Grace to You Resources
Grace to You - Resource

افتَحوا كِتابَكُم المُقدَّسَ مِن فَضلِكُم على إنجيل مَتَّى والأصحاح الثَّالث عشر. ونحنُ نَعودُ مَرَّةً أخرى إلى أمثالِ رَبِّنا عن مَلكوتِ السَّماواتِ إذْ نُكمِلُ دراستَنا لإنجيل مَتَّى. إنجيل مَتَّى والأصحاح 13. سوفَ أقرأُ الآياتِ مِن 31 إلى 33 في البداية. وهذا المَقطعُ يَضُمُّ مَثَلَيْن.

ويجب أن يُفهَمَ هذانِ المَثَلان مَعًا معَ أنَّنا سنَصرِفُ وقتَنا اليومَ في دراسةِ المَثَلِ الأوَّل، على أن نَدرسَ المَثَلَ الثَّاني في الأسبوعِ الثَّاني. وسوفَ يُساعِدُنا أن نَنظُرَ إليهما معًا على الأقلِّ كنَظرةٍ عامَّة. إذًا، نَبتدئُ بالقراءةِ مِن إنجيل مَتَّى 13: 31:

"قَدَّمَ لَهُمْ مَثَلاً آخَرَ قَائِلاً: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ حَبَّةَ خَرْدَل أَخَذَهَا إِنْسَانٌ وَزَرَعَهَا فِي حَقْلِهِ، وَهِيَ أَصْغَرُ جَمِيعِ الْبُزُورِ. وَلكِنْ مَتَى نَمَتْ فَهِيَ أَكْبَرُ الْبُقُولِ، وَتَصِيرُ شَجَرَةً، حَتَّى إِنَّ طُيُورَ السَّمَاءِ تَأتِي وَتَتَآوَى فِي أَغْصَانِهَا». قَالَ لَهُمْ مَثَلاً آخَرَ: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ خَمِيرَةً أَخَذَتْهَا امْرَأَةٌ وَخَبَّأَتْهَا فِي ثَلاَثَةِ أَكْيَالِ دَقِيق حَتَّى اخْتَمَرَ الْجَمِيعُ»".

الأشياءُ الصَّغيرةُ قد تَترُكُ في النِّهايةِ تأثيرًا كبيرًا جدًّا. فكُلُّ المَعزوفاتِ الموسيقيَّةِ، وكُلُّ السِّمفونيَّاتِ، والقِطَعِ المُوسيقيَّة، والألحانِ، والتَّراتيلِ، والتَّرانيم - كُلُّ المُوسيقا تأتي في الأصل مِن ثماني نَغَمات. وكُلُّ الكلماتِ الجَزيلةِ الَّتي قيلت أو كُتِبَت يومًا في اللُّغةِ الإنجليزيَّةِ تأتي مِن سِتٍّ وعشرينَ حَرفًا. إنَّها بداياتٌ صَغيرةٌ، ولكنَّ نتائجَها عميقة وكبيرة جدًّا.

ويُقدِّمُ لنا "لورد كيلفن" (Lord Kelvin) نَظرةً مُدهشةً عن ذلك مِن خلالِ تَجربةٍ قامَ بها ذاتَ مَرَّة. فقد عَلَّقَ قِطعةً كبيرةً مِنَ الفولاذ تَزِنُ أرطالاً كثيرةً جدًّا. وقد كانت مُعَلَّقةً هناكَ في مُختبرِهِ لإثباتِ نُقطةٍ مُعيَّنة. وقد راحَ يَلُفُّ قطعًا صغيرةً مِنَ الورقِ بحجمِ حَبَّةِ البازيلاء ويُلقيها تِباعًا على قطعةِ الفولاذ. في البداية، لم يَكُن لتلك الكُراتِ الوَرقيَّة أيُّ تأثيرٍ على الإطلاق. ولكن في النِّهاية، راحت قطعةُ الحديدِ تَتحرَّكُ ذهابًا وإيابًا، وإلى الأمامِ والخَلف بسببِ الارتطامِ المُستمرِّ لتلكَ الكُراتِ الوَرقيَّة. فالأشياءُ الصَّغيرةُ تَترُك تأثيرًا عميقًا.

وهذا هو حَقًّا الدَّرسُ مِن هَذينِ المَثَلَيْن. فإن فَهِمتُم ذلك ستَفهمونَ ما يُعَلِّمُهُ هَذانِ المَثَلان. والآن، اسمَحوا لي أن أُقَدِّمَ لكم خَلفيَّةً صغيرةً لكي تَشعروا بنفسِ المشاعرِ الَّتي شَعَرَ بها التَّلاميذُ عندما كانَ يسوعُ يُعَلِّمُهم. فقد كانَ التَّلاميذُ بصورةٍ رئيسيَّةٍ يُؤمنونَ بأنَّ يسوعَ هو المَسيَّا أوِ المَلِك. فالكلمة "مَسِيَّا" تَعني: "المَمسوح"؛ وهي تُشيرُ إلى المَلِك. وكانوا يؤمنونَ بأنَّهُ مِن نَسلِ داود، وبأنَّهُ المَلِكُ المَوعودُ بِهِ والَّذي سيُؤسِّسُ المَملكة.

وبالنِّسبةِ إليهم، كانتِ المَملكةُ ذاتِ سِماتٍ مُحَدَّدة جدًّا. فهي ستُؤسَّسُ بمجد. وهي ستُؤسَّسُ بقوَّة. وسوفَ تَحدُثُ أمورٌ وظروفٌ كثيرة. وسوفَ تَحدُثُ أحداثٌ عظيمةٌ وضَخمة. وسوفَ تَتِمُّ مُعاقبةً فاعِلي الشَّرّ. فقد كانَ التَّلاميذُ يَترقَّبونَ حَدَثًا عظيمًا مَصحوبًا بالمُوسيقا، والخُيولِ، والانتصارِ، والأمورِ المُدهشةِ، والمَجدِ، والعَرضِ العَظيمِ، والدِّعايَة.

فقد كانوا يَترقَّبونَ في الحقيقةِ عَرضًا مَهيبًا للقوَّةِ والمجدِ والجَلالِ والعَظمةِ عندما يُؤسِّسُ المَسيحُ مَلكوتَهُ. ولكنَّ ذلكَ لم يَحدُث بتلك الطَّريقة. لِذا فقد كانوا يَسألونَ أنفسَهُم دائمًا: "هل هذا هو المَسيَّا؟" فقد كانوا يُلاقونَ صُعوبةً في تَصديقِ ذلكَ طَوالَ الوقت. وقد قالَ لهم المرَّة تِلو الأخرى إنَّهُ هو؛ ولكنَّهم استمرُّوا في الشَّكِّ في ذلك. وطَوالَ الوقتِ حتَّى سِفْرِ أعمالِ الرُّسُل، كانوا ما زالوا يَسألون: "هل في هذا الوقتِ سَتُؤسِّسُ المَملكة؟"

وما أعنيه هو أنَّهم لم يَكونوا يَفهمونَ تمامًا ما يَحدُثُ لأنَّ تَوقُّعاتِهم كانت مُختلفة جدًّا عمَّا كانوا يَرَونَهُ. فقد كانوا يَظُنُّونَ بسببِ قراءتِهم لسفر حِزقيالِ والأسفارِ النَّبويَّةِ الأخرى، كانوا يَظُنُّونَ أنَّهُ عندما يأتي الرَّبُّ فإنَّ كُلَّ المُتمرِّدينَ، وكُلَّ الرَّافضينَ، وكُلَّ الأشخاصِ الَّذينَ أَداروا ظُهورَهُم للهِ سيَتلاشَوْنَ مِنَ الوجودِ بسببِ غَضبِ اللهِ الشَّديد ثُمَّ سيأتي المَلكوت.

ولكنَّ الرَّافضينَ استمرُّوا في تَصعيدِ رَفضِهم أكثر فأكثر، وصاروا أكثرَ عَداوةً وعُنفًا ومُجاهرةً ومُواجَهَةً. ولكِن عِوَضًا عن أن يَتحدَّثَ يسوعُ عَمَّا سيَفعلُهُ بهم، راحَ يَتحدَّثُ عَمَّا سيَفعلُونَهُ بِهِ. وعِوَضًا عن أن يَقولَ إنَّهُ سيُهلِكُهم، راحَ يَقولُ: "سوفَ يَقتلونَني". وقد لاقَى التَّلاميذُ صُعوبةً بالغةً في قَبولِ ذلك.

لِذا، حتَّى عندما قالَ لهم يسوعُ: "يجب أن أموت"، رَدُّوا بِعُنفٍ (كما فَعلَ بُطرس): "يا رَبُّ، لا تَسمَح بحدوثِ ذلك". لا يُمكنُ لهذا أن يَحدُث. وفي اليومِ الَّذي فَرَشَ النَّاسُ فيهِ سُعوفَ النَّخلِ عندَ قَدَميِّ الرَّبِّ، ودَخَلَ مَدينةَ أورشليم، وراحَ النَّاسُ يَصرخونَ: "أُوصَنَّا لابنِ داود"، وبَدَا أنَّ تلكَ هي اللَّحظةُ المُناسبة، وكانَ دَمُ التَّلاميذِ يَضُخُّ سريعًا في عُروقِهم، وكانت قُلوبُهُم تَنبُضُ بقوَّة، وتَرَقُّبُهُم يَزداد، وعندما بَلَغَ الأمرُ ذُروتَهُ قالَ يسوع: "إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا". وقد ابتدأَ يَتحدَّثُ عن مَوتِهِ مَرَّةً أخرى. وكما تَرَوْن، لقد كانوا يَنتظرونَ مَملكةَ مَجْدٍ، ومَملكةَ سُلطانٍ، ومَملكةَ جَلالٍ، ومَملكةً تَفْتِنُ المَسكونَة، ومَملكةً يَهلِكُ فيها غيرُ المؤمنينَ والرَّافضونَ حالاً ويَزولون. ولكنَّ ذلكَ لم يَحدُث. لِذا فإنَّ يَسوعَ يُطلِعُهم على السَّببَ في إنجيل مَتَّى والأصحاح 13.

فهو يقول: "قبلَ أن يَحدُثَ ذلك، هذا هو شَكلُ المَلكوتِ الموجودِ الآن والَّذي ينبغي أن تَفهموه لِئَلاَّ تَتَشَوَّشوا". وهو يُسَمِّيهِ الشَّكلُ السِّرِّيُّ في العدد 11. وهذا يَعني أنَّهُ شيءٌ ليسَ واضحًا في العهدِ القديم. فهو لم يُذكَر بصورةٍ واضحةٍ يُمكنكم أن تَفهموها.

فقد كانَ مَحجوبًا. والآن، سوفَ أكشِفُ ذلكَ لكم. فهذا شَكلٌ للمَلكوتِ لا يُمكنكم يومًا أن تَفهموه. لِذا فإنَّهُ يُقَدِّمُ لهم سبعةَ أمثالٍ تَشرحُ لهم المَلكوتَ في شَكلِهِ السِّرِّيِّ قبلَ أن يأتي المُلْكُ الألفيُّ بمَجدِهِ الَّذي كانوا يَترقَّبونَهُ.

وأوَّلُ مَثَلٍ يُقدِّمُهُ لهم هو عن أربعةِ أنواعٍ مِنَ التُّربة. ثلاثةٌ منها لا تَقبلُ رسالةَ المَلِك. وهذا يُخبرهم أنَّ هذا الشَّكلَ للملكوتِ سيَتعرَّضُ للرَّفض. والآن، نحنُ ما زِلنا نَعيشُ في هذا الشَّكلِ الَّذي يَسبِقُ ذلكَ المُلكَ الألفيَّ المَجيد. وهذا أمرٌ يُمكنُنا أن نُدركَهُ. أليسَ كذلك؟ فالحقيقةُ هي أنَّ أغلبيَّةَ العالَمِ يَرفُض. فأغلبيَّةُ العالَمِ يَنتمي إلى التُّربةِ الصُّلبةِ الَّتي لا تَقبَل حتَّى الرِّسالة، أو تَنتمي إلى التُّربةِ المُحجِرَةِ الَّتي تَقبلُ الرِّسالةَ وقتًا قصيرًا ثُمَّ تَذبُل، أو تَنتمي إلى التُّربةِ المُمتلئة بالأعشابِ الضَّارَّةِ الَّتي تَخنُقُها في نِهايةِ المَطافِ بسببِ مَحبَّةِ هذا العالَمِ وهُمومِ هذا الدَّهر.

فأغلبيَّةُ العالمِ يَرفُض. لِذا فإنَّ الرَّبَّ يقول: "في هذا الشَّكلِ مِنَ المَلكوت، سأبقى المَلِكَ، وسأبقى السَّيِّدَ على الأرض، وسأبقى الحاكِمَ؛ ولكنِّي أسمَحُ بالرَّفض". ولا شَكَّ في أنَّ السُّؤالَ المُباشرَ الَّذي خَطَرَ بِبالِ التَّلاميذ هو: "ما الَّذي سيَحدُثُ للرَّافضين؟ كيفَ سنُعامِلُ الرَّافضين؟ وما أعنيه هو: إن كانَ هذا هو المَلكوت، وكُنَّا نحنُ رَعايا المَلِك، ألسنا أَهَمُّ النَّاسِ في العالم وينبغي أن نَحظى بإكرامِ وتَمجيدِ المَلِك؟ لِذا، كيفَ سنُعالِجُ أمرَ هؤلاءِ الرَّافضين؟"

وكما تَرَوْنَ، لقد كانوا يُفَكِّرونَ كَيفَ سيحدثُ هذا في الحياةِ البشريَّة. فإن كانَ هُناكَ مَلِكٌ يَملِكُ عليكم، وكُنتُم رَعايا خاضِعينَ للمَلِك، وكانت هُناكَ زُمرةٌ مِنَ الثُّوَّارِ والرَّافضينِ والمُتمرِّدينَ في المُجتمَع، يجب عليكم أن تَقضوا عليهم. أليسَ كذلك؟ لِذا فقد كانوا يَقولون: "ما الَّذي سنَفعَلُهُ بهؤلاءِ الرَّافضينَ المُجَدِّفين؟" لِذا فقد قَدَّمَ لهُمُ الرَّبُّ مَثَلاً آخر. فهو يَقول: الحِنطةُ والزَّوانُ [أي مُواطِنو المَلكوتِ والرَّافضونَ] سيَنموانِ معًا إلى [مَتى؟] إلى وقتِ الدَّينونة".

وما يَقولُهُ هو: لا يَقتضي عَمَلُكم أن تَكونوا الجَلاَّدين. فهذا هو عَمَلُ الملائكةِ عندَما يَحينُ وقتُ الدَّينونة. أمَّا عَمَلُكُم أنتُم فيَقتضي منكم أن تَظَلُّوا الحِنطةَ في وَسْطِ العالَمِ لكي تُؤثِّروا في الزُّؤانِ أوِ الزَّوانِ الَّذي مِن حَولِكُم. فلا يَجوزُ لكم أن تَكونوا الجَلاَّدين، ولا يَجوزُ لكم أن تُنَفِّذوا الدَّينونة، ولا يَجوزُ لكم أن تَقلعوهم مِنَ الأرضِ لأنَّكم لا تَعلمونَ ماذا تَفعلون. فقد تَقتلونَ عَددًا مِنَ المؤمنينَ في أثناءِ قِيامِكُم بذلك وتَدَعونَ أُناسًا مِن غيرِ المؤمنينَ يَنْجونَ لأنَّكُم لا تَقدرونَ أن تَرَوْا القَلب. لِذا فإنَّ عَمَلَكُم هو ليسَ الدَّينونة، بل إنَّ عَمَلَكُم هو الكِرازَة. فسوفَ يَنموانِ معًا إلى النِّهاية.

والآن، ما هو في رأيِكُم السُّؤال التَّالي الَّذي سيَطرحونَهُ؟ سوفَ يُفَكِّرونَ... أنا أَعلمُ أنَّ هذا هو ما سيُفَكِّرونَ فيه: "هل هذا هو المَلكوت؟ وها هُم جميعُ الأشخاصِ الرَّافِضين. وقد كانوا موجودينَ في كُلِّ مكانٍ لأنَّ مَثَلَ الزَّوانِ يقولُ إنَّ الزَّوانَ زُرِعَ في كُلِّ الحَقْل. والشَّيطانُ يَملِكُ سُلطانًا هائلاً وقوَّةً هائلةً، والشَّرُّ مُهيمِنُ جدًّا في تأثيره. فإن كانَ هذانِ سيَنموانِ معًا، ألن يَخنُقَ ذلكَ الحياةَ الموجودةَ في المَلكوت؟ ألن يَخنُقَ ذلكَ قُوَّةَ المسيحِ في العالَم؟"

لِذا فإنَّ الرَّبَّ يُقَدِّمُ لهم مَثَلَيْنِ آخَرَيْن. وقد كانَ مِنَ البَديهيِّ أن يُفكِّروا بتلك الطَّريقة. وما أعنيه هو أنَّهم كانوا يَنظرونَ بعضُهم إلى بعضِ ويقولون: "نحنُ الأشخاصُ الوحيدون. فنحنُ مَلكوتُ اللهِ في العالَم. وفُرصَتُنا ضَئيلةٌ جدًّا. ألن نَهلِكَ حَرفيًّا في وَسْطِ كُلِّ هذا الزَّوان؟" لِذا فإنَّهُ يُعَلِّمُهم هذينِ المَثَلَيْنِ اللَّذانِ يُظهرانِ أنَّهُ مِنَ البداياتِ الصَّغيرةِ جدًّا والَّتي لا قيمةَ لها، سيَنمو المَلكوتُ بالرَّغمِ مِنَ المُعارضةِ ويؤثِّرُ في النِّهايةِ في كُلِّ العالَمِ الشَّاسِع.

والمَثلانُ الأوَّلُ والثاني يَتحدَّثانِ عنِ الصِّراع. فَهُما يَتحدَّثانِ عنِ العَداوةِ بينَ الشَّرِّ والخَيرِ في المَلكوت. وَهُما يَتحدَّثانِ عنِ الحربِ بينَ الصَّوابِ والخطأ. ولكنَّ المَثلَيْنِ الثَّالث والرَّابع يَتحدَّثانِ عن نُصرةِ البِرّ. ففي النِّهاية، سوفَ تَملأُ حَبَّةُ الخَردلِ الأرضَ. والخَميرةُ القليلةُ تُخَمِّرُ العَجينَ كُلَّهُ.

فالشَّيءُ الَّذي ابتدأَ صغيرًا جدًّا انتهى بالتَّأثيرِ بقوَّة في كلِّ شيء. لِذا، نَنتقلُ الآنَ... انتبهوا إلى ما يَلي جيِّدًا... نَنتقلُ مِنَ المَثَلَيْنِ اللَّذَيْنِ يَصِفان طَبيعةَ المَلكوتِ الَّذي يَضُمُّ مُؤمنينَ وغيرَ مؤمنين (يَعيشانِ جنبًا إلى جَنب) إلى مَثَلَيْنِ يَصِفانِ قُوَّةَ المَلكوت. قُوَّةَ المَلكوت. فبالرَّغمِ مِن صِغَرِهِ فإنَّهُ سيَكتَسِحُ العالَم.

ويجب أن تَعلموا أنَّ هناكَ طريقةً أخرى للنَّظرِ إلى ذلك. وقد دُهِشْتُ مِن هذا الأمرِ عندما فَكَّرتُ في أمور كثيرة جدًّا تَختصُّ بهذهِ الأمثال. فالمَثَلُ الأوَّلُ الَّذي يَتحدَّثُ عن أنواعِ التُّربةِ يَتحدَّثُ بصورةٍ رئيسيَّةٍ عن عَرضِ المَلكوت. فالزَّرعُ يُزرَعُ في الحَقل. والحَقلُ هو ماذا؟ العالَم. فهو يُشيرُ إلى عَرْضِ المَلكوت. والمَثَلُ الثَّاني يَتحدَّثُ عن طُولِ المَلكوت. فهو سيَستمرُّ إلى وقتِ الحَصاد. والمَثَلُ الثَّالثُ (أي مَثَلُ حَبَّةِ الخَردل) يَتحدَّثُ عن ارتفاعِ المَلكوت. فهو يَتحدَّثُ عن مَداه. والمَثَلُ الرَّابِعُ (أي مَثَلُ الخَميرة) يَتحدَّثُ عن عُمقِ المَلكوتِ إذْ إنَّها مَخفِيَّة في العَجينةِ وتؤثِّرُ مِنَ الدَّاخِل.

لِذا فإنَّكُمْ تَرَوْنَ المَلكوتَ في عَرضِهِ، وطُولِهِ، وارتفاعِهِ، وعُمقِهِ. فالرَّبُّ يَصِفُهُ بِكُلِّ أبعادِه. وبعدَ أن يَفعلُ ذلكَ كُلَّهُ فإنَّهُ يَتحدَّثُ في المَثَلَيْنِ التَّالِيَيْنِ عن علاقةِ الملكوتِ الشَّخصيَّةِ بحياةِ المؤمن بعدَ أن وَصَفَ سِماتِهِ العامَّة. وهذا تَسلسُلٌ رائعٌ للفِكرة.

والرَّبُّ لا يَشرَحُ لنا هَذينِ المَثَلَيْن. ولكن لا تَستاؤوا. فالرَّبُّ أعطانا شخصًا يَشرَحُها لنا. مَن هو؟ الرُّوحُ القُدُس. لِذا فإنَّهُ لم يَخدعنا البتَّة. فقد شَرَحَها الرُّوحُ القُدُسُ للتَّلاميذ. فالكِتابُ المُقدَّسُ يُخبرُنا أنَّهُ شَرَحَ كُلَّ هذهِ الأمور لَهُم. وأمَّا بالنِّسبةِ إلينا فإنَّ الرُّوحَ القُدُسَ يَسكُنُ فينا. ولأنَّنا نَفهمُ اللهَ، ونَفهمُ فِكرَ اللهَ كما هو مُعلَنٌ في كلمةِ اللهِ، يُمكنُنا أن نُوَفِّقَ بينَ هذهِ الأمثالِ وخُطَّتِه.

والآن، لِنَنظُر إلى المَثَلِ الأوَّل في هذا الصَّباح. وأعتقدُ أنَّكم ستُدهَشونَ جدًّا مِن هذا المَثَلِ الأوَّل. فحبَّةُ الخَردلِ تَصِفُ القوَّةَ الخارجيَّةَ للملكوت: "قَدَّمَ لَهُمْ مَثَلاً آخَرَ قَائِلاً: يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ حَبَّةَ خَرْدَل أَخَذَهَا إِنْسَانٌ وَزَرَعَهَا فِي حَقْلِهِ".

والآن، نحنُ هُنا أمامَ إنسانٍ هو مَرَّةً أخرى: مُزارع. وهو سيَزرعُ زَرْعًا. وهو يَزرعُ حُبوبَ خَرْدَل. لماذا؟ لقد كانَت تلكَ النَّبْتَةُ تُستخدَمُ في أمورٍ كثيرة. فقد كانَ يُستَخلَصُ مِنها زَيتٌ. وبالمُناسبة، لقد كانَ زيتُها يُستخدَمُ في أمورٍ كثيرة أيضًا. وواحدٌ منها هو أنَّهُ كانَ يُستخدَمُ لأغراضِ طِبيَّة. وقد كانَ يُستخدَمُ أيضًا لإعطاءِ الطَّعامِ مَذاقًا شَهيًّا. وحتَّى اليوم، ما زالت حُبوبُ الخَردلِ سِلعةً قَيِّمَة. فهي قَيِّمة جدًّا. لِذا فقد كانوا يَزرعونَها كَما نَفعلُ حَتَّى يومِنا هذا.

والعددُ الثَّاني والثَّلاثونَ يَمضي في وَصْفِ المَوقِف إذْ يَقولُ إنَّ حَبَّةَ الخَردَلِ "هِيَ أَصْغَرُ جَمِيعِ البُزُور [أو أَصْغَرُ البُزُورِ جَميعًا]. وَلكِنْ مَتَى نَمَتْ فَهِيَ أَكْبَرُ الْبُقُولِ، وَتَصِيرُ شَجَرَةً، حَتَّى إِنَّ طُيُورَ السَّمَاءِ تَأتِي وَتَتَآوَى فِي أَغْصَانِهَا".

وبصورة رئيسيَّة، اسمَحوا لي وَحَسْب أن أُعطيكُم فكرةً بسيطةً عنِ النَّباتات لكي نُدركَ المَعنى المقصودَ هُنا. كانت بِزرةُ الخَردلِ تَنمو عادةً وتَصيرُ شَجرةً صَغيرةً أو "شُجيرةً" كَتِلكَ الشُّجيرات الَّتي تَنمو في الحَديقة. وقد كانت تَنمو عادةً إلى ارتفاعٍ يَصِلُ إلى نَحوِ مِترَيْن أو مِترين ونِصف. وهذه شُجيرة جَيِّدة الحَجم. وهي نَبتة جَيِّدة الحَجم. وسوفَ تُلاحظونَ أنَّها تَنتمي إلى عائلةِ الأعشاب "لاكانون" (lachanon) في اللُّغةِ اليونانيَّة. وسوفَ نَتحدَّثُ عن ذلكَ بعد قليل.

ولكِنَّها كانت تَنمو أحيانًا إلى ارتفاعِ ثلاثة أمتار ونِصف أو أربعة أمتار ونِصف. وهناكَ شَهاداتٌ مَكتوبةٌ لشُهودِ عِيانٍ في الشَّرق في هذا الجيلِ وفي أجيالٍ سابقةٍ قالوا إنَّهم شاهدوا شُجيراتٍ يَصِلُ ارتفاعُها إلى أربعةِ أمتارٍ ونِصف. وقد تَحدَّثَ أحدُ الكُتَّابِ عنها بأنَّها أعلى مِنَ الحِصانِ وراكِبِه. وقد كَتَبَ آخرُ وقالَ إنَّهُ باستطاعةِ الحِصانِ وراكِبِهِ أن يَعبُرا مِن تحتِ أغصانِ شُجيرةِ الخَردَل. فهي شُجيرة كبيرة.

وما يَقولُهُ الرَّبُّ هو أنَّهُ لا توجدُ أيَّة علاقة بينَ صِغَرِ حَبَّةِ الخَردلِ وضَخامَةِ النَّتيجةِ النِّهائيَّة. فها هي هذه البِزرةُ الصَّغيرةُ جدًّا تَنمو وتَصيرُ شُجيرةً كبيرةً نامية. فيمكنكم أن تَزرعوا حُبوبَ شَعيرٍ وتَحصلوا على نَبتةِ شَعيرٍ لا بأسَ في حَجمِها. ويُمكنكم أن تَزرعوا حُبوبَ قَمْحٍ أو ذُرةٍ وتَحصُلوا على نَباتٍ ذو حَجْمٍ لا بأسَ بِهِ. ولكن إن زَرعتُم هذه البِزرة ستَحصلونَ على شُجيرةٍ يِصِلُ ارتفاعُها إلى أربعةِ أمتارٍ ونِصف؛ وهي كبيرة حتَّى إنَّهُ يُمكنُ لحصانٍ وراكِبِهِ أن يَعبُرا مِن تَحتِ أغصانِها. فهذا هو ما قَصَدَهُ.

لِذا فإنَّ المَثَلَ ليسَ مُبالغةً، بل هو جُملةٌ كانت مَفهومَةً كما هي حالُ كُلِّ الأمثال. فالقصدُ مِنها هو ليسَ المُبالغة، بل إنَّ القَصدَ مِنها هو أنَّها حَقائقُ حَياتيَّة تُفهَمُ عادةً. والآن، اسمَحوا لي أن أَتعمَّقَ قليلاً في هذا الموقف. فيسوعُ يَقولُ في العددِ الثَّاني والثَّلاثين: "وَهِيَ أَصْغَرُ جَمِيعِ البُزُور".

وعندَ هذه النُّقطة، هُناكَ حَربٌ لاهوتيَّة تَشتعِل. فالنُّقَّادُ الَّذينَ يُريدونَ أن يُهاجِموا الكتابَ المقدَّسَ يَعترضونَ على تلك الجُملة. وإليكُم ما يَقولونَهُ: "هذا دَليلٌ على أنَّ الكتابَ المقدَّسَ ليسَ مَعصومًا مِنَ الخطأ لأنَّهُ مِنَ المَعلومِ لدى الجَميعِ أنَّ بِزرةَ الأوركيد (orchid) أو السَّحلبيَّة البَريَّة هي أصغرُ مِن بِزرةِ الخَردل. لِذا فإنَّ يسوعَ لم يَكُن يَعلمُ ذلك. وحيثُ إنَّهُ لا يَعلم فإنَّهُ ليسَ ماذا؟ الله". أو: "لقد كانَ يَعلمُ أنَّ النَّاسَ مُخطِئون، ولكنَّهُ شَجَّعَ جَهْلَهُم".

ثُمَّ إنَّ هُناكَ ما يُسَمُّونَهُ "المُواءَمَةُ الثَّقافيَّة" بِمَعنى أنَّ كاتِبَ الكتابِ المقدَّسِ قد لا يَقولُ أحيانًا الحقيقة، بل يقولُ ما يَظُنُّ النَّاسُ أنَّهُ صَحيح لكي يُتمكَّنَ مِن مُخاطبةِ عَقليَّتِهِم. وحالما تَقَعُ في ذلكَ الفَخِّ، حَظًّا طَيِّبًا لأنَّهُ مَن سَيَعرِفُ الصَّوابَ مِنَ الخطأ؟ ويَقولُ النُّقَّادُ: "كما تَرَوْنَ، فإنَّ يسوعَ على خطأ". والآن، إمَّا أن يكونَ يسوعُ على خطأ لأنَّهُ جاهلٌ، وإمَّا أن يكونَ على خطأ لأنَّهُ يُسايِرُ أولئكَ النَّاسَ في جَهلِهم. وفي كِلتا الحالتينِ فإنَّنا في مأزِق. أليسَ كذلك؟

وقد تقول: وما رأيُكَ أنتَ يا ماك آرثر؟" رأيي هو أنَّهُ على صَواب. وهل يُمكنُكَ أن تُثبِتَ ذلك؟ أعتقدُ ذلك. لاحِظوا في العدد 32 الكلمة "بُزور" ("لاكانون" – "lachanon"). فتلكَ الكلمة تُشيرُ إلى نباتاتِ الحديقةِ أو أعشابِ الحَديقةِ الَّتي تُزرَعُ مِن أجلِ أَكلِها. فهي تُستخدَمُ في الأصحاحِ الرَّابع عشر مِن رسالةِ رُومية بهذا المَعنى. وهي تُشيرُ إلى البُزورِ الَّتي تُزرعُ مِن أجلِ أكلِها؛ خِلافًا للنَّباتاتِ البَريَّة. فهذه نباتاتٌ تُزرَعٌ عن قَصد. لِذا فإنَّ هذه البِزرة هي بِزرةٌ تُزرَع لكي تُنتِجَ أعشابًا ونَباتاتٍ تُؤكَل.

والآن اسمَعوني: مِن بينِ جَميعِ البُزورِ الَّتي كانت تُزرعُ في الشَّرق، أوِ الَّتي تُزرَعُ هُناكَ في وقتِنا الحاضر (أي في سنة 1982) لإنتاجِ أعشابٍ تُؤكَل، كانت حَبَّةُ الخَردلِ وما تَزالُ أصغرَ البُزور. وفي الإطارِ الَّذي يَتحدَّثُ فيهِ يسوعُ، كانَ ما قالَهُ صَحيحٌ تمامًا. وقد تَمَّ تأكيدُ ذلكَ مؤخَّرًا مِن قِبَلِ رَجُلٍ يُدعَى الدُّكتور "ل.ه. شينرز" (L.H. Shinners). وهو رئيسُ قسمِ النَّباتاتِ في جامعةِ "سَذرن ميثودست" (Southern Methodist University) في دالاس. وهي جامعة تَحوي أكبرَ مُسْتَنْبَتٍ في الجُزءِ الجنوبِ الغَربيِّ مِنَ البَلَد إذ يَحوي 318 ألفَ نَوعٍ مِنَ الأعشابِ مِن جميعِ أنحاءِ العالَم. وهو مُحاضِرٌ دائمٌ في مَعهد سميثسونيان (Smithsonian Institute).

وقد قالَ [وأنا أَقتبِسُ كَلامَهُ]: "بِزرةُ الخَردلِ هي حَقًّا أصغرُ جميعِ البُزورِ الَّتي كانَ النَّاسُ يَرَونَها في زمنِ المسيح. فمحاصيلُ الحقلِ الرَّئيسيَّةِ (كالشَّعيرِ والقَمحِ والعَدْسِ والفُولِ) لها بُزورٌ أكبر بكثير كما هي حالُ النَّباتاتِ الأخرى الَّتي رُبَّما كانت موجودةً في شَكلِ أعشابٍ وما يُشبِهُ ذلك. فهناكَ أعشابٌ وأزهارٌ بَريَّةٌ عديدة تَنتمي إلى فَصيلةِ الخَردلِ، والقَطيفةِ، وعُشبةِ الخِنزير، وعُشبةِ الطُّيور؛ وهي تَملِكُ بُزورًا صغيرةً أو أصغرُ مِن بِزرةِ الخَردل؛ ولكنَّها لم تكن مَعروفةً أو تُلاحَظُ مِن قبلِ السُّكَّان. فهي أعشابٌ بَريَّة ولا تُزرَعُ بِكُلِّ تأكيدٍ كمحصول".

أليسَ هذا الأمرُ رائعًا؟ أليسَ مِنَ الرَّائعِ أن نَعلمَ أنَّهُ عندما يَتحدَّثُ يسوعُ عنِ البُزورِ فإنَّهُ على صَواب؟ فإن كانَ بمقدوري أن أَثِقَ بهِ بشأنِ البُزور، يُمكنُني أن أَثِقَ بهِ بشأنِ الأبديَّة. ويَمضي الدُّكتور "شينرز" قائلاً: "النَّباتُ المُعاصِرُ الوحيدُ... النَّباتُ المُعاصِرُ الوحيدُ الَّذي بُزورُهُ أصغر مِنَ الخَردلِ هو التِّبْغ. وهذه النَّبتةُ ذاتُ الأصلِ الأمريكيِّ لم تُزرَع في العالمِ القديمِ إلاَّ في القرنِ السَّادس عشر أو بعدَ ذلك". إذًا، عندما قالَ يسوعُ إنَّ رَجُلاً زَرَعَ أصغرَ بُزورٍ كانت تُزرعُ آنذاك، كانَ مُحقًّا تمامًا.

كذلكَ فإنَّهم يَقولون: "انظروا إلى ما جاءَ في العدد 32. فهي تَصيرُ شَجرةً. والجَميعُ يَعلمُ أنَّ حَبَّةَ الخَردلِ لا تَصيرُ شَجرة". إنَّهُ لا يَقولُ إنَّها تَصيرُ شجرةً ضَخمةً، بل يقولُ إنَّها تَصيرُ شُجيرةً كبيرةً حَتَّى إنَّها تَمتَلِكُ سِماتِ شَجرة. وما هي سِّماتُها الَّتي تَجعَلُها شَبيهةً بالأشجار؟ ماذا يَقولُ الجُزءُ المُتبقِّي مِنَ العدد 32؟ أنَّ الطُّيورَ تأوي فيها". فهناكَ شُجيراتٌ كثيرةٌ لا يُمكِنُ للطُّيورِ أن تأوي فيها. وبالمُناسبة، إنَّ الكلمة "تَأوي" المذكورة هنا في العدد 32 هي كلمة قويَّة جدًّا في اللُّغةِ اليونانيَّةِ وتَعني: "تَجعَل لها مَسكَنًا"؛ أي تَبني عُشًّا وتَسكُن فيها.

هناكَ بِضعُ شُجيراتٍ في حَديقةِ بَيتي. ولكن إن حاولَ طَيْرٌ أن يَبني عُشًّا فإنَّ الأغصانَ ستتكسَّر فيَقَعُ العُشُّ على الأرض ويَسقُطُ كُلُّ البَيض. ولكنَّ هذه الشُّجيرة تَصيرُ كبيرةً. وَهُم يُخبرونَنا أيضًا، أي عُلماءُ النَّباتاتِ، أنَّهُ في وقتٍ مُعيَّنٍ مِنَ السَّنة تَصيرُ الأغصانُ قاسيةً فتستطيعُ الطُّيورُ أن تَبني أعشاشَها فيها. وهذا صَحيحٌ جدًّا.

والآن، لقد كانَ يسوعُ يَتكلَّمُ أيضًا رَمزيًّا. فهو لم يَكُن يُحاولُ أن يُقدِّمَ دَرسًا في النَّباتاتِ، ولم يَكُنِ النَّاسُ بحاجةٍ إلى التَّدقيقِ في ذلك. ولكن إن أردتُم أن تُدَقِّقوا فلا بأس. فهو مُحِقٌّ. ولكنَّ ما يَفعلُهُ بصورةٍ رئيسيَّةٍ هو أنَّهُ يَتحدَّثُ رَمزيًّا إلى اليهود لأنَّ أصغرَ البُزورِ الَّتي كانوا يَزرعونَها هي بُزور الخَردَل. لِذا فقد صارت بُزورُ الخَردلِ رَمزًا للأشياءِ الصَّغيرة. وما أعنيه هو أنَّ لدينا أمثال. فنحنُ نَقولُ إنَّ فُلانًا حَكيمٌ كالبُومَة. ولكنَّنا لا نَعني بذلكَ أنَّ أحكمَ شيءٍ في العالَم هو البُومة. وحتَّى إنَّني لا أدري مِن أين جاءَ هذا المَثَل، ولكنَّنا نَستخدِمُ الأمثالَ هكذا.

وقد اختارَ يسوعُ شَيئًا مِن واقعِ حياتِهم. وقد كانَ ما قالَهُ صَحيحًا. ولكنَّهُ قالَ هذا كَمَثَل. فعلى سبيلِ المِثال، كانَ النَّاسُ يَتحدَّثونَ عن قَطرةِ الدَّمِ ويقولونَ إنَّها صغيرة مِثلَ حَبَّةِ خَردل. وقد كانوا يَتحدَّثونَ عن أصغرِ تَجاوزٍ لناموسِ مُوسَى حَتَّى لو كانَ صغيرًا جدًّا كحبَّةِ خَردل. وقد كانوا يَتحدَّثونَ عن أيِّ عَيبٍ أو خَلَلٍ في الحَيَوانِ حَتَّى لو كانَ صغيرًا جدًّا كَحبَّةِ خَردل. وحتَّى يومِنا هذا، ما زالَ العَرَبُ يَتحدَّثونَ عنِ الإيمانِ الَّذي وَزنُهُ مِثلَ حَبَّةِ خَردَل.

وحَتَّى إنَّ رَبَّنا استَخدمَ نَفسَ هذا المَثَل في إنجيل مَتَّى 17: 20 إذْ قال: "لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ [ماذا؟] خَرْدَل لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِل". لِذا، فقد قالَ هذا الكلامَ بصيغة مَثَل. وقد كانَ ببساطة يَستخدِمُ قِصَّةً مُرتبطةً بمثلٍ يَستخدمونَهُ. ولكنَّهُ اختارَ بِحكمَتِهِ المُدهشةِ مَثَلاً يَستخدمونَهُ، وكانَ مَثَلاً صَحيحًا. والآن، أنتُم تَعرفونَ ما يَقولُهُ المَثَل.

وسوفُ أُطلِعُكم الآنَ على مَعناه. أوَّلاً، المَلكوتُ سيبدأُ ماذا؟ صغيرًا. فسوفَ يَبدأُ صغيرًا. هل يُمكنكم أن تَتخيَّلوا أهميَّةَ أن يقولَ ذلكَ للتَّلاميذ؟ ما أعنيه هو أنَّهم كانوا مُجرَّدَ جماعةٍ صغيرة تَتعرَّضُ لاضطهادٍ عَنيفٍ، ورَفضٍ، وتَجديف. وقد كانوا يَقولون: نحنُ مُجردُ مَجموعةٍ صغيرةٍ ضِدَّ عالَمٍ بأسرِه". ويسوعُ يَقول: "لا بأسَ في ذلك. هذه هي الخُطَّة. كُلُّ شيءٍ يَبتدئُ مِن شيءٍ صغيرٍ جدًّا جدًّا". وقد كانَ عَدَدُهم صَغيرًا جدًّا. والحقيقةُ هي أنَّ الملكوتَ كانَ صَغيرًا جدًّا حتَّى إنَّهم لم يُدركوا وُجودَهُ.

ففي سِفْرِ أعمالِ الرُّسُل والأصحاحِ الأوَّل، كانوا ما زالوا يَقولون: "هل في هذا الوقتِ تَرُدُّ المُلْكَ لنا؟ أينَ هو أصلاً؟" وما أعنيه هو أنَّهُ كانَ صغيرًا جدًّا، ومَدفونًا في الأرض، ولا يُمكِن إدراكُهُ بالحَواسّ. وأعتقدُ أنَّ هذا هو السَّببُ في أنَّ أغلبيَّةَ اللاَّهوتيِّينَ المُعاصِرينَ لا يَعرفونَ أينَ يَعثرونَ عليهِ في إنجيل مَتَّى أيضًا. والآية لوقا 17: 20 تَقولُ ما يَلي. استمعوا إلى هذا: "وَلَمَّا سَأَلَهُ الْفَرِّيسِيُّونَ: «مَتَى يَأتِي مَلَكُوتُ اللهِ؟»". فقد سألهُ الفَرِّيسيُّون: "مَتى يأتي مَلكوتُ اللهِ؟" أنتَ تقولُ إنَّكَ المَلِك. وأنتَ تَدَّعي أنَّكَ المَلِك. مَتى ستُؤسِّس المَلكوت؟"

وأنا أُحِبُّ جَوابَهُ: "لاَ يَأتِي مَلَكُوتُ اللهِ بِمُرَاقَبَةٍ". فلا يُمكنكم أن تَرَوْهُ. لا يُمكنكم أن تَرَوْه. ليسَ في شَكلِهِ هذا. "وَلاَ يَقُولُونَ: هُوَذَا ههُنَا، أَوْ: هُوَذَا هُنَاكَ! لأَنْ هَا مَلَكُوتُ اللهِ [أين] دَاخِلَكُمْ»". فهو مَوجودٌ أصلاً، ولكنَّهُ بِزرة صَغيرة تَبتدئُ بحجمٍ صغيرٍ جدًّا.

لا يُمكنكم أن تَرَوْه. فهو يُشبِهُ بِزرةَ الخَردل في الأرض. فلا يُمكنكم أن تَرَوها هناك؛ ولكنَّها موجودة. ولكنَّ تلكَ البِزرة تَمتَلِكُ القدرةَ على أن تَصيرَ شُجيرةً كبيرة. وعندما تَزرعونَ بِزرةَ المَلكوتِ فإنَّها قادرةٌ على أن تَصيرَ مَملكةً تَمتدُّ إلى أقاصي الأرض. وهي تَبتدئٌ صغيرةً جدًّا.

فَكِّروا في المِذوَدِ؛ أي في المكانِ الَّذي يُوضَعُ فيهِ عَلَفُ الدَّواب. فَكِّروا في الحَظيرة، وفي الحَيَواناتِ المُتَّسِخَة، وفي الأشخاصِ الَّذينَ يَدوسونَ بأقدامِهِم في الرَّوثِ في ذلكَ المكانِ القَذِر، وفي طِفْلٍ وُلِدَ في مكانٍ حَقيرٍ في بَلَدٍ لم يَكُن سِوى بَيْدَقًا صغيرًا بيدِ رُوما العَظيمة. وهو بَلَدٌ يَضُمُّ مُقاطَعَتَيْنِ فقط: اليهوديَّة والجَليل. فهي مُجرَّدُ نُقطةٍ على الأرض. وقد كانتِ السَّامرةُ أَقَلَّ شأنا مِن هاتينِ المُقاطَعتَيْن. وفَكِّروا في النَّاصرةِ الَّتي عاشَ فيها يسوعُ ثلاثينَ عامًا إذْ إنَّها بَلدةٌ فَقيرةٌ لم تَكُن مَعروفةً بالثَّقافةِ والتَّعليم.

وفَكِّروا في التَّلاميذ. فَهُم جميعًا لا يُشَكِّلونَ بِزرةَ خَردلٍ واحدة. فقد كانوا مجموعةً صغيرةً جدًّا هَزيلة، وغيرَ مُترابطة، وغير مُؤهَّلة، وخائفة جدًّا، وعديمةَ الإيمان، وضعيفة جدًّا. وقد كانَ هذا هو المَلكوتُ الَّذي زُرِع. ولكن في صَدْرِ ذلكَ الطِّفلِ الصَّغيرِ في ذلكَ المِذودِ في تلكَ الحَظيرة، كانَت هناكَ حياةٌ أبديَّةٌ ستُؤدِّي إلى تأسيسِ مَملكةٍ أبديَّة. فقد زُرِعَت البِزرة. فهي بداية صغيرة.

وكما تَرَوْنَ، هذا حَقٌّ عظيمٌ لأنَّنا لا نَراهُ في العهدِ القديم. فهو سِرٌّ تَمَّ الإعلانُ عنه. فهو مَلكوتٌ يَبتدئُ صغيرًا إذْ إنَّهُ يَضُمُّ فقط تلك المجموعة الصَّغيرة. وعندما صَعِدَ يسوعُ إلى السَّماء، كانَ عَدَدُهم مئةً وعشرينَ شخصًا فقط. وإن تَحدَّثتُم اليومَ إلى راعي كنيسةٍ تَضُمُّ مِئةً وعشرينَ شخصًا ستجدونَ أنَّهُ يَشعُرُ بأنَّهم مَجموعة صغيرة جدًّا. وأنتُم تَسمعونَ أُناسًا يقولون: "إنَّ كنيستَنا صَغيرة جدًّا إذ إنَّنا مِئة وعشرونَ شخصًا فقط". وعندما ابتدأَ المَلكوتُ، كانَ يَضُمُّ فقط مِئةً وعشرينَ شخصًا. وحتَّى هذه اللَّحظة، كُلُّ شيءٍ يَسيرُ على ما يُرام. وقبلَ نِهايةِ الدَّهر، سيكونُ قد غَطَّى الأرضَ كُلَّها.

وهذا يَقودُنا إلى الدَّرسِ الثَّاني. فالملكوتَ ابتدأَ صغيرًا جدًّا وسيَنتهي كبيرًا جدًّا. إنَّهُ مُخَطَّطٌ بسيطٌ جدًّا. أليسَ كذلك؟ فقدِ ابتدأَ صغيرًا جدًّا وسيَنتهي كبيرًا جدًّا. وقد رأى الأنبياءُ مَملكةً عظيمة. وما أعنيه هو أنَّكم إذا قرأتُم ما كَتَبَهُ أنبياءُ العهدِ القديمِ وما كانوا يَبحثونَ عنهُ في المَلكوت ستجدونَ أنَّ نِطاقَ ذلكَ مُذهِل. فمثلاً، في المزمور 78، بل بالحَرِيِّ في المَزمور 72 والعَدد 8 نَقرأُ: "وَيَمْلِكُ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى الْبَحْرِ"، "وَكَثْرَةُ السَّلاَمِ إِلَى أَنْ يَضْمَحِلَّ الْقَمَرُ". "وَيَمْلِكُ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى الْبَحْرِ، وَمِنَ النَّهْرِ إِلَى أَقَاصِي الأَرْض. أَمَامَهُ تَجْثُو أَهْلُ الْبَرِّيَّةِ، وَأَعْدَاؤُهُ يَلْحَسُونَ التُّرَابَ. مُلُوكُ تَرْشِيشَ وَالْجَزَائِرِ يُرْسِلُونَ تَقْدِمَةً. مُلُوكُ شَبَا وَسَبَأٍ يُقَدِّمُونَ هَدِيَّةً. وَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ الْمُلُوكِ. كُلُّ الأُمَمِ تَتَعَبَّدُ لَهُ". فهذا هو نِطاقُ مُلكِهِ. وهذا هو المَدى الذي تَبلُغُهُ الشُّجيرة. وما أعنيه هو أنَّهُ مِن بِزرةٍ صغيرةٍ جدًّا تَنمو شُجيرة ضخمة. وهذا هو الشَّيءُ الذي يُريدُ الرَّبُّ منكم أن تَرَوه؛ أي أنَّكُم ستَحصلونَ على نَتيجةٍ عظيمةٍ مِن أصغرِ البِداياتِ فيما يَختصُّ بالمَلكوت.

وقد رأى إشعياءُ نَفسَ النَّتيجةِ النِّهائيَّة. فنحنُ نَقرأُ في الأصحاحِ الرَّابعِ والخمسين مِن سِفْر إشعياء والعدد الثَّاني: "أَوْسِعِي مَكَانَ خَيْمَتِكِ، وَلْتُبْسَطْ شُقَقُ مَسَاكِنِكِ. لاَ تُمْسِكِي. أَطِيلِي أَطْنَابَكِ وَشَدِّدِي أَوْتَادَكِ". فَمِنَ الأفضل أن تَجعلوا هذه الخَيمة أكبر فأكبر فأكبر. فهناكَ شيءٌ يَتَّسِع. "لأَنَّكِ تَمْتَدِّينَ إِلَى الْيَمِينِ وَإِلَى الْيَسَارِ، وَيَرِثُ نَسْلُكِ أُمَمًا". فملكوتُ المسيَّا سيمتدُّ مِنَ البحرِ إلى البحر، وَمِنَ النَّهْرِ إِلَى أَقَاصِي الأَرْض. وقد رأى إرْميا ذلك. وقد رأى عاموسُ ذلك. وقد رأى مِيخا ذلك. وقد رأى زَكريَّا ذلك.

ويُمكنُني أن أقرأَ لكم آيةً كِتابيَّةً تِلو الأخرى تِلو الأخرى عن أنَّ مَلكوتَ يسوعَ المسيحَ، أو مَلكوتَ اللهِ، سيَمتدُّ مِنَ البَحرِ إلى البَحر، ومِنَ الأرضِ إلى الأرض، وأنَّهُ سيُغَطِّي الأرضَ كُلَّها. ونحنُ نَعلمُ أنَّ هذا صحيح. أليسَ كذلك؟ ففي النِّهاية، سيأتي المُلكُ الألفيُّ، وسيَسودُ يسوعُ على الأرضِ كُلِّها. فهذا سيحدُث. والحقيقةُ هي أنَّنا نَقرأُ في سِفْر الرُّؤيا 11: 15: "قَدْ صَارَتْ مَمَالِكُ الْعَالَمِ لِرَبِّنَا وَمَسِيحِهِ، فَسَيَمْلِكُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِين".

لِذا فإنَّ هذهِ الأمثالَ تأخُذُنا في الحقيقةِ إلى المُلْكِ الألفيّ، وإلى مِلْءِ النُموِّ الكامِلِ للمَلكوت. فَمُلْكُ المسيحِ، مَهما بَدا غيرَ مُهِمٍّ، ومَهما كانَ مُحتقرًا، يَبدو في بدايةِ الأمرِ أنَّهُ صَغير. وأعتقدُ أنَّهم فَرَكوا أيديهم عندما ماتَ وقالوا: "لقد انتهينا مِنه". ولكنَّ المَلكوتَ سيَنمو. وسوفَ تكونُ نِهايتُهُ ويَكونُ اكتمالُهُ عظيمًا جدًّا إذا ما قُورِنَ ببدايَتِه؛ تَمامًا كما هي حالُ شَجرةِ الخَردلِ إذا ما قُورِنَتْ بِبِزرَتِها.

إنَّ الغَايةَ مِن هذا المَثَلِ هي تَشجيعُنا يا أحبَّائي. فهو مُشَجِّعٌ حَقًّا. وما أعنيهُ هو أنَّني لا أدري كيفَ تَشعرون، ولكنِّي أشعرُ أحيانًا بالإحباط. فأنا أُفَكِّرُ بأنَّهُ بِغَضِّ النَّظرِ عن مُحاولاتِنا الجاهِدَةِ فإنَّنا نَبدو دائمًا مَسحوقينَ ومُنْهَكينَ بسببِ العالَمِ الشرِّيرِ الَّذي مِن حَولِنا. وإن كنتُ أشعرُ هكذا، هل تَتخيَّلونَ كيفَ كانوا يَشعرون؟ فأنا أعلمُ أنَّ هناكَ أشخاصًا مؤمنينَ في هذه المدينة، وفي مُدُنٍ أخرى، ووِلاياتٍ أخرى، وبِلادٍ أخرى، وفي كُلِّ مَكانٍ حَولَ العالم. فشعبُ اللهِ موجودٌ، والنَّاسُ يَأتونَ إلى يسوعَ المسيح.

ولكن بالرَّغمِ مِن ذلك، أشعُرُ أحيانًا بأنَّ المَعركةَ شَديدة، وبأنَّنا الأقليَّة. وهل يُمكنكم أن تَتخيَّلوا كيفَ كانَ التَّلاميذُ يَشعرون؟ فعندما كانَ قائِدُهم يَتعرَّضُ للتَّجديفِ أمامَهُم، كانوا يَشعرونَ بانعدامِ الرَّجاء، ويَشعرونَ بالهَزيمة، ويَشعرونَ بالمَذلَّةِ والإحباط؛ ولا سِيَّما عندما جاءَ يومًا يوحنَّا المَعمدان الَّذي كانَ شخصًا مُؤثِّرًا جدًّا، وكانتِ المُدُنُ تَخرُجُ إليه، وكانَ يبدو أنَّ كُلَّ تلكَ النُّبوءاتِ ستَتحقَّق.

وقد كانَ كُلُّ شيءٍ أيضًا مُدهشًا. وكانَ يوحنَّا المَعمدانُ يَقول: "يَنبغي أنِّي أَنقُص، وأنَّ هذا الَّذي يَأتي بعدي يَزيد". وقد كانوا جميعًا يَنتظرونَ بلهفةٍ تأسيسَ المَلكوت. ثُمَّ إنَّ الحُشودَ جاءت، وحَدثت مُعجزاتٌ، وشِفاءاتٌ، وتَمَّ تَكثيرُ الطَّعامِ، وحَدَثَت كُلُّ تلكَ العَجائب، ومَشى يسوعُ على الماء.

وقد ابتدأت كُلُّ تلكَ الأشياءِ تَحدُث. ثُمَّ إنَّ شَيئًا تَغَيَّر. وقد ظَهَرَت كَراهِيَةٌ ومَرارةٌ وصارَ هُناكَ رَفضٌ. لِذا فإنَّ الرَّبَّ يَقول: "سوفَ يَبتدئُ المَلكوتُ صَغيرًا، ولكنَّهُ سيَنتهي كَبيرًا". سوفَ نَنتصرُ في النِّهاية. فالملكوتَ سيَمتدُّ إلى كُلِّ الأرض ويَستمرُّ إلى أبدِ الآبدين. وسوفَ نَكونُ جُزءًا مِن ذلكَ المَلكوتِ الأبديّ.

ثُمَّ هناكَ مُلاحظة أخرى أعتقدُ أنَّها مُدهشة. فهو يَقول: "سوفَ تَكبُرُ هذه البِزرةُ حتَّى إنَّ طُيورَ السَّماءِ تأتي وتَتآوى [أي تَبني عُشَّها وتَعيشُ] في أغصانِها". والآن، ما الَّذي تُشيرُ إليهِ تلك الطُّيور؟ هناكَ مَن يَرى أنَّها تَرمِزُ إلى الشَّياطين. وهناكَ مَن يَرَى أنَّها تَرمِزُ إلى الشَّرّ. والسَّببُ في أنَّهم يَعتقدونَ أنَّها تَرمِزُ إلى الشَّياطينِ هو أنَّهم قَرأوا في المَثَلِ السَّابقِ أنَّ الطُّيورَ أتت وأكلتِ الزَّرْعَ. لِذا فإنَّهم يَظُنُّونَ أنَّ الطُّيورَ تَرمِزُ إلى الشَّيطانِ الَّذي يَخطَفُ الكلمة.

ولكنَّ الطُّيورَ... تَذَكَّروا هذا الأمر... قد تَرمِزُ إلى أيِّ شيءٍ لأنَّها ببساطة مَثَلٌ إيضاحِيٌّ. وأعتقدُ أنَّنا أمامَ فِكرتينِ هُنا: الأولى هي أنَّ ما تُشيرُ إليهِ الطُّيورُ هو أنَّ الشَّجرةَ كبيرة جدًّا. فهي كبيرة جدًّا حتَّى إنَّ الطُّيورَ تَستطيعُ أن تَتآوى في أغصانِها. وهذه هي طريقةُ يسوعَ في إخبارِنا عن حَجمِها. ولكن هناك فكرة أخرى أيضًا أعتقدُ أنَّها عميقة جدًّا. فتلكَ الطُّيورُ تَعيشُ في الشَّجرة. وهل تَعلمونَ لماذا تَعيشُ فيها؟

سوفَ أُخبركم لماذا تَعيشُ فيها. لأنَّهُ توجدُ... تُوجدُ حُبوبٌ في شجرةِ الخَردلِ تلكَ يُمكنُها أن تأكُلَها. لِذا، يُمكِنُها أن تأكُلَ وهي في بَيتِها. فهي ليست مُضطرَّة إلى الأكلِ خارجًا. فلو كُنتُ طائرًا، أعتقدُ أنَّني سأذهبُ إلى مكانٍ أستطيعُ أن آكُلَ فيه وأنا هناك. وأنتُم تَقرأونَ دائمًا عنِ الطُّيورِ الأُمَّهاتِ الَّتي تَذهبُ للبحثِ عنِ الطَّعام. أمَّا الطُّيورُ الأُمَّهاتُ في هذه الحالةِ فإنَّها تَبقى في بَيتِها. وعَدا عن ذلك، فإنَّها تَبني عُشًّا لها. فهناكَ ظِلٌّ، وهناكَ حِماية، وهناكَ أمانٌ وطعامٌ هناك. وهذا مُدهش.

انظروا معي قليلاً إلى تَفسيرٍ أعتقدُ أنَّهُ رائعٌ لهذا الأمر في سِفْر دانيال والأصحاحِ الرَّابع. سِفْر دانيال والأصحاحِ الرَّابع. فقد حَلُمَ نَبوخذنَصَّر (مَلِكُ بابِل الَّتي كانت أعظمَ كُلِّ الإمبراطوريَّات) حُلْمًا. وإليكُم ما حَلُمَهُ. وهو حُلْمٌ مُدهشٌ حَقًّا إذ نَقرأُ في العدد 10 مِن سِفْرِ دانيال والأصحاح الرَّابع: "فَرُؤَى رَأسِي عَلَى فِرَاشِي هِيَ: أَنِّي كُنْتُ أَرَى فَإِذَا بِشَجَرَةٍ فِي وَسَطِ الأَرْضِ وَطُولُهَا عَظِيمٌ. فَكَبُرَتِ الشَّجَرَةُ وَقَوِيَتْ، فَبَلَغَ عُلُوُّهَا إِلَى السَّمَاء".

إذًا، فإنَّها شجرة طويلة. "وَمَنْظَرُهَا إِلَى أَقْصَى كُلِّ الأَرْض". فهي تَصِلُ إلى السَّماءِ وأغصانُها تُغَطِّي مَساحةً هائلةً حَتَّى إنَّ كُلَّ الأرضِ يُمكِنُها أن تَراها. فهي شجرة ضخمة. "أَوْرَاقُهَا جَمِيلَةٌ وَثَمَرُهَا كَثِيرٌ وَفِيهَا طَعَامٌ لِلْجَمِيعِ، وَتَحْتَهَا اسْتَظَلَّ حَيَوَانُ الْبَرِّ، وَفِي أَغْصَانِهَا سَكَنَتْ طُيُورُ السَّمَاءِ، وَطَعِمَ مِنْهَا كُلُّ الْبَشَر". والآن، ما هذا؟ ما الَّذي كانَ يَنظُرُ إليه؟ يُجيبُ دانيالُ عن ذلك في العدد 21، بل في العدد 20. فدانيالُ يأتي ويقول: "دَعني أُطلِعُكَ على تَفسيرِ الحُلْم".

"اَلشَّجَرَةُ الَّتِي رَأَيْتَهَا، الَّتِي كَبُرَتْ وَقَوِيَتْ وَبَلَغَ عُلُوُّهَا إِلَى السَّمَاءِ، وَمَنْظَرُهَا إِلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَأَوْرَاقُهَا جَمِيلَةٌ وَثَمَرُهَا كَثِيرٌ وَفِيهَا طَعَامٌ لِلْجَمِيعِ، وَتَحْتَهَا سَكَنَ حَيَوَانُ الْبَرِّ، وَفِي أَغْصَانِهَا سَكَنَتْ طُيُورُ السَّمَاءِ، إِنَّمَا هِيَ أَنْتَ يَا أَيُّهَا الْمَلِكُ، الَّذِي كَبُرْتَ وَتَقَوَّيْتَ، وَعَظَمَتُكَ قَدْ زَادَتْ وَبَلَغَتْ إِلَى السَّمَاءِ، وَسُلْطَانُكَ إِلَى أَقْصَى الأَرْض".

ما الَّذي يَقولُه؟ إنَّهُ يقولُ إنَّ إمبراطوريَّةَ بابل قد صارت مِثلَ شَجرة. وكُلُّ أُمَمِ العالَمِ تَجِدُ راحَتَها وأمانَها وطَعامَها في تلك الشَّجرة. فكما تَعلمونَ، لقد جَلَبَت بابلُ الحضارةَ إلى العالَم، وجَلبتِ التَّعليمَ إلى العالَم، وجَلبت الهَندسةَ المِعماريَّةَ إلى العالَم، وجَلبت الرَّخاءَ إلى العالَم، وجَلبت الشُّعورَ بالسَّلامِ إلى العالَم. فقد كانت هناكَ أُمَمٌ كثيرة. فالأُمَمُ هُمُ الطُّيورُ الَّتي تَتآوَى في شَجرةِ الإمبراطوريَّةِ البابليَّة.

انظروا إلى سِفْر حِزْقيال والأصحاحِ الحادي والثَّلاثينَ الآن – حِزقيال 31: 3. فنحنُ نَجِدُ هُنا وَصفًا لأَشُور يقول: "هُوَذَا أَعْلَى الأَرْزِ فِي لُبْنَانَ جَمِيلُ الأَغْصَانِ وَأَغْبَى الظِّلِّ، وَقَامَتُهُ طَوِيلَةٌ، وَكَانَ فَرْعُهُ بَيْنَ الْغُيُومِ. قَدْ عَظَّمَتْهُ الْمِيَاهُ، وَرَفَعَهُ الْغَمْرُ. أَنْهَارُهُ جَرَتْ مِنْ حَوْلِ مَغْرِسِهِ، وَأَرْسَلَتْ جَدَاوِلَهَا إِلَى كُلِّ أَشْجَارِ الْحَقْلِ. فَلِذلِكَ ارْتَفَعَتْ قَامَتُهُ [في العدد 5] عَلَى جَمِيعِ أَشْجَارِ الْحَقْلِ، وَكَثُرَتْ أَغْصَانُهُ، وَطَالَتْ فُرُوعُهُ لِكَثْرَةِ الْمِيَاهِ إِذْ نَبَتَ. وَعَشَّشَتْ فِي أَغْصَانِهِ كُلُّ طُيُورِ السَّمَاء".

وكُلُّ مَا يَعنيه ذلك هو أنَّهُ عندما تَكونُ لديكَ قُوَّةٌ عَالميَّةٌ عظيمةٌ وهائلةٌ ومُسيطِرة، فإنَّ أُناسًا آخرينَ كثيرينَ يَتآوونَ في أغصانِها. والآن، يُمكنُنا أن نُسْقِطَ ذلكَ على الأوضاعِ السِّياسيَّةِ اليومَ ونقول إنَّهُ مِن وُجهةِ النَّظرِ التَّقليديَّةِ والتَّاريخيَّةِ فإنَّ الولاياتِ المُتَّحدة على سبيلِ المِثال هي شَجرة ضَخمة تَتآوى أُمَمٌ كثيرةٌ جدًّا جدًّا في أغصانِها. أليسَ كذلك؟ فهي تُقَدِّمُ المُساعداتِ الأجنبيَّةَ والتَّعليمَ بطرائقَ كثيرة جدًّا جدًّا. هذا هو المَثَلُ الإيضاحِيُّ غيرُ الدِّينيِّ الَّذي يَستخدِمُه.

ولكن عندما تُسْقِطونَ ذلكَ الآنَ على إنجيلِ مَتَّى، وعلى ما يَقولُهُ رَبُّنا، فإنَّهُ يَقولُ إنَّ مَملكةَ المسيحِ ستَنمو في النِّهاية كثيرًا جدًّا حَتَّى إنَّ الأُمَمَ ستَجِدُ مَسْكَنَها وحِمايتَها في المَملكة. والآن، إنَّ الطُّيورَ ليست هي شَجرةُ الخَردَل. وهي ليست بالضَّرورة جُزءًا مِنَ المَملكة؛ بل هي تَنتَفِعُ مِن وُجودِها على الأرض كما كانَ غيرُ البَابِلِيِّينَ يَنتفعونَ مِن وُجودِ الإمبراطوريَّةِ البابليَّة.

والآن، هذا هو ما ينبغي لكم أن تَفهموه. فعندما تُعَلِّمونَ عنِ المَلكوت، يَجب أن تَعلموا أنَّ المَلكوتَ يُشيرُ أحيانًا بصورة مُحَدَّدة إلى القِدِّيسينَ الحَقيقيِّينَ في المَلكوت، وأنَّهُ يُشيرُ أحيانًا إلى ما هو أكبر مِن ذلك. وفي هذهِ الحالة، إنَّهُ أكبر. فأنتُم تَنظرونَ إلى المَلكوتِ مِن زاويةِ سِيادةِ ومُلْكِ اللهِ على كُلِّ شيء. فَكِّروا في الأمرِ بالطَّريقةِ التَّالية: أينَما ازدهرتِ المسيحيَّةُ فإنَّ النَّاسَ الَّذينَ يَحْتَمونَ بأغصانِها سيَزدهرونَ أيضًا بسببِ ازدهارِ المسيحيَّةِ بالرَّغمِ مِن أنَّهم لا يَعرفونَ المسيح.

لقد صَارت أمريكا ما هي عليهِ اليوم بسببِ تُراثِها المَسيحيّ. وهناكَ طُيور كثيرة في أشجارِنا. وَهُم ليسوا مَسيحيِّينَ، ولكنَّهم يَنتَفِعونَ مِنَّا. أليسَ كذلك؟ فكَرامَةُ الحياةِ في أمريكا، والنِّظامُ التَّشريعيُّ، والقانونُ، والشُّعورُ بالصَّوابِ والخطأِ هو واحدٌ مِن تَقاليدِنا، والتَّعليم، والاقتصادُ الحُرُّ، وكَرامةُ المَرأة، ورعايةُ الأطفال.

كُلُّ هذه الأشياء تَنبُعُ مِنَ الحَقِّ المَسيحيِّ. فكُلُّ إصلاحٍ عَظيمٍ، وكُلُّ حَركةِ إصلاحٍ في التَّاريخِ قامَت في جُذورِها على الحَقِّ الكِتابيّ. فأينَما امتَدَّ المَلكوتُ تَجِدونَ بيئةً تَحمي النَّاسَ الَّذين حتَّى لا يَنتمونَ إلى ذلكَ المَلكوتِ في الحقيقة. وهذا يُشبِهُ بِصورَتِهِ الكبيرةِ ما جاءَ في رسالة كورنثوس الأولى 7: 14 بصورتِهِ الصَّغيرة حيثُ نَقرأُ: "إِنْ كَانَ أَخٌ لَهُ امْرَأَةٌ غَيْرُ مُؤْمِنَةٍ، وَهِيَ تَرْتَضِي أَنْ تَسْكُنَ مَعَهُ، فَلاَ يَتْرُكْهَا لأَنَّ المَرْأَةُ غَيْرَ المُؤْمِنَةِ مُقَدَّسَةٌ فِي الرَّجُل".

بعبارة أخرى، إنَّ الشَّريكَ غير المؤمن المُتزوِّج مِن شريكٍ مُؤمِن يَنتَفِعُ مِن مُجَرِّدِ وجودِهِ حولَ شخصٍ يَحصُلُ على بَرَكَةِ الله. وما أعنيه هو أنَّني إن تَزوجتُ امرأةً غيرَ مُؤمنةٍ وأَسبَغُ اللهُ نِعمَتَهُ عَليَّ، ستَحصُلُ هي على جُزءٍ مِن تلك النِّعمة ولو جُزئيًّا وإلى حين. لِذا، فإنَّها تَتَآوى في شَجرتي. وعلى الصَّعيدِ الأكبر، عندما يَمتدُّ المَلكوتُ حولَ العالم فإنَّ الأشخاصَ الَّذين يَتآوونَ في ذلكَ المَلكوتِ... اسمعوني: يُمكنكم أن تَنظروا إلى الأمرِ كما تَشاؤون. ولكنَّ كُلَّ شيءٍ يَخضَعُ للمبدأ نَفسِه. فنحنُ أكثرُ أُناسٍ مُبارَكينَ في الحياةِ البشريَّة.

ويُمكنكم أن تُبايِنوا بينَ كَونِكُم جُزءًا مِنَ الثَّقافةِ الغربيَّةِ تحتَ تأثيرٍ المَسيحيَّةِ وبينَ كَونِكُم على سبيلِ المِثالِ في الهِندِ أو في جُزءٍ مِنَ العالَمِ لا وُجود فيهِ للمسيحيَّة ولم تَنْموا فيهِ شَجرةُ حَبَّةِ الخَردل. هذا هو ما يَقولُه. فالمَلكوتُ سيَنمو حَتَّى إنَّ كثيرينَ سَيَتآوونَ في أغصانِه.

وما يُحاولُ المَثَلُ أن يَقولَهُ لنا هو أنَّهُ بالرَّغمِ مِنَ المُعارضة، وبالرَّغمِ مِنَ أنواعِ التُّربةِ الثَّلاثةِ الرَّديئةِ، وبالرَّغمِ مِن وجودِ الزَّوان، سوفَ نَنتصِر. فالملكوتُ سيَنمو ويَنمو ويَنمو ويَنمو ويَنمو. هذا هو وَعدُ الرَّبِّ لنا لتشجيعِنا.

لِذا فإنَّنا لسنا هذه المَجموعةِ الصَّغيرةِ مِنَ الأشخاصِ المَساكينِ الَّذينَ يُحاولونَ أن يَنْجوا بِحياتِهم، بل نحنُ في الجانبِ المُنتصر. والمَلكوتُ يَنمو. وسوفَ أخبركم المزيدَ في الأسبوعِ القادِمِ عن كيفَيَّةِ حُدوثِ ذلك. وسوفَ أَذكُرُ لكم تفاصيلَ أكثر في أثناءِ دراستِنا لمثلِ الخميرة. دَعونا نَحني رُؤوسَنا حَتَّى نُصَلِّي:

يا أبانا، نَشكُرُك! نَشكُرُكَ لأنَّهُ بالرَّغمِ مِن أنَّ المَلكوتَ يَبتدئُ صَغيرًا في هذا الدَّهر فإنَّهُ سيَنتهي بالهَيمنةِ على كُلِّ العالَم. وما أروعَ أن نَكونَ جُزءًا مِنهُ. وأنا أَصرُخُ معَ يُوحنَّا وأقول: "آمين تَعالَ أيُّها الرَّبّ يَسوع". اجلِب مَلكوتَكَ بمِلئِه. فنحنُ نُصَلِّي أن يُدركَ النَّاسُ حولَ العالمِ أنَّهُ بالرَّغمِ مِن أنَّهم طُيورٌ ولا يَمتلِكونَ بصورةٍ أساسيَّةٍ الحياةَ الموجودةَ في شجرةِ الخَردل فإنَّهُم يَستفيدونَ مِنَ الإيواءِ في أغصانِها.

لَيتَهُم يَهتدونَ إلى المسيحِ الَّذي يَستطيعُ أن يُبارِكَهُم جدًّا، وأن يَعرفوا ما هو أكثرَ مِنَ الفائدةِ المؤقَّتةِ بأن يَختبروا البَرَكةَ الأبديَّةَ للخلاص. ويا رَبّ، نَشكُرُكَ لأنَّهُ بالرَّغمِ مِن أنَّنا نَرى مُجتمَعَنا يَتَهاوى، وأنَّ خَطيَّةَ الإنسانِ تَزيدُ باستمرار كما لو كانَ يَنزِلُ مُنحَدَرًا سَحيقًا دونَ أيَّة سَيطرة، ومعَ أنَّ الكنيسةَ تَتعرَّضُ للهُجومِ والاضطهاد، ومعَ أنَّ الإنجيلَ مَرفوضٌ والمسيحيِّينَ غيرُ مُرَحَّبٍ بهم في أماكِن كثيرة، فإنَّ الملكوتَ يَنمو بالرَّغمِ مِن كُلِّ تلكَ المُعارضة.

نَشكُرُكَ على القُدرة. ونَشكُرُكَ لأنَّهُ في نِهايةِ المَطافِ سوفَ يكونُ النِّطاقُ عَالميًّا وأبديًّا. ونَشكُرُكَ يا رَبُّ على الدَّرسِ الَّذي عَلَّمتَنا إيَّاهُ بأنَّ أمورًا عظيمةً يُمكنُ أن تَأتي مِن بداياتٍ مُتواضعةٍ جدًّا. وصلاتُنا يا رَبُّ هي أن تَعملَ بطرائقَ مُختلفة على زَرْعِنا كبذورٍ صغيرةٍ جدًّا وأن تُنتِجَ مِن حياتِنا شَجرةً كبيرةً جدًّا. نُصَلِّي هذا باسمِ المسيح. آمين!

This sermon series includes the following messages:

Please contact the publisher to obtain copies of this resource.

Publisher Information
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969

Welcome!

Enter your email address and we will send you instructions on how to reset your password.

Back to Log In

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize
View Wishlist

Cart

Cart is empty.

Subject to Import Tax

Please be aware that these items are sent out from our office in the UK. Since the UK is now no longer a member of the EU, you may be charged an import tax on this item by the customs authorities in your country of residence, which is beyond our control.

Because we don’t want you to incur expenditure for which you are not prepared, could you please confirm whether you are willing to pay this charge, if necessary?

ECFA Accredited
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Back to Cart

Checkout as:

Not ? Log out

Log in to speed up the checkout process.

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize