
افتَحوا كِتابَكُم المُقدَّس مِن فَضلِكُم وانظروا مَعي إلى إنجيل مَتَّى والأصحاحِ العاشِر... إنجيل مَتَّى والأصحاح ِالعاشِر. فإذ نُتابِعُ دراسَتَنا لإنجيل مَتَّى، ويَكشِف لنا مَتَّى جَلالَ المَلِكِ والرَّبِّ يسوعَ المسيح، نَجِد أنفسَنا في الأصحاحِ العاشرِ نَتعرَّف إلى التَّلاميذ. فبوصولنا إلى الأصحاحِ العاشرِ مِن إنجيل مَتَّى، يُعيِّنُ رَبُّنا الآنَ ويُرسِلُ الاثني عشر لمساعدتِه في الكِرازةِ بملكوتِ الله. ولَعلَّكُم تَذكرونَ في نهايةِ الأصحاحِ التَّاسعِ أنَّ الرَّبَّ نَظرَ إلى الجُموعَ ورآهُم في خِضَمِّ ضَياعِهم الرُّوحيِّ، وفي أَلَمِهِم وإحباطِهم وحُزنهم. وقد أَدركَ أنَّ هناك أُناسًا كثيرينَ جدًّا ينبغي الوُصولُ إليهم بالبِشارة، وأنَّ الفعلة قَليلونَ جدًّا. والحقيقةُ هي أنَّهُ كانَ في تلك اللَّحظة الكارِزَ الوحيدَ. فقد كانَ يَفعلُ ذلكَ بمُفردِه. لِذا فإنَّه يَقولُ للتَّلاميذ أن يُصَلُّوا في نهايةِ الأصحاحِ التَّاسع. ثُمَّ إنَّه يَدعوهُم في العددِ الأوَّلِ مِن الأصحاحِ العاشرِ إلى أن يكونوا إجابةَ صَلاتِهم. وهو يُرسِلهُم ليكونوا رُسُلَهُ لأنَّ هذا هو مَعنى الرَّسول في العددِ الثَّاني. فقد ابتدأوا بصفتهم تلاميذ (أي: مُتَعَلِّمين)، وقد أُرسِلوا بِصِفَتِهم رُسُلاً. وقد صَاروا سُفراءَ المَلِك، أو مُمَثِّليه في العالَم، أو خُدَّامَهُ الَّذينَ يَخرجونَ ويُحَذِّرونَ النَّاسَ مِن أنَّ الحَصادَ آتٍ في شَكلِ دَينونة، ويُخبروهم كيف يمكنهم أن يَنجوا مِن خلالِ الدُّخولِ في مَلكوتِهِ المَجيد.
والآن، لقد ابتدأنا منذُ وُصولِنا إلى الأصحاحِ العاشرِ في التَّركيزِ على تَدريبِ الاثني عشر؛ أي على أساليبِ الرَّبِّ، وطَرائِقِهِ، ومبادِئِه عندما دَعا رُسُلَهُ، وَدَرَّبَهُم، ونَمَّاهُم، وأرسلَهُم. وكانَ إرسالُهُم في الأصحاحِ العاشرِ هو في الحقيقة إرسالُهم أوَّلَ مَرَّة. أمَّا إرسالُهم الأخيرُ والنِّهائيُّ فقد حَدثَ بعد قيامَتِه وصُعودِه. ولكنَّ هذا كانَ الإرسالَ المَبدئيَّ الَّذي كانَ يَهدِفُ بصورةٍ أساسيَّةٍ إلى تَدريبهم. فَهُم يَخرجونَ، ولكنَّهم لا يَبتعدونَ كثيرًا. وهُم لا يَخرجونَ بمُفردهم، بل اثنين اثنين. وهو يَحومُ بالقُربِ مِنهُم كما تَحومُ أُمُّ فِراخِ النُّسورِ حولَ صِغارِها عندما تُعَلِّمُهم الطَّيران. فَهُم يَخرجونَ فترةً قصيرةً ويعودونَ إليه. وَهُم يَتعلَّمونَ في أثناءِ خِدمتِهم المَيدانيَّة. وفي وقتٍ لاحقٍ، سوفَ يُرسلُ كُلاًّ مِنهم بمُفردِه بعد صُعودِه إلى السَّماء. وكانوا يَطرحونَ عليه الأسئلةَ المُناسبة بعد عودتِهم، وكانَ التَّدريبُ يَزدادُ صُعوبةً في الشُّهورِ الَّتي تَلَت تَدريبَهُم المَبدئيَّ هذا.
والآن، إذ نَنظُر إلى إرسالِهم الَّذي نَقرأُ عنه في الأصحاحِ العاشر، وإذ نَرى إن كُنَّا سنتمكَّنُ مِن استخلاصِ مبادئِ التَّلمذة الَّتي يُقدِّمُها رَبُّنا لنا، نَتعرَّفُ أوَّلاً إلى الأشخاصِ المَعنِيِّين. وإذا نَظرتُم إلى الأعداد 2-4، ستجدونَ أسماءَ الرُّسُل الاثني عشر: بُطْرُس، وَأَنْدَرَاوُس، ويَعْقُوب، وَيُوحَنَّا، وفِيلُبُّس، وَبَرْثُولَمَاوُس، وتُومَا، وَمَتَّى، ويَعْقُوب بْنُ حَلْفَى، وَلَبَّاوُسُ الْمُلَقَّبُ تَدَّاوُس، وسِمْعَان الْقَانَوِيُّ، وَيَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيُّ". ونَقرأُ في العددِ الخامس: "هؤُلاَءِ الاثْنَا عَشَرَ أَرْسَلَهُمْ يَسُوعُ". ونَقرأُ في العددِ السَّادس أنَّهُ قالَ لهم أن يَذهبوا إلى: "خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّة". وقد قالَ لهم في العددِ السَّابع: "وَفِيمَا أَنْتُمْ ذَاهِبُونَ اكْرِزُوا [بالمَلكوت]". لِذا، كانَ هؤلاءِ هُمُ الفَعَلَة، أو الرُّفقاء، أو سُفراء المَلِك نَفسِه.
والآن، كما ذَكرنا في الأسبوع الماضي، كانَ قائِدُ هؤلاءِ هو بُطرس. لِذا فإنَّنا نَقرأُ في العددِ الثَّاني: "اَلأَوَّلُ سِمْعَانُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ بُطْرُسُ". وهو ليسَ الشَّخص الأوَّلُ الَّذي تَلَقَّى الدَّعوة. فالشَّخصُ الأوَّل الَّذي تَلَقَّى الدَّعوة هو يوحنَّا الَّذي كانَ يُرافِقُهُ أندَراوُس في تلك المُواجهة المَذكورة في إنجيل يوحنَّا والأصحاح الأوَّل. فبُطرس لم يكن التِّلميذَ الأوَّل الَّذي يَتلقَّى الدَّعوة، ولكنَّه كانَ الأوَّلَ بهذا المَعنى؛ وهي نفس الكلمة المُستخدَمة في الجُملةِ التَّاليةِ الَّتي قالَها بولس: "أنا أوَّلُ الخُطاة". وهي تعني أنَّهُ الشَّخصُ المُتَقَدِّم، أو الشَّخصُ الرَّئيسيُّ، أو الشَّخصُ الأساسيُّ. فقد كانَ بُطرس هو القائد. وقد كانَ هو الرَّجُل المُتقدِّم أو الَّذي يَقِفُ في المُقدِّمة. لِذا فقد دَرسنا في المَرَّة السَّابقة بُطرسَ وقُدرته على القيادة، وكيفَ أنَّ الرَّبَّ صَقَلَ بُطرسَ ونَمَّاه ليصيرَ قائدًا نافعًا.
والآن، نَوَدُّ في دَرسِنا في هذا الصَّباح أن نَنظرَ إلى الرُّسُل الثَّلاثة الآخرين في المجموعةِ الأولى. ولَعلَّكُم تَذكرونَ أنِّي قلتُ لكم إنَّ هناكَ دائمًا ثلاث مَجموعات في كلِّ لائحة بأسماءِ الرُّسُل. وهناكَ أربعُ لوائح: في مَتَّى، ومَرقُس، ولوقا، وأعمال الرُّسُل. ودائمًا، في كلِّ هذه اللَّوائحِ الأربع، نَجِدُ نفسَ المجموعاتِ الثَّلاث الَّتي تَضُمُّ نفسَ الأسماءِ الأربعةِ في كلِّ مجموعة. لِذا، نحنُ نَنظر إلى المجموعةِ الأولى. وهي أكثرُ مَجموعةٍ حَميمة. والمجموعةُ الثَّانية أَقَلُّ مِنها حَميميَّة. والمجموعةُ الثَّالثة هي أَقَلُّ المَجموعاتِ حَميميَّةً في لائحةِ الاثني عشر. فلم يكن الرَّبُّ نفسُهُ يستطيعُ أن يكونَ قريبًا جدًّا حتَّى مِن اثني عشر رَجُلاً، ولكنَّه كان يستطيعُ أن يَتقرَّبَ مِن أربعة فقط. ومِن بين الأربعة، كانَ قريبًا تَحديدًا مِن ثلاثة. لِذا، نحنُ نَنظر إلى هذه المجموعةِ الحميمة الَّتي جاءَ جميعُ أفرادِها مِن نفسِ البَلدة، ويَعملونَ في نفسِ المِهنة، ويَنتمونَ إلى نفسِ المجموعةِ الأولى الَّتي دَعاها يسوع.
ونحنُ نسألُ أنفسَنا السُّؤالَ التالي الَّذي أريدُ أن تَستمرُّوا في طَرحِه في أثناءِ تأمُّلِنا في هذه الأسماء الثَّلاثة في هذا الصَّباح: ما نوعُ الأشخاصِ الَّذين يستطيعُ اللهُ أن يَستخدِمَهُم؟ هذه هي النُّقطة الرئيسيَّة. ما نوعُ الأشخاصِ الَّذي يستطيعُ اللهُ أن يَستخدِمَهُم في خِدمتِه؟ ما نوعُ الأشخاصِ الَّذينَ يستطيعون أن يُغيِّروا العالَم؟ ما نوعُ الأشخاصِ الَّذينَ يستطيعونَ أن يَكرزوا بإنجيلِ الملكوت حَتَّى تَخلُص النُّفوس؟ ما نوعُ الأشخاصِ الَّذينَ يَختارُهم اللهُ لتحقيقِ مَقاصِدِه؟ عادةً، عندما نُفكِّر في بُطرس وأندَراوُس ويَعقوب ويوحنَّا، فإنَّنا نَتخيَّلُهم كما نَراهُم في تلك الصُّوَر المَرسومة على زُجاجِ الكَنائِسِ المُلَوَّن. فَهُم أشخاصٌ يَعيشونَ في كَوكَبٍ آخر مُختَلِف عن العالَمِ الَّذي نَعيشُ فيه. وما يَزيدُ الطِّينَ بِلَّةً هو أن نُسَمِّيهم: "القِدِّيس بولس"، وأن نُطلِقَ أسماءَهُم على المُدن كأن نقول: "مَدينة القدِّيس بُطرس" أو "بطرسبرغ" أو "سينت أندروز" (وهي مدينة في إسكتلندا)، أو "سينت جيمس" (وهو اسمٌ شائعٌ لعِدَّة مُدُن)، أو "جيمس تاون"، وهَلُمُّ جَرَّا. وهل تَعلمونَ أنَّ هناك أشخاصًا اسمُهم "جون" (أي: يوحنَّا) في الولايات المُتَّحدة أكثرَ مِن أيِّ اسمٍ آخر؟ وهو اسمٌ رائع. وهناك بُطرس ويعقوب وأندراوس. فنحنُ نُسَمِّي الأشخاصَ بهذه الأسماء وَنُظهِرُ لهذهِ الأسماءِ احترامًا عظيمًا لأنَّ هؤلاءِ الرُّسُل كانوا أشخاصًا يَستحقُّونَ الاحترام. وهناك كاتدرائيَّات تَحمِلُ أسماءَ هؤلاءِ الرُّسُل. ونحنُ نُفكِّر في هؤلاء الرُّسُل الأربعة تحديدًا بطريقة مُختلفة عَن تفكيرنا بأنفسنا ظَنًّا مِنَّا أنَّهم كانوا يَعيشونَ في بُعدٍ آخر مِن الزَّمانِ والمكان، أو في عالَمٍ آخر. فهُناكَ هَالَة حَولَهُم.
وبصراحة، لا يَنبغي أن يكونَ الأمرُ كذلك. فقد كانوا رِجالاً عاديِّين جدًّا تَلقَّوْا دعوةً غير عاديَّة البتَّة. ولكنَّهم كانوا مِثلنا تمامًا. وَهُم يُبَيِّنونَ لنا نَوعَ الأشخاص الَّذينَ يَستخدِمُهم اللهُ. لِذا، انظر إذا كنتَ شخصًا مِن هؤلاء.
في المَرَّة السابقة، رأينا أنَّ اللهَ يَستخدِمُ أشخاصًا مِثل سِمعان: شخصًا مُتهوِّرًا، وديناميكيًّا، وطائِشًا، وقويًّا، ويَملِكُ رُوحَ المُبادرة، وجريئًا، ويَقولُ كلامًا أكبرَ مِن أفعالِه. فهو مِن النَّوعِ الدِّيناميكيّ. فاللهُ يَستخدِمُ أشخاصًا مِن هذا النَّوع. ولكن لِنَتعرَّف إلى الشَّخص الثَّاني في تلك اللاَّئحة؛ أي إلى أندَراوُسَ أخيه... إلى أندَراوُسَ شَقيق بُطرس. وبالمناسبة، إنَّ اسمَهُ يَعني: "الشُّجاع". وقد كان هو أيضًا مِن بَيْت صَيدا؛ أي مِن تلك القرية الصَّغيرة في الجليل. وكما كانَ شَقيقُهُ، كانَ هو أيضًا صَيَّادَ سَمَك. والحقيقة هي أنَّنا نَقرأ في إنجيل مَتَّى والأصحاح الرَّابع أنَّه كانَ في البحر عندما جاءَ يسوعُ إلى ذلك المَكان. وكانَ قَدِ التَقى يَسوعَ، وآمَنَ بيسوع، وأقَرَّ بأنَّه المسيَّا. ولكن بعدَ أن عادَ إلى صَيدِ السَّمك، التقاهُ الرَّبُّ مَرَّةً أخرى عند الشَّاطئ ودَعاهُ إلى اتِّباعِهِ اتِّباعًا دائمًا وقالَ له إنَّ سيَجعلهُ صَيَّادًا للنَّاس.
وقبل أن يأتي ليَتبعَ يسوعَ المسيح، كانَ يَهوديًّا تَقيًّا، وكانَ يَهوديًّا وَرِعًا، وكانَ يَهوديًّا يَخافُ الله. وكان أيضًا تلميذًا ليوحنَّا المَعمدان. والحقيقةُ هي أنَّهُ سَمِعَ ذاتَ يومٍ رسالةَ يوحنَّا المَعمدان فتَغيَّرت حياتُه. فقد رأى يُوحنَّا المَعمدان يسوعَ في إنجيل يوحنَّا والأصحاحِ الأوَّل فقال: "هُوَذَا حَمَلُ اللهِ". وكانَ أندَراوُس هناكَ في ذلك اليوم مع يوحنَّا الَّذي كانَ هو أيضًا صَيَّادَ سمك بالإضافةِ إلى يعقوب أيضًا. وقد سَمِعَ هو ويوحنَّا أنَّ يوحنَّا المعمدان يقولُ ذلك فذهبا إلى المكانِ الَّذي كانَ يسوعُ مَوجودًا فيه في الحال. فالتفتَ يسوعُ وقالَ لهُما: "مَاذَا تَطْلُبَان؟" فَقَالاَ: "أَيْنَ تَمْكُث؟" وقد ذَهبا إلى المكانِ الَّذي كَانَ يَمْكُثُ يَسوعُ فيه، وَمَكَثَا عِنْدَهُ ذلِكَ اليَوم. وكانت تلك السَّاعاتُ هي الَّتي غَيَّرت حَياتَهُما الروحيَّة. وعندما غادَرا المكانَ بعدَ أن صَرَفا اليومَ مع حَمَلِ الله، نَقرأُ حالاً أنَّ أندَراوُس فَتَحَ فَمَهُ وقالَ هذه الكلماتِ الأولى: "قَدْ وَجَدْنَا مَسِيَّا". فَما إن وَجَدَ أندَراوُس حقيقةَ يسوعَ المسيحِ بنفسه حتَّى أَعلنَ ذلكَ لأخيه بُطرس قائلاً تلكَ العِبارة: "قَد وَجَدنا مَسِيَّا".
كان بُطرس وأندَراوس يعيشان معًا كما جاءَ في إنجيل مَرقُس 1: 29. ولا شَكَّ في أنَّهما كانا يَتشاركان كلَّ شيء. وبصورة خاصَّة، أرادَ أندَراوس أن يُشارك معه المسيَّا. لِذا، منذُ البداية، صارَ أندَراوس جزءًا مِن تلك المجموعة الرُّباعيَّة الحَميمة. والحقيقة هي أنَّه إذا دَرستُم العهدَ الجديد ستجدونَ أنَّهُ يَتحدَّث دائمًا عن يعقوب، وبُطرس، ويوحنَّا؛ ثُمَّ عن بُطرس ويعقوب ويوحنَّا؛ ثُمَّ عن يوحنَّا وبُطرس ويعقوب. فقد كانوا دائمًا الدَّائرة الداخليَّة. ولم يُسمَح لأيِّ شخصٍ أن يَدخُلَ تلكَ المجموعة الدَّاخليَّة إلاَّ عندما دَخَلَها أندَراوس فصارت تَضُمُّ بُطرس ويَعقوب ويوحنَّا وأندَراوس. فقد كانَ واحدًا مِن أفرادِ المجموعة الرُّباعيَّة الأكثر حَميميَّةً، ولكنَّه لم يَكُن يومًا واحدًا مِن تلك المجموعة الثُّلاثيَّة الدَّاخليَّة. ولكنَّه كانَ يَحظى باحترامٍ كبيرٍ جدًّا. والحقيقةُ هي أنَّ فيلبُّس الَّذي كانَ في المجموعة الثَّانية الأقلّ حَميميَّةً مع الرَّبّ التقى أشخاصًا يونانيِّينَ جاءوا إليه وقالوا: "نُرِيدُ أَنْ نَرَى يَسُوع". وهل تَعلمونَ إلى مَن أَخَذَهُم فيلبُّس؟ لقد أخذهم إلى أندَراوس. لماذا؟ لأنَّ فيلبُّس فَكَّرَ، في اعتقادي، أنَّه إن أردتُم أن تروا يسوعَ، يجب عليكم أوَّلاً أن تَروا أندَراوس. فقد كانَ أندَراوس يَتمتَّع بعلاقة حميمة مع يسوع. وكانَ أندَراوس يَحظى بالاحترام.
وبالرَّغمِ مِن ذلك، لم يكن في الدَّائرة الثُّلاثيَّة الحَميمة. ولكن فجأةً، في الإنجيلِ الرَّابع (أي في إنجيل يوحنَّا)، يَبتدئ أندَراوس في الظهور مِن الخلفيَّة. ونحنُ نَرى أندَراوس ثلاثَ مَرَّات في إنجيل يوحنَّا. وفي كلِّ المرَّات الثلاث، كانَ أندَراوس يَفعل الشيءَ نفسَه. فَمِنَ السَّهل أن نَصِفَهُ. وأوَّلُ مَرَّة مذكورة في إنجيل يوحنَّا 1: 40؛ وهي الآية الَّتي قَرأتُها لكم قبل قليل. فنحنُ نقرأ في إنجيل يوحنَّا 1: 40: "كَانَ...وَاحِدًا مِنَ الاثْنَيْنِ اللَّذَيْنِ سَمِعَا يُوحَنَّا [المَعمَدان]..." (أي: يوحنَّا وأندَراوس) "وتَبِعاهُ". إنَّه "أَنْدَرَاوُسُ أَخُو سِمْعَانَ بُطْرُس". وبالمناسبة فإنَّ أندَراوس يُدعى دائمًا "أخَ سِمعان بُطرس"؛ إلاَّ في حالتين فقط، أو رُبَّما حالة واحدة. فهو يُعَرَّف دائمًا بهذه الطَّريقة. "هذَا وَجَدَ أَوَّلاً أَخَاهُ سِمْعَانَ، فَقَالَ لَهُ: «قَدْ وَجَدْنَا مَسِيَّا» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: الْمَسِيحُ [أوِ المَمسوحُ]. فَجَاءَ بِهِ إِلَى يَسُوع". والآن، إن أردتم أن تَعرفوا كيفَ تَصِفونَ حياةَ أندَراوس، فإنَّ الأمرَ بسيطٌ جدًّا: إنَّه الشَّخص الَّذي كانَ يُحضِرُ دائمًا النَّاسَ إلى يسوع.
والمَرَّة الثَّانية الَّتي نَراهُ فيها هي في الأصحاح السَّادس مِن إنجيل يوحنَّا والعَدَدَيْن الثَّامن والتَّاسع. فقد كان هناك جَمْعٌ كبيرٌ مُحتَشِد، وكانَ يَسوع يُعَلِّم، وكانَ الوقتُ مُتأخِّرًا والنَّاسُ جِياع. ولم يكن يوجد طعامٌ يَكفيهم. وفي هذه المرَّة، أحضرَ أندَراوس ليسوعَ صَبيًّا يافعًا. وكانَ يوجدُ مَع ذلك الصَّبيِّ اليَافِعِ خمسةُ أرغفة وسَمَكتان. وهذا لا يَعني خمسةَ أرغفة كبيرة مِن الخُبز، بل خمسةُ قِطَعِ بَسكويت صغيرة مُسَطَّحة مَصنوعة مِن الشَّعير، وسَمَكتان. وكانَ الشَّخصُ عادةً يأخذُ السَّمكتين ويَنزِع مِنهما الأجزاءَ الصَّالحةَ للأكل، ويأكلُها مع قِطَعِ البَسكويتِ تلك. لِذا فقد أحضرَ صَبيًّا معه خمسة قِطَع بسكويت مَصنوعة مِن الشَّعير، وسَمَكتان. فقد أحضرَهُ إلى يسوع. وأعتقد أنَّ أندَراوس كانَ يَعتقد أنَّ الرَّبّ يستطيعُ أن يَصنَعَ الكثيرَ مِن القَليل.
أمَّا المَرَّة الثَّالثة الَّتي نَلتقيه فيها فهي في إنجيل يوحنَّا والأصحاح الثَّاني عشر. وقد لَمَّحْتُ للتَّوّ إلى تلكَ الحادثة. ففي إنجيل يوحنَّا 12: 20، أحضرَ فيلبُّس مجموعةً مِن اليونانيِّينَ أوِ الأُمَم الَّذينَ أرادوا أن يَرَوا يسوع. وقد أخبرَ فيلبُّسُ أندَراوسَ وذهبَا معًا إلى يسوع. ويُمكننا أن نَفترِضَ هنا أنَّهما أَخَذا هؤلاءِ الأشخاصَ معهما أيضًا.
لِذا، عندما تَرَونَ أندَراوس ستجدونَ أنَّه يَبحثُ عن يسوعَ كي يَلتقي يسوعُ شخصًا مَا، أو يأتي بالنَّاسِ إلى يسوع. وأعتقد أنَّه لم يكن يعتقد أنَّهُ يوجد شخص لا يُريدُ يسوعُ أن يَراه، أو أنَّه يوجد شيء لا يستطيعُ يسوعُ أن يَتعامَلَ معه، أو أنَّه توجد مُشكلة لا يستطيعُ يسوعُ أن يُعالِجَها. لِذا فقد كانَ الشَّخصَ الَّذي يُحضِر الأشخاصَ إلى المسيح.
والآن، مِن خلالِ تلكَ الأحداثِ الثَّلاثة، قد أتمكَّنُ مِن رَسمِ صُوَرٍ لكم. فَمِن خلالِ تلك الأحداث الثَّلاثة، هناك أمورٌ عَديدةٌ تَتَّضِح. أوَّلاً، نحنُ نَرى انفِتاحَ أندَراوس. فقد كان يَعلمُ أنَّه يجب عليهم أن يذهبوا إلى خِرافِ بيتِ إسرائيل الضَّالَّة. وكانَ يَعلمُ أنَّهم مُرسَلونَ أوَّلاً إلى اليهودِ، ثُمَّ إلى الأُمم. وبالرَّغمِ مِن ذلك، كانَ يَملِكُ أيضًا رُوحَ الرَّبِّ لأنَّ الرَّبَّ كَشَفَ في الأصل عن مَسيحانيَّتِه لامرأة سامريَّة مُختَلَطَة النَّسَب. لِذا، لم يكن أندَراوس مُتعصِّبًا جدًّا لليهوديَّة. وما أعنيه هو أنَّه لم يكن يَرفض إحضارَ أشخاصٍ أُمَمِيِّينَ إلى يسوع. لِذا، يُمكننا أن نَلمَسَ أنَّه كانَ مُنفتِحًا في قلبِه. فهو لم يكن يَرى أنَّ هناكَ شخصًا ينبغي أن يَبقى في الخارج، أو أنَّ هناك شخصًا لا يَرغبُ يسوعُ في رؤيتِه.
ويُمكننا أيضًا أن نَرى إيمانَهُ. فقد كانَ يَملِكُ إيمانًا عظيمًا. فلا أدري ما الذي كانَ يَدورُ في ذِهنه عندما أحضرَ قِطَعَ البسكويتِ الخمس تلك والسَّمكتين بوجودِ كلِّ ذلك الحَشد الكبير! ولا أدري ما الَّذي كان يحاولُ أن يَفعلَه وهو يَركُضُ هُنا وهُناكَ بَحثًا عن أشخاصٍ لديهم طَعام. ولكن مِن المؤكَّد أنَّه كان يوجد لديه إيمانٌ جَعَلَهُ يُؤمِن بأنَّ الرَّبَّ يستطيعُ أن يَفعلَ شيئًا بذلك الطَّعام. فقد رأى يسوعَ يَصنَعُ خَمرًا. لِذا، ما المانِعُ في أن يَصنَعَ طَعامًا؟
وهناك شيءٌ ثالثٌ يُمكننا أن نَراهُ عَدا عن انفِتاحِهِ وإيمانِه. فيمكننا أن نَرى اتِّضاعَهُ. وما أعنيه هو أنَّه صَرَفَ حَياتَهُ كُلَّها بِصِفَتِهِ أَخَ سِمعان بُطرس. هذا صحيح! والآن، بعدَ أن وَجَدَ المسيَّا، قد يُجَرَّبُ في أن يقول: "لن أُخبرَ بُطرس. فهذه هي فُرصتي في أن أكونَ شخصًا مُمَيَّزًا". ولكن لا، لا! بل إنَّه رَكَضَ لإحضار بُطرس معَ أنَّه كانَ يَعلمُ تمامًا أنَّه حالَما يَدخُل بُطرس المجموعة فإنَّه سَيَقودُ المَجموعة لأنَّ هذه هي شخصيَّة بُطرس. وسوفَ يَعودُ أندَراوس إلى المكانِ الَّذي يَنتمي إليهِ دائمًا بصفتِهِ أخَ سِمعان بُطرس. ولكنَّهُ فَكَّرَ في العمل الَّذي ينبغي القيامُ به أكثرَ مِمَّا فَكَّرَ في مَن سيكونُ الشَّخصُ المسؤول. وقد فَكَّرَ في المَلكوتِ الأبديِّ أكثرَ مِمَّا فَكَّرَ في مَشاكِله الشَّخصيَّة الثَّانويَّة. ومِن المؤسِف أن نقول إنَّ هناكَ أشخاصًا لا يَنضمُّونَ إلى أيَّة مَجموعة إلاَّ إن كانوا هُم القادَة. وقد كانَ يَعقوب ويوحنَّا يُعانيان مِن تلك المشكلة. أليسَ كذلك؟ ولكِن ليسَ أندَراوس. فأنا لا أرى أندَراوس يُصارع بخصوصِ مَن سيَحصُل على المَجد في الملكوت.
وكما تَرَون، فإنَّ أندَراوسَ صورة لكلِّ أولئكَ الَّذينَ يَعملونَ بهدوء في أماكِن مُتواضعة، "لاَ بِخِدْمَةِ الْعَيْنِ كَمَنْ يُرْضِي النَّاسَ، بَلْ كَعَبِيدِ الْمَسِيحِ، عَامِلِينَ مَشِيئَةَ اللهِ مِنَ الْقَلْب". لم يكن أندراوس عَمودًا مِثل بُطرس ويعقوب ويوحنَّا، بل كانَ حَجرًا مُتواضعًا. وَهُوَ يُعَبِّر تمامًا عَمَّا قَصَدَتهُ الشَّاعرة "كريستينا روزيتي" (Christina Rossetti) الَّتي كَتَبَت تقول: "أعطِني أَخفَضَ مكانٍ، لا لأنِّي أُحبُّ أن أطلبَ أَخفضَ مَكانٍ، بل لأنَّكَ مُتَّ لكي أحيا أنا وأُشاركَكَ مَجدَكَ إلى جانِبِك. أعطِني أَخفضَ مكانٍ حَتَّى إنَّه إن كانَ أخفضُ مكانٍ عاليًا جدًّا بالنِّسبةِ إليَّ، أَجِد مكانًا أخفَضَ منهُ لأجلسَ فيه، وأرى إلهي، وأُحبُّهُ أكثر". هذا هو أندَراوس. والخُلاصة هي أنَّه كانَ واحدًا مِن أوَّلِ تِلميذَيْنِ تَلَقَّيا الدَّعوةَ، ولكنَّه لم يكن واحدًا مِن المَجموعة الثُّلاثيَّة الدَّاخليَّة. وبالرَّغم مِن ذلك فإنَّ ذلكَ لم يُزعجهُ، بل كانَ دائمًا شَقيقَ بُطرس.
فهو واحدٌ مِن أولئك الأشخاص النَّادرين الَّذينَ يُبدونَ الاستعدادَ لأن يكونوا في المَرتبة الثَّانية. وهو واحدٌ مِن أولئك الأشخاص النَّادرين الَّذينَ يُريدونَ أن يُقدِّموا الدَّعم، أو واحدٌ مِن أولئك الأشخاص النَّادرين الَّذينَ لا يُمانعونَ في أن يَبقوا في الخَفاءِ طَالما أنَّ العملَ يُنجَز. فهو شخصٌ يُمكن لجميع القادة أن يَتَّكِلوا عليه. فهو شخصٌ يَعلَمُ الجميعُ أنَّه العَمودُ الفَقريُّ لكلِّ خدمة. فخِدمةُ المسيحِ تَعتمِدُ [يا أحبَّائي] على الأشخاصِ الَّذينَ يَنسونَ أنفسَهُم ويَرضونَ بأن يَشغَلوا مَساحةً صغيرةً وأن يكونوا مَحجوبينَ، ولا يُبالونَ بالطُّموحاتِ الشَّخصيَّة. ومع ذلك، سوفَ يَجلسُ أندَراوس على العرشِ ويَدينُ أسباطَ إسرائيل.
وقد كَتَبَ "دانيال مكلين" (Daniel McLean)، وهو رَجُلٌ أُسكتلنديٌّ يُحبِّ بصورة خاصَّة أندَراوسَ (الَّذي صارَ القِدِّيسَ الشَّفيعَ لإسكُتلندا)، كَتَبَ عن رَسولِهِ الحبيبِ الكلماتِ التَّالية: "إن جَمعنا كلَّ الصِّفاتِ المذكورة في الكتابِ المقدَّس عن أندَراوس، لن نَجِدَ أنَّه كَتَبَ أيَّة رسالة، ولا أنَّه أَسَّسَ أيَّة كنيسة، ولا أنَّهُ قائدٌ بارِزٌ في العصرِ الرَّسوليِّ؛ ولكنَّه كان ببساطة تِلميذًا مُقرَّبًا مِن يسوعَ المسيح، ويُبالي كثيرًا بأن يَعرفَ الجميعُ نَبْعَ الفَرحِ الروحيِّ وأن يُشاركَ البَرَكَةَ الَّتي يُقدِّرُها أيَّما تَقدير. فهو رَجُلٌ ذو مَواهبَ مُتواضعة جدًّا احتَرَمَ وَعدَهُ السَّابق، ورَجُلٌ بسيطٌ ومُتعاطِفٌ مِن دونِ أيَّة قوَّة ظاهرة أو رُوحٍ بُطوليَّة. وبالرَّغمِ مِن ذلك، كانَ يَملِكُ ثِقَةً هائلةً بالمسيح جَعلتهُ واحدًا مِن الدَّائرة الدَّاخليَّة للاثني عشر. وهو رَجُل يَملِك حِسًّا دينيًّا عميقًا وقدرة بسيطة جدًّا على التَّعبير. فقد كانَ مِغناطيسيًّا أكثرَ مِن كَونِهِ كَهرُبائيًّا. وقد كانَ يُفَضِّلُ الطُّرُقَ الهادئةَ في الحياة أكثر مِن الطُّرق الصَّاخِبَة. أجل، فأندراوس هو رَسولُ الحياةِ الخاصَّة".
إنَّ اللهَ يَستخدِمُ أشخاصًا مِن هذا النَّوع. واللهُ هو الوحيدُ الَّذي يَستطيعُ أن يَعرفَ قيمَتَهُم لأنَّ الأمرَ يَتطلَّب أحيانًا شخصًا كأندراوس للوصولِ إلى شخصٍ كبُطرس. هناك واعِظٌ قديمٌ مِن الكنيسة الميثوديَّة. وقد عَثَرتُ على سِيرته الذَّاتيَّة في كِتابٍ غير مَعروف البتَّة. وأنا لا أعرفُ أيَّ شخص يَعرِفُ عن ذلك الواعِظ. إنَّ اسمَهُ هو: "توماس ميتشيل" (Thomas Mitchell). ومِن المؤكَّد أنَّكم لم تَسمعوا به مِن قَبل. وأنا لم أَسمَع به مِن قَبل. ولكنَّه كانَ مِثلَ أندَراوس. وقد ماتَ. وقد كَتَبَ مُؤتَمَرُ الخُدَّامِ الَّذينَ خَدموا معه نَعْيًا لَهُ. وإليكم ما كَتبوه: "توماس ميتشيل، مُحارِبٌ قديمٌ لأجلِ يسوعَ المسيح. إنَّهُ رَجُلٌ ذو قُدُراتٍ مُتواضعةٍ جدًّا في الوعظ، ولم يَتَلَقَّ سِوى تَعليمًا رَديئًا". ما رأيُكُم في هذا النَّعي؟ فهو ذو قُدُراتٍ مُتواضعةٍ ولم يَتَلَقَّ سوى تَعليمًا رَديئًا. وبالرَّغمِ مِن ذلك، كَتَبَ واحدٌ مِن أصدقائِه ما يَلي: "لقد قادَهُ عَمَلُهُ الشَّغوفُ والمُحِبُّ إلى اقتيادِ أشخاصٍ كثيرينَ إلى المسيح". لقد كانَ رَجُلاً ذا قُدُراتٍ مُتواضعةٍ ولم يَتلقَّ سِوى تَعليمًا رَديئًا، ولكنَّه كان آنِيَةً بِيَدِ اللهِ لاقتيادِ واحدٍ مِن أعظمِ الوُعَّاظِ الأوائل إلى المسيح وهو: "توماس أوليفرز" (Thomas Olivers) الَّذي كَتَبَ التَّرنيمةَ العَظيمةَ الَّتي هي بعُنوان: "مُبارَكٌ إلَهُ إبراهيم" (The God of Abraham Praised). رَجُلٌ ذو قُدُراتٍ مُتواضعة؟ هذا هو السِّجِلُّ الرَّسميُّ، ولكنَّه واحدٌ مِن أقوى الأشخاصِ وأكثرهم أمانَةً على مَرِّ العُصور.
فهو الَّذي ذَهبَ إلى قرية "رانغل" (Wrangle) الصَّغيرة في "لينكنشاير" (Lincolnshire) ونَهَضَ في السَّاعة الخامسة صباحًا كي يَكرِزَ بالإنجيل في الهواءِ الطَّلْق. وقد كانت عِظَتُهُ حَماسيَّة جدًّا حتَّى إنَّهُ تَمَّ اعتقالُه. وفي أثناءِ اعتقالِه، هاجَمَهُ رُعاعٌ وأخذوهُ إلى حَانَةٍ، وسألوا راعي الأبرشيَّة عَمَّا ينبغي أن يَفعلوه به، فأخبرهم أن يُخلوا سَبيلَهُ. ولكنَّهم قَرَّروا أن يَطرحوهُ في البُحيرة. لِذا فقد أخذوهُ إلى بُحيرةٍ مُمتلئة بالأوساخِ وطَرحوهُ فيها. وقد حاولَ الخروجَ مِنها، ولكنَّهم طَرَحوه فيها سبعَ مَرَّات. ثُمَّ إنَّهم أخذوهُ مَرَّةً أخرى إلى الحانَة بعدَ أن طَلوهُ مِن قِمَّةِ رأسِهِ إلى أخمصِ قَدميه بطِلاءٍ أبيض. وعندما لم يَعلموا ماذا سيفعلونَ به، قَرَّروا أن يُغرِقوه. لِذا فقد جَرُّوهُ إلى بُحيرة صغيرة خارجَ القرية لا يَقِلُّ عُمقُها عن ثلاثة أمتار وحَمَلوهُ مِن ذِراعَيْهِ وطَرحوهُ في الماء. وقد غَرِقَ إلى القَعر. وعندما طَفا إلى السَّطح، كانَ هناكَ رَجُلٌ مِن بينِ الحَشدِ يُمسِكُ عَمودًا طَويلاً يوجدُ خُطَّافٌ في نِهايته. وقد راحَ يَلهو به باستخدامِ ذلك العَامودِ والخُطَّافِ كما لو كانَ سَمَكة. وقد أَخرجوهُ على آخِرِ رَمَق وأخذوهُ إلى منزلٍ صغيرٍ في القرية حيثُ اعتَنَت به سَيِّدة تَقيَّة. ولكن عندما عَلِمَ الرُّعاعُ أنَّه يَتعافَى، ذَهبوا إليه في ذلك البيت، ووقفوا بجانب سَريرِه وقالوا إنَّه سيُمَزِّقوهُ إرْبًا إرْبًا إن لم يَتعهَّد بأنَّه لن يَكرِز بالإنجيلِ مَرَّةً أخرى. ولكنَّه رَدَّ عليهم قائلاً: "لن أَعِدَكُم بشيءٍ كهذا".
وبطريقةٍ أو بأخرى، تَمَكَّنَ مِن مُغادرةِ المكان ودَوَّنَ كلَّ هذه الحادثة. وقد كَتَبَ: "طَوالَ الوقت، حَفِظَني اللهُ في سلامٍ تامٍّ. وقد تَمَكَّنتُ مِن الصَّلاةِ لأجلِ أعدائي". لا يبدو هذا الشَّخصُ رَجُلاً ذا قُدُراتٍ مُتواضعةٍ في نَظري. ولكنَّ أحدًا لا يَعرفُ عنه شيئًا. فلم يَسمع به أيُّ شخص. فقد كان يَخدِمُ في الخَفاء، وكانَ رَجُلاً أمينًا. واللهُ بحاجةٍ إلى أشخاصٍ مِثلَ "توماس ميتشيل". واللهُ بحاجةٍ إلى أشخاصٍ مِثل أندَراوس؛ أي إلى أشخاصٍ يَجلِبونَ [بهدوءٍ وصَمْتٍ] آخرينَ إلى يسوع.
وهناك اسمٌ ثالثٌ في المجموعةِ الأولى وهو: "يَعْقُوبُ بْنُ زَبْدِي". وفي لائحتين مِن اللَّوائحِ الأربع الَّتي تَذكُرُ الاثني عشر، يَرِدُ اسمُهُ بعدَ بُطرس. ومع ذلك فإنَّنا لا نَعرف عنه سوى القليل جدًّا. والحقيقة هي... لاحظوا هذا: لا نَقرأُ عنهُ وَهُوَ حَيّ في الأناجيل بمَعزِلٍ عن أخيه يوحنَّا في أيَّة حادثة. فَهُما لا يَنفصلان في الأناجيل. وأعتقد أنَّه مِن المُهمِّ أن نُلاحظَ أنَّه يُذكَر دائمًا قبلَ يوحنَّا. ورُبَّما كانَ هذا يُشيرُ لا فقط إلى أنَّه كانَ أكبرَ سِنًّا منه، بل إلى أنَّه كانَ قائدَ هذا الثُّنائيَّ الدِّيناميكيّ. فهو يُمثِّل القُوَّة، ويُمثِّل الحَماسة، ويُمثِّل الشَّغَف. وكانَ هذان الأخَّان (أي يعقوب ويوحنَّا) صَيَّادي سَمَك أيضًا. وكانَ أبوهُما هو زَبْدِي. وكانَ زَبْدِي رَجُلَ أعمالٍ ناجِح لأنَّه كانَ يُوَظِّفُ خُدَّامًا في عَمَلِه. لِذا فقد كانوا يُديرونَ مِهنةَ صَيدِ سَمَك ناجحة جدًّا هناك عند الشَّاطئِ الشَّماليِّ لبحر الجليل. وقد انضمَّ يعقوبُ إلى هذه المجموعةِ الأولى لأنَّه كانَ واحدًا مِن المَدعوِّينَ الأوائل. فقد كانَ يوحنَّا وأندَراوس أوَّلَ شخصين يَتلقَّيانِ الدَّعوة. ولا بُدَّ أنَّ علاقةَ الأُخوَّةِ الوَطيدةِ بينَ يعقوبَ ويوحنَّا جَعلتهُ يَجِد مكانًا له في تلك المجموعةِ الحَميمة.
والآن، عندما تَنظرونَ إلى الكتابِ المقدَّسِ مِن جِهةِ الأحداث، ستجدونَ أنَّ يعقوبَ يَظهَرُ كَظِلٍّ أكثرَ مِمَّا يَظهرُ كصورة واضحة. لِذا فإنَّكم تَحصلونَ على فِكرة ضَبابيَّة فقط عنه مِن دونِ تفاصيل دقيقة لما رُبَّما حَدث. ولكنِّي أعتقد أنَّ أفضل طريقة للنَّظر إلى يعقوب هي مِن خلال التَّأمُّلِ في الاسمِ الَّذي أَطلقَهُ الرَّبُّ عليه هو وأخيه يوحنَّا. ففي إنجيل مَرقُس 3: 17، أَطلقَ عليهما يسوعُ اسمًا إذ نقرأُ أنَّهُ "جَعَلَ لَهُمَا اسْمَ بُوَانَرْجِسَ أَيِ ابْنَيِ الرَّعْد"... ابنيِ الرَّعد. وإن كان يعقوبُ هو القائد، وَهُوَ ما نَعلَمُهُ مِن خلالِ حقيقةِ أنَّهُ يُذكَرُ أوَّلاً، لا بُدَّ أنَّه كانَ ابنَ الرَّعد. فلا بُدَّ أنَّه كانَ شَغوفًا، ومُتحمِّسًا، ومُتَّقِدًا، وحادَّ النَّظرة، وطَموحًا، ورَجُلاً مُندفعًا. ولكي أُقدِّمَ لكم سَببًا كلاسيكيًّا عن سَببِ ذلك، نَقرأُ في سِفْرِ أعمالِ الرُّسُل أنَّ هيرودسَ قَرَّرَ أن يُسيءَ إلى الكنيسة. وكانَ أوَّلُ شخصٍ أساءَ إليهِ هو يَعقوب إذ إنَّه قَطَعَ رأسَهُ. وقد عادَ فَوضعَ بُطرسَ في السِّجن. وهذا يَعني أنَّ بُطرسَ لم يكن مُشكلةً عَويصةً مِثل يَعقوب. وما أعنيه هو أنَّه إن كانَ هيرودس قد قَبضَ على يعقوب وبُطرس فَقَتَلَ يعقوب وأبقى بُطرسَ حَيًّا، لا بُدَّ أنَّ هذا يُطلِعُنا على شخصيَّة يعقوب. فهو رَجُلٌ قويٌّ، ومُتحمِّس. ورُبَّما كانَ النَّظيرَ في العهد الجديد لشخصيَّة "ياهو" الَّذي قالَ: "هَلُمَّ مَعِي وَانْظُرْ غَيْرَتِي لِلرَّبِّ" ثُمَّ استأصلَ بيتَ أخآب وكُلَّ عَبَدَةِ البَعل مِن الأرض. فقد كانَ يَعقوب سَريعًا في اجتِذابِ الأعداء. فبعدَ أربعَ عشرةَ سنة، قُتِل. وما أعنيه هو أنَّه كانَ أوَّل تلميذ يَموتُ شَهيدًا. فقد تَخلَّصوا منه بسرعة. فقد كانَ مُشكلةً كبيرة حَقًّا، وشخصًا كالرَّعد. ولا بُدَّ أنَّ غَيْرَتَهُ كانَت تَحْتَدِمُ كلَّ يومٍ بواسِطَةِ ذاكَ الَّذي قالَ: "غَيْرَةُ بَيتِكَ أَكَلتني". بعبارة أخرى، يمكنني أن أتخيَّلَهُ عندما صَنَعَ الرَّبُّ سَوْطًا يقول: "افعل ذلك يا رَبّ... افعل ذلك. اجْلِدْهُ بِهِ". فقد كانَ غَيورًا وَحَسْب.
والغَيْرَةُ فَضيلةٌ عظيمة. فقد تُحِبُّونَ الشَّخصَ المُندفعَ والمُتحمِّسَ الَّذي يُريدُ أن يُنجِزَ المَهامَّ، ولكنَّ الحَماسةَ تَأتي في أغلبِ الأحيانِ مَشوبَة بغيابِ الحِكمة. وأحيانًا، قد تَنطِق بكلامٍ وتَفعلُ أُمورًا قبلَ حتَّى أن تُفكِّرَ في الأمرِ مَلِيًّا. وقد تقول: "هل يُعقَلُ أن يَستخدِمَ اللهُ شخصًا كهذا؟ أجل. فقد فَعَلَ ذلك في الحقيقة.
وهناك أحداث عديدة بارزة. ويُمكنني أن أُريكم أينَ وَرَدَ الحديثُ عن يعقوب والطَّريقةَ الَّتي تَصرَّفَ بها. لوقا 9... لوقا 9 والعدد 51: "وَحِينَ تَمَّتِ الأَيَّامُ لارْتِفَاعِهِ..." [فقد حانَ وقتُ أسبوعِ الآلام] "...ثَبَّتَ [يَسوعُ] وَجْهَهُ لِيَنْطَلِقَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَأَرْسَلَ أَمَامَ وَجْهِهِ رُسُلاً...". فقد ذَهَبَ الرُّسُل الآن إلى السَّامرة لإعدادِ الطَّريق. "...فَذَهَبُوا وَدَخَلُوا قَرْيَةً لِلسَّامِرِيِّينَ حَتَّى يُعِدُّوا لَهُ". فقد أرادوا مِن أهل السَّامرة أن يَسمعوا الرِّسالة: المَسِيَّا قادِمٌ... المَسيَّا قادِمٌ. "فَلَمْ يَقْبَلُوهُ لأَنَّ وَجْهَهُ كَانَ مُتَّجِهًا نَحْوَ أُورُشَلِيم". اسمعوا: كانَ السَّامريُّونَ يَكرهونَ اليهودَ وأورُشليم. وكانَ يوجد لديهم مكانٌ خاصٌّ بهم للعبادة وَهُوَ جَبَل جِرِزِّيم. ورُبَّما طَردوا هؤلاءِ الرُّسُل مِن القرية وَشَتَموهُم ورَشَقوهُم بالحِجارة. فرُبَّما رَشقوهُم بالحِجارة. لِذا فقد عادَ الرُّسُل وقالوا إنَّ السُّكَّانَ لن يَستقبلوكَ في القَريةِ الفُلانيَّة. ثُمَّ إنَّنا نَلتقي في العدد 54 ابنيِ الرَّعد: "فَلَمَّا رَأَى ذلِكَ تِلْمِيذَاهُ يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا، قَالاَ: «يَا رَبُّ، أَتُرِيدُ أَنْ نَقُولَ أَنْ تَنْزِلَ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَتُفْنِيَهُمْ، كَمَا فَعَلَ إِيلِيَّا أَيْضًا؟»" يا رَبّ، لِنُحرِقهُم فَحَسْب. احرِقهُم. يا لَهُ مِن قَلبٍ عَظيمٍ للخِدمة! أَخْرِج جَميعَ الأشخاصِ غير المُخَلَّصين واجعلِ النَّارَ تَلتَهِمُهم يا رَبّ كما فَعَلَ إيليَّا.
وكما تَرَون، يُمكنكم أن تَرَوا مَن هُمُ الأشخاصُ الَّذينَ كانوا أبطالَ يَعقوب. "فَالْتَفَتَ [يَسوعُ] وَانْتَهَرَهُمَا وَقَالَ: لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مِنْ أَيِّ رُوحٍ أَنْتُمَا!" فهذا ليس الرُّوح المُناسِب لهذا الوقت. فروحُ إيليَّا ليسَ مُناسبًا الآن. وهذا ليسَ وقت دينونة على أُمَّةٍ مُرائية وغير مُؤمِنَة، بل هو وقتُ إعلانِ عهدٍ جديد. إنَّ تَفكيرَكُما ليسَ سَليمًا. فشخصيَّتُكُما تَغلُب عَليكُما: احرِقهُم. ليست هذه هي الفِكرة. "لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأتِ لِيُهْلِكَ أَنْفُسَ النَّاسِ، بَلْ لِيُخَلِّصَ. فَمَضَوْا إِلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى". لقد وَبَّخَهُما يسوعُ بِشدَّة. فقد أَظهَرا كراهِيَةً، وأَظهَرا عَدَمَ تَسامُح. فقد كانَ يعقوبُ مُتحمِّسًا جدًّا ولكنَّهُ لم يكن مُرهَفَ الحِسِّ. وما أعنيه هو: مَا نوعُ كَارِزٍ كَهذا؟ ومع ذلك، لا بُدَّ أن أُقِرَّ بأنَّ هناكَ قَدرٌ مِن النُّبْلِ في ذلك. فأنا مَسرورٌ لأنَّه غَضِبَ عندما رأى الرَّبَّ يُهان. فأنا أَكرَهُ أن أراهُ يَمضي دونَ أيَّة رَدَّةِ فِعل البتَّة. فقد كانَ غَيورًا، ومُندفعًا، وحَارًّا، وشَغوفًا. فهو لم يَكُن شخصًا يَكتفي بالجُلوسِ ومُراقبةِ ما يَحدث.
انظروا إلى حادثةٍ أخرى وَرَدَت في مَتَّى 20. فغالبًا ما يكونُ الأشخاصُ الغَيورونَ طَموحينَ أيضًا. فَهُم يُركِّزونَ كثيرًا على الهَدف، ويُركِّزونَ كثيرًا على المَهمَّة. لِذا، هذه هي الحادثةُ الَّتي تَأمَّلنا فيها في مَعرِضِ حَديثِنا عن التَّلاميذِ بصورةٍ عامَّة قبل أسبوعين، ولكن اسمحوا لي أن أُذكِّرَكُم بها: "حِينَئِذٍ تَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ أُمُّ ابْنَيْ زَبْدِي مَعَ ابْنَيْهَا". فقد كانا يَختبآن وراءَها ويُريدانِ شَيئًا. "قَالَتْ لَهُ: «قُلْ أَنْ يَجْلِسَ ابْنَايَ هذَانِ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِكَ وَالآخَرُ عَنِ الْيَسَارِ فِي مَلَكُوتِكَ»". ألا أَجْلَسْتَ ابنيَّ على العَرشَيْنِ عَن يَمينِكَ وعن يَسارِك؟ بعبارة أخرى، مِن الواضح أنَّهما أفضل تِلميذَيْن لديك. أليس كذلك؟ إنَّها أُمٌّ! أليسَ كذلك؟ إنَّ ابنَيَّ مَوهوبان. ألا تَرى أنَّ الأمرَ واضحٌ؟ فنحنُ نَرى ذلك... زَوجي وأنا. وَهُما الوحيدان المُتحمِّسان. وقد تقول: "وماذا عن بُطرس؟" اسمعوني: لقد كانَ بُطرس مُتحمِّسًا جدًّا، ولكنَّه كانَ يُعاني مِن مَشاكل أيضًا. فقد أَنكرَ الرَّبَّ وفَرَّ هاربًا. أمَّا يعقوب فلا يبدو أنَّه كانَ يُعاني مِن نفس المشكلة. فقد كانَ بُطرسُ مُتقلِّبًا أحيانًا. أمَّا يعقوبُ فيبدو راسخًا وَحَسْب. فقد ماتَ بعدَ أربعَ عشرةَ سنة فقط. فقد قَتلوهُ بسرعة. فهو لم يَضعُف تحتَ التَّهديد، ولم يتراجَع، ولم يُساوِم. وقد كانَ بإمكانِهِ أن يَرى طُموحَهُ: أنا مَاضٍ بِكُلِّ عَزْمٍ في طريقِ المَلكوت. وليسَ فقط إلى الملكوت، بل إلى اليَدِ المُناسبة".
وقد قالَ يسوعُ لَهُما: "لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مَا تَطْلُبَانِ. أَتَسْتَطِيعَانِ أَنْ تَشْرَبَا الْكَأسَ الَّتِي سَوْفَ أَشْرَبُهَا أَنَا؟" "بِكُلِّ تأكيد... نَستطيع!" "حسنًا إذًا، سوفَ تَشرباها". ونقرأُ في العدد 24 أنَّ التَّلاميذَ اغتاظوا وأنَّهم تَجادلوا بشأنِ مَن سيكونُ الأعظم في الملكوت. فقد راحوا جميعًا يَتجادلون. وقد أعطاهُم يسوعُ مُحاضرةً قصيرةً في مَعنى القيادةِ الحقيقيَّة.
ولكنَّهم كانوا طَمُوحين. فقد كانَ يعقوبُ طَموحًا. وكانَ تصرُّفُهم ذاكَ شَنيعًا؛ أي أن يُثيروا رُوحَ الخِصام، وأن يُجَعْجِعوا ويُطلُبوا المكانَةَ الأولى مِن الرَّبّ. فهؤلاءِ الَّذينَ كانوا يَدينونَ أهلَ السَّامرة صاروا الآنَ طَموحينَ، ويَطلُبونَ ما لأنفسِهم، ويَتنافسونَ على المكانة، ويَطلُبونَ المَكانَةَ مِن الرَّبِّ كما لو كانَ حاكِمًا دِكتاتوريًّا يستطيعُ أن يُسبِغَ إحسانَهُ عليهم وأن يُفَضِّلَ أشخاصًا مِنهم على أشخاصٍ آخرين. وكانوا يَطلبونَ المسيحَ ومَملكتَه. وقد كانَ يعقوبُ مُتحمِّسًا، بل كانَ مُتحمِّسًا جدًّا ويَعرفُ اهتمامَ الرَّبِّ الخاص به، وكانَ مِن المجموعة الدَّاخليَّة. وكانَ يَشعر أنَّه ينبغي أن يَحصل على مُكافأة تُلائمُ قُدُراتِه. وقد ذَكَّرَهُ الرَّبُّ قائلاً لهُ: "سوف تُكافأ يا يعقوب، ولكنَّها لن تكون المُكافأة الَّتي تَتوقَّعها. فقبلَ أن تَجلس على عَرشِك، سوفَ تكونُ هناك كأسٌ مُرَّةٌ لا بُدَّ أن تَشربها كُلَّها. والكأسُ هي الألم لأنَّ الطَّريقَ إلى العرش هو دائمًا الطَّريق إلى الصَّليب". وكما قُلتُ، لقد حَصَلَ يعقوب على طِلبتِه بعد أربع عشرة سنة. فقد أرادَ تَاجًا فأعطاهُ يسوعُ كأسًا. وقد أرادَ سُلطانًا فأعطاهُ يسوعُ خِدمةً. وقد أرادَ حُكمًا فأعطاهُ يسوعُ قَبْرَ شَهيد.
انظروا إلى الحادثةِ الوَحيدةِ في الكتابِ المقدَّسِ الَّتي يَظهَرُ فيها بمُفرده في أعمال الرُّسُل والأصحاح 12: "وَفِي ذلِكَ الْوَقْتِ مَدَّ هِيرُودُسُ الْمَلِكُ يَدَيْهِ لِيُسِيئَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الْكَنِيسَة". فعندما أرادَ هيرودُس أن يُهاجِمَ الكنيسة، هاجَمَ القائدَ فيها: "فَقَتَلَ يَعْقُوبَ أَخَا يُوحَنَّا بِالسَّيْف". فهذا هو الشَّخصُ الَّذي تَتِمُّ مُهاجمتُهُ أوَّلاً. كما أنَّ هيرودُسَ وَضَعَ بُطرسَ في السِّجن. ومِن الواضحِ أنَّه لم يُفكِّر حتَّى في بُطرس إلى أن عَلِمَ أنَّ اليهودَ سيَفرحونَ إن فَعلَ ذلك. ولكنَّه كانَ يَسعى وراءَ يعقوب: ابن الرَّعد. فقد كانَ مُمتلئًا حَماسةً، وكانَ مُمتلئًا طُموحًا، وكانَ مُمتلئًا بمشاعر قويَّة غير مُتسامِحَة، ولم يَكُن يُحبُّ الأشياءَ الَّتي هي خارِج نِطاقِ تَعاطُفِه. وقد أخذَ المسيحُ كلَّ تلك المُقوِّمات وصَنَعَ مِنها شيئًا مُفيدًا، وجَعلَهُ عَمودًا في الكنيسة. إذًا، ما نوعُ الأشخاصِ الَّذينَ يَستخدِمُهم اللهُ؟ إنَّه يَستخدِمُ القادةَ العُظماءَ (على غِرارِ بُطرس)، ويَستخدِمُ الأشخاصَ الهادئينَ الَّذينَ يُفضِّلونَ البَقاءَ بَعيدًا عنِ الأضواء ومَجهولين (على غِرارِ أندَراوُس)، ويَستخدِمُ أيضًا الأشخاصَ الجسورينَ والشُّجعانَ والطَّموحينَ الَّذين قد يكونونَ أحيانًا غيرَ مُحِبِّين، وغير مُرْهَفي الحِسِّ، والأنانيِّينَ (على غِرارِ يَعقوب) لأنَّ المسيحَ سَيطَرَ على طَبْعِهِ الحَادِّ، ولَجَمَ لِسانَهُ، ووَجَّهَ حَماسَتَهُ، وعَلَّمَهُ ألاَّ يَسعى إلى الانتقام، وألاَّ يَطلُبَ الكَرامةَ لنفسه. وأخيرًا، وَصَلَ يعقوبُ إلى نُقطةٍ أَبدى فيها الاستعدادَ للموتِ لأجل يسوع. لِذا، فقد شَرِبَ كِلا الأخَوَيْنِ الكأس. وبالنِّسبة إلى يوحنَّا، كانتِ الكأسُ مُمَثَّلَةً في حياةٍ طَويلةٍ مِن الرَّفضِ والموتِ في المَنفى. وبالنِّسبة إلى يعقوب، كانت شُعلةً قصيرةً واستشهادًا.
كانَ الرُّومانُ يَستخدِمونَ عُملةً قديمةً قبلَ وقتٍ طويل نُقِشَت على أَحَدِ وَجْهَيْها صورةُ ثَور. وكانَ يوجدُ أمامَ الثَّورِ مَذبَحٌ ومِحراث. وتحتَ الثَّور كُتِبَت الجُملة التَّالية: "استعدّ لهذا أو ذاك". وهكذا هي خِدمةُ المسيح. وهكذا كانتِ الحالُ بالنِّسبة إلى ابنيِّ الرَّعد. فهناك تلك اللَّحظة الدّراميَّة مِن التَّضحية على المَذبح. وكانت هذه هي حالُ يَعقوب. وهناكَ العملُ الطَّويلِ على المِحراث. وكانت تلك هي حالُ يُوحنَّا. فقد شَرِبَ كِلاهُما الكأس. وكانَ ينبغي ليعقوب أن يَتعلَّمَ رَهافةَ الحِسّ. وكانَ يَنبغي له أن يَتعلَّمَ أن يُخَفِّفَ مِن طُموحِه. وقد فَعَلَ ذلك فاستخدمَهُ اللهُ.
فيجب أن تَعلموا أنَّ الافتقارَ إلى رَهافَةِ الحِسِّ يُمكن أن يُدَمِّرَ الخدمة. فهناكَ أشخاصٌ كثيرون يحاولونَ أن يَخدموا المسيحَ ولكنَّهم عَديمو الحِسِّ تمامًا تُجاهَ رَعيَّتِهم، وتُجاهَ عائلاتِهم، وتُجاهَ النَّاسِ مِن حَولهم. وواحدٌ مِن هؤلاءِ هو راعي كنيسة نَرويجيّ. وقصَّتُه مُدهشة جدًّا. فقد كانَ لديهِ شِعار. وكانَ شِعارُهُ هو: "الكُلُّ أو لا شيء". الكُلُّ أو لا شيء. وكانَ يَعِظُ ويُبْرِقُ ويُرعِد على الجميع. فقد كانَ عَنيدًا، وقويًّا، وذو سُلطانٍ، ومُتَعَنِّتًا، ويَفتَقِرُ إلى رَهافَةِ الحِسِّ. ويُقالُ إنَّ النَّاسَ في الكنيسة لم يكونوا يُبالونَ به لأنَّه لم يكن يُبالي بهم. فقد كانَ طَموحًا جدًّا، وأرادَ أن يَنشُرَ الملكوت، وأرادَ أن يُرَسِّخَ مِعيارَ الله. ولكنَّهُ كانَ أَعمى ولا يَرى أيَّ شخصٍ مِن حَولِه. وقد كانَ كذلكَ أيضًا مع عائلته. وكانت لديه فتاة صغيرة... فتاة صغيرة مريضة. وقد قال له الطَّبيب: "يجب عليكَ أن تُخرِجَها مِن هذا المُناخِ الباردِ في النَّرويج إلى مُناخٍ دافئٍ كي تَستردَّ عافيتَها؛ وإلاَّ فإنَّها ستموت". وقد رَدَّ على الطَّبيبِ قائلاً: "الكُلُّ أو لا شيء". وقد بقي هناك. وقد ماتت ابنتُه. وعندما ماتت، انكسرَ قلبُ الأُمِّ جدًّا، وتَحطَّمت جدًّا. وحيثُ إنَّها لم تَكُن تَجِد أيَّةَ مَحبَّة مِن زوجها، كانت تَسكُبُ كلَّ مَحبَّتِها في تلك الفتاة الصَّغيرة. وكانت تجلس في كُرسيٍّ ساعاتٍ طويلة وهي تَحملُ ملابسَ ابنتها الصَّغيرة، وتَحتضنُها، وتَسكُب قلبَها الحَنون في تلك الملابسِ الفارغة.
لم يَمْضِ وقتٌ طويل حتَّى أخذَ زَوجُها كلَّ تلك الملابس مِنها وأعطاها لامرأة فقيرة في الشَّارع. ولكنَّ الأُمَّ كانت قد وَضعت تَحتَها قُبَّعةً صغيرةً كَتَذكارٍ أخيرٍ مِن ابنتِها. وقد عَثَرَ الزَّوجُ على تلك القُبَّعة وأعطاها لشخصٍ مَا ووَعَظَ زوجَتَهُ عِظَةً طويلةً عن "الكُلِّ أو لا شيء". بعد بِضعة أشهُر، ماتت الزَّوجةُ مِن فَرْطِ الحُزن.
يا لها مِن بَلادَةٍ حَمقاء! فكُلُّ ما تقودُ إليه تلك البَلادة هو الكارثة. فقد تكونُ عديمَ الحِسِّ تُجاهَ النَّاسِ مِن حولِك بطريقة كارثيَّة. وأنا أُفَكِّر في "بيلي صنداي" (Billy Sunday)، الواعظ العظيم الَّذي ماتَ كلُّ أولادِهِ دونَ أن يُؤمِنوا... كُلُّهم. فقد كانَ عَديمَ الحِسِّ تُجاهَ الأشخاصِ المُحيطينَ به لأنَّه مُنهَمِكٌ في رِبْحِ نُفوسِ العالَم. وهناك رُعاةُ كنائس وكارِزونَ ومؤمنونَ لا يُصغونَ حَتَّى إلى ما يَجري في بيتِهم أو في حياةِ النَّاسِ مِن حولهم، بل يُركِّزونَ فقط على المُهمَّة إلى حَدٍّ يُهملونَ فيه النَّاس. فالحماسةُ الخالية مِن رَهافَةِ الحِسِّ قاسية جدًّا. وقد كانَ يعقوب بحاجة إلى التَّنقية. وما أعنيه هو أنَّه كانَ ينبغي له أن يَنتقل مِن النُّقطةِ الَّتي قال فيها: "احرِقهُم وَحَسْب يا رب إن لم يتعاونوا... احرقهُم"، إلى أن يصيرَ شخصًا يَكتَرِثُ بالآخرين.
والآن، إن طَلبتُم مِنِّي؛ أي إن حَشَرتموني في الزَّاوية وطَلبتُم مِنِّي أن أختار، سأختارُ شخصًا مُلتهبًا وحَارًّا وشَغوفًا ومُتحمِّسًا وقابلاً للإخفاق، ولن أختارَ شخصًا باردًا ومُساومًا ولا يُبالي بما قالَهُ الأخُ جون لأنَّ اللهَ سيتقيَّأهُ مِن فَمِه. أعطوني قلبًا مُلتهبًا... أعطوني قلبًا حارًّا لأنَّ هؤلاءِ النَّاس سيُلهِبونَ العالَم. ولكن أعطوني شخصًا مُرهَفَ الحِسِّ.
ما نوعُ الرِّجالِ الَّذينَ يَستخدِمُهم اللهُ؟ وما نوعُ النِّساءِ اللاَّتي يَستخدمُهنَّ اللهُ؟ ما نوعُ النَّاسِ الَّذينَ يُلائمونَ خُطَّته؟ إنَّهُمُ الأشخاصُ الدِّيناميكيُّونَ مِثلَ بُطرس؛ أي القادة الَّذينَ يستطيعونَ أن يَقودوا الجميعَ إلى تَنفيذِ الخُطَّة. وَهُمُ الأشخاصُ المُتواضعونَ مِثلَ أنَدراوُس الَّذينَ يَفعلونَ ما يَفعلونَهُ بهدوءٍ في الكَواليس. وَهُمُ الأشخاصُ الَّذينَ يُشبهونَ يعقوبُ إذ إنَّهم لا يَحتاجونَ إلى أشخاصٍ آخرينَ للقيامَ بالعمل، بل يفعلونَ ذلك بحماسةٍ وشَغَف. وقد تقول: هل تعني أنَّ الرَّبَّ يَستخدِم كلَّ هذه الأنواع مِن النَّاس؟ ألا يَنبغي أن تُولَدَ بِهالَةٍ فوقَ رأسِك؟ ألا يَنبغي أن تكونَ صُورَتُكَ مَطبوعة على زُجاجِ الكنيسةِ المُلَوَّن؟ هل يُمكنكُ أن تكونَ شخصًا وَحَسْب... شخصُا وَحَسْب؟ أجل. فهؤلاءِ كانوا أشخاصًا عاديِّينَ جدًّا لأنَّه يستطيعُ أن يُغيِّرَ كلَّ تلك الأشياء.
وأخيرًا، الشَّخصُ الأخيرُ... ونحنُ لن نَصرِفَ وقتًا طويلاً في الحديثِ عنه، بل سنَراه. فهو يَتقاطَعُ معَ القصَّة في كلِّ العهد الجديد بسببِ حقيقةِ أنَّه كَتَبَ إنجيل يوحنَّا، ورسائل يوحنَّا الأولى والثَّانية والثَّالثة، وسِفْر الرُّؤيا. ولكنِّي أريدُ على الأقلّ أن تَلتقوا في عُجالة يُوحنَّا أَخاهُ... أي شَقيقَ يَعقوب.
والآن، أودُّ أن أقول إنَّنا عندما نُفكِّر في يوحنَّا، قد نَتخيَّلُهُ شخصًا وديعًا، ورقيقًا، وشاحبَ البَشْرَة، وناعمًا، ويَسيرُ وَهو يُسنِدُ رأسَهُ على كَتِفِ يسوع، ويَنظر إليكَ بعينين وَديعَتَيْن، وذا ذِراعَيْنِ صَغيرتَيْنِ نَحيلَتَيْن. فإن تَخيَّلتموهُ هكذا تكونونَ قد أسأتُم تَصَوُّرَهُ يا أحبَّائي إن رأيتموهُ بهذه الصُّورة. فقد كانَ موجودًا في كلِّ تلك الأحداثِ الَّتي ذَكرناها عن يعقوب والَّتي قرأتُها لكم قبل قليل. وقد كانَ أَحَدُ ابْنَيّ الرَّعد. فقد كانَ عَديمَ التَّسامُح: احرِقهُم يا رَبّ. وقد كانَ طَموحًا: "أريدُ أن أجلسَ عن يَمينِكَ أو يسارِك". وقد كانَ غَيورًا، ومُتحمِّسًا، ولكن رُبَّما ليسَ مِثلَ يعقوب. فيبدو أنَّ يعقوبَ كانَ أكثرَ حَماسةً، وأنَّ يوحنَّا كانَ يُرافقُه. وما أعنيه هو أنَّ يوحنَّا عاشَ وقتًا طويلاً. فقد عاشَ إلى نحو سنة 100 ميلاديَّة. وقد عاشَ أكثرَ مِن أيِّ تلميذٍ آخر. وقد كانَ مُلتَهِبًا هو الآخر.
والآن، مِن المُدهش أن نُلاحظ أنَّه في المَرَّةِ الوحيدةِ الَّتي ذُكِرَ فيها اسمُهُ بمُفرده في الأناجيل، هل تَعلمونَ ماذا كانَ يَفعل؟ كانَ غاضبًا مِن شخصٍ مَا. أجل، يوحنَّا! ومَن هو الشَّخصُ الَّذي كانَ غاضبًا مِنه؟ شخصٌ كانَ يَطرُد الشَّياطين في إنجيل مَرقُس والأصحاح التَّاسع. ولماذا كانَ غاضبًا؟ لقد قالَ ليسوع... لقد قال: "يَا مُعَلِّمُ، رَأَيْنَا وَاحِدًا يُخْرِجُ شَيَاطِينَ بِاسْمِكَ وَهُوَ لَيْسَ يَتْبَعُنَا". فهو ليسَ عُضوًا في مَجموعتِنا. إنَّهُ ليسَ مِن مَجموعتِنا. "فَمَنَعْنَاهُ". فقد قلتُ لهُ: "اسمَع يا صَاح! لا تفعل ذلك. أنتَ لستَ مِن مَجموعتِنا". فقد كانَ مُتَشَدِّدًا لمَجموعتِه. بعبارة أخرى، لقد كانَ مُتعصِّبًا.
قبل بِضعة أسابيع، تَمَ تَقديمُ سِلسلة في مَدرسة في بَلَدِنا. وكانَ عُنوانُ السِّلسِلة هو: "بِدعة الماكآرثيَّة". فقد سَمِعتُ عنها وسألتُ شخصًا: "ما هي البِدعة؟" قال: "لقد سألوا المَصدَرَ المسؤول فقالوا إنَّكَ لستَ عُضوًا في مَجموعتهم. لِذا، لا بُدَّ أنَّكَ على خطأ". فهذه هي الخُلاصة. وهذه نَظرة غريبة. فقد كانَ ينبغي أن يَقرأوا إنجيل مَرقُس 9: 39 و40. فقد قالَ يوحنَّا: "يا رَبّ، لقد قلتُ لذلك الشَّخص أن يَصمُت لأنَّه لم يكن مِن مجموعتِنا". والآن، مَهلاً! هذا تَشَدُّد، وهذا تَعَصُّب، وهذا عَدَم تَسامُح شديد. ولكنَّ هذا هو يوحنَّا.
ولكن أتَعلمونَ شيئًا؟ لقد صارت تلك الصِّفة مَصدرَ قُوَّةٍ في شخصيَّته لأنَّه كانَ يَملِك أيضًا قدرةً هائلةً على المحبَّة. وإن أَريتُموني شخصًا يَملِك قدرةً هائلةً على المحبَّة، ولكنَّه لا يَعرفِ الحقَّ، ولا يَفهمُ الحُدودَ، ولا الإرشاداتِ، وليست لديه مبادئ قويَّة، سأريكم كارثةً اسمُها التَّسامُح والعاطِفة السَّاذَجة. لِذا، كانَ اللهُ يَعلَمُ أنَّ أعظمَ مَصدرٍ للحقِّ في العهدِ الجديد (مِن جِهة الكُتَّابِ البَشريِّين) فيما يَختصُّ بالمحبَّة ينبغي أن يكونَ أيضًا رَجُلاً قويًّا لا يُساوِم؛ وإلاَّ فإنَّ محبَّتَه ستَجعلُهُ يَسيرُ في دَربِ العاطِفةِ السَّاذَجة. وإن كانَ سيقولُ الحقَّ بمحبَّة، يجب أن يكونَ مُكرَّسًا للحَقِّ بقدرِ ما هو مُكَرِّس للمحبَّة. لِذا فإنَّكم تجدونَ شيئين بارِزَيْنِ في حياة يوحنَّا: الكلمة "مَحبَّة"، والكلمة "شَهادَة". فهو يَذكُرُ الكلمة "مَحبَّة" ثمانينَ مَرَّة. وَهُوَ يَستخدِمُ الكلمة "شَهادة" نحو سبعين مَرَّة بصيغةٍ أو بأخرى. فهو دائمًا الشَّاهِدُ على الحقِّ. وَهُوَ دائمًا المُعلِّمُ عن المحبَّة. لِذا فإنَّهُ الشَّخصُ الَّذي يُجَسِّدُ قَوْلَ الحقِّ بمحبَّة. ومِن الحسنِ جدًّا أنَّ مَحبَّتَهُ كانت مُنضَبِطَة بشهادَتِه، وبالحقِّ الَّذي يُنادي به. فقد كانَ باحثًا عن الحقِّ. فقد كانَ يريدُ أن يَعرفَ الحقَّ. وقد كانَ مُكتَشِفًا. وكانَ رُؤيويًّا. وقد كانَ أوَّلَ مَن عَرَفَ الرَّبَّ عند بُحيرة الجليل. وقد كان الشَّخصَ الَّذي أَعلنَ لهُ اللهُ المُستقبلَ في سِفْر الرُّؤيا. وقد كانَ الرَّائي وصاحِبَ الرُّؤيا، والباحث عن الحقّ. والسَّببُ الَّذي جَعَلَهُ يَتَّكِئ على صَدرِ يسوعَ هو ليسَ أنَّهُ كانَ عاطفيًّا بصورة مُنَفِّرة ومُقَزِّزَة، بل إنَّ السَّببَ في ذلك هو أنَّ قَلبَهُ كانَ جائعًا حرفيًّا إلى الحقِّ، وأنَّه كانَ يُحبُّ جدًّا المسيح. وقد أرادَ أن يَجمعَ كلَّ كلمة خَرَجَت مِن فَمِ الرَّبِّ وأن يَتَنَعَّمَ بمحبَّته.
لِذا فقد صارَ مُحبًّا؛ ولكنَّهُ شخصٌ مُحبٌّ تَتَّسِمُ مَحبَّتُهُ بأنَّها مُنْضَبِطَة بالحقّ. وقد وُلِدَ ذلك الانضباط مِن تلك الحماسة الهائلة الَّتي كانت موجودة في شخصيَّته، وذلك الشَّغف، وتلك القوَّة، وتلك الشخصيَّة النَّاريَّة. وفي حال أنَّكم لا تَعتقدونَ أنَّه كان كذلك، حاولوا أن تَقرأوا رسالة يوحنَّا الأولى والثَّانية والثَّالثة لتروا كيف أنَّهُ يَدحَضُ أضدادَ المسيح والأشخاصَ الموجودينَ في الكنيسة بهدفِ التَّحريفِ والتَّضليل. فهو جازِمٌ. وهو قويٌّ. واقرأوا إنجيل يوحنَّا لتروا كيف أنَّه يُفَرِّق بينَ أبناءِ اللهِ وأبناءِ إبليس؛ أي بينَ المَفدِيِّينَ والضَّالين، وكيفَ يتحدَّث عن دَينونةِ الأبرارِ والأشرار. فهو يَعرفُ أينَ رُسِمَت الخُطوط. ومحبَّتُهُ لم تكن يومًا عاطفَةً ساذَجَة.
بل إنَّه كانَ يَتَّصِفُ بالمحبَّة. ولكنَّكم لا تَقرأونَ عنهُ الكثيرَ في الأناجيل الأخرى إلاَّ إن كانَ مع يعقوب (كما بَيَّنتُ لكم) أو في مَجموعته. ولكنَّهُ يَظهر بوضوح في إنجيلِه. وهو يَظهر في إنجيلِه مَرَّاتٍ عديدةً ودائمًا بالطَّريقةِ نفسِها. كيف؟ اسمعوا: إنجيل يوحنَّا 13: 23: "وَكَانَ مُتَّكِئًا فِي حِضْنِ يَسُوعَ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ"... الَّذي كانَ يَسوعُ يُحبُّهُ. والتِّلميذُ الَّذي كانَ يسوعُ يُحِبُّهُ هو يوحنَّا. وهو لا يَذكُرِ اسمَهُ، بل يُسَمِّي نَفسَهُ "التِّلميذ الَّذي كانَ يسوعُ يُحِبُّهُ". والآن اسمعوا: لقد كانَ هذا التِّلميذُ يَملِكُ قلبًا مُحبًّا. والشَّخصُ الَّذي يَملِكُ قلبًا مُحبًّا يَفهمُ المحبَّة ولديه قُدرة هائلة على تقديمِ المحبَّة وأخذها. فالأشخاصُ القادرونَ على أن يُحِبُّوا كثيرًا يُمكنهم أن يُحَبُّوا كثيرًا لأنَّهم يَفهمونَ ذلك. وقد حَصَلَ يوحنَّا حَرفيًّا على محبَّة المسيح وأعطى مَحبَّةَ المسيح. لِذا فإنَّه يُسَمِّي نَفسَهُ "التِّلميذ الَّذي كانَ يسوعُ يُحِبُّهُ". فهذا هو الاسمُ الوحيدُ الَّذي يُطلِقُهُ على نفسِه.
وفي الأصحاح التَّاسع عشر والعدد 26، يَظهَرُ مَرَّةً أخرى: "فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ أُمَّهُ، وَالتِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ وَاقِفًا". إنَّهُ نفسُ التِّلميذِ الَّذي كانَ يسوعُ يُحبُّه. ونَقرأُ في الأصحاحِ العِشرين والعددِ الثَّاني: "فَرَكَضَتْ وَجَاءَتْ إِلَى سِمْعَانَ بُطْرُسَ...". والحديثُ هُنا هو عن مَريم المَجدليَّة "...وَإِلَى التِّلْمِيذِ الآخَرِ الَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ". ونَقرأُ في الأصحاحِ الحادي والعِشرين والعدد السَّابع الشَّيءَ نَفسَهُ: "فَقَالَ ذلِكَ التِّلْمِيذُ الَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ لِبُطْرُسَ". وفي العدد 20: "فَالْتَفَتَ بُطْرُسُ وَنَظَرَ التِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ". وفي العدد 24: "هذَا هُوَ التِّلْمِيذُ الَّذِي يَشْهَدُ بِهذَا". إنَّ التِّلميذَ الَّذي أحبَّهُ يسوعُ هو الَّذي كَتَبَ إنجيل يوحنَّا. فهذا هو ما يَقولُه. فقد كانَ مُندهشًا جدًّا مِن حقيقةِ أنَّ يسوعَ يُحبُّه. وهي ليست عاطفة مُفْرِطَة. فهو لم يَقُل: "أنا شخصٌ رائعٌ جدًّا، والرَّبُّ يُحبُّني كثيرًا جدًّا. أريدُ منكم وحَسْب أن تَعلموا أنَّني التِّلميذُ الَّذي كانَ يسوعُ يُحبُّه". لا، لا، لا! بل إنَّ العكسَ هو الصَّحيح. "أنا الَّذي أردتُ أن أحرِقَ أهلَ السَّامرة. وأنا الَّذي أردتُ مِن يسوعَ أن يُعطيني المكانَ الَّذي لم أكن أستحقُّه. أنا الشَّخصُ الَّذي يُحبُّه". فهو يُعَبِّرُ عن فَرَحِهِ بالنِّعمة.
لم يُضطرّ يسوعُ إلى سؤالِ يوحنَّا إن كانَ يُحبُّه، ولكنَّهُ اضطُرَّ إلى تَوجيهِ ذلك السُّؤال إلى بُطرس. ويسوعُ لم يَطلُب مِن يوحنَّا يومًا أن يَتبعَهُ، ولكنَّهُ طَلبَ مِن بُطرس ذلك. وعندما حانَ وقتُ تَوزيعِ الأعمال، قالَ لبُطرس: "أطعِم خِرافي". وقد قالَ ليوحنَّا: "اعْتَنِ بأُمِّي". فقد كانَ يوجد شيءٌ مُميَّز في يوحنَّا. ويُخبرُنا التَّقليدُ أنَّ يوحنَّا لم يَترك قَطّ مدينةَ أورُشليم إلاَّ بعدَ أن ماتت مَريمُ أُمُّ يسوعَ لأنَّه حَفِظَ عَهْدَهُ للرَّبّ.
لِذا فقد كانَ يوحنَّا ابنَ الرَّعد، ولكنَّهُ كانَ رَجُلاً رقيقًا ومُحبًّا لم يُساوِم يومًا على مُعتقداتِه. وقد عَلَّمَ عنِ المحبَّة. ويُمكنكم أن تُلخِّصوا لاهوتَ يوحنَّا عن المحبَّة في عشرِ جُمَل. فقد عَلَّمَ أنَّ اللهَ هو إلهُ المحبَّة. وقد عَلَّمَ أنَّ اللهَ أَحَبَّ ابنَهُ، وأنَّ اللهَ أحبَّ التَّلاميذ، وأنَّ اللهَ أحبَّ كلَّ البشر، وأنَّ اللهَ تَلقَّى المحبَّة مِن المسيح، وأنَّ المسيحَ أحبَّ التَّلاميذَ جميعًا، وأنَّ المسيحَ أحبَّ الأفرادَ، وأنَّ المسيحَ تَوقَّعَ مِن جميعِ البشر أن يُحبُّوه، وأنَّ المسيحَ عَلَّمَ أنَّه ينبغي لنا جميعًا أن يُحبَّ بعضُنا بعضًا، وأنَّ المسيحَ أكَّدَ على أنَّ المحبَّة هي تَتميمُ النَّاموسِ كُلِّه. وهذه الأفكار موجودة في كلِّ كِتاباتِه.
ويُمكنكم أيضًا أن تَرَوا الكلمة "حَقّ" في كِتاباتِهِ أيضًا. ويُمكنكم أن تَسمعوا الكلمة "يَشهَد" المرَّة تِلو المرَّة تِلو المرَّة إذ إنَّه يؤكِّدُ الشَّاهِدَ على الحقِّ المرَّة تلو الأخرى تلو الأخرى. فَهُوَ يتحدَّث عن شَهادةِ يوحنَّا المعمدان، وشَهادة الكتاب المقدَّس، وشَهادة الآب، وشَهادة المسيح، وشَهادة المُعجزات، وشَهادة الرُّوح القُدُس، وشَهادة الرُّسُل. وَهُوَ يقولُ الحقَّ دائمًا، ويَقولُ الحقَّ بمحبَّة. لِذا فإنَّ اللهَ يَستخدِمُ ذلك النَّوع مِن الأشخاص؛ أي الشَّخص الَّذي يُحبُّ كثيرًا. فهناك أشخاصٌ يُشبهونَ يعقوب إذ إنَّهم يعيشونَ حياتَهُم بشغفٍ وحماسةٍ وحرارةٍ ونارٍ إذ إنَّ هُناكَ شَرَرًا يَتطايَرُ في كلِّ مكان. وهناك أشخاصٌ يُشبهونَ يوحنَّا إذ إنَّهم يستطيعونَ أن يقولوا الحقَّ بمحبَّة. وَهؤلاءِ يَبقَوْنَ ويَجذبونَ أُناسًا للمسيح. واللهُ يَستخدِمُ كلَّ الأنواع. وَهُوَ مُحِبٌّ مُلْتَهِبٌ كانت مَحبَّتُهُ تَكريسًا شَغوفًا بالحقّ. وقد عاشَ إلى أن صارَ عَجوزًا، ولكنَّهُ كانَ دائمًا ابنَ الرَّعد.
واسمَحوا لي أن أَختِمَ بهذه الفكرة: إذًا، ما نوعُ الأشخاص الَّذي يَستخدِمُهم اللهُ؟ ما نوعُ الأشخاصِ الَّذينَ يَجذبهم إلى علاقةٍ حميمةٍ به؟ ومَن هُم أولئكَ القدِّيسون؟ وما المُقوِّماتُ الَّتي ينبغي أن تَتوافَرَ لديكَ لكي تكونَ مُقرَّبًا حقًّا مِن يسوع؟ فَكِّروا في هذا الآن: عندما جاءَ اللهُ إلى العالَم ومَشى في هذا العالَم... أيِ اللهُ إلَهُ الكَون... اللهُ الحَيُّ، والأبديُّ، والقَديرُ، والقُدُّوسُ... عندما مَشى في هذا العالَم، اختارَ أربعة أشخاصٍ ليَكونوا مُقرَّبينَ منه... أربعة رِجال ليَكونوا مُقرَّبينَ مِنه... أربعة رِجال ليكونوا أصدقاءَهُ الحَميمين: الأوَّلُ ديناميكيًّا وقويًّا وجَسورًا وقائدًا مِثل بُطرس الَّذي تَولَّى زِمامَ القيادة، وكانَ صاحبَ المُبادرة، وكانَ يُخَطِّط ويَضعُ الاستراتيجيَّات، ويُواجِه، ويأمُرُ النَّاسَ أن يأتوا إلى المسيح. وقد كانَ في أغلبِ الأحيان يُفسِد الأمور. وقد اختارَ الرَّبُّ شخصًا آخر كانَ مُتواضعًا، ورقيقًا، ويَعملُ في الخفاء وَهُوَ أندَراوُس الَّذي لم يَكُن يَرى الجُموعَ، بل كانَ يَرى الأفرادَ في الجُموع. وفي حين أنَّه لم يَجتذب يومًا جَمْعًا، فإنَّه استمرَّ في إحضارِ النَّاسِ إلى يسوع. ثُمَّ إنَّ الرَّبَّ اختارَ رَجُلاً كانَ غَيورًا، وشَغوفًا، وغيرَ مُساوِمٍ، وغيرَ مُرهَفَ الحِسِّ بادئَ الأمر، وطَموحًا، ويستطيعُ أن يَرى الهدفَ وأن يَسعى إليه بكلِّ قُدرته وأن يَموتَ في سبيلِ تحقيقه وَهُوَ: يَعقوب. وقد كانَ هناك رَجُلٌ مُرهَفُ الحِسِّ، ومُحبٌّ، ومُؤمِنٌ، وحَميمٌ هو: يوحنَّا. وَهُوَ باحِثٌ عنِ الحقِّ بِكُلِّ ما تَحمِلُهُ الكلمةُ مِن مَعنى، ويَقولُ الحقَّ بمحبَّة حَتَّى إنَّهُ اجتذبَ النَّاسَ إليه.
وقد جَعلَ الرَّبُّ هؤلاءِ الرِّجال صَّيَّادي النَّاسِ بالرَّغم مِن شخصيَّاتهم. وقد صُلِبَ بُطرس في النِّهاية في وَضعيَّة مَعكوسة بناءً على طَلَبِه دونَ أن يَتزعزعَ عن إيمانِهِ بالمسيح. ويُخبرُنا التَّقليدُ أنَّ أندَراوس حَظِيَ بامتيازِ أن يَكرِزَ بالإنجيل في مُقاطعةٍ فقَبِلَت زوجةُ الحاكِمِ يسوعَ المسيح مُخلِّصًا لحياتِها، وأنَّ الحاكِمَ غَضِبَ جدًّا حتَّى إنَّه طَلَبَ مِن زوجتِه أن تُنكِرَ المسيح. وعندما لم تَقبَل، صَلَبَ أندَراوس. ويقولُ التَّقليدُ إنَّهُ صَلَبَهُ على صَليبٍ على شكلِ الحرف (X) باللُّغةِ الإنجليزيَّة. لِذا فإنَّ الحَرفَ (X) يَرمِز إلى أندَراوُس، فقد كانَ ذلكَ الصَّليبُ على شكل الحرف (X). ويُخبرُنا التَّقليدُ أنَّ أندَراوُس بَقِيَ على الصَّليبِ يَومَيْن. وبينما هو مَصلوبٌ حَيًّا مُدَّةَ يَومَين، كانَ يَكرِزُ دونَ توقُّف بإنجيلِ المسيح بالرَّغمِ مِن آلامِه الشَّديدة. فقد كانَ ما يزال يُحاول أن يَأتي بالنَّاس إلى يسوع. ويُخبرنا التَّقليدُ أنَّهُ عندما كانَ يعقوبُ في طريقه إلى الإعدامِ عن طَريقِ قَطعِ رأسِهِ بسيفٍ رُومانيٍّ، كانَ هناكَ حَارِسٌ يَحرُسُه. وقد أُعجِبَ الحارِسٌ جدًّا بشجاعته وإصرارِه وحماستِه حتَّى إنَّه تابَ عن خطيئته وجَثا عندَ قَدميِّ الرَّسول وطلبَ من الرَّسول أن يُسامحهُ على إساءةِ مُعاملتِهِ له. حينئذٍ، رَفَعَ يعقوبُ الرَّجُلَ، وعانَقَهُ، وقَبَّلَهُ، وقالَ له: "سلامٌ يا ابني! سلامُ لكَ وغُفرانٌ على خطاياك". ويقولُ التَّقليدُ إنَّهُ في الحال، اعترفَ ذلك الضَّابِطُ عَلَنًا وسَلَّمَ حياتَهُ للمسيح، وأنَّهُم قَطعوا رأسَهُ معَ يَعقوب. أمَّا يوحنَّا فنُفِيَ إلى جَزيرةِ بَطْمُس بعدَ حياةٍ طويلة، وماتَ في نحوِ سنة 98 ميلاديَّة خلالَ عهدِ "تراجان" (Trajan). والأشخاصُ الَّذينَ عَرفوهُ جيِّدًا كانوا يُردِّدونَ دائمًا عِبارةً تُذكِّرُهم بيوحنَّا. وهذه هي العِبارة: "يا أولادي، أحبُّوا بَعضُكُم بعضًا". يا لها مِن مَجموعة! إنَّهم أشخاصٌ عاديُّونَ، ولديهم مشاكل كثيرة، ولديهم جوانبُ قُوَّة وجوانبُ ضُعف بشريَّة على غِرارِنا نحن. ومع ذلك فقد عَمِلَت قُدرةُ المسيحِ على تَغييرِهم.
ما نَوعُ الأشخاصِ الَّذينَ يَستخدِمُهم اللهُ؟ إنَّهُ يَستخدِمُ أيَّ نوع. اسمَعوا هذا الآن: إنَّ الأمرَ لا يتوقَّف على مَن أنت، بل يتوقَّفُ على مَن ستصير. فهذه هي النُّقطةُ الجوهريَّة. أتَرَون؟ فصَيَّادو الجَليل صاروا صَيَّادي النَّاسِ على نِطاقٍ واسعٍ جدًّا. وبمعونةِ اللهِ، خَلَّصُوا نُفوسًا كثيرةً واجتذبوها إلى الكنيسة. وإن جازَ القول، فإنَّهُم ما زالوا يَطرحونَ شِباكَ الصَّيدِ في بحرِ العالَم. ومِن خلالِ شَهادَتِهم عن يسوعَ في الأناجيل، فإنَّهم يَأتونَ بالجُموعِ ليصيروا تلاميذَ لَهُ ويَنضمُّوا إلى أتباعِهِ الأوائل الَّذينَ أُعطوا ذلكَ الامتيازَ العظيمَ بأن يكونوا تلاميذَهُ الأوائل. اسمعوني: يَستطيعُ المسيحُ أن يأخُذَ أُناسًا عاديِّينَ جدًّا وأن يَجعلَهُم رُسُلاً غيرَ عاديِّين. فهل أنتَ مُستعدٌّ لذلك؟ دَعونا نُصَلِّي:
نَشكُرُكَ يا أبانا على هذه اللَّمحة السَّريعة عن هؤلاءِ الرِّجال الأعزَّاء: بُطرس، وأندَراوُس، ويَعقوب، ويوحنَّا. يا لهم مِن مَجموعة مُميَّزة؛ لا مِن جِهَةِ الصُّورةِ الَّتي كانوا عليها، بل مِن جِهةِ استعدادِهم لأن يصيروا. ونحنُ نَرى أنفسَنا فيهم. وهذا يُعطينا رَجاءً بأنَّكَ تستطيعُ أن تَجعلنا ما تُريدُ مِنَّا أن نكون، وأن تَستخدِمَنا. ونحنُ نُصلِّي يا رَبّ أن نكونَ مُتاحينَ للتَّلمذة. باسمِ المسيح ولأجلِ مَجدِه. آمين!

This article is also available and sold as a booklet.