Grace to You Resources
Grace to You - Resource

افتحوا كتابكم المقدَّس معي مِن فضلكم على الأصحاح السادس والعشرين مِن إنجيل مَتَّى. وسوف نتأمَّل في الأعداد 30-35. إنجيل مَتَّى 26: 30-35. بقدر ما نُحبُّ أن نُفكِّر أننا مؤمنون أقوياء، فإنَّ الحقيقة هي أنَّنا في أنفسنا ضُعفاء. فنحن نُحبُّ أن نُفكِّر في أنَّنا لا يمكن أن نتعرَّض لموقفٍ نُنكر فيه الربَّ، أو نُنكر فيه كلمته، أو لموقفٍ نَستحي فيه أن نُسَمِّي اسمه أو نُنكر فيه أنَّنا نَنتمي إليه. ولكنَّ حقيقة الأمر هي أنَّنا بين الحين والآخر نفعل ذلك تمامًا. فقد نجد أنفسنا في موقفٍ بعيدٍ تمامًا عن البِرّ؛ ولكنَّنا لا نقول شيئًا. وقد تحين الفرصة للشَّهادة عن المسيح؛ ولكنَّنا لا نَتكلَّم. وقد يأتي وقتٌ يُدرك فيه أحدُ الأشخاص أنَّنا مؤمنون ولكنَّنا نَنفي ذلك عن أنفسنا خوفًا مِن الضَّغط الاجتماعيِّ أو النَّبْذ الاجتماعيّ. وهناك أوقات ينبغي فيها أن نكون جريئين في الشَّهادة عن المسيح؛ ولكنَّنا أبعد ما نكون عن الجُرأة.

وما زلتُ أَذكُر أنَّني عندما كنتُ صَبيًّا يافعًا، كنتُ أُفكِّر في ما سيحدث في المستقبل عندما أذهب لأخدم الربَّ؛ ولا سِيَّما إنْ دَعاني الربُّ إلى الذَّهاب إلى مكانٍ صعبٍ جدًّا قد أتعرَّض فيه للموت أو الضَّغط لإنكار المسيح. وقد قرأتُ قِصَص مُرسلين ثَبتوا في إيمانهم بالمسيح طَوال الوقت حتَّى الموت. وكنتُ أتساءل إن كنت سأتمكَّن مِن القيام بذلك. وكنتُ أتمنَّى بشدَّة أن أُوْمِنَ بأنَّني سأفعل بذلك. وكنتُ أتمنَّى أن أكون قادرًا على القول: "أنا مُستعدٌّ للقيام بذلك. سوف أُسَمِّي اسم المسيح حتَّى لو اقتضى الأمر أن أموت، وحتَّى لو أحرقوني حَيًّا. سوف أُسَمِّي اسم المسيح". فقد كنتُ أتمنَّى حقًّا أن أكون قادرًا على قول ذلك لنفسي، ولكن كانت لديَّ في الحقيقة شكوك كثيرة. وما جَعلني أَشُكُّ آنذاك (وحتَّى الآن) هو أنَّ هناك أوقاتًا لا أقول فيها ما ينبغي أن أقول في موقفٍ أقَل رُعبًا مِن الموت. فهناك أوقات نَتجنَّب فيها وحسب الاقتران بالمسيح كما ينبغي. وهناك أوقات نقوم فيها [بالرَّغم مِن أنَّنا تلاميذ] بإنكار المسيح، والتَّنَصُّل منه، والارتداد عنه لأنَّنا نَستحي به. فهناك أوقاتٌ نَختار فيها أَلاَّ نَقترنَ بيسوعَ المسيح. فنحن لا نريد وحسب أن يكون إيمانُنا ظاهِرًا وأن نَثبُت فيه.

وهذا هو ما حدثَ مع تلاميذ الربِّ يسوع المسيح. لذا فإنَّ الدَّرس الَّذي يُعلِّمه لهم هنا هو درس لنا نحن أيضًا. فقد ارتدُّوا عنه في هذا المقطع. لقد تَخلَّوْا عن يسوع. وقد تَنبَّأ عن ذلك. وقد حدث تمامًا ما تَنبَّأَ عنه. ولكنَّه كان درسًا عميقًا ولا يُنسى لهم؛ درسًا أعتقد أنَّه غَيَّر مَسار حياتهم. ومِن بين كلِّ الأشياء الَّتي كان بمقدور يسوع أن يقولها لهم، ومِن بين كلِّ الأشياء الَّتي كان بمقدوره أن يُحذِّرهم منها، ومِن بين كلِّ المسائل الَّتي كان بمقدوره أن يتحدَّث عنها بخصوص المستقبل، اختار أن يتحدَّث عن حقيقة أنَّهم سيُنكرونه جميعًا ويَرتدُّون عنه. وقد اختار مَتَّى، بوحيٍ مِن الرُّوح القُدُس، أن يَذكر تلك القصَّة في منتصف هذا الأصحاح الَّذي يتحدَّث عن الاستعداد للصَّليب لأنَّه درسٌ مُهمٌّ جدًّا ينبغي لنا أن نَتعلَّمه. وإن كان ينبغي للتَّلاميذ (كما خَطَّطَ يسوع) أن يَحملوا الرِّسالة إلى العالَم، ينبغي أن يكونوا أقوياء. وأوَّل خطوة في القوَّة هي أن تَتعلَّم مِقدار ضَعفك. أليس كذلك؟ لذا فإنَّ درسَ الضَّعف هو أوَّلُ شيءٍ ينبغي تَعَلُّمُه. وهذا هو الدَّرس الَّذي يُعلِّمهم إيَّاه هنا.

وهذا الأمر يُشبه بقيَّة ما ذُكِرَ في هذا الأصحاح حتَّى هذه النُّقطة في أنَّه جُزءٌ مِن الاستعداد للصَّليب. فقد قرأنا عن استعداد الله، واستعداد القادة اليهود، واستعداد مَريم، واستعداد يهوذا، واستعداد رَبِّنا مِن خلال إنهاء تَدبير العهد القديم عن طريق الاحتفال بالفِصْحِ الأخير وتأسيس مائدةِ الرَّبّ. والآن، نقرأُ هُنا عن إعداد الرَّبِّ للتَّلاميذ الَّذينَ سيُنادون بالرِّسالة. وَهُو يُعِدُّهم مِن خلال تعليمهم درسًا مُهمًّا جدًّا عن ضعفهم البشريِّ، وعن عدم قدرتهم على أن يعيشوا بحسب المعيار الَّذي يقولون إنَّه موجود لديهم. وهو درس ينبغي لنا أن نَتعلَّمه أيضًا. فنحن جميعًا نواجه حقيقة أنَّنا قد نقف موقفًا راسخًا مِن جهة الاعتراف بيسوع المسيح بين المؤمنين. وقد نقول في أثناء سُلوكِنا مع الرَّبِّ: "يا رَبُّ، لن أُنكرك يومًا، ولن أتخلَّى عنك يومًا، ولن أهجُرك يومًا، بل سأبقى راسخًا فيك"، أو كما قال بُطرس: "أنا مُستعدٌّ لأن أُسجَنَ معك وأن أموت إن اقتضى الأمر ذلك. سوف أفعل كلَّ ذلك". ولكن عندما نجد أنفسنا أمام خَطَرٍ مُحْدِقٍ فإنَّنا نُنكره. ونحن جميعًا نواجه نفس هذا الأمر. ويجب علينا أن نَعلَم أنَّنا لا نَملك القدرة في أنفسنا على التَّعامُل مع موقفٍ كهذا إلاَّ إذا أدركنا ضعفَنا واتَّكلنا على الرَّبّ. أمَّا إن اعتقدنا أنَّه يمكننا القيام بذلك، سنفشل.

قبل بضعِ لحظات، رَنَّمنا ترنميةً. وأودُّ فقط أن أُذكِّركم بشَطْرَيْن مِن تلك التَّرنيمة أعتقد أنَّهما مُهمَّان جدًّا لنا: "يا يسوع، لقد وعدتُ أن أخدمكَ حتَّى النِّهاية. كُنْ إلى الأبد معي، رَبّي وخَليلي. فأنا لن أخشى المعركة إن كنتَ تَعْضُدني، ولن أَحيدَ عن الطَّريق إن كنتَ أنتَ مُرشِدي". والآن، نجد هنا وعدًا. ولكن يوجد أيضًا تَركيزٌ على أنَّه لكي أتمكَّن مِن حفظ وعدي، يجب أن تَعضدني. "اجعلني أشعر أنَّك قريبٌ مِنِّي. فالعالَم قريب جدًّا. فأنا أرى الأعمال الخاطئة، وأسمع الأصوات المُغوية. فأعدائي قريبون جدًّا مِنِّي وحولي وداخلي؛ ولكن يا يَسوع: اقترب مِنِّي أكثر فأكثر واحْمِ نفسي مِن الخطيَّة". فنحن نجد هنا وعدًا بالأمانة في الخدمة حتَّى النِّهاية. ونجد أيضًا الشُّعور بعدم الكِفاية، والشُّعور بالضَّعف الَّذي يَقود إلى الاتِّكال على الرَّبّ. "يا يَسوع! لقد وعدتَ جميع الأشخاص الَّذينَ يَتعبونك بأنَّك حيث تكون في المجد سيكون عبدكَ هناك أيضًا. ويا يسوع! لقد وعدتُ أن أخدمك حتَّى النِّهاية. أعطني نِعمةً كي أتبعك يا سَيِّدي وخَليلي". نرى هنا إقرارًا بأنَّ وعدًا كهذا لا يمكن أن يُحفَظ إلاَّ بالقوَّة الإلهيَّة وبحضور المسيح.

والآن، هناك وقتٌ نَقطع فيه تلك العهود. وبصفتنا تلاميذ، يجب علينا أن نَقطعها. ولكن يجب علينا أن نَتعلَّم مِن هذا الدَّرس أنَّه لا يمكننا أن نَحفظها بقوَّتنا. انظروا إلى العدد 30: "ثُمَّ سَبَّحُوا وَخَرَجُوا إِلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ. حِينَئِذٍ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «كُلُّكُمْ تَشُكُّونَ فِيَّ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنِّي أَضْرِبُ الرَّاعِيَ فَتَتَبَدَّدُ خِرَافُ الرَّعِيَّةِ. وَلكِنْ بَعْدَ قِيَامِي أَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ». فَأَجَابَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُ: «وَإِنْ شَكَّ فِيكَ الْجَمِيعُ فَأَنَا لاَ أَشُكُّ أَبَدًا». قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ دِيكٌ تُنْكِرُني ثَلاَثَ مَرَّاتٍ». قَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «وَلَوِ اضْطُرِرْتُ أَنْ أَمُوتَ مَعَكَ لاَ أُنْكِرُكَ!» هكَذَا قَالَ أَيْضًا جَمِيعُ التَّلاَمِيذ". وكما تَرون، لقد أكَّدوا جميعًا الشَّيءَ الَّذي نَوَدُّ نحن أن نُؤكِّده، ولكنَّهم كانوا يُؤكِّدونه استنادًا إلى شعورهم الذاتيِّ بالقوَّة، وشعورهم الذاتيِّ بالتَّكريس. فقد كانوا يظنُّون أنَّ محبَّتهم للمسيح أعظم مِمَّا كانت عليه. وكانوا يظنُّون أنَّ قوَّتهم الروحيَّة أعظم مِمَّا كانت عليه. وكانوا يظنُّون أنَّ قدرتهم على التَّصدِّي للشَّيطان أعظم مِمَّا كانت عليه. فقد كانوا يَتَّكلون على فَهمهم (بالمعنى المذكور في سِفْر الأمثال والأصحاح الثَّالث).

وعندما حانت اللَّحظة المناسبة لأخذ ذلك الموقف عندما تَمَّ القبض على المسيح في البُستان، تُلاحظون في الأصحاح 26 والعدد 56، في الجزء الأخير مِن ذلك العدد: "حِينَئِذٍ تَرَكَهُ التَّلاَمِيذُ كُلُّهُمْ وَهَرَبُوا". فعندما حانت لحظة التَّجربة، هربوا جميعًا. لذا فإنَّ كلَّ ما وعدوا به (أي ما نَطَقَ به بطرس وأكَّدَهُ جميع التَّلاميذ) لم يكن سوى كلمات جوفاء لأنَّهم كانوا يحاولون الصُّمود بقوَّتهم الذاتيَّة. لِذا فإنَّ يسوع هنا (كجزءٍ مِن الاستعداد لصليبه) يُعلِّم التَّلاميذ درسًا يُقوِّيهم، ويُحذِّرهم مِن عدم كفاية القوَّة البشريَّة، وعدم كفاية الذَّات في المعارك الروحيَّة. ولا يوجد مؤمن واحد في الحقيقة مُستَثنى مِن التَّجارب الَّتي قد تَجعلنا نَستحي بالمسيح. وأنا أُذكِّركم بما جاء في رسالة تيموثاوس الثَّانية والأصحاح الأوَّل حيث يقول بولس لتيموثاوس: "لأَنَّ اللهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الْفَشَلِ، بَلْ رُوحَ الْقُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالنُّصْحِ. فَلاَ تَخْجَلْ بِشَهَادَةِ رَبِّنَا [يَسوعَ المَسيح]". تَخَيَّلوا أنَّ بولس اضطُرَّ إلى أن يقول لتيموثاوس أَلاَّ يَخجل بيسوع المسيح.

ثُمَّ إنَّه يقول في العدد 12 ما مَعناه: "لأنِّي لَسْتُ أَخْجَلُ بالمسيح، بل احْتَمِلتُ آلامي طَوعًا". فهذا هو ما يقوله في الحقيقة. وَهُوَ يقول في رسالة رومية 1: 16: "لأَنِّي لَسْتُ أَسْتَحِي بِإِنْجِيلِ الْمَسِيح". فلا يوجد مكان في حياة المؤمن للاستِحاءِ بالمسيح. ولا يوجد مكان للارتداد عنه أو التَّخلِّي عنه. والحقيقة هي أنَّنا نقرأ في رسالة رومية 9: 33: "وَكُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُخْزَى". وفي إنجيل مرقس 8: 38، قال يَسوع: "مِن صفات غير المؤمنين أنَّهم يَستحون بي. ومَن يَستحي بي أستحي به". فغير المؤمنين هُم الَّذينَ يَستحون بالمسيح؛ لا المؤمنون. وبالرَّغم من ذلك، قد نقوم أحيانًا بسبب الضَّغط بإنكاره، أو بالتَّخلِّي عنه، أو بإظهار عدم الوفاء له، أو عدم الأمانة. ونجد هنا درسًا عن رَدِّ التَّلاميذ المُرتدِّين الَّذينَ هَجروه.

والآن، هناك شيء آخر أريد منكم أن تُلاحظوه في هذا الدَّرس لأنَّ هذه هي [بكلِّ تأكيد] النُّقطة الرئيسيَّة لدى مَتَّى. فهو لا يُركِّز بالدَّرجة الأولى على التَّلاميذ مع أنَّهم النُّقطة الجوهريَّة الظَّاهريَّة هنا، بل إنَّه يُركِّز بصورة رئيسيَّة على المسيح [في اعتقادي]. فقصدُ مَتَّى هنا هو أن يُظهِرَ جَلال يسوع المسيح. وكيف يمكنك أن تفعل ذلك في موقفٍ كهذا؟ فكيف يَخرُج المسيح بأيَّة كرامة، أو بأيِّ احترام، أو بأيِّ مجد، أو بأيِّ جَلال، أو بأيِّ شعورٍ بأنَّه ابن الله المَلِك العظيم، ملك الملوك؟ كيف يمكنه بأيِّ حالٍ مِن الأحوال أن يكون كذلك في وسط جُحود جميع تلاميذه وإنكارهم له؟ فقد يقول أحد الأشخاص عنه: "ما نوع هذا القائد الَّذي يأتي جُنوده إلى أرض المعركة فيهربون جميعًا عندما يُواجهون العَدوّ؟ وما نوع هذا القائد الَّذي لا يَستطيع السَّيطرة على خاصَّته، والذي لا يَحظى بأيِّ ولاءٍ مِن خاصَّته، والذي لا يحظى بأيِّ محبَّة وتكريس مِن خاصَّته؟ فهناك أشخاص أقَلُّ شأنًا مِن هؤلاء أَظهروا جِدِّيَّةً أكبر، وثَبَتوا في ما يُؤمِنون به. ما نوع هؤلاء الرِّجال؟ أَلَمْ يَخْتَر النَّوعَ الصَّحيح مِن الأشخاص؟"

بعبارة أخرى، قد يُقَلِّلُ هذا الموقف جِدًّا مِن شأن يسوع. فقد يخسر ماءَ وجهه هنا. فهو شيء قد يُضعِف جَلالَهُ المَلكيّ؛ ولكنَّه لا يُضعفه لأنَّ مَتَّى يُحَوِّل الموقف بوحيٍ مِن الرُّوح القُدُس بطريقةٍ تُمَجِّد يسوع المسيح - على النَّقيض مِن التَّلاميذ الَّذينَ ارتدُّوا عنه. وعندما قرأتُ هذا النَّصَّ، وقرأته مَرَّةً أخرى وأخرى، ودرسته في هذا الأسبوع، تَمكَّنتُ من رؤية جلال شخص يسوعَ المسيح في هذا المقطع بنفس الوضوح الَّذي يَظهر فيه في أيِّ مقطعٍ آخر مِن العهد الجديد. فأنا أراه على النَّقيض مِن موقف التَّلاميذ. وأنا أفترضُ في قلبي أنَّ ذلك أيضًا كان يَدور في فكر رُوح الله ومَتَّى عند كتابة هذا المقطع. والآن، يجب أن تتذكَّروا أنَّ هذا حدث قبل ساعات مِن الصَّلب. فهذه هي خاتمة حياة الرَّبِّ يسوع المسيح. وهذه هي ذُروة تاريخ الفِداء. فهي أعظم لحظة. ولا أدري إن كنتم تَعلمون هذا، ولكن هناك أربعة أصحاحات فقط في كلِّ الأناجيل الأربعة... أربعة أصحاحات فقط مُخَصَصة للحديث عن السَّنوات الثَّلاثين الأولى مِن حياة المسيح. وهناك ثلاثة عشر أصحاحًا مُخصَّصة للحديث عن اليوم الأخير مِن حياته. فهذه لحظة مهمَّة جدًّا في تاريخ الفداء. وهذا كُلُّه جزءٌ مِن الاستعداد للصَّليب. فقد أنهى المسيحُ التَّدبير القديم، وخَتَمَ التَّدبير اليهوديَّ بالفصح الأخير، وأسَّس التَّدبير الجديد في العهد الجديد بدمه وبالكأس والخُبز. وَهُوَ الآن يُعلِّم هذا الدَّرس العميق جدًّا لرجالٍ مُهِمِّين جدًّا في الانتشار المستمرِّ لملكوته وعهده. لذا، عندما نأتي إلى العدد 30، نَقرأ وحسب في النَّصّ: "ثُمَّ سَبَّحُوا وَخَرَجُوا إِلَى جَبَلِ الزَّيْتُون".

والآن، هل تَذكرون أنَّني أخبرتكم أنَّه كانت توجد في الفِصح أربع كؤوس؟ فبعد تَناوُل الوجبة الرئيسيَّة المؤلَّفة مِن خَروفٍ، وأعشابٍ مُرَّة، ومَرَقة، وخُبزٍ فَطير، كانوا يَشربون كأسًا، ثُمَّ يُرَنِّمون أحدَ مَزامير "هَلِّيل"، وتحديدًا: الجزء الأخير مِن مَزامير الهَلِّيل (وهي المزامير مِن 115 إلى 118). ثُمَّ كانوا يَشربون الكأس الرَّابع والأخير، ثُمَّ يُرَتِّلون التَّسبيحة الأخيرة وهي المزمور 136 الَّذي يُسَمَّى "الهَلِّيل العَظيم". وكلُّ شَطْر في المزمور 136 يَنتهي بنفس القَرار: "لأنَّ إلى الأبد رَحمَتَه"... "لأنَّ إلى الأبد رَحمَتَه"... "لأنَّ إلى الأبد رَحمَتَه". كُلُّ شَطْرٍ منه. لذا فقد كانوا يُرَتِّلون ذلك. ولكنَّ مَتَّى لا يَذكُر شيئًا مَا. فالحقيقة هي أنَّه قبل أن يُرَتِّلوا تلك التَّسبيحة الأخيرة، أو حَرفيًّا بحسبِ النَّصِّ اليونانيِّ: "قبل أن يُرَتِّلوا ويَخرجوا"، عَلَّمَهُم يسوع. وهذا التَّعليمُ كُلُّه مُدوَّن في إنجيل يوحنَّا والأصحاحات 14-16. لذا، بعد أن أَسَّسَ عشاءَهُ، وقبل أن يُغادروا، ينبغي أن تَضعوا الأصحاحات 14 و 15 و 16 و 17 مِن إنجيل يوحنَّا. والأصحاحات 14 و 15 و 16 هي تَعليم. أمَّا الأصحاح 17 فهو صلاة إلى الآب. وفي هذه الأصحاحات التَّعليميَّة الثَّلاثة، يَعِدُهم يسوعُ بكلِّ الميراث الَّذي سيعطيهم إيَّاه: السَّلام، والفَرح، والرِّضا، والتَّعزية، والرُّوح القُدُس، وكلمة الله، والرَّجاء بالمستقبل. وحتَّى إنَّه يعدهم بالاضِّطهاد، ولكنَّه يَعِدُهم أيضًا بأنَّه سيُنَجِّيهم منه. وهو يُقدِّم لهم كلَّ المعلومات الَّتي يحتاجون إليها. وهذه هي ذُروة التَّعليم قبل الصَّليب. ثُمَّ في يوحنَّا 17، يُصلِّي يسوعُ إلى الآب نيابةً عنهم في تلك الصَّلاة الشَّفاعيَّة الرَّائعة. لذا فإنَّ ذلك كُلَّه يأتي قبل أن يُسَبِّحوا التَّسبيحة الأخيرة ويُغادروا المكان.

ونحن نَعلم ذلك لأنَّه في إنجيل يوحنَّا 18: 1 (أي بعد الأصحاحات 14 و 15 و 16 و 17)، نقرأُ ما يلي: "قَالَ يَسُوعُ هذَا وَخَرَجَ...". لذا فإنَّنا نَعلم أنَّ الربَّ لم يُغادر تلك العِليَّة إلاَّ بعد أن عَلَّمهم ما جاء في الأصحاحات 13 و 14 و 15 و 16 و 17 من إنجيل يوحنَّا. لذا فإنَّ كلَّ ذلك مُدَوَّن. فيوحنَّا يُدَوِّنُه، ولكنَّ مَتَّى لا يفعل ذلك. لذا فإنَّ كلَّ ذلك التَّعليم العظيم قد قُدِّم، وتلك الصَّلاة العظيمة إلى الآب إذْ إنَّه صَلَّى لأجل وَحدة واتِّحاد خاصَّتِه الَّذينَ سيؤمنون به في الأيَّام المقبلة، وأيضًا أولئك الَّذينَ كانوا حاضرين في تلك اللَّيلة. فقد عَلَّمهم كلَّ ذلك، ثُمَّ رَتَّلوا التَّسبيحة الأخيرة (أي المزمور 136)، ثُمَّ غادروا. وقد كانت مغادرتهم مُهمَّة جدًّا. فقد كان الوقت نحو مُنتصف اللَّيل. فقد غادروا تلك العِليَّة، ونزلوا الدَّرَج، وخرجوا إلى الشَّارع، وكانت المدينة حَيَّة كما لو أنَّ الوقت كان مُنتصف النَّهار. وقد كانت حَيَّة لأنَّه كان وقت عيد الفصح. وهو وقت عيد الفطير. وكانت هناك حركة في كلِّ مكان، وكان النَّاس يَملأون المكان. وكان أُناسٌ منهم ما زالوا يأكلون عشاء الفصح. ولعلَّكم تذكرون أنَّ الجَليليِّين والفَرِّيسيِّين كانوا يأكلون العشاء في وقتٍ مُتأخِّرٍ مِن ليلة يوم الخميس. لِذا، كان هناك أشخاص ما زالوا يأكلون تلك الوجبة. لذا فقد كانت المصابيح مُضاءة في المنازل. وكان هناك أشخاص يستعدُّون لتناول تلك الوجبة في اليوم التَّالي (وَهُم سُكَّان اليهوديَّة والصَدُّوقيُّون). لذا، فقد كانوا يَستعدُّون.

وكانت أبواب الهيكل تُفتَح حَتَّى مُنتصف اللَّيل لأجل العيد الخاصّ. لذا، كان النَّاس يَتّوجَّهون إلى الهيكل ويرغبون في دخول ذلك المكان. وكان الزُّوَّار في كلِّ مكان، وكان النَّاس يَتفاوضون مِن أجل الحصول على مكان للاحتفال بالعيد في اليوم التَّالي، ولا سيَّما أولئك الَّذينَ جاؤوا مِن خارج المدينة. وكانت الحَيَواناتُ تُجمَع وتُحمَل في جميع أرجاء المكان لتُقَدَّم ذبائح في اليوم التَّالي. فقد كان المكان يَنبض بالحياة بالرَّغم مِن أنَّ الوقت كان ليلاً. لذا فقد شَقَّ يسوعُ وتلاميذُه طَريقهم بصعوبة بِلا أدنى شَكٍّ في وسط هذا الحشد الكبير في اللَّيل، ثُمَّ نَزلوا مِن المُنحدر الشَّرقيِّ لجبل الهيكل. وقد عَبروا وادي قدرون حيث كان هناك نَهر صغير يَجري بكلِّ قوَّته كما هي حالُه دائمًا بسبب أمطار فصل الشِّتاء. وقد كان يَجري بقوَّة أكبر بسبب دماء تلك الآلاف العديدة مِن الحَيَوانات الَّتي ذُبِحَت. وكانت الدَّماء تَجري مِن الجزء الخلفيِّ مِن الهيكل، وتَنحدر مِن ذلك المُنحَدر إلى النَّهر حيث تَجري فيه. لِذا فقد عَبَرَ التَّلاميذُ (الَّذينَ كانوا أحد عشر تلميذًا الآن) ويسوعُ ذلك الوادي في الظَّلام، وصَعِدوا جبل الزَّيتون، واتَّجهوا نحو مكانٍ مألوف جدًّا ذهبوا إليه مَرَّاتٍ كثيرة ويُدعى "بُستان جَثْسَيماني" ومعناه: "معصرة الزَّيت". جَبل الزَّيتون. فهو مكان مُمتلئ بأشجار الزَّيتون، ومكان يُسَمَّى معصرة الزَّيتون.

فلم يكن يوجد لدى النَّاس بساتين في المدينة. فلم يكن يوجد مكان لذلك. ولكنَّهم كانوا يَملكون بساتين في سُفوح تلك الجبال المُحيطة بالمدينة. وكانوا يَجمعون ثِمار تلك الأشجار. لِذا فقد كانت تلك البساتين مِلْكًا للنَّاس الَّذينَ يعيشون في المدينة. وقد ذهب يسوع إلى مكانٍ مألوف، وكانوا مُتوجِّهين إلى ذلك المكان. ولكن مِن المؤكَّد أنَّه كان جبلاً عَاليًا. لذا فقد كان ينبغي لهم في أثناء صعودهم أن يتوقَّفوا ويستريحوا، رُبَّما في مكانٍ مُشابهٍ كانوا قد توقَّفوا فيه في اللَّيلة السَّابقة عندما قَدَّم لهم العظة العظيمة على جبل الزَّيتون والمُدَوَّنة في إنجيل مَتَّى والأصحاحين 24 و 25 عن مجيئه الثَّاني. لذا فقد توقَّفوا مَرَّةً أخرى في أثناء طريقهم إلى بُستان جَثسيماني، وكان عددهم اثني عشر فقط الآن، بِمَن في ذلك الرَّبّ. وقد اجتمعوا معًا في تلك السَّاعات الأخيرة، وكان لدى يسوع ما يقوله لهم كما جاء في العدد 31. وقد تَكَلَّمَ وواجَهَهُم بضُعفهم. والآن نَرى، بصورة رئيسيَّة، أنَّ كلَّ التَّعليم قبل هذه النُّقطة كان إيجابيًّا. فهي وعود تِلو الوعود تِلو الوعود في كلِّ إنجيل يوحنَّا والأصحاحات 13-16، وصلاة مُفعمة بالرَّجاء في يوحنَّا 17. ولكن عندما يَبلُغ هذه اللَّحظة في هذا الجزء مِن الجبل، فإنَّ الوقت يحين لتقديم رسالة تحذيريَّة. فقد آن الأوان لتحذيرهم. فلا بُدَّ أن يَتعلَّموا هذا الدَّرس العظيم. فتلك القُوَّة تَنبُع مِن الإقرار بالضَّعف، لا مِن الإقرار بالقوَّة. ولا بُدَّ مِن القضاء على ذلك الوهم. وبينما كان يُعلِّم هذا الدَّرس... وهذا هو ما أريد منكم حقًّا أن ترونه مِن بين أمور أخرى، هذا هو الشَّيء الرَّئيسيّ... بينما كان يُعلِّم هذا الدَّرس لتلاميذه الضُّعفاء، نَرى تَبايُنا مدهشًا بين المسيح وتلاميذه يَحفظ جَلالَهُ. وأعتقد أنَّكم ستَرون ذلك في أثناء تأمُّلِنا في النَّصّ.

أوَّلاً، هناك تَبايُن بين المعرفة والجهل... بين المعرفة والجهل. فالتَّلاميذُ كانوا، بصراحة، جَهَلة جدًّا. فنحن نجد أنَّ بطرس يقول: "وَإِنْ شَكَّ فِيكَ الْجَمِيعُ..." [في العدد 33] "...فَأَنَا لاَ أَشُكُّ أَبَدًا". وهذا جَهلٌ مُطبِق. وما أعنيه هو أنَّه بعد ساعات قليلة، سوف يَشُكُّ. وهو يقول في العدد 35: "وَلَوِ اضْطُرِرْتُ أَنْ أَمُوتَ مَعَكَ لاَ أُنْكِرُكَ!" فهو لم يكن يَعلم ذلك. ولم يكن يستطيع أن يَجزم بذلك. وكما اتَّضح، فقد كان ذلك يَنُمُّ عن جهل. ثُمَّ إنَّ كلَّ التَّلاميذ قالوا الشَّيء نفسه في العدد 35. فقد كانوا جَهلة. لقد كانوا يَجهلون ضَعفهم. وكانوا يَجهلون قوَّة الشَّيطان. وكانوا يَجهلون الامتحان وقوَّته الهائلة الَّتي سيواجهونها في غُضون ساعات قليلة. فقد كانوا يجهلون أمورًا كثيرة جدًّا. هذا عَدا عن جَهلهم بالعهد القديم، وجَهلهم بالنُّبوَّة المذكورة في العدد 31 عن أنَّ الرَّاعي سيُضرَب فَتَتَبَدَّدُ خِرَافُ الرَّعِيَّة. لقد كانوا يَجهلون أمورًا كثيرة. وكان جهلُهم واضحًا.

وعلى النَّقيض مِن جَهلهم، هناك المعرفة المذهلة ليسوع المسيح. لاحظوا العدد 31: "حِينَئِذٍ...". والكلمة "حِينَئِذٍ" غير مُحدَّدة. فقد حدث ذلك في وقتٍ ما أثناء صعودهم إلى جبل الزَّيتون في تلك اللَّيلة. "قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ"، وَهُوَ وقتٌ آخر للتَّعليم، ووقت آخر للتَّدريب. وهذا درسٌ عن حماقة الاتِّكال على الذَّات. فهو يقول: "كُلُّكُمْ تَشُكُّونَ فِيَّ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنِّي أَضْرِبُ الرَّاعِيَ فَتَتَبَدَّدُ خِرَافُ الرَّعِيَّةِ. وَلكِنْ بَعْدَ قِيَامِي أَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ". ثُمَّ نقرأ في العدد 34 أنَّه قال لبُطرس: "الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ دِيكٌ تُنْكِرُني ثَلاَثَ مَرَّاتٍ". والآن، هذه مَعرفة! اسمعوني: لقد كان يَعلم أنَّهم سيُنكرونه. لقد كان يَعلم ذلك. لقد كان يَعلم أنَّ ذلك سيحدث في هذه اللَّيلة. وكان يَعلم أنَّ ذلك سيحدث بسببه. وكان يَعلم أنَّه سيقوم مِن الأموات. وكان يَعلم أنَّه سيَلقاهم مَرَّةً أخرى في الجَليل. وكان يَعلم أنَّهم سيُنكرونه حَتَّى إنَّه في تلك اللَّيلة قبل أن يَصيحَ الدِّيكُ سيُنكر بُطرس نفسُه [القائد] يسوعَ المسيح. وكان يَعلم أنَّهم لن يجتازوا ذلك الامتحان في تلك اللَّيلة بقوَّتهم الذاتيَّة. فقد كان يَعلم كلَّ شيء.

فكأنَّه كان في مَقصورَة تَحَكُّم، وكان كلُّ شيءٍ يُنقَل تلفزيونيًّا، وكلُّ الشَّاشاتِ الَّتي تَعرِضُ كلَّ الأحداث موجودة أمامه، وكان بمقدوره أن يَرى بوضوح كلَّ شيء يحدث. فقد كان بمقدوره أن يَرى يهوذا يفعل ما كان يهوذا يفعله تمامًا في تلك اللَّحظة عينِها. وكان بمقدوره أن يَرى رؤساء اليهود يَفعلون ما كانوا يفعلونه. وكان يَعلم تمامًا ما كان سيحدث. وكانت هناك شاشة واحدة تُريه إنكارَ بطرس، وشاشة أخرى تُريه هروب التَّلاميذ. فقد كان بمقدوره أن يَرى كلَّ شيء. وكان بمقدوره أن يَرى قُدومَ الجنود (أي الجنود الرُّومان) مع قادة اليهود حين جاءوا وَهُم يحملون العِصِيَّ والسُّيوف والمشاعل إلى البُستان ليأخذوه أسيرًا. وكان بمقدوره أن يَشعر على خَدِّهِ وأن يَرى بعينِ ذِهنه قُبلةَ يهوذا الإسخريوطيّ. فقد كان كلُّ شيءٍ مَاثِلاً هناك أمامه، وكان قادرًا على رؤية كلِّ شيء. وكان بمقدوره أن يرى بوضوح تامٍّ بعينيه (أيْ بعينيِّ معرفته الخارقة للطَّبيعة) نُبوءات العهد القديم تتحقَّق. وكان بمقدوره أن يسمع صَدى نبوءات العهد القديم. وكان بمقدوره أن يرى خُطَّة الله تتحقَّق. فقد كان كلُّ شيءٍ مَاثِلاً أمامه بكُلِّ تفاصيله.

وَهُوَ لم يَبذل جهدًا في الوصول إلى تلك المعرفة، بل كان كلُّ ذلك ماثِلاً أمامه. فقد عَرَفَ القُبلة. وقد عَرَفَ الخيانة. وقد عَرَفَ كلَّ خطوة في المحاكمة الزَّائفة. فقد عرف كلَّ شيء: تَقَهقُر التَّلاميذ أو ارتدادهم، وإنكار بطرس... كلَّ شيء، بل إنَّ كلَّ تفصيلٍ صغيرٍ كان مَاثِلاً أمام عينيه. لذا فإنَّكم لا تَخسرون أيَّ شيءٍ حين تنظرون إلى يسوع في هذا النَّصّ. فهو لا يَخسر أيَّ شيءٍ مِن جلالِهِ المَلَكِيِّ هنا. فشخصه المَلكيِّ واضح لأنَّه يَعرف كلَّ هذه الأشياء الَّتي ستحدث. وكلُّ ما ينبغي أن تفعلوه هو أن تستمرُّوا في القراءة لتكتشفوا أنَّ تلك الأشياء حدثت تمامًا كما قال إنَّها ستحدث. فقد كان يَعلم كلَّ شيء. وقد كان يَعرف اللَّحظة: "في هذه اللَّيلة". وقد كان يَعلم الماضي: "مكتوب". فهو خُطَّة الله. وقد كان يَعلم المستقبل: "كُلُّكُم تَشُكُّون". فقد كان كلُّ شيءٍ واضحًا بالنِّسبة إليه. فقد كان يَعلم كلَّ شيء. وهذه هي المعرفة المَهيبة للمسيح. وهي تَتركَّز بصورة رئيسيَّة في العدد 31 على نبوءة مِن العهد القديم ذُكِرَت في سِفْر زكريَّا 13: 7. فهو يقول: "كُلُّكُمْ تَشُكُّونَ". "كُلُّكُمْ تَشُكُّونَ فِيَّ". "كُلُّكُمْ تَشُكُّونَ فِيَّ في هذِهِ اللَّيْلَةِ [في هذه اللَّيلة تحديدًا]، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ...". فهذه هي خُطَّة الله. فهذا ليس مُجَرَّد حدثٍ عاديٍّ عَفويٍّ نتيجة عملٍ عشوائيٍّ قام به يهوذا، أو القادة الدينيُّون، أو أيُّ شخصٍ آخر على الأرض؛ بل هذه هي خُطَّة الله الإلهيَّة: "مَكتوب". وَهُوَ يَقتبس ما جاء في سِفْر زكريَّا 13: 7: "أَنِّي أَضْرِبُ الرَّاعِيَ فَتَتَبَدَّدُ خِرَافُ الرَّعِيَّةِ". فيسوعُ لم يكن يَعلم وحسب ما سيفعله يهوذا، وما سيفعله قادة اليهود، وما سيُفكِّر فيه التَّلاميذ، بل كان يَعلم أيضًا ما يُخَطِّط له الشَّيطان، وكان يَعلم كيف ستسير المحاكمة كُلُّها. فقد كان يَعلم كلَّ ما سيحدث في تلك اللَّيلة عندما يأتي الجنودُ والقادة ليأخذوه. وكان يَعلم القُبلة الَّتي سيتلقَّاها، وكان يَعلم أنَّ التَّلاميذ سيَهربون. وَهُوَ لم يكن يَعلم فقط كلَّ الحاضر والمستقبل، بل كان يَفهم أيضًا خُطَّة الله في الماضي. وكان يَفهم أيضًا معنى ما قاله النَّبيُّ زكريَّا حين قال ما قالَه.

وبالمناسبة، إنَّ هذا النَّصَّ ليس نَصًّا يَسهل تفسيره. فلو كان سهلاً جدًّا، رُبَّما كان التَّلاميذ قد فَهِموه. ولكنَّ ذلك النَّصَّ الموجود في سِفْر زكريَّا 13: 7 هو نَصٌّ صعب إلى حَدٍّ ما. وسوف أقول لكم السَّبب. في الأصحاح 13 مِن سِفْر زكريَّا، يَتحدَّث زكريَّا عن أنبياء كذبة سيُجرحونَ في معابدهم الوثنيَّة. وهو يتحدَّث عن الأنبياء الكذبة الَّذينَ سيأتي اللهُ ويَجرحهم في معابدهم الوثنيَّة. بعبارة أخرى، سوف يَدين اللهُ الأنبياء الكذبة. والنَّبيُّ [زكريَّا] يتحدَّث عن هؤلاء الأنبياء الكذبة الَّذينَ لا يستحقُّون شيئًا سوى دينونة الله. ثُمَّ إنَّه يأتي بعد ذلك مباشرةً ويقول في العدد 7: "اِضْرِبِ الرَّاعِيَ فَتَتَشَتَّتَ الْغَنَمُ". وقد يبدو أوَّل وَهلة أنَّه يُشير هنا إلى راعٍ زائف، أي أنَّ الربَّ سينزل ويَضرب راعيًا زائفًا (وَهُوَ أمرٌ قد يبدو منطقيًّا)، فَيَتَشَتَّتُ كُلُّ أتباعِ ذلك الرَّاعي الزَّائف. وقد نَظنُّ ذلك لولا التَّفسير الواضح للمسيح الَّذي يقول: "أنا هُوَ الَّذي سيُضرَب. وأنتُم الخِراف". لِذا فإنَّ الرَّاعي المَضروب في سِفْر زكريَّا 13: 7 لا بُدَّ أن يكون المَسيَّا، والخراف الَّتي ستَتشتَّت لا بُدَّ أن تكون رَعيَّته. وإن فَهمتم ذلك، ستفهمون معنى الآية زكريَّا 13: 7، وسيكون المعنى منطقيًّا في ذلك السِّياق ولا سِيَّما حين تنظرون إليه نظرةً أكثر تَدقيقًا.

والآن، انظروا إلى الآية زكريَّا 13: 7 قليلاً. وسوف أريكم بعض الأمور المدهشة. فالآية تقول: "اِسْتَيْقِظْ يَا سَيْفُ". واللهُ (أي: يَهوه) هو المُتكلِّم: "اِسْتَيْقِظْ يَا سَيْفُ عَلَى رَاعِيَّ". والآن، هذا يخبركم حالاً أنَّه ليس نبيًّا كاذبًا. فالله لا يَضرب نَبيًّا كاذبًا يدعوه: "رَاعِيَّ"؛ أي أنَّه المُمَثِّل الشَّخصيّ لله، بل إنَّ الله يقول: "سَيفي سيَقتُل راعِيَّ". "اِسْتَيْقِظْ يَا سَيْفُ على رَاعِيَّ". ثُمَّ نقرأ هذه العبارة المدهشة جدًّا: "وَعَلَى رَجُلِ..." - وَهُوَ يَستخدم هنا كلمة عِبريَّة ليست الكلمة الشَّائعة، وليست الكلمة العامَّة، بل هي تعني: "الرَّجُل القويّ" أو "الرَّجُل ذو البأس الشَّديد". إذًا أوَّلاً، الرَّاعي الَّذي ينبغي أن يموت يُدعى "راعي الله": "رَاعِيَّ" أو: "الرَّاعي القويّ" ثُمَّ نقرأ: "رَجُل رِفْقَتِي"، وحَرفيًّا: "على الرَّجُلِ ذي البأس رَفيقي" أو "على الرَّجُلِ ذي البأس المُعادل لي". وهي عبارة مُدهشة. أليس كذلك؟ فَمَن هو المُعادِل لله؟ المسيح. ومَن هو راعي الله؟ المسيح. ومَن هو الرَّاعي القويّ؟ المسيح.

لِذا، مِن الواضح أنَّ زكريَّا يَنتقل مِن الحديث عن الرَّاعي الزَّائف فيقول: "أجل، سوف يَضرب اللهُ الرَّاعي الزائف في معبد الأصنام، ولكنَّ اللهَ سيَجرح أيضًا الرَّاعي الحقيقيَّ فيَتشتَّت خِرافُه أيضًا". وفي نهاية الآية: "وَأَرُدُّ يَدِي عَلَى الصِّغَار". فسوف تبقى هناك بَقيَّة. سوف تبقى هناك بَقيَّة. وما يقوله زكرَّيا هو أنَّه سيأتي يومٌ يَضرب فيه اللهُ راعيه (أي: الربَّ يسوعَ المسيح)، فتَتَبَدَّد خِرافُ الرَّعيَّة. والآن، أعتقد أنَّ الغَنم الَّتي كانت موجودة في فِكر زكريَّا هي أُمَّة إسرائيل. فقد صارت إسرائيل في حالة فوضى بعد موت مسيحهم. ففي سنة 70 ميلاديَّة، دُمِّرَت المدينة، والهيكل، وكلُّ شيءٍ آخر. وَهُم ما يزالون في حالة الفوضى نفسها بسبب رفض المسيَّا. ولكنَّ تَشَتُّتَ التَّلاميذ كان أوَّل مرحلة تقريبًا مِن الفوضى الَّتي عَمَّتْ أُمَّة إسرائيل. لذا فإنَّ زكرِّيَّا يَرى أنَّ الله يَضرب الرَّاعي فتَتَشَتَّت الأُمَّة. وأوَّل مرحلة مِن ذلك التَّشَتُّت يُطَبِّقُها الربُّ على هذه المجموعة المؤلَّفة مِن تلاميذه الَّذينَ سيتشتَّتون.

ولكن اسمحوا لي أن أُضيف شيئًا. فهو لا يَقتبس هذا في إنجيل مَتَّى، بل هو مذكور في سِفْر زكريَّا. فزكريَّا يقول: "وَأَرُدُّ يَدِي عَلَى الصِّغَارِ". ففي حين أنَّ الأُمَّة بأسرها دخلت في حالة فوضى، فإنَّ اللهَ عادَ وجَمَعَ تَلاميذَهُ المُشَتَّتين. أليس كذلك؟ وَهُوَ مُستمرٌّ في القيام بذلك في حياة البَقيَّة. لذا فإنَّ نبوءة زكريَّا مهمَّة جدًّا. وبهذا نرى معرفة الربِّ الخارقة للطَّبيعة. فهو يَعرف معنى خُطَّة الله: "لأنَّهُ مَكتوب". وكان يَعلم كيف يُفسِّر مقطعًا صعبًا مِن سِفْر زكريَّا بوضوحٍ تامٍّ. وقد كان يفهم التَّلاميذ، وأين هُم ذاهبون، وما سيفعلونه. وكان يَعلم ما سيفعله الشَّيطان كي يُهاجمهم، وكان يَعلم أنَّهم لن يتمكَّنوا مِن احتمال ذلك. وكان يَعلم ما سيفعله بطرس بالرَّغم مِن أنَّه قال إنَّه لن يفعل ذلك. فقد كان يَعرف كلَّ التَّفاصيل المختصَّة بما سيحدث، وكان يَعلم متى سيحدث ذلك: "في هذه اللَّيلة. سوف تفعلون ذلك قبل أن يَصيح الدِّيك". إنَّها معرفة خارقة للطَّبيعة على النَّقيض مِن جهل هؤلاء التَّلاميذ. لذا فإنَّ يسوعَ لا يَخسر هُنا، بل هُم الَّذينَ يَخسرون. فَهُم ليسوا أبطالاً لأنَّهم تَخَلَّوا عن الشَّخص الَّذي انتشرت ثَورَتُه بقوَّة. فقد أظهروا أنَّهُم جُهَّال، وأنَّهم حَمقى، وأنَّهم غير قادرين على فهم خُطَّة الله، وغير قادرين على فهم كلام الأنبياء، وغير قادرين على فهم علامات الأزمنة الَّتي كانوا ينظرون إليها. أمَّا يسوعُ فكان يَعلم كلَّ شيءٍ بطريقة مُفعمة بالجلال، ويَعرف كلَّ التَّفاصيل تمامًا. لذا فإنَّ مَعرفة المسيح تَسطَعُ على النَّقيضِ مِن جَهلهم.

ثانيًا، نَرى التَّبايُن بين الشَّجاعة والجُبْن... بين الشَّجاعة والجُبْن. ففي العدد 31 نقرأ تلك العبارة: "كُلُّكُمْ [كُلُّكُمْ] تَشُكُّونَ". والكلمة المستخدمة هنا تَعني: تَعْثُرون". سوف تَعثُرون. سوف تَقعون في فَخٍّ. وسوف يكون أقوى مِن أن تتمكَّنوا مِن النَّجاة منه. فسوف تَقعون في الفَخّ. سوف تقعون في تجربة أقوى مِن قدرتكم على الاحتمال، وسوف تَشُكُّونَ ... جميعُكم. وما هو الفَخّ؟ نقرأُ الجواب في سِفْر الأمثال 29: 25: "خَشْيَةُ الإِنْسَانِ تَضَعُ شَرَكًا". فقد كانوا خائفين. لقد كانوا خائفين مِمَّا قد يفعله الرُّومان بهم، أو ما قد يَفعله اليهودُ بهم. فعندما رأوا (كما يقول العدد 55 مِن هذا الأصحاح)، عندما رأوا أولئك الجنود قادِمين بعِصِيٍّ وهَراواتٍ وسيوفٍ ومشاعل، ورأوا القادة قادِمين، هربوا. فقد كانوا خائفين. "كُلُّكُمْ تَشُكُّونَ". "كُلُّكُمْ ستعثُرونَ فِيَّ"؛ أي: بسببي. وَهُوَ يقول: "سوف تتركونني. وسوف تَرتدُّون. وسوف تَهجرونني. وسوف تتَخَلَّون عنِّي. سوف تهربون في منتصف المعركة". وقد حدث تمامًا ما قاله. فعندما زاد الضَّغط، هربوا... هربوا.

لقد خافوا مِمَّا سيحدث. وقد استحوا مِن أن يَقترنوا بيسوع المسيح. وقد استحوا أن يَحملوا تَعييرَ المسيح. وهذا لا يعني أنَّهم لا يُحبُّونه، ولا أنَّهم لا يريدون أن يكونوا أُمناء للمسيح، بل إنَّهم كانوا خائفين وحسب. وببساطة مُتناهية: لم يكونوا يؤمنون بأنَّ الربَّ يستطيع أن يفعل ماذا؟ أن يُخلِّصهم. فهذا هو كلُّ ما في الأمر. فَهُم لم يكونوا يثقون به. "لن تتمكَّن مِن تخليصِنا مِن هذه الورطة. لقد قُضِيَ علينا!" وكما تَرون، فإنَّ ما قَصَدوهُ هو: "انظروا إليه! إنَّه ضَحيَّة. وإن كان هُوَ ضَحيَّةً، ماذا سنكون نحن؟ وإن لم يكن يستطيع هو أن ينجو مِن هذا، كيف سنتمكَّن نحن مِن النَّجاة؟" والآن بصراحة، قد يكون الاقتران بالمسيح عَارًا، وقد يكون أمرًا صعبًا. فنحن نقرأ في الرِّسالة إلى العِبرانِيِّين والأصحاح 11 أنَّ مُوسى اختار عار المسيح على خطايا العالَم. ولكن ليس الجميع يُحسنون الاختيار في كلِّ مَرَّة. فهناك أشخاصٌ مِنَّا يهربون عندما يَزداد الضَّغط. فَهُم يَهربون على أمل النَّجاة لأنَّهم خائفون. لذا فإنَّكم تَرون جُبْنَ التَّلاميذ، ولكنَّكم تَرون يسوعَ يَتحلَّى بالشَّجاعة الكاملة، ويَمضي إلى الصَّليب، ويُسَلِّم نفسه للآب دون أيِّ اهتزاز. "لا مشيئتي، بل مشيئتك. أيَّا كان الشَّيء الَّذي تريد مِنِّي أيُّها الآبُ أن أفعله، سأفعله. فأنا أثق بك، وأضع حياتي بين يديك"؟ ولكنَّهم لم يتمكَّنوا مِن فعل ذلك. فقد كانوا جُبناء.

أمَّا شجاعة المسيح فكانت عجيبة. فقد صُلِبَ كي يَحمل الخطيَّة مع أنَّه لم يَمَسَّ يومًا الخطيَّة، والخطيَّة لم تَمَسَّهُ قَطّ. فهو لم يتنجَّس بخطيَّة واحدة، ولكنَّه سيَحمل خطايا العالَم. وهو سيتعرَّض للإهانة، ويتعرَّض للسُّخرية، ويُبصَق عليه. فكلُّ هذه الأمور الَّتي لا تُصَدَّق تحدث لمسيح الله. وهو يَمضي نحو ذلك بشجاعة إلهيَّة لا مَثيل لها. وكان دافعه إلى ذلك هو ثقته المُطلَقة بالآب الَّذي دَعاه إلى هذه المأموريَّة؛ وهي شيء يَفوق بكثير جُبْنَ التَّلاميذ. لذا، لا يمكن حتَّى لتلاميذه المُرتدِّين أن يُضعِفوا جَلالَ رَبِّهم. فمع أنَّه هربوا خوفًا، فإنَّه بقي عاقِدَ العَزم على تنفيذ المهمَّة بشجاعة عظيمة مُتحدِّيًا الموتَ والخطيَّة والشَّيطان لأجلهم. لذا فإنَّ التَّبايُنَ يُظهِرَهُ مَرَّةً أخرى في جلاله.

أمَّا العُنصر الثالث في هذا التَّبايُن الَّذي أراه هنا فهو: التَّبايُن بين القوَّة والضَّعف. فقد كان التَّلاميذ خائفين مِن مواجهة تلك اللَّحظة لأنَّهم كانوا ضعفاء ولم يتمكَّنوا مِن مواجهة الموت. فهذا هو ما كان يُخيفهم. ففي العدد 32، يقول الرَّبُّ: "وَلكِنْ بَعْدَ قِيَامِي أَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ". فقد واجه الربُّ الموتَ بشجاعة عظيمة لأنَّه كان يَعلم أنَّه يَملِك سُلطانًا على الموت. أليس كذلك؟ أمَّا التَّلاميذ فكانوا يَعلمون أنَّهم لا يَملِكون ذلك السُّلطان. فقد كانوا ينظرون إلى أنفسهم ويقولون: "لا يمكننا أن نَتحدَّى الموت. سوف يقتلوننا ويَنتهي الأمر. فلا سُلطان لدينا على الموت". ولم يكونوا مستعدِّين لتكريس أنفسهم لذاكَ الَّذي يَملِك ذلك السُّلطان. فقد كانوا يَفتقرون للإيمان. ويسوعُ [كما جاء في رسالة رومية 6: 4] أُقِيمَ مِنَ الأَمْوَاتِ بِمَجْدِ الآب. وهذا يعني أنَّه عندما دُفِنَ يسوع، فإنَّه يقول هنا: "سوف أقوم". وقد قال ذلك المَرَّة تلو المَرَّة في مَتَّى 16، ومَتَّى 17، ومَتَّى 20: "ينبغي أن أمضي وأن أُصلَب. وبعد ثلاثة أيَّام سأقوم مِن الأموات". ولكنَّه كان يَتَّكِل على قوَّة الله أو على السُّلطان الإلهيِّ على الموت. وقد جاء [بحسب الرِّسالة إلى العِبرانِيِّين] كَيْ يُبِيدَ المَوْتَ الَّذي أَبْقى النَّاس تحتَ العُبوديَّة كلَّ حياتِهم. وقد جاء كي يُبيد ذاك الَّذي له سُلطان الموت؛ أي: الشَّيطان. وقد كان سُلطان المسيح فائقًا جدًّا حتَّى إنَّه واجه الصَّليب لأنَّه كان يَعلم أنَّ هناك سُلطانًا يَغلب الموت. وقد كان ينظر إلى الموت كعَدُوٍّ ينبغي أن يُبطَل. ولكنَّ التَّلاميذ ضعفوا أمام الموت وهربوا. لِذا يمكنكم أن تَروا ضعفهم على النَّقيض مِن قوَّته.

وقد كان يؤمن بما كان إبراهيم يؤمن به (كما جاء في الرِّسالة إلى العِبرانِيِّين 11: 17 و 19 عندما قَدَّم إسحاق). ونحن نقول: "لماذا يفعل ذلك في حين أنَّ إسحاقَ كان ابن الوعد؟" نقرأ أنَّه كان يؤمن بالله القادر على الإقامة مِن الأموات. فقد آمن إبراهيم بأنَّه إن أراد اللهُ أن يأخذ حياة إسحاق، لا بُدَّ أنَّه سيُقيمه مِن الأموات كي يُتَمِّمَ وعده. وقد كان اللهُ إلهَ المواعيد. وكان سيفعل هذا الأمر إن اقتضى الأمر ذلك. لذا فقد أَبدى إبراهيمُ الاستعداد لتقديم ابنه. وقد كان المسيحُ، بكلِّ تأكيد، مستعدًّا للذَّهاب إلى القبر لأنَّه كان يَعلم أنَّ الله هو إله المواعيد. وإن قال اللهُ إنَّه سيكون المسيح، وإنَّه سيكون مَلِكَ الملوك، وإنَّه سيكون السَّيِّد، وإنَّه سيقوم مِن الأموات، فإنَّ ذلك هو ما سيحدث تمامًا. وقد تقول: "حسنًا! وهل كان التَّلاميذ يَعلمون ذلك؟" كان ينبغي لهم أن يَعلموا ذلك. وكان ينبغي لهم أن يتذكَّروا ما حدث قبل بضعة أيام عندما أقام مَن مِنَ الموت؟ لِعازَر (في إنجيل يوحنَّا 11: 47-53). فقد عَلِمَ جميع الرُّؤساء أنَّه أقام لعازِ مِن الأموات. وكان ينبغي لهم أن يتذكَّروا ذلك وأن يتذكَّروا ما قاله: "أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيًّا وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهذَا؟" فقد كان ينبغي لهم أن يَعلموا ذلك. كان ينبغي لهم أن يَعلموا ذلك. ولكن بسبب ضعف إيمانهم، كانوا جُبناء. وبقوَّة الإيمان بالله الَّذي سَلَّمَ يسوعُ نفسَه إليه، مَضى بقوَّة نحو الصَّليب.

لذا فإنَّكم ترون مَرَّةً أخرى جلال المسيح بالتَّبايُن مع ضُعف التَّلاميذ مِن خلال حقيقة أنَّه كان يؤمن بسُلطان الله على الموت. أمَّا هُمْ فَلا... أمَّا هُمْ فَلا. فقد كانوا ضعفاء. أمَّا هو فكان قويًّا. وقد قال: "سوف أَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيل. وسوف أعود شخصيًّا مَرَّةً أخرى لأكون راعيكم وأقودكم مَرَّةً أخرى". وقد فعل ذلك. لقد فعل ذلك. ففي الأصحاح 28، تقرأون ذلك في الأصحاح 28 والعدد 9 إذ إنَّه يَلتقيهم مرَّة أخرى، ويَجمعهم مرَّةً أخرى فيذهبون إلى الجليل. وهو يقول: "اِذْهَبَا قُولاَ لإِخْوَتِي أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى الْجَلِيلِ، وَهُنَاكَ يَرَوْنَنِي". أجل، لقد فعل ذلك. فقد خرج مِن القبر والتقاهم. وقد كان يَعلم أنَّه يَملك السُّلطان...اسمعوني: لا فقط على أن يَغلب الموت، بل أيضًا أن يَبيدَ الموت. وبعد أن فعل ذلك، سيأتي ويَجمعهم ثانيةً. ولكنَّ إيمانَهُم كان ضعيفًا. وكانت مَحبَّتُهم ضعيفة. وكان امتِنانُهم ضَعيفًا. وبصورة رئيسيَّة، كان كلُّ ما لديهم هو العاطفة وحسب؛ ولا شيء غير ذلك. ولكن كما ترون، فإنَّ الدَّرس مُهمٌّ جدًّا لنا، يا أحبَّائي. انظروا! يمكننا أن نَفتخرَ بجهلِنا، ويمكننا أن نقول إنَّنا أذكياء في حين أنَّنا لسنا كذلك. ويمكننا أن نَتَبَجَّحَ بشجاعتنا؛ ولكن عندما تَحين لحظة الحقيقة يَتبيَّن أنَّنا جُبناء. ويمكننا أن نقول إنَّنا نَملك القوَّة لمواجهة أيِّ شيء، ولكن عندما يحدث شيء حقيقيّ نجد أنفسنا ضعفاء جدًّا. وهذا ليس بالأمر السَّيِّء على الإطلاق. لا، فهو ليس سيِّئًا على الإطلاق لأنَّه ما لم تتعلَّم الدَّرس بأنَّك ضعيف، لا يمكنك أن تَتعلَّم أين تَكمُن قُوَّتُك. أليس كذلك؟ لِذا فإنَّ بولس يقول في رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس والأصحاح 12: "لأَنَّ قُوَّتِي..." تُكْمَلُ أين؟ "فِي الضَّعْف". فيجب أن تتعلَّموا أن تتوقَّفوا عن الاتِّكال على أنفسكم.

ثُمَّ إنَّ هناك تَبايُنًا عجيبًا بين الكِبرياء والاتِّضاع هنا ... بين الكِبرياء والاتِّضاع. فالكبرياءُ تَقْطُر مِن فَمِ بطرس. "فَأَجَابَ بُطْرُسُ" (مع أنَّ أحدًا لم يسأله في الحقيقة) وَقَالَ لَهُ...". فقد تَطَوَّع وحسب وَنَطَق. فهذا هو كلُّ ما في الأمر: "...وَإِنْ شَكَّ فِيكَ الْجَمِيعُ فَأَنَا لاَ أَشُكُّ أَبَدًا". ويمكنكم أن تَروه وحسب ينظر إلى التَّلاميذ الآخرين ويقول: "يمكنكم أن تذهبوا! أمَّا أنا فسأبقى. فأنا أصدق الصَّادِقين". بطرس المُفتخر بنفسه والواثق مِن نفسه. لقد كان جبانًا، وضعيفًا، وجاهلاً، ولكنَّه لم يكن يَعلم ذلك. وَهُوَ حالة صعبة. وشعوري هو أنَّه أقرب شخص إلى يهوذا مِن بين جميع التَّلاميذ؛ باستثناء حقيقة أنَّه كان يؤمن. ولكنَّه لم يكن يَختلف كثيرًا عنه. فقد كان أنانيًّا جدًّا، ومَغرورًا جدًّا، ومُتَبَجِّحًا جدًّا، وفخورًا جدًّا بنفسه. وكما تَعلمون، فإنَّه لم يكن يُحسِن التَّعلُّم... لا يُحسِن التَّعلُّم. "وَإِنْ شَكَّ فِيكَ الْجَمِيعُ...". فكُلُّ شخصٍ قد يَشُكُّ... كلُّ شخصٍ قد يَشُكّ. "...أمَّا أَنَا فَلا أَشُكُّ أَبَدًا، بل سأبقى معك طُول الطَّريق". وهل تَعلمون شيئًا؟ هل تَعلمون أنَّه قبل دقائق قليلة، أو رُبَّما قبل ساعات قليلة مِن ذلك، كان قد تَعلَّم درسًا؟ ففي العِليَّة، اسمحوا لي أن أقول لكم... في يوحنَّا 13، أتذكرون أنِّي قلتُ لكم أنَّ ذلك حدث في العِليَّة؟ يوحنَّا 13 و 14 و 15 و 16 و 17؟

استمعوا إلى يوحنَّا 13. فقد كان الرَّبُّ يتحدَّث عن أنَّه سيذهب. "قَالَ لَهُ سِمْعَانُ بُطْرُسُ [في إنجيل يوحنَّا 13: 36]: «يَا سَيِّدُ، إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ؟» أَجَابَهُ يَسُوعُ: «حَيْثُ أَذْهَبُ لاَ تَقْدِرُ الآنَ أَنْ تَتْبَعَنِي، وَلكِنَّكَ سَتَتْبَعُنِي أَخِيرًا»". بعبارة أخرى، سوف أذهب إلى السَّماء، ولا يمكنك أن تأتي. ولكنَّك ستذهب إلى السَّماء حين يَحين وقتُك. "قَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «يَا سَيِّدُ، لِمَاذَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَتْبَعَكَ الآنَ؟" فهو يُشبه طفلاً عُمرُه ثلاث سنوات. أريد أن أذهب. ثُمَّ إنَّه يقول: "إِنِّي أَضَعُ نَفْسِي عَنْكَ! أَجَابَهُ يَسُوعُ: «أَتَضَعُ نَفْسَكَ عَنِّي؟ اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: لاَ يَصِيحُ الدِّيكُ حَتَّى تُنْكِرَنِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ»". والآن، مهلاً! هل تعني أنَّه قال ذلك مَرَّةً له؟ أجل، في العِليَّة. والآن، لاحظوا ما يحدث. فها نحن الآن خارج العِليَّة. وبعد قليل، نَراهم يصعدون جبل الزَّيتون. وَهُوَ يقول: "وَإِنْ شَكَّ فِيكَ الْجَمِيعُ" [إنجيل مَتَّى 26: 33] فَأَنَا لاَ أَشُكُّ أَبَدًا»". ويسوعُ يُجيبه نفس الجواب: "الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ دِيكٌ تُنْكِرُني ثَلاَثَ مَرَّاتٍ". فهذا الرَّجُل حالة صعبة. فهذه هي المَرَّة الثانية في ليلة واحدة. مَرَّتين! ولكنَّه لا يُصغي. فهو مغرور جدًّا، ولديه ثقة زائدة عن الحَدِّ في نفسه.

فقال يسوعُ شيئًا آخر له لم يُدوِّنه مَتَّى، ولكن دوَّنه لوقا. ونحن نَشكر الله على ذلك. وَهُوَ شيء مُدهش حقًّا. وهذا هو ما قاله يسوعُ له: "سِمْعَانُ، سِمْعَانُ". وَهُوَ يَدعوه باسمه القديم قبل أن يَخلص لأنَّه يتصرَّف تمامًا كذلك. "هُوَذَا الشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ كَالْحِنْطَة!" وقد كانت الغربلة تعني أن تَضع الحنطة في غِربال وتَهُزَّها إلى الخلف والأمام هكذا. وَهُوَ يقول: "هُوَذَا الشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ". وَهُوَ يَستخدم الكلمة "هوماس" (humas) ومعناها: "أنتُم" (بصيغة الجمع). ليس أنت فقط يا بطرس، بل أنتم جميعًا. فالشَّيطان يَسعى وراءكم. وهو يريد أن يَهُزَّكم كما لم تُهَزُّوا مِن قَبل. والآن، لقد كان بطرس قد واجَهَ الشَّيطان مِن قَبل. هل تَذكرون ما جاء في مَتَّى 16؟ فقد قال بطرس: "لا يا رَبُّ، لا، أنا آسف. لن تموت. والآن، أنا أَعلم أنَّ هذا هو ما تريد أن تَفعله، ولكن لا. لن تفعل ذلك". وقد نَظر يسوع إليه وقال: "اذهب عَنِّي" [يا ماذا؟] "يا شيطان". لذا فقد كان الشَّيطان يُهاجم بطرس منذ وقتٍ طويل.

ولكن في إنجيل لوقا 22: 31، يقول يسوع: "سوف يُغربلكم الشَّيطانُ، يا رِفاق، كما لم تُغَربَلوا مِن قَبل. سوف يُغربلكم بعُنف كما يَهُزُّ الإنسانُ الغِربال كي يَجعل الحنطة تسقط والعُصافة تَطير. سوف تُغَربَلون". ولكنَّ يسوع يقول: "وَلكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لاَ يَفْنَى إِيمَانُكَ. وَأَنْتَ مَتَى رَجَعْتَ ثَبِّتْ إِخْوَتَكَ". فيسوعُ يقول: "سوف أُصلِّي لأجلك كي لا يكون انهيارك كاملاً. فسوف تَتعرَّض لكارثة، ولكنَّها لن تكون كاملةً لأنِّي طلبتُ مِن أجلك. وعندما تُرَدُّ وتَسترجع عافيتَك، ستكون قادرًا على تَثبيتِ آخرين". لماذا؟ لأنَّك ستخرج وتقول: "يا رفاق، لا تَتَّكِلوا على أنفسكم". سوف تَتعلَّم درسًا تستطيع أن تُعلِّمه لآخرين. ونَقرأ في إنجيل لوقا أنَّه يقول: "أنا مُستعدٌّ أن أذهب معك إلى السِّجن وأن أموت". ويا له مِن شخصٍ مُعانِد! وقد قال: "بُطرس! لن يَصيح الدِّيك في هذا اليوم قبل أن تُنكرني ثلاث مَرَّات". سوف تُنكِر حَتَّى أنَّك تعرفني.

إذًا، عودة إلى إنجيل مَتَّى والأصحاح 26. فيسوعُ يتحدَّث عن تجربة قويَّة. وَهُوَ يَتحدَّث هنا بصيغة الجمع. فهو لا يُخاطب فقط بطرس، بل يُخاطب البقيَّة جميعًا. فَهُم على وشك خِيانَتِه بشدَّة. وبُطرس أحمق هنا. فبصراحة، إنَّه أحمق تمامًا. وكبرياؤه ظاهرة بثلاث طرق. فيجب أن تفهموا ما يلي: لو لم تكن هذه كبرياء، لا أدري ما هي! أوَّلاً، لقد ناقَضَ الرَّبَّ. هل تفهمون ذلك؟ لقد ناقضَ الرَّبَّ. لقد كنتُ أتعرَّضُ لغَسْلِ فمي بالصَّابون بسبب مُناقضتي لأُمِّي أو أبي. وقد ناقضَ الرَّبَّ: "لا يا رَبّ! أنت على خطأ. أنا لن أُنكرك". وهذا تَصرُّف طائش جدًّا. ثانيًا، لقد ادَّعى أنَّه أفضل مِن أيِّ شخصٍ آخر. "وَإِنْ شَكَّ فِيكَ الْجَمِيعُ فَأَنَا لاَ أَشُكُّ أَبَدًا". ثالثًا، لقد كان يَتَّكِل على قُوَّته الشخصيَّة. فقد قال: "أنا مُستعدٌّ للموت معك. أنا لن أُنكرك". أنا، أنا، أنا، أنا. فقد كان هذا الرَّجُل مغرورًا جدًّا. وقد قال جميع التَّلاميذ الآخرين في نهاية العدد 35 الشَّيءَ نفسه. "أجل، لن نفعل ذلك". وهُنا يَتَجَلَّى اتِّضاعُ يسوع بصورة جميلة جدًّا. فهو يقول في العدد 34: "إِنَّكَ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ دِيكٌ تُنْكِرُني ثَلاَثَ مَرَّاتٍ". فسوف يكون [يَسوعُ] وحيدًا، ومتروكًا، ومُهمَلاً، ومَهجورًا.

إنَّه الكبرياءُ الغَبِيُّ للبشر مُقابِل الاتِّضاع الرَّائع ليسوع المسيح الَّذي أبدى استعدادًا طوعيًّا للمِضِيِّ إلى الصَّليب كي يموت ويَسفك دمه عن تلاميذ أغبياء، وجُبناء، وضُعفاء، ومَغرورين سيتخلَّون عنه. وهذا مُدهش. فيا له مِن تَعَطُّف! ويا له مِن تَواضُع! فكيف يجرؤ هؤلاء الرِّجال على الاستحاء بالله الحيِّ الَّذي لا يَستحي بهم؟ وما أعنيه هو أنَّنا سنَتفهَّم الأمر إن استحى اللهُ أن يَقترن بالخُطاة. أمَّا أن يَستحي الخُطاة باتِّباع الله! وهذا يُريكم مَدى انحرافهم. لذا فإنَّ الربَّ يقول: "في هذه اللَّيلة، قبل أن يصيح ديكٌ...". وهل تَعلمون مَتى يحدث ذلك؟ لقد كان اليهودُ يُقَسِّمون اللَّيل إلى أربعة أقسام: المساء (مِن السَّادسة إلى التَّاسعة)، ومُنتصف اللَّيل (مِن التَّاسعة إلى مُنتصف اللَّيل)، وصياح الدِّيك (مِن مُنتصف اللَّيل إلى الثالثة صباحًا)، والصَّباح (مِن الثَّالثة إلى السَّادسة). وكان "صِياحُ الدِّيك" هو اسم الفترة المُمتدَّة مِن مُنتصف اللَّيل إلى الثَّالثة صباحًا لأنَّه كان الوقتُ الَّذي يَصيح فيه الدِّيك في نحو السَّاعة الثالثة صباحًا. فهو يصيح في وقتٍ مُبَكِّر جدًّا. وكان ذلك يُسَمَّى "صِياح الدِّيك". وكان الوقت آنذاك نحو مُنتصف اللَّيل. ورَبُّنا يقول: "بعد ساعات قليلة، قبل حَتَّى أن يَصيح ذلك الدِّيك مَرَّتين، ستكون قد أنكرتني ثلاثَ مَرَّات. فحتَّى قبل أن تصير السَّاعة الثَّالثة صباحًا، ستكون قد أنكرتني في ثلاث مُناسبات مختلفة".

ويا للعَجب! فقد كان يَعرف كلَّ التَّفاصيل. فقد كان يَعلم ما سيحدث في كلِّ حركة، لا فقط حركة مِن بُطرس، بل إنَّه كان يَعلم أين سيكون بطرس. وكان يَعلم مَن سيَلتقي، وكيف سيُنكره. فقد كان كلُّ شيءٍ واضحًا بالنِّسبة إليه. وبالمناسبة، انظروا إلى العدد 74 مِن هذا الأصحاح. فهو يَتحدَّث عن رَجُلٍ يقول: "أَلا تَتَنَقَّلُ مع يسوعَ النَّاصريّ؟" ونقرأ عن بُطرس في العدد 74 [لاحظوا ما يلي]: "فَابْتَدَأَ حِينَئِذٍ يَلْعَنُ وَيَحْلِفُ". فكأنَّه لا يكفي أن يُنكر المسيح! لذا فإنَّه يبتدئ في إخراج كلام التَّجديفِ مِن فمه. والآن، هذا بطرس... هذا بطرس الرَّسول، يا أحبَّائي، يَلعَن ويَحلِف: إِنِّي لاَ أَعْرِفُ الرَّجُلَ!" ومَن هو الَّذي يَلعَنُه؟ هل يُعقَل أنَّه يَلعن المسيح؟ بعبارة أخرى: هذا أمرٌ مُريع! "إِنِّي لاَ أَعْرِفُ الرَّجُلَ! وَلِلْوَقْتِ..." ماذا حدث؟ "صَاحَ الدِّيكُ. فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ كَلاَمَ يَسُوعَ". ويا لها مِن ذِكرى مُؤلمة! "فَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ وَبَكَى بُكَاءً مُرًّا". ويا له مِن درس! يا له مِن درس! وفي العدد 35 مِن إنجيل مَتَّى والأصحاح 26 يقول: "وَلَوِ اضْطُرِرْتُ أَنْ أَمُوتَ مَعَكَ لاَ أُنْكِرُكَ!" إنَّها مشاعر رقيقة يا بُطرس، وفكرة رائعة. فهي كلمات جميلة ورائعة، ولكنَّك لا تستطيع أن تُنَفِّذها. فأنت لا تَملِك الشَّجاعة اللَّازمة.

وأريد منكم أن تُلاحظوا ما جاء في إنجيل لوقا. فهو كلامٌ صعبٌ جدًّا. فلوقا يقول إنَّه عندما قالَ بُطرس: "يَا إِنْسَانُ، لَسْتُ أَعْرِفُ مَا تَقُولُ!" فِي الْحَالِ بَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ "صَاحَ الدِّيكُ. فَالْتَفَتَ الرَّبُّ وَنَظَرَ إِلَى بُطْرُسَ". ويا له مِن موقفٍ صَعب! هل يمكنكم أن تَتخيَّلوا ذلك؟ فقد رآه هناك، ونظر إليه وحسب: "لقد قلتُ لك ذلك". وقد قال كُلُّ التَّلاميذ: "أجل!" فقد قالوا الشَّيءَ نفسَه. لِذا فإنَّنا نَرى غُرورَهم. وعلى النَّقيضِ من ذلك نَرى اتِّضاعَ المسيح الَّذي كان يموت حقًّا عن أولئك التَّلاميذ الجاحِدين، وغير المُحِبِّين، والمُرتدِّين الَّذين هَجروه. وكان يُضَحِّي بنفسه باتِّضاع لأجل أشخاصٍ لا يُسَمُّونَ حَتَّى باسمه تحت الضَّغط. لذا فإنَّ المسيحَ الكُليَّ العِلم، والشُّجاع، وصاحب السُّلطان، والمُتَّضِع يَمضي إلى الصَّليب وحيدًا مِن دون أتباعه الجَهَلة، والجُبناء، والضُّعفاء، والمغرورين. وهل تنتهي القصَّة هكذا؟ لا. ونحن نَشكُر الله لأنَّها لا تنتهي بتلك الطريقة. فيجب علينا أن نرجع إلى العدد 32: "وَلكِنْ بَعْدَ قِيَامِي أَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيل". والفكرة في الكلمة "أَسبقكم" هي: "سوف أقودكم إلى الجليل". وهذا يَقودُنا إلى التَّبايُن الأخير بين الارتدادِ والرَّد – أي بين ارتدادهم ورَدِّهِ لهم. فبالرَّغم من كلِّ شيءٍ فَعلوه بتركهم الرَّبَّ، وبالرَّغم مِن كلِّ اللَّعنِ، والحلفان، والإنكار، والهرب، والهَجر، وكلِّ شيء، كان يسوعُ مُحبًّا ورحيمًا ويريد أن يَرُدَّ نُفوسَهم. ولا أدري كيف أقول ذلك، ولكنَّه تَمَّمَ الكلمات الأخيرة مِن ذلك المزمور العظيم 136 حتَّى إنَّه مِن المؤكَّد أنَّهم قالوا المَرَّة تلو الأخرى: "رَحمَتُه إلى الأبد... رَحمَتُه إلى الأبد... رَحمَتُه إلى الأبد". ونَرى هنا النَّموذج الكلاسيكيَّ المُطلَق على الرَّحمة.

فَهُم لا يَستحقُّون أيَّ شيء، ولكنَّه يقول: "سوف أعود. وبالرَّغم مِمَّا تفعلونه، سوف أَجمعكم وأقودكم إلى الجليل". وهذا هو بالضَّبط ما فَعله. فقد قادهم إلى سَفْحِ جَبَل، ورَدَّهُم. وفي إنجيل يوحنَّا والأصحاح 21، نَقرأُ بصورة مُحدَّدة جدًّا أنَّه رَدَّ بطرس وقال: "يا بُطرس، ارْعَ غَنمي! ارْعَ خِرافي! ارْعَ غَنمي!" ولَعلَّكم تذكرون أنَّه سأله ثلاث مرَّات إن كان يُحبُّه. وقد رَدَّ بُطرس إليه، ورَدَّ الجميع إليه، وصَعِدَ إلى السَّماء، وأرسَل الرُّوح القُدُس، وأرسلهم ليُغيِّروا العالَم. والآن، ما الَّذي يعنيه هذا بالنِّسبة إليَّ؟ سوف أخبركم ما الَّذي يعنيه بالنِّسبة إليَّ: فاللهُ عَاكِفٌ على رَدِّ تلاميذٍ هَجروه. أليس كذلك؟ وهذا أمرٌ مُعَزٍّ، بل مُعَزٍّ جدًّا. فقد نتركه، ولكنَّه لا يمكن، تحت أيَّ ظَرفٍ كان، أن يَتركنا. وقد قال يسوعُ ما يلي: "بدوني لا تَقدرون أن تفعلوا [ماذا؟] شيئًا". والآن، قد تَتَعَلَّمُون أنتم أيضًا ذلك. فقد تَتعلَّمون أيضًا أنَّ مَوارِدَكُم هي في الرَّبِّ، لا في قُوَّتكم الشخصيَّة.

وقد تَعَلَّموا ذلك. ونَشكر اللهَ لأنَّهم تَعلَّموا ذلك. ولكي أُبرهن لكم على أنَّهم تَعلَّموا ذلك، أريد أن أُقدِّم لكم آخر نَصٍّ كِتابيٍّ مِن سِفْر أعمالِ الرُّسُل والأصحاح الخامس. فَهُم نفسُ الرِّجال، وهي نفس المجموعة. ففي العدد 40، دَعا المَجمعُ اليهوديُّ في أورُشَليم الرُّسُلَ (أيِ التَّلاميذَ الأحد عشر أنفُسَهم): "وَدَعُوا الرُّسُلَ وَجَلَدُوهُمْ، وَأَوْصَوْهُمْ أَنْ لاَ يَتَكَلَّمُوا بِاسْمِ يَسُوعَ، ثُمَّ أَطْلَقُوهُمْ". والآن، لو كانت هذه هي نفس المجموعة الَّتي رأيناها في مَتَّى 26 لتوقَّعنا منهم أن يَفترقوا سريعًا. ولكنَّنا نقرأ في العدد 41: "وَأَمَّا هُمْ فَذَهَبُوا فَرِحِينَ مِنْ أَمَامِ الْمَجْمَعِ، لأَنَّهُمْ حُسِبُوا مُسْتَأْهِلِينَ أَنْ يُهَانُوا مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ. وَكَانُوا لاَ يَزَالُونَ كُلَّ يَوْمٍ فِي الْهَيْكَلِ وَفِي الْبُيُوتِ مُعَلِّمِينَ وَمُبَشِّرِينَ بِيَسُوعَ الْمَسِيح". يا للعَجب! هل تَعلَّموا دَرسَهُم؟ قد تقول: "رُبَّما كان الفَرق هو حُلول الرُّوح القُدُس". مِن المؤكَّد أنَّ هذا كان عُنصرًا مُهمًّا في ذلك، ولكنَّه لم يكن الاختلاف الوحيد لأنَّ تيموثاوس الَّذي كان يَستحي بالمسيح كان يَسكُن فيه أيضًا الرُّوح القُدُس.

ولكنِّي أعتقد أنَّ هؤلاءِ الأشخاصَ تَعلَّموا درسًا ثمينًا جدًّا عن ضَعفهم. وأعتقد أنَّه عندما قام يسوعُ مِن القبر، ووضع ذِراعَهُ المُحِبَّة حول هؤلاء الأشخاص، وجذبهم مَرَّةً أخرى إليه، ورَدَّهم إلى المكانة الَّتي كان ينبغي لهم أن يكونوا عليها في الأصل، وأعطاهم المأموريَّة العُظمى وأرسلهم، فإنَّهم رأوا بصورة عميقة رحمته، ورأوا سُلطانه في القيامة، ولم يعودوا الآن خائفين مِن الموت لأنَّهم عَلِموا أنَّهم سيقومون مِن الموت كما فَعلَ هو. فقد رأوا مَجد المسيح ونعمة المسيح عليهم. وأعتقد أنَّهم انطلقوا انطلاقةً جديدة. وقد يَحدُث الشَّيء نفسَهُ في حياتنا إلى أن يَتِمَّ رَدُّنا مِن حالة الارتداد بواسطة نِعمة الربِّ الحُلوة والرَّقيقة فننطلق بعدئذٍ بكلِّ قوَّةٍ ودون مُساومةٍ في المستقبل عندما نواجه تلك الأنواع مِن التَّحدِّيات. وأنا أشكر اللهَ على الأوقات الَّتي أَخفقتُ فيها لأنَّ الربَّ عَلَّمني عَدمَ جَدوى قوَّتي الذاتيَّة. أَلَمْ يحدث هذا معكم أيضًا؟ وأنا مسرورٌ لأجل الأوقات الَّتي عَلَّمني فيها عن سُلطانِه. وأنا مُطمئنٌّ فيه.

واسمحوا لي أن أُذَكِّركم بترنيمة أخرى رَنَّمناها في هذا الصَّباح وتُلائم الخاتمة. استمعوا إليها: "لا تَخَف! فأنا معك. لا تَرتعب لأنِّي إلهُكَ وسأستمرُّ في تقديمِ العَون لك، وفي تقويتك، وفي مساعدتك وإعانتك على الثَّبات بذراعِ بِرِّي القويَّة". أليس هذا الوعدُ رائعًا؟ "وعندما آمُرُكَ أن تَجتازَ في المياهَ العميقةَ، فإنَّ أنهارَ الحُزنِ لن تَغمُرَك لأنِّي سأكون معك وأباركك في متاعبكَ، وأُقدِّس أَعمقَ آلامك. وعندما تَمُرُّ في التَّجارب المحُرِقة، ستكونُ نِعمتي الكافية مَصدر العونِ لك. واللَّهيبُ لن يُحرِقَك. فخُطَّتي تَقومُ على حَرْقِ شَوائِبِك، وتَمحيصِ ذَهَبِك. والنَّفسُ الَّتي تَعَلَّمَت أن تَتَّكِل على يسوع لتجد راحَتها، لا ولن تَرتدَّ يومًا وتَتبعَ أعداءَها. ومعَ أنَّ تلك النَّفسَ ستجد أنَّ كلَّ الجَحيم يَسعى إلى زَعزعتها، فإنَّني لا ولن أتخلَّى عنها يومًا". دعونا نَحني رؤوسنا حَتَّى نُصلِّي:

يا أبانا، كم نشكرك لأنَّه عندما نُواجه العَدُوَّ، وعندما يحاول كلُّ الجَحيم أن يُزعزع نفوسنا فإنَّك لا ولن تَتخلَّى عَنَّا يومًا. ونحن نشكرك، يا رَبّ، لأنَّك تقف معنا في وسط أقسى التَّجارب. وفي تلك الأوقات العصيبة الَّتي نُجَرَّب فيها بأن نَستحي بك، قَوِّينا بروحك، واملأنا بالشَّجاعة كي لا نَتركك. ويا رَبّ، معَ أنَّك يا إلهَنا القُدُّوس لا تَستحي أن تدعونا إخوةً وأولادًا، فإنَّنا نَستحي أن ندعوك إلهَنا؛ فيا له مِن تناقُضٍ عَجيب! فكيف يُعقلُ أن يُحِبَّ إلهٌ قُدُّوسٌ أن يَدعو خُطاةً خاصَّتَهُ، في حين أنَّ الخُطاة يَرفضون أن يَدعوا الله القُدُّوس إلهَهُم؟ يا رَبّ، أعطِنا شجاعةً جديدة، وأعطِنا رؤيةً جديدةً للمسيح العظيم حَتَّى إنَّه كما ارتضى أن يَموت لأجلنا كي نصير أولادًا له، أن نَلْتَفَّ معًا حَولَهُ إلى أبد الآبدين.

This sermon series includes the following messages:

Please contact the publisher to obtain copies of this resource.

Publisher Information
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969

Welcome!

Enter your email address and we will send you instructions on how to reset your password.

Back to Log In

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize
View Wishlist

Cart

Cart is empty.

Subject to Import Tax

Please be aware that these items are sent out from our office in the UK. Since the UK is now no longer a member of the EU, you may be charged an import tax on this item by the customs authorities in your country of residence, which is beyond our control.

Because we don’t want you to incur expenditure for which you are not prepared, could you please confirm whether you are willing to pay this charge, if necessary?

ECFA Accredited
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Back to Cart

Checkout as:

Not ? Log out

Log in to speed up the checkout process.

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize