Grace to You Resources
Grace to You - Resource

لَقَدْ وَصَلْنا اليومَ إلى حَدَثٍ مُهِمٍّ وَرائِعٍ في دِراسَتِنا لإنْجيلِ لُوقا. فَقَدْ وَصَلْنا إلى الأصْحاحِ الرَّابِعِ وَالعِشْرينَ وَإلى قِصَّةِ قِيامَةِ رَبِّنا يَسوعَ المَسيح: القِيامَةُ الَّتي طَالَ انْتِظارُها. وَأَوَدُّ أنْ أُقَدِّمَ تَمْهيدًا قَصيرًا لِرِسالَةِ اليوم وَهُوَ أنَّ الوَعْظَ مُغامَرَةٌ مُمَيَّزَةٌ وَرائِعَةٌ. وَبِسَبَبِ طَبيعَةِ النَّصِّ نَفْسِهِ فإنَّ الوَعْظَ يَتَغَيَّرُ، ويَتَوَسَّعُ وَيَنْحَسِرُ كَالمَدِّ وَالجَزْرِ. وَهُوَ يَأخُذُ العَديدَ مِنَ الأشْكالِ وَالأساليب. وَهَذا كُلُّه جُزْءٌ مِنَ مُغامَرَةِ الوَعْظ. وَبِوُصولِنا إلى قِصَّةِ قِيامَةِ الرَّبِّ يَسوعَ المَسيحِ، سَنَتَأمَّلُ في أحْداثِ هَذِهِ القِصَّةِ بِعِنايَةٍ قُصْوى وَعُمْقٍ شَديد. وَالحَقيقَةُ هِيَ أنَّ الأناجيلَ الأرْبَعَةَ تَحَدَّثَتْ عَنِ القِيامَة. فَمَتَّى وَمَرْقُسُ وَلُوقا وَيُوحَنَّا تَحَدَّثُوا جَميعًا عَنِ القِيامَة. وَقَدْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ أُسْلوبُهُ الخَاصُّ في مُعَالَجَةِ هَذِهِ الأحْداثِ الَّتي هِيَ أَهَمُّ أَحْداثٍ في التَّاريخِ البَشَرِيِّ بِمُجْمَلِه. فَمَعَ أنَّهُمْ يَتَحَدَّثونَ عَنِ الأحْداثِ نَفْسِها، فَإنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يُرَكِّزُ عَلى جَانِبٍ مُخْتَلِفٍ فيها. لِذَلِكَ فإنَّ التَّفاصيلَ الَّتي يُرَكِّزُ عَليها كُلٌّ مِنْهُمْ قَدْ تَخْتَلِفُ عَنِ التَّفاصيلِ الَّتي يُرَكِّزُ عليها الآخَرون. وَهَذا يَعْني أنَّهُ يَنْبَغي لَنا أنْ نَتَأمَّلَ في مَا جَاءَ في هَذِهِ الأناجيلِ الأرْبَعَةِ لِكَيْ تَتَشَكَّلَ لَدَيْنا صُورَةٌ وَاضِحَةٌ عَمَّا حَدَث. وَمَا أَرْجوهُ هُوَ أنْ تَتَمَكَّنُوا مِنْ تَتَبُّعِ هَذَا الحَدَثِ المُتَعَدِّدِ الوُجوهِ أثَناءَ مُحاوَلَتي لِشَرْحِهِ مِنْ خِلالِ مَا جَاءَ في إنْجيل لُوقا وَالأناجيلِ الثَّلاثَةِ الأُخرى.

إنَّ قِيامَةَ المَسيحِ هِيَ أَعْظَمُ حَدَثٍ في التَّاريخِ، كَما قُلْتُ. وَهِيَ الحَدَثُ الرَّئيسيُّ في خُطَّةِ الفِداءِ الإلَهِيَّةِ. وَهِيَ قَاعِدَةُ الإنْجيلِ وَحَجَرُ الأساسِ فيه. وَوَفْقًا لِما جَاءَ في رِسَالَةِ رُومية 10: 9 و 10، إنْ أَرَدْتَ أنْ تُخْلُصَ، يَجِبُ عليكَ أنْ تُؤمِنَ بِقيامَةِ يَسوعَ المَسيح. وَنَحْنُ نَعْلَمُ أنَّ الرِّسالَةَ الَّتي قَامَ اللهُ بِتَوْصيلِها إلى الخُطاةِ مِنْ خِلالِ الكِتابِ المُقَدَّسِ بِمُجْمَلِهِ هِيَ أنَّ المَوْتَ لَيْسَ نِهايَة وُجودِنا. وَهَذِهِ هِيَ رِسالَةُ الكِتابِ المُقَدَّسِ مِنْ بِدايَتِهِ إلى نِهَايَتِه: أنَّ المَوْتَ هُوَ مُجَرَّدُ بَوَّابَةٍ إلى الأبديَّة. وَيَنْبَغي لِكُلِّ شَخْصٍ أنْ يَخْرُجَ مِنْ هَذا البَابِ لِكَيْ يُواجِهَ مَصِيرَهُ الأبَدِيَّ. فَهُناكَ أُناسٌ سَيَخْرُجونَ إلى قِيامَةِ الحَياةِ، وَهُناكَ أُناسٌ سَيَخْرُجونَ إلى قِيامَةِ الدّيْنونَة. فَهَذا هُوَ مَا جَاءَ في الأصْحاحِ الخَامِسِ مِنْ إنْجيلِ يُوحَنَّا. فَكُلُّ إنْسانٍ وُلِدَ في العَالَمِ سَيَعيشُ إلى الأبَد. وَلِكِنَّ البَعْضَ سَيَحْيا في فَرَحٍ أبَدِيٍّ، وَالبَعْضَ الآخَرَ سَيَعيشُ في عَذابٍ أبدِيٍّ.

وَبالنِّسْبَةِ إلى الأشْخاصِ الَّذينَ دَخَلُوا مَلَكوتَ اللهِ بالإيمانِ وَنَالُوا الخَلاصَ، فَإنَّ لَهُم الوَعْدَ بأنَّهُمْ سَيَخْرُجونَ إلى قِيامَةِ الحَياةِ. وَهَذا لا يَعني فَقَطْ أنَّ أرْواحَهُمْ سَتَحْيا إلى الأبَدِ في حَضْرَةِ اللهِ في النَّعيمِ الأبَدِيِّ، بَلْ يَعْني أيْضًا أنَّهُمْ سَيَحْصُلونَ عَلى أجْسادٍ مُمَجَّدَةٍ تُلائِمُ ذَلِكَ الفَرَحَ الأبَدِيّ. وَقَدْ كانَ هَذا هُوَ رَجاءُ شَعْبِ اللهِ طَوالَ تَاريخِ الفِداء. فَقَدْ كانَ هَذا هُوَ رَجاءُ إبْراهيمَ (كَما جَاءَ في الأصْحاحِ الحَادي عَشَرَ مِنَ الرِّسَالَةِ إلى العِبرانِيِّين). وَقَدْ كانَ هَذا هُوَ رَجاءُ مُوْسَى (كَما جَاءَ في الكِتابِ المُقَدَّسِ أيْضًا). وَقَدْ كانَ هَذا هُوَ رَجاءُ أيُّوب. وَكانَ هَذا رَجاء إشَعْياء، وَرَجاء دَانيال أيْضًا. وَكَانَ هَذا هُوَ رَجاءُ شَعْبِ اللهِ دَائِمًا. فَالمُرَنِّمُ يَقولُ إنَّهُ يَعْلَمُ إنَّهُ سَيَسْتَيْقِظُ في يَوْمٍ مَا في هَيْئَةٍ مُشَابِهَةٍ للهِ. وَقَدْ قَالَ أيُّوب: "وَبَعْدَ أَنْ يُفْنَى جِلْدِي هذَا، وَبِدُونِ جَسَدِي أَرَى اللهَ". فَقَدْ كانَ رَجاءُ القِيامَةِ (وَما يَزالُ) جَوْهَرَ إيمانِ المُؤمِنين. وَهَذا يَتَّضِحُ تَمامًا مِنْ خِلالِ قِيامَةِ يَسوعَ المَسيحِ الَّذي قَالَ في إنجيلِ يوحنَّا 14: 19: "إِنِّي أَنَا حَيٌّ فَأَنْتُمْ سَتَحْيَوْنَ". فَهُوَ بَاكُورَةُ الَّذينَ قَامُوا. وَقَدْ قَالَ يَسوعُ: "أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا".

وَفي ذَلِكَ الأصْحاحِ الخامِسِ عَشَرَ العَظيم مِنْ رِسالَةِ كُورِنثوسَ الأولى، يَتِمُّ تَذْكيرُنا بِالأهميَّةِ القُصْوى لِلْقيامَةِ مِنْ خِلالِ هَذِهِ الكَلِمات: "وَلكِنِ الآنَ قَدْ قَامَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ وَصَارَ بَاكُورَةَ الرَّاقِدِينَ. فَإِنَّهُ إِذِ الْمَوْتُ بِإِنْسَانٍ (وَتَحْديدًا: بآدَم)، بِإِنْسَانٍ أَيْضًا قِيَامَةُ الأَمْوَاتِ. لأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ الْجَمِيعُ، هكَذَا فِي الْمَسِيحِ سَيُحْيَا الْجَمِيعُ. وَلكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ فِي رُتْبَتِهِ: الْمَسِيحُ بَاكُورَةٌ، ثُمَّ الَّذِينَ لِلْمَسِيحِ فِي مَجِيئِهِ". فَقَدْ كانَ الجَميعُ يَرْجُونَ القِيامَة دائِمًا. وَقَدْ صَارَ ذَلِكَ مُتاحًا تَمامًا مِنْ خِلالِ قِيامَةِ الرَّبِّ يَسوعَ المَسيح. وَقَدْ كانَتْ أوَّلُ عِظَةٍ للرُّسُلِ (أيْ أوَّلُ رِسَالَةٍ إنْجيليَّةٍ في يَوْمِ الخَمْسين) هِيَ عَنِ القِيامَة. وَمَعَ أنَّنا لا نَمْلِكُ الوَقْتَ للخَوْضِ في كُلِّ هَذِهِ التَّفاصيل، فَإنَّنا نَقْرَأُ في الأصْحاحِ الثَّاني مِنْ سِفْرِ أعْمالِ الرُّسُل أنَّهُ في يَوْمِ الخَمْسين، بَعْدَ حُلولِ الرُّوحِ القُدُسِ، وَقَفَ بُطْرُسُ وَقال: "أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِسْرَائِيلِيُّونَ اسْمَعُوا هذِهِ الأَقْوَالَ: يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ رَجُلٌ قَدْ تَبَرْهَنَ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ اللهِ بِقُوَّاتٍ وَعَجَائِبَ وَآيَاتٍ صَنَعَهَا اللهُ بِيَدِهِ فِي وَسْطِكُمْ، كَمَا أَنْتُمْ أَيْضًا تَعْلَمُونَ. هذَا أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّمًا بِمَشُورَةِ اللهِ الْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ السَّابِقِ، وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ. اَلَّذِي أَقَامَهُ اللهُ نَاقِضًا أَوْجَاعَ الْمَوْتِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا أَنْ يُمْسَكَ مِنْهُ".

ثُمَّ يَقولُ بُطْرُسُ، مُقْتَبِسًا مَا جَاءَ في سِفْرِ المَزامير: "أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ، يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ لَكُمْ جِهَارًا عَنْ رَئِيسِ الآبَاءِ دَاوُدَ إِنَّهُ مَاتَ وَدُفِنَ، وَقَبْرُهُ عِنْدَنَا حَتَّى هذَا الْيَوْمِ. ... فَيَسُوعُ هذَا أَقَامَهُ اللهُ، وَنَحْنُ جَمِيعًا شُهُودٌ لِذلِكَ. وَإِذِ ارْتَفَعَ بِيَمِينِ اللهِ، وَأَخَذَ مَوْعِدَ الرُّوحِ الْقُدُسِ مِنَ الآبِ، سَكَبَ هذَا الَّذِي أَنْتُمُ الآنَ تُبْصِرُونَهُ وَتَسْمَعُونَهُ. ... فَلْيَعْلَمْ يَقِينًا جَمِيعُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ أَنَّ اللهَ جَعَلَ يَسُوعَ هذَا، الَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمْ، رَبًّا وَمَسِيحًا". أنْتُمْ صَلَبْتُموهُ، وَلَكِنَّ اللهَ أَقامَهُ. فَقَدْ أَقامَهُ اللهُ تَتْميمًا لِمَا جَاءَ في سِفْرِ المَزامير (وَلا سِيَّما في المَزْمورِ السَّادِس عَشَر). وَقَدْ رَفَّعَهُ اللهُ وَجَعَلَهُ رَبًّا وَمَسيحًا. وَهُوَ بَاكُورَةُ جَميعِ الَّذينَ قَامُوا مِنَ الأمْواتِ. وَهَذا يَعْني أنَّهُ السَّبَبُ في قِيامَةِ الآخَرينَ جَميعًا. وَقَدْ صَارَتْ هَذِهِ هِيَ الفِكْرَةُ الرَّئيسيَّةُ وَالدَّائِمَةُ لِجَميعِ عِظاتِ الرُّسُل. فَفي الأصْحاحِ الرَّابِعِ، امْتَلأَ بُطْرُسُ مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ وَقالَ (في العَدَدِ الثَّامِنِ): "يَا رُؤَسَاءَ الشَّعْبِ وَشُيُوخَ إِسْرَائِيلَ ..." – العَدَد 10: "فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا عِنْدَ جَمِيعِكُمْ وَجَمِيعِ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ، أَنَّهُ بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ، الَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمُ، الَّذِي أَقَامَهُ اللهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، بِذَاكَ وَقَفَ هذَا أَمَامَكُمْ صَحِيحًا" (مُشيرًا إلى الرَّجُلِ الَّذي نَالَ الشِّفاء). أَنْتُمْ قَتَلْتُموهُ، وَلَكِنَّ اللهَ أَقامَهُ.

وَيَسْتَمِرُّ الأمْرُ عَلى هَذا المِنْوال. مَعَ أنِّي لَنْ أَتَمَكَّنَ مِنْ سَرْدِ جَميعِ الأمْثِلَةٍ عَلى ذَلِكَ مِنْ سِفْرِ أعْمالِ الرُّسُلِ، أَوَدُّ أنْ أذْكُرَ مَثَلَيْنِ عَلى الأقَلّ. فَنَحْنُ نَقْرَأُ في سِفْرِ أعمالِ الرُّسُل 10: 38 عَنِ الأُمَم: "يَسُوعُ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ كَيْفَ مَسَحَهُ اللهُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَالْقُوَّةِ، الَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ، لأَنَّ اللهَ كَانَ مَعَهُ. وَنَحْنُ شُهُودٌ بِكُلِّ مَا فَعَلَ فِي كُورَةِ الْيَهُودِيَّةِ وَفِي أُورُشَلِيمَ. الَّذِي أَيْضًا قَتَلُوهُ مُعَلِّقِينَ إِيَّاهُ عَلَى خَشَبَةٍ". ثُمَّ يُتابِعُ قَائِلًا: "هذَا أَقَامَهُ اللهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَأَعْطَى أَنْ يَصِيرَ ظَاهِرًا، لَيْسَ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ، بَلْ لِشُهُودٍ سَبَقَ اللهُ فَانْتَخَبَهُمْ. لَنَا نَحْنُ الَّذِينَ أَكَلْنَا وَشَرِبْنَا مَعَهُ بَعْدَ قِيَامَتِهِ مِنَ الأَمْوَاتِ. وَأَوْصَانَا أَنْ نَكْرِزَ لِلشَّعْبِ، وَنَشْهَدَ بِأَنَّ هذَا هُوَ الْمُعَيَّنُ مِنَ اللهِ دَيَّانًا لِلأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ". وَيُمْكِنُكُمْ أنْ تَقْرَأُوا في الأصْحاح 13 عِظَةً رَسُولِيَّةً أُخرى عَنْ قِيامَةِ يَسوعَ المَسيح. وَنَجِدُ أنَّ القِيامَةَ هِيَ الفِكْرَةُ الرَّئيسيَّةُ في جَميعِ الرَّسائِل. فَالأصْحاحُ السَّادِسُ مِنْ رِسَالَةِ رُومية يَتَحَدَّثُ عَنْ أنَّ خَلاصَنا يَتَحَقَّقُ مِنْ خِلالِ اتِّحادِنا بالمَسيحِ في مَوْتِهِ وَقِيامَتِهِ. وَالأصْحاحُ الرَّابِعُ مِنْ رِسالَةِ كورِنثوسَ الثَّانِيَة يَتَحَدَّثُ عَنْ حَقيقَةِ أنَّ قِيامَةَ المَسيحِ تَصُحُّ عَلَيْنا لأنَّهُ مِنْ خِلالِ تِلْكَ القِيامَةِ فَإنَّنا نَخْتَبِرُ القِيامَة. وَهُناكَ أفَسُس 1، وَكُولوسي 2، وَرِسالَة بُطْرُس الأولى 1. فَقَدْ صَارَتِ القِيامَةُ الفِكْرَةَ الرّئيسيَّةَ للوَعْظِ الرَّسُولِيِّ وَكِتاباتِ الرُّسُل. وَقَدْ صَارَتْ حَقيقَةُ القيامَةِ وَقُوَّتُها ظَاهِرَتَيْنِ بِوُضُوحٍ في بَقِيَّةِ العَهْدِ الجَديدِ وَتُهَيْمِنانِ عَلَيْه.

وَكمَا ذَكَرْتُ، فَإنَّ كُتَّابَ الأناجيلِ الأرْبَعَةِ جَميعًا يَتَحَدَّثونَ عَنِ القِيامَة. وَهُمْ يُدَوِّنونَ حَقيقَتَها وَفَاعِلِيَّتَها المُدْهِشَتَيْن. وَنَحْنُ نَتَذَكَّرُ، وَنُرَنِّمُ، وَنَسْمَعُ مَنْ يُرَنِّمونَ أنَّ مَوْتَ المَسيحِ حَدَثَ نَتيجَةَ انْسِكابِ غَضَبِ اللهِ عَلَيْهِ بَدَلًا مِنَّا. فَقَدْ كَانَتِ قِيامَتُهُ هِبَةً مَجَّانِيَّةً مِنَ اللهِ لَنا نَتيجَةَ مَا فَعَلَهُ المَسيحُ لأجْلِنا. لِذَلِكَ فَإنَّنا نَنْتَفِعُ بِمَوْتِهِ لأنَّهُ حَمَلَ خَطايانا، وَنَنْتَفِعُ بِقِيامَتِهِ لأنَّنا نَحْيا فيه.

وَإذْ نَأتي إلى الأصْحاحِ الأخيرِ مِنْ إنْجيلِ لُوقا، نَرَى أنَّ القِيامَةَ هِيَ مَوْضُوعُ الأصْحاحِ بِمُجْمَلِه لأنَّ هَذا هُوَ القَصْدُ الوَاضِحُ لِتَجَسُّدِهِ، وَلأنَّ هَذا هُوَ سَبَبُ مَجيئِهِ: أنْ يَغْلِبَ المَوْتَ لأجْلِنا لأنَّ "أُجْرَةَ الخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ". وَلَكِنْ إنْ دُفِعَتْ أُجْرَةُ الخَطِيَّةِ، لا مُبَرِّرَ للخَوْفِ مِنَ المَوْت. وَقَدْ دَفَعَ يَسوعُ أُجْرَةَ المَوْتِ عَنَّا بَالكَامِلِ. لِذَلِكَ، لَمْ تَعُدْ هُناكَ شَوْكَةٌ للمَوْتِ. فالمَوْتُ هُوَ، بِبَساطَةٍ، بَوَّابَةٌ تُدْخِلَنا إلى المَجْدِ الأبَدِيِّ. وَكَما قُلْتُ، فَإنَّ القِصَّةَ الَّتي يَذْكُرُها لُوقا لا تُزَوِّدُنا بِكُلِّ التَّفاصيل. فَهِيَ لا تُكَرِّرُ بَعْضَ أشياءٍ وَرَدَتْ في إنْجيلِ مَتَّى وَمَرْقُس وَيُوحَنَّا. وَلَكِنَّهُ يَذْكُرُ حَقائِقَ لَمْ يَذْكُرْها هَؤلاء. وَسَوْفَ نَتَأمَّلُ في جَميعِ هَذِهِ الأحْداث.

لَقَدْ كانَ لُوقا يَعْلَمُ أكْثَرَ مِمَّا كَتَب. حَسَنًا؟ فَأنا عَلى يَقينٍ بِأنَّهُ كانَ يَعْلَمُ القِصَّةَ كَامِلَةً. وَلِكِنَّ كُلَّ كَاتِبٍ مِنْ كُتَّابِ الأناجيلِ كَتَبَ بِوَحْيٍ مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ بِطَريقَتِهِ الخَاصَّةِ، كُلٌّ حَسَبَ فِكْرِهِ وَقَصْدِهِ. وَنَحْنُ عَلى يَقينٍ أنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ مَا هُوَ أكْثَر مِنْ ذَلِكَ لأنَّهُ كَتَبَ سِفْرَ أعْمالِ الرُّسُلِ. وَهُوَ يَبْتَدِئُ سِفْرَ أعْمالِ الرُّسُلِ هَكَذا: العَدَد الأوَّل: "اَلْكَلاَمُ الأَوَّلُ أَنْشَأْتُهُ يَا ثَاوُفِيلُسُ، عَنْ جَمِيعِ مَا ابْتَدَأَ يَسُوعُ يَفْعَلُهُ وَيُعَلِّمُ بِهِ، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي ارْتَفَعَ فِيهِ، بَعْدَ مَا أَوْصَى بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الرُّسُلَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ. اَلَّذِينَ أَرَاهُمْ أَيْضًا نَفْسَهُ حَيًّا بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ، بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ، وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَيَتَكَلَّمُ عَنِ الأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ". فَقَدْ كانَ يَمْتَلِكُ العَديدَ مِنَ البَراهينِ الدَّامِغَةِ. وَكانَ يَعْلَمُ الكَثير مِنْ ظُهوراتِ المَسيح. وَكانَ يَعْلَمُ عَنِ الأرْبَعينَ يَوْمًا الَّتي صَرَفَها المَسيحُ في تَعْليمِ خَاصَّتِهِ (بَعْدَ قِيامَتِهِ). وَلَكِنَّهُ يَكْتَفي بِإعْطائِنا لَمَحاتٍ فَقَط. وَنَحْنُ نَعْلَمُ أيْضًا أنَّهُ كَانُ مُرافِقًا للرَّسولِ بُولُس. لِذَلِكَ، لا شَكَّ أنَّهُ كانَ يَعْرِفُ مَا يَعْرِفُهُ بُولُس. وَقَدْ كانَ بُولُسُ يَعْلَمُ أُمورًا كَثيرَةً لَمْ يَذْكُرْها لُوقا. فَمَثَلًا، كانَ يَعْلَمُ أنَّ يَسوعَ ظَهَرَ لِبُطْرُس (انظُر 1كورنثوس 15: 5)، وَأنَّهُ ظَهَرَ لِيَعْقوب (العَدَد 7). لِذَلِكَ، كانَ لُوقا يَعْرِفُ أكْثَرَ مِمَّا كَتَب، وَلَكِنَّهُ كَتَبَ مَا أَوْحى بِهِ إليهِ رُوحُ اللهِ أنْ يَكْتُب، مُسْتَخْدِمًا أفْكارَهُ الَّتي تَنْسَجِمُ انْسِجامًا مُذْهِلًا مَعَ كُتَّابِ الأناجيلِ الأُخرى.

وَنَحْنُ لا نَجِدُ أيَّ تَناقُضاتٍ هُنا. وَلا نَجِدُ أيَّ اخْتِلافٍ في الرِّوايات. كَذَلِكَ، لا يُوْجَدُ أيُّ تَلاعُبٍ بالمَعلومات. وَلا نَجِدُ أيَّ جُهْدٍ مُفْتَعَلٍ لِجَعْلِ كُلِّ شَيْءٍ يَبْدو مُتَوَافِقًا. بِعِبارَةٍ أُخرى، لا نَجِدُ هُنا أيَّ مُحاوَلَةٍ مَقْصُودَةٍ لِجَعْلِ القِصَّةِ مُتوافِقَةً مَعَ مَا قَالَهُ الآخَرون. وَلا يُوْجَدُ دَليلٌ عَلى أنَّهُمْ، كَما يَدَّعي فَريقٌ مِنَ النُّقَّادِ، كَانُوا يَنْسَخونَ مِنْ مَصْدَرٍ وَاحِدٍ. فَهُمْ يَكْتُبونَ بِطَريقَةٍ عَفوِيَّةٍ جِدًّا، وَرَائِعَةٍ جِدًّا، وَشَخْصِيَّةٍ جِدًّا، وَأَصيلَةٍ جِدًّا، دُوْنَ أيِّ مُحاوَلَةٍ لِتَقْليدِ الكُتَّابِ الآخَرين. وَهَذا يَدْحَضُ وُجودَ أيِّ مُحاوَلَةٍ لِكِتابَةِ شَيْءٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ مُسَبقًا. وَإنْ كَانَ هَذا هُوَ مَا حَاوَلُوا أنْ يَفْعَلوه، مِنَ الوَاضِحِ أنَّهُمْ قَدْ أَخْفَقُوا. وَلَكِنَّ مَا كَتَبوهُ يَنْسَجِمُ مَعًا بِطَريقَةٍ بَديعَةٍ دُوْنَ تَكَلُّفٍ أوْ عَناء.

وَالآنْ، هُناكَ أُمورٌ يُطْلِعُنا عَلَيْها كُتَّابُ الأناجيلِ الأرْبَعَة. أوَّلًا، أنَّ يَسوعَ كَانَ قَدْ مَاتَ حَقًّا؛ وَهِيَ حَقيقَةٌ مُهِمَّةٌ جِدًّا. ثانِيًا، أنَّهُ في صَباحِ يَوْمِ الأحَد، في اليَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ وَضْعِهِ في القَبْرِ، كَانَ القَبْرُ فَارِغًا – وَهِيَ حَقيقَةُ أُخرى مُهِمَّة يُطْلِعُونا عَليها جَميعُهُم. وَهُمْ جَميعًا يُخْبِرونَا أنَّ المَلائِكَةَ بَيَّنَتْ مَا حَدَث. وَهُمْ جَميعًا يَقولونَ لَنا إنَّ أوَّلَ شُهودِ عِيانٍ عَلى قِيامَةِ المَسيحِ هُنَّ النِّسْوَة. وَهُمْ جَميعًا يُخْبِرونَا أنَّ الرُّسُلَ وَالتَّلاميذَ (مِنَ الرِّجالِ تَحْديدًا) لَمْ يُصَدِّقُوا شَهادَةَ النِّساءِ. لِذَلِكَ بالرَّغْمِ مِنِ اخْتِلافِ التَّفاصيلِ الَّتي يُوْرِدُها كُلُّ كَاتِبٍ مِنْ هَؤلاءِ، فَإنَّ مَا كَتَبوهُ هُوَ الحَقيقَةُ الخَالِصَةُ. فَقَدْ مَاتَ يَسوعُ، وَكانَ القَبْرُ فَارِغًا في يَوْمِ الأحَدِ، وَقَدْ فَسَّرَتِ المَلائِكَةُ مَا حَدَثَ، وَكانَتِ النِّسْوَةُ أوَّلَ شُهودِ عِيانٍ، وَالرِّجالُ لَمْ يُصَدِّقُوا. فَهَذِهِ هِيَ السِّماتُ الرَّئيسيَّةُ الحَاسِمَةُ الَّتي تُؤكِّدُ صِحَّةَ القِيامَة. لِذَلِكَ فَقَدْ تَمَّ تَكْرارُها أرْبَعَ مَرَّاتٍ. وَهَذِهِ اللَّائِحَةُ الصَّغيرَةُ الَّتي ذَكَرْتُها لَكُمْ للتَّوِّ هِيَ المُخَطَّطُ الَّذي سَنَسْتَخْدِمُهُ اليَوْمَ وفي العِظَةِ القَادِمَة.

وَبالمُناسَبَة، فَإنَّ لُوقا لا يَذْكُرُ أَمْرًا وَاحِدًا. بَلْ إنَّهُمْ جَميعًا لا يَذْكُرونَهُ. فَالأناجيلُ الأرْبَعَةُ لا تَذْكُرُ نُقْطَةً وَاحِدَةً. مَا هِيَ؟ الطَّريقَةُ الَّتي حَدَثَتْ فيها القِيامَة. لِذَلِكَ، إذا كُنْتُمْ تَبْحَثونَ عَنْ ذَلِكَ لَنْ تَجِدوه. فَلا تُوْجَدُ آيَةٌ وَاحِدَةٌ في إنْجيلِ مَتَّى أوْ مَرْقُس أوْ لُوقا أوْ يُوحَنَّا تَشْرَحُ كَيْفَ حَدَثَتِ القِيامَة. فَلا يُوْجَدُ وَصْفٌ لَها لأنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ هُناك. فَلَمْ يَرَ أَحَدٌ أيَّ شَيْءٍ. فَمَعَ أنَّ حُدوثَها وَاضِحٌ كُلَّ الوُضوحٍ، فَإنَّ الطَّريقَةَ الَّتي حَدَثَتْ بِها لا يُمْكِنُ تَفْسيرُها وَلا يَعْلَمُها أَحَدٌ سِوى الله.

وَبَعْدَ هَذِهِ النَّظْرَةِ العَامَّةِ، لِنَبْتَدِئ بالتَّأمُّلِ في إنْجيل لُوقا وَالنَّظَرِ إلى مَا تَقولُهُ الأناجيلُ الثَّلاثَةُ الأُخرى. وَالحَقيقَةُ هِيَ أنَّهُ يَنْبَغي لَكُمْ أنْ تَحْتَمِلُوني، يا أحِبَّائي، لأنَّ هَذِهِ العَمَلِيَّةَ سَتُساعِدُكُمْ في فَهْمِ تَسَلْسُلِ الأحْداثِ. وَهَذا يَتَطَلَّبُ مِنْكُمْ أنْ تُحافِظُوا عَلى تَرْكيزِكُم. حَسَنًا؟ فَقَدْ يَكونُ الأمْرُ صَعْبًا عَلَيْكُمْ. وَلَكِنْ لِنَعْمَلْ عَلى تَقْسيمِ النَّصَّ إلى هَذِهِ الأجْزاءِ المُهِمَّةِ الَّتي ذَكَرْتُها. وَالآنْ، لَقَدْ تَحَدَّثْنا عَنْ حَقيقَةِ أنَّ يَسوعَ كانَ مَيِّتًا. أليسَ كَذَلِك؟ فَنَحْنُ نَعْلَمُ ذَلِك. لِذَلِكَ فإنَّ الجُنودَ لَمْ يَكْسِرُوا سَاقَيْهِ. وَلَكِنَّ أَحَدَهُمْ طَعَنَهُ بِحَرْبَةٍ في جَنْبِهِ فَخَرَجَ دَمٌ وَماءٌ. وَهَذا يَعْني أنَّ قَلْبَهُ قَدْ أُصِيْبَ فَتَدَفَّقَ مِنْهُ الدَّمُ إلى الخَارِج مُخْتَلِطًا بالسَّائِلِ اللِّمْفاوِيِّ المُحيطِ بِوِعاءِ القَلْبِ. وَهَذا مُؤشِّرٌ قَوِيٌّ جِدًّا على أنَّهُ كانَ مَيِّتًا حَقًّا. وَقَدْ أُنْزِلَ جَسَدُهُ عَنِ الصَّليبِ، وَوُضِعَ في القَبْرِ، وَتَمَّ لَفُّهُ بالأكْفانِ. فَقَدْ كَانُوا يَتَعامَلونَ مَعَ شَخْصٍ يَعْلَمونَ أنَّهُ مَيِّتٌ حَقًّا.

وَلَكِنْ عِنْدَما نَأتي إلى القِيامَةِ، هُناكَ أرْبَعُ حَقائِقَ جَوْهَرِيَّة يَتَناوَلُها كُتَّابُ الأناجيلِ الأرْبَعَة: الحَقيقَةُ الأولى هِيَ القَبْرُ الفَارِغ. لِنَقْرَأِ العَدَدَ الأوَّل: "ثُمَّ فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ، أَوَّلَ الْفَجْرِ، أَتَيْنَ إِلَى الْقَبْرِ حَامِلاَتٍ الْحَنُوطَ الَّذِي أَعْدَدْنَهُ، ... فَوَجَدْنَ الْحَجَرَ مُدَحْرَجًا عَنِ الْقَبْرِ، فَدَخَلْنَ وَلَمْ يَجِدْنَ جَسَدَ الرَّبِّ يَسُوعَ". وَمِنَ الوَاضِحِ أنَّ لُوقا يَشْهَدُ أنَّ القَبْرَ كَانَ فَارِغًا. فَقَدْ دُحْرِجَ الحَجَرُ. وَقَدْ دَخَلَتْ مَجموعَةٌ مِنَ النِّساءِ وَرَأيْنَ ذَلِك. وَهُنَّ شُهودُ عِيانٍ على حَقيقَةِ القَبْرِ الفَارِغ.

وَبالمُناسَبَة، فَإنَّهُ اليَوْمُ الأوَّلُ في الأسبوعِ (أيْ: يَوْمُ الأحَد). وَهَذا يَتَّفِقُ تَمامًا مَعَ النُّبوءَةِ الَّتي تَنَبَّأَ بِها يَسوعُ بأنَّهُ سَيَبْقى في القَبْرِ ثَلاثَةَ أيَّامٍ. فَقَدْ أَلْقُوا القَبْضَ عَلَيْهِ يَوْمَ الجُمُعَة. وَقَدْ كانَ في القَبْرِ يَوْمَ السَّبْتِ. وَقَدْ بَقِيَ هُناكَ جُزْءًا كَبيرًا مِنْ يَوْمِ الأحَدِ لأنَّ يَوْمَ الأحَدِ يَبْتَدِئُ في السَّاعَةِ السَّادِسَةِ مِنْ مَساءِ اليَوْمِ السَّابِقِ. لِذَلِكَ فَقَدْ تَمَّمَ النُّبوءَةَ. وَقَدْ تَحَدَّثْنا عَنْ هُذِهِ النُّبوءَةِ في الحَلْقَةِ السَّابِقَةِ (اسْتِنادًا إلى مَا جَاءَ في إنْجيل مَتَّى، الأصْحاح 12 وَالعَدَد 40). وَنَقْرَأُ هُنا عِبارَة: "في أَوَّلِ الأُسْبوع". وَبالمُناسَبَة، لَمْ يَكُنْ لَدَيْهِمْ آنَذاك أسْماء للأيَّام. فَهُمْ لَمْ يَكونُوا يَعْرِفونَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَالثَّلاثاءِ وَالأرِبْعِاءِ وَالخَميس. بَلْ كَانُوا يَعْرِفونَ الأرْقامَ فَقَط. وَكانَ كُلُّ شَيْءٍ يُحْسَبُ بالارْتِباطِ بالسَّبْتِ اليَهودِيِّ. لِذَلِكَ فَقَدْ كانَتِ العِبارَةُ "في أوَّلِ الأسْبوعِ" تُشيرُ إلى اليَوْمِ الأوَّلِ الَّذي يَلي يَوْمَ الرَّاحَةِ (أيْ: إلى يَوْمِ الأحَد). وَقَدْ كانَ قَدْ مَضَى عَلى وُجودِ يَسوعَ في القَبْرِ ثَلاثَة أيَّامٍ. وَبالمُناسَبَة، كانَ الوَقْتُ فَجْرًا أوْ قَبْلَ الفَجْرِ بِقَليل صَباحَ يَوْمِ الأحَد. وَلَكِنَّ يَوْمَ الأحَدِ كَانَ يَبْتِدِئُ مِنْ غُروبِ شَمْسِ اليَوْمِ السَّابِق. لِذَلِكَ، رُبَّما كَانَ قَدْ مَضَى عَلى ابْتِداءِ يَوْمِ الأحَدِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَاعَة.

وَهَذا هُوَ اليَوْمُ الَّذي تَمَّ التَّنَبُّؤُ عَنْهُ. وَهُوَ اليومُ الَّذي صَارَ اليَوْمَ الأوَّلَ للعِبادَةِ بالنِّسْبَةِ إلى الكَنيسَة. لِذَلِكَ، فَإنَّ يَوْمَ السَّبْتِ الَّذي كانَ فيهِ يَسوعُ في القَبْرِ هُوَ آخِرُ سَبْتٍ يَهودِيٍّ رَسْمِيًّا. لِذَلِكَ، فَإنَّ كُتَّابَ العَهْدِ الجَديدِ يَقولونَ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّهُ لا يَلْزَمُ المُؤمِنينَ أنْ يَتَقَيَّدُوا بِالسَّبْتِ اليَهودِيِّ. فَشَريعَةُ السَّبْتِ اليَهودِيِّ لَمْ تَعُدْ قَائِمَةً. وَجَميعُ شَرائِعِ الأطْعِمَةِ وَالأشْرِبَةِ في العَهْدِ القَديمِ لَمْ تَعُدْ قَائِمَةً. وَكَذَلِكَ الحَالُ فيما يَخْتَصُّ بِشَرائِعِ السَّبْتِ. وَإذا صَادَفْتُمْ أُناسًا مَا يَزالونَ يَرْغَبونَ في مُراعاةِ هَذا اليَوْم، لا تَجْعَلوهُمْ يَشْعُرونَ بِتَبْكيتِ الضَّميرِ، بَلْ رَاعُوا مَشاعِرَهُمْ عَالِمينَ أنَّهُمْ يَفْعَلونَ ذَلِكَ بِحُكْمِ العَادَةِ في حِفْظِ السَّبْتِ، وامْنِحوهُمْ وَقْتًا لِكَيْ يَفْهَمُوا السَّبَبَ في عَدَمِ ضَرورَةِ ذَلِكَ لأنَّهُ لَمْ يَعُدْ ضَرورِيًّا بالحَقيقَة. فَلَمْ يَعُدْ هُناكَ سُبوتٌ. فَبولُسُ يَقولُ لأهْلِ كُولوسي: "لاَ يَحْكُمْ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ ... مِنْ جِهَةِ عِيدٍ أَوْ هِلاَلٍ أوْ سَبْتٍ". وَقَدْ كانَ ذَلِكَ السَّبْتُ آخِرَ سَبْتٍ يَهودِيٍّ بالمَعْنى الرَّسْمِيِّ وَالحَرْفِيِّ. وَمِنْ لَحْظَةِ القِيامَةِ تِلْكَ فَصَاعِدًا، صَارَ يَوْمُ الأحَدِ هُوَ يَوْمُ الرَّبِّ (رُؤيا 1: 10). وَنَقْرَأُ في سِفْرِ أعْمالِ الرُّسُل 20: 7 أنَّ الكَنيسَةَ كانَتْ تَجْتَمِعُ "فِي أَوَّلِ الأُسْبُوع". وَنَقْرَأُ في رِسالَةِ كُورِنثوسَ الأولى 16: 2: "فِي كُلِّ أَوَّلِ أُسْبُوعٍ، لِيَضَعْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عِنْدَهُ، خَازِنًا مَا تَيَسَّرَ".

لِذَلِكَ فإنَّ اليومَ الَّذي قَالَ الرَّبُّ إنَّهُ سَيَقومُ فيهِ (أيِ اليَوْمَ الثَّالِثَ) هُوَ اليَوْمُ الأوَّلُ في الأسْبوعِ. وَقَدْ صَارَ أَوَّلُ الأسْبوعِ يَوْمَ عِبادَةٍ بالنِّسْبَةِ إلى الكَنيسَة. وَما زِلْتُ أَعْتَقِدُ أنَّ هُناكَ شَيئًا رَائِعًا بِهَذا الشَّأن. فَفي رَأيي أنَّ يَوْمَ الرَّبِّ (أيْ يَوْمَ الأحَدِ) هُوَ يَوْمٌ رَائِعٌ جِدًّا حَتَّى إنَّنا مُسْتَمِرُّونَ حَتَّى الآنَ في الاحْتِفالِ وَالعِبادَةِ شَهادَةً عَلى قِيامَتِهِ في ذَلِكَ اليَوْم. وَأنا أُحِبُّ فِكْرَةَ أنْ نُخَصِّصَ اليَوْمَ كُلَّهُ لَهُ. وَأنا أُحِبُّ فِكْرَةَ أنْ نَجْتَمِعَ للعِبادَةِ صَباحَ الأَحَدِ وَمَساءَ الأحَد. فَهُوَ يَوْمُ الرَّبِّ. وَأنا لَسْتُ مِنَ المُشَجِّعينَ على فِكْرَةِ أنْ نُخَصِّصَ سَاعَةً وَاحِدَةً لِعِبادَةِ اللهِ في عُجالَةٍ مَساءَ يَوْمِ السَّبْتِ لِكَيْ نَتَفَرَّغَ للقِيامِ بِما نَشاء في يَوْمِ الرَّبِّ.

"ثُمَّ فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ، أَوَّلَ الْفَجْرِ، أَتَيْنَ إِلَى الْقَبْرِ". وَلَكِن لِماذا أَتَيْنَ؟ هَلْ تَذْكُرونَ كَيْفَ انْتَهى الأصْحاح (أيِ الأصْحاح 23)؟ لَقَدْ جِئْنَ مَعَهُ. فَقَدْ تَبِعْنَهُ هَؤلاءِ النِّسْوَة مِنَ الجَليل. وَلَعَلَّكُمْ تَذْكُرونَ أنَّهُنَّ تَبِعْنَ يُوسُفَ (الَّذي مِنَ الرَّامَةِ) وَنيقوديموسَ (الَّذي ظَهَرَ فَجْأةً). فَقَدْ تَبِعْناهُما إلى القَبْرِ. وَقَدْ كُنَّ مَا يَزَلْنَ جَميعًا تَحْتَ الصَّدْمَةِ. فَقَدْ عِشْنَ الحَدَثَ الأكْثَرَ غَرابَةً وَتَرْويعًا في حَياتِهِنَّ. فالشَّخْصُ الَّذي وَضَعُوا ثِقَتَهُمْ فيهِ (أيِ الرَّبُّ يَسوعُ)، تَمَّ اعْتِقالُهُ، وَتَعْذيبُهُ، وَصَلْبُهُ. وَهُوَ مَيِّتٌ. وَها هُما هَذانِ الرَّجُلانِ يَضَعانِ بَعْضَ الأطْيابِ عَلى جَسَدِهِ، بَلْ كَمِيَّةً كَبيرَةً مِنَ الأطْيابِ الَّتي اشْتَراها نيقوديموسُ لِتَطْييبِ جَسَدِهِ. وَها هُمَا يَضَعانِهِ في القَبْر. وَكانَتِ النِّسْوَةُ مَا يَزَلْنَ تَحْتَ تَأثيرِ الصَّدْمَة. لِذَلِكَ فَإنَّهُنَّ لَمْ يُسَاعِدْنَ في شَيْءٍ، بَلِ اكْتَفَيْنَ بالمُشاهَدَة وَالمُراقَبَة. وَلَكِنَّهُنَّ عَقَدْنَ العَزْمَ عَلى الاشْتِراكِ في الأمْر. لِذَلِكَ فَإنَّنا نَقْرَأُ في العَدَد 56 أنَّهُ بَعْدَ أنْ شَاهَدْنَ جَسَدَهُ يُوْضَعُ في قَبْرِ يُوسُف، رَجَعْنَ وَأَعْدَدْنَ حَنُوطًا وَأَطْيَابًا.

لِذَلِكَ فَقَدْ رَجَعْنَ إلى البَيْتِ مَساءَ يَوْمِ الجُمُعَة قَبْلَ ابْتِداءِ السَّبْتِ. وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِمَقْدورِهِنَّ أنْ يَرْجِعْنَ إلى القَبْرِ بِسَبَبِ إكْرامِهِنَّ للسَّبْتِ. فَنَحْنُ نَقْرَأُ: "وَفِي السَّبْتِ اسْتَرَحْنَ حَسَبَ الْوَصِيَّةِ". وَهَذا يَعني أنَّهُنَّ حَفِظْنَ ذَلِكَ السَّبْتَ الأخير. وَلَكِنَّهُنَّ كُنَّ قَدِ ابْتَدَأنَ قَبْلَ السَّبْتِ بإعْدادِ الحَنوطِ وَالأطْياب. وَالآنْ، أَتَيْنَ حَامِلاتٍ الحَنُوطَ وَالأطياب. فَنَحْنُ نَقْرَأُ في العَدَدِ الأوَّل: "ثُمَّ فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ، أَوَّلَ الْفَجْرِ، أَتَيْنَ إِلَى الْقَبْرِ حَامِلاَتٍ الْحَنُوطَ الَّذِي أَعْدَدْنَهُ". وَفي رَأيي، رُبَّما تُشيرُ العِبارَةَ "أوَّلَ الفَجْرِ" (بِلُغَتِنا الدَّارِجَةِ) إلى بُزوغِ الفَجْرِ. وَالآنْ، سَنَبْتَدِئُ في وَضْعِ الأجْزاءِ مَعًا. فَمَرْقُسُ يَقولُ إنَّ الشَّمْسَ كانَتْ قَدْ طَلَعَتْ. وَمَتَّى يَقولُ إنَّهُنَّ جِئْنَ عِنْدَ الفَجْرِ. وَيُوحَنَّا يَقولُ إنَّ الظَّلامَ كَانَ مَا يَزالُ بَاقِيًا. وَأَعْتَقِدُ أنَّ الأمْرَ يَتَوَقَّفُ على طَريقَةِ المَرْءِ في التَّعبير. فَقَدْ تَقولُ: "عِنْدَ بُزوغِ الفَجْرِ". وَقَدْ تَقولُ "عِنْدَ شُروقِ الشَّمْسِ". وَلَكِنْ مِنْ جِهَةٍ أُخرى، يُمْكِنُكَ أنْ تَقولَ أيْضًا إنَّ الظَّلامَ مَا زَالَ باقِيًا لأنَّ الشَّمْسَ لَمْ تُشْرِقْ تَمامًا بَعْد. وَلَكِنَّ المُلاحَظَةَ المُدْهِشَةَ في رَأيي هِيَ أنَّكَ عِنْدَما تَنْظُرُ إلى كُلِّ مَا كُتِبَ، تَرى بِوُضُوحٍ أنَّهُمْ جَميعًا يُدْرِكونَ أنَّ الوَقْتَ كَانَ فَجْرًا.

وَهُنا تَرَوْنَ السَّبَبَ الأوَّلَ الَّذي بَيَّنْتُهُ لَكُمْ، وَهُوَ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُناكَ أيُّ اتِّفاقٍ مُسَبَّقٍ بَيْنَ كُتَّابِ الأناجيل. وَلَمْ يَكُنْ هُناكَ أيُّ خُبْثٍ أوْ دَهاء. وَهُمْ لَمْ يَقْتَبِسُوا عَنْ مَرْجِعٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يَجْتَهِدُوا لِتَوْحيدِ أقْوالِهِمْ بِدِقَّة. بَلْ هِيَ طَريقَةُ كُلٍّ مِنْهُمْ في النَّظرِ إلى الأمْر. فَرُبَّما كانَتِ الشَّمْسُ قَدْ أَشْرَقَتْ على الصَّحْراءِ الشَّرْقِيَّةِ حَتَّى إنَّ المَرْءَ يُدْرِكُ شُروقَها قَبْلَ أنْ يَراها فِعْلِيًّا. وَلَكِنْ مَا لَمْ تَعْلو الشَّمْسُ فَوْقَ جَبَلِ الزَّيْتونِ إلى الشَّرْقِ مِنْ أُورُشَليم، فَإنَّ كُلَّ شَيْءٍ وَراءَ جَبَلِ الزَّيْتونِ (أيْ إلى الغَرْبِ مِنْ جَبَلِ الزَّيْتونِ) يَكونُ مُعْتِمًا. لِذَلِكَ، قَدْ يَقولُ شَخْصٌ إنَّ الظَّلامَ بَاقٍ. وَقَدْ يَقولُ آخَرُ إنَّ الشَّمْسَ قَدْ أَشْرَقَت. بِعِبارَةٍ أُخرى، قَدْ يُشيرُ شَخْصٌ إلى بُزوغِ الفَجْرِ. وَقَدْ يَقولُ شَخْصٌ آخَرُ إنَّ الظَّلامَ كَانَ مُخَيِّمًا. وَبَعْدَ ظُهورِ الشَّمْسِ أخيرًا فَوْقَ قِمَّةِ جَبَلِ الزَّيْتونِ، تَصيرُ كُلُّ أورُشَليمَ نَهارًا.

وَلَكِنَّ شَيئًا آخَرَ كانَ يَحْدُثُ آنَذاك. وَالحَقيقَةِ هِيَ أنَّ يُوحَنَّا يَذْكُرُ أَمْرًا مُحَدَّدًا ومُدْهِشًا في رأيي. فَأنْتُمْ تَذْكُرونَ أنَّ يُوحَنَّا قالَ إنَّ الظَّلامَ كَانَ بَاقِيًا. فَقَدْ أَشَارَ الجَميعُ إلى شُروقِ الشَّمْسِ، أوْ إلى بُزوغِها، أوْ إلى أوَّلِ الفَجْرِ. وَلَكِنَّ يُوحَنَّا يَقولُ إنَّ الظَّلامَ كَانَ بَاقِيًا. وَهُوَ يُعَبِّرُ عَنْ ذَلِكَ بالطَّريقَةِ التَّاليةِ في الأصْحاح 20 مِنْ إنْجيل يُوحَنَّا (فَلْنَقْرَأ بِسُرْعَة مَا كَتَبَهُ): "وَفِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ جَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ إِلَى الْقَبْرِ بَاكِرًا، وَالظَّلاَمُ بَاق. فَنَظَرَتِ الْحَجَرَ مَرْفُوعًا عَنِ الْقَبْرِ. فَرَكَضَتْ وَجَاءَتْ إِلَى سِمْعَانَ بُطْرُسَ وَإِلَى التِّلْمِيذِ الآخَرِ الَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ، وَقَالَتْ لَهُمَا: «أَخَذُوا السَّيِّدَ مِنَ الْقَبْرِ، وَلَسْنَا نَعْلَمُ أَيْنَ وَضَعُوهُ!» فَخَرَجَ بُطْرُسُ وَالتِّلْمِيذُ الآخَرُ (أيْ: يُوحَنَّا) وَأَتَيَا إِلَى الْقَبْرِ". وَالآنْ، لِماذا قَرَأتُ هَذِهِ الآيات؟ لأنِّي أُريدُكُم أنْ تُلاحِظُوا أنَّ النَّصَّ يَتَحَدَّثُ عَنِ امْرَأةٍ واحِدَة. فَالكَلامُ هُنا هُوَ عَنْ خِبْرَةٍ شَخْصِيَّةٍ مُنْفَرِدَة. فَقَدْ جَاءَتْ مَرْيَمُ المَجْدَلِيَّةُ باكِرًا وَالظَّلامُ مَا زَالَ بَاقِيًا. وَقَدْ رَأتِ الحَجَرَ مَرْفُوعًا عَنِ القَبْرِ، وَلَكِنَّها لَمْ تَدْخُلْ. فَقَدْ نَظَرَتِ الحَجَرَ مَرْفوعًا عَنِ القَبْرِ فاسْتَنْتَجَتْ أنَّ شَخْصًا مَا قَدْ أَخَذَ جَسَدَ يَسوع. وَدُوْنَ أنْ تَدْخُلَ للتَّحَقُّقِ مِنَ الأمْرِ، رَكَضَتْ وَجاءَتْ إلى بُطْرُسَ بِمُفْرَدِها. الحَديثُ هُنا هُوَ عَنْ مَرْيَمَ فَقَط. فَهِيَ لَيْسَتْ مَعَ نِساءٍ أُخْرَياتٍ، وَلا مَعَ أيِّ شَخْصٍ. وَلَكِنَّها تَقولُ هُنا إنَّ أَحَدًا قَدْ أَخَذَ الجَسَدَ وَأنَّهُنَّ لَسْنَ يَعْلَمْنَ أيْنَ وَضَعوه. وَبَعْدَ أنْ سَمِعَ بُطْرُسُ وَيُوحَنَّا ذَلِكَ، أَتَيا إلى القَبْرِ الَّذي كانَ يَبْعُدُ نَحْوَ ثَلاثَةِ كيلومِترات. فَمِنَ المُرَجَّحِ أنَّهُما كانا في بَيْت عَنْيَا.

لِذَلِكَ فَإنَّ المَعْنى المَقْصُودَ هُوَ الآتي: يَقولُ مَتَّى إنَّ مَرْيَمَ المَجْدَلِيَّةَ لَمْ تَأتِ وَحْدَها، بَلْ يَقولُ إنَّها جَاءَتْ مَعَ "مَرْيَمَ الأخرى" (أيْ مَعَ مَرْيَمَ أُمّ يَعْقوب وَيُوسِي)؛ وَهِيَ تُعْرَفُ أيْضًا بِزَوْجَة كِلُوبَا أوْ مَرْيَم الأُخرى. لِذَلِكَ، كانَتْ هاتانِ المَرأتانِ (مَرْيَم المَجْدَلِيَّة، وَمَرْيَم أُمّ يَعْقوب وَيُوسِي [الَّتي تُعْرَفُ أيْضًا بِزَوْجَة كِلُوبَا]) قَدْ جَاءَتا مَعًا عِنْدَ الفَجْرِ. وَمِنَ المُرَجَّحِ أنَّ مَرْيَمَ المَجدليَّةَ هِيَ أصْغَرُ امْرَأةٍ في النِّساءِ المَذْكورات. فَهُناكَ نِساءٌ أُخْرَيات، أليسَ كَذَلِك؟ فَنَحْنُ نَقْرَأُ في العَدَدِ الأوَّلِ مِنْ إنْجيل لوقا 24 أنَّهُنَّ جِئْنَ إلى القَبْرِ. وَمَنْ هُنَّ؟ لِنَرْجِعْ إلى العَدَد 55: "وَتَبِعَتْهُ نِسَاءٌ كُنَّ قَدْ أَتَيْنَ مَعَهُ مِنَ الْجَلِيلِ". وَهَذِهِ مَجموعَةٌ كَبيرَةٌ مِنَ النِّساء. لِذَلِكَ فإنَّ لُوقا لا يَذْكُرُ مَرْيَمَ المَجْدَلِيَّةَ في مَقْطَعِهِ الافْتِتاحِيِّ، مَعَ أنَّهُ سَيَذْكُرُ مَرْيَمَ المَجْدَلِيَّةَ بَعْدَ قَليل – في العَدَدِ العَاشِر.

وَإليكُمْ مَا حَدَثَ عَلى الأرْجَح. لَقَدْ ذَهَبَتِ النِّساءُ جَميعًا لِوَضْعِ الأطْيابِ عَلى جَسَدِ يَسوع. وَقَدْ كانَتْ مَرْيَمُ المَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ الأخرى (أُمُّ يَعْقوب) في المُقَدِّمَة. فَقَدْ أَسْرَعَتا الخُطَى أكْثَرَ مِنَ البَقِيَّةِ الأكْبَرِ سِنًّا. وَقَدْ كُنَّ يَتَلَمَّسْنَ طَريقَهُنَّ في الظَّلامِ أوَّلَ الأمْرِ. وَكانَتْ مَرْيَمُ المَجْدَلِيَّة وَمَرْيَمُ الأُخرى قَدْ وَصَلَتا مَعًا إلى القَبْرِ. مَتَّى 28: 1: "جَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ الأُخْرَى لِتَنْظُرَا الْقَبْرَ". فَقَدْ وَصَلَتا قَبْلَ النِّساءِ الأُخْرَيات. وَلَكِنَّ يُوحَنَّا يَقولُ إنَّ مَرْيَمَ الْمَجْدَلِيَّةَ جَاءَتْ إلى القَبْر. وَهَذا يَعْني أنَّها سَبَقَتْ مَرْيَمَ الأُخرى. وَقَدْ وَصَلَتْ إليهِ وَحْدَها بِحَسَبِ رِوايَةِ يُوحَنَّا. وَكانَ الظَّلامُ مَا يزَالَ مُخَيِّمًا آنَذاك، وَلَكِنْ عِنْدَما اقْتَرَبَتْ مِنَ القَبْرِ، كانَ هُناكَ، عَلى مَا يَبْدو، مَا يَكْفي مِنَ النُّورِ لِتُدْرِكَ أنَّ الحَجَرَ لَيْسَ في مَكانِهِ. لِذَلِكَ فَقَدْ رَكَضَتْ في الاتِّجاهِ المُعاكِسِ. فَقَدْ وَصَلَتْ وَالظَّلامُ بَاقٍ، وَلَكِنَّها تَمَكَّنَتْ مِنْ رُؤيَةِ أنَّ الحَجَرَ لَيْسَ في مَكانِهِ. وَقَدْ كانَتْ أوَّلَ مَنْ وَصَلَ إلى هُناك. فَقَدْ كانَتْ رَفيقَتُها مَرْيَم مَا تَزالُ في الطَّريق. وَرُبَّما كانَتِ النِّساءُ الأُخْرَياتُ يَسِرْنَ وَراءَها في الظَّلامِ بِبُطْءٍ أكْبَر.

وَيَقولُ يُوحَنَّا إنَّ مَرْيَمَ المَجْدَلِيَّةَ رَأتِ الحَجَرَ مَرْفوعًا عَنِ القَبْرِ فَرَكَضَتْ حَالًا دُوْنَ أنْ تَدْخُل (نَتيجَةَ الصَّدْمَة). وَمِنَ المُرَجَّحِ أنَّها لَمْ تَرْجِعْ مِنَ الطَّريقِ نَفْسِهِ الَّذي جاءَتْ مِنْهُ النِّساءُ الأُخْرَيات. لِذَلِكَ فإنَّنا لا نَقْرَأُ أنَّها الْتَقَتْهُنَّ. فَقَدْ رَكَضَتْ مُباشَرَةً وَجاءَتْ إلى بُطْرُسَ وَيُوَحَنَّا وَالرُّسُل. وَقَدْ أَخْبَرَتْهُمْ أنَّ جَسَدَ يَسوعَ قَدْ سُرِق. وَهَذا افْتِراضٌ لَمْ تَتَحَقَّقْ مِنْ صِحَّتِه. وَمِنْ تِلْكَ اللَّحْظَةِ فَصاعِدًا، عِنْدَما يَقولُ يُوحَنَّا إنَّ الوَقْتَ كانَ ظَلامًا، فإنَّهُ كانَ حَقًّا أَظْلَمُ جُزْءٍ مِنْ أيِّ شَيءٍ اختَبَرَتْهُ هَؤلاءِ النِّسْوَةِ في حَياتِهِنَّ لأنَّها كانَتْ أوَّلَ مَنْ وَصَلَ إلى هُناك. وَحِيْنَ وَصَلَتِ الأُخْرَياتُ تِباعًا، كانَ الفَجْرُ قَدْ لاحَ. لذَلِكَ فإنَّ كُتَّابَ الأناجيلِ الأُخرى يَقولونَ مَا قالَهُ لُوقا في أنَّهُ عِنْدَ وُصُولِ بَقِيَّةِ المَجموعَةِ، كانَ الوَقْتُ "أَوَّلَ الْفَجْرِ" أوْ إنَّ الشَّمْسَ كانَتْ قَدْ "طَلَعَت".

لِذَلِكَ فَإنَّ التَّوقيتَ رَائِعٌ، وَهُوَ يُبَيِّنُ صِدْقَ الكِتابِ المُقَدَّسِ. فَقَدْ كانَتْ مَرْيَمُ أوَّلَ الوَاصِلاتِ إلى هُناك. ثُمَّ جاءَتِ بَقِيَّةُ النِّسْوَةِ (العَدَد 1) إلى القَبْرِ حَامِلاَتٍ الْحَنُوطَ الَّذِي أَعْدَدْنَهُ. وَقَدْ وَجَدْنَ الشَّيءَ نَفْسَهُ الَّذي وَجَدَتْهُ مَرْيَم. فَقَدْ رَأَتْ مَا رَأَتْ وَرَكَضَتْ إلى بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا. وَقَدْ وَجَدْنَ الحَجَرَ مُدَحْرَجًا عَنِ القَبْرِ. وَكانَ المَنْظَرُ صَادِمًا وَصَاعِقًا لأنَّهُنَّ، في الواقِع، كُنَّ يُناقِشْنَ الأمْرَ في الطَّريقِ (بِحَسَبِ مَا جَاءَ في مَرْقُس 16). فَلْنَقْرَأ مَا دَوَّنَهُ مَرْقُسُ: "وَبَاكِرًا جِدًّا فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ أَتَيْنَ إِلَى الْقَبْرِ إِذْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ. وَكُنَّ يَقُلْنَ فِيمَا بَيْنَهُنَّ: «مَنْ يُدَحْرِجُ لَنَا الْحَجَرَ عَنْ بَابِ الْقَبْرِ؟»". وَلَعَلَّكُمْ تَذْكُرونَ الآنَ أنَّهُنَّ جِئْنَ يَوْمَ الجُمُعَة عَصْرًا عِنْدَما وُضِعَ يَسوعُ في القَبْرِ وَقَامَ يُوسُفُ وَنيقوديموس بِدَحْرَجَةِ حَجَرٍ كَبيرٍ عَلى بَابِ القَبْرِ. فَقَدْ كُنَّ يَعْلَمْنَ أنَّ الحَجَرَ هُناكَ فَتَساءَلْنَ قائِلات: "مَنْ يُدَحْرِجُ لَنَا الْحَجَرَ عَنْ بَابِ الْقَبْرِ؟" "فَتَطَلَّعْنَ وَرَأَيْنَ أَنَّ الْحَجَرَ قَدْ دُحْرِجَ! لأَنَّهُ كَانَ عَظِيمًا جِدًّا". لِذَلِكَ، كانَ هَذا النِّقاشُ قَدْ دَارَ بَيْنَهُنَّ في الطَّريق: "هَا نَحْنُ ذَاهِبات إلى القَبْرِ حَامِلات كُلَّ الأطْيابِ الَّتي أَعْدَدْنَاها يَوْمَ السَّبْتِ. فَسَوْفَ نَقومُ بِدَوْرِنا في إظْهارِ الحُبِّ للرَّبِّ بِوَضْعِ مَزيدٍ مِنَ الأطْيابِ عَلَيْه. وَلَكِنْ مَنْ يُدَحْرِجُ لَنا الحَجَر؟"

لَقَدْ تَذَكَّرْنَ أنَّ الحَجَر قَدْ دُحْرِجَ لإغْلاقِ بَابِ القَبْرِ. فَنَحْنُ نَقرأُ في إنْجيل مَرقُس 15: 46 أنَّهُ "دَحْرَجَ حَجَرًا عَلَى بَابِ الْقَبْرِ" (وَالحَديثُ هُنا عَنْ يُوسُفَ الَّذي مِنَ الرَّامَة). وَلَمْ تَكُنْ لَدى النِّساءِ أَدْنى فِكْرَة عَنْ كَيْفِيَّةِ دَحْرَجَةِ الحَجَرِ عَنْ بَابِ القَبْرِ.

فَضْلًا عَنْ ذَلِكَ، لَمْ تَعْلَمْ هَؤلاءِ النِّسْوَة أنَّ شَيئًا آخَرَ قَدْ حَدَث. فَفي الغَدِ الَّذي بَعْدَ الاسْتِعْداد (مَتَّى 27: 62): "اجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ إِلَى بِيلاَطُسَ قَائِلِينَ: «يَا سَيِّدُ، قَدْ تَذَكَّرْنَا أَنَّ ذلِكَ الْمُضِلَّ قَالَ وَهُوَ حَيٌّ: إِنِّي بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَقُومُ. فَمُرْ بِضَبْطِ الْقَبْرِ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ، لِئَلاَّ يَأتِيَ تَلاَمِيذُهُ لَيْلاً وَيَسْرِقُوهُ، وَيَقُولُوا لِلشَّعْبِ: إِنَّهُ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ، فَتَكُونَ الضَّلاَلَةُ الأَخِيرَةُ أَشَرَّ مِنَ الأُولَى!» فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «عِنْدَكُمْ حُرَّاسٌ. اِذْهَبُوا وَاضْبُطُوهُ كَمَا تَعْلَمُونَ». فَمَضَوْا وَضَبَطُوا الْقَبْرَ بِالْحُرَّاسِ وَخَتَمُوا الْحَجَرَ".

وَلَمْ تَكُنِ النِّسْوَةُ يَعْلَمْنَ أنَّ ذَلِكَ قَدْ حَدَثَ في السَّبْتِ. فَفي السَّبْتِ، خَافَ اليَهودُ أنْ يُقْدِمَ التَّلاميذُ عَلى سَرِقَةِ جَسَدِ يَسوعَ لِتَلْفيقِ قِصَّةٍ عَنْ قِيامَتِهِ. فَطَلَبوا مِنْ بيلاطُسَ حُرَّاسًا. وَقَدْ حَصَلُوا على الحُرَّاسِ وَقَامُوا بِخَتْمِ القَبْرِ بِالخاتَمِ الرُّومانِيِّ الرَّسْمِيِّ الَّذي لا يَجوزُ لأيِّ أَحَدٍ أنْ يَكْسِرَهُ. وَقَدْ تَمَّ وَضْعُ حُرَّاسٍ رُومانِيِّينَ أمامَ بابِ القَبْرِ. وَلَكِنَّ النِّسْوَةَ لَمْ يَعْلَمْنَ بِحُدوثِ ذَلِك. فَقَدْ كُنَّ ذَاهِباتٍ ظَنًّا مِنْهُنَّ أنَّ العَقَبَةَ الوَحيدَةَ أَمامَهُنَّ هِيَ الحَجَر. وَهَذا يَعْني أنَّهُنَّ لَمْ يَعْلَمْنَ شَيْئًا عَنِ الحُرَّاس. وَعِنْدَما وَصَلْنَ إلى هُناك، لَمْ يَكُنْ هُناكَ حُرَّاسٌ – وَهذاَ أمْرٌ مُدْهِشٌ! فَنَحْنُ لا نَقْرَأُ في أيٍّ مِنَ الأناجيلِ الأرْبَعَةِ أنَّ النِّسْوَةَ قابَلْنَ حُرَّاسًا رُومانِيِّين. وَقَدْ يَقولُ قَائِلٌ: "حَسَنًا، وَلَكِنْ أيْنَ ذَهَبُوا؟" للإجابَةِ عَنْ هَذا السُّؤالِ، عَلَيْنا أنْ نَرْجِعَ إلى مَتَّى 28. مَتَّى 28 وَالعَدَد 2. فَما حَدَثَ يُوْمَ السَّبْتِ هُوَ أنَّهُمْ وَضَعُوا حُرَّاسًا. أمَّا مَا حَدَثَ في السَّاعاتِ البَاكِرَةِ المُظْلِمَةِ لِيَوْمِ الأحَدِ (العَدَد 2) فَهُوَ الآتي: "وَإِذَا زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ حَدَثَتْ". وَهَذِهِ هِيَ الزَّلْزَلَةُ الثَّانِيَة. فَقَدْ حَدَثَتْ زَلْزَلَةٌ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَكانَتْ قَوِيَّةً حَتَّى إنَّها شَقَّتِ الصُّخورَ وَفَتَحَتِ القُبور. "وَإِذَا زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ حَدَثَتْ، لأَنَّ مَلاَكَ الرَّبِّ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ وَجَاءَ وَدَحْرَجَ الْحَجَرَ عَنِ الْبَابِ، وَجَلَسَ عَلَيْهِ. وَكَانَ مَنْظَرُهُ كَالْبَرْقِ، وَلِبَاسُهُ أَبْيَضَ كَالثَّلْجِ. فَمِنْ خَوْفِهِ ارْتَعَدَ الْحُرَّاسُ وَصَارُوا كَأَمْوَاتٍ".

لِذَلِكَ، كانَتْ هُناكَ أُمورٌ مُدْهِشَةٌ قَدْ حَدَثَتْ في غِيابِ هَؤلاءِ النِّسْوَة. فَقَدْ تَمَّ وَضْعُ الحُرَّاسِ في السَّبْتِ. وَفي صَباحِ يَوْمِ الأحَدِ نَزَلَ مَلاكٌ مِنَ السَّماءِ وَحَدَثَتْ زَلْزَلَةٌ عَظيمَةٌ. وَقَدْ دَحْرَجَ المَلاكُ الحَجَرَ عَنِ البَابِ فَارْتَعَدَ الحُرَّاسُ وَدَخَلُوا في غَيْبوبَة. وبالمُناسَبَة، فإنَّ المَلاكَ لَمْ يُدَحْرِجِ الحَجَرَ عَنِ البَابِ لِكَيْ يَتَمَكَّنَ يَسوعُ مِنَ الخُروجِ، بَلْ إنَّهُ دَحْرَجَ الحَجَرَ عَنِ البَابِ لِكَيْ يَتَمَكَّنَ النَّاسُ مِنَ الدُّخول. فَقَدْ كَانَ بِمَقْدورِ يَسوعَ أنْ يَخْتَرِقَ الجُدْران. وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ لاحِقًا، أليسَ كَذَلِك؟ فَقَدْ كانَتِ الأبْوابُ مُغَلَّقَةً عِنْدَما ظَهَرَ للرُّسُل.

وَالآنْ، مَا الَّذي حَدَث؟ سَأُخْبِرُكُمْ مَبْدَئِيًّا أنَّ الأمْرَ وَاضِحٌ. فَفي الوَقْتِ الَّذي وَصَلَتْ فيهِ النِّساءُ إلى المَكان، لَمْ يَكُنْ هُناكَ حُرَّاسٌ. فَلَوْ كانَ هُناكَ حُرَّاسٌ لَقَرَأنا عَنْهُم لأنَّهُ لا بُدَّ أنَّ حَديثًا دَارَ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَهُمْ. فَمِنَ المُؤكَّدِ أنَّهُنُّ سَيَسْألْنَ الحُرَّاسَ: "مَا الَّذي حَدَث؟" وَمِنَ المَنْطِقِيِّ أنْ نَفْتَرِضَ أنَّهُ في سَاعاتِ الفَجْرِ المُظْلِمَةِ لِذَلِكَ الأحَدِ، عِنْدَما حَدَثَتِ الزَّلْزَلَة وَدَخَلَ الحُرَّاسُ في غَيْبوبَة، مِنَ المُؤكَّدِ أنَّهُمْ أَفاقُوا مِنْ غَيْبوبَتِهِمْ أخيرًا وَأدْرَكُوا مَا حَدَث. فَقَدْ دُحْرِجَ الحَجَر. وَقَدْ رَأَوْا المَلاكَ وَشَعَروُا بِتِلْكَ الزَّلْزَلَةِ القَوِيَّةِ العَظيمَة. وَقَدْ أَدْرَكُوا أنَّ جَسَدَ يَسوعَ لَيْسَ في القَبْرِ. وَهَذا يَعْني أنَّهُمْ أَخْفَقُوا في مَهَمَّتِهِمْ. وَقَدْ كانُوا يَعْلَمونَ عَواقِبَ ذَلِك. وَلَكِنَّهُمْ كانُوا يُدْرِكونَ أنَّ شَيْئًا قَوِيًّا، بَلْ خَارِقًا للطَّبيعَةِ، قَدْ حَدَثَ. لِذَلِكَ فَقَدْ رَجَعُوا إلى المَدينَة.

فَحَالَما أَفاقُوا مِنْ غَيْبوبَتِهِمْ، لَمْ يَجِدُوا سَبَبًا للبَقاءِ هُناكَ لأنَّ يَسوعَ كَانَ قَدِ اخْتَفى. وَلا شَكَّ أنَّهُمْ دَخَلُوا إلى القَبْرِ تَحْتَ جُنْحِ الظَّلامِ فَوَجَدُوا أنَّهُ لَيْسَ هُناكَ. لِذَلِكَ، كانَ يَنْبَغي لَهُمْ أنْ يُواجِهُوا الحَقيقَةَ وَأنْ يَذْهَبوا إلى رُؤساءِ اليَهودِ لِشَرْحِ مَا حَدَثَ لَهُمْ. وَفي الوَقْتِ الَّذي وَصَلَتْ فيهِ النِّسْوَةُ إلى القَبْرِ، كانَ الحُرَّاسُ قَدْ مَضَوْا. فَقَدْ ذَهَبُوا.

سَوْفَ نَرْجِعْ إلى الجُنودِ بَعْدَ قَليلٍ لِنَرى التَّقريرَ الَّذي قَدَّمُوه. وَلَكِنْ لِنَرْجِعِ الآنَ إلى القَبْر. فَقَدْ وَصَلَتْ مَرْيَمُ المَجْدَلِيَّةُ إلى القَبْرِ وَلَمْ تَدْخُلْهُ. نَظَرَتِ الحَجَرَ مَرْفوعًا فاسْتَنْتَجَتْ أنَّ أشْخاصًا قَدْ سَرَقُوا جَسَدَ يَسوع. وَرَكَضَتْ وَأخْبَرَتْ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا. وَلَكِنَّهُما لَمْ يُصَدِّقَا كَلامَها. فقَرَّرا أنْ يَتَحَقَّقا مِنَ الأمْرِ بِنَفْسَيْهِما. لِذَلِكَ فَقَدْ رَكَضَا إلى القَبْرِ.

وَبالمُناسَبَة، فإنَّ مَرْيَمَ المَجْدَلِيَّة لَمْ تُفَكِّرْ لَحْظَةً وَاحِدَةً في القِيامَة وَلَمْ يَخْطُرِ الأمْرُ بِبَالِها. بَلْ إنَّها اسْتَنْتَجَتْ أنَّ هُناكَ مَنْ سَرَقَ جَسَدَ يَسوع. فَفِكْرَةُ القِيامَةِ لَمْ تَخْطُرْ بِبَالِها. وَيُتابِعُ يُوحَنَّا القِصَّةَ. وَإنْ تَتَبَّعْنا قِصَّةَ يُوحَنَّا نَقْرَأُ أنَّ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا رَكَضَا إلى القَبْرِ. وَلَمَّا كانَ يُوَحَنَّا أصْغَرَ سِنًّا، كَما تَذْكُرون، فَقَدْ رَكَضَ بِسُرْعَةٍ أكْبَر وَوَصَلَ إلى هُناكَ أوَّلًا. ومَا الَّذي كَانا يَفْعَلاه؟ لَقَدْ كانَا يَرْكُضانِ للتَّحَقُّقِ مِنْ قِصَّةِ مَرْيَمَ المَجْدَلِيَّة بِأنَّ هُناكَ مَنْ سَرَقَ جَسَدَ يَسوع. لِذَلِكَ، في الفَجْرِ، كانَتِ النِّسْوَةُ في طَريقِهِنَّ إلى القَبْرِ. وَكانَ الرَّجُلانِ على بُعْدِ نَحْوِ ثَلاثَةِ كيلومِتراتٍ مِنَ المَكان.

لذَلِكَ، لِنَرْجِعْ إلى القَبْرِ وَنَرى مَا حَدَثَ مَعَ النِّسْوَة. العَدَد 3: "فَدَخَلْنَ وَلَمْ يَجِدْنَ جَسَدَ الرَّبِّ يَسُوعَ". فَخِلافًا لِمَرْيَمَ المَجْدَلِيَّة المُنْدَفِعَة الَّتي اسْتَنْتَجَتْ مَا اسْتَنْتَجَتْ دُوْنَ أنْ تَدْخُلَ إلى القَبْرِ، فَإنَّ هَؤلاءِ النِّسْوَة دَخَلْنَ إلى القَبْرِ. وَقَدْ كانَ الافْتِراضُ المَنْطِقِيُّ يَقولُ إنَّ مَرْيَمَ المَجْدَلِيَّةَ عَلى حَقّ. فَقَدْ قَامَ أُناسٌ بِسَرِقَةِ الجَسَدِ لأنَّ الأمْواتَ لا يُغادِرونَ مَكانَهُمْ. فالأمْواتُ لا يَقومونَ وَلا يَخْرُجونَ مِنَ القُبور. لِذَلِكَ، لا بُدَّ أنَّ أَحَدًا قَدْ سَرَقَ جَسَدَهُ. لِذَلِكَ، كانَ اسْتِنْتاجُها مَنْطِقِيًّا جِدًّا. وَلَكِنَّنا نَجِدُ هُنا مُلاحَظَةً صَغيرَةً جَميلَةً يَذْكُرُها لُوقا (وَهِيَ مُلاحَظَةٌ أُحِبُّها): "فَدَخَلْنَ وَلَمْ يَجِدْنَ جَسَدَ الرَّبِّ يَسُوعَ". لَقَدْ كانَ بِمَقدورِهِ أنْ يَقولَ: "جَسَدَ يَسوع". وَلَكِنَّ هَذِهِ العِبارَة (أيِ: "الرَّبَّ يَسوعَ") لَمْ تُسْتَخْدَمْ كَلَقَبٍ عِنْدَ الحَديثِ عَنْ مَوْتِ يَسوعَ وَدَفْنِهِ. وَلَكِنَّها اسْتُخْدِمَتْ لَقَبًا لَهُ بَعْدَ قِيامَتِهِ. فَقَدْ أَقامَهُ اللهُ مِنَ الأمْواتِ وَأَعْلَنَهُ رَبًّا. والحَقيقَةُ هِيَ أنَّ هَذا هُوَ مَا قَالَهُ بُطْرُسُ تَمامًا في يَوْمِ الخَمْسين: "فَلْيَعْلَمْ يَقِينًا جَمِيعُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ أَنَّ اللهَ جَعَلَ يَسُوعَ هذَا، الَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمْ، رَبًّا وَمَسِيحًا". فَهُوَ الآنَ رَبٌّ. "لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ (أيِ: "الرَّبّ") لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ".

وَما الَّذي يَنْبَغي أنْ نَسْتَخْلِصَهُ مِنْ هَذا؟ أنَّ القَبْرَ فَارِغٌ. أنَّ القَبْرَ فَارِغٌ. فَقَدْ كانَ الحُرَّاسُ يَعْلَمونَ أنَّ القَبْرَ فَارِغٌ. لِذَلِكَ فَقَدْ غَادَرُوا المَكانَ. فَلَوْ أنَّ الجَسَدَ كانَ مَا يَزالُ هُناكَ لِبَقَوْا يَحْرُسونَهُ. وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَكونوا هُناك. فَهُمْ لَيْسُوا في ذَلِكَ المَكان. وَهُمْ لَمْ يلْتَقُوا النِّسْوَةَ قَطّ. كَذَلِكَ فإنَّ النِّسْوَةَ لَمْ يَرَوْهُمْ قَطّ. فَقَدْ كانُوا قَدْ غَادَرُوا المَكانَ. لِماذا؟ لأنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُناكَ أَحَدٌ. وَمِنَ الوَاضِحِ أنَّ النِّسْوَةَ نَظَرْنَ فَلَمْ يَجِدْنَ أَحَدًا هُناك. وَهَذا مُدْهِشٌ لأنَّهُ وُضِعَ في الدَّاخِلِ وَتَمَّ إغْلاقُ البَابِ وَخَتْمُه، وَكانَ هُناكَ حُرَّاسٌ يَحْرُسونَ القَبْرَ. لِذلكَ لَمْ يَكُنْ بإمْكانِ أيِّ شَخْصٍ أنْ يَأتي وَيَأخُذَ الجَسَد. وَمَعَ ذَلِكَ فإنَّهُ لَيْسَ هُناك. وَمِنَ الوَاضِحِ أنَّ أَتْباعَ يَسوعَ لَمْ يَسْرِقُوا جَسَدَهُ لأنَّهُمُ افْتَرَضُوا أنَّ أُناسًا آخَرينَ قَدْ سَرَقوه. وَهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَتَوَقَّعونَ القِيامَة.

إنَّ أَحَدًا لَمْ يُشاهِدْ حَقًّا مَا حَدَثَ لِجَسَدِ يَسوع. فالحُرَّاسُ لَمْ يُشاهِدُوا ذَلِك. فَقَدْ أَصَابَتْهُمْ غَيْبوبَةٌ إلَهِيَّةٌ بِسَبَبِ ظُهورِ المَلاِكِ وحُدوثِ الزَّلْزَلَة. وَلَمْ يَكُنْ أتْباعُ يَسوعَ قَدْ أَتَوْا وَسَرَقُوا الجَسَدَ. وَهُمْ يَعْلَمونَ ذَلِك. فَقَدْ كانَ الجُنودُ يَعْلَمونَ ذَلِك وَيَعْلَمونَ أنَّ شَيْئًا عَجيبًا جِدًّا وَخَارِقًا جِدًّا قَدْ حَدَث.

لِذَلِكَ، لِنَقْرَأ مَا قَالوه. لِنَرْجِعْ إلى مَتَّى 28. فَقَدْ ذَهَبوا أخيرًا إلى قَادَةِ اليَهودِ وَحاوَلُوا أنْ يُفَسِّروا مَا حَدَث. العَدَد 11: "وَفِيمَا هُمَا ذَاهِبَتَانِ إِذَا قَوْمٌ مِنَ الْحُرَّاسِ جَاءُوا إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَخْبَرُوا رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ بِكُلِّ مَا كَانَ". وَما الَّذي قَالوهُ تَحْديدًا؟ لَقَدْ سَرَدُوا كُلَّ مَا حَدَثَ. وَلَكِنْ مَا الَّذي قَالوه؟ "أيُّها السَّادَة، لَقَدْ حَدَثَتْ زَلْزَلَةٌ عَظيمَةٌ حَقًّا، ثُمَّ ظَهَرَ مَلاكٌ مَنْظَرُهُ كَالْبَرْقِ وَلِبَاسُهُ أَبْيَضَ كَالثَّلْجِ دَحْرَجَ الحَجَرَ. ثُمَّ دَخَلْنا في غَيْبوبَةٍ. وَعِنْدَما أَفَقْنا مِنْ غَيْبوبَتِنا، كانَ الجَسَدُ قَدِ اخْتَفى". كانَ هَذا هُوَ مَا قَالوهُ لأنَّ هَذا هُوَ مَا حَدَث. العَدَد 12: "فَاجْتَمَعُوا مَعَ الشُّيُوخِ، وَتَشَاوَرُوا، وَأَعْطَوُا الْعَسْكَرَ فِضَّةً كَثِيرَةً". حَقًّا؟ هَلْ تُكافِئوهُمْ عَلى ذَلِك؟ وَقَدْ قَالُوا لَهُمْ: "قُولُوا إِنَّ تَلاَمِيذَهُ أَتَوْا لَيْلاً وَسَرَقُوهُ وَنَحْنُ نِيَامٌ". وَمِنَ المُرَجَّحِ أنَّهُمْ لَنْ يَقولوا ذَلِكَ لأنَّ الجُنْدِيَّ الرُّومانِيَّ الَّذي كانَ يَنامُ في نَوْبَةِ حِراسَتِهِ كانَ يَخْضَعُ لِمُحَاكَمَةٍ عَسْكَرِيَّةٍ وَقَدْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بالإعْدام. وَلَكِنْ يَجِبْ عَلَيْكُمْ أنْ تَكْذِبُوا. وَإِذَا سُمِعَ ذلِكَ عِنْدَ الْوَالِــي (الَّذي كَانَ القائِدَ الأعْلى لِجَميعِ الحُرَّاسِ)، كانُوا يَعْلَمونَ أنَّهُمْ سَيَقعونَ في وَرْطَة. وَلَكِنَّ رُؤساءَ اليَهودِ قَالُوا لَهُمْ: "نَحْنُ نَسْتَعْطِفُهُ وَنَجْعَلُكُمْ مُطْمَئِنِّينَ".

"فَأَخَذُوا الْفِضَّةَ وَفَعَلُوا كَمَا عَلَّمُوهُمْ، فَشَاعَ هذَا الْقَوْلُ عِنْدَ الْيَهُودِ إِلَى هذَا الْيَوْمِ" (أيْ: إلى اليَوْمِ الَّذي كَتَبَ فيهِ مَتَّى هَذا الإنْجيل) بِأنَّ التَّلاميذَ أَتَوْا لَيْلًا وَسَرَقوهُ. وَقَدْ كانَ الحُرَّاسُ الرُّومانيُّونَ يَعْلَمونَ أنَّ هَذا كَذِب، وَلَكِنَّهُمْ قَبِلوا الرَّشْوَة. وَقَدْ كانَ رُؤساءُ اليَهودِ يَعْلَمونَ أنَّ هَذا كَذِب، وَلَكِنَّهُمْ دَفَعُوا الرَّشْوَةَ. فالقَبْرُ كَانَ فَارِغًا. وَلَمْ يَكُنْ هُناكَ تَفْسيرٌ آخَرُ سِوى مَا قَالَهُ الحُرَّاسُ. وَلَكِنَّهُمْ أَخَذُوا رَشْوَةً لِكَيْ لا يَقولوا الحَقيقَة.

وَلَوْ أنَّ يَسوعَ لَمْ يَقُمْ مِنَ الأمْواتِ، لَكانَ مِنَ السَّهْلِ عَلى اليَهودِ أنْ يُبَرْهِنوا ذَلِك مِنْ خِلالِ إحْضَارِ جَسَدِهِ. وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ ذَلِك. لِذَلِكَ فَقَدْ وَرَّطُوا أنْفُسَهُمْ في هَذِهِ السِّلْسِلَةِ اليَائِسَةِ مِنَ الأكاذيبِ بِهَدَفِ إيجادِ تَفْسيرٍ للقَبْرِ الفَارِغ. وَقَدْ خَرَجُوا بِهَذِهِ الكِذْبَةِ الكَبيرَةِ لِطَمْسِ الحَقيقَة. وَلَكِنَّ رُؤساءَ اليَهودِ وَالشَّعْبَ اليَهودِيَّ لَمْ يَتَمَكَّنُوا يَوْمًا مِنْ إنْكارِ أنَّ القَبْرَ كَانَ فَارِغًا. وَلَكِنَّهُمْ خَرَجُوا بِكِذْبَةِ وَهِيَ أنَّ التَّلاميذَ سَرَقُوا جَسَدَ يَسوع، وَهِيَ كِذْبَةٌ يَسْتَحيلُ تَصْديقُها لأنَّ التَّلاميذَ وَالنِّسْوَةَ وَالرِّجالَ لَمْ يَكونُوا يَتَوَقَّعونَ قِيامَةَ يَسوع.

وَمِنَ المُهِمِّ أنْ نَفْهَمَ، يا أحِبَّائي، أنَّ القَبْرَ كَانَ فَارِغًا. فَلا يُوْجَدُ تَفْسيرٌ لذَلِكَ عَلى المُسْتَوى البَشَرِيِّ. وَالتَّفْسيرُ الوَحيدُ هُوَ مَا يَقولُهُ الكِتابُ المُقَدَّسُ: أنَّ مَلاكًا جَاءَ وَدَحْرَجَ الحَجَرَ عَنْ بابِ القَبْرِ، وَأنَّ المَسيحَ الَّذي وَعَدَ أنَّهُ سَيَقومُ قَامَ بالحَقيقَةِ وَخَرَجَ مِنَ القَبْرِ. وَبالمُناسَبَة، فَإنَّ القَبْرَ الفَارِغَ وَحْدَهُ كَانَ كَافِيًا لإقْناعِ يُوحَنَّا. فَقَدْ كانَ الشَّخْصَ الوَحيدَ الَّذي اقْتَنَعَ بِذَلِكَ حَقًّا. فَوَفْقًا لِما جَاءَ في إنْجيل يُوحَنَّا 20: 6-8 فَإنَّ يُوحَنَّا رَأى القَبْرَ الفَارِغَ، وَنَظَرَ الأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً فَآمَنَ. وَلَكِنَّ الآخَرينَ لَمْ يُؤمِنوا.

كانَتِ النِّسْوَةُ مَصْدومَاتٍ. وأوَّلُ شَهادَةٍ مُهِمَّةٍ هِيَ أنَّ القَبْرَ كانَ فَارِغًا. وَالآنْ، هُناكَ مَنْ يَقولُ: "حَسَنًا، لَقَدْ ذَهَبْنَ إلى القَبْرِ الخَاطِئ". لا، لَمْ يَذْهَبْنَ إلى القَبْرِ الخَاطِئ. فَقَدْ كُنَّ يَعْلَمْنَ القَبْرَ الَّذي يَنْبَغي أنْ يَذْهَبْنَ إليهِ لأنَّهُنَّ كُنَّ هُناكَ يَوْمَ الجُمُعَة عَصْرًا. وَقَدْ كُنَّ يَعْرِفْنَ القَبْرَ جَيِّدًا. وَكانَ اليَهودُ يَعْرِفونَ القَبْرَ لأنَّهُ كانَ مَخْتومًا وَمَحْروسًا. وَقَدْ كانَ القَبْرُ فَارِغًا. وَلَمْ يَكُنْ هُناكَ أيُّ احْتِمالٍ في أنْ يَكونَ التَّلاميذُ هُمْ مَنْ سَرَقوا جَسَدَهُ. فَهَلْ مِنْ أَحْمَقٍ يَسْرِقُ جَسَدًا ثُمَّ يَموتُ شَهيدًا مِنْ أجْلِ كِذْبَة؟

أمَّا العُنْصُرُ المُهِمُّ الثَّاني في هَذِهِ القِصَّةِ فَهُوَ المَلاكُ الَّذي جَاءَ يَحْمِلُ رِسَالَةً ... المَلاكُ الَّذي جَاءَ يَحْمِلُ رِسَالَةً (الأعْداد مِنْ 4 إلى 7). فَقَدْ كانَتِ النِّسْوَةُ مَصْدُوماتٍ لأنَّ الجَسَدَ اخْتَفى. وَقَدْ كُنَّ عَلى وَشْكِ الإصَابَةِ بالذُّعْرِ (في العَدَد 4)، وَهَذا هُوَ مَا حَدَث: "وَفِيمَا هُنَّ مُحْتَارَاتٌ فِي ذلِكَ، إِذَا رَجُلاَنِ وَقَفَا بِهِنَّ بِثِيَابٍ بَرَّاقَةٍ (كَمَظْهَرِ المَلاكِ الَّذي جَاءَ في اللَّيْلِ عِنْدَما كَانَ الحُرَّاسُ هُناكَ وَدَحْرَجَ الحَجَر – أَجَلْ، بالهَيْئَةِ البَرَّاقَةِ نَفْسِها). وَإِذْ كُنَّ خَائِفَاتٍ وَمُنَكِّسَاتٍ وُجُوهَهُنَّ إِلَى الأَرْضِ، قَالاَ لَهُنَّ: «لِمَاذَا تَطْلُبْنَ الْحَيَّ بَيْنَ الأَمْوَاتِ؟ لَيْسَ هُوَ ههُنَا، لكِنَّهُ قَامَ! اُذْكُرْنَ كَيْفَ كَلَّمَكُنَّ وَهُوَ بَعْدُ فِي الْجَلِيلِ قَائِلاً: إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسَلَّمَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي أَيْدِي أُنَاسٍ خُطَاةٍ، وَيُصْلَبَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ»". إنَّ الدَّليلَ السَّاطِعَ الأوَّلَ على القِيامَةِ هُوَ القَبْرُ الفَارِغ.

أمَّا الدَّليلُ السَّاطِعُ الثَّاني على القِيامَةِ فَهُوَ الإعْلانُ الإلَهِيُّ. فَقَدْ تَحَيَّرْنَ (في العَدَدِ الرَّابِعِ) لأنَّهُنَّ لَمْ يَعْلَمْنَ مَا كانَ يَجْري. فَقَدْ كانَتِ المِحْنَةُ بِأسْرِها صَعْبَة: المُحاكَمَةُ، والصَّلْبُ. كَانَ كُلُّ مَا جَرى مُفاجِئًا، بَلْ وَغَريبًا جِدًّا. فَبَيْنَما هُنَّ وَاقِفات في وَقْتِ الفَجْرِ، شَاهَدْنَ مَنْظَرًا مُخيفًا جِدًّا لَمْ يُشَاهِدْنَ مِثْلَهُ في حَياتِهِنَّ بِأسْرِها. وَلَيْسَ لَدَيْنا أيُّ سَبَبٍ يَدْفَعُنا إلى الافْتِراضِ بِأنَّ أيًّا مِنْ هَؤلاءِ النِّسْوَةِ قَدْ شَاهَدَتْ مَلاكًا مِنْ قَبْل – باسْتِثْناءِ أُمِّ الرَّبِّ يَسوع. فَفَجْأةً، وَقَفَ رَجُلانِ بِجانِبِهِنَّ بِثِيَابٍ بَرَّاقَةٍ. وَيَصِفُ يُوَحَّنا الرَّجُلانِ بأنَّهُما مَلاكان. وَالمَلائِكَةُ تَظْهَرُ غَالِبًا في هَيْئَةٍ بَشَرِيَّةٍ. وَيَصِفُ مَرْقُسُ أَحَدَهُما بأنَّهُ شَابٌّ. لِذَلِكَ، فَهُما مَلاكانِ، أوْ كَائِنانِ رُوْحِيَّانِ قادِرانِ أنْ يَأخُذا هَيْئَةً بَشَرِيَّةً وَأنْ يَظْهَرَا بِمَظْهَرِ شَابَّيْنِ. وَهَذا شَيْءٌ لَيْسَ مُسْتَغْرَبًا لأنَّ الملائِكَةَ لا تَهْرَمُ.

وَمِنَ الوَاضِحِ أنَّهُما كَانا مَلاكَيْنِ. وَرُبَّما كَانَ السَّبَبُ في ذَلِكَ هُوَ مَا جَاءَ في سِفْرِ التَّثْنِيَة 19: 15 بِأنَّ الأمْرَ يَقومُ على شَهادَةِ شَاهِدَيْنِ عَلى الأقَلّ. وَلَكِنَّ مَتَّى وَمَرْقُسَ يَذْكُرانِ مَلاكًا وَاحِدًا فَقَط. فَمَتَّى وَمَرْقُسُ يَقولانِ إنَّ مَلاكًا تَحَدَّثَ وَإنَّ مَلاكًا قَالَ. فَهُما لا يُشيرانِ إلى مَلاكَيْنِ مَعًا، بَلْ يُشيرانِ فَقَطْ إلى حَقيقَةِ وُجودِ مَلاكَيْنِ - وَلَكِنَّ كُلَّا مِنْهُما تَحَدَّثَ مُنْفَرِدًا. فَقَدْ تَحَدَّثَ كُلٌّ مِنْهُما بِمَعْزِلٍ عَنِ الآخَر. وَأنا عَلى يَقينٍ أنَّهُما تَكَلَّما مِرارًا لأنَّنا نَجِدُ اخْتِلافاتٍ طَفيفَةً في مَا قَالوه. فَمَتَّى وَمَرْقُس وَلُوقا يَذْكُرونَ أَقوالًا للمَلائِكَةِ يَخْتَلِفُ بَعْضُها عَنْ بَعْضٍ قَليلًا؛ وَهُوَ أَمْرٌ قَدْ يُشيرُ (في رَأيي) إلى كَلامٍ خَارِقٍ للطَّبيعَةِ. فَقَدْ كانَ مَا قَالاهُ صَعْبَ التَّصْديقِ بالنِّسْبَةِ إلى النِّسْوَةِ. وَقَدْ كانَ كُلٌّ مِنْهُما يَتَحَدَّثُ بِمُفْرَدِهِ، وَلَيْسَ مَعًا. لِذَلِكَ فإنَّ مَتَّى وَمَرْقُسَ يُطْلِعانا عَلى مَا قَالَهُ كُلُّ مَلاكٍ عَلى حِدَة. وَلَكِنَّنا نَعْلَمُ مِنْ يُوحَنَّا وَلُوقا أنَّهُما كانَا مَلاكَيْنِ.

وَقَدْ كانَتْ تِلْكَ هِيَ المَرَّةُ الأولى الَّتي يَسْتَمِعْنَ فيها إلى المَلائِكَةِ. لِذَلِكَ فَقَدْ كُنَّ يُحاوِلْنَ اسْتيعابَ ما يَجْري. وَنُلاحِظُ هُنا مَرَّةً أُخرى أنَّ الأُمورَ تَجْري بِطَريقَةٍ طَبيعِيَّةٍ بَديعَةٍ دُوْنَ مُحَاوَلَةٍ مُصْطَنَعَةٍ لِرَبْطِ الأُمورِ مَعًا. فَقَدْ قَالُوا الشَّيءَ نَفْسَهُ بِطُرُقٍ مُخْتَلِفَة قَليلًا بَعْضُها عَنْ بَعْضٍ مَرَّاتٍ عَديدَةً دُوْنَ شَكٍّ. فَفي البِدايَة، عِنْدَما رَأتِ النِّسْوَةُ المَلاكانِ (في العَدَد 4)، نَقْرَأُ أنَّهُما وَقَفا بِجانِبِهِنَّ. وَفي وَقْتٍ لاحِقٍ، يَقولُ يُوحَنَّا إنَّهُ عِنْدَما رَجَعَتْ مَرْيَمُ المَجْدَلِيَّةُ لاحِقًا فَإنَّها نَظَرَتْ مَلاكَيْنِ جَالِسَيْنِ. وَلا يُوْجَدُ تَناقُضٌ هُنا. فَالمَشْهَدُ هُنا يَأخُذُ مَسَارًا طَبيعيًّا جِدًّا مَرَّةً أُخرى. فَهُما يَقِفانِ تَارَةً وَيَجْلِسانِ تَارَةً أُخرى حَيْثُ كَانَ جَسَدُ يَسُوعَ مَوْضُوعًا دَاخِلَ القَبْرِ. وَهُما يَلْبَسانِ ثِيابًا بَرَّاقَةً وَيُشْبِهانِ في مَنْظَرِهِما مَنْظَرَ يَسوعَ في حَادِثَةِ التَّجَلِّي. وَهَذا يُذَكِّرُنا بِمَنْظَرِ القِدِّيسينَ البَديعِ في رُؤيا 19 الَّذينَ جَاءُوا بِشَيءٍ مِنْ مَجْدِ السَّماءِ نَفْسِها. وَهَذا يُشيرُ بوضوحٍ إلى أنَّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ كَانَا مَلاكَيْن. فَلا يُوْجَدُ تَفْسيرٌ آخَر. فَهُما لَيْسَا شَابَّيْنِ عَادِيَّيْنِ. وَهُما لَيْسَا مُجَرَّدَ مَلاكَيْنِ يَظْهَرانِ بِمَظْهَرِ إنْسَانَيْنِ يَصْعُبُ تَمْييزُ شَخْصِيَّتِهِما المَلائِكِيَّةِ. بَلْ إنَّهُما مَلاكانِ يَظْهَرانِ بِصُورَةِ رَجُلَيْنَ شَابَّيْنِ، وَلَكِنَّهُما كانَا كَائِنَيْنِ بَرَّاقَيْنِ، وَلامِعَيْنِ، وَسَاطِعَيْنِ، وَمُنِيْرَيْنِ يَظْهَرُ بِوُضوحٍ أنَّهُما جَاءَا مِنَ السَّماءِ. وَقَدْ كانَتِ النَّتيجَةُ مُتَوَقَّعَةً لأنَّ النِّسْوَةَ كُنَّ خَائِفَاتٍ وَمُنَكِّسَاتٍ وُجُوهَهُنَّ إِلَى الأَرْضِ. فَقَدِ كُنَّ خَائِفاتٍ. وَالَكِلَمة المُسْتَخْدَمَة هُنا هِيَ "إيمفوبوس" (emphobos)، وَهِيَ صِيغَةُ التَّوْكيدِ للكَلِمَة "فوبوس" (phobos) الَّتي تَعْني "فوبيا" أو "خَوْف" أوْ "ذُعْر". فَقَدِ ارْتَعَبْنَ.

وَحَتَّى بَعْدَ أنْ قَامَ المَلاكانِ بِتَبْليغِ الرِّسالَةِ، فَإنَّ الرِّعْدَةَ لَمْ تُفارِقهُنَّ تَمامًا إذْ نَقْرَأُ في إنْجيل مَرْقُس 16: 8 أنَّهُنَّ بَعْدَ سَماعِهِنَّ الرِّسالَةَ: "خَرَجْنَ سَرِيعًا وَهَرَبْنَ مِنَ الْقَبْرِ، لأَنَّ الرِّعْدَةَ وَالْحَيْرَةَ أَخَذَتَاهُنَّ. وَلَمْ يَقُلْنَ لأَحَدٍ شَيْئًا لأَنَّهُنَّ كُنَّ خَائِفَاتٍ". وَما أَعْنيهِ هُوَ أنَّ ما اخْتَبَرْنَهُ يُشْبِهُ مَا اخْتَبَرَهُ إشَعْياءُ مِنْ ذُعْرٍ كَما نَقْرَأُ في الأصْحاحِ السَّادِسِ. وَهُوَ يُشْبِهُ مَا اخْتَبَرَهُ حِزْقِيال عِنْدَما دَخَلَ في مَا يُشْبِهُ الغَيْبوبَةَ الرُّوحِيَّةَ عِنْدَما كَانَ في حَضْرَةِ المَلائِكَة. وَهُوَ يُشْبِهُ ما اخْتَبَرَهُ يُوحَنَّا عِنْدَما سَقَطَ كَالمَيِّتِ في رُؤيا 1 لأنَّهُ رَأى الابْنَ المُمَجَّدَ. وَهُوَ يُشْبِهُ مَا حَدَثَ في حَادِثَةِ التَّجَلِّي. لِذَلِكَ فَقَدْ خُفْنَ جِدًّا وَهَرَبْنَ مِنَ القَبْرِ مُتَحَيِّراتٍ.

وَبالمُناسَبَة، عِنْدَما هَرَبْنَ خَارِجاتٍ مِنَ القَبْرِ، ابْتَدَأنَ يَفْهَمْنَ مَا حَدَث. فَنَحْنُ نَقْرَأُ في إنْجيل مَتَّى 28: 8: "فَخَرَجَتَا سَرِيعًا مِنَ الْقَبْرِ بِخَوْفٍ وَفَرَحٍ عَظِيمٍ". فَقَدِ ابْتَدَأْنَ يَفْهَمْنَ مَا جَرى. فالقَبْرُ فَارِغٌ. وَقَدْ تَحَدَّثْنَ للتَّوِّ مَعَ مَلاكَيْنِ. وَعِنْدَما زَالَ الخَوْفُ، حَلَّ الفَرَحُ مَحَلَّهُ وَهُنَّ في طَريقِهِنَّ إلى الرُّسُلِ الَّذينَ كَانُوا حَاضِرِينَ مَا عَدا بُطْرُس وَيُوحَنَّا اللَّذانِ كَانا في الطَّريق. وَما إنْ وَصَلْنَ إلى هُناكَ حَتَّى اَخْبَرْنَ الرُّسُلَ (بانْفِعالٍ شَديدٍ) بِما حَدَثَ. وَلَكِنَّ الأمْرَ كَانَ مُرْعِبًا أوَّلَ الأمْرِ.

لَقَدْ كُنَّ "مُنَكِّسَاتٍ وُجُوهَهُنَّ إِلَى الأَرْضِ" بِفِعْلِ الحُضُورِ الإلَهِيِّ. فَهُوَ تَنْكيسٌ مِنْ هَذا النَّوْع. فَقَدْ أَدْرَكْنَ أنَّهُنَّ يَقِفْنَ في حَضْرَةِ مَلاكَيْنِ. وَقَدْ كانَ المَلائِكَةُ يَقْتَرِنونَ عِنْدَ اليَهودِ بِإعْطاءِ الشَّريعَةِ. أليسَ كَذَلِك؟ فَالنَّاموسُ أُعْطِيَ بِواسِطَةِ المَلائِكَة. وَهَذا أمْرٌ مُهِمٌّ جِدًّا جِدًّا لأنَّ المَلاكَيْنِ تَكَلَّما. وَهَذا، يا أحِبَّائي، إعْلانٌ مِنَ اللهِ وَشَهادَةٌ شَخْصِيَّةٌ مِنَ اللهِ بِواسِطَةِ مَلائِكَتِهِ عَلى حَقيقَةِ القِيامَة. "قَالاَ لَهُنَّ (في العَدَدِ الخَامِسِ): لِمَاذَا تَطْلُبْنَ الْحَيَّ بَيْنَ الأَمْوَاتِ؟ ..." [بِلَهْجَةٍ تَوْبيخِيَّةٍ لَطيفَة] ... "فَهُوَ الحَيُّ، وَهُوَ القِيامَةُ وَالحَياةُ الَّذي قَالَ عنْ نَفْسِهِ: "أَنا هُوَ الطَّريقُ وَالحَقُّ وَالحَياة". وَهُوَ الَّذي نَقْرَأُ عَنْهُ في رُومية 6: 9: "لاَ يَسُودُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ بَعْدُ" لأنَّ المَوْتَ لَمْ يَقْدِرْ أنْ يُدْرِكَهُ. وَهَذا، بالمُنَاسَبَة، أوَّلُ إعْلانٍ بِأنَّ يَسوعَ حَيٌّ. لِماذا تَطْلُبْنَ الحَيَّ؟ الَّذي هُوَ حَيٌّ وَلا يُمْكِنُ أنْ يَموت، وَالَّذي لا يُمْكِنُ للمَوْتِ أنْ يَسودَ عَلَيْهِ. ثُمَّ صَارَ كَلامُ المَلاكَيْنِ مُحَدَّدًا جِدًّا: العَدَد 6: "لَيْسَ هُوَ ههُنَا" لِماذا؟ لأنَّهُ "قَامَ!" أَجَلْ، لَقَدْ قَامَ! "إيجيرثي" (egerthe). لَقَدْ قَامَ! وَهَذا هُوَ التَّفسيرُ الوَحيدُ المَعْقولُ للقَبْرِ الفَارِغ. وَهِيَ الشَّهادَةُ الَّتي شَهِدَ بِها مَلاكَا الله. وَهِيَ شَهادَةٌ مَعْصُومَةٌ وَصَحيحَةٌ ولا يُمْكِنُ دَحْضُها لأنَّها تُؤكِّدُ تَتْميمَ الوَعْدِ. وَقَدْ ذَكَّرَهُنَّ المَلاكانِ بِذَلِكَ قائِلَيْنِ: "اُذْكُرْنَ كَيْفَ كَلَّمَكُنَّ وَهُوَ بَعْدُ فِي الْجَلِيلِ قَائِلاً: إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسَلَّمَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي أَيْدِي أُنَاسٍ خُطَاةٍ، وَيُصْلَبَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ". إنَّها حَقيقَةٌ مُثَلَّثَةٌ: يُسَلَّمُ ... يُصْلَبُ ... يَقومُ.

لَقَدْ كَلَّمَكُنَّ وَأخْبَرَكُنَّ بِذَلِكَ في الجَليل. فَهَذا الأمْرُ لَيْسَ جَديدًا، بَلْ هُوَ تَذْكيرٌ. لِذَلِكَ نَجِدُ تَوْبيخًا لَطيفًا: "لِمَاذَا تَطْلُبْنَ الْحَيَّ بَيْنَ الأَمْوَاتِ؟" إنَّهُ تَوْبيخٌ رَقيقٌ. لَقَدْ قَالَ لَكُنَّ ذَلِكَ مِرارًا مُنْذُ وَقْتٍ طَويل. وَإذا رَجَعْتُمْ إلى الأصْحاحِ التَّاسِعِ مِنْ إنْجيل لُوقا، عِنْدَما كانَ يَسوعُ مَا يَزالُ في الجَليل، نَقْرَأُ في العَدَد 22 أنَّهُ حَذَّرَهُمْ قَائِلًا: "إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَتَأَلَّمُ كَثِيرًا، وَيُرْفَضُ مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ". لَقَدْ أَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ. وَهُوَ يَقولُ ثانِيَةً في الأصْحاحِ التَّاسِعِ وَالعَدَد 43: "فَبُهِتَ الْجَمِيعُ مِنْ عَظَمَةِ اللهِ. وَإِذْ كَانَ الْجَمِيعُ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ كُلِّ مَا فَعَلَ يَسُوعُ، قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: «ضَعُوا أَنْتُمْ هذَا الْكَلاَمَ فِي آذَانِكُمْ: إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ سَوْفَ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي النَّاسِ». وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ يَفْهَمُوا هذَا الْقَوْلَ، وَكَانَ مُخْفىً عَنْهُمْ لِكَيْ لاَ يَفْهَمُوهُ، وَخَافُوا أَنْ يَسْأَلُوهُ عَنْ هذَا الْقَوْلِ". وَقَدْ حَدَثَ ذَلِكَ بالرَّغْمِ مِمَّا قالَهُ لَهُمْ. وَبالمُناسَبَة، فَقَدْ قَالَ ذَلِكَ المَرَّةَ تِلْوَ المَرَّة تِلْوَ المَرَّة. وَقَدْ كَرَّرَ الوَعْدَ نَفْسَهُ. وَهُوَ وَعْدٌ دُوِّنَ مِرارًا في إنْجيلِ مَتَّى. وَقَدْ دُوِّنَ مِرارًا في إنْجيلِ مَرْقُس. وَمَرَّةً أُخرى في الأصْحاح 18 مِنْ إنْجيل لُوقا. هَذا هُوَ مَا سَيَحْدُثُ. وَقَدِ ابْتَدَأَ الأمْرُ في الجَليل. ألا تَذْكُرْنَ أنَّهُ سَيُسَلَّمُ؟ وَأنَّهُ سَيُصْلَبُ؟ وَأنَّهُ سَيَقومُ؟ سَيُسَلَّمُ، وَيُصْلَبُ، وَيَقومُ.

لِذَلِكَ فَإنَّ الدَّليلَ على القِيامَةِ هُوَ القَبْرُ الفَارِغُ. وَلا يُوْجَدُ تَفْسيرٌ آخَرُ عَلى القَبْرِ الفَارِغِ إلَّا القِيامَة. فَاليَهودُ لَمْ يَسْرِقُوا جَسَدَهُ. وَالرُّومانُ لَمْ يَسْرِقُوا جَسَدَهُ. والرُّسُلُ لَمْ يَسْرِقُوا جَسَدَهُ. وَالنِّسْوَةُ لَمْ يَسْرِقْنَ جَسَدَهُ. وَأعْداؤُهُ لَمْ يَكُنْ لَدَيْهِمْ أيُّ سَبَبٍ يَدْفَعُهُمْ إلى سَرِقَةِ جَسَدِهِ وَتَلْفيقِ قِصَّةِ القِيامَة. وَأصْدِقاؤُهُ لَمْ يَكونوا يُؤمِنونَ حَتَّى بالقِيامَة، وَهُمْ لَمْ يَسْرِقُوا جَسَدَهُ، وَلَمْ يُلَفِّقُوا قِيامَةً زَائِفَةً، وَلَمْ يَمُوتوا شُهَداءَ لأجْلِ كِذْبَة. وَلَكِنَّ المَلاكانِ قَدَّما التَّفْسيرَ الوَحيدَ المَعْقولَ: "لَيْسَ هُوَ ههُنَا، لكِنَّهُ قَامَ!"

لِذَلِكَ لَدَيْكُمْ، يا أصْدقائي الأعِزَّاء، في خِتامِ هَذِهِ العِظَة، أوَّل دَليلَيْنِ سَاطِعَيْنِ عَلى القِيامَة: الدَّليلُ الأوَّلُ: القَبْرُ الفَارِغُ. وَالدَّليلُ الثَّاني: الإعلانُ الإلَهِيُّ. وَيُمْكِنُكُمْ أنْ تَبْتَدِئُوا مِنْ سِفْرِ أعْمالِ الرُّسُلِ إذْ يَقولُ بُطْرُسُ في عِظَتِهِ الأولى إنَّ اللهَ: "أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ". ثُمَّ نَقْرَأُ في رِسَالَةِ رُومية أنَّ اللهَ: "أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ". وَنَقْرَأُ في الأصْحاح 15 مِنْ رِسَالَةِ كُورِنثوسَ الأولى أنَّ اللهَ: "أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ". وَنَقْرَأُ في الأصْحاحِ الأوَّلِ مِنْ رِسَالَةِ أَفَسُس أنَّ اللهَ: "أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ". وَنَقْرَأُ في رِسَالَةِ كُولوسي أنَّ اللهَ: "أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ". وَنَقْرَأُ في الأصْحاحِ الأوَّلِ مِنْ سِفْرِ الرُّؤيا أنَّ لَهُ "مَفاتيحُ المَوْتِ". فَهَذِهِ هِيَ الشَّهادَةُ المُسْتَمِرَّةُ للكِتابِ المُقَدَّسِ (الَّذي هُوَ كَلِمَةُ اللهِ المُقَدَّسَة): أنَّ يَسوعَ قَامَ مِنَ الأمْواتِ بِقُوَّةِ اللهِ. وإنْ كُنَّا نُنْكِرُ قِيامَةَ الرَّبِّ يَسوعَ فَإنَّنا نُنْكِرُ (أوَّلًا) حَقيقَةَ الدَّليلِ التَّاريخِيِّ، وَنُنْكِرُ (ثَانِيًا) كَلِمَةَ اللهِ. وَكَما ذَكَرْتُ، فَإنَّنا نَقْرَأُ في الرِّسالَةِ إلى العِبْرانِيِّين 2: 2 أنَّ النَّاموسَ أُعْطِيَ مِنْ خِلالِ المَلائِكَة. فَقَدِ اعْتَادُوا أنْ يَتَسَلَّمُوا إعْلاناتِ اللهِ مِنْ خِلالِ المَلائِكَة. وَأمَّا مَنْ يَرْفُضونَ القِيامَةَ فَإنَّهُمْ لا يَفْعَلونَ ذَلِكَ بِسَبَبِ نَقْصِ الأدِلَّةِ، بَلْ لأنَّهُمْ يُحِبُّونَ الخَطِيَّة وَلأنَّهُمْ قُسَاةُ القُلوب. فَالعَقائِدُ الشَّيْطانِيَّةُ الَّتي تُنْكِرُ قِيامَةَ المَسيحِ نَابِعَةٌ مِنَ الشَّرِّ. وَالنَّاسُ لَيْسُوا مُسْتَعِدِّينَ لِقَبولِ النَّتائِجِ الحَتْمِيَّةِ الَّتي لا مَفَرَّ مِنْها المُتَرَتِّبَةِ على القِيامَةِ، وَهِيَ أنَّ يَسوعَ رَبٌّ.

فَإنْ كُنْتَ تُؤمِنُ بالقِيامَةِ، فَإنَّ يَسوعَ رَبٌّ حَتْمًا. أمَّا إذا كُنْتَ لا تُريدُ يَسوعَ رَبًّا، فَيَجْدُرُ بِكَ أنْ تُنْكِرَ القِيامَة. فَإنْ كانَتْ هُناكَ قِيامَةٌ، فَإنَّ يَسوعَ رَبٌّ وَالكِتابُ المُقَدَّسُ صَحيحٌ. لِذَلِكَ فَإنَّ كُلَّ إنْسانٍ مَسْؤولٌ عَنْ قَبولِ رُبوبِيَّتِهِ. وَأَعْظَمُ دَليلٍ عَلى القِيامَةِ (أرْجُو أنْ تُصْغُوا جَيِّدًا) هُوَ شَهادَةُ اللهِ الَّتي قَامَ بِتَبْليغِها بِواسِطَةِ مَلاكَيْنِ خَرَجا مِنْ حَضْرَتِهِ. وَهِيَ الشَّهادَةُ الَّتي دُوِّنَتْ بِوَحْيٍ مِنْ رُوْحِ اللهِ بِواسِطَةِ كُتَّابِ العَهْدِ الجَديد. وَسَوْفَ أقْرَأُ لَكُمْ مَا قَالَهُ "جيلدينهيوز" (Geldenhuys) الَّذي عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِأسْلوبٍ رَائعٍ: "لَوْ لَمْ يَقُمْ يَسوعُ مِنَ الأمواتِ لَما كُتِبَ العَهْدُ الجَديدُ" (البَتَّة!) "فَمَنْ سَيُكَلِّفُ نَفْسَهُ عَناءَ كِتابَةِ قِصَّةِ حَياةِ أيِّ شَخْصٍ ادَّعَى مِرارًا أنَّهُ المَسِيَّا وَأنَّهُ الله، وَلَكِنَّ حَياتَهُ انْتَهَتْ بِمَوْتٍ مُخْزٍ؟ وَلَكِنْ مَجْدًا للهِ لأنَّ يَسوعَ قَامَ بالحَقيقَةِ مِنَ الأمواتِ. لِذَلِكَ فَقَدْ حَمَلَ كُتَّابُ أسْفارِ العَهْدِ الجَديدِ أقْلامَهُمْ بِكُلِّ حَماسَةٍ وَقَناعَةٍ مُقَدَّسَةٍ. وَمِنْ خِلالِ كِتاباتِهِمْ، تَلَقَّيْنا مِنْهُمْ كَلامًا وَاضِحًا عَبَّرُوا فيهِ عَنْ قَناعَتِهِمِ الرَّاسِخَةِ بأنَّ يَسُوعَ المَسيحَ الَّذي مَاتَ قَدْ قَامَ مِنَ المَوْتِ مُتَسَرْبِلًا بالقُدْرَةِ وَالمَجْدِ الإلَهِيَّيْن".

وَالآنْ، سَنَكْتَفي بِهَذا القَدْرِ هَذا اليوم. وَلَكِنَّنا تَرَكْنا النِّسْوَةَ خَائِفاتٍ. وَهُنَّ سَيَبْقِيْنَ عَلى هَذِهِ الحَالِ حَتَّى العِظَةِ القَادِمَة. وَلَكِنَّ مَا هُوَ آتٍ سَيَكونُ أَفْضَل.

نَشْكُرُكَ، يا أَبانا، على الوَقْتِ الَّذي أَتَحْتَهُ لَنا في هَذا اليوم للتَّأمُّلِ في كَلِمَتِك. فَهُوَ وَقْتٌ ثَمينٌ جِدًّا وَمُبارَكٌ جِدًّا. امْلأ قُلوبَنا بالفَرَحِ النَّابِعِ مِنْ إيمانِنا بِما يَقولُهُ الكِتابُ المُقَدَّس. نَشْكُرُكَ لأنَّكَ وَهَبْتَنا حَياةً مِنْ خِلالِ قِيامَتِكَ. وَالآنْ، يا رَبّ، اجْتَذِبْ إليكَ أولئكَ الَّذينُ هُمْ في حَاجَةٍ إلى الإيمانِ لِكَيْ يَخْلُصُوا مِنَ الخَطِيَّةِ وَالمَوْتِ وَجَهَنَّمَ، وَلِكَيْ يَتَمَسَّكُوا بِرَجاءِ القِيامَةِ المَجيدَةِ الَّتي تَنْتَظِرُ مَنْ يُحِبُّونَ المَسيح. اعْمَلْ عَمَلَكَ في كُلِّ قَلْبٍ. نُصَلِّي هَذا باسْمِ المَسيح. آمين!

This sermon series includes the following messages:

Please contact the publisher to obtain copies of this resource.

Publisher Information
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969

Welcome!

Enter your email address and we will send you instructions on how to reset your password.

Back to Log In

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize
View Wishlist

Cart

Cart is empty.

Subject to Import Tax

Please be aware that these items are sent out from our office in the UK. Since the UK is now no longer a member of the EU, you may be charged an import tax on this item by the customs authorities in your country of residence, which is beyond our control.

Because we don’t want you to incur expenditure for which you are not prepared, could you please confirm whether you are willing to pay this charge, if necessary?

ECFA Accredited
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Back to Cart

Checkout as:

Not ? Log out

Log in to speed up the checkout process.

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize