Grace to You Resources
Grace to You - Resource

لقد وصلنا في دراستنا لكلمة الله عند النُّقطة الَّتي يُقدِّم فيها رَبُّنا حياتَهُ لأجل خطايا الرِّجال والنِّساء. افتحوا كتابكم المقدَّس على إنجيل مَتَّى والأصحاح السَّادس والعشرين. ونحن نأتي إلى فِقْرةٍ جديدة في دراستنا في هذا الصَّباح ابتداءً مِن العدد 57 وما يَليه. وهذا هو المَقطع الَّذي يُدوِّن لنا المحاكمة غير القانونيَّة وغير العادلة ليسوع. وسوف أحاول أن أضع أساسًا لنا في هذا الصَّباح لِفَهم طبيعة مُحاكمة المسيح كي نَفهم بحقّ كيف أنَّها كانت غير قانونيَّة وغير عادلة، وكيف أنَّها، بالرَّغم من ذلك، تُظهِر لنا جلالَهُ القدُّوس والكامل. وهو مقطع رائع وبديع مِن الكتاب المقدَّس. واسمحوا لي أن أُقدِّم لكم خلفيَّةً صغيرة. فقد كان اليهود يَفتخرون دائمًا بقِسْطهم، وإنصافهم، وعَدلهم. وهذا صحيح لأنَّه يوجد لديهم بصورة رئيسيَّة أساسٌ للعدالة استفادَ مِنهُ العالَمُ بأسره. فنظام العدل والإنصاف الَّذي لدينا (حتَّى في أمريكا) يَنبع في الأصل مِن نظام العدالة اليهوديّ. وهكذا هي الحال فيما يختصُّ بجميع الأنظمة القضائيَّة حول العالَم.

والنِّظام اليهوديُّ المُختصُّ بالقضاء والقانون والقَصاص كان قائمًا على مَقطعٍ في العهد القديم بصورة رئيسيَّة وهو: سِفْر التَّثنية 16: 18-20. وإليكم ما جاء فيه: "قُضَاةً وَعُرَفَاءَ تَجْعَلُ لَكَ فِي جَمِيعِ أَبْوَابِكَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ حَسَبَ أَسْبَاطِكَ، فَيَقْضُونَ لِلشَّعْبِ قَضَاءً عَادِلاً. لاَ تُحَرِّفِ الْقَضَاءَ، وَلاَ تَنْظُرْ إِلَى الْوُجُوهِ، وَلاَ تَأْخُذْ رَشْوَةً لأَنَّ الرَّشْوَةَ تُعْمِي أَعْيُنَ الْحُكَمَاءِ وَتُعَوِّجُ كَلاَمَ الصِّدِّيقِينَ. الْعَدْلَ الْعَدْلَ تَتَّبِعُ، لِكَيْ تَحْيَا وَتَمْتَلِكَ الأَرْضَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ".

والآن، تجدون هنا مِعيارَ اللهِ الأساسيَّ للقضاء والعدل إذ ينبغي للقُضاة المَحليِّين أن يَقضوا للشَّعب بعدلٍ وإنصافٍ دون أن يُحَرِّفوا الحقَّ، ودون مُحاباة، ودون أن يأخذوا رشوةً. "الْعَدْلَ الْعَدْلَ تَتَّبِعُ، لِكَيْ تَحْيَا وَتَمْتَلِكَ الأَرْضَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ". وطَوال تاريخ الشَّعب اليهوديِّ، كان يوجد ذلك الشُّعور الكامِن بالعدل والإنصاف كمعيارٍ لنظامهم القضائيّ. والآن، عندما ابتدأوا في تطبيق الأمور العمليَّة المذكورة في سِفْر التَّثنية والأصحاح 16 في أيَّة منطقة أو مكان أو موقع يوجد فيه مئة وعشرين رَجُلاً يَترأَّسون عائلاتهم، كان ينبغي أن يوجد في ذلك المكان مَجلسٌ مَحليٌّ. ففي كلِّ مكان يوجد فيه ما لا يَقِلُّ عن مئة وعشرين رَجُلاً يَترأَّسون عائلاتهم، كان هذا العدد مِن النَّاس كافيًا لتأسيس مَجلسٍ مَحليّ. وكان ذلك بِحَقّ مجتمعا يَترأَّسُهُ مَجمَع؛ أي أنَّ ذلك المُجتمع كان كبيرًا بما يَكفي لأن يكون له مَجمعٌ خاصٌّ به، وأيضًا أن يكون له بِكُلِّ تأكيد مَجلسٌ مَحليٌّ خاصٌّ به. وقد صارت هذه المَجالس تُعرَف بالسِّنهدريم. وهي كلمة عبريَّة، ولكنَّها مأخوذة في الأصل عن كلمة يونانيَّة تعني: "يَجلسون معًا". فقد كانوا مجموعة مِن الرِّجال الَّذي يأتون ويجلسون معًا للقضاء، ولأخذ قراراتٍ بخصوص الأمور المَدنيَّة والجِنائيَّة. لِذا، في كلِّ مجموعة تَضُمُّ مئةً وعشرين رَجُلاً يَترأَّسون عائلاتهم، في أيِّ مكان، كان يوجد سنهدريم (أي: مَجلس يَجتمع فيه أعضاؤه معًا). وكان المجلس يَضُمُّ ثلاثةً وعشرين رَجُلاً. وكان يَضُمُّ دائمًا عددًا فَرديًّا بكلِّ تأكيد حتَّى تكون هناك في أيِّ عمليَّة تصويت أغلبيَّة. وكان هؤلاء الرِّجال الثَّلاثة والعشرون يُنتَخبون مِن شيوخ القرية. وكان يعملون كقُضاةً وهيئة مُحلَّفين في كلِّ الشُّؤون.

والآن، إن كانت هناك قرية أو بَلدة تَضُمُّ أقلَّ مِن مئة وعشرين رَجُلاً يَترأَّسون عائلاتهم، كانت توجد مجموعة تَضُمُّ ثلاثة أو سبعة شيوخ يَتِمُّ انتخابهم ليترأَّسوا تلك القُرى الأصغر. وكانوا يَتَّخذون القرارات ويُصدرون الأحكام في حالِ وقوع خصومة أو عملٍ جُرْمِيّ. وكانت تلك المجالس أو السِّنهدريم تُشَكِّل في الأصل حكومة المُجتمع الَّذي يترأَّسُهُ مَجْمَع. وكان أحد الرِّجال في المجامع، سواء كانت صغيرة أَم كبيرة، يَسَمَّى "رَئيس المَجمَع". لِذا، عندما تقرأون في الأناجيل في العهد الجديد عن رَئيس المَجمَع فإنَّه الشَّخص الَّذي يَترأَّس ذلك المَجلس المَحليّ. ولكنَّهم جميعًا يُشَكِّلون مَحكمةً. وحين تقرأون (كما هي الحال في إنجيل مَتَّى 5: 22 أو في إنجيل مَتَّى 10: 17، أو في أيِّ مَوضعٍ آخر) أنَّه ينبغي أن تَمْثُلَ أمام المَجمَع، هذا هو المعنى المقصود؛ أي مجموعة القُضاة المحليِّين الَّذينَ يجلسون للقضاء في أيِّ مكان أو في أيِّ مُجتمعٍ يوجد فيه مَجْمَعٌ لليهود.

والآن، في أورُشَليم، الَّتي كانت بكلِّ تأكيد العاصمةَ والمركز الدينيَّ الكبير للحياة في إسرائيل، كان هناك ما يُسَمَّى بالسِّنهدريم الكبير أو المَجلس الكبير. وكان هذا المَجلس يَضُمُّ على الأرجح سبعين رَجُلاً مِن الشُّيوخ كالتَّالي: أربعةٌ وعشرون مِن رؤساء الكهنة، وأربعةٌ وعشرون مِن الشُّيوخ، وثلاثةٌ وعشرونَ مِن الكَتبة بِمَن فيهم رئيس الكهنة فيكون المجموعُ واحدًا وسبعين. وبهذا يكون العدد فَرديًّا مِن خلال ضَمِّ رئيس الكهنة. وكان هؤلاء يُشَكِّلونَ محكمة الاستئناف العُليا. وكان يَحِقُّ لأيِّ شخصٍ يَشعر بأنَّ القضاء في المجالس الأصغر لم يكن عادلاً أن يُقَدِّم طلب استئنافٍ إلى السِّنهدريم والمحكمة العُليا في أورُشليم. وفي ظروف مُعيَّنة، كان بلا شَكٍّ يَحظى بفرصة لِسَماع دَعواه. فقد كانوا الهيئة الحاكمة العُليا والنِّهائيَّة في إسرائيل. وكان الرِّجال في تلك المجموعة يُنْتَخبون بسبب حكمتهم. وكانوا يُنتخبون مِن المجالس الأصغر. فقد كانوا يَتدرَّبون مِن خلال العمل في المجالس الأصغر. وإن بَرهنوا على يَمتلكون حِكمة مُميَّزة، كانوا يَحصلون على ترقية للخدمة في السِّنهدريم. كذلك، كان يوجد أشخاص تَتِمُّ دعوتهم إلى الجلوس في السِّنهدريم لأنَّهم صاروا يُدركون واجباتهم ويَفهمون هذه الوظيفة بسبب أنَّهم تَتلمذوا عند أقدام أعضاءٍ آخرين في السِّنهدريم. لذا فقد كان السِّنهدريم يَضُمُّ تلاميذًا مِن المجموعة نفسها، بالإضافة إلى أشخاصٍ يُنتخبون مِن المجالس المحليَّة إذ كانوا يَبلغون ذلك المستوى بسبب احترام النَّاس الشَّديد لهم، ولأنَّهم أثبتوا وبَرهنوا على حكمتهم وعدم مُحاباتهم، وهَلُمَّ جَرَّا.

والآن، كان السِّنهدريم الَّذي يَحكم في القضايا الجِنائيَّة يَضمن للشَّخص الَّذي يَخضع للمُحاكمة أمورًا عديدة. فقد كانت هناك ثلاثة أمور رئيسيَّة تختصُّ بالإجراءات الجنائيَّة المشمولة في القوانين القضائيَّة يَضمَنُها السِّنهدريم للإنسان: أوَّلاً، المُحاكمة العامَّة... المُحاكمة العامَّة. بعبارة أخرى، لم يكن يجوز عَقد محاكمات مُغلَقة أو سِريَّة أو خَفيَّة. فيجب أن يكون كلُّ شيء مُعلنًا ومكشوفًا كي لا يَتعرَّض أيُّ شخصٍ للمؤامرة أو التَّواطؤ فَيَتِمُّ إعدامُه أو الحُكم عليه بعقوبةٍ ما مِن دون مُحاكمة عادلة. لِذا، كان القُضاة يَخضعون دائمًا لفحصٍ مِن الشَّعب الَّذينَ كان بمقدورهم أن يروا ما يجري، ويحضروا تلك المحاكمات، ويَعلموا إلى حَدٍّ مُعيَّن ما يجري. وقد حافظت المحاكم اليوم على الشَّيء نفسه. ثانيًا، كان السِّنهدريم يَضمن لأيِّ شخصٍ يَخضع لمحاكمة جنائيَّة الحقَّ في الدِّفاع عن نفسه. وهذا يعني أنَّه لا بُدَّ مِن وجود مُحامٍ. فقد كان ينبغي وجود شخصٍ يُدافع عن المُتَّهم. فقد كان مِن حَقِّه أن يُدافع عن نفسه وأن يَطلب شهادة شهود يستطيعون أن يشاركوا في المُحاكمة. ثالثًا، لا يُمكن لأيِّ شخصٍ أن يُدان بسبب أيَّة تُهمة مِن دون أن يُحكم عليه رَسميًّا أو يَتِمَّ إثبات التُّهمة عليه بشهادة شاهدين أو ثلاثة.

لذا بصورة رئيسيَّة، كانت تتوافر الضَّمانات الثَّلاث التَّالية: المحاكمة العَلنيَّة، والحقُّ في الدِّفاع، ووجود دَعوى قويَّة قائمة على شهادة أكثر مِن شاهد واحد. وما تزال هذه الأمور مُطَبَّقة حتَّى يومنا هذا كضمانات تُقدِّمها المحاكم في بلدنا. لذا، كان هذا هو النِّظام في زمن رَبِّنا. ومِن المهمِّ جدًّا أن نَعرف ذلك في أثناء دراستنا لهذه المحاكمة لأنَّكم ستَرون كيف أنَّهم خالفوا كلَّ هذه الأمور وأمور كثيرة غيرها كما سنَرى. وأودُّ أن أُضيف في هذه النُّقطة أنَّ شهادات الزُّور كانت جرائم خطيرة جدًّا لأنَّ عقوباتِها كانت سريعة جدًّا وصارمة جدًّا حتَّى إنَّ أيَّ شخصٍ يَشهد شهادة زُور كان يُعاقب بنفس العقوبة الَّتي كان يحاول أن يَجلبها على الشَّخص الَّذي يَشهد ضِدَّه. بعبارة أخرى، إن جئتَ إلى المحكمة لتشهد بأنَّ شخصًا قد قَتل شخصًا آخر، وكنت تُقدِّم شهادةَ زُور، ستكون عقوبتك هي الإعدام أنت شخصيًّا. فمهما كانت العقوبة الَّتي سيحصل عليها المُدَّعَى عليه، ستحصل أنت عليها إن شَهدت شَهادة زُور.

وهذا قائمٌ على ما جاء في سِفْر التَّثنية 19: 16-19: "إِذَا قَامَ شَاهِدُ زُورٍ عَلَى إِنْسَانٍ لِيَشْهَدَ عَلَيْهِ بِزَيْغٍ، يَقِفُ الرَّجُلاَنِ [أي المُدَّعِي والمُدَّعَى عليه] اللَّذَانِ بَيْنَهُمَا الْخُصُومَةُ أَمَامَ الرَّبِّ، أَمَامَ الْكَهَنَةِ وَالْقُضَاةِ الَّذِينَ يَكُونُونَ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ". بعبارة أخرى، سوف يُتَمِّمُ الرَّبُّ مشيئتَه مِن خلال تلك المجموعة. "فَإِنْ فَحَصَ الْقُضَاةُ جَيِّدًا، وَإِذَا الشَّاهِدُ شَاهِدٌ كَاذِبٌ، قَدْ شَهِدَ بِالْكَذِبِ عَلَى أَخِيهِ، فَافْعَلُوا بِهِ كَمَا نَوَى أَنْ يَفْعَلَ بِأَخِيهِ. فَتَنْزِعُونَ الشَّرَّ مِنْ وَسْطِكُمْ" (سِفْر التَّثنية 19: 16-19). فسوف تَتخلَّصون مِن شهودِ الزُّور إن أدركوا أنَّ ما سَعوا إليه بالزُّور هو ما سيحصلون عليه إن تَمَّ القبض عليهم لأنَّه مِن الواضح أنَّ نظام القضاء يَعتمد كثيرًا على الشُّهود الحقيقيِّين.

وكان يَنبغي النَّظرُ في كلِّ قضيَّة أيضًا أمام الشَّعب. فلم يكن يُسمَح بالقيام بأيِّ عملٍ ظالمٍ مِن وراء أبوابٍ مُغلَقة. وأعتقد أنَّه مِن المدهش جدًّا أنَّه في كلِّ قضيَّة حُكِمَ فيها على المُتَّهم بالموت، لم يكن يجوز تنفيذُ حُكم الإعدام إلاَّ في اليوم الثالث. فعلى سبيل المثال، إن تَمَّ إصدار حُكم الموت اليوم، يكون هذا هو اليوم الأوَّل. ويكون اليوم الثَّاني الكامل هو يومُ غدٍ. وعند حُلول صباح اليوم الثالث، يجوز للمجلس أن يَنعقد ليُعيد تأكيد حُكم الموت وإعدام الشَّخص في نفس ذلك اليوم. واليوم المتوسِّط هو اليوم الَّذي يَتِمُّ فيه التحقُّق مِن وجود كلِّ الأدلَّة، وأنَّه لا حاجة إلى مزيدٍ مِن الشُّهود. وبالمناسبة، كان الشُّهود الَّذين يشهدون ضِدَّ الشَّخص الَّذي يُحكم عليه بالموت هُم الأشخاص الَّذينَ ينبغي أن يَرموا أوَّل حجر عند تنفيذ حُكم الإعدام. فقد كان الشُّهود هُم مُنفِّذو الحُكم. لذا، يجب عليك أن تتيقَّن مِن أنَّ شهادتك صحيحة؛ وإلاَّ فإنَّك تكون مُذنبًا لا بالكذب فقط، بل ستكون مُذنبًا أيضًا بالقتل. لِذا فقد كانوا يَحمون أنفسهم مِن شهادة الزُّور بأن يجعلوا الشَّاهد نفسه مُنَفِّذ حُكم الإعدام. وهذا يُضفي مزيدًا مِن اليقين، أو يُساعد في إضافة عُنصر اليقين الأخير إلى الشَّهادة الَّتي قدَّمها ذلك الشَّخص.

وهذا قائمٌ على ما جاء في سِفْر التَّثنية 17: 7. وهو ما كان يدور في ذهن رَبِّنا (إن كنتم تَذكرون) عندما اتَّهمَ كلُّ هؤلاء الأشخاص هذه المرأة الَّتي أُمسِكَت في زِنا وقالوا إنَّها زَنَت. فقد قال يسوع لهم: "حسنًا! أنتم تَشهدون عليها. إذًا، مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ [فليفعل ماذا؟] فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ". بعبارة أخرى، هذا هو الإجراء المُعتاد. فإن كانت مُذنبة، سوف نُعدمها. ويجب عليكم أنتم الَّذينَ شَهدتم ضِدَّها أن تَرموها بالحجارة. والشَّيء الوحيد الَّذي قاله هو: "إن لم تفعلوا الشَّيء عينَهُ، مِن حَقِّكم أن تَرموا ذلك الحجر". والمَعنى المقصود هنا بكلِّ تأكيد هو أنَّ الشُّهود كانوا هُم مُنَفِّذو الحُكم. وكان هذا هو النِّظام. وكانت تلك هي طريقة القيام بذلك.

والآن، أودُّ أن أعطيكم فكرة بسيطة [ومِن المهمِّ أن أفعل ذلك] عن إجراءات المُحاكمة في السِّنهدريم. وهناك كتاب مُفيد جدًّا مِن تأليف "سايمون غرينليف" (Simon Greenleaf) بعنوان: "شهادة البَشيرين" (The Testimony of the Evangelists). ويحوي هذا الكتاب مقطعًا كاملاً كَتَبَهُ "جوزيف سالفادور" (Joseph Salvador) عن موضوع إجراءات المحاكمة في السِّنهدريم. وأعتقد أنَّه مُهمٌّ جدًّا حتَّى إنَّني أرغب في مشاركته معكم. اسمعوا هذا لأنَّه سيساعدنا في معرفة ما كان ينبغي أن يحدث في محاكمة المسيح:

"في يوم المحاكمة، كان ضُباط العدالة التَّنفيذيُّون يَجلبون المُتَّهم للمُثول أمام المحكمة. وكان يجلس عند قَدميِّ الشُّيوخ رِجالٌ يُدعونَ ’مراقِبين‘ أو ’مُرَشَّحين‘ يُتابعون بانتظام إجراءات المجلس". بعبارة أخرى، كان المجلس مُراقَبًا مِن قِبَل أشخاصٍ مَوضوعيِّين يُدَقِّقون في كلِّ شيءٍ يجري كي يضمنوا أنَّه مُنسجمٌ مع العدالة والإنصاف. "وكانت مُرافعات الدَّعوى تُقرأ، ويتمُّ استدعاء الشُّهود واحدًا تلو الآخر. وكان الرَّئيسُ يقول ما يلي لكلِّ شاهد: ’نحن لا نَطلب منك أن تشاركنا حَدسك أو الإشاعات المنتشرة؛ فهذا ليس ما استدعيناك لأجله. فَكِّر في أنَّ هناك مسؤوليَّة عظيمة مُلقاة عليك. فنحن لا نَتداول هنا قضيَّةً ماليَّة يمكن فيها إصلاح الخطأ. فإن كنتَ السَّبب في إدانة شخص مُتَّهم زورًا، سيكون دَمُه وَدَمُ كلِّ نسلِه الَّذي حَرمتَ منهُ الأرضَ، سيكونُ عليك. وسوف يُطالبكَ اللهُ بدمه كما طالَبَ قايين بدم هابيل. والآن تَكلَّم‘".

وقد تَمَّ تناقُل هذا الأمر إلينا على مَرِّ السِّنين إلى أن وَصَلَ إلى الصِّيغة التَّالية: "ضَع يدكَ على الكتاب المقدَّس واقسم أمام الله أنَّك ستقول الحقَّ، كُلَّ الحَقِّ، ولا شيء غير الحقّ". فهذا القَسَم نابعٌ مِن تلك الفكرة اليهوديَّة الَّتي تَخطو خطوة أخرى وتقول: "إن أَصدرتَ حُكْمًا بأنَّ المُتَّهم مُذنب وكان الحُكم يعني إعدامَهُ، سيكون دَمُه عليك. وليس دَمُه هو فقط، بل أيضًا دَمُ كُلِّ النَّسل الَّذي لم يُولد ولن يَطَأَ هذه الأرض لأنَّك أزهقتَ حياتَهُ. وسوف تَحمل ذنبَ قَتله أمام الله. والآن بعد أن عَلمتَ ذلك، تَكلَّم". كذلك، يُخبرنا "سَلفادور" ما يلي: "في إجراءات السِّنهدريم، لا يمكن للمرأة أن تَشهد لأنَّها لا تَمتلك الشَّجاعة لتوجيه الضَّربة الأولى إلى الشَّخص المُتَّهم. ولا يُمكن أن يَشهد طفلُ أو شخصُ غير مسؤول، أو عبدٌ، أو رجُلٌ سَيِّءُ السُّمعة، ولا أيُّ شخصٍ يُعاني إعاقاتٍ تَحُوْلُ دون تَمتُّعه بكامل أهليَّته الجسديَّة والأخلاقيَّة. كما أنَّ اعتراف الإنسان ضِدَّ نفسه مَهما كانت صِحَّةُ ذلك لا يمكن أن يُقرِّر حُكْمَ الإدانة". وهذا مُهمٌّ جدًّا. فقد كان القانون اليهوديُّ يقول إنَّه لا يُمكن لأيِّ شخصٍ أن يَشهد ضِدَّ نفسه وأن يُحكم عليه وفقًا لتلك الشَّهادة وحدِها أنَّه مُذنب.

ونحن لدينا نفس القانون اليوم إذ إنَّه قائم على هذه الفكرة نفسها. والحقيقة هي أنَّهم كانوا يقولون: "من المبادئ الأساسيَّة لدينا هي أنَّه لا يجوز لأيِّ شخصٍ أن يَشهدَ ضِدَّ نفسه. فإن اتَّهم شخصٌ نفسه أمام هيئة قضائيَّة، لا يجوز لنا أن نُصدِّقه إلاَّ إن تَمَّ إثبات تلك التُّهمة بشهادة شاهِدَين آخرين". وكانوا يقولون: "يجب على الشُّهود أن يَشهدوا بأنَّهم يَعرفون المُتَّهم، وأن يُدْلُوا بمعلومات عن الشَّهر واليوم والسَّاعة والظُّروف الَّتي وقعت فيها الجريمة". بعبارة أخرى، لا يمكن أن تكون تلك إشاعة أو عُموميَّات. "وبعد فحص هذه الأدلَّة، يجب على القُضاة الَّذينَ يعتقدون أنَّ المُتَّهم بريء أن يَذكروا أسبابَهم. ويجب على القُضاة الَّذينَ يعتقدون أنَّه مُذنب أن يتكلَّموا بعدهم وبأكبر قدرٍ مِن الاعتدال. وإن تَمَّ تَوكيل واحد مِن المراقبين مِن قِبَل المُتَّهم للدِّفاع عنه، أو إن أراد مِن تلقاء نفسه أن يُقدِّم أيَّة مُلاحظات تُؤكِّد براءة المُتَّهم، كان يُسمح له بالقيام بذلك". فقد كان بمقدوره أن يُخاطب القُضاة والشَّعب. "ولكنَّه لم يَكُن يُعطى الحُريَّة في القيام بذلك إن كان رأيُه يَدين المُتَّهم". بعبارة أخرى، لقد كانوا يَميلون حَقًّا إلى الجانب الرَّحيم.

"ولم يكن يُسمح لأيِّ شخصٍ سوى القاضي أن يتكلَّم إلاَّ إن كان يتكلَّم لتأكيد براءة المُتَّهم؛ ولكن ليس إن كان يتكلَّم لإثبات التُّهمة عليه لأنَّهم لم يكونوا يريدون أن يُفسِحوا مجالاً للغَوغاء". فهو رَدُّ فعلٍ عاطفيٍّ قد يؤدِّي إلى إدانة المُتَّهم بدافع الحماسة، أو بدافع حُكْم الرُّعاع، أو بدافع العاطفة. وأخيرًا، "عندما كان المُتَّهم نفسُه يرغب في التكلُّم، كانوا يُصغون إليه بأكبر انتباهٍ مُمكن. وعندما تنتهي المُرافعة، كان واحدٌ مِن القضاة يُلَخِّص القضيَّة ويَصرفون كلَّ الحُضور. وكان كاتبان يُسجِّلان تصويت القضاة. فقد كان واحدٌ منهما يُسجِّل الأصوات الَّتي لصالح المُتَّهم، والآخر يُسجِّل الأصوات الَّتي تَدينه. فإن وجد أحدَ عشرَ صوتًا..."، فقد كان يوجد ثلاثة وعشرون قاضيًا. فحتَّى في المَجمع الكبير، كان يُمكن للمحكمة أن تَنعقد بوجود ثلاثة وعشرين قاضيًا. فقد كان يوجد ثلاثة وعشرون قاضيًا في المَجمع الكبير، أو وُجد ثلاثة وعشرون في المَجامع الأصغر (أي في السِّنهدريم الكبير أو في واحدٍ مِن المجالس الصَّغيرة)... "إن وُجِد أحد عشر صوتًا مِن أصل ثلاثةٍ وعشرين صوتًا، كان ذلك كافيًا لإطلاق براءة المُتَّهم. ولكن كان يَلزم وجود ثلاثة عشر صوتًا لإدانته. وإن صَوَّتَ الأغلبيَّة على إطلاق سراحه، كان يَتِمُّ إطلاق سراح المُتَّهم حالاً. وإن صَوَّتوا لإدانته، كان القضاة يؤجِّلون إعلان الحُكم إلى اليوم الثالث. وفي اليوم الثَّاني، لم يكونوا ينهمكون في أيِّ شيءٍ آخر سوى القضيَّة. وكانوا يَمتنعون عن الأكل". فقد كان ينبغي لهم أن يَصوموا.

وهذه ملاحظة مُهمَّة جدًّا لأنَّها تشير إلى أنَّه لم يكن بإمكانهم أن يَعقدوا هذا النَّوع مِن المحكمة في اليوم الَّذي يَسبق عيد؛ وإلاَّ سيُضطرُّون إلى الصَّوم في العيد. وبذلك فإنَّهم يُخالفون شريعتهم اليهوديَّة. وهذه مُخالفة أخرى في محاكمة المسيح. "فقد كان ينبغي لهم أن يمتنعوا عن الطَّعام، ومِن شُرب الخمر أو المُسكِر أو أيِّ شيءٍ قد يؤثِّر سلبيًّا في قدرتهم الذهنيَّة على التَّفكير. ثُمَّ في صباح اليوم الثالث"... فقد كان هذا هو الإجراء المُتَّبع... "كانوا يعودون إلى مقاعد القضاء. وكان كلُّ قاضٍ لم يُغيِّر رأيه يقول: ’ أنا على نفس الرَّأي والإدانة‘. وكان يُمكن لأيِّ قاضٍ أَعلن الإدانة في الجلسة الأولى أن يُبرئ المُتَّهم في هذه الجلسة. أمَّا القاضي الَّذي أَبرأَ المُتَّهم فلا يمكنه أن يُغيِّر رأيه ويَدينه. وإن أدانت الأغلبيَّة المُتَّهم، كان اثنان مِن القضاة يرافقان المُتَّهم حالاً خارج قاعة المحكمة إلى مكان تنفيذ العقوبة". بعبارة أخرى، كانوا يُعدمونه في نفس اليوم الَّذي حَكموا فيه عليه. وهذا يَتَّفق بكلِّ تأكيد مع ما جاء في العهد القديم؛ وتحديدًا في سِفْر الجامعة والأصحاح الثَّامن إذ نقرأُ أنَّ العِقاب السَّريع يؤدِّي إلى الحَدِّ مِن الجرائم.

"وكان الشُّيوخ يبقون جالسين في مقاعدهم في قاعة المحكمة إلى أن تَتمَّ مُرافقة المُتَّهم إلى مكان إعدامه. وكانوا يَضعون عند مَدخل قاعة المحكمة ضابطًا قضائيًّا يحمل عَلمًا في يده. وكان هناك ضابطٌ قضائيٌّ آخر يَركب حصانًا ويرافق تلك المجموعة المُتوجِّهة إلى مكان الإعدام. وكان يَتبع السَّجين، ويَنظر باستمرار إلى الوراء ليرى الرَّجُل الَّذي يحمل العلم. وفي أثناء هذه المسيرة، إن جاء أيُّ شخصٍ وقَدَّم إلى السِّنهدريم أيَّ دليلٍ على براءة المُتَّهم، كان الضَّابطُ الأوَّل يُلَوِّح بعَلَمِه. وعندما يراه الضَّابط الثَّاني فإنَّه يُعيد السَّجين. وإن قال السَّجينُ للقاضِيَيْنِ المُرافِقَيْنِ له إنَّه تَذكَّر أسبابًا كان قد نسيها، أو أفكارًا كان قد نسيها، كانوا يعيدونه للمثول أمام القُضاة ما لا يَقِلُّ عن خمس مَرَّات. أمَّا إن لم يحدث شيء مِن هذا، كان الموكب يسير ببطء ويَتقدَّمه مُنادٍ. وكان المُنادي الَّذي يسير في المقدِّمة يصيحُ بصوتٍ عالٍ مُخاطبًا النَّاس: ’هذا الرَّجُل [ثُمَّ إنَّه يَذكر اسمَهُ] ذاهبٌ إلى مِنصَّةِ الإعدام بسبب الجريمة الفُلانيَّة. والشُّهودُ الَّذينَ شهدوا ضِدَّهُ هُم [وكان يَذكر أسماء الشُّهود]. إن كان هناك شخص يَمتلك دليلاً على براءته، ليتقدَّم بسرعة‘". وكان هذا النِّداء يُسمَع طَوال الطَّريق. لذا فقد كان المُنادي الَّذي يسير في بداية الموكب يَصيح قائلاً: "إن كان هناك أيُّ دليل، أخبرونا". وكان الضَّابط الموجود في نهاية الموكب ينظر باستمرار إلى الوراء ليرى إن كان هناك شخص قادمٌ. وكان الضَّابطُ الَّذي يَحمل العلم مستعدًّا للتَّلويح به إشارةً إلى إيقاف العمليَّة. وأخيرًا، "إن وصلوا إلى مكان تنفيذ العقوبة [دون أن يُعطِّلهم شيء] كانوا يَجعلون السَّجين يشرب شرابًا مُخدِّرًا للتَّخفيف مِن هول الإعدام بالنِّسبة إليه. ثُمَّ كانوا يُعدمونه".

والآن، عندما تنظرون إلى المشهد بأسره، ستقولون: "هذا مدهش. فإن كنتَ في يديِّ السِّنهدريم فإنَّك في أيدي أمينة حقًّا". فقد كان هؤلاء القضاة يمتلكون حِسًّا رائعًا بالعدل، وحسًّا رائعًا بالرَّحمة. وقد وضعوا إجراءات سلامة تَضمن العدالة لأيِّ شخصٍ بريء لأنَّك ستحظى بكلِّ الفرص للإدلاء بشهادتك. وكان عقاب الشَّهادة زورًا كابحًا جدًّا أيضًا. وكان الاهتمام بالصَّوم والتَّأمُّل يومًا كاملاً وكلُّ تلك الأمور الأخرى تُؤكِّد أنَّه كان مكانًا تشعر فيه بالأمان. ولكنَّ الأمر لم يكن كذلك بالنِّسبة إلى المسيح. واسمحوا لي أن أقول لكم السَّبب. في المحاكمة اليهوديَّة ليسوعَ المسيح، إليكم النُّقطة الرئيسيَّة: لقد خالَفوا كلَّ قانون عَدليّ وقضائيّ معروف لديهم. لقد خالَفوا كلَّ قانونٍ من هذه القوانين بإرادتهم. لذا فإنَّ محاكمة يسوعَ المسيح هي أكثر مُحاكمة جائرة في التَّاريخ البشريّ. ولا بُدَّ أنَّها كذلك لأنَّ هذه المحكمة حَكمت بالموت على الشَّخص الوحيد البريء حقًّا مِن بين جميع البشر.

إنَّها مَهزلة للقضاء. وهي انتهاكٌ لكلِّ شيءٍ في نظامِهم القضائيّ. فقد كان شِعارُ السِّنهدريم هو كما يلي: "السِّنهدريم يَسعى إلى إنقاذ الحياة، لا إهلاكِها". ولكنَّ ذلك لم يكن صحيحًا في هذه الحالة. فلا توجد مُحاكمة جنائيَّة يُمكن أن تُعقَد في اللَّيل. ولكنَّ هذا هو ما حدث في هذه المُحاكمة. وكان ينبغي للقُضاة الَّذينَ يَدينون مُجرمًا أن يُعطوا مُهلةَ يَومٍ كاملٍ بين المُحاكمة والإعدام، وأن يَصوموا طَوال اليوم. ولكنَّهم لم يفعلوا ذلك. فقد قَتلوا يسوعَ في نفس اليوم. وكان ينبغي أن يكون هناك شهود يَشهدون ضِدَّه. ولكن لم يكن هناك شاهد. وكان ينبغي أن يكون هناك دفاع. ولكن لم يكن هناك دفاع. وحتَّى إنَّه لم تكن هناك تُهمة، ولم يكن هناك استدعاء، ولم يكن هناك أيُّ شيء. فلم تكن هناك جريمة. وهذا واحدٌ مِن أمور عديدة فعلوها وخالفوا بها نفس القوانين الَّتي أكَّدوها بأنفسهم.

والآن، اسمحوا لي أن أَذكُر لكم شيئًا أساسيًّا آخر ينبغي أن تفهموا أنَّه يجري هنا. لقد خَضَع يسوعُ لِمُحاكمتين رئيسيَّتين... لِمُحاكمتين رئيسيَّتين. الأولى هي محاكمة يهوديَّة دينيَّة في المَجمَع، والثَّانية هي محاكمة رومانيَّة عِلمانيَّة سياسيَّة. والسَّببُ هو كما يلي: كان اليهودُ شعبًا مُحتلاًّ. وكان الرُّومان هُم أصحاب السُّلطة والنُّفوذ عليهم. ولم يكن اليهود يَملكون الحقَّ في تنفيذ حُكم الإعدام. فَلم يكن بمقدورهم أن يُعدموا مُجرمًا. ولم يكن يَحِقُّ لهم أن يُنفِّذوا حُكمَ إعدام. فقد احتفظَ الرُّومان بذلك الحقّ. لِذا، كان بمقدور اليهود أن يَحكموا على يسوع بالموت، ولكن لم يكن بمقدورهم أن يُعدموه. لذا، أيًّا كان الشَّيء الَّذي يمكنهم تحقيقه في محاكمته الدينيَّة، كان ينبغي لهم أن يُقنعوا به الرُّومان لأنَّ الرُّومان هم الوحيدون الَّذينَ كان باستطاعتهم أن يُعدموا يسوع. لِذا، كان لا بُدَّ مِن عقد مَحكمتين رئيسيَّتين: محكمة أمام اليهود، ثُمَّ كان ينبغي تَسليم الدَّليل (أو الدَّليل المَزعوم) والجريمة المزعومة الَّتي اقترفها يسوع إلى الرُّومان الَّذينَ كان ينبغي أن يَنظروا إلى هذه التُّهمة كجريمة حقًّا، وسببًا في الإعدام، وأن يُنفِّذوا الإعدام. لِذا، سوف ترون إذًا في أثناء هذه المحاكمة جانبًا يهوديًّا للمحاكمة، وجانبًا أُمميًّا أيضًا.

والآن، سوف أُقدِّم لكم فكرةً أخرى. كانت كُلٌّ مِن المحكمة اليهوديَّة والمحكمة الأُمميَّة تَتألَّف مِن ثلاث مراحل. فقد كانت كُلٌّ منهما تتألَّف مِن ثلاث مراحل. لذا، في المُجمَل، كانت هناك سِتُّ مُحاكمات مختلفة ليسوع. وقد ابتدأت المحاكمة اليهوديَّة عندما مَضوا بيسوعَ إلى حَنَّان، ثُمَّ إنَّ حَنَّان أرسلَه إلى قَيافا والسِّنهدريم في مُنتصف اللَّيل، ثُمَّ تأتي المرحلة الثالثة وهي أنَّ قَيافا والسّنهدريم اجتمعوا مَرَّةً أخرى في الصَّباح، بعد الفجر، كي يُضفوا صِفَةً شَرعيَّةً على أفعالهم الشرِّيرة. وهذه هي المراحل الثلاث للمحاكمة اليهوديَّة: حَنَّان، ثُمَّ قَيافا والسِّنهدريم، ثُمَّ قيافا والسِّنهدريم مَرَّةً أخرى في الصَّباح. والآن، بعد أن انتهوا مِن عملهم، سَلَّموه إلى الرُّومان. وهذا يعني أنَّه تَمَّ إرساله إلى بيلاطُس. فأولاً، لقد مَضوا به إلى بيلاطُس. وقد أرسله بيلاطس إلى هيرودس. وقد أعادَهُ هيرودس إلى بيلاطس الَّذي حَكَمَ عليه بالموت. وهذه هي المراحل الثلاث للمحاكمة الرومانيَّة. وكِلا المُحاكمتين اليهوديَّة والرومانيَّة خالَفت كلَّ العَدلِ، وخالَفَت كلَّ الحقِّ، وكلَّ الإنصافِ، وكلَّ القِسْطِ، واقتَرفت جرائم مُرَوِّعة بِحَقِ إنسانٍ بَريء.

فَمِن جَثْسَيماني، مَضوا به إلى حَنَّان فيما يُشبه الاستدعاء. وكان حَنَّان يعمل مِثل هيئة المُحَلَّفين الكُبرى إذ إنَّه كان هو الَّذي سيُوجِّه التُّهمة. ومِن عند حَنَّان تَمَّ إرساله إلى قَيافا والسَّنهدريم للمحاكمة اليهوديَّة الرئيسيَّة. وقد فعلوا ما أرادوا أن يَفعلوه، ثُمَّ مِن هناك، في الصَّباح عند بُزوغ الفجر (كي يَجعلوا الأمر يبدو قانونيًّا إذ إنَّه كان ينبغي القيام بذلك في النَّهار)، عقدوا جلسةً سريعة جدًّا رُبَّما دامت عشر دقائق، وأعادوا تأكيد إدانتهم ليسوع المسيح. ثُمَّ مِن هناك، تَمَّ إرسالُه إلى بيلاطُس، ثُمَّ إنَّ بيلاطس أرسله إلى هيرودس لأنَّ بيلاطس كان يَعلم أنَّه بريء. ثم إنَّه هيرودس أرسله ثانيةً إلى بيلاطس. وبسبب الضَّغط الَّذي تَعرَّض إليه بيلاطس مِن اليهود الَّذينَ هَدَّدوه بأنَّهم سيُخبرون القيصر بأنَّه كان حاكمًا غير كُفْؤٍ، قَرَّرَ أن يَحكم على يسوع بالإعدام. فهذا هو تَتابُع الأحداث.

وكلُّ هذه السِّلسلة مِن المحاكمات أدَّت إلى إعدام يسوع المسيح. وهذا لا يعني أنَّهم وجدوا أيَّ شيءٍ ضِدَّه فقرَّروا أن يُعدموه، بل إنَّهم أرادوا أن يَقتلوه. وكان لا بُدَّ أن يُلَفِّقوا له تُهمةً كي يُعدموه. فقد كان الحُكم قد صَدَرَ أصلاً، ولكنَّهم لم يكونوا قد لَفَّقوا جريمةً بعد. والآن، إذْ نَبتدئ بالنَّظر إلى عناصر المحاكمة الظَّالمة وغير القانونيَّة ليسوع، لنبتدئ بأوَّل جانب وهو: المواجهة غير القانونيَّة وغير العادلة. انظروا إلى العدد 57: "وَالَّذِينَ أَمْسَكُوا يَسُوعَ مَضَوْا بِهِ إِلَى قَيَافَا رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، حَيْثُ اجْتَمَعَ الْكَتَبَةُ وَالشُّيُوخُ". وسوف نتوقَّف هنا. والآن، يقولُ مَتَّى: "مَضَوْا بِهِ إِلَى قَيَافَا رَئِيسِ الْكَهَنَة". وهذا صحيح، ولكنَّ مَتَّى لا يَذكر المرحلة الَّتي سَبَقت ذلك، بل إنَّ مَتَّى يَدخُل مباشرةً في المحاكمة الرئيسيَّة. ولكي نَعرف ماذا حدث في المرحلة الأولى، يجب علينا أن نذهب إلى إنجيل يوحنَّا والأصحاح 18. لذا، لنفعل ذلك. وَهُوَ جزءٌ مُهمٌّ جدًّا مِن هذه القصَّة.

ففي إنجيل يوحنَّا والأصحاح 18، نأتي إلى الجزء الأوَّل وَهُوَ: المواجهة غير القانونيَّة وغير العادلة - الاستدعاء المبدئيّ. لاحظوا ما جاء في العدد 12: "ثُمَّ إِنَّ الْجُنْدَ"؛ أي الـ "سبايرا" (speira)؛ أي الكتيبة الرُّومانيَّة الَّتي ربَّما كانت تَضُمُّ 600 رَجُل مِن الجنود الرُّومان "وَالْقَائِدَ" أي رئيسَهُم أو قائِدَهُم. "وَخُدَّامَ الْيَهُودِ" أي حَرَسَ الهيكل. "قَبَضُوا"؛ والكلمة "قَبَضوا" هي لفظة اصطلاحيَّة كانت تُستخدم أحيانًا للإشارة إلى الاعتقال. "عَلَى يَسُوعَ وَأَوْثَقُوهُ، وَمَضَوْا بِهِ إِلَى حَنَّانَ أَوَّلاً". إذًا فإنَّ يوحنَّا يساعدنا هنا في مَلْء الفراغ لمعرفة القصَّة كاملةً. فكما تَعلمون، عند دراسة الأناجيل، فإنَّها تُكَمِّلُ بعضُها بعضًا. فحياة المسيح تُعرَض في أربع لوحاتٍ مختلفة [إن جاز التَّعبير] تُرَكِّز كلٌّ منها على سِماتٍ وجوانب مُختلفة مِن المشهد نفسه. لذا فقد مَضَوْا به أوَّلاً إلى حَنَّان. وقد أوثَقوه. وأعتقد أنَّه مِن المدهش أن نُلاحظ أنَّ الذَّبائح (كما جاء في المزمور 118: 27) كانت تُوْثَقُ "بِرُبُطٍ إِلَى قُرُونِ الْمَذْبَح". فقد كانت تلك القرون موجودة هناك كي تُربَط بها الذَّبيحة. والمسيحُ يُوْثَقُ تَتميمًا لرمز الذَّبيحة. فقد رُبِطَ كما رُبِطَ إسحاق ليتمَّ ذَبْحُه. وقد اقتادوهُ كَما لو كان مُجرمًا، وتَمَّ رَبْطُه كي يُقدَّمَ ذبيحةً. ومَضوا به إلى حَنَّان.

والآن، إنَّ الفكرة مِن اقتياده إلى حَنَّان هي أنَّ حَنَّان كان العقل المُدَبِّر لكلِّ شيء. فقد كان حَنَّان يَحتقرُ يسوعَ المسيح. فيسوع يُهَدِّد أمْنَهُ، وسُلطانَهُ، ومكانته، وكلَّ شيء. وكان يُبغِضُ قداسةَ يسوعَ لأنَّه كان نَجِسًا جدًّا. وكان يَمتعض مِن كمال يسوع لأنَّه كان شرِّيرًا جدًّا. فكلُّ شيءٍ يختصُّ بيسوعَ كان يَجعله غاضبًا. وَقد كان يَأتمر بكلِّ تأكيد بأوامر المُدبِّر الأكبر الَّذي أعَدَّ المَسرح كُلَّه هنا؛ أي الشَّيطانِ نفسِه وجميعِ الشَّياطين. "هذِهِ سَاعَتُكُمْ [كما قال يسوع] وَسُلْطَانُ الظُّلْمَة". لِذا فقد كان واحدًا مِن الشَّخصيَّات العديدة الَّتي تَلاعَبَ بها الجَحيمُ ذاتُه. وكان يُضمرُ عداوةً شديدةً جدًّا ليسوعَ المسيح. وهناك أسباب لذلك سأذكرها لكم بعد قليل. ولكنَّه كان بصورة رئيسيَّة العقلَ المُدبِّرَ لكلِّ شيء. فهو العقلَ المُدبِّر لكلِّ شيء. لذا، فقد مَضَوْا بيسوعَ إليه، في بيته؛ وهذا أمر غير قانونيّ. فهو أمر غير قانونيّ لأنَّه تَمَّ في اللَّيل ولأنَّهم مَضَوْا به إلى بيته. وهناك إجراءات كثيرة ستحدث بالطَّريقة غير القانونيَّة ذاتِها.

