
في هذا الصَّباح، نَصِلُ في دراستنا لكلمة الله إلى مقطعٍ رائعٍ ومدهشٍ جدًّا للمؤمنين. لِذا، أدعوكم إلى أن تفتحوا كتابكم المقدَّس على إنجيل مَتَّى والأصحاح 24 فيما نتأمَّل في الآيات 29-31. وهو مقطع رائع عن المجيء الثَّاني للرَّبِّ يسوع المسيح. فالأشخاص الَّذينَ يَعرفون الرَّبَّ ويُحبُّونه، والأشخاص الَّذينَ يَدرسون كلمته يُدركون تمامًا حقيقة أنَّ العالَم سينتهي (أي العالَم كما يعرفه البشر، والعالَم الَّذي يُديره البشر) أنَّه سينتهي بالمجيء المجيد ليسوع المسيح إلى الأرض مِن السَّماء. وهو مجيئه الثَّاني. فقد جاء أوَّل مَرَّة باتِّضاع. وقد جاء أوَّل مَرَّة كي يموت على الصَّليب. ولكنَّه سيأتي في المرَّة القادمة بمجدٍ، وسيأتي ليملِك بصفته ملِك الملوك وربَّ الأرباب.
وقد أراد الرَّبُّ أن يُعلِّم تلاميذه عن موضوع مجيئه الثَّاني. وقد تحدَّث عنه تحديدًا في هذه الآيات الثَّلاث مِن إنجيل مَتَّى والأصحاح 24. وأريد منكم أن تلاحظوها فيما أقرأها: "وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ الأَيَّامِ تُظْلِمُ الشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ، وَالنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ، وَقُوَّاتُ السَّمَاوَاتِ تَــتَزَعْزَعُ. وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. فَيُرْسِلُ مَلاَئِكَتَهُ بِبُوق عَظِيمِ الصَّوْتِ، فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ السَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَائِهَا".
فهُنا، نَقرأُ كلماتٍ واضحةً جدًّا، ومُوجَزةً، ومُباشرةً، ومفهومةً نَطَق بها الرَّبُّ نفسُه وأخبرنا مِن خلالها عن أعظم حدث يَترقَّبُه أيُّ مؤمنٍ وَهُوَ: المجيء الثَّاني ليسوع المسيح. فقد جاء مَرَّةً وسيأتي ثانيةً. والحقيقة أنَّه عندما كان صاعِدًا، بحسب ما جاء في سِفْر أعمال الرُّسُل والأصحاح الأوَّل، مُغادرًا الأرض بعد مجيئه الأوَّل، صَعِدَ إلى السَّماء في هيئة جسديَّة أو في الجسد، وَأَخَذَتْهُ سَحَابَةٌ. فجاء مَلاكان وقالا: "إِنَّ يَسُوعَ هذَا الَّذِي ارْتَفَعَ عَنْكُمْ إِلَى السَّمَاءِ سَيَأْتِي هكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقًا إِلَى السَّمَاء". بعبارة أخرى، كما غادَرَ فإنَّه سيعود بهيئة جسديَّة أو في الجسد في السَّحاب. بذات الطَّريقة الَّتي غادَر بها. يسوعُ نفسُه...بنفس الطَّريقة.
ومنذ ذلك الوقت، بقيت قلوب المؤمنين مُفعمةً بالرَّجاء طَوال تاريخ الكنيسة إذ إنَّهم يترقَّبون مجيء الربِّ يسوع المسيح. والحقيقة هي أنَّه عندما كَتبَ الرَّسولُ بولس إلى تيطُس قال في الأصحاح الثَّاني والعدد 11: "لأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَتْ نِعْمَةُ اللهِ الْمُخَلِّصَةُ، لِجَمِيعِ النَّاسِ، مُعَلِّمَةً إِيَّانَا أَنْ نُنْكِرَ الْفُجُورَ وَالشَّهَوَاتِ الْعَالَمِيَّةَ، وَنَعِيشَ بِالتَّعَقُّلِ وَالْبِرِّ وَالتَّقْوَى فِي الْعَالَمِ الْحَاضِرِ، مُنْتَظِرِينَ الرَّجَاءَ الْمُبَارَكَ وَظُهُورَ مَجْدِ اللهِ الْعَظِيمِ وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، لِكَيْ يَفْدِيَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، وَيُطَهِّرَ لِنَفْسِهِ شَعْبًا خَاصًّا غَيُورًا فِي أَعْمَال حَسَنَةٍ".
وما قَصَدَهُ هنا هو أنَّه يجب علينا نحنُ المُخَلَّصين أن نَعيش بالبِرِّ والتَّعَقُّلِ، وأن نُنكِر الفُجور، ونُنكِر الشَّهوات العالميَّة، ونَنتظر ظُهور مجد الله العظيم ومُخَلِّصِنا يَسوعَ المَسيح. بعبارة أخرى، بقدر ما ينبغي لنا أن نعيش حياةَ الطَّاعة، وبقدر ما ينبغي لنا أن نعيش حياة البِرّ، وبقدر ما ينبغي لنا أن نعيش حياةً قائمةً على الأولويَّات الَّتي بحسب المعاييرِ الإلهيَّة، يَنبغي لنا أن نعيش حياةً تُرَكِّز على عودة يسوع المسيح. فيجب علينا أن نعيش في ضَوء مجيء المسيح. وحينئذٍ فإنَّ هذا الجسد (كما يقول بولس في رسالته إلى أهل فيلبِّي) سيتغيَّر ليصير "عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ". فهذا هو رجاؤنا. وهذا هو مَجدُنا.
والآن، إنَّ العالَم يَعرف جيِّدًا الأحوال والسِّمات المُختصَّة بمجيء المسيح الأوَّل. والعالَم يَعرف جيِّدًا بيت لحم، والمِذود، والرُّعاة، والمَجوس، والنَّجم، وهيرودس. والعالَم يَعرف جيِّدًا يوسُف ومَريم والذَّهب واللُّبان والمُرّ، وتسبيح الملائكة. فَهُم يَعرفون تلك القصَّة جيِّدًا جدًّا. ولكنَّ العالَم لا يعرف شيئًا عن مجيئه الثَّاني بكُلِّ ما يَنطوي عليه مِن سِمات، وبكُلِّ ما يُحيط به مِن أحوال. وبالرَّغم مِن ذلك فإنَّ الأنبياء قَدَّموا لنا (بِمَن في ذلك يسوع نفسه الَّذي هو أعظم جميع الأنبياء) تعليمًا واضحًا جدًّا عن سِمات وخصائص المجيء الثَّاني المجيد ليسوع المسيح. وفي الآيات الثَّلاث الَّتي قرأتُها للتَّوّ على مسامعكم، يَصِف ربُّنا نفسُه مجيئه الثَّاني. وَهُوَ لا يَصِف كلَّ عناصره، بل اللَّحظة المُحدَّدة الَّتي سيحدث فيها، أو العلامة الَّتي ستُشير إلى أنَّ اللَّحظة قد حانت.
وفي ذلك التَّعليم، هناك معلومات كثيرة جدًّا لا يُمكننا أن نُلِمَّ بها في جلسة واحدة. فبالرَّغم مِن الإيجاز الَّذي تنطوي عليه كلماتُ الرَّبِّ عادةً، وبالرَّغم مِن أنَّه يقول بدقَّة مُتناهية وإيجازٍ شديد كلَّ ما يريد أن يقول، فإنَّه يمتلك أسلوبًا في فتح آفاق الحقِّ بطريقة بديعة مِن خلال الطَّريقة الَّتي يَنتقي فيها كلماته. لذا، بالرَّغم مِن أنَّه يمكننا أن نقرأ ما بوسعنا أن نقرأه وأن نفهمه، لا يَسَعُنا أن نستوعب مَضامين كلِّ ما يقول، بل إنَّنا نشعر أنَّنا نُشبه أطفالاً صغارًا يحاولون أن يَفهموا شيئًا مُعقَّدًا جدًّا عندما نحاول أن نَفهم كلَّ ما هو مكتوب. ولكن دعونا نَرى ما سيُبيِّنه لنا الربُّ مِن خلال التَّأمُّل في هذه الآيات الثَّلاث الرَّائعة.
وأفضل طريقة للقيام بذلك هي أن تُرَكِّزوا أنظاركم وحسب على بضعِ كلماتٍ رئيسيَّة. حسنًا؟ والكلمة الأولى هي: "التَّعاقُب". تَعاقُب أحداث المجيء الثَّاني (في العدد 29): "وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ الأَيَّام". والآن، لا ينبغي أن تكونوا عُضوًا في جمعيَّة "فاي بيتا كاپَّا" (Phi Beta Kappa) كي تَعلموا ذلك، بل إنَّ الأمر واضح جدًّا. فالنَّاس يقولون: "متى المجيء الثَّاني؟ متى المجيء الثَّاني؟" إنَّ الجواب سهل جدًّا: "للوقتِ بعد ضيقِ تلك الأيَّام". فهذا هو ما تقوله الآية. فنحن نجد هنا علامة زمنيَّة واضحة جدًّا على أنَّ المجيء الثَّاني للربِّ بمجد ليؤسِّس ملكوته سيأتي حالاً بعد هذه الفترة الزمنيَّة الَّتي تُعرَف بالضِّيقة.
والآن، هناك أشخاص يقولون: "حسنًا! ولكن هناك ضيقات كثيرة". والكلمة "ضيقة" هي ترجمة للكلمة اليونانيَّة "ثليپسيس" (thlipsis) ومعناها: "شِدَّة" أو "مَشَقَّة" أو "ضِيق" أو "كَرْب". وقد تقول: "حسنًا! ولكنَّ إسرائيل تعيش دائمًا في كَرْب وضِيق. والكنيسة تعيش دائمًا في كَرْب وضِيق. والعالَم يعيش دائمًا في كَرْب وضِيق". لِذا فقد قال يسوع: "وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ الأَيَّام". فهو ليس ضيقًا وحسب، بل ضيق تلك الأيَّام. وقد تقول: "أيُّ أيَّام؟" الأيَّام الموصوفة في الأعداد 4-28. فالكلمة "تلك" تُعيدنا إلى الأيَّام الَّتي وَصَفَها للتَّوّ.
وما هي الأيَّام الَّتي وَصَفَها للتَّوّ؟ إنَّها أيَّامٌ شديدة البؤس. والحقيقة هي أنَّها ستكون قاسية جدًّا حتَّى إنَّ العدد 21 يقول ما يلي: "لأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ..." [لا ضيق فحسب، بل ماذا؟] "...ضِيقٌ عَظِيمٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ الْعَالَمِ إِلَى الآنَ وَلَنْ يَكُونَ". فهو لا يُشير إلى أيِّ ضيقٍ وحسب، بل يُشير إلى أسوأ ضيقٍ شَهِدَهُ العالَم يومًا. فهو يُشير إلى فترة زمنيَّة هي أسوأ فترة زمنيَّة شَهِدَها العالَم.
وقد تقول: "وما هي هذه الفترة الزمنيَّة؟" حسنًا! إنَّها فترة زمنيَّة تبتدئ بحدث خاصٍّ جدًّا إذ نقرأ في العدد 15: "فَمَتَى نَظَرْتُمْ رِجْسَةَ الْخَرَابِ الَّتِــي قَالَ عَنْهَا دَانِيآلُ النَّبِيُّ قَائِمَةً فِي الْمَكَانِ الْمُقَدَّسِ لِيَفْهَمِ الْقَارِئُ". وقد تحدَّثنا عن حقيقة أنَّ ذلك الحَدَث الَّذي يُسَمَّى "رِجسة الخَراب" هو تَدنيس لِما هو مُقدَّس، وإفساد لما هُو مُكَرَّس لله حَتَّى إنَّه سيَجلب هذه الفترة مِن الضِّيقة العظيمة.
هل تَذكرون ما قُلناه؟ سوف يكون بنو إسرائيل في انقضاء الدَّهر في أرضهم. وسوف يُعيدون بناء الهيكل. وسوف يَعبدون الله. وسوف يَحصلون على الحِماية مِن ضِدِّ المسيح. ولكن في مُنتصف فترة السَّنوات السَّبع الَّتي يقول دانيال إنَّه يَصنع فيها عهدًا معهم في دانيال 7، فإنَّه يقول إنَّه في مُنتصفها... عفوًا... في دانيال 9، يقول إنَّه في مُنتصف تلك الفترة، سينقض ضِدُّ المسيح العهد ويَصنع رجسًا؛ أي أنَّه سيُدَنِّس ويُنَجِّس المكان المُقدَّس لليهود. وسوف يَهدم مذبح الله ويَبني مَذبحًا لنفسه. وسوف يَجعل نفسه إله العالَم. وهذا موصوف لنا لا فقط مِن قِبَل النبيِّ دانيال، بل أيضًا مِن قِبَل يُوحنَّا في سِفْر الرُّؤيا. وهو يصير الإلهَ الَّذي ينبغي أن يُعبَد. لذا فإنَّه يُدَنِّس ويُنَجِّس. وعندما يحدث ذلك ويدعو العالَم بأسره إلى عبادته، ستكون هذه هي العلامة على أنَّ الضِّيقة قد ابتدأت.
وأحداثُ الضِّيقة موصوفة وصفًا عامًّا في الأعداد 4-14. فهو وقت ضَلال. وهو وقتُ حرب. وهو وقتُ مَجاعات وزلازل. وهو وقت اضطهادٍ وكراهية. وهو وقت نبوءات كاذبة. وهو وقت يصير فيه الشرُّ مُستفحِلاً جدًّا حتَّى إنَّ أشخاصًا كثيرين مِمَّن يَتظاهرون بالتَّديُّن سيرتدُّون عن الدِّين ويَنجرفون وراء الشَّرّ. بعبارة أخرى، سوف يكون ذلك الوقت أسوأ وقتٍ شَهِدَهُ العالَم. وسوف يكون وقتًا [كما نرى في العدد 21 وما يَليه] لا مَثيل له. "وَلَوْ لَمْ تُقَصَّرْ تِلْكَ الأَيَّامُ [أي لو لم يُقَصَّر النَّهار] لَمْ يَخْلُصْ جَسَدٌ". وسوف يكون هناك أنبياء كذبة في كلِّ مكان. وسوف يكون هناك فساد مُريع وفظيع موصوف بأنَّه يُشبه جُثَّة حَيَوانٍ مَيِّت في العدد 28.
لِذا، سوف يأتي على العالَم وقتُ ضيقٍ لم يَشهد العالَم مثيلاً له. وَهُوَ وقتُ شَرٍّ مُريع لم يأتِ مِثلُه مِن قَبل. وَهُوَ وقتُ قَتلٍ ووقتُ ذَبحٍ إذ إنَّ ضِدَّ المسيح سيحاول أن يقتل جميع اليهود، وسيحاول أن يَقتل جميع الأشخاص الَّذي يُسَمُّون اسم المسيح. لِذا فإنَّ العدد 16 يقول إنَّه عندما تَرون هذا الحدث الرَّئيسيَّ يَحدث، وتَرون ضِدَّ المسيح ينصب صنمًا لنفسه في الهيكل، يَجدر بكم أن تهربوا إلى الجبال لأنَّ اليهوديَّة، حيث هي أورُشَليم، ستكون مَركز هجومه إذ إنَّه سيحاول أن يُهلِك شعبَ الله؛ أيْ إسرائيلَ وأيَّ أشخاص مؤمنين مِن الأمم يكونون هناك.
لِذا، سوف يكون وقتًا ليس له مَثيل. ويجدر بكم أن تهربوا، بل أن تهربوا بسرعة، وأن تأمُل النِّساءُ مِنكُم ألاَّ يَكُنَّ حَبَالَى أو يَحملن أطفالاً على أذرُعِهنَّ، وألاَّ يكون الوقتُ شتاءً ومطرًا، وألاَّ يكون يوم سبت لئلاَّ تُرشَقون بالحجارة مِن قِبَل جماعة النَّاموسيِّين لأنَّكم تَركضون. فيجدر بكم أن تأمُلوا في الخروج مِن هناك لأنَّه ستحدث مَجزرة لم يَسبق لها مَثيل في تاريخ العالَم. وقد تحدَّثنا عن ذلك كُلِّه بالتَّفصيل في الأسابيع القليلة الأخيرة. والآن، نقرأ في العدد 20: "وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ الأَيَّام...". فهو ليس أيُّ ضيقٍ وحسب، بل الضِّيق الموصوف في الأعداد 4-28. للوقتِ بعد ذلك، يكون الوقت قد حان. فهذا هو تَعاقُب الأحداث الَّذي يَسبق مجيء الربِّ يسوعَ المسيح.
والآن، تَذكَّروا أنَّ التَّلاميذ شعروا أنَّ الوقت لا بُدَّ أن يكون وشيكًا جدًّا لأنَّهم يَعلمون أنَّ الرَّبَّ هو المسيَّا، ولأنَّه قد طَهَّر الهيكل [إن كنتم تَذكرون] وطَرد الصَّيارفة والمُشترين والباعة، ولأنَّه وعد بأنَّ الهيكل كُلَّه سيُهدَم ولن يبقى فيه حجر على حجر، اعتقدوا آنذاك أنَّه سيأتي ويُهلِك الدِّيانة اليهوديَّة المُرائية والزَّائفة، وأنَّه سيأتي ويُهلك القادة الدينيِّين الزائَّفين، وأنَّه سيُطَهِّر الأُمَّة. ولأنَّهم رأوه للتَّوّ قد طَهَّرَ الهيكل مِن الدَّاخل بأن طَرد الجميع خارجًا، وسمعوه للتَّوّ يتنبَّأ بأنَّ الحجارة ستُهدم، ظَنُّوا أنَّ مجيئه قد بات وشيكًا جدًّا جدًّا. وبقلوبٍ مُتشوِّقة جدًّا، جلسوا معه على قمَّة جبل الزَّيتون وقالوا له: "يا رَبُّ، كم بات الأمرُ وشيكًا؟ وما هي العلامةُ الَّتي ينبغي أن ننتظرها لنَعلم أنَّك ستأتي بوجودك الكامل وبحضورك الكامل لتكون مَلِكًا؟" ولا بُدَّ أنَّهم كانوا يؤمنون أنَّهُ في غُضون أيَّام معدودة سيحدث كلُّ ذلك. والربُّ يقول: "سوف أُجيب عن سؤالكم. لا يمكن أن يحدث ذلك إلاَّ بعد هذه الفترة الزَّمنيَّة مُباشرةً. وَلكنَّهم لم يكونوا يُدركون أنَّ هذه الفترة الزَّمنيَّة ستحدث بعد آلاف السِّنين في المستقبل مِن الوقت الَّذي كانوا يعيشون فيه. ولكنَّ رَبَّنا يُوضِّح تمامًا أنَّه بعد مجيء تلك الفترة الزمنيَّة سيحدث المجيء الثَّاني.
والآن، لَعلَّكم تَذكرون أنَّنا قلنا إنَّه ستحدث مَجزرة رهيبة بين اليهود، وإنَّ زكريَّا يقول إنَّ ثُلْثانِ سيُقتلان، وإنَّ ثُلْثًا فقط سيُحفَظ. فسوف يُخَلِّص اللهُ ثُلْثًا منهم. أمَّا البقيَّة فسيموتون في هذه المذبحة الجماعيَّة الفظيعة. وسوف يَتِمُّ أيضًا تَخليص 144 ألف يهوديّ؛ أي اثني عشر ألفًا مِن كلِّ سِبْط (بحسب ما جاء في رؤيا 7) كي يتمكَّنوا مِن الكرازة إلى العالَم. ومهما حاول ضِدُّ المسيح، أو أيُّ شخصٍ آخر، لن يتمكَّن مِن قتلهم. ونقرأ في رؤيا 7 أنَّهم سيكونون مَختومين ومَحميِّين. كذلك، نقرأ في الأصحاح الرَّابع عشر مِن سِفْر الرُّؤيا عن هؤلاء. لِذا، سوف يُنَجِّي الربُّ بعضًا مِن هؤلاء النَّاس؛ ولكنَّه سيكون وقتًا مُريعًا جدًّا ما لم تكن هناك حماية خارقة للطَّبيعة. وفي حالة المجموعة كَكُلّ، يبدو أنَّ ميخائيل (في الأصحاح 12) سيكون هو الَّذي سينزل ويعتني بهم ويَقودهم إلى بَرِّ الأمان. وفي حالة المئة والأربعة والأربعين ألفًا مِن الكارِزين اليهود الَّذينَ سيكرزون إلى العالَم، سوف يَعمل الله نفسه على حمايتهم بطريقة خارقة للطَّبيعة. أمَّا البقيَّة فسيكونون مُعرَّضين للكوارث والموت. لِذا فإنَّ العدد 16 يقول لهم أن يَهربوا. ولكنَّ الأمر لن يدوم طويلاً. ففترة الضِّيقة العظيمة ستدوم كم سنة؟ ثلاث سنوات ونصف السَّنة. فهذا هو كلُّ ما في الأمر. وبعد ذلك مباشرةً: المجيء الثَّاني.
والآن، لننتقل إلى كلمة ثانية. فالكلمة الأولى هي "التَّعاقُب". والكلمة الثَّانية هي: "الإعداد"... الإعداد. فكيف سيُعِدُّ الرَّبُّ هذا الحدث؟ يمكنكم أن تستخدموا الكلمة "مَشهد" أو "سيناريو" أو "مَسرح"، ولكنَّ الربَّ سيُعِدُّ المَسرح للمجيء الثَّاني. وهو أمر مُدهش. فنحن نقرأ في العدد 29 مَرَّةً أخرى: "تُظْلِمُ الشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ، وَالنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ، وَقُوَّاتُ السَّمَاوَاتِ تَــتَزَعْزَعُ". وما أعنيه وحسب أنَّ هذا مُدهش! فالكون كُلُّه كما نَعرفه، وكما نَختبره، سيبتدئ حالاً في الانحلال. ففي العدد 25 مِن إنجيل لوقا والأصحاح 21، يَكتُب لوقا بصورة رئيسيَّة عن نفس العظة على جبل الزَّيتون ويُضيف كلماتٍ أخرى قالها يسوع. فكلُّ كاتبٍ يُكَمِّل ما قاله الربُّ. ولوقا يقول: "وَتَكُونُ عَلاَمَاتٌ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ، وَعَلَى الأَرْضِ كَرْبُ أُمَمٍ بِحَيْرَةٍ [أيْ: باضطرابٍ مُريع]. اَلْبَحْرُ وَالأَمْوَاجُ تَضِجُّ، وَالنَّاسُ يُغْشَى عَلَيْهِمْ مِنْ خَوْفٍ وَانْتِظَارِ مَا يَأتِي عَلَى الْمَسْكُونَةِ، لأَنَّ قُوَّاتِ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ".
والآن، إن أضفتُم ما قاله لوقا إلى ما قاله مَتَّى، سيتشكَّل لديكم مَشهدٌ دراميٌّ جدًّا. فالأمر لن يتوقَّف فقط على أنَّ الشَّمس ستُظلم، ولا فقط على أنَّ القمر لا يُعطي ضَوْءَه، ولا فقط على أنَّ النُّجوم ستسقط، وعلى فقط على أنَّ قُوَّاتِ السَّماواتِ تتزعزع كما لو أنَّ الأرض ستكون بِمَنأى عن ذلك؛ بل إنَّ ذلك سيحدث أيضًا على الأرض. فسوف يكون الأمر دراميًّا جدًّا وكارثيًّا جدًّا حتَّى إنَّنا نقرأ أنَّ قلوب النَّاس سيُغشى عليها مِن الرُّعب. والنَّصُّ اليونانيُّ يقول حرفيًّا: "والنَّاس سَيَفْنَوْن". فسوف يَفْنَى النَّاس. وهذه عبارة بسيطة تُشير إلى حقيقة أنَّ النَّاس سيسقطون أمواتًا في كلِّ مكان. فسوف يسقط النَّاس حَرفيًّا أمواتًا مِن شِدَّة الرُّعب. فسوف تتوقَّف قلوبهم "أپوپسوكيو" (apopsucho)؛ أي أنَّهم سيَلفِظون أنفاسهم الأخيرة. فسوف يَلفِظون أنفاسهم الأخيرة. سوف يموتون. فعندما يأتي الربُّ بالدَّينونة، سيُهلِك فقط بالسَّيف الخارج مِن فمه الأشرار الَّذينَ لم يموتوا حالاً بأزمة قلبيَّة أو مِن فَرط الرُّعب بأن تتوقَّف وظائفهم الحيويَّة لأنَّ الرُّعب سيكون شديدًا جدًّا.
وما أعنيه هو أنَّه مِن الصَّعب علينا أن نَفهم هذا وأن نَستوعبه، ولكنَّ الجُملة المِفتاحيَّة هي تلك المذكورة في نهاية العدد 29 إذْ إنَّها ستساعدكم في فهم ذلك: "وَقُوَّاتُ السَّمَاوَاتِ تَــتَزَعْزَعُ". ففي السَّماءِ الَّتي تَضُمُّ الكون كُلَّه، كلُّ شيء مَمسوك معًا بالقوَّة. فهناك تأثير... تأثير مُهيمِن. والحقيقة هي أنَّنا نَعرف ما هي تلك القوَّة لأنَّنا نقرأ في الرِّسالة إلى العِبرانِيِّين والأصحاح الأوَّل أنَّ الابن يَحمِلُ "كُلَّ الأَشْيَاءِ" بماذا؟ "بِكَلِمَةِ قُدْرَتِه". فاللهُ نفسُه، في أقنوم الابن، هو الَّذي يَحمِل كُلَّ الأشياء معًا. فكما أنَّه خَلَق كلَّ شيء، فإنَّه يُمسك كلَّ الأشياء معًا كي لا تَتزعزع تلك الجاذبيَّة، وكي لا تَتزعزع تلك المَدارات. فنحن قادرون على إرسال تلك الأقمار الصِّناعيَّة الصَّغيرة إلى الفضاء وإشاعة الفَوضى في الكون بكلِّ مركباتنا الفضائيَّة الصَّغيرة. ونحن نَعلم أين ستذهب تلك المركبات، وأين ستتوقَّف، وماذا ستفعل في أثناء دورانها، وماذا ستفعل في مداراتها. ويمكننا أن نحسب كلَّ ذلك بسبب القُوى الرَّاسخة والثَّابتة للسَّماواتِ حتَّى إنَّ تلك المَركبات تتحرَّك باضطِّراد في كلِّ الأوقات وتَفعل ما ينبغي أن تَفعله.
وحتَّى إنَّ عُلماءَنا يستطيعون أن يتنبَّأوا رِياضيًّا بأمورٍ ستحدث بعد سنوات أو قُرون أو آلاف السِّنين في المستقبل لأنَّهم يَستندون إلى هذا الاتِّساق في الماضي. فالأجرام السَّماويَّة مَمسوكة بقُدرة الكلمة الإلهيَّة. ولكن فجأةً، سوف يُرخي الربُّ قَبضته. وحينئذٍ، لن تعود القُوى الَّتي تُمسك الكون معًا عادةً تَفعل ذلك. حينئذٍ سيَعُمُّ الاضطراب، وتَعُمُّ الفوضى، وتَسبَحُ كُلُّ الأجرام السَّماويَّة عشوائيًّا في الفضاء. وسوف تقع الأرضُ ضَحيَّة هذا الانهيار المُريع للكون بأسره.
والآن، إنَّه يقول بصورة مُحدَّدة جدًّا إنَّ الشَّمس ستُظلم. وسوف تكون عَواقِب ذلك وخيمة وحسب... وخيمة. فلن يكون هناك ضَوْءُ شمس. ولا شَكَّ أنَّ الإنسان لا يستطيع أن يعيش بدون هذا الضَّوْء. فسوف تكون التَّغييراتُ في الحرارة كارثيَّة. ثُمَّ إنَّ القمر لن يُعطي ضَوءه لأنَّه، كما نَعلم، فإنَّه يَعكس ضَوء الشَّمس. وسوف تصير حَركة المَدِّ والجَزْرِ فَوضى عَارمة. وسوف تَسقُط النُّجوم مِن أماكنها. وفي سِفْر الرُّؤيا، نَقرأ أنَّ السَّماواتِ سَتَلْتَفُّ كالدَّرْجِ، وأنَّ النُّجوم ستبتدئ بالتساقط كما تتساقط حَبَّاتُ التِّين النَّاضجة عن شجرة التِّين عند هَزِّها. وسوف يبتدئ الكون كُلُّه بالتَّداعي والتَّفكُّك.
وأعتقد أنَّه رُبَّما سيساعدكم قليلاً في فَهمِ ذلك أن أقرأ لكم مَقطعًا مِن كِتاب العالِم "ڨيليكوڨسكي" (Velikovsky) الَّذي تَطرَّق إلى عددٍ مِن الظَّواهر العِلميَّة المختصَّة بالأرض. فهو يقول، على سبيل المِثال، إنَّه إن خَرج واحدٌ مِن الأَجرام السَّماويَّة عن مَداره ومَرَّ بالقُرب مِن الأرض، وأدَّى إلى انحراف الأرض جزءًا بسيطًا جدًّا عن مِحورها، إليكم ما سيحدث (وأنا أقتبسُ كَلامَه): "في تلك اللَّحظة عينِها، سوف تحدث زلزلة تَهُزُّ الأرض بعُنف. وسوف يستمرُّ الهواء والماء في الدَّوران مِن خلال عَزْمِ القُصورِ الذَّاتيِّ فتَجتاحُ الأعاصيرُ الأرض وتَغمُر البحار القارَّات حاملةً معها الحَصَى والرَّمل والحيوانات البحريَّة فتَطرحُها على اليابسة. وسوف تزداد الحرارة، وتذوب الصُّخور، وتثور البراكين، وتخرج الحُمَم البُركانيَّة مِن شُقوق الأرض المُتفسِّخة وتُغَطِّي مناطق شاسعة. وسوف تَنقلع الجبال مِن السُّهول وتَطير وتَستقرُّ على أكتاف جبالٍ أخرى مُحدثةً تَصَدُّعاتٍ وتشقُّقات. وسوف تَميلُ البُحيرات وتفرغ مِن الماء، وستُغيِّر الأنهار قيعانها، وستنحدر أراضي كبيرة بكُلِّ سُكَّانها تحت البحر. وسوف تحترق الغابات وتقتلعُ الأعاصير والبحار الهائجة الأشجار مِن الأرض الَّتي كانت تنمو فيها وتُكَدِّسها هي وأغصانها وجذورها في أكوام ضخمة. وسوف تَصير البحار صَحارَى قاحلة بعد أن تَفقد مياهَها" [نهاية الاقتباس]. فهو أمر يَصعُب تَخيُّلُه.
فالأرض مَمسوكة معًا بقدرة السَّماوات. وعندما لا تعود تلك القدرة موجودة، ستكون الفوضى شيئًا يَعسُر وصفُه. أمَّا كيف يستطيع اللهُ أن يَحفظ الحياة لحظاتٍ قليلة، أو أيَّامًا، أو بضعة أسابيع إلى أن يتم تأسيس الملكوت فهو أمر لا يُمكن أن يحدث إلاَّ مِن خلال سيادته الخارقة للطَّبيعة على الفوضى الَّتي تُحْدِثُها تلك القُوى الطبيعيَّة المُفَكِّكَة. وهو شيء لا يمكن لأحدٍ سوى المؤمنين أن يَتخيَّله.
والآن، قد تقول: "بعبارة أخرى، هل هذا يعني أنَّ الربَّ يقول إنَّه قبل أن يأتي المسيح، سوف تحدث هذه الأمور؟" هذا صحيح. فهذه الأحداث تُهَيَّئ المَسرح. وهذا ليس بالأمر الجديد. أريد منكم أن تفتحوا كتابكم المقدَّس على الأصحاح الثَّالث عشر مِن سِفْر إشعياء. سِفْر إشعياء والأصحاح 13. وأريد أن أُريكم شيئًا مُدهشًا. فهناك أشخاص كثيرون يعتقدون أنَّ إشعياء 13 يتحدَّث عن دَمار بابل، وأنَّه كلامٌ بأسلوب المُبالغة عن دمار مدينة ومملكة بابل. ولكن لا بُدَّ أنَّه أكثر بكثير مِن ذلك. صحيحٌ أنَّ إشعياء يُشير إلى بابل، وصحيح أنَّه يتنبَّأ عن دمار بابل. ولكن كما هي الحال غالبًا في ذهن النَّبيّ، هناك تحقيق تاريخيٌّ وتحقيق نَبويٌّ أيضًا في وقتٍ ما في المستقبل. وإشعياء يَرى ببساطة في دمار بابل بسبب خطيَّتها صورةً مُصغَّرةً عَمَّا سيحدث عند دمار وهلاك العالَم كُلِّه عند مجيءِ الرَّبّ.
لاحظوا العدد 6: "وَلْوِلُوا لأَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ قَرِيبٌ، قَادِمٌ كَخَرَابٍ مِنَ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. لِذلِكَ تَرْتَخِي كُلُّ الأَيَادِي، وَيَذُوبُ كُلُّ قَلْبِ إِنْسَانٍ. فَيَرْتَاعُونَ. تَأْخُذُهُمْ أَوْجَاعٌ وَمَخَاضٌ. يَتَلَوَّوْنَ كَوَالِدَةٍ. يَبْهَتُونَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ. وُجُوهُهُمْ وُجُوهُ لَهِيبٍ. هُوَذَا يَوْمُ الرَّبِّ قَادِمٌ، قَاسِيًا بِسَخَطٍ وَحُمُوِّ غَضَبٍ..." وهذا شيءٌ مُهمٌّ جدًّا: "... لِيَجْعَلَ [بحسبِ النَّصِّ العِبريِّ] الأَرْضَ" [ليس فقط بابل، بل إنَّه يتحدَّث عن الأرض هُنا] "...خَرَابًا وَيُبِيدَ مِنْهَا خُطَاتَهَا".
والآن، لاحظوا هذا: "فَإِنَّ نُجُومَ السَّمَاوَاتِ وَجَبَابِرَتَهَا لاَ تُبْرِزُ نُورَهَا. تُظْلِمُ الشَّمْسُ عِنْدَ طُلُوعِهَا، وَالْقَمَرُ لاَ يَلْمَعُ بِضَوْئِهِ. وَأُعَاقِبُ..." [لا بابِل، بل] "...الْمَسْكُونَةَ عَلَى شَرِّهَا، وَالْمُنَافِقِينَ عَلَى إِثْمِهِمْ، وَأُبَطِّلُ تَعَظُّمَ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَضَعُ تَجَبُّرَ الْعُتَاةِ. وَأَجْعَلُ الرَّجُلَ أَعَزَّ مِنَ الذَّهَبِ الإِبْرِيزِ، وَالإِنْسَانَ أَعَزَّ مِنْ ذَهَبِ أُوفِير". بعبارة أخرى، سوف تحدث مَذبحة عالميَّة حين يَدين الله الخُطاةَ والأشرار. فالأبرار سيَحيَوْن...أجل، ولكنَّ الخُطاة سيهلِكون، وسيصيرُ الرِّجالُ نادِري الوجودِ أكثر مِن ذَهب أوفير.
ونقرأ في العدد 13: "لِذلِكَ أُزَلْزِلُ السَّمَاوَاتِ وَتَتَزَعْزَعُ الأَرْضُ مِنْ مَكَانِهَا فِي سَخَطِ رَبِّ الْجُنُودِ وَفِي يَوْمِ حُمُوِّ غَضَبِهِ. وَيَكُونُونَ كَظَبْيٍ طَرِيدٍ..." يَركضون في ذُعرٍ في كلِّ مكان "...وَكَغَنَمٍ بِلاَ مَنْ يَجْمَعُهَا"؛ أي كغنمٍ لم يَسبق أن وُضِعَت في حَظائر، أو كَغَنَمٍ بَرِّيَّة. "...يَلْتَفِتُونَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى شَعْبِهِ، وَيَهْرُبُونَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى أَرْضِهِ. كُلُّ مَنْ وُجِدَ يُطْعَنُ، وَكُلُّ مَنِ انْحَاشَ يَسْقُطُ بِالسَّيْفِ. وَتُحَطَّمُ أَطْفَالُهُمْ أَمَامَ عُيُونِهِمْ، وَتُنْهَبُ بُيُوتُهُمْ وَتُفْضَحُ نِسَاؤُهُمْ".
والآن، يَرى النبيُّ يومًا مُرعبًا. انظروا إلى الأصحاح 34 مِن سِفْر إشعياء. وهُنا مَرَّةً أخرى، يَنظر النبيُّ إشعياء بعيدًا إلى المستقبل ويقول: "اِقْتَرِبُوا أَيُّهَا الأُمَمُ لِتَسْمَعُوا، وَأَيُّهَا الشُّعُوبُ اصْغَوْا". فهو يَدعو العالَم كُلَّه إلى الإصغاء. "لِتَسْمَعِ الأَرْضُ وَمِلْؤُهَا. الْمَسْكُونَةُ وَكُلُّ نَتَائِجِهَا". لِذا، لا مجال للتَّساؤل عن الأشخاص الَّذينَ يُشير إليهم. "لأَنَّ لِلرَّبِّ سَخَطًا عَلَى كُلِّ الأُمَمِ، وَحُمُوًّا عَلَى كُلِّ جَيْشِهِمْ"؛ أي على كُلِّ تلك الجيوش الَّتي تجتمع لإهلاك شعب الله في أورُشَليم في تلك المعركة العظيمة الَّتي تُعرَف باسم "هَرْمَجَدُّون". فكلُّ تلك الجيوش ستَهلِك تمامًا، وَهُم جميعًا سيُذبَحون (كما جاء في العدد الثَّاني). "فَقَتْلاَهُمْ تُطْرَحُ، وَجِيَفُهُمْ تَصْعَدُ نَتَانَتُهَا، وَتَسِيلُ الْجِبَالُ بِدِمَائِهِمْ. وَيَفْنَى كُلُّ جُنْدِ السَّمَاوَاتِ، وَتَلْتَفُّ السَّمَاوَاتُ كَدَرْجٍ، وَكُلُّ جُنْدِهَا يَنْتَثِرُ كَانْتِثَارِ الْوَرَقِ مِنَ الْكَرْمَةِ وَالسُّقَاطِ مِنَ التِّينَةِ".
إذًا، لقد عرفتم مِن أين استمدَّ الربُّ ويوحنَّا صُورتهم. أليس كذلك؟ فقد استمدُّوها مِن النبيِّ إشعياء. والربُّ يأتي بسيفٍ في العدد 6، ويأتي لذبح عددٍ عظيم. وسوف يَبتدئ ذلك في أرض أدوم. والسَّببُ في ذِكر أدوم هو أنَّ أقصى نُقطة في الجنوب ستحدث فيها تلك المعركة العظيمة ستكون في أدوم. وقد كانت "بُصْرَة" المدينة الرئيسيَّة في أدوم. ومعركة هَرمجدُّون (كما جاء في سِفْر الرُّؤيا) هي معركة ستجري فيها الدِّماءُ "مَسَافَةَ أَلْفٍ وَسِتِّمِئَةِ غَلْوَةٍ" (رؤيا 14: 20). فالدِّماء ستَجري مَسَافَةَ أَلْفٍ وَسِتِّمِئَةِ غَلْوَةٍ؛ أي نحو ثلاثمئة كيلومتر. وإن قِستُم ثلاثمئة كيلومتر ابتداءً مِن بُصْرَة المذكورة هُنا في العدد السَّادس في شمال أدوم، ستجتازون سهل أرمجدُّون إلى لُبنان. وسوف يكون هذا هو نِطاق ذلك الهلاك العظيم الأخير في معركة هَرمجدُّون. لِذا فإنَّ الكتاب المقدَّس دقيق جدًّا جدًّا في وصف ما يُسَمِّيه العدد 8 "يوم انتقام الربّ" و "سَنة الجَزاء"؛ أي عندما يُعاقبُ اللهُ الإنسان الخاطئ.
والآن، لقد تحدَّث النبيُّ يوئيل عن الشَّيء نفسه. فهو يرى في الأصحاح الثَّاني جيشًا مِن الجَراد يَحجُبُ الشَّمس والقمر بسبب ملياراتٍ مِن الجراد الَّذي يجعل النَّهار مُظلمًا ويَحجُب ضَوء القمر، ويَحجُز لَمعان النُّجوم. وَهُوَ يَرى هذا الجراد يطير في السَّماء. وكأنَّ السَّماوات تَرجُف. وَهُوَ يَرى أنَّ الجَراد يَنزل إلى اليابسة فتَرتعد الأرض. وهذا مَذكور في بداية الأصحاح الثَّاني والعدد 10. وفي مقطعٍ لاحقٍ مِن ذلك الأصحاح، يَرى يوئيل ارتجافَ السَّماواتِ وارتعادَ الأرض بسبب الجراد الَّذي هو دينونة إلهيَّة ويَصحَبُكُم إلى الدَّينونة الأخيرة في العددَيْن 30 و31 مِن سِفْر يوئيل والأصحاح الثَّاني.
وفي سِفْر حَجَّي 2: 6 و7، يَصِفُ النبيُّ نهاية العالم بنفس الألفاظ. ولعلَّكم تَذكرون أنَّه عندما وعظ بُطرس في يوم الخمسين (في سِفْر أعمال الرُّسُل والأصحاح الثَّاني)، فإنَّه اقتبس مِن نبوءة يوئيل. أليس كذلك؟ فسوف يأتي يوم يتحوَّلُ القمر فيه إلى دمٍ، والنُّجوم تَحجُزُ لَمعانها، والشَّمس تتحوَّل إلى ظُلمة. وكلُّ هذه الأشياء هي جُزء مِن هذه المجزرة الجماعيَّة. وتجدون ذلك أيضًا في سِفْر الرُّؤيا 6: 12 و13 حيث نَرى أنَّ الشَّمس تُظلم، وأنَّ القمر يُظلم، وأنَّ النُّجوم تسقُط، وأنَّ النَّاس سيقولون للصُّخور أن تسقط عليهم وتُخفيهم مِن وجه ذلك الَّذي سيأتي.
لِذا فإنَّ الصُّورة الَّتي يَرسمُها الرَّبُّ في إنجيل مَتَّى والأصحاح 24 تَتَّفِق مع ما قاله الأنبياءُ قَبله وحتَّى بعده حين كَتبوا العهد الجديد. لِذا فإنَّنا نَرى كلمتين رئيسيَّتين: "التَّعاقُب" (للوقت بعد الضِّيقة)، والكلمة الواضحة جدًّا: "الإعداد". الكلمة الثَّالثة: العَلامة. العدد 30: العَلامة. وهي مُهمَّة جدًّا. "وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَة". والآن، ارجِعوا إلى العدد الثَّالث مِن الأصحاح 24: "وَفِيمَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ، تَقَدَّمَ إِلَيْهِ التَّلاَمِيذُ عَلَى انْفِرَادٍ قَائِلِينَ: «قُلْ لَــنَا مَتَى يَكُونُ هذَا؟" وما الَّذي قَصَدوه بهذا؟ أي: "مَتى ستنقُض الهيكل؟ ومَتى ستُؤسِّس مَملكتك؟" فقد كانوا يفترضون أنَّ كلَّ ذلك سيحدث في نفس الوقت. وَهُم لم يَفهموا مِن ذلك أنَّ دمار أورُشَليم سيحدث في سنة 70 ميلاديَّة، بل كانوا يعتقدون أنَّ كلَّ ذلك سيحدث تهيئةً لتأسيس الملكوت. "... مَتَى يَكُونُ هذَا، وَمَا هِيَ عَلاَمَةُ مَجِيئِكَ وَانْقِضَاءِ الدَّهْر؟"
والآن، لقد قَدَّم لهم لائحةً بعلاماتٍ عامَّة في الأعداد 4-14. وقد أعطاهم العلامةَ على ابتداء ذلك، ولكنَّه لم يكن قد قَدَّم لهم حتَّى ذلك الحين "العلامة". "وَمَا هِيَ عَلاَمَةُ مَجِيئِكَ؟" (في العدد 30). فحينئذٍ ستَظهرُ العَلامة... العَلامة. وما هي العلامة؟ لقد كان مُعَلِّمو الكنيسة القديمة الَّذينَ يُسَمُّون "آباء الكنيسة" يؤمنون بأنَّ العلامة ستكون صَليبًا لامعًا يَملأ السَّماء المُظلمة. فسوف يَنْحَلُّ الكَون، ويصير ظلامًا دامسًا، وتَدور جميع الكواكب والأَجرام السَّماويَّة دورانًا فَوضويًّا في الكَون وتَرتطم بعضُها ببعض في الظَّلام الدَّامس. وكان الآباء الأوائل (يوحنَّا فَمُ الذَّهب، وكيرِلُّس الأورُشليميُّ، وأوريجانوس، وآخرون) يقولون إنَّه في تلك اللَّحظة الزَّمنيَّة، سيكون هناك صَليب لامعٌ ومُلتهِبٌ يَظهر في السَّماء ويَراه العالَم بأسرِه.
ولكنِّي لا أرى ذلك في العدد 30. هل تَرونه أنتُم؟ فأنا لا أرى أيَّ صليبٍ هناك. إنَّها فكرة لطيفة، ولكنِّي لا أراه هناك. وهناك أشخاص يقولون: "لا، سوف تكون سحابة المجد. فسوف تكون نُورًا ساطعًا". وهذا أقرب إلى الحقيقة في اعتقادي. ولكن لا يمكن أن توجد سحابة المجد بمعزِلٍ عن ذاك الَّذي تَعكِسُ مَجدَه. لِذا، أعتقد أنَّه إن تابعتُم قراءة الآية ستجدون أنَّ الجواب واضح جدًّا: "وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاء". فهي تأتي بصيغة الفَاعِلِيَّة (بِمعنى: العلامة الَّتي يُعلَن بها ذاتَه)، لا بصيغة المَفعوليَّة (أي لا بمعنى العلامة الَّتي تُشيرُ إليه). فالعلامة هي ابنُ الإنسان في السَّماء بعبارة أخرى. ثُمَّ ستَظهر العلامة. وما هي؟ إنَّها ابنُ الإنسان في السَّماء. فتلك هي العلامة. فهي ليست صليبًا، وليست نورًا مُنفصلاً عن ابن الإنسان، بل هي ابنُ الله في السَّماء. ففي وسط هذا الظَّلام سيَظهر بمجدٍ باهرٍ ومُطلَقٍ وغيرِ مَحجوبٍ ابنُ الإنسان. والحقيقة هي أنَّنا نقرأ في نهاية العدد 30 أنَّه سيأتي لا فقط بمجد، بل بماذا؟ بمجدٍ كَثير. بمجدٍ لم يَرى العالمُ مِثيلاً له. إنَّه المجد غير المَحجوب. وسيكون المجدُ عظيمًا جدًّا حتَّى إنَّ رؤيا 6 يقول إنَّ النَّاس سيصرخون ويقولون للحجارة والجبال أن تُغطِّيهم وتُخفيهم عن وجه الجالِس على العَرش، أو عن ذاك الَّذي سيأتي بمجدٍ عظيم. وأنا أُوْمِنُ بأنَّ المقصود بذلك هو الربُّ نفسُه.
وقد رأوا لمحةً مِن ذلك (إن كنتُم تَذكرون) في إنجيل مَتَّى والأصحاح 17 الَّذي يتحدَّث عن حادثة التَّجَلِّي. فقد أخذَ يسوعُ يعقوب وبُطرس ويوحنَّا إلى أعلى الجبل، وأَزاحَ البُرقُعَ عن جسدِه فرأوا مَجده ولَمحةً عن مجد مجيئه الثَّاني. وقد كانت لمحةً خاطفةً فقط؛ ولكنَّ بطرس لم ينساها يومًا. ورُبَّما تَذكرون أنَّه عندما كَتب رسالته الثَّانية قال: نحن لم نأتِ إليكم بخُرافات مُصَنَّعَة، ولم نُخبركم أكاذيب مِن صُنع الإنسان، بل نحن شُهود عِيان على جَلالِه حين كُنَّا معه في الجبل المُقدَّس. فقد رأينا لمحةً مِن مجد مجيئه الثَّاني.
ولكنَّ هذا هو أفضل ما حصل عليه البشر في الحقيقة. فقد رأى آدمُ لمحةً منه في الجَنَّة عندما مَشى وتحدَّث عند هُبوب ريح النَّهار في حضرة الله. وقد رأى بنو إسرائيل لمحةً من المجد عندما سَكَنَ بين جَناحيِّ الكروبيم في قُدس الأقداس في خيمة الاجتماع والهيكل. وقد رأوه كعمود سحاب قادَهُم في النَّهار، وكعمود نار قادَهُم في اللَّيل. وقد رأوه أيضًا عندما غَادَرَ مجدُ الله. ولكنَّ العالم لم يَرى المجد غير المحجوب. وسوف يَراه العالَمُ آنذاك.
إذًا، ستكون العلامة هي مجدُ الربِّ يسوع المسيح آتيًا في مجد. وسوف يكون ظاهرًا للعِيان، ومَعروفًا. وبالرَّغم مِن ذلك سيكون في مجدٍ كامل. ونقرأُ أيضًا... لاحظوا ذلك في نهاية العدد 30... أنَّه سيأتي "على..." [وهو حرفُ الجَرِّ المُناسِب] "...سَحَاب السَّمَاءِ". على سَحابِ السَّماء. "كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقًا إِلَى السَّمَاءِ..." بحسب ما جاء في سِفْر أعمالِ الرُّسُل 1: 9-11، سيأتي. فقد مَضى في السَّحاب، وسوف يأتي على السَّحاب. ويقول دانيال إنَّه سيأتي "مَعَ سُحُبِ السَّمَاء" (في سِفْر دانيال 7: 13). ويقول يوحنَّا إنَّه سيأتي "مَعَ السَّحاب" (في سِفْر الرُّؤيا 1: 7). ويقول مَرقُس إنَّه سيأتي "في سَحابٍ" (في إنجيل مرقُس 13: 26). ونقرأ في إنجيل لوقا 21: 27 إنَّه سيأتي "في سَحابَة". ويقول مَتَّى إنَّه سيأتي "على سَحابِ السَّماء" (هُنا ولاحقًا في الأصحاح 26 والعدد 64). لِذا فإنَّ كلَّ الكُتَّاب يَتَّفقون على أنَّه سيأتي ويكون مُحاطًا بالسَّحاب.
وقد تقول: "وما الَّذي يَعنيه ذلك؟" لا أدري! رُبَّما كانت هذه هي طريقتهم في رؤية سحابة المجد هذه. ولكن هناك سحابة ما: سحابة نُور... سحابة مجد. وأعتقد أنَّها سُحُب خاصَّة. فكما تَعلمون، فإنَّ العهد القديم يُخبرنا أنَّ السُّحُب هي مَرْكَبَةُ الله. فهي شيء حَيٌّ جدًّا. ففي المزمور 104، هل تَذكرون ما يقول؟ "بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ. يَا رَبُّ إِلهِي، قَدْ عَظُمْتَ جِدًّا. مَجْدًا وَجَلاَلاً لَبِسْتَ. اللاَّبِسُ النُّورَ كَثَوْبٍ، الْبَاسِطُ السَّمَاوَاتِ كَشُقَّةٍ. الْمُسَقِّفُ عَلاَلِيَهُ بِالْمِيَاهِ. الْجَاعِلُ السَّحَابَ مَرْكَبَتَهُ، الْمَاشِي عَلَى أَجْنِحَةِ الرِّيحِ". إنَّها لُغة نابضة جدًّا بالحياة وجميلة. ونقرأ في سِفْر إشعياء 19: 1: "هُوَذَا الرَّبُّ رَاكِبٌ عَلَى سَحَابَةٍ سَرِيعَةٍ".
لِذا فإنَّ المشهد لا يُوصَف. فسوف يُصاب العالَمُ بالذُّعر. وسوف يموت النَّاس في كلِّ مكان مِن الرُّعب. فسوف يعيشون في ظلامٍ دامسٍ. وسوف يُبقيهم الربُّ مُتماسِكين بالقَدر الَّذي يُتيح لهم فقط أن يَروا بقيَّة هذه الأحداث. وفي وسط تلك الفوضى المُظلمة، يَظهر مَجد ابن الله في السَّماء، بجلالٍ كامل، وبحضورٍ مَجيدٍ ومُقدَّسٍ وغير مَحجوب راكبًا على مركبة الله [أي: السَّحاب] ويَظهرُ في السَّماء. ولا شَكَّ في أنَّه سيَدور حول الكُرة الأرضيَّة لأنَّنا نقرأ في سِفْر الرُّؤيا 1: 7: "وَسَتَنْظُرُهُ [ماذا؟] كُلُّ عَيْنٍ". فكُلُّ عينٍ ستَنظُرُه. هذه هي العلامة.
والآن، مَرَّةً أخرى، كي نُقارن ذلك بنَصٍّ مِن العهد القديم، افتحوا كتابكم المقدَّس قليلاً على سِفْر زكريَّا والأصحاح 14. وفي النَّصِّ المُترجم إلى الإنجليزيَّة، قد لا تكون تَرجمةُ النَّصِّ العِبريِّ واضحة تمامًا. ولكن إن تَرجمنا النَّصَّ العِبريَّ تَرجمةً حرفيَّة، سنحصل حقًّا على صورةٍ أوضح. استمعوا بعناية شديدة. فالآية زكريَّا 14: 6... وهذا مُدهش... تقول ما يلي. وهذه ترجمة حرفيَّة ومُباشرة جدًّا للنصِّ العِبريّ: "وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ نُورٌ". وهذا هو تمامًا ما قالَه يسوع. فسوف تُظلِم الشَّمس، ويُظلِم القمر، وتُظلِم النُّجوم. وقد قال زكريَّا إنَّه لن يكون هناك نُور. "الْدَّرَارِي تَنْقَبِضُ". وهذه هي العبارة الَّتي تَليها في التَّرجمة الحرفيَّة للنَّصِّ العِبريّ. "الْدَّرَارِي تَنْقَبِضُ". أو يُمكنكم أن تُترجموها كما يَلي: "يَتلاشَى نُورُ الكَواكِب". وفي كلتا الحالَتين فإنَّها تُشير إلى النُّجوم، والشَّمس، والقمر. فكُلُّ الأنوار ستَنطفئ.
ونَقرأ: "وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْم...". وَهُوَ ليس يومًا مُؤلَّفًا مِن 24 ساعة، بل هو يومٌ نَبويٌّ، أو حِقبة، أو فترة زمنيَّة عندما يأتي الرَّبُّ. ونحن نَعلم أنَّها وقتُ مجيءِ الربِّ لأنَّ هذا هو ما يتحدَّث عنه سِفْر زكريَّا والأصحاح 14. وكُلُّ ما ينبغي أن تفعلوه هو أن تنظروا إلى العدد 4 للتحقُّق مِن ذلك. لذا، لن يكون هناك نُور. فسوف يُظلِم كلُّ شيء. وقد رأى زكريَّا ذلك أيضًا كما رآهُ إشعياء، وكما رآه يوئيل، وكما رآه حَجَّي، وكما رآه يوحنَّا. ثُمَّ نقرأ في العدد السَّابع... اسمعوا بعناية: "وَيَكُونُ يَوْمٌ وَاحِدٌ مَعْرُوفٌ لِلرَّبِّ". وما يقوله هنا هو أنَّه لا يمكن لأيِّ شخصٍ أن يَصِف هذا اليوم. ولا يُمكن لأيِّ شخصٍ أن يَفهم هذا اليوم. فلا يوجد تفسير عِلميٌّ لهذا اليوم. ولم يَمتلك أيُّ إنسانٍ فهمًا كاملاً لهذا اليوم. فهو يومٌ واحدٌ لا يمكن لأيِّ شخصٍ سِوى الربِّ أن يُفسِّره. وَهُوَ يومٌ واحدٌ لا يَعرفه أحد سوى الرَّبّ. ولن توجد طريقة لفهمه.
ثُمَّ إنَّه يقول أيضًا في العدد 7: "لاَ نَهَارَ وَلاَ لَيْلَ". فهو ليس نهارًا وليس ليلاً. فهذا غير مُمكن لأنَّه لن توجد أَجْرام سماويَّة حينئذٍ. لذا، لن تكون هناك شمس، ولن يكون هناك قمر، ولن تكون هناك نُجوم، ولن يكون هناك نهار أو ليل. لِذا "لاَ نَهَارَ وَلاَ لَيْلَ". لهذا السَّبب فإنَّنا نقرأ في سِفْر إرْميا 30: 7: "آهِ! لأَنَّ ذلِكَ الْيَوْمَ عَظِيمٌ وَلَيْسَ مِثْلُهُ". فهو يوم لا يُمكن لأيِّ شخص أن يَعرفه، ولا أن يَصِفَه، ولا يوجد تفسير له. ولكنَّ العدد 7 يقول: "بَلْ يَحْدُثُ أَنَّهُ فِي وَقْتِ الخِتام [أو في وقتِ الْمَسَاء، أو في نِهاية ذلك اليوم] يَكُونُ نُورٌ". ففي نهاية تلك الحقبة، أو نهاية تلك الفترة النَّبويَّة، سيأتي النُّور. لِذا فإنَّ زكريَّا يَرى الشَّيء نفسَه. فكلُّ شيءٍ سيُظلِم. ولن يَستطيع أحدٌ أن يَعرف ماذا حدث. ولا يوجد تفسير بشريّ. فاللهُ هو الوحيدُ الَّذي يَعرف. "لاَ نَهَارَ وَلاَ لَيْلَ". ثُمَّ في نهاية تلك الفترة المُظلمة، سيكون نهار.
وما هو ذلك النُّور؟ إنَّه علامةُ ابن الإنسان في السَّماء آتيًا على سَحاب السَّماء بقوَّةٍ ومجدٍ كثير. فهو جَلال غير مَحجوب. ويا له مِن نور! وقد تقول: "وكم سيكون باهرًا؟" نقرأ في سِفْر الرُّؤيا 21: 23 وسِفْر الرُّؤيا 22: 5 أنَّه في مدينة أورُشليم الأبديَّة، وفي المَسكن الأبديِّ للمَفديِّين، وفي سماء السَّماواتِ إلى الأبد، لن يكون هناك سِراج ولن يكون هناك نُور لأنَّ الخَروفَ نَفسَهُ هو نورُها. والآن، إن كان الربُّ يسوعُ المسيح سيُنير إلى أبد الآبِدين السَّماء الجديدة الأبديَّة، سيكون ذلك النُّور عظيمًا. وهذا هو كلُّ ما تحتاجون إليه. وسوف يَملأ السَّماواتِ بمجد نوره.
وقد تقول: "هذا رائع! كم أُحِبُّ أن أَرى ذلك!" لا يمكنني أن أَلومَك، بل أريد أن أقول لكم ما يلي: سوف نُخطَف، في اعتقادي، قبل سبع سنوات مِن حدوث ذلك. والآن، لا تشعروا بخيبة الأمل. فأنا أُوْمِنُ بأنَّ الكنيسة ستُختطَف قبل ابتداء الضِّيقة. وأنا أُوْمِنُ بأنَّنا سنكون مع الرَّبِّ. وسوف نشترك في عشاء عُرس الخَروف. وسوف نَحصل على المُكافآت. فسوف نكون معه لأنَّ الآية رؤيا 3: 10 تقول إنَّنا سنُحفَظ مِن ساعةِ التَّجربة العَتيدة أن تأتي وتُجَرِّبَ كلَّ الأرض. فسوف نُحفظ مِن ذلك. وسوف نُنْقَذُ [كما جاء في رسالة تسالونيكي الأولى 1: 10] مِنَ الغَضبِ الآتي. لِذا، أعتقد أنَّنا سنكونُ مع الربِّ. وهناك أسباب كثيرة أخرى. وقد تقول: "هل تعني أنَّنا لن نَرى ذلك؟" اسمحوا لي أن أُجيب عن هذا السؤال بالطريقة التالية: افتحوا كتابكم المقدَّس على رسالة كولوسي والأصحاح الثالث.
رسالة كولوسي 3: 4: "مَتَى أُظْهِرَ الْمَسِيحُ حَيَاتُنَا...". حسنًا؟ عندما يَظهَرُ، ويأتي بمجده، ويَظهَر للعالَم بأسره: "فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا مَعَهُ" [أين؟] فِي الْمَجْد". ويا لها مِن حقيقة عظيمة! فعندما يَظهر، أنتُم يا مَن تعرفونه وتُحبُّونه، ويا مَن قُمتُم مع المسيح [كما جاء في العدد الأوَّل]، والأحياء في المسيح [كما جاء في العدد الثَّالث]، وتَعرفون المُخلِّص وَهُوَ حياتُكم، تُظهَرون معه في المجد. فأنتم لن تكونوا هنا، بل ستكونون في الأعلى هناك. وعندما يأتي بمجده، تُظهَرون معه في المجد.
وقد تقول: "هذا رائع! يجب أن أشتري ثوبًا جديدًا، وأن أرتدي ملابس لائقة بهذا الحَدث". هذا صحيح. افتحوا على سِفْر الرُّؤيا والأصحاح 19. فلا حاجة إلى أن تذهبوا وتتسوَّقوا. فهناك ثوب جاهزٌ بانتظاركم. ففي سِفْر الرُّؤيا 19: 7، نَرى صورةً لعشاء عُرس الخروف حين يَتَّحِد الربُّ بكنيسته المَفديَّة؛ أي بِعروسِه. وهذا يُعرَف باسم عُرس الخَروف. فالعروس جاهزة. وعندما تقف العروس أمام الربِّ؛ أي عندما تُختَطَف الكنيسة وتقف في حضرته، نقرأ في العدد 8: "وَأُعْطِيَتْ أَنْ تَلْبَسَ بَزًّا نَقِيًّا بَهِيًّا، لأَنَّ الْبَزَّ هُوَ تَبَرُّرَاتُ الْقِدِّيسِينَ". لِذا، عندما تُختطف الكنيسة وتقف في حضرة الربِّ في عشاء العُرس، وعندما نَجلس مع الربِّ ونكون في شركة معه في أثناء فترة الضِّيقة الَّتي ستستمرُّ سبع سنوات على الأرض، سوف نُنْقَذ مِن الغضب الآتي ونُخَلَّص مِن الفِداء الآتي... أو بالحَرِيِّ مِن الدَّينونة الآتية على الأرض، ونصير في شركة مع الربِّ، ونحصل على المُكافأة، ونَرتدي بَزًّا نَقيًّا.
ثُمَّ عندما يأتي ثانيةً، افتحوا على العدد 14: "وَالأَجْنَادُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ...". وهي نفوس مَفديَّة مِن قَبل. وأنا أُوْمِنُ بأنَّ هذه النُّفوس تَضُمُّ الكنيسة، وأُوْمِنُ بأنَّها تَضُمُّ أيضًا قِدِّيسي العهد القديم الَّذينَ هُم أيضًا الضُّيوف المَدعوُّون إلى عشاء العُرس. ولا حاجة إلى دعوة العروس. فهي ستكون هناك. العروس... فالعُرس هو للعَروس. ولكنَّه يَضُمُّ أيضًا لائحة مَدعُوِّين إذ نقرأ في العدد 9: "طُوبَى لِلْمَدْعُوِّينَ إِلَى عَشَاءِ عُرْسِ الْخَرُوف" (أي قِدِّيسي العهد القديم). لِذا فإنَّ قدِّيسي العهد القديم المفديِّين وكلُّ الكنيسة سيكونون حاضرين هناك. وسيرتدي الجميع بَزًّا نَقيًّا ناصع البياض وطاهرًا. وهذا يرمِز إلى كَمال نَقائهم وبِرِّرهم. وسوف نَخرج جميعًا على ظُهور الخَيْل مِن السَّماء. فسوف يكون لك ثوب خاصٌّ بك وفَرسٌ أبيضٌ خاصٌّ بك. لِذا، سوف تكونون هناك. ولكنَّكم ستنظرون مِن أعلى إلى أسفل، لا مِن أسفل إلى أعلى.
أمَّا الأشخاص الَّذينَ لن يكونوا مستعدِّين عندما يَختَطف الربُّ كنيسته، ولن يكونوا مَفديِّين، فسوف يُتركون هنا. وسوف يموت كثيرون، ولكنَّ كثيرين سيَخلصون. وسوف ينظر مَفديُّون كثيرون إلى أعلى. فسوف يكون هناك أشخاص ينالون الفِداء في ذلك اليوم أُنقذوا مِن الضِّيقة ولم يَقتلهم ضِدُّ المسيح، ولم يَقتلهم المُضطهِدون والخائنون وكارهو الله. فسوف يُنقَذون ويجدون الحماية مِن ميخائيل، ويُخَلَّصون بصفتهم المئة والأربعة والأربعين ألفًا، ويَحصلون على الحِماية بِمُقتضَى رحمة الله ونِعمته. وسوف يكون هناك يهود وأُمم. وسوف يَحصلون على الحماية. وعندما يَرونه في السَّماء، سوف يَبتهجون. أمَّا العالَمُ فسيصرُخ في رُعبٍ وخوف. ويا له مِن يوم! يا له مِن يوم! لِذا، سوف نعود. ولن يكون هناك أيُّ أشخاصٍ مُستهزِئين يقولون: "أين هو موعد مَجيئه؟" لن يكون هناك أيُّ أشخاصٍ مُستهزِئين.
واسمحوا لي أن أُقدِّم لكم كلمةً رابعة: القوَّة. ويا لها مِن كلمة مُهمَّة! أَلا لاحظتم [بإيجازٍ شديد وحسب] العدد 30. ففي النَّهاية، سوف يأتي بقوَّة. فهي كلمة تُترجَم: "بِقُوَّة". وما أعنيه هو: هل يمكنكم أن تتخيَّلوا القوَّة اللاَّزمة لجعل الكون كُلِّه يَلتفُّ حقًّا، ولجعل الأرض بأسرها تَدور حول مِحورها! فهو يَملِك سُلطانًا على كُلِّ الكون المخلوق. وَهُوَ يَملِك سُلطانًا على الشَّيطان. وَهُوَ يَملِك سُلطانًا على الأرواح الشرِّيرة. وَهُوَ يَملِك سُلطانًا ليُهلِك جميع غير المؤمنين وغير الأبرار الَّذينَ يُبغضون المسيح في جميع أنحاء العالَم. وَهُوَ يَملِك سُلطانًا ليؤسِّس ملكوته. وَهُوَ يَملِك سُلطانًا ليفدي مُختاريه. فهي قُوَّة لا نَظير لها. فهي قوَّة عظيمة... قوَّة عظيمة. فلا توجد قُوَّة تُشبهها. فهو سيأتي مع ملائكته القدِّيسين، ويأتي ليجلس على كُرسيِّ مَجده (كما يقول الأصحاح 25 والعدد 31). فهي قوَّة عظيمة. والحقيقة هي أنَّ إشعياء يُسمِّيها في الأصحاح 63: يوم نقمة إلهِنا عندما يَدوس مِعصرة غضبه.
ويجب أن تَعلموا... فقد بقيت فكرة واحدة فقط. عندما يأتي، ستكون قوَّته عظيمة جدًّا حتَّى إنَّ الأشياء الَّتي تَحَطَّمت في فوضى الظَّلام وفوضى الأرض ستَستقيمُ حالاً. فعندما تقف قَدماه على جبل الزَّيتون (كما يقول زكريَّا) سيبتدئ كلُّ شيءٍ... كلُّ شيءٍ سيبتدئ بالحدوث. فسوف تقف قَدماه على جبل الزَّيتون (كما جاء في سِفْر زكريَّا 14: 1-4). وهذا رائع! فهو سيعود إلى ذات المكان الَّذي غادر منه. وهناك سيؤسِّس مملكته. وَهُوَ سيأتي وسيفٌ يَخرج مِن فمه (كما جاء في سِفْر الرُّؤيا والأصحاح 19) ويَقتل جميع الأشخاص غير الأبرار ويَرفض الأشخاص الَّذينَ لم يموتوا بعد. وَهُوَ سَيُنزِل بهم دينونةً عظيمةً (سنقرأ عنها عندما نَصِل إلى الأصحاح 25) ويُرسَلون إلى جهنَّم الأبديَّة. ثُمَّ إنَّه سيؤسِّس مجد ملكوته. وَهُوَ سيُنهي الخطيَّة (كما جاء في سِفْر دانيال 9: 24)، ويَضَعُ حَدًّا للإثم، ويؤسِّس البِرَّ الأبديَّ، ويُؤسِّس ملكوته إلى أبد الآبدين.
ولكنِّي أُحِبُّ التَّفكير في اللَّحظة الَّتي سيقف فيها على جبل الزَّيتون لأنِّي وقفتُ مَرَّاتٍ عديدة على جبل الزَّيتون ذاك. فعندما يقف على جبل الزَّيتون سيَنشَقُّ... سيَنشَقُّ وحسب. وفي سِفْر زكريَّا والأصحاح 14، نقرأ عن البحر الشَّرقيِّ والبحر الغَربيّ (أي عن البحر الأبيض المُتوسِّط والبحر الميَّت)، وعن شَقِّ قَناةٍ تَجري فيها المياه بانسياب. وعندما كُنَّا هناك، أخبرونا أنَّهم يحاولون أن يَحفروا قناةً الآن كي يَسحبوا الماء مِن البحر الأبيض المُتوسِّط... قناةً أو خَطَّ أنابيب لسحب الماء مِن البحر الأبيض المُتوسِّط لِرَيِّ الصَّحراء. ولو أنَّهم انتظروا لَوَفَّروا أموالاً كثيرةً جدًّا لأنَّ الربَّ لديه نفس الخُطَّة. وهي خُطَّة رائعة في الحقيقة، إن تَوَخَّينا الصَّراحة، لأنَّها خُطَّة الرَّبّ. وكما تَرون فإنَّ سِفْر إشعياء والأصحاح 35 يقول إنَّ القَفرَ سيُزهر إزهارًا. وَهُم يحاولون أن يُنفِّذوا ما جاء في إشعياء 35 مِن خلال مَشروعٍ هندسيّ.
عندما يأتي الربُّ، سَيَشُقُّ جبل الزَّيتون، ويُشَكِّل واديًا. وسوف يَتدفَّق ماء البحر الأبيض المتوسِّط إلى البَريَّة. وفي الصَّيف والشِّتاء ستكون المياه مُتوفِّرة في كلِّ الصَّحراء. وحيث إنَّ منطقة البحر الميِّت مُنخفضة جدًّا، سوف تَمتلئ. ولا بُدَّ أنَّها ستصير بُحيرةً ضخمة. وسوف تتوفَّر المياه بكثرة في تلك المنطقة للرَّيِّ، ولن تعود هناك صحراء في المُلْكِ الألفيّ... في الملكوت. فسوف تكون هناك قناة مِن البحر الأبيض المتوسِّط إلى الصَّحراء. وهذا شيء. وسوف يَربُض الأسد مع الخَروف، ويَلعب الأطفال مع الأفاعي السَّامَّة دون أن تَعضَّهُم، ويَعيشُ النَّاسُ وقتًا طويلاً، وتُرَدُّ الأرضُ! وهذا سُلطان. وهذه قُوَّة.
وهناك كلمة رئيسيَّة أخرى: "الحُزن". أَلا أخذتُم لحظةً لتنظروا إلى تلك الكلمة: "تَنوح"؟ "وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْض". فعندما يأتي، سيكون هناك حُزن. وقد أخبرتكم مِن قَبل عن حُزن الأُمم غير المُخَلَّصين. فبصورة رئيسيَّة، سوف... سوف يشعرون برُعبٍ شديد. وسوف يَصرخون ويَطلبون أن يَختفوا مِن هذا المَشهد. ولن تكون هناك توبة بصورة رئيسيَّة، بل إنَّهم سيَشتُمونَ الله، ويَصرخون على الله، ويُجَدِّفون على الله (كما جاء في سِفْر الرُّؤيا). وبحسب ما جاء في سِفْر الرُّؤيا 18 فإنَّنا نقرأ أنَّهم سيقولون: "وَيْلٌ! وَيْلٌ! بَابِلُ [أي: نِظامُنا العالميُّ] سقطت! بابلُ سَقطت!". ولن تعود هناك موسيقا، ولا تسجيلات، ولا أشرطة تُشَغِّل الموسيقا، ولا آلات يُعزَف عليها. فسوف تتوقَّف الموسيقا فجأةً في جميع أنحاء العالَم لأنَّ الرُّعب سيكون شديدًا جدًّا ولأنَّ الخوف سيكون شديدًا جدًّا حتَّى إنَّه لن تعود هناك أُغنية يُمكن ترديدُها. لِذا، سوف يَنوحُ الأمم.
ولكنَّ اليهود سيَنوحون أيضًا. فنحن نقرأ في سِفْر زكريَّا والأصحاح 12: "فَيَنْظُرُونَ إِلَيَّ، الَّذِي طَعَنُوهُ..." ويَفعلونَ ماذا؟ "وَيَنُوحُونَ عَلَيْهِ كَنَائِحٍ عَلَى وَحِيدٍ لَهُ". فسوف يُدركون أنَّهم طَعنوا مَسيحَهُم. ثُمَّ نقرأ في سِفْر زكريَّا 13: 1 أنَّ يَنبوعًا (أي يَنبوع تَطهير) سيُفتَح لهم. وسوف يَقترب فِداؤهم. وأعتقد أنَّه في تلك اللَّحظة، عندما يَقومُ المئةُ والأربعة والأربعون ألفًا بالكِرازة، ويَظهَر ثَمَر الإنجيل الأبديِّ الَّذي يُكرَز به بواسطة مَلاكٍ خارقٍ للطَّبيعة فإنَّهم في تلك اللَّحظة سيَرون الَّذي طَعنوه. وفي تلك اللَّحظة سيَخلُص كُلُّ إسرائيل (بحسب ما جاء في رُومية 11). فسوف يَخلُص كُلُّ إسرائيل. فسوف يَدنو فِداؤهم ويَنوحون لأنَّهم صَلبوا مَسيحَهُم. وسوف يؤدِّي نَوْحُ بعضٍ منهم إلى خلاصهم. فسوف يكون حُزنٌ بحسب مشيئة الله... حُزنٌ بحسب مشيئة الله يُنشئُ توبةً.
ثُمَّ إنَّ آخر كلمة يَتَّسِع الوقت لِذكرِها اليوم هي: المُختارين. العدد 31 بإيجازٍ شديد: المُختارين. فبعد أن يَدين الجميع، ويَحدُث النَّوح (أي نَوْح أولئك الَّذينَ يموتون ويذهبون إلى العذاب الأبديّ، ونَوْح أولئك الَّذينَ يتوبون)، سيُرسل ملائكته. والملائكةُ (بالمُناسبة) هُم جامِعون يَعملون لدى الله. فَهُم يَعملون لديه لِجَمْعِ البشر. ففي الأصحاح الثَّالث عشر مِن إنجيل مَتَّى، نَجِدُ أنَّهم في العديد مِن الأمثال يُرسَلون كي يَجمعوا النَّاس للدَّينونة، وكي يُحضروهم للمُثول أمام الله. وفي هذه الحالة، لن يَجمعوا النَّاس للدَّينونة، بل يَجمعوهم للمجد.
فعندما يُسمَع صوت البوق (وهي الطَّريقة اليهوديَّة المألوفة للدَّعوة إلى الاجتماع، أو الدَّعوة إلى التَّجَمُّع) إذْ إنَّهُ يُبَوَّقُ بالبوق فيذهب الملائكة (المُرسَلون مِن الله) ويَجمعون مُختاريه (أي الأشخاص المَفديِّين المُشَتَّتين في كلِّ مكان والَّذين آمنوا خلال قيام المئة والأربعة والأربعين ألفًا بالكرازة في جميع أنحاء العالَم). فسوف يَجمع الملائكةُ هؤلاء المَفديِّين. وخلال الكِرازة بالإنجيل مِن قِبَل الملاك الأبديِّ، سيكون هناك أشخاص يؤمنون. وسوف يكون هؤلاء يعيشون في كلِّ مكان على الأرض. وسوف يَختبئ كثيرون منهم مِن أهوال ضِدِّ المسيح. وسوف يَذهب الملائكة إلى جميع أنحاء العالَم كي يَجمعوهم "مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ" (وهو تعبير عاميّ يُشبه التَّعبير: "مِن أربع زوايا العالَم"؛ أي الشَّمال والشَّرق والجنوب والغرب). وسوف يَجمعوهم "مِنْ أَقْصَاءِ السَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَائِهَا". بعبارة أخرى: مِن كلِّ مكان. فلن يُترَك أحد. فالربُّ سيُرسل ملائكته ليجمعوا كُلَّ مُختاريه؛ أي المُختارين الَّذينَ اختارهم لمملكته الأبديَّة. وسوف يَقوم كثيرون. فأنا أعتقد أنَّ أجساد مؤمني العهد القديم ستخرج مِن القبر كي تَتَّحِد بأرواحها المَفديَّة وتَدخل إلى مجد مَملكته الأبديَّة. لذا فإنَّ الربَّ سيَجمع شعبه مِن جميع أنحاء العالَم كي يُحضرهم إلى مَلكوته.
هذا هو وصف الربِّ الشخصيِّ لمجيئه الثَّاني. ويا له مِن حَدثٍ عظيم! والآن، لقد عَرف التَّلاميذُ العلامة: "عندما تَرون ابن الإنسان في السَّماء". ولكنَّهم لم يعيشوا ليروا ذلك. وأنتُم وأنا، بنعمة الله، إن كُنَّا مَفديِّين، سنُختَطف مع الكنيسة. وأنا لا أبالي حقًّا إن كنتُ سأعيش على الأرض وأرى ذلك لأنِّي لا أُبالي باختبار الضِّيقة، بل أُفضِّلُ بالحَرِيِّ أن أكون مع المُخلِّص على أن أبقى هُنا وأُشبِع فُضولي. وإن كنتُ فُضوليًّا جدًّا بخصوص الضِّيقة إلى الحَدِّ الَّذي أَسمح فيه لذلك أن يُغيِّر لاهوتي، أكون قد حِدْتُ عنِ الطَّريق القويم لأنَّه يجب عليَّ أن أتوق إلى أن أكون مع يسوع المسيح.
وأنا أقول لكم ما يلي وحسب، يا أحبَّائي: هكذا سينتهي كُلُّ شيء. ولا يمكن أن يكون ذلك بعيدًا جدًّا. وإن كُنَّا سنُغادر قبل سبع سنوات مِن حدوث ذلك، يجب علينا أن نكون مُستعدِّين. فسوف تَبلُغُ تلك النُّقطة إمَّا عندما تصير معه في المجد (أي عندما تَدخلُ ملكوته)، أو عندما تُصاب بنوبة قلبيَّة، وتَبقى خارج ملكوته، وتُطرَح في جَهنَّم الأبديَّة كما يقول في الآية... في نهاية الأصحاح 25... في الآيات الخِتاميَّة حيثُ يكون البُكاء وصَريرُ الأسنان والعَذابُ الأبديّ. والعالَمُ يُحَقِّق بصورة دقيقة جدًّا خُطَّة الله التاريخيَّة.
ويجب عليك أن تَسأل نفسك: أين أنت؟ وما أعنيه هو أنَّ هذا أمر خطير. فمصيرُك الأبديُّ على المِحَكّ. وهذه هي تمامًا الطَّريقة الَّتي ستنتهي بها الأمور. فهل ستكون جُزءًا مِن الكارثة هُنا، أَم جُزءًا مِن المجد هناك؟ إنَّه خِيارُك. وبنعمة الله مِن خلال عمل الرُّوح القُدس في قلبك، صَلاتي هي أن تتجاوب مع المُخلِّص. دَعونا نَحني رؤوسَنا حَتَّى نُصلِّي:
نشكرُك يا رَبّ على إعطائنا كلِّ هذا الإعلان. فلا ينبغي لنا أن نعيش في الظَّلام مُتسائلين عَمَّا سيحدث. فنحن نَعلم ما سيحدث لأنَّك أخبرتنا بذلك. ولَيتَنا، يا رَبُّ، نشعر بالمسؤوليَّة ونعيش في ضَوْءِ تلك الأبديَّة! ويا لَيتَنا نَترَقَّب الظُّهور المَجيد لربِّنا ومُخلِّصنا يسوع المسيح، ونَترقَّب اليوم الَّذي سنكون فيه معه دون أن نُضطرَّ إلى العيش في خوف مِمَّا سيحدث بسبب رفضِنا للمُخلِّص الَّذي يريد في المقام الأوَّل والأخير أن يَغمرنا بمحبَّته، ونِعمته، وغُفرانه، وسلامِه، وفَرحِه، وبَرَكته.

This article is also available and sold as a booklet.