة، وسَوفَ يَكونُ هُناكَ مُشيرون. لا تُغادِر مِن دُونِ المَسيح، بَلِ افتَح قَلبَكَ لَهُ. قَد تَكونُ بِحاجَةٍ إلى شَخصٍ يُساعِدُك، ويُصَلِّي مَعَكَ، ويُقَدِّم لَكَ المَشورة.
إنْ كانت هذِهِ هِيَ حَالَتُك، لا تُغادِر، بَل تَقَدَّم إلى الأمام، واذهب إلى يَميني مِن تلكَ الأبوابِ. وسَوفَ تَجِدُ هُناكَ أشخاصًا يُساعِدوكَ في ذلك. ادخُل مِن ذلكَ البابِ الضَّيِّق واسلُك في ذلكَ الطَّريق الضَّيِق الَّذي يُؤدِّي إلى الحَياة.

This article is also available and sold as a booklet.