ومَن هو حَنَّان؟ كان حَنَّانُ رئيسَ الكهنة منذ نحو خمس أو سِتِّ سنوات؛ ولكنَّ ذلك كان قبل عشرين سنة مِن هذه الحادثة. لِذا فهو لم يكن الآن رئيسَ الكهنة الحاليّ، بل إنَّ قَيافا كان هو رئيس الكهنة. فقد كان هو رئيس الكهنة في تلك السنة (كما جاء في إنجيل يوحنَّا 18: 13). وهذا أمر مدهش لأنَّه في التَّرتيبِ الإلهيِّ، كان رؤساءُ الكهنة يَبقون رؤساءَ كهنة مَدى الحياة. فَلا يَتِمُّ اختيارهم كلَّ سنة أو أكثر. ولكنَّه كان قد صار منصبًا سياسيًّا، وكان قد صار سِلعةً تُباع وتُشتَرى [إن جاز القول]، ثُمَّ إنَّه كان مرتبطًا جدًّا بالاستعداد للخُضوع لروما حتَّى إنَّ رؤساء الكهنة صاروا يأتون ويذهبون سريعًا. ومِن خلال فَهمي للتَّاريخ، كان الرُّومان قد ضغطوا حقًّا على حَنَّان كي يَترك منصب رئيس الكهنة لأنَّه كان يمتلك نُفوذًا كبيرًا جدًّا. فقد كان رَجُلاً ماكِرًا وذكيًّا. لذا فقد تَمَّ الضَّغطُ عليه لترك منصب رئيس الكهنة بعد نحو خمس أو سِتِّ سنوات، ولكنَّه كان ما يزال يَحمل ذلك الاسم لأنَّ رئيسَ الكهنة كان يَبقى رئيسًا للكهنة مَدى الحياة. ولكن عندما توقَّف حَنَّان عن الاضَّطلاع بمهامِّ رئيس الكهنة، خَلَفَهُ خمسةٌ مِن أبنائه وصِهْرَهُ "قَيافا" الَّذي كان قد تَزوَّج ابنته وخَلَفَهُ. لذا فقد احتفظ بسيطرته. فقد بقي المنصب في العائلة إن جاز التَّعبير. وقد احتفظ بلَقب رئيس الكهنة هذا، وكان هو الآمر النَّاهي. فقد كان رئيس العِصابة. وكان هو العقل المُدبِّر لكلِّ شيء. والحقيقة هي أنَّ كلَّ أعمال الصَّيارفة وعمليَّات البيع والشَّراء في الهيكل كانت تُسَمَّى: "بازار حَنَّان". فقد كان يحصل على نسبة مِن كلِّ تلك الصَّفقات التِّجاريَّة. فقد كان هو رئيس العِصابة [إن جاز التَّعبير] في مافيا الهيكل، وفي عمليَّات النَّصْبِ الإجراميَّة الَّتي كانت تحدث في الهيكل. فقد كان يُسيطر على كلِّ شيء.

وسوف أُقدِّم لكم مَثلاً إيضاحيًّا بسيطًا. إذا كنتَ يهوديًّا وتأتي إلى الهيكل، لم تكن تأتي خالي اليَدين، ولم تكن تأتي خَالي الوِفَاض. فأنت لا تأتي إلى الله دون أن تَحمل شيئًا في يديك. لذا، عندما كان واحدٌ مِن اليهود يأتي، كان يُحضر معه إمَّا ذبيحة وإمَّا تَقدمة. فإن كان يُحضِرُ تَقدمةً، كان يأتي ببضعة قطع نَّقديَّة ويضعها في صناديق كبيرة موضوعة إلى جانب الجدار حيث يُقَدِّمُ تقدمتَه. والمشكلة هي أنَّه لم يكن يستطيع أن يُقدِّم عُملةً وثنيَّة هناك لأنَّ العُملات الوثنيَّة كانت تَحمل غالبًا صورةً. والصُّورة بالنِّسبة إلى اليهود هي ماذا؟ وَثَن. لذا، ما كان يحدث هو أنَّه ينبغي له أن يُصَرِّف أمواله إلى عُملة الهيكل المقبولة. وعندما كان يأتي بماله كي يُصَرِّفهُ، كان يَتعرَّض للاستغلال [إن جاز القول]. فقد كان سِعْرُ صَرْفِ العُملة باهظًا، وكان يَتعرَّض للاستغلال. وكان الصَّيارفة يَتقاضون مِن النَّاس أكثر بكثير مِمَّا ينبغي ولا يُعطونهم المبلغ الَّذي ينبغي أن يُعطوهم إيَّاه بعُملة الهيكل.

مِن جهة أخرى، لِنَقُل إنَّ يهوديًّا جاء وجَلَبَ معه خَروفَه. لِنَقُل إنَّه أحضر خروفًا مِن حَظيرته وجاء لتقديمه إلى الرَّبّ، أو حمامةً أو يَمامةً (بحسب قدرته الماديَّة)، وأنَّه جاء إلى هناك. إنَّ أوَّل شيء ينبغي له القيام به هو أن يأخذ ذلك الحَيَوان إلى لجنة الفحص المؤلَّفة مِن كهنة كي يقوم هؤلاءِ الكهنة بفحصِ الحَيَوان ليروا إن كان بلا عيب. ومِن المُرجَّح أنَّه إن لم تَشْتَريه مِن الهيكل فإنَّهم سيقولون لكَ إنَّ فيه عيب. أتَفهمون ذلك؟ ويمكنك أن تتجنَّب كلَّ ذلك بأن تأتي صِفْرَ اليَدين، وأن تذهب إلى حَظيرة الهيكل، وأن تَشتري حَيوانًا مُجازًا أصلاً بثلاثة أضعاف السِّعر. ولكن ما الخِيار الَّذي سيكون أمامك إن رَفضت اللَّجنةُ حَيوانَك؟ لِذا، فقد كانت تلك طريقة أخرى يَستغلُّون فيها النَّاس. فهذا هو بازار حَنَّان. وكانت هذه هي الطَّريقة الَّتي صار مِن خلالها غَنيًّا وذا نُفوذ. وأوَّلُ شيءٍ فَعله يسوعُ حين جاء إلى مدينة أورُشليم في إنجيل يوحنَّا والأصحاح الثَّاني هو أنَّه طَهَّر الهيكل. أتذكرون ذلك؟ ففي إنجيل يوحنَّا 2: 13-17، دَخَلَ وقَلبَ مَوائد الصَّيارفة وطَرد الجميع خارجًا. وكانت تلك هي أوَّل مواجهة بينه وبين حَنَّان وأعماله. وهذا يُعطيكم فكرة بسيطة عن سبب عدم حُبِّ حَنَّان ليسوع. أليس كذلك؟

ثُمَّ عندما عاد يسوعُ، إن قرأتم ذلك في إنجيل مَرقس 11: 15-18، عندما جاء إلى المدينة في أسبوع الآلام هذا، ذهب إلى الهيكل. ولَعلَّكم تَذكرون أنَّه طَهَّر الهيكل، وقَلب موائد الصَّيارفة، ولم يَسمح لأيِّ شخصٍ بأن يُخرج شيئًا مِن هناك. ونقرأ أنَّ اليهود اجتمعوا آنذاك كي يُناقشوا كيف يَقتلوه. فقد كان يُفسِد عليهم كلَّ شيء. فقد كان يُفسِد عليهم تَعليمَهم الدِّينيَّ. وكان يُفسِد عليهم نُفوذَهم وسُلطانَهم. وكان يُفسد عليهم أعمالَهم التِّجاريَّة. فقد كان مُشكلةً حقيقيَّة. وقد قال في ذلك الوقت (إن كنتم تَذكرون): "كيف يُعقَلُ أنَّ بيتَ أبي هو بيتُ صلاةٍ، وأنَّكم جَعلتموهُ [ماذا؟] مَغارة لُصوص؟" والحقيقة هي أنَّه دَعا حَنَّان وجميع حاشيتِه جَماعة لُصوص.

لِذا فقد أراد حَنَّان أن يَتخلَّص مِن يسوع، وكان اليهود يَعلمون أنَّه كان العَقلَ المُدَبِّر وراء كلِّ شيء. وقد رأوا أنَّ هذه نُقطة بداية جيِّدة. فسوف يَعمل حَنَّان كهيئة مُحَلَّفين، وسيُلَفِّق تُهمةً. وسوف نُلصِق تلك التُّهمة بيسوع، ونأتي به أمام السِّنهدريم، وندينُه ونُعدمُه. والآن، انظروا إلى إنجيل يوحنَّا 18: 19 ولاحظوا ما حدث: "فَسَأَلَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ يَسُوعَ عَنْ تَلاَمِيذِهِ وَعَنْ تَعْلِيمِهِ". فقد قال حَنَّان: "أريد أن أَعلم ما الَّذي تُعَلِّمه، وأريد أن أعرف المزيد عن أتباعِك. ما مَدى انتشار حَركتك؟ ومَن هُم أتباعُك؟" والآن، نحن لا نَعلم كلَّ المَعاني الضِّمنيَّة الَّتي تَندرجُ تحت تلك الفكرة، ولكنَّه سأله عن تلاميذه وتعليمه. "مَن هُمُ الَّذينَ يَتبعونك؟ كم عدد الأشخاص الَّذينَ يَتبعونك؟ ما هو نِطاقُ نُفوذِك؟ وما هي الأمور الَّتي تُعلِّمها؟" وقد خَالَفَ حَنَّان هنا كلَّ مَعنى للعدالة. فإن استدعيتَ شخصًا بسبب تُهمةٍ مَا، يجب عليك أن تقول له ما فَعله؛ لا أن تسأله عن ذلك. فلا يجوز لك أن تطلب منه أن يتكلَّم بصورة عامَّة على أمل أن تَكشف جريمةً أَصْدَرْتَ فيها حُكمًا أصلاً. فهذا غيرُ قانونيٍّ وغيرُ عادل. وجَوابُ يَسوعَ يُشيرُ إلى ذلك.

وَهُوَ جوابٌ مُدهش إذ نقرأ في العدد 20: "أَجَابَهُ يَسُوعُ: أَنَا كَلَّمْتُ الْعَالَمَ عَلاَنِيَةً. أَنَا عَلَّمْتُ كُلَّ حِينٍ فِي الْمَجْمَعِ وَفِي الْهَيْكَلِ حَيْثُ يَجْتَمِعُ الْيَهُودُ دَائِمًا. وَفِي الْخَفَاءِ لَمْ أَتَكَلَّمْ بِشَيْءٍ. لِمَاذَا تَسْأَلُنِي أَنَا؟" بعبارة أخرى، فإنَّه يقول في الحقيقة: "إن كانت لديك قَضيَّة، اعرضها. "اِسْأَلِ الَّذِينَ قَدْ سَمِعُوا مَاذَا كَلَّمْتُهُمْ. هُوَذَا هؤُلاَءِ يَعْرِفُونَ مَاذَا قُلْتُ أَنَا". إن كانت لديك قضيَّة، دَعنا نَرى شهودك يا حَنَّان. لا تَسألني. فلا يمكنني أن أدين نفسي. إن كانت لديك قضيَّة، اعرضها. فهو يَطلب إجراءات قانونيَّة صحيحة. وَهُوَ يُبيِّن شَرَّ حَنَّان وظُلمَهُ القَبيح. وَهُوَ لم يكن مُستعدًّا للشَّهادة ضِدَّ نفسه. ولم يكن مُستعدًّا لإدانة نفسه مِن خلال الشَّهادة ضِدَّ نفسه أمام الادِّعاء العامّ. استدعِ شهودكَ يا حَنَّان. فكلُّ ما قُلتُهُ إنَّما قُلتُهُ علانيةً أمامً النَّاس. والنَّاسُ سَمعوا ذلك. وهناك أناسٌ كثيرون يمكنك أن تَستدعيهم. وَهُم سيُخبرونك. إن أردتَ العدالة فإنَّها هناك. وإن أردتَ الشَّهادة فإنَّها هناك. استدعِ شهودَك. وقد شعر حَنَّان بالحَرَج، وشعر بالإحباط، وتَمَّت إماطةُ القناع عنه. وقد سادَ صَمْتٌ رهيب. وصَدِّقوني أنَّ حَنَّان لم يكن يستطيع أن يُجاري عقل يسوعَ المسيح الَّذي لا نَظير له.

وعندما صار الجوُّ مَشحونًا جدًّا هكذا، وابتدأ الجميع يَتصبَّبون عَرقًا، وابتدأت وجوهُ الجميعِ تَحْمَرُّ، وصارَ الموقفُ مُحرجًا جدًّا، كَسَرَ أحدُ الأشخاص الجليدَ إذْ نقرأ في العدد 22: "وَلَمَّا قَالَ هذَا لَطَمَ يَسُوعَ وَاحِدٌ مِنَ الْخُدَّامِ كَانَ وَاقِفًا، قَائِلاً: «أَهكَذَا تُجَاوِبُ رَئِيسَ الْكَهَنَةِ؟»" فقد لَطَمَهُ على وجهه وقال: "كيف تَجرؤ على الرَّدِّ على رئيس الكهنة بتلك الطَّريقة؟" فقد حَشَر حَنَّان في الزَّاوية وأَماطَ القِناع عنه إذ كَشَفَ أنَّه رَجُل يَكسر قوانين العدالة. وقد أراد هذا الرَّجُل أن يدافع عن سَيِّده الَّذي فَقَدَ ماءَ وَجهِه، فما كان مِنه إلاَّ أن لَطَمَ يسوعَ على وجهه. وبصورة رئيسيَّة، لم يَصدُر عن الربِّ أيُّ رَدِّ فِعلٍ عاطفيٍّ. هل تَذكرون أنَّه في سِفْر أعمال الرُّسُل 22: 30 تَمَّ إحضار بولس للمُثول أمام نفس السِّنهدريم؟ وفي الأصحاح الثَّالث والعشرين، يَشهدُ بولسُ عن كيف أنَّه عاش بضميرٍ صالحٍ أمام الله، وكيف أنَّه كان أمينًا، وهَلُمَّ جَرَّا. وقد اغتاظَ رئيس الكهنة وقال لواحدٍ مِن عبيده: "اضرب ذلك الرَّجُل". ثُمَّ إنَّ بولس قال لرئيس الكهنة: "سَيَضْرِبُكَ اللهُ أَيُّهَا الْحَائِطُ الْمُبَيَّضُ!" والحقيقة هي أنَّ رَدَّ الفِعل هذا يَتَّفقُ مع رَدِّ الفِعل الَّذي قد يَصدُر عَنِّي أنا. ولكنَّنا لا نَقرأُ أنَّهُ صَدَرَ عن يسوعَ أيُّ رَدِّ فعل.

فيسوعُ لم يَتصرَّف بتلك الطريقة: "الَّذِي إِذْ شُتِمَ..." [كما يقولُ بطرس في رسالة بطرس الأولى 2: 23] "...لَمْ يَكُنْ يَشْتِمُ عِوَضًا". أليس كذلك؟ فهو لم يتصرَّف قَطّ بتلك الطَّريقة. فقد كانت تلك هي ساعة موته. وقد كان عاقِدَ العَزم، وكان مستعدًّا. فقد كانت تلك هي لحظة الجحيم، وكان مستعدًّا لها. وقد عَقدَ العزم على ذلك في البُستان بحسب مشيئة الآب. وكان ماضيًا إلى الصَّليب. ولا نقرأ شيئًا عن أنَّه رَدَّ رَدًّا غاضبًا، بل إنَّه أجابَهُ جوابًا مِن أروع الأجوبة فقال: "إِنْ كُنْتُ قَدْ تَكَلَّمْتُ رَدِيًّا فَاشْهَدْ عَلَى الرَّدِيِّ". إن كنتُ قد فعلتُ شيئًا رَدِيًّا أو قلتُ شيئًا رَدِيًّا، أحضِر شهودك. "وَإِنْ حَسَنًا فَلِمَاذَا تَضْرِبُنِي؟" ولا يوجد رَدٌّ على ذلك سوى أن يقول: "لقد ضَربتُك لأنَّك أَحرجتَ رئيس الكهنة" الَّذي لا بُدَّ أنَّه شَعر بالحَرَج. فيسوعُ هو دائمًا أعظم مَن قَدَّم أجوبةً. إن كانت لديك حُجَّة، اعرضها. وإن لم تكن لديك حُجَّة، لماذا تضربني؟ إن كنتُ مُذنبًا، أثبِت ذلك. وإن كنتُ بريئًا، لماذا تضربني؟

وما الَّذي فعله حَنَّان؟ إليكم الشَّيء الوحيد الَّذي استطاع أن يفعله إذْ نقرأ في العدد 24: "وَكَانَ حَنَّانُ قَدْ أَرْسَلَهُ مُوثَقًا إِلَى قَيَافَا". وما أعنيه هو أنَّ جَعبتَه قد فَرغت. فماذا يمكنه أن يفعل؟ فقد كان الوقت مُنتصف اللَّيل. فلم يكن الوقت الثَّالثة صباحًا بعد لأنَّ صِياحَ الدِّيكِ لم يُسمَع بعد. فقد كان الدِّيكُ يَصيح في السَّاعة الثَّالثة. فالصِّياحُ كان مِن الثانية عشرة حتَّى الثَّالثة. لذا، لم يكن الوقتُ وقتَ صياح الدِّيك عندما يَصيحُ مُعلنًا نهاية ذلك الوقت في نحو السَّاعة الثَّالثة. ونحن نَعلم أنَّ الوقت لم يبلغ الثَّالثة صباحًا لأنَّ بطرس لم يُنكره بعد. لذا فقد كان الوقت أبكر مِن الثَّالثة صباحًا. فقد كان مُنتصف اللَّيل. وكان حَنَّان يجلس في بيته في تلك اللَّيلة المُظلمة السِّريَّة ويحاول أن يُدَبِّر مَكيدةً؛ ولكنَّه لم ينجح في ذلك فشعر بالحَرج. وقد جَعل خادمَهُ يَلطم يسوع على وجهه ثُمَّ قال لهم: "أَخرجوه مِن هنا. خُذوه إلى قَيافا". لذا فقد مَضَوْا به إلى قَيافا مِن دون إدانة ومِن دون تُهمة على الإطلاق. فلم تكن هناك جريمة. هل هذه مواجهة غير قانونيَّة وغير عادلة مع حَنَّان؟ أجل. فالوقتُ كان مُنتصف اللَّيل. وهذا أمرٌ غير قانونيّ. ولم يكن هناك شهود. وهذا أمر غير قانونيّ. ولم تكن هناك جريمة. ولم تكن هناك تُهمة. ولم يكن حَنَّان يَملِك أيَّ سُلطة قانونيَّة. فهو لم يكن حَتَّى مُدَّعيًا عامًّا رَسميًّا بأيِّ صِفة مِن الصِّفات. وكان هذا البيت مكانًا غير مناسبٍ للقيام بشيءٍ كهذا. ولكن لا تَندهشوا. فهذا مُجرَّدُ شيءٍ واحدٍ فقط مِن أشياء غير قانونيَّة كثيرة حدثت. فهي تَتراكم، وتَتراكم، وتَتراكم، وتَتراكم، وتَتراكم.

لنرجع إلى إنجيل مَتَّى والأصحاح 26، وسوف أقول هذا في عُجالة: فنحن نَرى المواجهة غير القانونيَّة وغير العادلة. والآن انظروا إلى الاجتماعِ غير القانونيِّ وغير العادل في العدد 57. وسوف نُكمِل مِن هنا: "وَالَّذِينَ أَمْسَكُوا يَسُوعَ مَضَوْا بِهِ إِلَى قَيَافَا رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، حَيْثُ اجْتَمَعَ الْكَتَبَةُ وَالشُّيُوخُ"؛ أي حيثُ اجتمعَ أعضاءُ المَجلسِ أو السِّنهدريم معًا. فقد مَضى رُؤساءُ الكهنة، وحَرسُ الهيكل، والشُّيوخُ، والجنودُ بيسوعَ مُوْثَقًا مِن عند حَنَّان إلى قَيافا. وكان قَيافا أيضًا شخصًا فاسدًا وشرِّيرًا مِثل حَنَّان. ولا شَكَّ في أنَّه كان يُحبُّ كُلّ الأشياء الَّتي يُحِبُّها حَنَّان، وأنَّه كان يُبغِضُ أيَّ شيءٍ يُبغضه حَنَّان. فَهُما مُتَّفقان معًا. وَهُوَ لُعبة أيضًا بيد الشَّيطان. وكان يشعر بالتَّهديد، ويُحبُّ التَّمَلُّك، وعَطِشًا إلى السُّلطة، وجَشِعًا، ويُبغضُ الحقَّ، ويَكرهُ البِرَّ، ويَكره القداسة، ويَكره يسوعَ المسيح.

لِذا، في عَتمة اللَّيل، تَمَّ نقل يسوع مِن بيت حَنَّان إلى بيت قَيافا في مكانٍ ما بالقرب مِن الهيكل. وكان الكَتبة والشُّيوخ يجتمعونَ جميعًا هناك. والحقيقة هي أنَّهم جَمعوهم معًا عندما كان يسوع ما يزال في بيت حَنَّان. فوجوده في بيت حَنَّان هو الَّذي وَفَّرَ لهم الوقت لاستدعاء الجميع. وبالمناسبة، بحسب ما جاء في إنجيل مَرقس 14: 53، نقرأ أنَّهم كانوا جميعًا هناك. ولكنِّي أودُّ أن أقول إنَّه بحسب ما جاء في إنجيل لوقا 23: 50 و 51، كان هناك شخصٌ واحدٌ على الأقلّ غير موجود هناك. وهذا لا يُناقضُ البتَّة فكرة وجودهم جميعًا. فالكلمة "جميع" تعني "جميعهم" بمعنى أنَّ الأغلبيَّة منهم كانوا هناك. ولكنِّي أودُّ أن أقول لكم إنَّ يوسف الرَّامِيَّ لم يكن هناك لأنَّنا نقرأ في إنجيل لوقا 23: 50 و 51 أنَّ ذلك الرَّجُل الَّذي قَدَّمَ القبرَ ليسوع كان "مُشِيرًا وَرَجُلاً صَالِحًا بَارًّا..." وأنَّه "لَمْ يَكُنْ مُوافِقًا لِرَأْيِهِمْ وَعَمَلِهِمْ" فيما يَختصُّ بقتل يسوع. فهو لم يكن هناك عندما صَوَّتوا على ذلك. لِذا، بِمعزِلٍ عنه تقريبًا، كانت الأغلبيَّة منهم (أو رُبَّما جميع الأشخاص المُتَبَقِّين) هناك يَستعدُّون للقيام بذلك العمل الأحمق ضِدَّ المسيح.

وأنا مُتيقِّنٌ مِن أنَّ بعضًا منهم لم يدركوا ما كان يجري لأنَّهم كانوا بَيادِقَ تخضع تمامًا لهيمنة الشَّيطان وتأثيره. فلم تكن هناك مُحاكمة عَلنيَّة هنا، ولا دفاع، ولم يوجد أيُّ شخصٍ يَشهدُ لِصالح المسيح... لا شيء البَتَّة. وها هُم يجتمعون في بيت قَيافا؛ وهو أمر غير قانونيّ بكلِّ معنى الكلمة. فنحن نقرأ في إنجيل لوقا 22: 54 أنَّهم اجتمعوا في بيت قيافا في غُرفة كبيرة. فعندما مَضوا بهِ إلى بيت حَنَّان، كان في ساحة البيت. وقد كانت تلك البيوت كبيرة لأنَّهم كانوا رجالاً أغنياء جدًّا. فقد كان لديهم سورٌ خارجيٌّ حيث إنَّك تدخل مِن عند السُّور فتجد ساحةً خارجيَّةً هناك. وفي حالة حَنَّان، بقي يسوعُ في السَّاحة. أمَّا الآن فإنَّه يَدخُل السَّاحة فيَمضون به إلى غرفة كبيرة مجاورة للسَّاحة. وفي السَّاحة، هناك نارٌ وعدد مِن الجنود. ونقرأ في العدد 58: "وَأَمَّا بُطْرُسُ فَتَبِعَهُ مِنْ بَعِيدٍ إِلَى دَارِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، فَدَخَلَ إِلَى دَاخِل وَجَلَسَ بَيْنَ الْخُدَّامِ لِيَنْظُرَ النِّهَايَة". فقد أراد أن يَرى ما سيحدث. فهو عَالِقٌ بين الجُبن والفُضول. فَهُوَ لا يَمتلك الشَّجاعة الكافية للوقوف إلى جانب المسيح، ولكنَّه قَلِقٌ إلى حَدٍّ جَعَلَهُ يُراقب ما يجري مِن بعيد. وفي ذلك الإطار فإنَّه يُنكر يسوعَ المسيح ثلاث مَرَّات.

لذا، ها هو في السَّاحة. ولا شَكَّ في أنَّه كان يستطيع أن ينظر مِن خلال الأبواب والنَّوافذ ويَرى ما يجري في داخل هذه الغرفة الكبيرة للمسيح الَّذي كان يُواجِه السِّنهدريم وقَيافا. وكانت قوانين بني إسرائيل تقول إنَّه لا يجوز مُحاكمة أيِّ شخصٍ في أيِّ مكانٍ سوى قاعة المحكمة، وإنَّه ينبغي أن تَتِمَّ المحاكمة في النَّهار، وأمام النَّاس. فقد كان ينبغي أن تَتِمَّ المحاكمة في قاعة المحكمة الَّتي كانت موجودة في مُجَمَّع الهيكل. وبالمناسبة، لقد كان بمقدورهم أن يذهبوا إلى هناك في الصَّباح الباكر بعد الفجر لإعادة المُحاكمة بصورة سريعة وقصيرة، وترتيب الأمور بطريقة قانونيَّة في النَّهار كي تكون المُحاكمة سليمة. ولكنَّ يسوعَ يَدخل إلى هناك ويَتواجَه مع السِّنهدريم. وسوف يُلَفِّقون إليه تُهمةً. وهذا انتهاكٌ للقانون أيضًا لأنَّ السِّنهدريم كان هيئة المُحلَّفين والقاضي وليس المُدَّعي العامّ. ولكنَّهم عجزوا عن تلفيق جريمة له، وعجزوا عن تلفيق دَعوى ضِدَّه. فقد كان ذلك خارج نِطاقهم. فلم يكن يجوز لهم أن يُلِفِّقوا تُهَمًا. وكان قانونهم يقول ذلك. فقد كان ينبغي لهم فقط أن يُحقِّقوا في التُّهم المُوَجَّهة إليه.

وحيثُ إنَّ الجلسة الَّتي عُقِدت مع حَنَّان قد أَخفقتْ في تَلفيق تُهمة، لم تكن لديهم دعوى يَتداولونها. لذا، فقد أرادوا أن يصيروا المُدَّعي العامّ. وقد أرادوا أن يُلِفِّقوا جريمةً ثُمَّ أن يُحاكموه عليها. فالشَّيءُ الوحيد الَّذي كان متوفِّرًا لديهم هو الحُكْم. وقد أرادوا أن يُلَفِّقوا جريمةً تُناسب الحُكم. لذا فقد كان كلُّ شيءٍ غير قانونيٍّ وغير عادل. فالوقتُ كان ليلاً؛ وهذا أمر غير قانونيّ. والمكان هو بيت رئيس الكهنة؛ وهذا أمر غير قانونيّ. والإجراءُ هو أنَّه لم تكن هناك جريمة. والوظيفة هي أنَّهم كانوا يقومون بعمل المُدَّعي العامِّ عوضًا عن أن يكونوا القُضاة وهيئة المُحَلَّفين. أمَّا فيما يختصُّ بالوقت، فقد كانوا يُجرون هذه المحاكمة في يوم العيد، وفي يوم الاحتفال؛ وهو وقتٌ لا يجوز فيه القيام بأمرٍ كهذا. والوسيلة هي رشوة شخصٍ خائنٍ يُدعى يهوذا. ولم يكن يجوز قبول رشوة بكلِّ تأكيد (كما قرأنا في المقطع المذكور في سِفْر التَّثنية والأصحاح 16). لذا فقد تَراكمت كلُّ الأمور غير القانونيَّة في المُحاكمة أمام حَنَّان وأدَّت إلى اجتماع السِّنهدريم وقيافا في بيته.

وهناك فكرة أخرى أودُّ أن أذكرها لكم اليوم وهي: المؤامرة غير القانونيَّة وغير العادلة... المؤامرة غير القانونيَّة وغير العادلة. انظروا بسرعة وحسب إلى العدد 59: "وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ وَالْمَجْمَعُ كُلُّهُ يَطْلُبُونَ شَهَادَةَ زُورٍ عَلَى يَسُوعَ لِكَيْ يَقْتُلُوهُ". هل تَعلمون ما الَّذي أرادوا أن يَفعلوه بيسوع؟ أن يَعرفوا الحقيقة؟ لا، فَهُم لم يرغبوا في معرفة الحقيقة، بل أرادوا أن يَفعلوا ماذا؟ ما هي الغاية؟ أن يَقتلوه. فقد أرادوا أن يَقتلوه. والطَّريقة الوحيدة الَّتي يمكنك مِن خلالها أن تَقتل شخصًا بريئًا هي أن تَجعل أُناسًا يَكذبون بشأنه. فالشُّهود الوحيدون الَّذينَ أبدوا الاستعدادَ لأن يشهدوا ضِدَّ يسوع كانوا كَذَبة لأنَّه كان شخصًا كاملاً. فقد كان الله الكامل المُتجسِّد. والكَمالُ لا يقوم بأيِّ انتهاكات. لذا، لم تكن هناك جريمة. فهو لم يفعل شيئًا خاطئًا قَطّ في أيِّ وقتٍ وبأيَّة طريقة أو شكل أو صورة. لذا، كان الأشخاص الوحيدون الَّذينَ يمكنهم أن يدينوه هُم الكذبة.

لذا فقد خرجوا في مُنتصف اللَّيل محاولين أن يعثروا على عددٍ مِن الكذبة الَّذينَ يَرتضون أن يأتوا ويَفعلوا الشَّيءَ الَّذي يَدينُه ناموسُهم بشدَّة. ولكنَّ شَغَفَهم ذاكَ كان مَدفوعًا بالكراهية، ويَخضَع لهيمنة الشَّيطان والقوى الشيطانيَّة الَّتي كانت وراء ذلك العمل. وقد حدثَ ذلك بمشورة الله الَّذي شاءَ أن يموتَ يسوعُ عن خطايا العالَم حتَّى إنَّهم كانوا مَملوئين حقدًا. وها هُم يفعلون ذات الشَّيء الَّذي صَرفوا حياتهم في عدم القيام به إذ إنَّهم كانوا يحاولون أن يُنقذوا النَّاس مِن شَهادة شهود الزُّور. ولكن ها هُم يحاولون أن يجدوا شُهودَ زُورٍ ليكذبوا كي يَقتلوا شخصًا. وهذا أمرٌ يَصعُب تَخيُّلُه؛ أي أن يَفعل قُضاةٌ ذلك. ولكنَّهم كانوا يتآمرون لقتله. والآن، كان لا بُدَّ أن يعثروا على شهود لأنَّنا نقرأ في سِفْر العدد والأصحاح 35 وسفر التَّثنية والأصحاح 17، وسفر التَّثنية والأصحاح 19 أنَّه يجب أن يوجد شاهدان أو ثلاثة شهود. لِذا فقد راح جميعُ رؤساءِ الكهنةِ، والشُّيوخِ، وأعضاءِ المجلس، وكلُّ السِّنهدريم يبحث عن شهود زورٍ يَشهدون ضِدَّ يسوع كي يَقتلوه.

وكما تَرون، فإنَّ يسوعَ لم يحصل على مُحاكمة عادلة. فهو لم يُدَن بسبب شيءٍ فعله، بل دِيْنَ بسبب الكراهِيَة. والعدد 60 يقول ذلك. ضعوا خَطًّا تحت هاتين الكلمتين: "فَلَمْ يَجِدُوا". فَلَمْ يَجِدُوا. فلم يَنجح أحد. وقد تقول: "أَلَمْ يأتِ أحد؟" بَلى، لقد جاء أُناسٌ. فهذا مؤكَّد. فالعدد 60 يقول: "وَمَعَ أَنَّهُ جَاءَ شُهُودُ زُورٍ كَثِيرُونَ، لَمْ يَجِدُوا". وما أعنيه هو أنَّه لم يجدوا أيَّ شخصٍ يُقدِّم شهادةً صحيحة. فقد أراد أشخاصٌ أن يفعلوا ذلك. وأنا مُتيقِّنٌ مِن أنَّ جَهنَّمَ حَشَدت كلَّ قُوَّاتها، ولكنَّ كلَّ ذلك لم يُفلِح، ولم يَنجح، ولم يبدو منطقيًّا. والأسوأ مِن ذلك هو أنَّهم لم يعثروا على شخصين مِن هؤلاء الشُّهود ماذا؟ يَتَّفِقان. فقد كانوا كَذَبة. ومِن الصَّعب أن يَتَّفق الكذبة لأنَّهم يكذبون. فحيث إنَّه لا توجد حقائق، مِن الصَّعب عليهم أن يَتَّفقوا. ونحن نقرأ في إنجيل مَرقس 14: 56: "لأَنَّ كَثِيرِينَ شَهِدُوا عَلَيْهِ زُورًا، وَلَمْ تَتَّفِقْ شَهَادَاتُهُمْ". فلم تَتَّفِق شَهاداتُهم. فقد جاءوا بهذا الشَّخص، وذلك الشَّخص، وذلك الشَّخص. وكان كلُّ شخصٍ يَأتي بكذبة مُختلفة. لِذا، لم يكن هناك تَوافُق.

وقد تَصاعَدَ الإحباطُ إلى أن تَقدَّم أخيرًا شاهدا زُوْر. فقد جاء شاهدان اجتمعا معًا واتَّفقا على شهادتهما. وقد قالا: "هذَا قَالَ [في العدد 61]: إِنِّي أَقْدِرُ أَنْ أَنْقُضَ هَيْكَلَ اللهِ، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَبْنِيهِ". فكلُّ ما تَمَكَّنا مِن الزَّعم به هو أنَّ "هذا الشَّخصَ قال". وهذا مُدهش! وما أعنيه هو أنَّ هذا كلامٌ عامٌّ جدًّا. هذا الشَّخصُ قال؟ وفي إنجيل مَرقُس، نقرأ في النَّصِّ المُوازي لهذا أيضًا، وتحديدًا في الأصحاح 14 والعدد 57... استمعوا إلى هذا. فقد قال هذان الشَّاهدان: "نَحْنُ سَمِعْنَاهُ يَقُولُ: إِنِّي أَنْقُضُ هذَا الْهَيْكَلَ الْمَصْنُوعَ بِالأَيَادِي، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَبْنِي آخَرَ غَيْرَ مَصْنُوعٍ بِأَيَادٍ". وهذا مدهش. فالربُّ ذَكَرَ لنا هاتين الشَّهادَتين: الأولى هي تلك الشَّهادة المُدوَّنة في إنجيل مَتَّى، والثَانية هي الشَّهادة المُدوَّنة في إنجيل مَرقس. انظروا إلى الفرق. فالشَّخص المذكور في إنجيل مَتَّى يقول: "إنِّي أَقدرُ أَن أَنقُضَ الهَيكل". أمَّا الشَّخصُ المذكور في إنجيل مَرقس فيقول: "إنِّي أَنقُضُ الهيكل". والشَّخص المذكور في إنجيل مَتَّى يقول: "وفي ثلاثة أيَّام أَبنيه". أمَّا الشَّخصُ المذكور في إنجيل مَرقس فيقول: "وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَبْنِي آخَرَ غَيْرَ مَصْنُوعٍ بِأَيَادٍ". "وَلاَ بِهذَا كَانَتْ شَهَادَتُهُمْ تَتَّفِقُ".

والشَّيءُ المُدهش هو أنَّهما يقولان إنَّ يسوع يقول هذا. وَهُوَ لم يقل ذلك. ففي إنجيل يوحنَّا 2: 19، قال يسوع: "انْقُضُوا هذَا الْهَيْكَلَ، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ... وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَقُولُ عَنْ هَيْكَلِ جَسَدِه". ولكنَّهما كانا يحاولان أن يكذبا بشأنه قائِلَيْن إنَّه قال: "سوف" أو "أنا أقدر أن أَنقُض الهيكل". ولكنَّه لم يقل ذلك يومًا. فقد قال: "انْقُضُوا هذَا الْهَيْكَلَ، وَأنا أُقِيمُهُ". ولكنَّ الشَّاهدان اجتمعا معًا، وحَرَّفَا وشَوَّهَا هذا الأمر. والمشكلة هي أنَّ الاثنين لم يَتَّفقا. فالكلامُ لم يكن مُتوافقًا. وكان الكهنة يَعلمون ذلك. وقد توقَّفوا عن استجواب الشُّهود بعد هذا الكلام. والآن، أريد أن تُصغوا إلى شيءٍ ما. لم يكن ينبغي أن يُسمح لهذين الشَّخصين أن يكونا شاهِدَيْن. فكما ذَكرتُ سابقًا، كان ينبغي للشَّاهد أن يَعرف السَّنة والشَّهر واليوم والسَّاعة والمكان المرتبط بالشَّهادة الَّتي يُقدِّمها بخصوص التُّهمة المزعومة. وكانت هناك قوانين صارمة جدًّا بخصوص مستويات الاختلاف الَّتي يمكن السَّماح بها بين الشُّهود. ولكنَّهما لم يَستوفيا تلك الشُّروط على الإطلاق.

والآن، أريد أن أختم هذا الحديث بفكرة مُهمَّة جدًّا. اسمعوني: لو لم أكن أَعلم أنَّ يسوعَ المسيح كامل، ولو أكن أعرف أنَّ يسوعَ المسيح خالٍ تمامًا مِن الخطيَّة، وأنَّه ابنُ الله كما قال، ستكون هذه الحادثة وحدُها كافية لإقناعي بأنَّه كذلك. فأنا لست بحاجة حقًّا إلى أيِّ بُرهانٍ آخر. وسوف أقول لكم السَّبب. إنَّ الجَحيمُ هو الَّذي يُديرُ هذا العَرْضَ بأسرِه. فقد دَخل الشَّيطان يهوذا. وهذه هي ساعة سُلطان الظُّلمة. فكلُّ قُوى الجَحيم، وكلُّ دهاءِ جهنَّم، والشَّيطانُ وجميعُ أعوانِه خارقي الذَّكاء والقدرة والموارد يحاولون أن يُلَفِّقوا تُهمةً ضِدَّ يسوع. وكلُّ قادة الأرض في ذلك المكان يَسعون أيضًا إلى تَلفيقِ تُهمةٍ ليسوع. اسمعوني: عندما تَتَّحِدُ كلُّ الأرض وكلُّ جَهنَّم، وتُكَرِّسان كلَّ مواردهما الخارقة للطَّبيعة ودهائهما، وتَسعيان بكلِّ طاقتهما للعثور على شيءٍ ضِدَّ يسوعَ المسيح دون أن تَجِدا شيئًا، فإنَّ هذا يُخبرني أنَّه لا يوجد شيء يمكن العُثور عليه. هل فهمتم ذلك؟ فهذا واحدٌ مِن أعظم الدِّفاعات عن كَمال يسوعَ المسيح في كلِّ صفحات الكتاب المقدَّس. فلو كان هناك شيء خاطئ فَعلَهُ لعثروا عليه. ولو كان بمقدور الشَّياطين أن تُعلنه لعثروا عليه. ولكن لم تكن هناك جريمة، بل كمالٌ تامٌّ. فهو اللهُ الَّذي أخذ جسدًا بشريًّا؛ وليس أقلّ مِن ذلك... ليس أقلّ مِن ذلك. فقد فشلوا في العثور على أيِّ شيء... أيِّ شيءٍ على الإطلاق.

إذًا، ماذا عن عدم قانونيَّة ذلك؟ لقد كان هذان الشَّخصان شاهِدَيْنِ مُرْتَشِيَيْن. فقد أَساءَا التَّعبير عَمَّا قاله. ولا يمكن إعدامُ أيِّ شخصٍ بسبب ما قاله بأيِّ حال مِن الأحوال؛ ولا سِيَّما إن كان ما قالَه صحيحًا. وأين هو دِفاعُه؟ فقد كانت مُحاكمتُه غير قانونيَّة تمامًا... في كلِّ جزءٍ منها. فقد كانت مواجهته غير قانونيَّة مع حَنَّان، وقد انعقد السِّنهدريم في جلسة غير قانونيَّة، وكانت هناك مؤامرة غير قانونيَّة ضِدَّ يسوعَ المسيح. وفي وسط هذا كلِّه، هناك الجَحيم والأرض، والأسوأ مِن ذلك هو أنَّ العالمَ الخارق للطَّبيعة والعالم الطَّبيعيَّ اجتمعا معًا ضِدَّ يسوعَ المسيح؛ ولكنَّ أحدًا لم يتمكَّن مِن إثبات أيَّة شيءٍ ضِدَّه... لا شيء. فيا له مِن مُخلِّصٍ مُبارك! آمين؟ فهو كامل. وقد تَبَيَّنَ أنَّه كذلك حَتَّى في محاكمة الأشرار له. وكما تَرون، فإنَّ الأشخاص الوحيدين الَّذينَ كانوا في المَحكمة في هذا اليوم هُم فقط الأشخاص الَّذينَ كانوا يَتَّهمون يسوع. أليس كذلك؟ وقد أظهروا أنَّهم أشخاصٌ فاسدون، وأشرار، وخُطاة، وظالمون. والمسيحُ يَعمل دائمًا [مِن خلال حضوره] على كشفِ الأشخاص الَّذينَ يَتـبعون الشَّيطان. فعندما تَتواجه مع يسوع، يَنكشف أمرُك. وهذا هو ما حدث لهؤلاء في ذلك اليوم. وفي هذه النُّقطة، يحاول قَيافا أن يَتَولَّى الأمر بنفسه. وما يحدث دراميٌّ جدًّا. تعالوا بعد أسبوعين وسأخبركم عن ذلك. دعونا نَحني رؤوسَنا حتَّى نُصلِّي:

يا أبانا، حين ننظر إلى هذا المَشهد الَّذي كان يُمكن أن يَتعرَّضَ فيه يسوعُ المسيحُ إلى إذلالٍ شديد، وأن يُمْنَى فيه بحسب الظَّاهر بخسارة هائلة، فإنَّه يَظهرُ بكلِّ جلاله، وبكلِّ مَجده. فهو يقف بكلِّ طُهْرٍ، وكمالٍ، وبلا عيبٍ، وبلا خطيَّة، وبقداسة. أمَّا المحكمة الَّتي حاكَمَتْهُ فهي محكمة مُجرِمة وشرِّيرة وفاسدة. ويا أبانا، يا ليتَنا نَتذكَّر أنَّه يوجد أمامَنا خِيارَان فقط في هذا العالم: الأوَّل هو أن نؤكِّد جَلال وألوهيَّة وكمال المسيح؛ والثَّاني هو أن نقف مع أولئك الَّذينَ يُنكرون ذلك. يا أبانا، صلاتُنا هي أن يَقف جميعُ الأشخاص الحاضرين هنا، وجميعُ الأشخاص الَّذينَ يسمعون هذه الرِّسالة، أن يقفوا مع الأشخاص الَّذينَ يؤكِّدون كَمالَ يسوعَ المسيح. فعندما تبذل الأرض وجهنَّم كلَّ ما في وسعهما لتلطيخ سُمعته ولكنَّه يبقى بلا عيب، نَعلم أنَّه ابنُ اللهِ الكامل، والخالي مِن الخطيَّة، ومُخلِّصُنا. وهو يَحتمل هذا طَوعًا لكي يَمضي إلى صَليبٍ لا يَستحقُّه ليموت عَنَّا نحن الَّذينَ نَستحقُّ أن نُسَمَّرَ على ذلك الصَّليب. نشكرك على هذا المُخلِّص المُنعِم. فيما تَحنون رؤوسَكُم في هذه اللَّحظة الختاميَّة، إن لم تكن تعرف الربَّ يسوعَ المسيح، وإن لم تكن قد قَبلتَه مُخلِّصًا، وإن لم تَفتح قلبك له، هذا هو اليوم... هذا هو اليوم. الآن هو الوقت. لا تقف مع أولئك الَّذينَ يَرفضون المسيح. قد لا تشعر في قلبك بأنَّك ترغب في الانضمام إليهم، ولكنَّك كذلك إن كنتَ تَرفُضه. فإن أخضعتَهُ للمحاكمة في قلبك أنت شخصيًّا، وكان الحُكْمُ هو أنَّه ليس من يَدَّعي أنَّه هو، ولا تريده في حياتك، فإنَّك تقف مع أولئك الَّذي وقفوا في المحكمة في ذلك اليوم في أورُشليم. ولكن افتَح قَلبكَ للمسيح.

This sermon series includes the following messages:

Please contact the publisher to obtain copies of this resource.

Publisher Information
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969

Welcome!

Enter your email address and we will send you instructions on how to reset your password.

Back to Log In

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize
View Wishlist

Cart

Cart is empty.

Subject to Import Tax

Please be aware that these items are sent out from our office in the UK. Since the UK is now no longer a member of the EU, you may be charged an import tax on this item by the customs authorities in your country of residence, which is beyond our control.

Because we don’t want you to incur expenditure for which you are not prepared, could you please confirm whether you are willing to pay this charge, if necessary?

ECFA Accredited
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Back to Cart

Checkout as:

Not ? Log out

Log in to speed up the checkout process.

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize