Grace to You Resources
Grace to You - Resource

نأتي بِفرحٍ عظيمٍ في هذا الصَّباح إلى الأصحاح العاشر مِن إنجيل مَتَّى. في دراستِنا المُستمرَّة لهذه القصَّة الرَّائعة والمُدهشة عن حياةِ رَبِّنا وخِدمتِه، نَجِد أنفسَنا نَبتدئُ مَقطعًا جديدًا ونَدخُلُ بُعدًا جديدًا بِوُصولِنا إلى الأصحاح العاشر. وتَظهَرُ الغايةُ الرئيسيَّةُ لهذا الأصحاح في العَدَدِ الأوَّل منه مِن خلالِ دَعوةِ التَّلاميذِ وإعطائِهم مَأموريَّةً. ثُمَّ إنَّهم يُرسَلونَ في العددِ الثَّاني بوصفهِم رُسُلاً. وهذا تَغييرٌ في نَمَطِ خِدمةِ رَبِّنا. وهو جُزءٌ مُهِمٌّ مِن تدريب الاثني عشر. وهي مَرحلة جديدة في عَرْضِ مَتَّى لعملِ المَلِك نفسِه. وأعتقد حَقًّا أنَّه في أثناء دراستنا للأصحاح العاشر، سوفَ نَتعلَّم الكثير عن التَّلمذة، والكثير عَمَّا فَعَلَهُ رَبُّنا، وما عَلَّمَه في أثناء تدريبِه للرِّجال الَّذينَ سيَحملونَ الرَّايةَ بعد أن يُعطيها لَهُم. وأعتقد أنَّه في أثناء دراستنا معًا لهذا الأصحاح، سوف تَتأثَّر حياتُنا تَأثُّرًا عميقًا لأنَّه سيَلمَسُنا بقوَّة مِن جهة خِدمتِنا ليسوعَ المسيح.

والآن، يجب علينا أن نَتذكَّرَ مِن خلال دراستنا السَّابقة معًا أنَّ رَبَّنا المُبارَكَ كانَ يَرى إسرائيلَ والعالَمَ أَجْمَعَ (بِكُلِّ تأكيد) حَقلاً كبيرًا جاهزٌ للحَصاد. لِذا فقد قالَ في الأصحاح التَّاسع والعدد 37: "الحَصادُ كَثير". فالجَميعُ مَشمول. فقد رأى حَشدًا كبيرًا آتيًا إليه. ثُمَّ إنَّه نَظرَ إلى ذلك الحشد المُنتشر في جميع أنحاء العالم فرأى جميعَ النَّاس كَحَقْلٍ يَنتظرُ الحَصاد. وكما شارَكنا معكُم فإنَّ الحصادَ هو الدَّينونة. فقد رآهُم يسوعُ في ضَوءِ الدَّينونةِ المَحتومةِ، والمَصيرِ المَحتومِ، والاقترابِ المحتومِ والمُؤكَّدِ مِن جَهنَّم. فقد كانوا أَشْبَهُ بِحُبوبٍ جاهزةٍ إمَّا للاحتراقِ وإمَّا للاستخدام، أو أَشبَهُ بِحُبوبٍ جاهزةٍ إمَّا للاستعمالِ وإمَّا للطَّرح. وقد تَعَرَّضَ النَّاسُ للخيانة مِن قِبَل رُعاتِهم الَّذينَ كانوا رُعاةً زائِفينَ مَزَّقوهُم، وقَطَّعوهُم، وافتَرسوهُم، وتَركوهم للموت.

وعندما رأى يسوعُ النَّاسَ بتلك الطَّريقة، تَحَنَّنَ عليهم (كما جاء في الأصحاح التَّاسع والعدد 36). فقد شَعَرَ حَرفيًّا بألمهم. وقد تألَّمَ وَتَحَرَّقَ هو شخصيًّا لأنَّه شَعَرَ بِكَرْبِهم. وبسببِ ذلك فإنَّه يَدعو تَلاميذَهُ في العدد 38 ويَقولُ لهم أن يُصلُّوا. وهو يَطلُب مِنهُم أن يَطلُبوا مِن الله أن يُرسِلَ فَعَلَةً لأنَّه مِن الواضح أنَّه لم يكن يستطيعُ القيامَ بذلك بنفسه. لِذا فإنَّنا نَرى بُعدًا جديدًا مِن إنجيل مَتَّى إذ إنَّ الرَّبَّ يَبتدئُ بإضافة هؤلاءِ الرِّجالِ الاثني عشر إلى خِدمته لأنَّهم سيتمكَّنونَ مِن زيادةِ فُرصة الوُصول إلى الحقلِ الَّذي ينبغي أن يُحصَدَ في النِّهاية.

لِذا فإنَّ الرَّبَّ يَطلُب منهم أن يُصَلُّوا. ثُمَّ كما رأينا في المَرَّة السابقة، عندما نَصِل إلى العدد الأوَّل فإنَّه يَطلُب مِن نفسِ الأشخاصِ الَّذينَ طَلَبَ مِنهم أن يُصَلُّوا أن يَقوموا بعملِ الخِدمةِ بأنفسهم. فأوَّلاً، في العدد 38، طَلَبَ منهم أن يُصَلُّوا، ثُمَّ في العدد السَّادس مِن الأصحاح العاشِر، أَمَرَهُم أن يَذهبوا. ثُمَّ إنَّهُ يقولُ لهم في العدد السَّابع: اكرِزوا. فالأشخاصُ أنفسُهم الَّذينَ كانَ ينبغي لهم أن يُصَلُّوا هُم الأشخاصُ الَّذينَ ينبغي أن يَذهبوا ويَكرِزوا. وكما تَرَون، عندما ابتدأوا في رؤيةِ العالَم كما كانَ المسيحُ يَراه، وعندما نَظروا بِعَينيِّ يسوع، وعندما شَعروا بقلبٍ مُتَعاطِف بما كانَ يَشعُرُ به، ابتدأوا بالصَّلاة. وعندما ابتدأوا يُصَلُّونَ، ابتدأوا أيضًا يَرَونَ أنَّه ينبغي لهم أن يَذهبوا لتحذيرِ النَّاس مِن الدَّينونة ودَعوتهم إلى المَلكوت. فالصَّلاةُ في حَدِّ ذاتِها لا تَكفي. أتَرَون؟ فلا يُمكنكَ أن تَكتفي بمُجرَّد الصَّلاة، بل يجب أن يكونَ هناكَ استعدادٌ للذَّهاب.

كانَ لمارتن لوثر (Martin Luther) صديق، وهو صَديقٌ حَميمٌ كانَ رَفيقًا لَهُ في الرَّهْبَنَة. وقد كانا في الكنيسة الكاثوليكيَّة؛ ولكنَّ لوثر اقتنعَ بأنَّ التَّبريرَ ليسَ بأعمالِ الجسد والنَّاموس، بل إنَّ التَّبريرَ هو بالإيمان. وقد اقتنَعَ بذلك لأنَّ هذا هو ما يَقولُهُ الكتابُ المقدَّس. وقد عَقَدَ العَزمَ على إصلاحِ الكنيسةِ الكاثوليكيَّة. وقد كانَ مُستعدًّا لِخَوضِ مَعركةَ قاسيةً وشَرِسَةً وأن يَتصدَّى لتلك العقيدة المَغلوطة. وقد قالَ لهُ صَديقُه: أريدُ أن أُساعِدَكَ لأنِّي أُوْمِنُ أيضًا بما تَفعلُه. وقد اتَّفقا على ما يَلي: سوفَ يَدخُل لوثر حِمَى المَعركة، ويَذهبُ إلى العالَم ويُقاتِل؛ في حين أنَّ صَديقَهُ سيَعتَزِل في دَيْرٍ كي يُصَلِّي في ذلك الدَّير ويَسألُ اللهَ أن يُعينَ لوثر في مَهمَّتِه. فهو سَيَسنِد يَديهِ [إن جازَ القَول] مِن خلالِ الصَّلاة. وقد ابتدآ بهذه الطَّريقة. وقد كانَ الصِّراعُ شَديدًا على مارتن لوثر حَتَّى إنَّه أرسلَ إلى صَديقِهِ فَكَثَّفَ صَديقُهُ صَلاتَهُ لأجلِه.

ثُمَّ ذاتَ ليلة (كما يقولُ كاتِبُ السِّيرة) حَلُمَ صَديقُهُ حُلمًا. فقد حَلُمَ أنَّه رأى العالَمَ كَحَقْل. وبينما هو يَنظُر إلى هذا الحقل المُمتدّ فوق العالَم كُلِّه كما رآهُ في الحُلْم، رأى رَجُلاً واحدًا يَمضي في ذلك الحقل الكبير جدًّا كالأرض. وفي الحُلْم، كان مِن الواضح أنَّ تلك مَهمَّة مُستحيلة وتَكسِرُ القلب. وقد نَظَرَ مِن كَثَب في حُلْمِه فرأى وَجهَ ذلك الرَّجُل فَتَبَيَّنَ له أنَّه وَجهُ صَديقِه الحَميم مارتن لوثر. وقد نَهَضَ حالاً وانطلقَ يَبحثُ عن لوثر. وقد قالَ لهُ ما يَلي: "يجب عليَّ أن أترُكَ صَلواتي لأنَّ اللهَ أَراني أنَّ الصَّلاةَ ليست كافية. يجب عليَّ أن أُكَرِّسَ نَفسي للعَمل أيضًا". لِذا فقد تَرَكَ صَوْمَعَتَهُ، ومَضى إلى أرضِ المَعركةِ الحامية ليُحارب إلى جانبِ صديقِه الحَميم.

وأعتقد أنَّ هذا هو ما نَقرأهُ في إنجيل مَتَّى والأصحاح العاشِر. فذلك الشَّخصُ المُنفردُ (أي: يَسوعُ المسيحُ) كان يَعملُ في الحقل بمُفرده حتَّى هذه اللَّحظة. والآن، سوف يَدعو اثني عشرَ شخصًا آخرَ ليكونوا خُدَّامًا. وسوفَ يُعطيهم مأموريَّةً ليكونوا سُفراءَهُ الشَّخصيِّينَ ويُرسلهم. والأصحاحُ العاشِرُ هو سِجِلٌّ بإرسالِهِم المَبدئيِّ للمُساعدة في تَحذيرِ النَّاسِ مِن الدَّينونةِ المَحتومة المَرموز إليها بالحصاد.

والفكرة الرئيسيَّة في هذا المَقطع تَبتدئ مِن العدد الخامِس. ومِن هذا العدد إلى نهايةِ الأصحاح، تَجِدونَ أعظمَ وصايا بخصوص التَّلمذة، وأعظمَ وصايا بخصوص ما يَحدث عندما تَذهبون للخدمة لأجل المسيح. فهنا تَجِدونَ أفكارًا رائعةً عن مَعنى أن تَكرِزوا وتُمَثِّلوا الرَّبَّ يسوعَ المسيح. وهي أُمورٌ ستُعَلِّمنا... صَدِّقوني... وتُغيِّرنا. فأنا مُتَيقِّنٌ جدًّا مِن ذلك. ولكن قبلَ أن نَتأمَّلَ في العدد الخامِس، ينبغي لنا أن نَكونَ مُنْصِفينَ حَقًّا في النَّظر إلى الأعداد الأربعةِ الأولى. وهي سَهلة جدًّا مِن جِهَة ما تَقولُه. وبالرَّغمِ مِن ذلك فإنَّها تَحوي كُنوزًا عظيمةً أريدُ منكم أن تَرَوها.

والآن، في هذا الصَّباح، أودُّ فقد أن أَذكُرَ ثلاثَ سِمات للأعدادِ الأربعةِ الأولى، أو ثلاثَة عَناصِر لإرسال الاثني عشر في تلك المأموريَّة. أوَّلاً: إرسالُهم. وسوفَ نتحدَّث كثيرًا عن ذلك. ثانيًا: تَأثيرُهم. وسوفَ نَتحدَّثُ بإيجازٍ عن ذلك. ثالثًا: هُويَّتُهم. وسوفَ نَتحدَّثُ عن ذلك في المَرَّة القادمة. ولكنَّنا نَرى إرسالَهُم في العددِ الأوَّل، وتأثيرَهُم في العددِ الأوَّل، وهُويَّتَهُم في الأعداد مِن 2 إلى 4 إذْ إنَّه يُسَمِّي كلَّ الاثني عشر. والآن، إذ نَنظُر إلى هذا، أريدُ منكم أن تُفكِّروا قليلاً معي إن سَمحتُم. فأنا أريدُ وَحَسْب أن أَشرحَ لكم بِضعةَ أشياء تَختصُّ بإعدادِ هؤلاءِ الرِّجالِ ودَعوتِهم. ولكنِّي أريدُ منكم أن تَرَوا كيفيَّة تَطبيقِ تلك الأشياء في حياتِكم الشخصيَّة. فأنا أريدُ منكم أن تُطبِّقوها مُباشرةً عليكم لأنَّني أعتقد حَقًّا أنَّنا سننظر إلى الطَّريقة الَّتي أَعَدَّ فيها يسوعُ هؤلاءِ الاثني عَشَرَ ودَعاهُم. وهو نَمَطٌ رائعٌ ينبغي أن نَفهمَهُ عن التَّلمذة. وأريدُ منكم أن تَتعلَّموا كيف نُتلمِذ شخصًا آخر. وأريدُ منكم أن تَتعلَّموا كيف يريدُ اللهُ أن يُتلمِذَكُم. وأعتقد أنَّكم ستَرَونَ ذلك هنا. فهذا هو نَموذَجُ التَّلمذةِ الَّذي استخدَمَهُ رَبُّنا. وهذه هي الطَّريقة الَّتي تَلْمَذَ بها الاثني عشر.

أوَّلاً، لننظُر إلى إرسالهم. وسوفَ نَصرِفُ أغلبَ وَقتِنا في هذه النُّقطة وهي إرسال التَّلاميذ. وهناكَ جُملة واحدة فقط عن ذلك: "ثُمَّ دَعَا تَلاَمِيذَهُ الاثْنَيْ عَشَرَ وَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا" أو: "وبعدَ أن دَعا تَلاميذَهُ الاثني عَشَرَ أعطاهُم سُلطانًا". وبينما كنتُ أقرأُ هذه الكلمات: "وبعدَ أن دَعا تَلاميذَهُ الاثني عَشَرَ أعطاهُم سُلطانًا"، رُحتُ أُفَكِّر كيف فعلَ ذلك. كيفَ ابتدأَ هذه العَمليَّة؟ كيف جَعَلَهُم يَنخرطونَ في ذلك؟ كيف قادَهُم إلى النُّقطةِ الَّتي دَعاهُم فيها ثُمَّ أرسلَهُم؟ أولاً، انظروا إلى العبارة نفسِها. فالفِعلُ هو "بروسكاليئو" (proskaleo)، وهي لفظة سهلة. فالكلمة "كاليئو" (kaleo) تَعني: "يَدعو". والكلمة "بروس" (pros) تَعني: "إلى". وهي كلمة قويَّة تَعني: يَدعو شخصًا إليكَ لكي تقفَ أمامَهُ وَجهًا لوجه. فهي تَحمِلُ مَعنى الدَّعوة إلى المُواجهة وَجهًا لوجهٍ لكي يَتلقَّى المرءُ مأموريَّةً مِن الآخر. فهذه مأموريَّة رَسميَّة. فقد دَعاهُم إلى الوقوفِ أمامَهُ لكي يُعطيهم أوامِرَ، أو لكي يُعطيهم مأموريَّةً، أو لكي يُرسلَهُم، أو لكي يُعطيهم تَعليمات. وهي نفسُ الكلمة المُستخدمة في سِفْر أعمال الرُّسُل 13: 2 حيثُ دَعا اللهُ القادةَ الَّذينَ كانوا في الكنيسة في أنطاكِيَة. فهي مأموريَّة رَسميَّة. لِذا، لقد حانَ الوقتُ الآن لإعطاء المأموريَّة للتَّلاميذ. ويُمكنكم أن تُلاحظوا في العدد الثَّاني أنَّه يقول إنَّهم كانوا اثني عشر رَسولاً. فَهُم تلاميذ في العدد الأوَّل، وَرُسُل في العدد الثَّاني. فقد كانوا تلاميذَ عندما كانوا يَتعلَّمون، ولكنَّهم صاروا رُسُلاً عندما تَمَّ إرسالُهم. فالكلمة "تِلميذ" تَعني: "مُتَعَلِّم". فالكلمة "ماثيتيس" – "mathetes" تَعني: "مُتَعَلِّم. والكلمة "رَسُول" هي "أبوستيلو" (apostello) ومَعناها: "مُرسَل". فقد كانوا في البداية مُتَعَلِّمين، ثُمَّ تَمَّ إرسالُهم.

إذًا هذه هي نُقطةُ الانتقالِ بِهم مِن كَونِهم مُتعلِّمينَ في العدد الأوَّل إلى صَيرورَتِهم مُرْسَلينَ في العدد الثَّاني. فقد كانوا يَتدرَّبونَ، والآنَ تَمَّ إرسالُهم. فرَبُّنا يَدعوهُم إلى العمل معه. وهو يَدعوهم إلى جَمْعِ عَدَدٍ مِنَ الخِرافِ الضَّالَّةِ والمُستَغَلَّةِ، والمُتعَبَةِ، والمُصابة بالإعياءِ، والَّتي لا راعي لها قبلَ أن يأتي الحُصَّادونَ (أي: "المَلائكة" – وَفقًا لما جاءَ في إنجيل مَتَّى والأصحاح 13) ويَقطعوهُم، ويَجمَعوهُم، ويَطرحوهُم في نارِ الدَّينونة. فالوقتُ هو وقتُ كِرازَة. وهو وَقتُ مُناداةٍ بالملكوت. وكما جاءَ في العدد 6، إنَّهُ وقتُ الذَّهابِ إلى خِرافِ بَني إسرائيلَ الضَّالَّة، والكِرازة، وإخبارِهم أنَّ ملكوتَ السَّماءِ قدِ اقترَب. لِذا، هذه نُقطة حَرِجَة في تَدريبِ الاثني عَشر. وأريدُ أن نُرَكِّزَ على ذلك قليلاً.

كانت هناكَ أربع مَراحل رئيسيَّة في تَدريبِ يسوعَ للاثني عشر. وسوفَ أَذكُرُها لكم بإيجاز: أوَّلاً: خَلاصُهم أو اهتداؤهم. فإذا نَظرتُم يومًا (ليسَ الآن، بل رُبَّما في وقتٍ لاحق) إلى إنجيل يوحنَّا 1: 35-51، ستَجدونَ هناكَ مَثلاً توضيحيًّا على الدَّعوة الأوليَّة للإيمان، أو الدَّعوة إلى الاهتداء، أو الدَّعوة إلى الخلاص الَّتي وَجَّهَها رَبُّنا إلى حياةِ هؤلاءِ الاثني عشر. فقد دَعا كثيرينَ، ولكنَّه يُشيرُ هناك إلى العديدِ مِنهم في إنجيل يوحنَّا والأصحاح الأوَّل مِمَّن نَعرفهم جيِّدًا. وهذه هي الدَّعوة الأوليَّة. فقد دَعاهُم إلى الإيمان. وقد دُعوا إلى المسيح بِمَعنى الاهتداء. ولكن بعد ذلك، عادوا إلى أعمالِهم، وعادوا إلى وَظائفهم السَّابقة، وعادوا إلى بُيوتهم.

ثُمَّ تأتي المَرحلة الثَّانية، وهي مُدَوَّنة لنا في إنجيل مَتَّى 4: 18-22. وقد كانت هذه هي المرحلة الثَّانية في تَدريبِ الاثني عشر. فقد "أَبْصَرَ أَخَوَيْنِ: سِمْعَانَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ بُطْرُسُ، وَأَنْدَرَاوُسَ أَخَاهُ يُلْقِيَانِ شَبَكَةً فِي الْبَحْرِ، فَإِنَّهُمَا كَانَا صَيَّادَيْنِ. فَقَالَ لَهُمَا: هَلُمَّ وَرَائِي فَأَجْعَلُكُمَا صَيَّادَيِ النَّاس". والآن، لقد كانا في هذا الوقتِ مُؤمِنَيْن. فأنا أعتقد أنَّهما كانا في هذا الوقتِ مُخَلَّصَيْن بالمعنى الَّذي نَستخدِمُهُ حينَ نقولُ إنَّنا نُؤمِن عندَ اهتدائِنا أو خلاصِنا. فقد كانا يُؤمنان آنذاك بالمسيح. وكانا قد أَقَرَّا آنذاكَ بأنَّه المَسيَّا كما فَعلا في إنجيل يوحنَّا والأصحاح الأوَّل. أمَّا الآن فإنَّه يَدعوهُما إلى تَرْكِ شِباكِهِما، وإلى تَرْكِ عَملهِما في العالَم، وإلى تَركِ بَيتيهِما، وإلى اتِّباعِه بصورة حَصريَّة وتامَّة. فهذه هي دَعوتهُما [إن جازَ القَول] إلى الخِدمة. فقد دُعِيا إلى الخلاص (وهذه هي المرحلة الأولى)، وها هُما يُدْعَيانَ الآن إلى الالتصاقِ به بصورة دائمة (وهذه هي المرحلة الثَّانية). وهو سيَجعلهُما صَيَّادي النَّاس. وإن أردتُم أن تَروا هذا بطريقة أخرى، فإنَّ هذه هي دَعوتُهما إلى التَّدريب. فقد دُعيا إلى تَرْكِ عَملِهما، ودُعيا إلى تَرْكِ مَعيشتهما وَهُما في سِنِّ الرُّجولة. وقد دُعيا إلى تَرْكِ كلِّ شيءٍ يَعرفانه عن كَسْبِ الرِّزْق، ودُعيا إلى اتِّباع يسوعَ مُدَّة ثلاث سِنين كي يَتدرَّبا. فقد كانت هذه هي مَرحلة تَدريبٍ لهما. وبالمناسبة، كانَ تَدريبُ التَّلاميذ يَحدُث في بيئةٍ تَزخُرُ بالنَّاس لأنَّه أينما كانَ يسوعُ يَذهب، كان هناك عددٌ كبيرٌ مِن التَّلاميذ. وهناك أشخاصٌ استمرُّوا في اتِّباع يسوع (بحسب يوحنَّا 6)، وأشخاصٌ توقَّفوا عن اتِّباعه ولم يعودوا يَتبعونه. ولكن في وَسْطِ هذه المجموعة، كانت توجد هذه المجموعة الخاصَّة المؤلَّفة مِن الاثني عشر. وقد كانوا يَتدرَّبونَ مع الجميع، بل رُبَّما أكثر مِن البقيَّة لأنَّ الرَّبَّ كان يَعلم أنَّ هؤلاءِ الاثني عشرَ كانوا مُمَيَّزين.

وهناكَ مَرحلة ثالثة لتَدريبهم أو دَعوتهم. فأوَّلاً، هناك دَعوتُهم إلى الاهتداء، ثُمَّ هناكَ دَعوتُهم إلى الخِدمة. ثالثًا، كانَ يَنبغي أن يُرسلَهُم. وهذا يأتي بنا إلى العددِ الأوَّل مِن الأصحاحِ العاشِر. وهذه ليست المَرحلة الأخيرة، بل هي المَرحلة الثَّالثة وهي: إرسالُهم. ويُخبرُنا مَرقُس إنَّهم أُرسِلوا اثنين اثنين. فَهُم لم يكونوا جاهزينَ بعد للذَّهابِ بمُفردهم، بل كانوا بحاجة بعضُهم إلى بعض مِن أجلِ الدَّعم. وأودُّ أيضًا أن أُضيفَ بأنَّ الرَّبَّ كانَ قريبًا جدًّا منهم في المرحلة الثالثة. فقد كانَ مِثلَ أُمِّ فِراخِ النُّسور الَّتي تُراقبُ فِراخَها في بدايةِ طَيرانِهم. فقد كانَ موجودًا دائمًا بينهم، وكانوا يَرجعونَ إليهِ طَوالَ الوقت ويُخبرونه كيفَ سارتِ الأمور. فقد كانت هذه هي فَترةُ تَدريبهم. وكان هذا الوقتُ هو وقتُ خُروجِهم في مأموريَّاتِهم الأولى القصيرة كي يَشعروا كيف هي أحوالُ الخدمة العَمليَّة، وكي يَتدرَّبوا. ثُمَّ بعدَ فترةٍ مِن هذا الجُهدِ الشَّخصيِّ، عادوا إلى الرَّبِّ وبَقَوا معه مَرَّةً أخرى وقتًا طويلاً كي يتعلَّموا مِن الرَّبِّ المزيدَ والمزيد. وبالمناسبة، لقد تَعلَّموا بصورةٍ أفضل الآن لأنَّهم خَرجوا إلى حَقلِ الخِدمة وعَرَفوا صُعوبةَ الخِدمة، وعَرفوا ما يَحتاجونَ إلى مَعرفته، وكانوا يَشعرونَ بشيءٍ مِن الإحباط عندما عادوا لأنَّهم تَعِبوا قليلاً في هذه المَرَّة الأولى بسببِ ذَهابِهم بمُفردهم.

ثُمَّ هناك مَرحلة رابعة مِن تدريب الاثني عشر. وقد تَمَّ ذلك بعد القيامة، وبعد الصُّعود. فعندما عادَ المسيحُ إلى السَّماء، أَرسلَ الرُّوحَ القُدُسَ فَحَلَّ الرُّوحُ القُدُسُ عليهم فتَشَتَّتوا آنذاكَ وذهبوا إلى العالمِ كُلِّه يُتلمذونَ الأُمم. وكان هذا هو آخِرُ إرسالٍ للاثني عشر.

إذًا، كانت هناك مَرحلة الاهتداء، وكانت هناك دَعوتُهم إليه مِن أجل تَدريبهم. وكانت هناك الخِدمة العَمليَّة الأولى، ثُمَّ كان هناك إرسالُهم النِّهائيّ. وإذ نأتي إلى الأصحاحِ العاشِر، نَراهُم في المَرحلةِ الثالثة. فهذه هي خِدمتُهم الأولى بمُفردهم في حقلِ الخدمة. وهو لا يَدَعُهم يَبتعدونَ كثيرًا، بل بالقدرِ الكافي لِتَعَلُّمِ المَصدرِ الَّذي تأتي منهُ المَتاعب. فهذا هو إرسالُهم للخدمة. لِذا فقد أسمينا هذا العُنصُر: إرسال التَّلاميذ. فقد اختارَهُم يسوعُ مِن بين التَّلاميذ الآخرين الَّذين كانوا يَتبعونَه. فقد كان يَعلَمُ أنَّهم سيكونونَ رُسُلَه. وحتَّى إنَّه اختارَ يَهوذا لأنَّ ذلكَ يُوافِق الخُطَّة النَّبويَّة أيضًا. فقد اختارَ هؤلاء الاثني عشر ليكونوا الأشخاصَ الَّذينَ سيذهبونَ إلى العالَم لتأسيسِ الكنيسة وتأكيدِ مَسيحانيَّتِه، وتأكيدِ قيامَتِه مِن الأمواتِ ومَوتِهِ الكَفَّارِيِّ أيضًا. وقد عَلَّمَهُم وعَلَّمَهُم وعَلَّمَهُم وعَلَّمَهُم كي يَكونوا مُمَثِّلينَ لرسالةِ الإنجيل.

والآن، في أثناءِ عَمليَّة تَدريبهم (أي في المرحلتين الثَّانية والثَّالثة)، كان يسوع يَتَصَدَّى بصورة رئيسيَّة لخمسِ مشاكل بارزة لديهم. وأريدُ أن أتحدَّثَ عن هذه المشاكل. وهذه المشاكل الخمس شائعة كثيرًا في عمليَّة التَّلمذة. أنا أَعلمُ أنَّ الرَّبَّ يَعملُ على تَلمذتي لأنَّني بالمَفهومِ البسيطِ شخص مُرسَل. صحيحٌ أنَّني لستُ رَسولاً بالمعنى الرَّسميِّ، وأنَّه لا يوجد رُسُل بهذا المَعنى اليوم، ولكنِّي مُرسَلٌ أيضًا. فالكلمة ما تَزالُ تَصِحُّ عَليَّ. فأنا مُرسَلٌ كي أَكرِزَ بالكلمة. وكذلكَ أنتُم. لِذا، عندما أنظرُ إلى كيفَ يَعملُ الرَّبُّ في حياتي، يُمكنني أن أرى أَوجُهَ التَّشابُه بين عملِه في حياتي وعَملِه في حياتِهم. وهناك شيءٌ يُدهشُني حَقًّا وهو أنَّه لم يَكُن يَجِدُ أمورًا حَسَنَة كثيرةً يُمكِنُهُ أن يَعمَلَ مِن خلالها في حَالَتِهم، وأنَّه ما يَزالُ لا يَجِد أمورًا كثيرةً حَسَنة يُمكنه أن يَعمَلَ مِن خلالها في حَالتي أنا. وهذا شيءٌ يُفرحُني جدًّا. فقد كانت لديه مَجموعة مُهَلْهَلَة حَقًّا مِن الأشخاص. والحقيقة هي أنَّه لو أنَّ أشخاصًا مُتديِّنينَ زائفينَ كَتَبوا هذا الإنجيل، أي لو أنَّ يسوعَ كانَ مُحاطًا بمجموعة زائفة مِن الأشخاص الَّذينَ يحاولونَ أن يُقنِعوا الجميعَ بكمالِه، وأن يُقنِعوا الجميعَ بأنَّه الله، لَمَا اختارَ اثني عشرَ شخصًا مُهَلهَلاً لمُرافقته لأنَّه في الوقت الَّذي تَصِلونَ فيها إلى نهاية القصَّة، ستَتَساءلونَ عَمَّا إذا كانَ سيتمكَّن مِن تحقيقِ هَدفِه بوجودهم. وقد يُشَكِّك أُناسٌ في قُدرتهِ في ضوءِ تلك الحقيقة وَحدها. وهي فِكرة رائعة على صِدْقِ الله عندما كانَ يَرى أنَّ المسيحَ يَتعامَلُ مع أشخاصٍ ضُعفاء. وسوفَ نَرى ذلك بعد قليل.

ولكن في مَعرِضِ حديثِنا عن ذلك، اسمحوا لي وَحَسْب أن أُخبركم قليلاً عن عمليَّة التَّدريب، وقليلاً عن عمليَّة إرسالهم، وبِضعةَ أُمور عَمَّا كانَ يَحدُثُ في أثناءِ ذلك. أوَّلاً، لقد تَمَّ اختيارُهم بمُقتضى سِيادةِ الله. وهذا واضح. فَهُم يقومونَ بدورٍ مُهمٍّ جدًّا في تاريخ العالَم وفي الأبديَّة أيضًا. وقد خَطَّطَ اللهُ لكُلِّ شيءٍ حَتَّى إنَّه تَمَّ اختيارُهم بمُقتضى سِيادتِه. فنحنُ نَقرأ في العدد الأوَّل: "ثُمَّ دَعَا تَلاَمِيذَهُ الاثْنَيْ عَشَرَ". والحقيقة هي أنَّنا نَقرأُ في إنجيل مَرقُس 3: 13 جُملةً رائعةً هي: "وَدَعَا الَّذِينَ أَرَادَهُمْ". فقد كانَ ذلكَ اختيارُهُ، وكانت تلكَ مَشيئتُه، وكانَ ذلكَ قَصدُهُ بِمُقتضَى مَشيئتِه. فهو لم يُجْرِ بَحثًا شاملاً. وَهُوَ لم يَقُل: "والآن، كم واحد مِنكم يَرغب في أن يكونَ رَسولاً؟ ارفعوا أيديكُم". لم يَتِمَّ الأمرُ بهذه الطَّريقة. وهو لم يَقُل: "إن لم تكن قادرًا على تحقيقِ النَّجاح، أو كُنتَ صَيَّادَ سَمَكٍ فاشِل، رُبَّما تَرغبُ في الالتحاقِ بالخِدمة". لم يكن الأمرُ كذلك؛ بل إنَّهم دُعوا بمُقتضَى مَشيئةِ اللهِ وقَصدِه. فد كانَ يَعلمُ الأشخاصَ الَّذينَ يُريدُهم. وَهُوَ لم يَسْتَشِر أحدًا منهم ولا استشارَ أيَّ شخصٍ آخر، بل استشارَ فقط اللهَ الآبَ. فقد كانوا مُعَيَّنينَ سابقًا مِثل إبراهيم، ومِثلَ مُوسَى، ومِثلَ إرْميا. وقد كانوا مُعَيَّنينَ سابقًا مِثلَ إشعياء. وكانوا مُعَيَّنينَ سابقًا مِثلَ يوحنَّا المَعمدان، ومُعَيَّنينَ سابقًا مِثلَ الرَّسول بولس الَّذي دُعِيَ إلى الخدمة ضِدَّ إرادَتِه. لذا فإنَّ يسوعَ يقولُ في إنجيل يوحنَّا والأصحاح 15: "لَيْسَ أَنْتُمُ اخْتَرْتُمُونِي بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ، وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوا وَتَأتُوا بِثَمَرٍ". فقد اختارَ اللهُ بمُقتضَى سِيادتِه هؤلاءِ الأشخاص. وهذا هو دائمًا أسلوبُ الله. فقد اختارَ إسرائيل، واختارَ الرُّسُل، ويَختارُ كنيستَه، ويَختارُ مَن يَخدِمه في كنيستِه. لِذا فإنَّ مَن يُمَثِّلونَهُ هُم المَدعوُّونَ حَسَبَ قَصدِه.

والآن، هل يُمكنني أن أُضيفَ شيئًا إلى ذلك؟ فأوَّلاً، لقد تَمَّ اختيارُهم بمُقتضَى مشيئةِ الله، ولكن ثانيًا: لقد تَمَّ اختيارُهم بعدَ ليلةٍ مِن الصَّلاة. صَحيحٌ أنَّ المسيحَ اختارَ مَن شَاء، ولكنَّ ذلكَ حَدَثَ بطريقةٍ عجيبةٍ ورائعةٍ مِن خلال خُضوعِه للآب وبعدَ أن طَلَبَ مشيئةَ الآب. وهذا شيءٌ رائعٌ جدًّا مِن جِهَةِ التَّلمذة: فعندما نَختارُ أولئكَ الَّذينَ سنَسكُب حياتَنا فيهم، يجب أن نَفعلَ ذلك بعدَ أن نَصرِفَ وقتًا طويلاً في الصَّلاة لكي يُرينا اللهُ مَنِ الَّذينَ سنَسكُب حياتَنا فيهم. استمعوا إلى ما جاءَ في إنجيل لوقا 6: 12: "وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ خَرَجَ [أيْ: يَسوعُ] إِلَى الْجَبَلِ لِيُصَلِّيَ. وَقَضَى اللَّيْلَ كُلَّهُ فِي الصَّلاَةِ لله". فقد صَلَّى طَوالَ اللَّيل. ثُمَّ نَقرأُ ما يَلي: "وَلَمَّا كَانَ النَّهَارُ دَعَا تَلاَمِيذَهُ، وَاخْتَارَ مِنْهُمُ [أي مِن كُلِّ تلك المجموعة] اثْنَيْ عَشَرَ، الَّذِينَ سَمَّاهُمْ أَيْضًا رُسُلاً". فقد تَمَّ اختيارُهم بِمُقتضى سِيادةِ الله بعدَ ليلةٍ مِن الصَّلاةِ بصفَتِه الابنَ الخاضعَ باتِّضاعٍ إذْ طَلَبَ فقط مشيئةَ الآب. وَهُوَ يُؤكِّد في إنجيل يوحنَّا والأصحاح 17 أنَّهم كانوا حقًّا الأشخاصَ الَّذي أرادَهُم الآبُ، والَّذين أعطاهُمُ الآبُ للابن إذ يَقول: "أَنَا أَظْهَرْتُ اسْمَكَ لِلنَّاسِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي مِنَ الْعَالَمِ. كَانُوا لَكَ وَأَعْطَيْتَهُمْ لِي" (إنجيل يوحنا 17: 6). فقد أَكَّدَ أنَّهم كانوا عَطيَّةً مِن الله. لِذا، لقد كانَ هؤلاءِ الأشخاص المُميَّزون جدًّا... المُميَّزونَ جدًّا، مُختارينَ مِن قِبَلِ الله. وقد أكَّدَ الابنُ ذلكَ بعد أن صَرفَ اللَّيلَ كُلَّهُ في الصَّلاة.

لِذا فقد تَمَّ اختيارُهم بمُقتضى سِيادَةِ الله. وقد تَمَّ اختيارُهم مِن خلالِ الصَّلاة. ثالثًا: وهذا هو ما أريدُ أن أُرَكِّزَ عليه: لقد تَمَّ اختيارُهم مِن أجلِ تَدريبِهم... مِن أجلِ تَدريبهم. فالتَّدريبُ جُزءٌ أساسيٌّ. فَلم يَتِمَّ اختيارُهم مِن أجلِ إرسالِهم وحسب، بل كانَ لا بُدَّ مِن وجودِ فترة تَدريبيَّة. وبالنِّسبة إليهم، كانت مُدَّةُ ذلك التَّدريب ثلاث سنوات تَبِعوا فيها الرَّبَّ. فقد تَركوا شِباكَ صَيدِهم، وتَركوا قَوارِبَهُم، وتَركوا مَحاصيلَهُم، وتَركوا أعمالَهُم، وتَركوا مَكانَ جِبايةِ الضَّرائب، وتَركوا كلَّ شيءٍ وراحوا يَتبعونَ يَسوع. وقد انتقدَهُم أُناسٌ بسببِ ذلك. فقد قالَ كَاتِبٌ: "لم تَكُن لهؤلاءِ مِهنة. فقد تَركوا أشغالَهُم الَّتي كانوا يَعملونَ بها سواءَ كانَت صَيدَ سَمَك أو جِبايةَ ضَرائب أو زِراعة. فقد بَقَوْا بلا عَمل إذ كانوا بِكُلِّ بَساطَة يَتبعونَ قائدَهُم ويُكلِّمونَ بعضُهم بعضًا أو يُكَلِّمونَه. وعندما كانَ يُكَلِّم النَّاس الَّذينَ كانوا يَبتَدِئونَ في التَّجمُّع، كانوا يُصغونَ كأيِّ شخصٍ آخر. فالشَّيءُ الوحيدُ الَّذي كانوا يَفعلونَهُ هو مُرافقتُه مِن مكانٍ إلى مَكان. فقد كانوا كَسالَى. وقد ابتدأَ النَّاسُ يُعَلِّقونَ على ذلكَ ويقولونَ إنَّهُ مِن المُؤذي والمُعيبِ أن يَجلِسَ اثنا عشرَ رَجُلاً دونَ عَمَل ودونَ أيَّة غاية واضحة، وأن يُهمِلوا واجباتِهم المَفروغَ مِنها مِن أجل القيامِ بشيءٍ كهذا" [نِهايةُ الاقتباس]. فَهُم اثنا عشرَ رَجُلاً يَهيمونَ على وَجهِهم مِثل مَجموعة مِن المُتَسَكِّعين.

أعتقد أنَّه يُمكنكم أن تَنظروا إلى الأمر بتلك الطَّريقة. ولكن مِن جهة أخرى، لا بُدَّ مِن وُجودِ تَدريب. فهناك أشخاص كثيرون يُدْعَوْنَ إلى المسيح، ورُبَّما يُدْعَوْنَ إلى الخِدمة. وَهُم يُشبهونَ الرَّجُلَ الَّذي قَفَزَ على حِصانِه وانطلقَ بهِ كالمَسعورِ في كُلِّ الاتِّجاهات. فَهُم يريدونَ وحسب أن يَذهبوا؛ ولكنَّهم لا يَعرفونَ إلى أين أو ماذا سيفعلون. ولكنَّ يسوعَ كانَ يَعلمُ أنَّهم بحاجة إلى التَّدريب، وإلى التَّعلُّم، وإلى أن يَصيروا تَلاميذ ("ماثيتيس" – "mathetes" أي: "مُتَعَلِّمين") قبلَ أن يَتِمَّ إرسالُهم. وقد صَرَفَ مُوسَى أربعينَ سنة في التَّدريب. وقد صَرَفَ بولس ثلاثَ سنوات فقط. ويبدو أنَّ مُوسَى كانَ حالةً صَعبةً جدًّا. وهناك أشخاصٌ مِنَّا صَرفوا ثلاثَ سنواتٍ أو أربعَ أو خمسَ سنواتٍ في كُليَّة اللاَّهوت. وهناكَ أشخاص صَرفوا سنواتٍ وسنواتٍ وسنواتٍ لا في التَّعليمِ الرَّسميِّ، بل في تَعَلُّمِ كلمةِ الله، أو رُبَّما تَعلَّموا مِن مُؤمنٍ آخر. ولكن لا بُدَّ مِن وجودِ وقتِ تَدريب قبلَ إرسالِ الشَّخص.

ولا يُمكنني أن أتخيَّل شيئًا أكثرَ رَوعةً مِن تَلَقِّي التَّدريبِ مِن الرَّبِّ نفسِه. أليس كذلك؟ وما أعنيه هو: عندما أُفَكِّر في ذلك فإنَّه أمرٌ مُذهل... أن أكونَ حَولَهُ وَحَسْب. فهو يقولُ في إنجيل مَتَّى 11: 29 للمجموعة الَّتي كانت تَضُمُّ تلاميذَهُ: "تَعَلَّموا مِنِّي". يا لهُ مِن تَدريب! اسمعوني: إنَّ التَّعلُّمَ لا يَحدث بِمُجَرَّدِ أن تَجلسَ في صَفٍّ وأن تَسمعَ مُحاضرةً، بل إنَّ التَّعَلُّمَ يَحدث حَقًّا عندما تُراقب رَجُلاً قِدِّيسًا أو امرأةً قِدِّيسةً تَعيشُ الحياة. فهُنا يُمكنكَ أن تَتعلَّم. فأنتَ تَتعلَّم مِن خلالِ نَمَطِ حياتِه وأسلوبِه الدَّائم. وهذه هي التَّلمذة. فهي لا تَعني أن تُسَجِّلَ في دَورةٍ مُدَّتُها عشرة أسابيع، بل تَعني أن تَسلُكَ مَعَ أُناسٍ أتقياء وتَشعُر بنبضِ قَلبهم، وتَسمعهم يَتكلَّمون، وتَراهُم كيفَ يُصلُّونَ ويَصرفونَ الوقت.

والآن، سوفَ أكونُ صَريحًا معكم. لم يَكُن مِن السَّهلِ تَدريبُ هذه المَجموعة. فأفضلُ شخصٍ فيهم، أو قائدهم (أي: بُطرس) لم يَكُن يَعرفُ أيَّ شيء عَمَّا يَفعله حَتَّى بعد القيامة. فقد كانوا مَجموعةً مُهَلهَلَة جدًّا. ومِن الجيِّد أن نَرى جوانبَ ضُعفِهُم لأنَّ ذلك يُعطينا رجاءَ في أنَّ اللهَ قد يَستخدِمُنا.

والآن، اسمَحوا لي أن أذكُرَ المَشاكِلَ الخمسَ الَّتي أعتقدُ أنَّ يسوعَ كانَ مُضطرًّا لمُعالجتها. وسوفَ تَرونَ هذه المشاكل في حياتِكُم الشخصيَّة. فقد تَمَّ اختيارُهم بمُقتضى السِّيادة الإلهيَّة، وتَمَّ اختيارُهم أيضًا مِن خلالِ الصَّلاة، وتَمَّ اختيارُهم كي يَتلَقَّوْا تدريبًا. وفي فترةِ التَّدريب، كانَ لا بُدَّ أن يُعالِج يَسوعُ خمسَ مشاكل رئيسيَّة. وهي مَشاكل نُعاني مِنها نحنُ أيضًا، ويُعاني منها الأشخاصُ الَّذينَ نُتلمِذُهم.

المُشكلة الأولى: لقد كانوا يَفتقرونَ إلى الفَهمِ الرُّوحيّ. والآن، هذه بداية صعبة أصلاً. أليس كذلك؟ فسوفَ تُدرِّب اثني عشرَ شخصًا لكي يَكرِزوا للعالَمِ أَجمَع، ولكن توجد مُشكلة أساسيَّة لديهم وهي أنَّهم لا يَفهمونَ الحقَّ الرُّوحيَّ! يا لها مِن وَرطة! فهذه بداية صعبة! ولكنَّ هذه هي تمامًا المشكلة الَّتي كانَ ينبغي أن يُعالجها. فقد كانوا عُميانًا، وكانوا حَمْقى، وكانوا أغبياء، وكانوا لا يَفهمونَ شيئًا. فَهُم لم يكونوا يَفهمونَ الأمثال. ولا يَسَعُني إلاَّ أن أضحكَ في كلِّ مَرَّة يقولُ لهم الرَّبُّ فيها: "هل تَفهمونَ هذا المَثَل؟" هل تَعلمونَ ماذا كانوا يَقولونَ في كلِّ مَرَّة؟ "أجل يا رَبّ". فقد كانوا يقولونَ ذلك دائمًا: "أجل يا رب". وهل كانوا يَفهمون؟ لا، لم يكونوا يَفهمون. ولكنَّهم كانوا أغبياءَ جدًّا حَتَّى إنَّهم لم يكونوا يَعلمونَ أنَّهم لا يَفهمون. لِذا فقد كانوا يَقولونَ دائمًا: "أجل يا رَبّ، نحنُ نَفهم". ولكنَّهم لم يكونوا يَفهمونَ الأمثال، ولم يكونوا يَفهمونَ ما يُعلِّمُه. فقد كانَ مِن الصَّعب جدًّا أن يَتعلَّموا بوجودِ كلِّ تَحَيُّزِهِم وكلِّ مواقِفِهم السَّابقة. فقد قالَ له بُطرس في إنجيل مَتَّى 15: 15: "فَسِّر لنا هذا المَثَل". فقالَ يسوع: "هَلْ أَنْتُمْ أَيْضًا حَتَّى الآنَ غَيْرُ فَاهِمِينَ؟" ألا تَفهمونَ بعد؟ وهذا مُحبِطٌ جدًّا. أليس كذلك؟ وقد وَبَّخَهُم. أَلَم تَفهموا بعد؟

كانَ أوَّلُ صَفٍّ دَرَسْتُهُ في كُليَّة اللاَّهوت صعبًا جدًّا. ولن أَنْسَ يومًا ذلك الصَّفّ. فقد كانتِ المادَّة تَدورُ في ذِهني دونَ حتَّى أن أَفهمَ مَعاني المُفردات. وقد كنتُ أدرسُ العِبريَّة واليونانيَّة وكلَّ شيءٍ آخر في الوقتِ نفسه. وكنتُ قد أخذتُ ثماني عشرةَ ساعة مُعتمدة في الفصل الأوَّل. وكنتُ في وَرطة حقيقيَّة. وكنتُ أحاولُ أن أستمعَ إلى كلِّ تلك الأصوات طَوالَ اليوم. وفي صَفٍّ ما، طَرَحَ زَميلٌ لي سؤالاً فأجابَ عنهُ الأُستاذ. وكانَ الأُستاذُ في عَجَلَةٍ مِن أمرِه فلم يَشرح كلَّ شيء، ولم يَفهم أيٌّ مِنَّا ما قالَهُ. ولكنَّهُ اضطُرَّ إلى الإجابة، ولم نَكُن نُصغي حقًّا أو نَنتبِه جيِّدًا إلى ما يقول. وقد رَفَعَ طالبٌ آخرُ يَدَهُ وطَرحَ نفسَ السؤالِ الَّذي صَرَفَ الأُستاذُ خمسَ دقائق في الإجابة عنه. وكم كانَ ذلكَ مُحرِجًا! وقد قالَ له الأستاذ: "سَيِّدي، إن لم يكن بإمكانِكَ أن تَطرحَ سؤالاً أكثرَ ذكاءً مِن هذا، لا تَطرح أيَّ سؤال. لقد أجبتُ للتَّوّ عن ذلك السُّؤال". وقد اختبأ كُلٌّ مِنَّا تحتَ مَقعدِه ولم يَجرؤ على طَرْحِ أيِّ سؤالٍ بعد ذلك. وكانَ دَرسًا عميقًا في حُسْنِ الاستماع. وكانَ دَرسًا عميقًا في كِتابةِ المُلاحظات.

ورَبُّنا يقولُ الشَّيءَ نفسَه. وأنا أَعلمُ مِن أينَ تَعَلَّمَ ذلك الأستاذُ هذا النَّموذَج. "أتَقصِدونَ أنَّكم ما زِلتُم لا تَفهمونَ ذلك؟ يجب أن تَتعلَّموا كيفَ تُصغونَ وتَفهمون". وفي إنجيل لوقا والأصحاح 18... وأريدُ فقط أن أُريكُم كيفَ أنَّ هذا كانَ يَحدُثُ طَوالَ الوقت في أثناءِ وُجودهم معه: "وَأَخَذَ الاثْنَيْ عَشَرَ [في العدد 31 مِن الأصحاح 18] وَقَالَ لَهُمْ: هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَسَيَتِمُّ كُلُّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ بِالأَنْبِيَاءِ عَنِ ابْنِ الإِنْسَان". والآن، كانَ ينبغي لهم أن يَفهموا ذلك ويقولوا: "كُلُّ الأشياء الَّتي قالَها الأنبياءُ عن ابنِ الإنسان ستتحقَّق؟ هذا رائع! لقد فَهِمنا ذلك. يُمكننا أن نَفهمَ ذلك. فنحنُ نَعلَمُ ما قالَهُ الأنبياء. فقد قالوا ’لأَنَّهُ يُسَلَّمُ إِلَى الأُمَمِ، وَيُسْتَهْزَأُ بِهِ، وَيُشْتَمُ وَيُتْفَلُ عَلَيْهِ، وَيَجْلِدُونَهُ، وَيَقْتُلُونَهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ‘. لِذا فإنَّ كُلَّ ما قيلَ في العهدِ القديم مِن أمورٍ مَفهومة وأمورٍ مَحجوبة سيَتحقَّق". وفي العدد 34: "وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ يَفْهَمُوا مِنْ ذلِكَ شَيْئًا". لم يَفهَم أحدٌ منهم شيئًا. ولو كنتُ مَكانَ الرَّبِّ في تلك اللَّحظة، كنت سأقولُ للآب: "هل أنتَ واثِقٌ مِن أنَّ هؤلاءِ الاثني عشرَ هُمُ الأشخاصُ المُناسبون؟ لقد صَرفنا بعضُنا مع بعض وقتًا طويلاً. ألم يَكُن بمقدورهم أن يَفهموا ولو جُزءًا بسيطًا مِن هذا؟ ولكن أَلاَّ يَفهموا أيَّ شيء!" ولكنَّهم كانوا يقولونَ بين الحين والآخر: "أجل يا رَبّ، نحنُ نَفهم". لا تَنخدعوا بالأشخاص الَّذينَ يَظُنُّونَ أنَّهم يَفهمونَ ما تقولون، بل تَيَقَّنوا مِن فَهمِهم لذلك.

ولكنَّهم لم يكونوا يَفهمونَ الأمثال، ولم يكونوا يَفهمونَ الأفكار. وكما أَشرتُ قبلَ قليل، مِن الواضح أنَّهم لم يكونوا يَفهمونَ آلامَ المسيح. ففي إنجيل يوحنَّا والأصحاح 13، اتَّضَعَ يسوعُ وغَسَلَ أرجُلَهُم فقالَ بُطرس: "لن تَغسِلَ رِجليَّ". فقالَ يسوعُ لَهُ: "بُطرس! أنتَ لا تَدري مَا أَنَا أَصْنَع. أليس كذلك؟ أنتَ لا تَفهم! ولكنَّك ستَفهم في المستقبل". وفي إنجيل مَتَّى والأصحاح 16، يقولُ بُطرس: "لن تَمضي إلى الصَّليب". فقالَ لَهُ يسوع: "اذهب عَنِّي يا شَيطان. أنتَ ما تَزالُ لا تَفهم!" ولطالَما فَعلوا ذلك! وحتَّى بعدَ القيامة، أي بعدَ أن رأى بُطرسُ المسيحَ المُقام، رَجَعَ بطرسُ وجميعُ رِفاقه إلى صيدِ السَّمك. هل يُمكنكم أن تَتخيَّلوا ذلك؟ فقد رَجَعوا إلى نُقطة البداية. وقد جاءَ الرَّبُّ إلى هناك. وقد قامَ بكلِّ تأكيد بتغييرِ مَسارِ جميعِ الأسماك في البحر كيلا تَدنو سَمَكة مِن قاربهم. لِذا، لن يَعودَ بمقدورِهم أن يَصيدوا أيَّة سمكة بعدَ الآن. ثُمَّ إنَّه التقاهُم جميعًا على الشَّاطئ وقالَ لهم: "ما الَّذي يَجري؟ أتُحِبُّني يا بُطرس؟ إذًا أَطعِم خِرافي. هذا هو ما دَعوتُكَ إلى القيامِ به". وكما تَرَوْنَ، فإنَّ الرَّبَّ واضِحٌ كلَّ الوُضوحِ في إنجيل يوحنَّا والأصحاح الحادي والعشرين؛ وَلكنَّ بُطرُس ما يزالُ لا يَفهم دَورَهُ! فهو لم يَكُن يَفهم دَورَهُ، ولم يَكُن يَفهم القَصدَ مِن آلامِ المسيح، ولم يكُن يَفهمُ المبادئ، ولم يَكُن يَفهمُ الأمثال. لقد كانوا يُعانونَ مِن عَدَمِ الفَهم. وهذا جُزءٌ مِن عمليَّة التَّلمذة. ويجب عليكم أن تُعالِجوا هذه المشكلة.

وكيفَ عَالَجَ يسوعُ تلكَ المشكلة. ببساطة: مِن خلال التَّعليم: التَّعليم، والتَّعليم، والتَّعليم. والحقيقة هي أنَّه عندما عادَ بعدَ قيامَتِه، نَقرأُ في سِفْر أعمالِ الرُّسُل والأصحاح الأوَّل أنَّه صَرَفَ أربعينَ يومًا في تَعليمهم الأمورَ المُختصَّة بملكوتِ السماوات. فقد استمرَّ في التَّعليم، والتَّعليم، والتَّعليم، والتَّعليم. فقد عَالَجَ عَدَمَ فَهمِهم بالتَّعليم.

وقد كانت لديهم مُشكلة ثانية وهي: عَدَمُ التَّواضُع. فقد كانوا جَماعةً مِنَ الأشخاصِ المُتكبِّرينَ والغَيورينَ والحَسودين. ويُمكنني أن أتخيَّلَ أنَّ الرَّبَّ يَمشي في الطَّريق، وأنَّهم يَمشونَ خَلفَهُ، ويَلكِزونَ ويَدفعونَ بعضُهم بعضًا، ويَتزاحَمون. وقد تقول: "لماذا تَتحدَّثُ عنهم هكذا؟ إنَّهُم الرُّسُلُ الاثنا عشر. لا يَجوزُ لك أن تَتكلَّمَ عنهم هكذا". إذًا، لِنَسمَع ما قالَهُ الرَّبُّ عنهم في إنجيل مَرقُس 9: 33: "وَجَاءَ إِلَى كَفْرِنَاحُومَ. وَإِذْ كَانَ فِي الْبَيْتِ سَأَلَهُمْ: بِمَاذَا كُنْتُمْ تَتَكَالَمُونَ فِيمَا بَيْنَكُمْ فِي الطَّرِيقِ؟" ما الَّذي كُنتم تَتشاجَرونَ بشأنه مِن ورائي؟ وكما تَرَون، طَوالَ الطَّريق، كانَ يَعلم أنَّهم يَتشاجرون. ما الَّذي كانَ يَجري؟ "فَسَكَتُوا". فقد صَمَتوا حقًّا وسَكتوا تمامًا "لأَنَّهُمْ تَحَاجُّوا فِي الطَّرِيقِ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ..." ثُمَّ اسمَعوا هذا "...فِي مَنْ هُوَ أَعْظَمُ". إنَّهم جماعة رائعون. أليس كذلك؟ فقد كانوا يُنكرونَ ذَواتِهم ومُتواضعون! طَوالَ الوقتِ الَّذي كانَ الرَّبُّ يَمشي فيه، كانوا يَتشاجرونَ وراءَهُ بخصوصِ مَن مِنهم سيكونُ الأعظم. "فَجَلَسَ وَنَادَى الاثْنَيْ عَشَرَ... وأَخَذَ وَلَدًا وَأَقَامَهُ فِي وَسْطِهِمْ" وعَلَّمَهُم دَرسًا في التَّواضُع. يا لَهُ مِن تَوبيخ!

انظروا إلى إنجيل مَتَّى والأصحاح 20. فقد احْتَدَمَ النِّقاشُ حَقًّا بخصوصِ مَنِ الأعظم. وقد تَجَرَّأَ يَعقوب ويوحنَّا وطَلبا مِن أُمِّهما أن تَتوَسَّطَ لَهُما. لِذا، نَقرأُ في إنجيل مَتَّى 20: 20: "حِينَئِذٍ تَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ أُمُّ ابْنَيْ زَبْدِي مَعَ ابْنَيْهَا، وَسَجَدَتْ وَطَلَبَتْ مِنْهُ شَيْئًا". ولا شَكَّ في أنَّكَ تفعل ذلكَ عندما تُريدُ شيئًا. "فَقَالَ لَهَا: "مَاذَا تُرِيدِينَ؟" قَالَتْ لَهُ: "قُلْ أَنْ يَجْلِسَ ابْنَايَ هذَانِ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِكَ وَالآخَرُ عَنِ الْيَسَارِ فِي مَلَكُوتِكَ". وأريدُ أن أقولَ لكم يا أحبَّائي إنَّ تلكَ جُرأة غير عاديَّة. فقد أرادا ذلكَ بشدَّة ولكنَّهما لم يكونا يَملِكان الشَّجاعة لطَلبِ ذلك. لِذا فقد طَلبا مِن أُمِّهِما أن تَفعلَ ذلك، ووَقفا بجانبِ أُمِّهما عندما طَلَبَت ذلك الشَّيء الأنانيّ جدًّا. "فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مَا تَطْلُبَان". ولكنَّ ذلكَ كانَ مُتوقَّعًا. فَهُما لم يَفهما ما سَمِعاه. لِذا ما الَّذي سيَجعلهُما يَعلمان ما يَطلُبان؟ ثُمَّ قال: "أَتَسْتَطِيعَانِ أَنْ تَشْرَبَا الْكَأسَ الَّتِي سَوْفَ أَشْرَبُهَا أَنَا، وَأَنْ تَصْطَبِغَا بِالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبغُ بِهَا أَنَا؟" قَالاَ لَهُ ماذا؟ "نَسْتَطِيعُ". بِكُلِّ تأكيد... بِكُلِّ تأكيد نستطيعُ أن نَفعلَ أيَّ شيء. نَستطيعُ بكُلِّ تأكيد. "فَقَالَ لَهُمَا: أَمَّا كَأسِي فَتَشْرَبَانِهَا، وَبِالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبِغُ بِهَا أَنَا تَصْطَبِغَانِ. وَأَمَّا الْجُلُوسُ عَنْ يَمِيني وَعَنْ يَسَارِي فَلَيْسَ [مُمكِنًا]". وقد كانَ يتحدَّث هنا عنِ الاستشهادِ أوِ الاضطهاد. ففي حالة يَعقوب، كانَ الاستشهاد. وفي حالة يُوحنَّا كانَ الاضطهاد والنَّفي. سوفَ تَختبرانِ الألمَ والعَذابَ والكَرْب، ولكنَّكما لن تَجلِسا عن يَميني وعَن يَساري. فليسَ لِي أَنْ أُعْطِيَه". ثُمَّ نَقرأ في العدد 24: "فَلَمَّا سَمِعَ الْعَشَرَةُ اغْتَاظُوا". لماذا؟ لأنَّهم لا يُطيقونَ كِبرياءً كهذه؟ لا، بل لأنَّهما تَقَدَّما العشرة الآخرين. فقد اغتاظوا لأنَّ يعقوبَ ويُوحنَّا سيَحصُلان على هذين المَكانَيْن، في حين أنَّهم لن يحصلوا على ذلك. فلم يَكُن اغتياظُهم نابِعًا مِن بِرِّهم، بل كانَ نابعًا مِن أنانيَّتِهم.

وَهُوَ يقولُ لهم: أنتُم مُخطئونَ جدًّا بخصوص مَعنى أن تكونوا قادة. فهو يقول في العدد 27: "مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ أَوَّلاً فَلْيَكُنْ لَكُمْ [ماذا؟] عَبْدًا". لقد أَسَأتُم فَهمَ الأمرِ كُلِّه. لِذا، كانَ لا بُدَّ أن يُعلِّمَهُم. ثُمَّ إنَّه استخدَمَ نَفسَهُ مَثَلاً إيضاحِيًّا: "كَمَا أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ". والآن، كانَ ينبغي لهُ أن يُعالِجَ عَدَمَ اتِّضاعِهم؟ فكيفَ عَالَجَ ذلك؟ أعتقد أنَّه عَالَجَ ذلك مِن خلال إظهارِ اتِّضاعِهِ لهم. فقد شَبَّهَ نَفسَهُ بطفلٍ صغير في مَرقُس 9. وقد شَبَّهَ نَفسَهُ هُنا بعَبْد. وفي إنجيل يوحنَّا والأصحاح 13، غَسَلَ أرجُلَهُم ثُمَّ قال: يجب أن تَفعلوا بدافِعِ مَحبَّتِكُم بعضُكم لبعض ما فَعلتُهُ أنا لكُم. أليس كذلك؟ "وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا". بعبارة أخرى، فقد عَالَجَ عَدمَ فَهمِهِم بتعليمهم. وقد عَالَجَ عَدمَ اتِّضاعهم بأن أعطاهُم مِثالاً. فقد استخدَمَ نَفسَهُ أداةً تَعليميَّة.

وقد كانت لديهم مُشكلة ثالثة وهي: قِلَّةُ إيمانِهم. وهذه مُشكلة عَويصة إن كنتَ ستَدخُل حَقلَ الخِدمة؛ أي إن لم تَكُن تُؤمِنُ بالله. فقد كانَ إيمانُهم قليلاً. وقد قالَ لَهُم المَرَّةَ تِلو المَرَّة، تِلو المَرَّة، تِلو المَرَّة... بلِ الحقيقة هي أنَّ أكثرَ عِبارة قالَها لَهُم هي: "يا قَليلي [ماذا؟] الإيمان". فقد فَعَلَ أشياءً كثيرةً جدًّا ولكنَّهم ما زالوا لا يَرَون! والحقيقة هي أنَّه قالَ لَهُم في إنجيل مَرقُس 4: 40: "كَيْفَ لاَ إِيمَانَ لَكُمْ؟" كيفَ أنَّه بعدَ كلِّ ما صَنَعت فإنَّكم ما زِلتُم غيرَ مُؤمِنين؟ كيفَ يُعقَل هذا؟ كيفَ يُعقَل هذا؟ وفي نهاية إنجيل مَرقُس (في الأصحاح 16 والعَدد 14) نَقرأُ ما يَلي: "وَوَبَّخَ عَدَمَ إِيمَانِهِمْ وَقَسَاوَةَ قُلُوبِهِمْ، لأَنَّهُمْ لَمْ يُصَدِّقُوا الَّذِينَ نَظَرُوهُ قَدْ قَام". فَهُم لم يُصَدِّقوا حتَّى أنباءَ قيامَتِه. يا لها مِن مَجموعة تُتَلمِذها! وكيفَ ستَجعل مِنهُم أشخاصًا يُغيِّرونَ العالَم؟ يا لها مِن وَرطة! وكيفَ عَالَجَ قِلَّةَ إيمانِهم؟ بالمُعجزات، وبالأعمالِ العَجيبة، وبإظهار قُدرتِه لهم المَرَّة تلو المَرَّة. والحقيقة هي أنَّ المُعجزات... وسوفَ أكونُ صادقًا جدًّا معكم... أعتقد جازِمًا في قلبي أنَّه صَنَعَ المُعجزاتِ بصورة أساسيَّة مِن أجل التَّلاميذ، لا مِن أجلِ الحُشود. فالحشودُ كانوا ثَانويِّين. فقد أرادَ التَّلاميذُ أن يَتيقَّنوا، وأن يَتحقَّقوا، وأن يَكونوا واثِقينَ، وكانوا بحاجة إلى مَعرفةِ أنَّ القيامة قد حَدثت حَقًّا. لِذا فقد ظَهَرَ لهم، وظَهَرَ لَهُم مَرَّةً أخرى، وسَمَحَ لَهُم أن يَلمَسوه، وأن يَشعروا به، وأن يَرَوه. فقد كانوا بحاجة إلى مَعرفة ذلك. وقد أراهُم نَفسَهُ [في سِفْر أعمال الرُّسُل والأصحاح الأوَّل] "ببراهين كثيرة". لِذا فقد عَالَجَ عَدَمَ فَهمِهِم بالتَّعليم، وعَالَجَ عَدَمَ اتِّضاعِهم بأن أعطاهُم نَموذَجًا، وعَالَجَ قِلَّةَ إيمانِهم بالمُعجِزاتِ والأعمال العَظيمة. فقد كانَ هذا كُلُّه جُزءًا مِن عمليَّة التَّعليم.

وقد كانت لديهم مُشكلة رابعة وهي: قِلَّة التَّكريس... قِلَّة التَّكريس. فقد كانوا يقولون: "نحنُ لن نَترُكك". "وإنْ تَرَكَكَ الجميعُ [كما قالَ بُطرس] لن أترككَ أنا، ولن أُنكرك". فقد كانوا يقولونَ ذلك حَقًّا. ولكن عندما حانت اللَّحظة الحاسمة في تلك السَّاعة المُرعبة، عندما كانَ المسيحُ بحاجة إليهم أكثرَ مِن أيِّ وقتٍ آخر، هَربوا. وقد أَنكَرَهُ بُطرس، وخانَهُ يَهوذا، وهَرَبَ العَشرة الآخرون ولم يبقَوا هناك. فلم يتمكَّنوا مِن الصُّمودِ في ذلك الموقف، بل هَربوا. فقد كانوا يَظهرونَ أمامَ الجميعِ بمَظهرِ الأشخاصِ الأقوياء. وهل تَعلمونَ ما جاءَ في إنجيل لوقا 5: 11؟ عندما دَعا تَلاميذَهُ: "تَرَكُوا كُلَّ شَيْء". ألا تَجِدونَ ذلك الأمرَ مُدهشًا؟ فعندما دَعاهُم، تَركوا كُلَّ شيء. ونَقرأ في إنجيل مَرقُس 14: 50: "فَتَرَكَهُ الْجَمِيعُ وَهَرَبُوا". فقد هَربوا. لقد تَركوا المسيحَ عندما رأَوْا السُّيوفَ والعِصِيَّ والمَشاعِلَ والرُّومان. فعندما اشتَمُّوا رائحةَ الموتِ هَربوا. صَحيحٌ أنَّهم ظَنُّوا أنَّهم سيكونونَ أقوياء، ولكنَّهم لم يكونوا كذلك.

وكيفَ تَعامَلَ يسوعُ مَعَ ذلك الضُّعف؟ وكيفَ عَالَجَ ذلك؟ نَقرأُ في إنجيل لوقا 22: 31 كلماتٍ أُحِبُّها. وبُطرس هو المَعْنِيُّ بهذا الإنكار: "وَقَالَ الرَّبُّ: سِمْعَانُ، سِمْعَانُ". فقد نَاداهُ باسمِهِ القديم لأنَّه كانَ يَتصرَّف كما كانَ في القَديم. "سِمعان، سِمعان" استمعوا إلى هذه الكلمات: "هُوَذَا الشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ كَالْحِنْطَة!" فهو يُريدُ أن يَختبرَكُم يا بُطرس. سوفَ تَهربون. وسوفَ تُنكرُني. ولكن يوجد عِلاج: "وَلكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لاَ يَفْنَى إِيمَانُكَ". يُمكنكم أن تتوقَّفوا هنا. كيفَ عَالَجَ يسوعُ ضُعفَ تَكريسِهم؟ لقد تَعامَلَ معه مِن خلال الصَّلاة. فقد حاولتُ أن أُتَلمِذَ أشخاصًا في حياتي، أشخاصًا لَديهم مُشكلة في الفَهم. وقد حاولتُ أن أُعالِجَ ذلك مِن خلالِ تَعليمهم. وأشخاصًا لَديهم مُشكلة في التَّواضُع. وقد حاولتُ أن أُعالجَ ذلك مِن خلالِ إظهارِ الرُّوح الصَّحيح. وأشخاصًا لديهم قِلَّة إيمان. وقد حاولتُ أن أُعالجَ ذلكَ مِن خلالِ إظهارِ قُوَّةِ اللهِ لهم. وأشخاصًا لديهم قِلَّة تَكريس. وقد حاولتُ أن أُعالجَ ذلك مِن خلال الصَّلاة لأجلهم.

المُشكلة الخامسة الَّتي كانت لديهم هي: افتِقارهم إلى القُوَّة. فقد كانوا عَديمي القُوَّة. وكانوا عَديمي القُدرة. وكانوا ضُعفاءَ ولا حَولَ لَهُم. ولتوضيحِ ذلك، وهناكَ أمثلة كثيرة على ذلك، ولكنَّنا نَجِدُ مَثَلاً على ذلك في إنجيل مَتَّى والأصحاح 17: "وَلَمَّا جَاءُوا إِلَى الْجَمْعِ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ رَجُلٌ جَاثِيًا لَهُ وَقَائِلاً: «يَا سَيِّدُ، ارْحَمِ ابْني فَإِنَّهُ يُصْرَعُ وَيَتَأَلَّمُ شَدِيدًا، وَيَقَعُ كَثِيرًا فِي النَّارِ وَكَثِيرًا فِي الْمَاءِ. وَأَحْضَرْتُهُ إِلَى تَلاَمِيذِكَ فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَشْفُوهُ»". فقد حاولوا أن يَفعلوا كلَّ ما يَقدرونَ عليه، وقاموا بكلِّ الحَرَكاتِ المَطلوبة، ولكنَّ شيئًا لم يَحدث. "فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: «أَيُّهَا الْجِيلُ غَيْرُ الْمُؤْمِنِ، الْمُلْتَوِي، إِلَى مَتَى أَكُونُ مَعَكُمْ؟ إِلَى مَتَى أَحْتَمِلُكُمْ؟" مَن في رأيِكُم كانَ يُخاطِب؟ هناكَ مَن يقولُ إنَّه كانَ يُخاطِب الجَمْعَ كُلَّه. وهناكَ مَن يقولُ إنَّه كانَ يُخاطِب الاثني عَشَر. "إِلَى مَتَى أَحْتَمِلُكُمْ؟ قَدِّمُوهُ إِلَيَّ ههُنَا! فَانْتَهَرَهُ يَسُوعُ، فَخَرَجَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ. فَشُفِيَ الْغُلاَمُ مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ. ثُمَّ تَقَدَّمَ التَّلاَمِيذُ إِلَى يَسُوعَ عَلَى انْفِرَادٍ وَقَالُوا: «لِمَاذَا لَمْ نَقْدِرْ نَحْنُ أَنْ نُخْرِجَهُ؟» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «لِعَدَمِ [ماذا؟] إِيمَانِكُمْ. لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ... وَأَمَّا هذَا الْجِنْسُ فَلاَ يَخْرُجُ إِلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ»". فهذا يَحتاجُ إلى إيمانٍ عَظيمٍ وإلى الصَّلاة بِلَجاجَة. فقد كانوا عاجِزينَ، ولم يكونوا يَملكونَ القوَّة. وكيفَ تَعامَلَ يسوعُ مع ذلك؟ أعتقد أنَّه تَعامَلَ مع ذلك بطريقة رائعة. فنحنُ نَقرأ في إنجيل يوحنَّا والأصحاح 20 أنَّهُ: "نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ: اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُس". ونَقرأ في سِفْر أعمالِ الرُّسُل 1: 8: "لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ".

اسمعوني: إنَّ الأمرَ بسيطٌ جدًّا: لقد تَمَّ اختيارُ التَّلاميذ بمُقتضَى سِيادة الله لِكي يُساعِدوا المسيحَ على تأسيس الكنيسة. وقد تَمَّ اختيارُهم مِن خلالِ الصَّلاة. وقد تَمَّ اختيارُهم لِكي يَتِمَّ تَدريبُهم. وفي أثناءِ تَدريبهم، كانَ ينبغي التَّغلُّب على ضُعفِ الفهمِ الرُّوحيِّ لديهم مِن خلالِ التَّعليم، والتَّغلُّبِ على عَدَمِ التَّواضُعِ لديهم مِن خلالِ القُدوة الحَسَنة، والتَّغلُّبِ على ضُعفِ إيمانِهم مِن خلالِ المُعجزاتِ العجيبة، والتَّغلُّبِ على ضُعفِ تَكريسِهم مِن خلالِ الصَّلاة، والتَّغلُّبِ على افتِقارِهم إلى القُوَّة مِن خلالِ عَمَلِ رُوحِ اللهِ في حياتِهم. والدَّرسُ الَّذي نَتعلَّمُهُ جميعًا هو نفسُه: عندما تُتَلمِذ شخصًا، سوف تَختبر نفسَ المشاكل وتُعالجها بالطَّريقة نَفسِها. يا لها مِن مَجموعة! ولكن كما قالَ أَحَدُ الكُتَّاب: "لقد رأى فيهم ضُعفًا ظَاهِرًا وقُوَّةً كامِنَةً. فقد كانت توجد عُصافة كثيرة مُختَلِطَة مع الحِنطة القليلة وتحتاجُ إلى الكثيرِ مِنَ التَّذرِيَة، ولكنَّه كانَ كُفُؤًا لهذه المَهمَّة. فقد كانوا يَملِكونَ البِذرة الوَاعِدَة الَّتي تَجعلهم يُثمِرونَ في الوقت المناسب. فقد آمَنَ بالرِّجال الَّذينَ اختارَهُم. والأهمُّ مِن ذلك هو أنَّه كانَ يَثِقُ ثِقَةً مُطلَقةً في قُدرته على جَعلِهم ما يُريدُ منهم أن يكونوا". لِذا، هناكَ رَجاءٌ لنا.

وما أَشبَهَني بهؤلاءِ الاثني عشر. ألستُم أنتُم كذلك أيضًا؟ وأنا مَسرورٌ جدًّا لأنَّ اللهَ قادرٌ أن يَستخدمَني. وأنا مَسرورٌ جدًّا لأنَّه بمقدوري أن أجِدَ أشخاصًا آخرينَ وأن أَستَثمِرَ حياتي فيهم. وقد أنجَزوا المَهمَّة. أجل، لقد تَمَكَّنَ مِن تَغييرهم. فقد فعلَ ذلك حَقًّا. وهل تَعلمونَ أنَّه عندما نَظَرَ النَّاسُ إلى هؤلاءِ التَّلاميذ في سِفْر أعمال الرُّسُل 4: 13... عندما نَظروا إليهم في أورُشليم قالوا: "إنَّهم عَديمو العِلمِ وَعَامِّيُّون! كيفَ تَمَكَّنوا مِن تنفيذِ ذلك؟ فقد مَلأوا أورُشليمَ بتعليمِهم بالرَّغمِ مِن أنَّهم عَامِّيُّون. الحقيقة هي أنَّهم جَهَلَة وعَديمو المَهارة!" ولكنَّنا نَقرأُ أنَّهم نَظروا إليهم وعَرَفوا [وأنا أُحِبُّ ذلك] وعَرفوا أنَّهم كانوا معَ يسوع. أليسَ هذا الأمرُ رائعًا؟ كيف عَلموا ذلك؟ كيف عَلِموا أنَّهم كانوا مع يسوع؟ سوف أخبركم كيف عَرَفوا ذلك. لأنَّهم كانوا يَفعلونَ الأشياءَ نَفسَها الَّتي كانَ يسوعُ يَفعلُها، ولأنَّهم كانوا يَقولونَ نفسَ الأشياءِ الَّتي كانَ يسوعُ يَقولُها، ولأنَّهم كانوا يُحبُّونَ بذاتِ الطَّريقةِ الَّتي أَحبَّ بها يسوع.

أخيرًا، انتهى التَّدريبُ وانطلقوا كَمَرايا حَيَّة تَعكِسُ المسيح. لِذا صارَ الجَميعُ يَدعوهُم "مَسيحيِّين". والمقصودُ بذلك هو ماذا؟ أنَّهم يُشبهونَ المسيح. وهذا كُلُّهُ مُلَخَّصٌ في إنجيل لوقا 6: 40. استمعوا إلى هذه الكلمات: "لَيْسَ التِّلْمِيذُ أَفْضَلَ مِنْ مُعَلِّمِهِ، بَلْ كُلُّ مَنْ صَارَ كَامِلاً يَكُونُ مِثْلَ مُعَلِّمِهِ". أليس ذلك الأمرُ رائعًا؟ فقد دَرَّبَهُم يسوعُ في ثلاثِ سنوات. وعندما ذَهبوا، كانوا مِثلَ مُعلِّمهم. فقد تَخَرَّجوا. وأعتقد أنَّ يومَ التَّخريجِ هو يوحنَّا 15 عندما قالَ يسوع: "لاَ أَعُودُ أُسَمِّيكُمْ عَبِيدًا... لكِنِّي قَدْ سَمَّيْتُكُمْ [ماذا؟] أَحِبَّاءَ". فقد كان ذلك هو يوم التَّخريج. فقد تَخرَّجوا. وفي تلك اللَّيلة في العِليَّة قبلَ مَوتِه، سَلَّمَهُم شَهاداتِهم. فقد تَخرَّجوا. فَكِّروا في ذلك. فَكِّروا في ذلك. إنَّ ما تَعلَّموهُ في أثناء وُجودهم مع المسيح غَيَّرَ حَرفيًّا حياتَهُم. ونتيجة لذلك، غَيَّرَ العالَم. هل يُمكنكم أن تَتخيَّلوا أن تَمشوا كلَّ يوم مع يسوع؟ وهل يُمكنكم أن تَتخيَّلوا أن تَسمعوا حِكمَتَهُ الَّتي لا مَثيلَ لها؟ فقد كانَ كُلُّ ما قالَهُ حِكمةً خالصةً وصحيحًا تمامًا. وهل يُمكنكم أن تَتخيَّلوا أن تُرافقوا شخصًا لم يفقد يومًا أعصابَهُ، ولم يَغضَب يومًا، بل كانَ يَغضب فقط بسببِ الأشياءِ الَّتي تَختصُّ بمجدِ الله؟ وهل يُمكنكم أن تَتخيَّلوا أن تُرافقوا شخصًا لا يُبالي بأيِّ شيءٍ يَختصُّ به، بل يَبذُلُ نَفسَهُ دائمًا لأجل الآخرين؟ وهل يُمكنكم أن تَتخيَّلوا أن تُرافقوا شخصًا يَبذُل كلَّ ذَرَّة طَاقة لديه حتَّى الإجهاد للقيامِ بعملِ ومشيئةِ شخصٍ آخر؟ وهل يُمكنكم أن تَتخيَّلوا أن تُرافقوا شخصًا يَستطيعُ أن يُحبَّ أيَّ شخصٍ وكُلَّ شخص؟ وشخصًا قادرًا على إقامةِ الأموات، وشفاءِ المَرضى، وَرَدِّ البَصَرِ إلى العُمْي، وإعطاءِ السَّمْعِ للصُّمّ؟ لقد تَرَكَ ذلكَ الأمرُ تأثيرًا هائلاً فيهم. ولا يُمكنكم الحصولُ على تدريبٍ كهذا مِن خلالِ الجلوسِ في صَفٍّ، بل مِن خلالِ مُرافقةِ رجالٍ أتقياء.

هذه هي عَمليَّة التَّلمذة. فقد رافَقوه. لقد كانوا معَهُ كما يَقولُ الكتابُ المقدَّس. وقد أَقامَهُم (كما جاءَ في إنجيل مَرقُس 3: 14) "ليَكونوا مَعَهُ". هذه هي العَمليَّة. فقد كانوا مَعَهُ وصاروا مِثلَهُ. فهكذا تَتِمُّ عَمليَّة التَّلمذة. وقد نَجَحَتْ العمليَّة في حالتِهم فَغَيَّروا العالَم.

وهل يُمكنني أن أُضيفَ نُقطةً أخيرة؟ لقد تَمَّ اختيارُهم بمُقتضى سِيادةِ الله، وتَمَّ اختيارُهم بعدَ لَيلةٍ مِن الصَّلاة، وتَمَّ اختيارُهم مِن أجلِ تَدريبهم. وأخيرًا، لقد تَمَّ اختيارُهم ليَتِمَّ إرسالُهم. لِذا فإنَّكم تَقرأونَ في العددِ الأوَّل مِن الأصحاح العاشِر أنَّهُ تَمَّ تَدريبُ التَّلاميذ، وفي العددِ الثَّاني أنَّهم صاروا رُسُلاً، ثُمَّ نَقرأُ أسماءَ الرُّسُل الاثني عشر. فقد تَمَّ اختيارُهم لِيَتِمَّ إرسالُهم. والكلمة هي "أبوستيلو" (apostello). والكلمة "ستيلو" تَعني: "يُرسِل". والكلمة "أبو" تَعني: "بَعيدًا عن"؛ أي: "يُرسِل بَعيدًا عن". وفي اليونانيَّة الكلاسيكيَّة، تُستخدَمُ هذه الكلمة حَصريًّا للإشارةِ إلى إرسالِ بِعثة بَحريَّة إلى مَدينةٍ أجنبيَّة أو بَلَدٍ أجنبيٍّ. بعبارة أخرى، إنَّها تُشيرُ إلى إرسالِ شخصٍ للخِدمة في بَلَدٍ أجنبيٍّ. لقد تَمَّ تَدريبُكم الآن وسَيَتِمُّ إرسالُكم. لِذا فقد صاروا مُرْسَلين. هذا هو مَعنى الكلمة "أبوستولوس" (apostolos): "مُرسَل".

لا يَكفي، يا أحبَّائي، أن تَخلُصوا. ولا يَكفي أن تَتِمَّ دَعوتُكم إلى خِدمة المسيح. ولا يَكفي أن تَتلَقَّوْا تَدريبًا. ولكنَّه يَصيرُ كافيًا عندما يَتِمُّ القيامُ بِكُلِّ ذلكَ وتَصيرونَ جاهزينَ للذَّهاب. وهذا هو تَمامًا السَّببُ الَّذي نَقرأُ لأجلِهِ في إنجيل مَتَّى أنَّه يجب علينا أن نَذهبَ إلى العالَمِ كُلِّه ونُتَلمِذ آخرين. فقد تَتَلْمَذْنا لكي نُتَلمِذَ آخرين. وقد أَعَدَّ الرَّبُّ اثني عشر شخصًا رائعينَ باستثناءٍ واحدٍ، ولكنَّهُ مَلأَ مَكانَهُ لاحقًا. وهو يقول في إنجيل مَتَّى 19: 28 إنَّه يوجد اثنا عشرَ عَرشًا لهؤلاء إذ إنَّهم سيُكافأونَ طَوالَ الأبديَّة. وقد اكتملتِ العمليَّة في حياتِهم. ويجب علينا أن نَمُرَّ بنفسِ العمليَّة. فهل تَمَّت تَلمذتُك؟ وهل تَتَتَلمَذ بهدف الذَّهاب؟ وهل تُتَلمِذ آخرينَ أو تُدرِّب آخرينَ بهدف إرسالهم للكرازة لآخرين سواءَ هُنا أو حول العالَم؟ وكما تَرَون، فإنَّ التَّدريبَ والإرسال هُما وَجْهانِ لعِملةٍ واحدة. فالتَّلمذة والرَّسوليَّة يَسيران جنبًا إلى جَنْب. فالمَرحلةُ الأولى هي: اتبعني. والمرحلةُ الثَّانية هي: اذهب حامِلاً الرِّسالة.

لِذا، عندما نأتي إلى الأصحاحِ العاشِر نَراهُم يَبتدئونَ بمَهَمَّتِهم الإرساليَّة الأولى القصيرة الأجل إذ كانوا يَتعلَّمونَ في أثناء خِدمتهم. فسوفَ يَذهبونَ للخدمة ويُلاقونَ كلَّ أنواعِ المتاعب. وسوف يعودون. وعندما يعودون، سيَصرفونَ بِضعة أشهر أخرى مع يسوع فيُعلِّمهم ما يَلزمهم آنذاك.

وأخيرًا تأتي المَرحلة الرابعة. والمرحلةُ الأخيرةُ تأتي عندما يَسكُنُ فيهم الرُّوحُ ويَملأهُم فيَذهبونَ ليُعَمِّدوا ويُتلمذوا جميعَ الأُمم. يا لَهُ مِن نَموذجٍ رائع! هذا هو إرسالُهم.

أمَّا الشَّيءُ الثَّاني... وسوفَ أكتفي بِذِكرِهِ فقط... فهو: تأثيرُهم. فعندما ذَهبوا، تركوا تأثيرًا. فنحنُ نَقرأُ في العددِ الأوَّل أنَّه أعطاهُم "سُلطانًا" أو "إكسوزيا" (exousia) ومَعناها: سُلطان. فقد أعطاهُم سُلطانًا "عَلَى أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ حَتَّى يُخْرِجُوهَا، وَيَشْفُوا كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضُعْفٍ". لماذا؟ لأنَّ ذلكَ سيُظهِر أنَّهم جاءوا مِن عندِ المسيح لأنَّهم كانوا يَعملونَ نفسَ الأعمالِ الَّتي عَمِلَها هو. فإن رَاقبتُموهم في كُلِّ سِفْرِ أعمالِ الرُّسُل، ماذا ستَجدونَهُم يَعملون؟ يَطرُدونَ الشَّياطينَ ويَشفونَ المَرضَى. فقد تَركوا تأثيرًا. وقد فَعلوا نفسَ الشَّيءِ الَّذي فَعَلَهُ يسوع. فقد كانَ يَسوعُ يَطرُدُ الشَّياطينَ، وكانَ يَسوعُ يَشفي المَرضى. وقد أَظهروا نفسَ قُدرةِ الملكوتِ الَّتي أَظهرَها يسوع. لِذا، فقد كانوا مُرتبطينَ ارتباطًا لا يَنفَصِم بالمسيح، وتَركوا تأثيرًا عظيمًا. فقد قَلَبوا أورُشليمَ رأسًا على عَقِب. ثُمَّ إنَّهم قَلَبوا العالَمَ رأسًا على عَقِب. وكانَ كلُّ مكانٍ يَذهبونَ إليهِ يَنقَلِبُ انقلابًا. فقد كانَ النَّاسُ يَهتدونَ بسببِ تأثيرهم.

ثُمَّ إنَّه يَتحدَّثُ عن هُويَّتِهم في العدد الثَّاني. مَن هُم؟ هذا هو ما سنَراهُ في المَرَّة القادمة. وفي يومِ الرَّبِّ المُقبِل سأُخبركم قليلاً عن كلِّ واحدٍ منهم لكي تَتعرَّفوا إليهم شخصيًّا. دَعونا نُصَلِّي:

نَشكُرُكَ يا أبانا في هذا الصَّباح على وقتِنا. ونَشكُرُكَ لأنَّكَ أريتَنا كيفَ تَلمَذَ يسوعُ تَلاميذَهُ، والأشياءَ الَّتي تَمَكَّنَ مِن مُعالجتِها بقُدرتِه، وكيفَ فَعَلَ ذلك. ويا لَيتَنا نَتعلَّمُ مِن هذا. ويا لَيتَنا نَحرِص على أن نكونَ مُتعلِّمين ("ماثيتيس" – "mathetes")، وعلى أن نَصيرَ رُسُلاً ("أبوستولوس" – "apostolos")، وأن نَتدرَّبَ على الذَّهاب، وأن يَتِمَّ إرسالُنا؛ لا بطريقةٍ رَسميَّة، وليسَ بالطَّريقةِ الَّتي تَمَّ فيها إرسالُ أولئكَ الاثني عشر المُمَيَّزينَ الَّذينَ أَعَدَّ اللهُ لهم اثني عشرَ عَرشًا؛ ولكن أن يَتِمَّ إرسالُنا. دَرِّبنا يا رَبُّ، وساعِدنا على أن نُدرِّبَ آخرين. وأرسِلنا، وساعِدنا على أن نُرسِلَ آخرين لكي نُكْمِلَ ما ابتدأتَهُ أنت. ويا لَيتَنا نُتَلمِذ جميعَ الأُمم، ونُعَمِّدُهم باسمِ الرَّبِّ يسوعَ، ونُعلِّمُهم أن يَحفظوا كلَّ الأشياء الَّتي أوصى بها، وأن نُساعِدهم على النُّضجِ ثُمَّ نُرسلهُم. ونحنُ نُصلِّي يا أبانا لأجلِ الأشخاصِ المَوجودينَ في وَسطِنا والَّذين رُبَّما اهتدوا إليكَ، وتَمَّت دَعوتُهم إلى المسيح. فقد وَصلوا إلى النُّقطة الثَّانية وهي دَعوتُهم إلى الخدمة. ورُبَّما هُم يُقاومونَ التَّدريبَ، أو رُبَّما بعدَ أن تَمَّ تَدريبُهم ما زالوا يُقاومونَ إرسالَهُم بصورةٍ نِهائيَّة. كَلِّم يا رَبُّ كلَّ شخصٍ مِنَّا أينَما كُنَّا، وكَلِّم أيضًا الأشخاصَ الَّذينَ لم يأتوا في المرَّة الأولى ليَتبعوا يسوعَ بإيمان. أينما كُنَّا يا رَبّ، اجذبنا إليك، واعمل عملكَ الكامِل في كلِّ قلب. في اسمِ المسيح. آمين!

This sermon series includes the following messages:

Please contact the publisher to obtain copies of this resource.

Publisher Information
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969

Welcome!

Enter your email address and we will send you instructions on how to reset your password.

Back to Log In

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize
View Wishlist

Cart

Cart is empty.

Subject to Import Tax

Please be aware that these items are sent out from our office in the UK. Since the UK is now no longer a member of the EU, you may be charged an import tax on this item by the customs authorities in your country of residence, which is beyond our control.

Because we don’t want you to incur expenditure for which you are not prepared, could you please confirm whether you are willing to pay this charge, if necessary?

ECFA Accredited
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Back to Cart

Checkout as:

Not ? Log out

Log in to speed up the checkout process.

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize