Grace to You Resources
Grace to You - Resource

يا له مِن امتيازٍ عظيمٍ لنا أن نَلتقى معًا في يوم الرَّبِّ لدراسة كلمة الله! فَمِن السَّهل علينا أن نَنسى ذلك الامتياز. وقد نَظُنُّ أنَّه أمرٌ مَفروغٌ مِنه أن توجد وَفرة مِن التَّعليم الكِتابيِّ هُنا في كنيسة "النعمة" (Grace Church). ولكن عندما أسافر إلى مكانٍ آخر، وألتقي أُناسًا آخرين لا يَحْظَوْنَ بالامتياز الَّذي نَحظى به جميعًا هنا بوجود مُعَلِّمين كثيرين وَفَّرَهُم اللهُ، أَتذكَّر كم نحن أغنياء، وكم ينبغي لي أن أكون شاكِرًا لله، وأنَّه لا يجوز لي البتَّة أن أنظر إلى روعة كلمته العظيمة والمجيدة كأمرٍ مَفروغٍ مِنه. وفي كُلِّ مَرَّةٍ نتأمَّلُ فيها في كلمة الله في يوم الرَّبِّ، أرجو أن يوجد في قلبكم شعور بالتَّرقُّب، وشعور بالفرح، وشعور بالانفصال [إن جاز التَّعبير] عن العالَم والأشياء المُحيطة بكم كي تَتمكَّنوا مِن التَّركيز بكلِّ قلوبكم على الأمور الَّتي يريد رُوحُ الله أن يقولها مِن خلال كلمة الله. فهذا امتيازٌ رائعٌ وعظيمٌ ومُقدَّسٌ لنا. والكلمة الَّتي تَسمعونها هُنا لا تَقِلُّ في شيء عن كلمة الله الَّتي كان الربُّ نفسُه سيقولها لو كان حاضرًا هُنا، أو لو كان واحدٌ مِن الرُّسُل أو الأنبياء حاضرًا هُنا ويُقدِّم الرِّسالة. فهذه هي كلمة الله لنا. ونحن نسمعها بفرحٍ عظيمٍ وقلوبٍ شَكورة.

وكلمةُ الله لنا في هذا الصَّباح هي مِن إنجيل مَتَّى 24: 32-35. وهذا هو النَّصُّ الَّذي سنَدرسه الآن في مَعرِض دراستنا المُتواصلة في إنجيل مَتَّى العظيم هذا. وأودُّ أن أقرأ النَّصَّ على مسامعكم قبل أن نَنظر إليه نظرةً عميقة. إنجيل مَتَّى والأصحاح 24، ابتداءً مِن العدد 32: "فَمِنْ شَجَرَةِ التِّينِ تَعَلَّمُوا الْمَثَلَ: مَتَى صَارَ غُصْنُهَا رَخْصًا وَأَخْرَجَتْ أَوْرَاقَهَا، تَعْلَمُونَ أَنَّ الصَّيْفَ قَرِيبٌ. هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا، مَتَى رَأَيْتُمْ هذَا كُلَّهُ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَرِيبٌ عَلَى الأَبْوَابِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَمْضِــي هذَا الْجِيلُ حَتَّى يَكُونَ هذَا كُلُّهُ. اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُول".

إنَّ رجاءَ كُلِّ مؤمنٍ هو المجيءُ الثَّاني للربِّ يسوعَ المسيح. والكتابُ المقدَّسُ يقول إنَّنا نحنُ الَّذينَ نُحِبُّ ظُهورَه. ونحن أولئك الَّذينَ نَنتظر ذلك الرَّجاءَ المُبارك وَظُهُورَ مَجْدِ اللهِ الْعَظِيمِ وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيح. ونحن أولئك الَّذينَ ننتظر بشوق [كما يقول بولس] المَجدَ العَتِيدَ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا. ونحن ننتظر استعلانَ أبناءِ اللهِ وحُرِّيَّةَ مَجْدِ أَوْلاَدِ الله. ونحن ننتظر فداء أجسادِنا. ونحنُ [كما يقول العهد الجديد] أولئك الَّذينَ ينتظرون مجيء ربِّنا يسوع المسيح، واليوم الَّذي سيَدينُ فيه القدِّيسون العالَم، والذي سنتغيَّر فيه جميعًا، والذي سيُهزَم فيه الموتُ إلى الأبد مع الخطيَّة، والَّذي سنَدخُل فيه إلى حضرة المسيح [كما يقول بولس] كعذراء عفيفة مُقدَّمة إلى عَريسِها. ونحن نتوق إلى اليوم الَّذي سنتغرَّب فيه عن الجسد ونَستوطِن عند الرَّبِّ، وإلى اليوم الَّذي سيَظهر فيه ونَكون مِثلَهُ لأنَّنا سنَراهُ كما هو.

ففكرةُ المجيء الثَّاني تَملأُ العهدَ الجديد. وهي الحقيقة المُرتقبَة العظيمة في الحياة المسيحيَّة. فنحن ننظر إلى الوراء إلى الصَّليب حيثُ تَمَّ فِداءُ نفوسنا. ونحن نترقَّب المجيء الثَّاني حيث سيتمُّ فداء أجسادنا وسندخل إلى مِلْءِ خلاصنا. ونحنُ المؤمنين نَتوق إلى اليوم الَّذي سيأتي فيه يسوع لأنَّه اليوم الَّذي سيُهزَم فيه الشَّيطان. وَهُوَ اليوم الَّذي ستُرفَع فيه اللَّعنة. وَهُوَ اليوم الَّذي سيُمَجَّد فيه القدِّيسون، ويُعبَد فيه المسيح، وتُعْتَقُ فيه الخليقة، وتُزالُ فيه الخطيَّة والموت. لِذا فإنَّنا نتطلَّع بترقُّبٍ شديد إلى المجيء الثَّاني ليسوع المسيح. ونحن نؤمن بأنَّه حدث حقيقيّ سيحدث تاريخيًّا كما حَدث مجيئه الأوَّل؛ ولكن بتأثيرٍ أقوى وأمجَد.

وعندما نُفكِّر في المجيء الثَّاني، يمكننا أن نُفكِّر في آيات كِتابيَّة كثيرة جدًّا. ولكنَّنا نتأمَّل في مَقطعٍ لا مَثيل له حقًّا. فالأصحاحان 24 و25 مِن إنجيل مَتَّى هُما عِظَة يسوع شخصيًّا عن مجيئه الثَّاني. لِذا عندما أراد مُخَلِّصُنا نفسُه أن يتحدَّث عن مجيئه الثَّاني، هذه هي الألفاظ الَّتي اختار أن يَستخدمَها للحديث عنه. لِذا فإنَّنا نَتعجَّب المَرَّة تلو المَرَّة ونحن نسمع المُخلِّص يتحدَّث إلى تلاميذه على جبل الزَّيتون ويخبرهم أنَّ هذه ليست النِّهاية، بل إنَّه سيعود بمجد وقوَّة ليؤسِّس ملكوته.

والآن، إنَّ العظة نفسَها تُسَمَّى "العِظة على جبل الزَّيتون" لأنَّ رَبَّنا قَدَّمها على جبل الزَّيتون. وهي مُدوَّنة في إنجيل مَتَّى وإنجيل مَرقُس وإنجيل لوقا بسبب أهميَّتها البالغة. ونحن نتأمَل في نظرة مَتَّى؛ وهي النَّظرة الأطول والأكثر تفصيلاً إلى العِظة الَّتي قَدَّمها رَبُّنا. ونحن نَتعلَّم أمورًا كثيرةً رائعةً ومُدهشة.

واليوم، نأتي إلى هذا الجزء الصَّغير الَّذي يُقدِّم فيه رَبُّنا مَثَل شجرة التِّين. وأعتقد أنَّه حين نُنهي تأمُّلنَا فيه سنَرى التَّأثير والأهميَّة العظيمين لهذا المَثل مِن جِهَة تطبيقه على مَجيئه الثَّاني. ولكن لكي نَفهمه، يجب علينا أن نَرجع قليلاً إلى الوراء ونَعلَم أين نحن. فلا يمكننا وحسب أن نَقفز إلى العدد 32. لذا، ارجِعوا مِن فَضلكم إلى العدد الثَّالث مِن هذا الأصحاح. فقد جَلَسَ يسوعُ مع تلاميذه بعد أن صَعِدوا جبل الزَّيتون؛ وَهُوَ جَبَلٌ عَالٍ نَوعًا ما. وكانوا قد صَرفوا اليوم كُلَّه في الهيكل يُحاورون القادة الدِّينيِّين والشَّعب. وقد قال يسوع في كلمته الأخيرة للشَّعب اليهوديِّ في العدد 39: "مُبَارَكٌ الآتِــي بِاسْمِ الرَّبِّ!". وقد تَحدَّث عن مجيئه بمجد، وتحدَّث عن مجيئه بقوَّة، وتحدَّث عن مجيئه بالملكوت الَّذي وَعَد به أنبياء العهد القديم. وقد أثار ذلك اهتمام التَّلاميذ.

لِذا، عندما بَلغوا قمَّة جبل الزَّيتون، قالوا له على انفرادٍ في العدد الثَّالث: "قُلْ لَــنَا...". وقد كانوا مُفعَمين بالتَّرقُّب. "...مَتَى يَكُونُ هذَا؟ وَمَا هِيَ عَلاَمَةُ مَجِيئِكَ وَانْقِضَاءِ الدَّهْرِ؟" فقد أرادوا معلومات أكثر عن مجيئه، ومعلومات أكثر عن ذلك الوقت العظيم الَّذي سيَملِك فيه بصفته مَلِكَ المُلوك وربَّ الأرباب. فقد أرادوا أن يَعلموا مَتى، وأرادوا أن يَعلموا ما هي العلامات؟ لِذا فقد سألوه في الحقيقة سؤالين: متى سيحدث ذلك؟ وما هي العلامات؟

وقد أجاب يسوع عن هذين السؤالين بترتيبٍ معكوس. فهو يُجيب عن السؤال الثَّاني في الآيات 4-35. ونحن ندرس ذلك السُّؤال الثَّاني: ما هي العلامات؟ أمَّا السُّؤال الأول "متى يكونُ هذا؟" فإنَّه يبتدئ بالإجابة عنه في العدد 36 حين يقول: "وَأَمَّا ذلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ"، ثُمَّ يبتدئ بالتحدُّث عن متى سيحدث ذلك. ولكنَّنا ننظر إلى المقطع الَّذي يُجيب فيه عن سؤالهم: "ما هي العلامات؟" أو "ما الأشياء الَّتي ننتظرها ونَعلم مِن خلالها أنَّك آتٍ بمجد؟" والآن، تَذكَّروا في المقام الأوَّل أنَّه أجابهم ابتداءً مِن العدد 4 وحتَّى نهاية العدد 14 مِن خلال وَصْفِ مجموعة مِن العلامات العامَّة الَّتي ستحدث مباشرةً قبل مجيئه الثَّاني. وهذه العلامات تُسَمَّى في العدد 8 "الأوجاع". فهي علامات مُتلاحقة تأتي في نهاية دهر الإنسان (كما تأتي آلام الولادة في نهاية الحَمل) وتؤدِّي إلى ولادة الملكوت. لذا فقد قال لهم: "يجب عليكم أن تترقَّبوا كلَّ هذه العلامات".

ثُمَّ إنَّه يقول في العدد 15 إنَّه سيكون هناك شيء واحد يُشير إلى ابتداء الأوجاع. فهناك شيء واحد سيُحَرِّك هذه العلامات العامَّة وَهُوَ: رِجْسَة الخَراب. ولعلَّكُم تَذكرون أنَّنا تحدَّثنا عن ذلك حيثُ إنَّ ضِدَّ المسيح سيُقيمُ صَنمًا لنفسه في الهيكل في قُدس الأقداس في أورُشَليم ويُرغم العالَم كُلَّه على السُّجود له. فهذه هي رجسة الخراب. وهي الشَّرارة الَّتي سَتُشعِل ما يُسَمِّيه العدد 21 "الضِّيق العَظيم" الَّذي تحدث فيه تلك الأوجاع. لِذا فقد قالوا: "مَا هِيَ عَلاَمَةُ مَجِيئِكَ" فقال: "تَرَقَّبوا رِجْسَةَ الْخَرَاب. وعندما تَنظرونها، اهربوا لأنَّ ما سيحدث بعدها هو شيء لم يَشهد العالَم مَثيلاً له مِن قَبل". وقد وَصَف المَخاض؛ أي تلك الآلام الشَّديدة المُتلاحقة الَّتي ستحدث على الأرض إلى أن يأتي الملكوت في النِّهاية.

إذًا، لقد أعطاهم علامات عامَّة، وأعطاهم علامة مبدئيَّة تُشعِل فَتيل تلك العلامات العامَّة. ثُمَّ إنَّه أعطاهم العلامة المُحدَّدة في العدد 29. فقد أعطاهم العلامة المُحدَّدة في العدد 29: "وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ الأَيَّامِ تُظْلِمُ الشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ، وَالنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ، وَقُوَّاتُ السَّمَاوَاتِ تَــتَزَعْزَع". إنَّه تَفَكُّك الكَون. "وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَة". فهذه هي العلامة. فقد أرادوا علامة. وهذه هي العلامة: "ابْنَ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. فَيُرْسِلُ مَلاَئِكَتَهُ بِبُوق عَظِيمِ الصَّوْتِ، فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ السَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَائِهَا".

إذًا، لقد قال لهم: "هل تريدون علامة؟ راقبوا آلام الولادة الَّتي ستُشعِلُ فَتيلَها رِجْسَةُ الخَراب. وعندما تَنتهي هذه تَظهرُ العلامة. والعلامةُ هي ابنُ الإنسان في السَّماء. فكلُّ الأَجْرام السماويَّة ستُظلِم. وسوف يَسودُ الظَّلام في الكون ثُمَّ تَظهر علامةُ ابن الإنسان بمجدٍ بَهِيٍّ في السَّماء إذْ إنَّه سيأتي ليُهلِكَ الأشرار، ويَجمَع المُختارين، ويؤسِّس مَلكوته. هذا هو ما ينبغي أن تترقَّبوه".

وعندما أعطاهم هذه الأشياء كعلامات، كان يَعلم أنَّه ما تَزال توجد في أذهانهم تساؤلات؟ "متى ستبتدئ كلُّ هذه العلامات؟ كَم ستدوم؟ كم سيَطولُ ذلك إلى أن يَتِمَّ تأسيسُ المَلكوت؟ كم سيَطولُ ذلك إلى أن يَملِك ابنُ الله بصفته ملِكَ الملوك وربَّ الأرباب؟ كم ستدوم آلام الولادة؟ كم هي الفترة الزمنيَّة الفاصلة بين ظهور العلامة في السَّماء إلى تأسيس الملكوت على الأرض؟ لِذا، كي يُلَخِّص ذلك ويُمَهِّد للإجابة عن السُّؤال "مَتى؟" فإنَّه يقول هذا المَثَل وتَفسيره في الأعداد 32-35. وأريد منكم أن تنظروا إليه. فهو رائع. وأريد منكم أن تَروا أربعة عناصر تَتَكَشَّف هُنا:

أوَّلاً، "تَشبيه غير مُعَقَّد" ... تَشبيه غير مُعَقَّد. العدد 32: "فَمِنْ شَجَرَةِ التِّينِ تَعَلَّمُوا الْمَثَلَ: مَتَى صَارَ غُصْنُهَا رَخْصًا وَأَخْرَجَتْ أَوْرَاقَهَا، تَعْلَمُونَ أَنَّ الصَّيْفَ قَرِيبٌ". فالآن، نجد هنا تشبيهًا غير مُعَقَّد. وأرجو أن تَتذكَّروا أنَّ الأمثال كانت تُقال بقصد توضيح الأمور للتَّلاميذ. فمثلاً، افتحوا كتابكم المقدَّس قليلاً على الأصحاح الثالث عشر مِن إنجيل مَتَّى. فنحن نقرأ في الأصحاح الثالث عشر من إنجيل مَتَّى والعدد 10: "فَتَقَدَّمَ التَّلاَمِيذُ وَقَالُوا لَهُ: «لِمَاذَا تُكَلِّمُهُمْ بِأَمْثَال؟»" لماذا تتكلَّم بأمثال؟ فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: "لأَنَّهُ قَدْ أُعْطِيَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا أَسْرَارَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، وَأَمَّا لأُولَئِكَ فَلَمْ يُعْطَ".

إذًا، الأمثالُ تَخدِمُ غايتَيْن: فالأمثال الَّتي لا يُرافقها تفسير تُخفي الحقَّ. والأمثال الَّتي يُرافقها تفسير تَجعلُ الحقَّ واضحًا. فقد كان هذا هو القصدُ المُزدَوج للمَثَل. فعندما كان يسوع يَقول مَثَلاً للجُموع أو للقادة الدينيِّين دون أن يُفَسِّرَه، كان ذلك أُحجية لهم. وعندما كان يقول مَثلاً للتَّلاميذ ويُفسِّره، كان مَثلاً توضيحيًّا يَجعل الأشياء أوضح بكثير. لذا فإنَّه يقول: "السَّبب الَّذي لأجله أتكلَّم بأمثال هو إخفاء الأمور عن مَن يَزعُمون أنَّهم حُكماء وفُهماء في هذا العالَم وكَشف جَهلهم. فالأمثال الَّتي لا يُرافقها تفسير هي أَحاجي لِجَعل الأمور غامضة. لِذا فإنَّ يسوع يُكلِّم التَّلاميذ الآن ويَشرح لهم تَمامًا ما يعنيه كي يصير المَثَل بالنِّسبة إليهم مَثلاً حَيًّا يَجعلُ الحقَّ واضحًا جدًّا جدًّا. فهو تشبيه غير مُعَقَّد.

والآن، عندما تُدركون أنَّ الأمثال الَّتي قيلت للتَّلاميذ كانت تَرمي إلى زيادة فَهمِهم، لا إلى تشويشهم، ستُدركون شيئًا مُهمًّا جدًّا عن الأمثال. فهي ليست صعبة الفَهم. وهي ليست مُعَقَّدة، بل هي تشبيهات غير مُعقَّدة لتوضيح حَقٍّ بسيط. لِذا، لا حاجة إلى امتلاك نُسخة مِن الكتاب المقدَّس الدِّراسيِّ لرايري (Ryrie Study Bible) كي تَفهموا هذا المَثل، أو نُسخة مِن الكتاب المقدَّس لسكوفيلد (Scofield Bible)، أو أن تَلتحقوا بكُليَّة لاهوت، أو أن تنظروا إلى جدولٍ تَدبيريٍّ؛ بل يمكنكم بصورة رئيسيَّة أن تقفوا على نفس الأرضيَّة الَّتي كان يقف عليها التَّلاميذ وأن تفهموا تقريبًا الأشياءَ الَّتي فَهِموها، وأن تَقبَلوا وتَفهَموا بساطة التَّشبيه غير المُعقَّد. وأعتقد أنَّه مِن المهمِّ جدًّا أن نقول ذلك لأنَّ هذا المَثل تحديدًا صار يُستخدم للتَّعبير عن مفاهيم مَجازيَّة جدًّا عوضًا عن المفاهيم التَّشبيهيَّة. وعوضًا عن أن يكون هذا المَثل تَشبيهًا لشيءٍ ما، صار صورةً مجازيَّة. وما لم تَفهموا أسراره، لن تفهموا حتَّى ما يعنيه. ولكنَّنا نَرفض القول بأنَّه يَرمي إلى تَعقيد الأشياء، ونُؤمِن بأنَّه يَرمي إلى جعل الأشياء واضحة جدًّا.

لِذا فإنَّه تشبيه بسيط وطبيعيّ يُفترَض بهم أن يَفهموه. فهو تشبيه شجرة تين. وهو تشبيه ينبغي أن يفهموه بسهولة لا سِيَّما أنَّ أشجار التِّين كانت تَملأ المكان. والحقيقة هي أنَّه في صباح نفس ذلك اليوم (بحسب ما جاء في الأصحاح 21 والأعداد 18-22)، كان يسوع قد عَلَّمهم درسًا واحدًا مِن شجرة التِّين. أليس كذلك؟ ولعلَّكُم تَذكرون أنَّه وجد شجرة تين عليها أوراق ولكنَّها لا تحمل ثمرًا، فَعلَّمهم دروسًا عن العُقْمِ ودروسًا عن الصَّلاة مِن شجرة التِّين تلك.

وهو لم يكن المُعلِّم الأوَّل الَّذي استخدَم شجرة تين، بل يمكنكم أن تنظروا إلى سِفْر القُضاة لتجدوا في سِفْر القُضاة 9: 10 و11 أنَّ يُوثام يَستخدم شجرة تين. ويمكنكم أن تنظروا إلى سِفْر هوشع 9: 10 لتجدوا أنَّ التِّين مُستخدَم... أو أنَّ سَلَّتَي تِيْن تُستخدمان... لا، بل إنَّ إرْميا هو الَّذي يُشيرُ إلى سَلَّتَي تين. ولكن يمكنكم أن تنظروا إلى سِفْر هوشع 9: 10 لتجدوا أنَّ التِّين مُستخدَم للإشارة إلى الآباء. ثُمَّ في سِفْر إرْميا 24: 2 (كما أَذكُر)، يَستخدم إرْميا سَلَّتيّ تين للإشارة إلى الأبرار والأشرار. كذلك، تَستخدِمُ الآيتان يوئيل 1: 6 و7 شجرة التِّين استخدامًا مَجازيًّا لتعليم درسٍ رُوحيٍّ. وتقرأون في سِفْر الرُّؤيا أنَّ الكون سيسقط كما يسقط التِّين مِن شجرة تين ناضجة. لِذا فإنَّ انتشار هذه الشَّجرة هو الَّذي جَعل الأنبياء والمُعلِّمين على مَدى تَاريخ بني إسرائيل يَستخدمونها للإشارة إلى حَقٍّ رُوحيٍّ مُعيَّن. والربُّ يَفعل الشَّيء نفسَه هنا كما فَعل في صباح ذلك اليوم الَّذي لَعَنَ فيه شجرة تين. لذا فإنَّها وسيلة تعليميَّة شائعة.

والآن، لقد أراد رَبُّنا منهم أن يَفهموا ما يقول. أَلا لاحظتُم الكلمة "تَعَلَّموا"؟ فهو يقول: "تَعَلَّمُوا الْمَثَل". بعبارة أخرى، لا تستمتعوا وحسب، بل افهموا الرِّسالة. وَهُوَ يَستخدم الكلمة "مانثانو" (manthano) الَّتي تعني بصورة رئيسيَّة: "يَتعلَّم..." يَتعلَّم تَعلُّمًا حقيقيًّا أو صَادقًا يُرَسِّخ عادةً. فهي تعني أن تَتعلَّم شيئًا ما تمامًا. وهي تُستخدَم حتَّى للتَّعبير عن فكرة اكتساب عادَة. افهموا الرسالة ودعوها تَتَرَسَّخ عميقًا فيكم. وبولس يَستخدم نفس الفِعل، على سبيل المِثال، في رسالة فيلبِّي 4: 11 إذْ يقول: "فَإِنِّي قَدْ تَعَلَّمْتُ أَنْ أَكُونَ مُكْتَفِيًا بِمَا أَنَا فِيهِ". فهو شيء تَعلَّمه بعُمق، وشيء لم يكتفي فقط بسماعه، بل هو شيء صار حقًّا معرفة مُكتسبة بالمُمارسة. وهذا هو جوهر ما يقوله: "أريد منكم أن تفهموا هذا. ولا أريد أن يَفوتَكُم هذا، بل أريد أن تفهموه بوضوح. وإليكم ما أريد منكم أن تَتعلَّموه: إنَّه مَثَل شجرة التِّين، وهو تشبيه شجرة التِّين، وهي الرِّسالة أو الدَّرس النَّابِع مِن هذا التَّشبيه البسيط".

وإليكُم المَثَل: "مَتَى صَارَ غُصْنُهَا رَخْصًا وَأَخْرَجَتْ أَوْرَاقَهَا، تَعْلَمُونَ أَنَّ الصَّيْفَ قَرِيبٌ". والآن، لا يمكن لأيِّ شخصٍ أن يُسيءَ فهم ذلك. عندما تَرونَ شجرة تين أَخرجت أوراقَها، تَعلمون أنَّ الصَّيف قريب. ما معنى ذلك؟ إنَّه وقت الثَّمر والحَصاد. بعبارة أخرى، عندما تُزهِر الشَّجرة، يكون الرَّبيع قد جاء. أليس كذلك؟ فالأمر ليس مُعقَّدًا حقًّا. وما الَّذي يقصده بقوله: "مَتَى صَارَ غُصْنُهَا رَخْصًا"؟ في هذا الوقت من السَّنة عندما تبدأُ العُصارة تَجري في تلك الأغصان، فإنَّها تصير مُنتفخة وطَريَّة حين تَسري تلك الحياة وتتدفَّق في أطراف تلك الأغصان مُشَكِّلَةً أوراقًا. فهناك أجزاء طَريَّة في الشَّجرة. وهناك حاجة إلى الاعتناء جيِّدًا بتلك الشَّجرة في تلك الفترة الزَّمنيَّة. لذا، هذا هو ما يُشير إليه. فعندما تصير أغصانها طَريَّة بسبب تَدَفُّق العُصارة فيها بهدف تشكيل الأوراق، اعلَموا أنَّه الرَّبيع. والرَّبيع يعني أنَّ الصَّيف اقترب. والصَّيف يعني الحصاد. فالصَّيف يَعني الحَصاد.

وعندما يتحدَّث الربُّ في إنجيل مَتَّى عن الحصاد فإنَّه يتحدَّث عن الوقت الَّذي سيأتي فيه كي يَفصل الأبرار عن الأشرار. فالحصاد في إنجيل مَتَّى يُشير إلى الدَّينونة. وَهُوَ يُشير إلى مجيء الرَّبِّ لمُكافئة الأبرار ومُعاقبة الأشرار. افتحوا على إنجيل مَتَّى والأصحاح الثالث لتجدوا ذلك. فنحن نقرأ أنَّ يوحنَّا المعمدان قال (في العدد 11): "أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ لِلتَّوْبَةِ، وَلكِنِ الَّذِي يَأتِــي بَعْدِي..." [وهذه إشارة إلى المسيح] "...هُوَ أَقْوَى مِنِّي، الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَحْمِلَ حِذَاءَهُ. هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ". والنَّار الَّتي يُشير إليها هي نار الدَّينونة.

وهناك إشارة إليها في العدد 10. وهي تُشبه نار الدَّينونة لأنَّه عندما لا تَحمل الشَّجرة ثمرًا فإنَّها تُقطَع وتُطرَح في النَّار. والعدد 12 يقول إنَّ "رَفْشَهُ فِي يَدِهِ، وَسَيُنَقِّي بَيْدَرَهُ". وقد كانوا يَستخدمون رَفْشًا لإلقاء الحُبوب في الهواء فتَطيرُ العُصافةُ بعيدًا وينزل القمح إلى الأرض. وسوف يَفصِلُ الربُّ الأبرار عن الأشرار ويَحرِق التِّبْنَ بنارٍ لا تُطفأ. بعبارة أخرى فإنَّ يوحنَّا المعمدان ينظر هنا إلى الحصاد ويَرى أنَّ الحصاد هو الوقت الَّذي يَفصل فيه اللهُ الشَّرَّ ويحرقه، ويَحفظ فيه الأبرار ويأتي بهم إلى الحظيرة؛ أي حظيرة مَلكوته.

وفي إنجيل مَتَّى والأصحاح 9، نَجِدُ مَرَّةً أخرى هذا المثل التوضيحيَّ المُختصَّ بالحصاد. فالربُّ ينظر في العدد 36 إلى الجُموع. وَهُوَ يَتحنَّن عليهم لأنَّهم كانوا مُتْعَبين. فقد كانوا يَتعرَّضون حَرفيًّا للضَّلال ويتعرَّضون حَرفيًّا للتَّشويش على أيدي رُعاتِهم الزَّائفين. وقد كانوا مُشَتَّتين كَغَنَمٍ لا راعي لها. وهو يقول لتلاميذه: "الْحَصَادُ كَثِيرٌ وَلكِنَّ الْفَعَلَةَ قَلِيلُونَ. فَاطْلُبُوا مِنْ رَبِّ الْحَصَادِ أَنْ يُرْسِلَ فَعَلَةً إِلَى حَصَادِهِ". بعبارة أخرى، سوف يَدين اللهُ العالَم. ويسوعُ ينظر إليهم بعين العَطف ويرى الحصادَ كُلَّه يَتَّجِه نحو الدَّينونة. فجُموعُ النَّاس كُلُّها تَتَّجه نحو الدَّينونة. وهو يَرغب في إرسال أُناسٍ لتحذيرهم مِن الدَّينونة المَحتومة إذْ إنَّ الله سيَفصل الأبرار عن الأشرار.

وفي إنجيل مَتَّى والأصحاح 13، أرجو أن تُلاحظوا أيضًا العدد 30. ونَجِدُ هنا مَثلَ الحِنطة والزَّوان. وَهُوَ يقول في العدد 30 إنَّهُ سيُسمَح للحِنطة والزَّوان أن يَنمِيا كِلاهُما معًا إلى الحصاد. "وَفِي وَقْتِ الْحَصَادِ أَقُولُ لِلْحَصَّادِينَ: اجْمَعُوا أَوَّلاً الزَّوَانَ وَاحْزِمُوهُ حُزَمًا لِيُحْرَقَ، وَأَمَّا الْحِنْطَةَ فَاجْمَعُوهَا إِلَى مَخْزَنـِــي". ومَرَّةً أخرى، فإنَّ الحصاد يُرى بأنَّه وقت الفصل، ووقت الدَّينونة، ووقت حَرْقِ ذلك الجُزء الشرِّير، ووقت مُكافأة الأبرار. وبالمناسبة، هذا مُفَسَّر في العدد 40: "فَكَمَا يُجْمَعُ الزَّوَانُ وَيُحْرَقُ بِالنَّارِ، هكَذَا يَكُونُ فِي انْقِضَاءِ هذَا الْعَالَمِ". وفي العدد 41: "يُرْسِلُ ابْنُ الإِنْسَانِ مَلاَئِكَتَهُ فَيَجْمَعُونَ مِنْ مَلَكُوتِهِ جَمِيعَ الْمَعَاثِرِ وَفَاعِلِــي الإِثْمِ، وَيَطْرَحُونَهُمْ فِي أَتُونِ النَّارِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَان".

والآن، في كلِّ هذه الحالات الَّتي تَقرأون فيها في إنجيل مَتَّى عن الحصاد، إنَّه وقت مُكافأة الأبرار، وحَرْقِ ومُعاقبة الأشرار. لِذا فإنَّ ما يقوله الربُّ بسيط جدًّا في هذا التَّشبيه غير المُعَقَّد: عندما تَرون الأوراق في الرَّبيع، تَعلمون أنَّ الصَّيف قريب وأنَّه سيكون هناك في القريب العاجِل حَصاد. وحيث إنَّهم كانوا يَفهمون أنَّ الحصاد هو المجيء الثَّاني، أو حُلول دينونة الله، كانَ مِن السَّهل جدًّا عليهم أن يَفهموا القصد مِمَّا يقولُه الرَّبُّ.

لِذا فإنَّ هذا التَّشبيه غير المُعَقَّد يقودُ [ثانيًا] إلى تَطبيقٍ لا لُبْسَ فيه... إلى تَطبيقٍ لا لُبْسَ فيه. العدد 33: "هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا، مَتَى رَأَيْتُمْ هذَا كُلَّهُ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَرِيبٌ عَلَى الأَبْوَابِ". وعندما يقول: "هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا"، فإنَّه يَقرِن المَثَل (أو التَّشبيه) بالتَّطبيق: "مَتَى رَأَيْتُمْ هذَا كُلَّهُ". وقد يقول قائِلٌ: "وما المقصود بهذا كُلِّه؟" والجواب هو: "كلُّ هذه الأشياء". وقد تقول: "وما الَّذي تُشير إليه العِبارة "هذا كُلَّهُ؟" إنَّها تُشير إلى كلِّ الأشياء الَّتي تَحَدَّث عنها للتَّوّ. وما هي كلُّ هذه الأشياء؟ الآلام الَّتي تَسبق الولادة في الأعداد 4-14، ورِجْسَة الخَراب في العدد 15، وضرورة الهرب بسبب الضِّيق العَظيم في الأعداد 16-28. إذًا، المَخاض، وعلامة ابتداء الأوجاع، والأهوال الَّتي ستأتي على الأرض، والاضطراب العظيم الَّذي سينجُم عن أولئك الَّذينَ يَصرخون قائلين: "المَسِيَّا هُنا... المَسِيَّا هُناك"، والفساد المُريع الَّذي يُشبِه جُثَّةً هامدةً تَلتَهِمُها الجَوارِح، ثُمَّ علامةُ ابن الإنسان في السَّماء حيثُ تُظلِمُ السَّماء ويَظهر ابنُ الإنسان بكُلِّ مجده. فهو يقول: "هذا كُلَّهُ". "مَتَى رَأَيْتُمْ هذَا كُلَّهُ [إذْ إنَّ الأمر يُشبِه الشَّجرة الَّتي تُخرِجُ أوراقَها] فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَرِيبٌ".

وقد يقول قائل: "وما المقصود بالكلمة ’ أنَّه‘؟" أَلا يُخبرنا ما المعنى المقصود؟ بَلى! فعندما دَوَّنَ لوقا نفس العِظة على جبل الزَّيتون، كان دقيقًا جدًّا، وأكثر دِقَّةً مِن مَتَّى في هذه النُّقطة. فلوقا يُدَوِّن ما يلي في إنجيل لوقا 21: 31: "هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا، مَتَى رَأَيْتُمْ هذِهِ الأَشْيَاءَ صَائِرَةً، فَاعْلَمُوا أَنَّ مَلَكُوتَ اللهِ قَرِيبٌ". لِذا، يمكنك أن تكتب في هامش كتابك المقدَّس أنَّ الكلمة "أنَّه" تعني: "مَلكوت الله"؛ أي ملكوت رَبِّنا ومُخلِّصنا يسوع المسيح. فهو نهاية يوم الإنسان وبداية يوم الله. "اعلَموا أنَّ الملكوتَ قَريب". والمُلْكُ الألفيُّ المذكور في سِفْر الرُّؤيا 20: 4 و5 هو المَقصود هُنا حين يَملِك يسوع المسيح مع قِدِّيسيه المَفديِّين ألف سنة على الأرض ويَتِمُّ تَقييد الشَّيطان. وَهُوَ الملكوت المَجيد الَّذي وُعِد به بنو إسرائيل عندما يَرجع بنو إسرائيل إلى أرضهم، ويُحفَظون مِن جميع أعدائهم، ويصيرون عبيد اللهِ العَلِيِّ. وَهُوَ الوقتُ الَّذي يُمْسِكُ فيه عَشَرَةُ رِجَال مِنَ الأُمَمِ بِذَيْلِ رَجُل يَهُودِيٍّ فيَقودُهم اليهوديُّ إلى الله كي يَعرفوا اللهَ الحقيقيَّ. وَهُوَ الوقت الَّذي وَعَدَ به جميع أنبياء العهد القديم... ذلك الملكوت العظيم.

إذًا، ما يقوله هو أنَّه عندما تَرون كلَّ هذه الأشياء، وعندما ترون كلَّ آلام المَخاض، وكلَّ العلاماتِ، والعلامةَ الأخيرةَ، أيِ ابنَ الإنسانِ في السَّماء، اعلَموا أنَّ الوقت قريب. فهو قريبٌ جدًّا مِثل القرع على الباب. فهذا هو التَّعبيرُ المُستخدَم. فلا بُدَّ أنَّ النِّهايةَ قد اقتربت جدًّا.

ثُمَّ نقرأ في العدد 34، وهي نُقطة تابعة للتَّطبيق الَّذي لا لُبْسَ فيه، أنَّه يقول: "الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ"، وهي عبارة تَوكيديَّة للتَّأكيدِ على أهميَّة الكلام وصِحَّتِه: "لاَ يَمْضِــي هذَا الْجِيلُ حَتَّى يَكُونَ هذَا كُلُّهُ". "لاَ يَمْضِــي هذَا الْجِيلُ حَتَّى يَكُونَ هذَا كُلُّهُ". والآن، إنَّ السُّؤال الَّذي يَتبادر حالاً إلى الذِهن هُنا هو: "ما الجيلُ الَّذي يتحدَّث عنه؟ وأيُّ جيلٍ هذا الَّذي لا يَمضي؟ إنَّ الكلمة "يَمضي" تعني: "يَموت" أو "يَنتهي". فهذا الجيل لن يموت إلاَّ بعد تَحَقُّق هذه الأشياء. أيُّ جيل؟ إنَّه سؤال مُهمٌّ جدًّا. وهناك إجابات عديدة. واسمحوا لي أن أُلَخِّص لكم الإجابة الَّتي أعتقد أنَّها الجواب الصَّحيح.

أيُّ جيل؟ إليكم بضعة آراء. هناك مَن يقول إنَّ العبارة "هذا الجِيل" تُشير مباشرةً إلى التَّلاميذ؛ أي أنَّ ما يقوله هو: "أنتُم أيُّها التَّلاميذ لن تموتوا قبل المجيء الثَّاني"... لن تموتوا قبل المجيء الثَّاني. وقد تقول: "ولكنَّ هذا غير صحيح". أجل. فهؤلاء الَّذينَ يتمسَّكون بهذا الرَّأي يقولون إنَّ يسوع كان مُخطئًا. فهو تَخمينٌ جَيِّد، ولكنَّه كان مُخطئًا. ولا ينبغي لنا أن نَتفاجأ لأنَّه كان مُخطئًا لأنَّه اعتَرفَ قائلاً (في إنجيل مَرقس 13: 32): "وَأَمَّا ذلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ"، ولا حتَّى ابنُ الإنسان. لِذا فإنَّهم يقولون إنَّ يسوع اعترفَ بجَهله.

اسمعوني: لقد أَقَرَّ يسوع هُناك أنَّه في ناسوتِه لا يَعلم. فقد اختارَ أَلاَّ يَعلم ذلك. ولكِن هناك فَرق بين أن يَختار أَلاَّ يَعلم وبين أن يَقول شيئًا غير صحيح. وربَّما قام يسوعُ في ناسوتِه بالحَدِّ مِن مَعرفته، ولكنَّه لم يفقد اتِّصاله بالحقّ. فهذه فكرة غير مَقبولة. وإن كان يسوع مُخطئًا بهذا الشَّأن، يا أحبَّائي، تَمَسَّكوا بأقربِ خُطَّافٍ سَماويٍّ لأنَّ هناك احتمالاً كبيرًا في أنَّه كان مُخطئًا في أمور كثيرة أخرى أيضًا. ولكنَّنا نَرفض هذا الرَّأي رفضًا قاطعًا. فيسوع ليس مُخطئًا. وهو ليس على خطأ. وهو لم يُجاهرُ قَطّ بجَهلِهِ، بل إنَّه في ناسوته اختارَ أن يَضَعَ بنفسه حُدودًا على عناصِر مُعيَّنة مِن لاهوته، ومِن التَّعبير عن معرفته الإلهيَّة. ولكنَّه لم يَنطِق في أيِّ وقتٍ مِن الأوقات بأيَّة كلمة لم تكن صحيحة تمامًا. ولا يوجد سبب يَدفعنا إلى الاعتقاد بأنَّ العبارة "هذا الجيل" تعني "هذه المجموعة الصغيرة من التَّلاميذ" لأنَّه لو كان هذا هو قصده لقال: "لن تموتوا إلاَّ بعد أن تتحقَّق هذه الأشياء".

وهناك رأي آخر. إذًا هذا الرَّأيُ غير مقبول. الرَّأيُ الثَّاني هو أنَّ هذه العبارة تُشير إلى التَّلاميذ، ولكنَّ الشيء الَّذي كان يقول إنَّه سيتحقَّق هو دمار أورُشليم في سنة 70 ميلاديَّة. بعبارة أخرى، فإنَّهم يقولون إنَّ هذا الأصحاح كُلَّه يتحدَّث عن سنة 70 ميلاديَّة، وإنَّه لا يَصِف المجيء الثَّاني. وبالمناسبة، هذا رأيٌ شائعٌ جدًّا. وهناك الكثير مِن كُتُب التَّفسير الَّتي تقرأونها تُنادي بهذا الرَّأي؛ أي أنَّ هذا الأصحاح كُلَّه يَصِفُ دمار أورُشليم في سنة 70 ميلاديَّة، وأنَّ يسوع يقول: "سوف تكونون هنا، أي هذا الجيلُ الحاليُّ، أو أنتم مَعشَر التَّلاميذِ والنَّاس في زمانكم ستكونون هناك في سنة 70 ميلاديَّة عندما يحدث هذا كُلُّه".

وهذا أيضًا رأي غير مَقبول لأنَّه لا يمكنكم أن تَخلطوا بين دمار أورُشليم على يَدِ الرُّومان في سنة 70 ميلاديَّة وبين المجيء الثَّاني ليسوع المسيح. وَهُم لا يسألونه عن مجيء الرُّومان، بل يسألونه عن مجيء المسيح. فعندما قالوا في العدد الثالث: "وَمَا هِيَ عَلاَمَةُ مَجِيئِكَ"، فإنَّهم لم يَسألوا: "ما هي علامة مجيء الرُّومان؟" وعندما أجابهم، أجابَ عن سؤالهم. وسؤالهم كان يَختصُّ بمجيئه هو. كذلك، لا يُمكنكم بأيِّ حالٍ مِن الأحوال أن تقولوا إنَّ كلَّ هذه الأحداث وقعت في سنة 70 ميلاديَّة.

فمَتى حَدث في سنة 70 ميلاديَّة [مَثلاً] أنَّ الشَّمسَ أَظلَمَت، وأنَّ القمرَ لم يُعطِ ضَوْءَهُ، وأنَّ النُّجُومَ سَقطت مِنَ السَّمَاءِ، وأنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ ظَهَرَ فِي السَّمَاءِ وراحَ يَجمَعُ مُخْتَارِيهِ مِن زوايا الأرضِ الأربع؟ ومَتى حَدَثَ في ذلك الوقت تحديدًا أنَّ جميع القبائل على وجه الأرض ناحت؟ هذا مُستحيل! مُستحيل تمامًا. وفي سنة 70 ميلاديَّة، كان الرُّومانُ يُهاجمون اليهود. فلم تكن هُناك أُمَّة تقوم على أُمَّة ومَملكة تَقوم على مَملكة، ولم تحدث زلازل وأوبئة في جميع أنحاء العالَم. لا. هذا مُستحيل! فلا يمكن أن يُشير ذلك إلى سنة 70 ميلاديَّة. لِذا فإنَّه رأي غير مقبول أيضًا.

وبالمناسبة، إنَّ الأشخاص الَّذينَ يريدون أن يَجعلوا تلك الأحداث تُشير إلى سنة 70 ميلاديَّة يَجعلون كلَّ شيءٍ رَمزيًّا. فَهُم يقولون وحسب: "حسنًا! لقد بَدا الأمر بالنِّسبة إلى اليهود بهذا السُّوء"، أو: "لقد بدا ذلك لهم آنذاك نوعًا مِن أسلوب المُبالغة لأنَّها كانت أوضاعًا مأساويَّةً". إذًا، إنَّه رأي غير مقبول.

أمَّا الرَّأي الثالث فيقول إنَّ هذا يُشير إلى العِرْقِ اليهوديِّ... إنَّه يُشير إلى العِرْقِ اليهوديِّ؛ أي أنَّه عندما قال "هذا الجيل"، رُبَّما كان يُشير إلى جنسٍ أو عِرقٍ مِن النَّاس. وهذا صحيح. فعندما يقول: "لاَ يَمْضِــي هذَا الْجِيلُ [مِنَ اليهود أو مِن الشَّعبِ اليهوديِّ] حَتَّى يَكُونَ هذَا كُلُّهُ". بعبارة أخرى، فإنَّه يَتنبَّأ بنجاةِ واستمرارِ العِرقِ اليهوديِّ إلى وقتِ المجيء الثَّاني. وهذا صحيح. فاليهود سيَبقونَ إلى زمن المجيء الثَّاني. وأنا لا أريد أن أذهب إلى الزِّقاقِ وأتشاجَرَ معَ أيِّ شخصٍ بسبب هذا الرَّأي. وبصراحة، لا أريد أن أذهب إلى الزِّقاقِ وأتشاجَرَ معَ أيِّ شخصٍ بسبب أيِّ شيء؛ ولكن مِن المؤكَّد أنَّني لن أتشاجَر مع أحد بخصوص هذا الرَّأي. ولكن مَرَّةً أخرى، إنَّه ليس تفسيرًا جيِّدًا هنا وذلك لأسبابٍ عديدة. وهُناك سبب يَخطُر ببالي وَهُوَ أنَّ الآية لا تقول "إسرائيل". فلو أراد الربُّ أن يتحدَّث عن إسرائيل، أعتقد أنَّه كان سيقول ذلك. وما أعنيه هو أنَّه لا يقول ذلك. وأعتقد أنَّها طريقة غريبة إن أراد أن يُشير إلى شعب العهد أن يقول عنهم: "هذا الجيل" عوضًا عن أن يقول: "شَعبي". ففي نَظري، كان سيقول: "لاَ يَمْضِي شَعبي حَتَّى يَكُونَ هذَا كُلُّهُ". أمَّا أن يدعوهم "هذا الجيل" فإنَّها طريقة غريبة في الإشارة إلى شعب العهد.

ولماذا يُكَلِّف نفسَه عَناء القول إنَّهم سيَنجون إلى أن يأتي الملكوت في حين أنَّ ذلك لم يكن سؤالاً يدور في أذهان التَّلاميذ. أليس كذلك؟ وما أعنيه هو أنَّهم كانوا يؤمنون بخلاص إسرائيل لأنَّهم كانوا يؤمنون بالطَّبيعة الدَّائمة للعهود. أليس كذلك؟ وما أعنيه هو أنَّهم كانوا يؤمنون بأنَّ الله صَنَع عهودًا يَعتَزِمُ الالتزام بها. لِذا فإنَّهم لم يكونوا يسألون: "هل سيَتَنَصَّلُ اللهُ مِن كلِّ هذا؟" فهذا لم يكن يَخطر ببالهم هنا، بل أرادوا وحسب أن يَعلموا مَتى سيحدث ذلك. فما الَّذي سيجعله يقول: سوف... سوف يَنجو اليهود إلى ذلك الحين"؟ فهذا خروجٌ عن السُّؤال. لِذا، هذا مُحتَمَل. ذلك الرَّأيُ مُحتَمل. إنَّه مُحتمَل، ولكنَّه ليس الرَّأي الَّذي قد أختاره.

وهناك رأي رابع يقول إنَّ الكلمة "غينيَّا" (genea) أو "هذا الجيل" تعني الأشخاص الَّذين يَرفضون اللهَ ويَرفضون المسيح. بعبارة أخرى: فئةُ الأشخاص الَّتي رفضتني، وفئةُ الأشخاص الَّتي كُنَّا نُكلِّمهم طوال اليوم في الهيكل والَّذين يَكرهون ما أُوْمِنُ به؛ أي أنَّ هذه الفئة مِن الأشخاص الَّذينَ يُبغضون الله، ويَرفضون المسيح، والأشخاص المُتديِّنين الزَّائفين سيَظَلُّون موجودين إلى وقت المجيء الثَّاني. أي أنَّ ما يُشير إليه هو أنَّه سيَظَلُّ هناك دائمًا أشخاص أشرار يرفضون المسيح.

والكلمة "غينيَّا" (genea) يمكن أن تعني ذلك. فهي تُستخدَم مثلاً في العهد القديم (في العهد القديم اليونانيِّ؛ أي التَّرجمة السَّبعينيَّة) بمعنى "باب" في العبريَّة. وهي كلمة تُترجَم أحيانًا "هذا الجيل الشرِّير" أو "هذا الجيل البارّ". لِذا فإنَّهم يقولون إنَّها تعني: هذا الجيل الشرِّير سيبقى موجودًا إلى أن يأتي يسوع. لِذا، لا تتوقَّعوا أن تتحسَّن الأحوال. فسوف يبقى هناك دائمًا أناسٌ أشرار يُبغضون الله، ويَرفضون المسيح مِن أفراد العِرق اليهوديِّ وفي كلِّ مكانٍ آخر إلى أن يَحين وقتُ المجيء الثَّاني. ونقول مَرَّةً أخرى إنَّ هذا الرَّأي مُحتَمَل. فهذا رأيٌ مُحتمل. ولكنَّه غامض، ويبدو أنَّه لا يَتَّفق مع السِّياق، ولا مع المسألة الَّتي كانت تدور في قلوب التَّلاميذ وأذهانهم. فَهُم لم يكونوا يُفكِّرون فيما إذا كان الأشرار سيبقون أحياء إلى وقتِ المجيء الثَّاني، بل كانوا يُفَكِّرون في وقتِ حدوث ذلك، وما هي العلامات.

وهناك رأيٌ خامسٌ. وربَّما كان هذا الرَّأي هو الرَّأي الَّذي تَسمعونه دائمًا وهو ما يلي: أنَّ شجرة التِّين هي إسرائيل. وبالمناسبة، هذا غير مذكور حتَّى في الكتاب المقدَّس، بل إنَّ النَّصَّ يقول: إليكم مَثَل شجرة التِّين. ولكن هناك أشخاص يقولون إنَّ شجرة التِّين هي إسرائيل. ولكنَّ يسوع لم يقل ذلك. لِذا، فقد تَخلَّيتُم عن التَّشبيه وجَعلتموه صورةً مجازيَّة. ويجب عليكم أن تُخبرونا ما هي العناصر الَّتي تُشير إليها الصُّورة المجازيَّة. لذا فإنَّهم يقولون إنَّ شجرة التِّين هي إسرائيل. وعندما تُخرج أوراقها [كما سَمعتُ] فإنَّ ذلك يُشير إلى دولة إسرائيل الَّتي تأسَّست في سنة 1948. والآن، هل سمعتم هذا الرَّأي؟ حسنًا! هذا رأيٌ شائع. وهو يقول إنَّه عندما صارت إسرائيل دولة... ولكِنْ في المقامِ الأوَّل: إنَّ يسوعَ لم يقل ذلك. ولا يُعقَل أن يَتخيَّل التَّلاميذُ تأسيس دولة إسرائيل في سنة 1948. فهو أمر بعيد الاحتمال جدًّا.

ويجب عليكم أن تتذكَّروا ما يلي: إنَّ يَسوعَ يُصَوِّر لهم الأشياء الَّتي يُعلِّمها لهم. فهو يحاول أن يوضِّح ما عَلَّمهم إيَّاه. فهو لا يحاول أن يقول لهم شيئًا غامضًا تمامًا لا يمكن أن يَفهمه أيُّ شخصٍ عاش قبل سنة 1948. كذلك، كيف يمكننا أن نَستنتِج أنَّ الحياة المُنبثقة مِن شجرة التِّين والَّتي تُشَكِّل الأوراق هي دولة إسرائيل؟ مِن المؤكَّد أنَّنا إذا فَكَّرنا ... أو إذا استخدمناها بهذه الطريقة، وإن كانت الشَّجرة هي إسرائيل، وأنَّها ابتدأت تُخرج أوراقًا، يجب علينا أن نَستنتج أنَّها حياة خارجة مِن إسرائيل. أليس كذلك؟ والحياة الخارجة مِن إسرائيل لا بُدَّ أن تكون روحيَّة وليست ماديَّة. ومع أنَّ إسرائيل حَيَّة اليوم، فإنَّها واحدة مِن أكثر الأُمَم عِلمانيَّةً على وجه الأرض. لِذا فإنَّها لا تَصلُح كرمزٍ للنَّهضة الروحيَّة لإسرائيل.

ولماذا يتحدَّث الربُّ عن دولة إسرائيل كما لو كانت حياة روحيَّة تَخرج مِن الأمَّة؟ ومَنِ الَّذي يقول إنَّ شجرة التِّين تُشير إليهم بأيِّ حال في حين أنَّ السِّياق لا صِلَة له بنجاة أُمَّةِ إسرائيل أو رَدِّها، بل يَختصُّ بالمجيء الثَّاني ليسوع المسيح؟ لذا، أعتقد أنَّ هذا الرَّأي أيضًا غير مقبول مع أنَّه رأيٌ تَخَيُّليّ.

وماذا تَبَقَّى؟ رأيي! ورأيي يقول... أنتُم تَعلمون. وقد تحدَّثتُ عن ذلك بذهنٍ مُنفتح تمامًا لأنَّني، كما تَعلمون، فَكَّرتُ كثيرًا في هذه الأشياء، وقرأتُ كثيرًا. ومِن الواضح تمامًا في نظري ما يقوله. "مَتَى صَارَ غُصْنُهَا رَخْصًا وَأَخْرَجَتْ أَوْرَاقَهَا، تَعْلَمُونَ أنَّ الدَّينونة قريبة. إذًا، "مَتَى رَأَيْتُمْ هذَا كُلَّهُ..." – وما المقصود بهذا كُلِّه؟ الأوراق. وما هي الأوراق؟ آلام المَخاض. أليس كذلك؟ والعلامة في السَّماء. والعلامات الَّتي تَسبقُ ذلك. وكلُّ الأشياء الَّتي وَصفها في كُلِّ الأصحاح. عندما ترون كلَّ هذه الأشياء، تَعلمون أنَّ الدَّينونة اقتربت. وهذا الجيل... أيُّ جيل؟ لا بُدَّ أنَّ اسم الإشارة "هذا" يَصِف الأشخاص الَّذينَ يَرون كلَّ هذه الأشياء. هذا الجيلُ (الَّذي يَرى كلَّ هذه الأشياء) لن يَموت حَتَّى تَتحقَّق بقيَّةُ الأشياء.

بعبارة أخرى، فإنَّه يقول... فقد كانوا يتساءلون عن المُدَّة الَّتي سيستغرقها ذلك: "عندما نَرى العلامة (أو بالحَرِيِّ: الإشارة)، أو رجسة الخراب، ونَبتدئ برؤية آلامِ المَخاضِ الأخرى، ثُمَّ نَرى فجأةً علامة ابن الإنسان في السَّماء، كم المُدَّة الَّتي سيستغرقها ذلك؟" وما يقوله هو: الجيل الَّذي يَرى كلَّ هذه الأشياء لن يموت حتَّى يتحقَّقَ كلُّ شيء. بعبارة أخرى، فإنَه يؤكِّد مَرَّةً أخرى فكرة انبثاق الأوراق. فعندما تَرون الأوراق تَعلمون أنَّ الصَّيف قريب... أنَّ الصَّيفَ قريب! فهذا هو المعنى المقصود.

أو فكرة آلام المَخاض. فآلامُ المَخاض تأتي بسرعة فائقة في النِّهاية... قبل الولادة مباشرةً. لِذا، إن رأيتُم الأوراق، تَعلمون أنَّكم ستكونون أحياء في الصَّيف. وإن رأيتم آلام المخاض، تَعلمون أنَّكم ستكونون أحياء عند الولادة. فالجيلُ الَّذي سيكون حَيًّا، أو الجيل الَّذي يَرى هذه الأشياء، أو الجيلُ الَّذي يَختبر ظاهرة الآيات والعجائب في انقضاء الدَّهر لن يموت حتَّى تتحقَّق كلُّ هذه الأشياء. بعبارة أخرى، عندما تأتي، ستأتي سريعًا. والحقيقة هي أنَّنا تَعلَّمنا أنَّها فترة سبع سنوات تُسَمَّى "ضيقة يعقوب"، ولكنَّ الضِّيقة الحقيقيَّة ستدوم كم؟ ثلاث سنوات ونصف، أو 1260 يومًا، أو 42 شهرًا. وهذا يَتكرَّر المَرَّة تلو المَرَّة مِن قِبَل دانيال ويوحنَّا. فهي فترة عصيبة جدًّا ومُكثَّفة جدًّا. والجيل الَّذي سيكون حَيًّا حين تَبتدئ سيبقى حَيًّا عندما تنتهي لأنَّها لن تدوم بصورة رئيسيَّة أكثر مِن ثلاث سنوات ونصف. وهذا هو ما يحاول أن يقوله.

انظروا إلى العدد 15 مثلاً: "فَمَتَى نَظَرْتُمْ رِجْسَةَ الْخَرَابِ..." [في العدد 16] "...فاهربوا إلى الجبال. وَلماذا يقولُ "اهربوا"؟ نقرأُ في العدد 21: لأنَّ ضيقًا عظيمًا سيأتي على الأرض. اخرجوا بأسرع وقتٍ مُمكن. والمعنى المقصود هو أنَّ ذلك سيحدث بصورة سريعة وعنيفة. وسوف ينتهي ذلك بظهور علامة ابن الإنسان في السَّماء لأنَّه يقول في العدد 29: "وللوقتِ" بعد فترة الثَّلاث سنوات ونِصف السَّنة تلك، ستبتدئ السَّماواتُ بالسُّقوط، وابنُ الإنسان سيَظهرُ ويكون مستعدًّا لتأسيس ملكوته. وَهُوَ يُلخِّص ذلك تلخيصًا بديعًا. لِذا فإنَّه يقول: أولئك الأشخاص الَّذينَ يَرون العلامات سيَرون النِّهاية. هل فهمتم ذلك؟ فهذا هو في اعتقادي أوضح وأبسط تطبيقٍ لا لُبْسَ فيه لما قاله رَبُّنا في محاولةٍ لجعل الأمور واضحة. فأيُّ شيءٍ آخر غير واضح. وهذا يَتَّفق تمامًا مع النَّصّ. لِذا... وبالمناسبة، إنَّ هذا التَّفسيرَ لا يَخرُجُ البتَّة عنِ النَّصِّ اليونانيِّ. فعبارة "هذا الجيل" وما سَبَقها مَشمولة تمامًا.

والآن، أريد أن أطرح هذا السُّؤال: مَن هو هذا الجيل؟ ومَن هو الجيل الَّذي سيكون حَيًّا آنذاك؟ مَن هو الجيل الَّذي سيكون حَيًّا ويَرى هذه العلامات؟ يوجد في الأوساط المسيحيَّة رأيان: فهناك مَن يقول إنَّ الكنيسة ستكون هناك. وهذا هو الرَّأيُ القائل إنَّ الاختطاف سيحدث بعد الضِّيقة. بعبارة أخرى، سوف نُختَطف مِن العالَم بعد الضِّيقة. لذا فإنَّنا جميعًا سنَرى كلَّ هذه الأشياء. فسوف نختبرها. وسوف يُذبح بعضٌ مِنَّا في تلك الأثناء. فمعَ أنَّنا سنذهب إلى السَّماء، فإنَّنا سنُقتَل. وسوف ينجو بعضٌ مِنَّا، ولكنَّنا سنختبرها ونُختَطَف بعد الضِّيقة، ثُمَّ سنذهب إلى أعلى ونَلتقي الربَّ في الهواء، وننزِل إلى أسفل مِن أجل الملكوت. وهذا يُشبه مدينة الملاهي. فكأنَّنا نَركبُ لُعبة الأُفعوانيَّة ونَصعَد ونَهبِط.

وهناك مَن يؤمِن... هُناكَ مَن يُؤمِن بأنَّ الاختطاف سيحدث قبل الضِّيقة؛ أي أنَّه قبل وقوع أيٍّ مِن هذه الأحداث سنُختَطف ونصرف وقتًا مع الربِّ، ثُمَّ نأتي ثانيةً في نهاية السَّنواتِ السَّبع. وقبل سنوات، عَلَّمتُ سِلسلة دروس بعنوان: "هل سَتختبر الكنيسة الضِّيقة؟" ويمكنكم أن تستمعوا إلى الشَّرح الكامل، ولكن اسمحوا لي أن أُقدِّم لكم، في هذه اللَّحظة، سببًا أو اثنين يَدفعاني إلى الاعتقاد بأنَّنا لن نكون هنا. فنحن لن نكون ذلك الجيل؛ أي أنَّ عبارة "هذا الجيل" لا تُشير إلى الكنيسة المَفديَّة. وقد تَصِحُّ هذه العبارة على بعضٍ منكم مِمَّن لا يعرفون المُخلِّص لأنَّكم لن تُختَطَفوا، بل ستكونون ذلك الجيل الَّذي سيَرى تلك الأشياء. وبحسبِ كونِكَ مُخلَّصًا أَم غير مُخَلَّص، وسِعَة اطِّلاعك على الكتاب المقدَّس، إمَّا ستَعلم ما يجري وإمَّا لن تَعلم ما يجري. ولكنَّ الكنيسة (في اعتقادي) لن تكون هنا. فأنا أعتقد أنَّنا سنكون قد اختُطفنا. وسوف أَذكُر لكم بِضعة أسباب. وسوف أذكرها لكم بسرعة كبيرة. فأنا لا أقصد أن أتحدَّث عنها بتَفصيلٍ شَديد.

السَّبب الأوَّل: الكنيسة في سِفْر الرُّؤيا تَظهر في الأصحاح الثَّاني والأصحاح الثَّالث. والحقيقة هي أنَّها الفكرة الرئيسيَّة للأصحاح الثَّاني والفكرة الرئيسيَّة للأصحاح الثَّالث. فرَبُّنا يُخاطب الكنيسة، ويُطَهِّر الكنيسة، ويَكتُب رسائل إلى الكنائس، ويُوصي الكنيسة، ثُمَّ يُنهي ذلك المَقطع كُلَّه في نهاية الأصحاح الثَّالث بفكرة أنَّه يقف على الباب ويَقرع، وأنَّه مُستعدٌّ للدُّخول. وعندما تنتقلون إلى الأصحاح الرَّابع تَجِدون أنَّ الكنيسة في السَّماء. فالكنيسة في السَّماء في الأصحاح الرَّابع. والكنيسة في السَّماء في الأصحاح الخامس. وفي الأصحاح السَّادس، تحدث الضِّيقة على الأرض. ومِن بداية الأصحاح السَّادس إلى نهاية الأصحاح 18 (أي في كُلِّ قصَّة الضِّيقة) لا توجد إشارة واحدة إلى الكنيسة. لا توجد إشارة واحدة إلى أيِّ كنيسة مَحليَّة أو إلى كيف ينبغي للكنيسة أن تتصرَّف. فالكلمة "كنيسة" غير مذكورة هناك. لذا فإنَّ غياب الكنيسة مِن الأصحاحات 6-18 مِن سِفْر الرُّؤيا يبدو في نظري مُهمًّا جدًّا؛ ولا سيَّما أنَّها موجودة على الأرض في الأصحاحين الثَّاني والثَّالث، وموجودة في السَماء في الأصحاحين الرَّابع والخامس.

نقطة أخرى: هناك غياب كامل لأيِّ نَصٍّ في العهد الجديد يُعلِّم الكنيسة كيف ينبغي أن تَحتمل الضِّيقة، وكيف ينبغي أن تتصرَّف في الضِّيقة. والكنيسة غير مذكورة في إنجيل مَتَّى والأصحاح 24 بأنَّها كذلك، بل هي مجموعة فريدة من النَّاس مِن يوم الخمسين إلى الاختطاف الَّذي أتحدَّث عنه. فمِن زاوية، وهي زاوية كبيرة، نحن جميعًا جزء مِن شعب الله المَفديّ. ولكنَّ الكنيسة الفريدة ليست مذكورة هنا في إنجيل مَتَّى والأصحاح 24، ولا توجد تحذيرات مُعطاة لنا بخصوص الضِّيقة، وكيف ينبغي لنا أن نتعامل معها، وكيف نعيش فيها، وكيف نتعامل مع ضِدِّ المسيح بصفتنا كنيسة، وهَلُمَّ جَرَّا. والحقيقة هي أنَّ الكنيسة الوحيدة الَّتي يمكنني العثور عليها في تلك الفترة تُسَمَّى الزَّانية السِّريَّة (بابل)، العاهرة، الكنيسة الزَّائفة الَّتي ستُدان.

ثالثًا، الاختطاف يبدو في نظري عديم المغزى تمامًا. فالاختطاف موصوف في رسالة تسالونيكي والأصحاح الرَّابع إذْ إنَّنا سنُختطَف لنكون مع الربِّ في الهواء، ولنبقى إلى الأبد مع الرَّبِّ. ولكنَّ هذا يبدو عديم المغزى في نظري إن كان سيحدث في المجيء الثَّاني. فلماذا نُكَلِّف أنفسنا عَناء الصُّعود إلى أعلى والنُّزول ثانيةً؟ وما أعنيه هو: إن كان سيأتي إلى الأرض مع قِدِّيسيه كي يَملِك ويَسود، لِمَ لا ينزل وحسب فنُلاقيه هنا عند وصوله إلى هُنا؟ وكم مِن الوقت سيستغرقه الأمر للنُّزول مِن فوق إلى أسفل؟ وما هي الغاية مِن ذلك؟ إنَّ ذلك يُلغي الغاية مِن الاختطاف. ولماذا ذَكَرَ بولس تلك النُّقطة الرَّائعة عن الاختطاف إن كان الأمر يَقتصر على ذلك؟ أي إن كان سيحدث بسرعة وينتهي الأمر!

واسمحوا لي أن أطرح سؤالاً آخر: إن كان جميع المؤمنين سيُختطفون إلى أعلى عند المجيء الثَّاني ويعودون معه، مَن سيبقى على الأرض حَيًّا ليسكن الملكوت؟ بعبارة أخرى، عندما يأتي الرَّبُّ فإنَّ الكتاب المقدَّس يقول إنَّه سيُهلِك جميع الأشرار. ولكن إن نَزل واختطفَ كلَّ المَفديِّين، وصار جميع المفديِّين مُختَطَفين، وهَلَكَ كلُّ غير المفديِّين، لن يبقى أشخاص على الأرض يَسكنون الملكوت سوى الكائنات المُمَجَّدة روحيًّا. ولكنَّ الكتاب المقدَّس يقول إنَّه سيولد أولاد في الملكوت. فَمَن سيُنجِب هؤلاء الأطفال؟ لِذا، لا بُدَّ أن يكون هناك أشخاص موجودون هنا. ولا بُدَّ أن يكون هناك أشخاص يَدخلون الملكوت لأنَّهم سيُنجبون جيلاً كاملاً. وسوف يُنجبون شعبًا كاملاً. وحتَّى إنَّ كثيرين مِن هؤلاء لن يؤمنوا، بل سيبتدئون في التَّمرُّد في النِّهاية. أتذكرون ذلك في سِفْر الرُّؤيا؟ لِذا، لا بُدَّ أن يكون هناك أناس أحياء. أمَّا إذا حدث الاختطاف في نفس وقت المجيء الثَّاني، سيكون جميع المَفديِّين قد غادروا الأرض، وتَمَّ إهلاك جميع غير المَفديِّين، ولم يبقَ أحد ليسكن المَلكوت.

وهناك آيتان في الكتاب المقدَّس أعتقد أنَّهما مُهمَّتان. الأولى موجودة في سِفْر الرُّؤيا 3: 10 (كما أذكُر)، وربَّما كانت أهَمّ آية. ففي سِفْر الرُّؤيا 3: 10، نَقرأ عن الأشخاص المَفديِّين: "لأَنَّكَ حَفِظْتَ كَلِمَةَ صَبْرِي" (أي: أطعتَ كلام الإنجيل أو كلام الله)، "أَنَا أَيْضًا سَأَحْفَظُكَ مِن...". وَفي اعتقادي؛ هذه هي أفضل تَرجمة للعبارة ’تيريئو إيك‘ (tereo ek)]: "أحفَظُكَ مِنْ سَاعَةِ التَّجْرِبَةِ". وَهُوَ لا يتحدَّث عن تجربة صغيرة تأتي على الكنيسة في فيلادلفيا، أو عن مِحنة مَحليَّة، بل: "أَنَا أَيْضًا سَأَحْفَظُكَ مِنْ سَاعَةِ التَّجْرِبَةِ الْعَتِيدَةِ أَنْ تَأْتِيَ عَلَى الْعَالَمِ كُلِّهِ لِتُجَرِّبَ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْض". وأنا أعتقد أنَّنا هُنا أمام وَعدٍ لأولئك الَّذينَ حفظوا كلام الله مِن خلال الإيمان بالمسيح حيث إنَّهم سيُنقَذون مِن تلك الفترة الزمنيَّة. والمعنى الحرفيُّ للعبارة "تيريئو إيك" (tereo ek) هي: "حالة مِن الوجود المستمرّ في الخارج". فهي لا تعني أنَّنا سنُختطَف في منتصفهما كما قد يقول أنصار الرأي القائل إنَّ الاختطاف سيحدث في مُنتصف الضِّيقة. فهي لا تعني أنَّنا سنُحفظ فيها، بل سنُحفظ مِنها. فهذا عكس "تيريئو إن" (tereo en) ومعناها: "يوجد في". ولكنَّ هذه تعني: "يوجد بِدون" أو "يُحفظ خارجًا". لذا، أعتقد أنَّنا سنُحفَظ مِن ذلك.

وفي إنجيل يوحنَّا 14: 3، نقرأ أنَّه عندما صَعِدَ يسوع إلى السَّماء فقد أعَدَّ مكانًا لنا: "آتِي أَيْضًا وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ". أليس كذلك؟ "حَتَّى حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا". لِذا فإنَّ المعنى الَّذي يريد أن يُوضِّحه هناك هو: "أنا أُعِدُّ مكانًا لكم". ولا يمكن أن يكون هذا المكان هنا على الأرض. أليس كذلك؟ فهو ليس هنا. بل إنَّه يُعِدُّ مكانًا في بيت الآب؛ أي هناك في المجد. "آتِي أَيْضًا وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ، حَتَّى حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا". والآن، ما أَفهمه مِن ذلك هو أنَّه لن ينزل إلى الأرض ليكون في المكان الَّذي نحن فيه، بل إنَّه سيأخذنا لنكون في المكان الَّذي يوجد هو فيه. لِذا، إذا كنتُ تؤمنُ بحدوث الاختطاف بعد الضِّيقة، فإنَّك تؤمن بأنَّه سيأخذنا إلى أعلى نِصْفَ الطَّريق، ثُمَّ إنَّه سيُعيدُنا ويأتي ليكون حيث نكون نحن. هل تَفهمون ما أقول؟ لِذا فإنَّ الغاية الرئيسيَّة مِمَّا جاء في إنجيل يوحنَّا والأصحاح 14 هي أنَّه يُعِدُّ مكانًا لنا لنكون حيث يكون هو. وهذا هو المكان الَّذي سنذهب إليه عند اختطافِنا ونبقى فيه طَوال هذه السِّنين إلى أن نعود إلى مجد الملكوت وكلِّ ما يَعِد به.

وهناك أسباب أخرى كثيرة. فأنا أُوْمِنُ بأنَّ طبيعة الكنيسة فريدة. فأنا أُوْمِنُ بأنَّها وُلِدت في يوم الخمسين، وبأنَّها لم توجد قبل ذلك. وعند الاختطاف، سوف يُجمَع ذلك الجُزء مِن شعب اللهِ المَفديّ ويُختَطَف مِن على الأرض، وأنَّ تلك الضِّيقة تُعرفُ باسم "ضيقة يَعقوب". فمِن أجل إسرائيل تحديدًا سيعودُ اللهُ إلى التَّعامُل معهم. وهذا يُذكِّرنا بما جاء في رسالة رُومية والأصحاح 11 إذْ إنَّ إسرائيل قُطِعَت، والكنيسة طُعِّمَت فيها. ولكنَّه يقول: "لا تَسْتَكْبِر" لأنَّ الوقتَ سيأتي حين يُقطَعُ الأُمَمُ ويُعادُ تَطعيمُ إسرائيل. وأنا أُوْمِنُ بأنَّ الله سيعود إلى التَّعامُل مع إسرائيل. فهو الأسبوعُ السَّبعون مِن دانيال. ونحن لم نَكُن موجودين في الأسبوع التَّاسع والسِّتِّين. فما الَّذي سيجعلنا موجودين في الأسبوع السَّبعين؟ لِذا فإنَّه الوقت الَّذي سيتعامل اللهُ فيه مع إسرائيل. وهذا هو ما يُمَيِّز إسرائيل. فطبيعة الكنيسة، في اعتقادي، تجعلهم مُمَيَّزين. لِذا فإنَّهم لن يكونوا موجودين في تلك الفترة الزمنيَّة. ونحن لن نكون فيها.

والآن أيضًا، هل فَكَّرتُم يومًا في حقيقة أنَّ بولس كَتبَ إلى أهل تسالونيكي حيثُ إنَّهم تضايقوا جميعًا لأنَّ عددًا مِن المؤمنين ماتوا. وقد ظَنُّوا أنَّهم فَوَّتوا الاختطاف. وقد ظَنُّوا أنَّهم فَوَّتوا المجيءَ الثَّاني. فقد ماتوا. لذا فإنَّه يَكتب إليهم ويقول: "لا تحزنوا على الأشخاصِ الرَّاقدين. لا تحزنوا بشأنهم لأنَّه عندما يحدث الاختطاف لن تسبقوهم. أليس كذلك؟ فالأموات في المسيح ماذا؟ سيقومون أوَّلاً.

وكما تَرون، فقد كانوا قَلقين: "يا للأسف! لقد مات هؤلاء الأحبَّاء. سوف يَفوتُهم الاختطاف". ولكنَّه يقول: "لا، لا، لا، لا". ولكن انظروا: لو كانت الكنيسة المسيحيَّة تنتظر الضِّيقة لا الاختطاف، لكانوا قد شَعروا بالحزن لأنَّهم أحياء. وهذا يعني إنَّ مشكلتهم ستكون معكوسة إذْ إنَّهم سيقولون: "يا لسعادة هؤلاء القدِّيسين الأحبَّاء الَّذينَ ماتوا! فَهُم مَعَ الربِّ الآن. أمَّا نحن فسنختبر الضِّيقة". أترون! ولكنَّهم كانوا يَترقَّبون شيئًا مُبهِجًا ويَشعرون بالاستياء لأنَّ النَّاس قد يموتون ويُفَوِّتون ذلك. وهذا يُثبت لي أنَّهم لم يكونوا ينتظرون ضِدَّ المسيح، بل كانوا يَنتظرون المسيح. وَهُم لم يكونوا يَترقَّبون الضِّيقة، بل كانوا يَترقَّبون المجد. وهذا يَنسجم مع الرَّجاء المسيحيّ. فالرَّجاءُ المُبارك لا يعني أن نَترقَّبَ ضِدَّ المسيح. أليس كذلك؟ "أجل، نحنُ نَترقَّب الظُّهورَ المَجيدَ لضِدِّ المسيح!" لا، لا، لا! بل نحن نَترقَّبُ المسيح.

هذه بضعة أسباب. فعند الاختطاف، سوف تَتَّحِدُ الكنيسةُ معَ المسيحِ في الهواء. أمَّا في المجيء الثَّاني، سوف يعود المسيحُ إلى الأرض مع الكنيسة. وعند الاختطاف، لا يُمَسُّ جبل الزَّيتون. أمَّا في المجيء الثَّاني فإنَّه يُشَقُّ نِصفَيْن. وعند الاختطاف، سيَصعَد المؤمنون الأحياء. أمَّا في المجيء الثَّاني، لا يوجد قِدِّيسون يَصعَدون. وعند الاختطاف، لن يُدان العالَم، بل إنَّ الخطيَّة ستَستَفحِل أكثر. أمَّا عند المجيء الثَّاني فإنَّ الخطيَّة ستُدان والعالَم سيصير أفضل. وعند الاختطاف، سيذهب الجسد إلى السَّماء. أمَّا في المجيءِ الثَّاني فإنَّه يَنزل إلى الأرض. والاختطافُ وشيكٌ إذْ إنَّه قد يحدث في أيَّة لحظة. أمَّا المجيءُ الثَّاني فَلَهُ علامات مُمَيِّزَة جدًّا. أليس كذلك؟ والاختطافُ يَختصُّ فقط بالمُخلَّصين. أمَّا المجيءُ الثَّاني فيَختصُّ بالمُخلَّصين وغير المُخَلَّصين. وهذا كُلُّه يعني أنَّ الاختطاف والمجيء الثَّاني شيئان مُختلفان؛ مع وجود فترة زمنيَّة فاصلة بينهما.

إذًا، عبارةُ "هذا الجيل" تُشير إلى الأشخاص الَّذينَ سيكونون أحياء في ذلك الوقت ولن يَتِمَّ اختطافُهم لأنَّهم لا يعرفون المُخلِّص. لِذا، سوف يكونون يهودًا وأُممًا. ولكن خلال فترة الضِّيقة، ماذا يحدث؟ سوف يأخذ اللهُ مئةً وأربعةً وأربعين ألف يهوديٍّ (بحسب ما جاء في رؤيا 7) فيَشهدون في جميع أنحاء العالَم. واليهودُ يَخلُصون، والأُممُ يَخلُصون حَتَّى إنَّ إحصاءَهُم سيكونُ مُستحيلاً. إذًا، هناك جَماعة مِن المَفديِّين وجَماعة مِن غير المَفديِّين. وتلك الجَماعة مِن غير المفديِّين والمَفديِّين مِن اليهود والأُمم لن يُختَطفوا لأنَّ خلاصهم حَدثَ بعد الاختطاف، أو لأنَّهم لم يَخلُصوا يومًا. فَهُمُ الجيل الَّذي سيرى كلَّ تلك الأشياء تتحقَّق. وعندما يَبتدئون في رؤيتها تتحقَّق، لن يموتوا إلى أن تتحقَّق كلُّ تلك الأشياء. أعتقد أنَّ هذا هو ما يقولُه.

والآن، لننظر إلى "التَّحَوُّلِ غير مَسبوق" ونَختِمُ دَرسَنا بالعدد 35. "تشبيه غير مُعَقَّد"، و "تَطبيقٌ لا لُبْسَ فيه"، ثُمَّ "تَحَوُّلٌ غيرُ مَسبوق". فنحنُ نقرأ في العدد 35: "اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَن". توقَّفوا عند تلك النُّقطة. فهذه جُملة كاملة. نُقطة وفِقْرة جديدة. فهي جُملة مُذهلة وعظيمة! "اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَن". سوف تَرون علامة ابن الإنسان في السَّماء. وقد رأيتُم سقوط الأَجرام السَّماويَّة، وتَحَوُّل كلِّ شيءٍ إلى فَوضى. وقد رأينا في العدد 22 أنَّ الله سيُقَصِّر ساعاتِ النَّهار في اليوم. وسوف تَعُمُّ الفَوضى التَّقويم، ويَضطربُ المَدُّ والجَزر. وخُلاصةُ ذلك مذكورة في العدد 35: "اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَن". فبحسبِ معرفتنا بهما، سوف تَزول السَّماء والأرض. فالأرض (الَّتي نَعرفها) والسَّماءُ (الَّتي نَعرفها) ستزولان.

والآن فيما يَختصُّ بكُلِّ ما يعنيه ذلك، مِنَ الصَّعب جدًّا علينا أن نَستوعبه. فقد قرأنا أجزاء كثيرة مِن سِفْر الرُّؤيا، وأشياء كثيرة كَتبها إشعياء النَّبيُّ وآخرون. لذا فإنَّنا نَعلم أنَّ السَّماء والأرض ستزولان بحسبِ الصُّورة المعلومَة لدينا. وعوضًا عنهما ستأتي خليقة جديدة... خَليقة جديدة.

وأخيرًا، قال يسوعُ ما يلي: "اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَن وَلكِنَّ كَلاَمِي [ماذا؟] لاَ يَزُولُ". فهذا سُلطانٌ لا يَتغيَّر. وَهُوَ يَختِمُ المَثل بسُلطانٍ لا يَتغيَّر. "ولكنَّ كَلامي لا يَزُول". وفي إنجيل لوقا 16: 17، قال إنَّ السَّماء والأرضَ ستزولان، وَلكِنَّ زَوَالَهُما سيكون أَيْسَرَ مِنْ أَنْ تَسْقُطَ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوس. وقد قال: "لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ..." [في إنجيل مَتَّى 5: 18] "... حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ". وقد قال في إنجيل يوحنَّا 10: 35: "لاَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ الْمَكْتُوبُ". لِذا، إن كُنَّا نؤمنُ بكلمة الله، سنؤمن بأنَّ هذا سيتحقَّق... سيتحقَّق.

والسُّؤالُ الَّذي نَطرحه عليكم هو: هل أنتم مُستعدُّون لذلك؟ أي أن تَنْضَمُّوا إلى شعب الله الَّذي سيُختَطَف كي تكونوا في حضرته؟ أَم أنَّك تَرى أنَّك ستبقى وتَشهد المَذبحة الَّتي ستَعقُب ذلك؟ وفي ضَوْءِ مَعرفتكم بكلِّ هذه الأشياء، أَيَّ أُنَاسٍ يَجِبُ أَنْ تَكُونُوا أَنْتُمْ (كما قال بُطرس)؟ فينبغي لكم أن تَسلكوا فِي سِيرَةٍ مُقَدَّسَةٍ وَتَقْوَى. وينبغي لكم أن تترقَّبوا مجيء الربِّ يسوعَ المسيح. وينبغي لكم أن تَنموا في النِّعمة. فأنتم شعبٌ مَفديٌّ يَترقَّبُ مَجيءَ المُخلِّص. دَعونا نَحني رؤوسَنا حَتَّى نُصَلِّي:

نَشكُرك، يا أبانا، على وقتِنا في هذا الصَّباح، وعلى هذه الكلمة الرَّائعة النَّابعة مِن حَقِّك. رَسِّخ في قلوبنا الأشياءَ الإلهيَّة كي نعيش عَالِمينَ أنَّ هذا العالَم زائلٌ، وكي نعيش في ضَوْء الأبديَّة!

This sermon series includes the following messages:

Please contact the publisher to obtain copies of this resource.

Publisher Information
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969

Welcome!

Enter your email address and we will send you instructions on how to reset your password.

Back to Log In

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize
View Wishlist

Cart

Cart is empty.

Subject to Import Tax

Please be aware that these items are sent out from our office in the UK. Since the UK is now no longer a member of the EU, you may be charged an import tax on this item by the customs authorities in your country of residence, which is beyond our control.

Because we don’t want you to incur expenditure for which you are not prepared, could you please confirm whether you are willing to pay this charge, if necessary?

ECFA Accredited
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Back to Cart

Checkout as:

Not ? Log out

Log in to speed up the checkout process.

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize