Grace to You Resources
Grace to You - Resource

افتَحُوا كِتابَكُم المُقدَّسَ، مِن فَضلِكُم، على الإصحاحِ العاشِرِ مِن إنجيلِ يُوحَنَّا. عندما نُعَلِّمُ النَّاسَ كيفَ يَعِظونَ... وَنَحنُ نَفعلُ ذلكَ طَوالَ الأسبوع. وستيف لوسون (Steve Lawson) هُوَ أُستاذُ الوَعظِ هُنا. ولَدينا مَا يَقرُبُ مِن مِئةِ شَابٍّ الآنَ في كُليَّةِ اللاَّهُوت. ونحنُ نُحاولُ أن نُعَلِّمَهُم مَبادِئَ الوَعظِ التَّفسيريّ؛ وَهِيَ مَهَمَّةٌ صَعبةٌ جدًّا. وهُناكَ أيضًا طَلبةُ السَّنةِ الثَّانية. ونَحنُ نَفعلُ ذلكَ طَوالَ الأسبوع. وَهِيَ فُرصةٌ رائعةٌ جدًّا جدًّا لَنا. ولكِنْ عندما نُعَلِّمُهم كيفَ يَعِظونَ فإنَّنا نَأخُذُ مَقطعًا مِنَ الكتابِ المقدَّسِ، ونَصِيغُ عِظَةً مِن ذلكَ الجُزءِ مِنَ الكِتابِ المُقَدَّسِ بِأنْ نَضَعَ مُقَدِّمَةً وَخاتِمَةً وَنَصًّا لِنَحصُلَ على عِظَةٍ كَامِلَة.

وأعترِفُ لَكُم أنِّي أميلُ إلى خَرْقِ هذهِ المَبادِئ. فأنا أبتَدِئُ بِرسالةٍ لَها مُقَدِّمَة وَخاتِمَة؛ وهي تَصيرُ بِطريقةٍ مَا سِلسِلَةً مِن ثَلاثةِ أجزاءٍ في أغلبِ الأحيانِ لأنِّي حَالَما أبتدِئُ في النَّصِّ فإنِّي لاَ أسْمَحُ لِنَفسي بِتَجاهُلِ أيِّ شَيءٍ ثَمينٍ جدًّا فِيه.

نَتيجة لِذلك، سَنَتأمَّلُ في إنجيل يوحنَّا 10: 22-42. وَهذا هُوَ الجُزءُ الثَّالث. وسوفَ نُنهي هذا المَقطعَ في هذا الصَّباح. إنجيل يوحنَّا 10: 22-42. ومَعَ أنَّهُ مَقطعٌ طَويل، يُمكِنُنا أن نَتأمَّلَ فيهِ [في اعتقادي] في هذهِ العِظاتِ الثَّلاثِ فقط. وَهذا لا يَعني أنَّكُم ستَفهَمُونَ كُلَّ شَيءٍ فيه، ولكن يُمكِنُكم أن تَفهَمُوا مَا يَجري. اسمَحُوا لي أن أقرأَ هذا المَقطعَ لَكُم ابتداءً مِنَ العَددِ الثَّاني والعِشرين:

"وَكَانَ عِيدُ التَّجْدِيدِ فِي أُورُشَلِيمَ، وَكَانَ شِتَاءٌ. وَكَانَ يَسُوعُ يَتَمَشَّى فِي الْهَيْكَلِ فِي رِوَاقِ سُلَيْمَانَ، فَاحْتَاطَ بِهِ الْيَهُودُ وَقَالُوا لَهُ: «إِلَى مَتَى تُعَلِّقُ أَنْفُسَنَا؟ إِنْ كُنْتَ أَنْتَ الْمَسِيحَ [أوِ المَسِيَّا] فَقُلْ لَنَا جَهْرًا». أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «إِنِّي قُلْتُ لَكُمْ وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ. اَلأَعْمَالُ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا بِاسْمِ أَبِي هِيَ تَشْهَدُ لِي. وَلكِنَّكُمْ لَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنْ خِرَافِي، كَمَا قُلْتُ لَكُمْ. خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي. أَبِي الَّذِي أَعْطَانِي إِيَّاهَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْكُلِّ، وَلاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْطَفَ مِنْ يَدِ أَبِي. أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ».

"فَتَنَاوَلَ الْيَهُودُ أَيْضًا حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ. أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَعْمَالاً كَثِيرَةً حَسَنَةً أَرَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَبِي. بِسَبَبِ أَيِّ عَمَل مِنْهَا تَرْجُمُونَنِي؟» أَجَابَهُ الْيَهُودُ قَائِلِينَ: «لَسْنَا نَرْجُمُكَ لأَجْلِ عَمَل حَسَنٍ، بَلْ لأَجْلِ تَجْدِيفٍ، فَإِنَّكَ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلهًا» أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَلَيْسَ مَكْتُوبًا فِي نَامُوسِكُمْ: أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ؟ إِنْ قَالَ آلِهَةٌ لأُولئِكَ الَّذِينَ صَارَتْ إِلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللهِ، وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ الْمَكْتُوبُ، فَالَّذِي قَدَّسَهُ الآبُ وَأَرْسَلَهُ إِلَى الْعَالَمِ، أَتَقُولُونَ لَهُ: إِنَّكَ تُجَدِّفُ، لأَنِّي قُلْتُ: إِنِّي ابْنُ اللهِ؟ إِنْ كُنْتُ لَسْتُ أَعْمَلُ أَعْمَالَ أَبِي فَلاَ تُؤْمِنُوا بِي. وَلكِنْ إِنْ كُنْتُ أَعْمَلُ، فَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِي فَآمِنُوا بِالأَعْمَالِ، لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا أَنَّ الآبَ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ». فَطَلَبُوا أَيْضًا أَنْ يُمْسِكُوهُ فَخَرَجَ مِنْ أَيْدِيهِمْ،

"وَمَضَى أَيْضًا إِلَى عَبْرِ الأُرْدُنِّ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ يُوحَنَّا يُعَمِّدُ فِيهِ أَوَّلاً وَمَكَثَ هُنَاكَ. فَأَتَى إِلَيْهِ كَثِيرُونَ وَقَالُوا: «إِنَّ يُوحَنَّا لَمْ يَفْعَلْ آيَةً وَاحِدَةً، وَلكِنْ كُلُّ مَا قَالَهُ يُوحَنَّا عَنْ هذَا كَانَ حَقًّا». فَآمَنَ كَثِيرُونَ بِهِ هُنَاكَ".

والآن، كَما أخبرتُكُم في الأسبوعَيْنِ المَاضِيَيْن، كانَ هذا هُوَ آخِرُ إعلانٍ عَلَنِيٍّ مِنَ الرَّبِّ يَسوعَ عَن لاهُوتِه. وَهذهِ هِيَ أيضًا آخِرُ دَعوةٍ في الهَيكلِ في وَجْهِ القادَةِ اليَهودِ قَبلَ أن يُغادِرَ مُدَّةَ ثَلاثةِ أشهُر ويَبقى بِمُفرَدِهِ عَبْرَ الأُرْدُنِّ مَعَ تَلاميذِهِ وأولئكَ الَّذينَ أَتَوْا إليهِ كَما هُوَ مَذكورٌ في نِهايةِ الإصحاح. ومِن جِهةِ إنجيلِ يوحنَّا، هَذا هُوَ آخِرُ مَا دَوَّنَهُ يوحنَّا بِخُصوصِ إعلانِ المَسيحِ عَن نَفسِهِ بأنَّهُ الله، وبِخُصوصِ دَعوتِهِ للنَّاسِ بَأن يُؤمِنوا. وَهُوَ يَفعلُ ذلكَ في عِيدِ التَّجديدِ الَّذي كانَ عِيدًا يَحتفِلونَ فيهِ بِالثَّورةِ المَكابيَّةِ العَظيمةِ الَّتي أَطاحَتْ بِأنطيوخُس وَبالغُزاةِ السَّلوقِيِّينَ في فَترةِ ما بَينَ العَهدَيْن. ومَا زَالَ اليَهودُ يَحتفلونَ اليومَ بِهذا العيدِ وَيُسَمُّونَهُ "هَانوكَاه" (Hanukkah).

فَفي ذلكَ العِيدِ في فَصلِ الشِّتاءِ، أعلنَ يَسوعُ هذا الإعلانَ الأخيرَ عَن لاهُوتِهِ في الهَيكلِ للقادةِ اليَهودِ وللشَّعبِ الَّذي جَاءَ إلى هُناكَ للاحتفالِ بِهذا العِيدِ العَظيم. وكَما قُلتُ سَابقًا، لَقد صَارَتْ هذهِ الدَّعوةُ [في نَظرِ يوحنَّا] الدَّعوةَ الأخيرة. فَفي النِّهايةِ، قَالَ يَسوعُ: "آمِنُوا بِي". آمِنُوا بِي. ومُنذُ بِدايةِ إنجيلِ يوحنَّا، نَجِدُ نَفسَ التَّركيز. فَيسوعُ هُوَ الله. فإنجيلُ يوحنَّا يَبتدِئُ بالكلماتِ التَّالية: "فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ". وَهَذا هُوَ قَصْدُ يوحنَّا مِن كِتابةِ هذا الإنجيلِ كَما يَقولُ في النِّهاية: "وَأَمَّا هذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ". حَياةٌ أبديَّة. فالإيمانُ بأنَّ يَسوعَ هُوَ اللهُ لازِمٌ للحَياةِ الأبديَّة. أمَّا إنْ لم تُؤمِنْ بذلكَ فإنَّكَ ستَذهبُ إلى المَوتِ الأبديِّ، وإلى العِقابِ والعَذابِ الدَّائِمِ في جَهنَّم. هذهِ هِيَ رِسالةُ الإنجيل. وهذهِ هِيَ رِسالةُ العهدِ الجديد.

والآن، في كُلِّ إنجيلِ يوحنَّا، يُرَكِّزُ يُوحنَّا على أوقاتٍ مُحَدَّدَةٍ مِن حَياةِ يَسوعَ وخِدمَتِهِ أعلنَ فيها أنَّهُ الله. وَهُوَ يَذكُرُ ذلكَ في كُلِّ إنجيلِه. فَهُوَ يُعلِنُ قَائِلاً "أنا هُوَ" مَرَّاتٍ عَديدة، ويَقولُ عَن نَفسِهِ إنَّهُ الله. فَهُوَ يَدَّعي مُباشرةً الألوهيَّة. وفي كُلِّ مَرَّةٍ ادَّعَى فيها ذلك وَاجَهَ غَضَبًا وعَداوةً ورَفضًا. ولكِنَّهُ استَمَرَّ في قَولِ ذلكَ لأنَّ الإيمانَ بذلكَ شَرْطٌ للحَياةِ الأبديَّة. فالرِّسالةُ بأنَّ يَسوعَ هُوَ اللهُ هِيَ رِسَالةُ المَسيحيَّةِ، ورِسَالةُ العهدِ الجديد. وَهُوَ مُساوٍ للهِ في الطَّبيعَة.

وَيُوحَنَّا يَقولُ في الإصحاحِ الأوَّل: "وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا". فَهُوَ اللهُ نَفسُهُ. وَقد فَهِمَ كُتَّابُ الرَّسائِلِ ذلكَ وذَكَروه. فَكاتِبُ الرِّسالةِ إلى العِبرانِيِّينَ يَقولُ إنَّهُ بَهَاءُ مَجْدِ اللهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِه. والرَّسولُ بولُسُ يَقولُ: "فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيًّا". ويُوحَنَّا يَقولُ: إنْ أنكرتُم لاهوتَهُ ونَاسوتَهُ سَتُدانون. هذهِ هيَ المَسيحيَّة. وَقد قَالَ عَنهُ مَتَّى إنَّهُ عِمَّانوئيلُ؛ اللهُ مَعَنا. وَقَد قَالَ عَنهُ مَرْقُسُ إنَّهُ اللهُ الابْن. وَقد قَالَ عَنهُ لُوقا إنَّهُ القُدُّوسُ الَّذي وُلِدَ في هَيئةِ طِفل. هَذا هُوَ لُبُّ الإنجيلِ المَسيحيّ. فَهُوَ ليسَ مُعَلِّمًا شَريفًا وَحَسْب. وَهُوَ ليسَ قَائِدًا دِينيًّا وَحَسْب. وَهُوَ ليسَ رَجُلاً خَلوقًا وَحَسْب. وَهُوَ ليسَ رَجُلًا حَكيمًا جدًّا وَحَسْب؛ مَعَ أنَّ كُلَّ هذهِ الصِّفاتِ تَصِحُّ عَليه. ولكنَّهُ اللهُ. وَأيُّ شَيءٍ أقَلُّ مِن ذلكَ هُوَ تَجديفٌ عَليهِ. تَجديفٌ عَليه.

والآن، يَنبغي التَّنويهُ إلى أنَّ اليَهودَ استَنتَجوا شَيئًا مُختلِفًا. وَالحَقيقةُ هِيَ أنَّهُم لم يَكونوا في هذا الوَقتِ، أيْ قَبلَ ثَلاثةِ أشهُرٍ فَقَط مِن مَوتِهِ وَقِيامَتِهِ، يُفَكِّرونَ في ذلك. كَلاَّ! بَل إنَّهُم كَانُوا قَدِ اتَّخَذُوا قَرارَهُم قَبلَ وَقتٍ طَويلٍ مِن ذلك، أو قَبلَ أشهُرٍ مِن ذلك. وَهذا مُدَوَّنٌ عندما كانَ يَسوعُ مَا زَالَ في الجَليل. ولَعَلَّكُم تَذكُرونَ مَا جَاءَ في الإصحاحِ الثَّاني عَشَر إذْ إنَّهُم أصدَرُوا حُكْمَهُم الأخير. فَقد قَالوا إنَّهُ يَفعلُ ما يَفعل بِقُوَّةِ بَعْلَزَبُول. فَقد عَجِزُا عَنْ تَفسيرِ كيفَ يُمكِنُ لأعمالِهِ ومُعجِزاتِهِ أن تَكونَ طَبيعيَّةً أو بَشريَّةً؛ لِذا فَقد كانُوا يَعلَمونَ أنَّ هُناكَ قُوَّةً خَارقةً للطَّبيعةِ وَراءَهُ. وَقد أعلَنُوا أنَّهُ يَستَمِدُّ قُوَّتَهُ مِنَ الشَّيطانِ، وَأنَّ قُوَّتَهُ آتِيَةٌ مِن جَهَنَّم، وَأنَّهُ مَسكونٌ بالأرواحِ الشِّرِّيرةِ في أعلى مُستوى إذْ قَالوا إنَّهُ مَسكونٌ بالشَّيطانِ نَفسِهِ. وَكانَ هَذا هُوَ قَرارُهم الأخير. ولأنَّهُ كانَ قَرارًا أخيرًا، قَالَ يَسوعُ: "لَن تُغفَرَ خَطاياكُم". فَلا يُوجَدُ مَخْرَجٌ لَكُم مِن هذا المَوقِف. فإنْ كانَ هَذا هُوَ حُكْمُكُم الأخيرُ، لَن تَكونَ هُناكَ فُرصةٌ للخَلاص.

وَفي نَقْلَةٍ مُدهشةٍ جدًّا في نِهايةِ الإصحاحِ الثَّاني عَشَر، ومَتَّى يُدَوِّنُ ذلك، أَعلنَ يَسوعُ أنَّهُم لَن يَنالوا الخَلاصَ لأنَّهُم اتَّخَذُوا قَرارًا نِهائيًّا بأنَّهُ مِنَ الشَّيطان. وَمِنْ بِدايةِ الإصحاحِ الثَّالث عَشَر مُباشَرَةً، ابتدأَ يَسوعُ يَتكلَّمُ بأمثال.

والآن، أريدُ فقط أن أُوَضِّحَ نُقطةً لَكُم. هُناكَ افتراضٌ اليومَ بأنَّ يَسوعَ تَكَلَّمَ بأمثالٍ لكي يُوَضِّحَ الأمورَ لِغيرِ المُؤمِنين. والحَقيقةُ هِيَ أنَّنا نَسمَعُ أُناسًا يَقولون: "يَجِبُ عَلينا أن نَتكلَّمَ بأمثالٍ وأن نَكونَ بَارِعينَ في سَرْدِ القِصَصِ على غِرارِ يَسوعَ، وَيَجِبُ علينا أن نَتجنَّبَ التَّحدُّثَ عَنِ العَقيدةِ والحَقِّ وَأنْ نُرَكِّزَ على أن نَكونَ بارِعينَ في سَرْدِ القِصَص". وَهذا مَوقِفٌ مُنتشِرٌ بِكَثرةٍ حَتَّى بينَ الإنجيليِّين. لِذا، أريدُ أن أُوَضِّحَ شَيئًا. لَقد تَكَلَّمَ يَسوعُ بأمثالٍ لا لكي يُوَضِّحَ الأمورَ لِغيرِ المُؤمِنين، بَل إنَّهُ تَكَلَّمَ بأمثالٍ دَينونَةً لَهُم حَتَّى لا يَفهَمُوا. فَقد كانَتْ هَذِهِ دَينونة. لَقد كانَت دَينونةً مُغَلَّفَةً بالرَّحمَة. فَقد قال: "لأَنَّهُمْ مُبْصِرِينَ لاَ يُبْصِرُونَ [كَما جَاءَ في نُبوءةِ إشَعْياء والإصحاحِ السَّادِس]، وَسَامِعِينَ لاَ يَسْمَعُونَ وَلاَ يَفْهَمُون". "مِنْ أَجْلِ هذَا أُكَلِّمُهُمْ بِأَمْثَال". ولكنَّهُ قَالَ لِتلاميذِه: "قَدْ أُعْطِيَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا أَسْرَارَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَات". وَكيفَ عَرَفوها؟ لأنَّهُ فَسَّرَ الأمثالَ للتَّلاميذ. وَحَتَّى إنَّ مَرْقُسَ يَقولُ إنَّهُ مِن تِلكَ النُّقطةِ فَصاعِدًا كانَ يُكَلِّمُهم بأمثالٍ فقط. فَقد كانَتْ تِلكَ دَينونة. لَقد كانَت دَينونة. لِذا، لا تَدَعُوا أحدًا يَقولُ لَكُم إنَّ يَسوعَ كَانَ يَحكي قِصَصًا لكي يُوَضِّحَ الأمورَ لِغيرِ المُؤمِنين. فَقد كانَ يَحكي قِصَصًا دَينونَةً لَهُم، ولكي يُوَصِّلَ الحَقَّ بوضوحٍ إلى خَاصَّتِهِ؛ لا إلى هَؤلاء. أمَّا عُنْصُرُ الرَّحمَةِ فَهُوَ أنَّهُ لم يُعطِهِم مَزيدًا مِنَ الإعلانِ لأنَّ ذلكَ سيَجعلُهم مُذْنِبينَ أكثرَ بِسَببِ رَفضِهم، ولأنَّ ذلكَ سيَجعلُ دَينونَتَهُم الأبديَّةَ أَشَدّ.

لِذا، فَقد وَصلنا إلى تِلكَ النُّقطة. وَقد مَضَى عَلى وُصولِنا إلى تِلكَ النُّقطةِ وَقتٌ طَويلٌ مَعَ اليَهود؛ أيْ مَعَ القادَةِ اليَهودِ مِنْ صَدُّوقيِّينَ وفَرِّيسيِّينَ وكَتَبَة. فَقد مَضَتْ فَترةٌ طَويلة تَصِلُ إلى بِضعةِ أشهُر. ولكِنْ تُوجَدُ نِعمةٌ حَتَّى في هذا الوقتِ الأخيرِ قَبلَ أن يَختَفي يَسوعُ عَنِ الأنظارِ مُدَّةَ ثَلاثةِ أشهُر؛ أيْ في تِلكَ المَرَّةِ الأخيرةِ في خِدمَتِهِ العَلنيَّةِ قَبلَ أسبوعِ الآلامِ إذْ إنَّهُ دَعاهُم إلى الإيمان.

لِذا فإنَّنا نَتأمَّلُ في هذهِ المُواجَهَة. وهُناكَ الكَثيرُ مِنَ المُواجَهات. وَأوَّلُ شَيءٍ رَأيناهُ هُنا هُوَ أنَّهُ تُوجَدُ خَمسةُ مَشاهِد تَتَكَشَّفَ لَنا. وَأوَّلُ مَشْهَدٍ هُوَ "المُواجَهَة" [في الأعدادِ مِن 22 إلى 24] إذْ نَقرأُ: "فَاحْتَاطَ بِهِ الْيَهُودُ". وَتِلكَ العِبارةُ تُشيرُ غَالبًا إلى القادَة. ثُمَّ إنَّ الشَّعبَ كَانُوا مَعَهُم أيضًا. فَهُم يَتبعونَهُم. ولا شَكَّ في أنَّ آلافًا مِنهُم كانوا يَجتمعونَ في العِيدِ في الهَيكلِ في ذلكَ الوقت. وَقَد طَرَحُوا السُّؤالَ التَّالي: "إِلَى مَتَى تُعَلِّقُ أَنْفُسَنَا؟ إِنْ كُنْتَ أَنْتَ الْمَسِيحَ فَقُلْ لَنَا جَهْرًا". وَالحَقيقةُ هِيَ أنَّهُ قَالَ لَهُم المَرَّةَ تِلوَ المَرَّةِ تِلوَ المَرَّةِ، وأنَّهُ أخبرَهُم بِوضوحٍ شَديدٍ لا فقط أنَّهُ المَسِيَّا، بَل إنَّهُ أخبرَهُم أيضًا أنَّهُ الله. وَحَتَّى ذلكَ الوَقت، حَاوَلوا أن يَرجُموهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مُنذُ الإصحاحِ الخامِس. لِذا فقد أخبرَهُم.

وَهذا رِياءٌ شَديد. فالسَّبَبُ الوَحيدُ في أنَّهُم طَرَحُوا هَذا السُّؤالَ هُوَ أنَّهُم أرادُوا أن يُرْغِموهُ على قَولِ شَيءٍ يَنْطَوي على التَّجديفِ لكي يَتَمَكَّنوا مِن رَجْمِهِ حَالاً. "إِنْ كُنْتَ أَنْتَ الْمَسِيحَ فَقُلْ لَنَا جَهْرًا". وَقد رَدَّ يَسوعُ على سُؤالِهم في العَددِ الخامِسِ والعِشرين. وَهُنا نَرى "الادِّعاء". فَهُوَ يُرَدِّدُ الادِّعاءَ ويقول: "إِنِّي قُلْتُ لَكُمْ وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُون". وَلَستُم تُؤمِنون. "اَلأَعْمَالُ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا بِاسْمِ أَبِي هِيَ تَشْهَدُ لِي. وَلكِنَّكُمْ لَسْتُمْ تُؤْمِنُون". وَقد صَرَفْنا وَقتًا طَويلاً في التَّحدُّثِ عَن ذلك؛ أيْ عَنِ المَسؤوليَّةِ البَشريِّةِ في الخَلاصِ بِواسطةِ الإيمان.

وهُناكَ أيضًا جَانِبٌ إلَهِيٌّ إذْ نَقرأُ في العَددِ السَّادسِ والعِشرين: "لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنْ خِرَافِي". وَفي العَدد 27: "خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي". فَهُوَ يُقَدِّمُ الجانِبَ الإلهِيَّ. أنتُم لا تُؤمِنونَ. وأنتُم مَسؤولونَ عَن عَدمِ إيمانِكُم ذاك. مِنْ جِهَةٍ أخرى، وَهذا هُوَ الجانِبُ الَّذي يَنطَوي على سِرٍّ: أنتُم لَستُم مِن خِرافي. فَلو كُنتُم مِن خِرافي، أيْ لو كانَ الآبُ قَدِ اختارَكُم لَكُنْتُم قَد سَمِعتُم صَوتي، وَتَبِعتُموني، ولَكُنْتُ قَد قَبِلتُكُم، ووَفَّرْتُ لَكُم الحِمايَة، ولَما هَلَكْتُم، وَلما تَمَكَّنَ أحدٌ مِن خَطْفِكُم مِن يَدي، ولَما تَمَكَّنَ أحدٌ مِن خَطْفِكُم مِن يَدِ الآب [كما جاءَ في العَدد 29]. ثُمَّ إنَّهُ يُلَخِّصُ ذلكَ قَائِلاً: "أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ". بِعبارةٍ أخرى، نَحنُ واحِدٌ في هذا العَملِ الإلهيِّ المُختَصِّ بالفِداء. فأنا أعمَلُ على فِداءِ وتَخليصِ الخِرافِ الَّتي اختارَها اللهُ كَما يَعمَلُ اللهُ نَفسُهُ. فَهُوَ يَدَّعي أنَّهُ المُخَلِّصُ الإلهِيُّ، والفادي الإلهِيُّ، واللهُ نَفسُهُ. "أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ".

ولا شَكَّ في أنَّ رَدَّةَ فِعلِهِم كانَتْ [كما رَأينا في المَرَّةِ السَّابقةِ] هِيَ أنَّهُم تَناوَلُوا حِجَارَةً لِيَرْجُمُوه. فَقد كانَ الهَيكلُ دَائِمًا تَحتَ التَّرميم، وكانت هُناكَ حِجارةٌ كَثيرة. لِذا فقد تَناوَلوا حِجارةً رَابِعَ مَرَّةٍ [بِحَسَبِ مَا دَوَّنَهُ يوحنَّا في الإصحاحاتِ القليلةِ الأخيرةِ] كَيْ يَرجُموهُ لأنَّهُ ادَّعى أنَّهُ واحِدٌ مَعَ الآبِ في الجَوهرِ وفي عَملِ الخَلاص؛ أيْ لأنَّهُ قَالَ: أنا أدعو النَّاسَ إلى الخَلاصِ، وأجذِبُ النَّاسِ إلَيَّ، وأعطِيَهُم حَياةً أبديَّة.

وَهَل تَذكُرونَ ما جَاءَ في الإصحاحِ الخامِس؟ فَقد قَال: "كَمَا أَنَّ الآبَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ، كَذلِكَ أَعْطَى الابْنَ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ". فَهذا هُوَ الله. فَكُلُّ مَن لا يَأخُذُ الحَياةَ مِنْ مَصْدَرٍ آخرَ هُوَ الله. وَالَّذي يُعطِي الحَياةَ لِكُلِّ شَيءٍ حَيٍّ هُوَ الله. وعندما قالَ يَسوعُ: "أنا أُعطي حَياةً أبديَّةً" فإنَّهُ يَعني بِذلكَ: أنا هُوَ مَصدرُ الحَياةِ. لِذا فإنِّي اللهُ الأزَلِيُّ.

وَهُمْ لَم يُسيئُوا فَهْمَ مَا قَالَهُ. فَقد كانُوا يَعلَمونَ أنَّهُ يَدَّعي الألوهيَّة. وَكانُوا يَعلَمونَ أنَّهُ يَدَّعي أنَّهُ مُساوٍ لله. لِذا فإنَّنا نَنتقِلُ مُباشرةً مِنَ ادِّعائِهِ ذاكَ إلى مَا جاءَ في العَدد 31: "فَتَنَاوَلَ الْيَهُودُ أَيْضًا حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ". ثُمَّ نَقرأُ في العَددِ الثَّاني والثَّلاثينَ التُّهمةَ الَّتي وَجَّهُوها إليه في العَدَدَيْن 32 و 33. وَهَذا هُوَ مَقطَعُ "التَّجديف". فَقد أجابَهُم يَسوعُ في العَددِ الثَّاني والثَّلاثينَ وَأوقَفَهُمْ في مَكانِهِم والحِجارةُ ما تَزالُ في أيديهم. فَقد تَناوَلوا الحِجارةَ، وأمسَكوها، وكانوا مُتَأهِّبينَ لِرَجْمِهِ وَقَتْلِه بِكَمٍّ هَائِلٍ مِنَ الحِجارة. "أَعْمَالاً كَثِيرَةً حَسَنَةً أَرَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَبِي. بِسَبَبِ أَيِّ عَمَل مِنْهَا تَرْجُمُونَنِي؟" إنَّ الهُدوءَ الجَليلَ مُدهشٌ جدًّا هُنا. فَهُوَ لم يَخَفْ ولم يَرتعِب. فَقد أوقَفَهُم في أماكِنِهم على الرَّغمِ مِن هُجومِهم العَنيف. وَهذا لا يُدهشُنا كثيرًا لأنَّهُ طَهَّرَ الهَيكلَ في بِدايةِ خِدمتِه. وَهُوَ سيَفعلُ ذلكَ في النِّهاية. فَقد كانَ هُناكَ عَشراتُ الآلافِ مِنَ النَّاسِ الَّذينَ هَرَبُوا بأقصى سُرعةٍ مُمكِنَة بِمُجَرَّدِ سَماعِهم تَهديدَهُ.

وعندما جَاءُوا لاعتقالِه، عادَ حُرَّاسُ الهَيكلِ مِن دُونِهِ فسَألوهُم: "لِمَاذَا لَمْ تَأْتُوا بِهِ؟" أَجَابُوا قَائِلين: "لَمْ يَتَكَلَّمْ قَطُّ إِنْسَانٌ هكَذَا مِثْلَ هذَا الإِنْسَان!" فَقد كانَت كَلِماتُهُ كَفيلَةً بِوَقْفِ الهُجوم. فَعلى الرَّغمِ مِن شِدَّةِ عُنفِهم، وعلى الرَّغمِ مِن أنَّ غَضَبَهُم كانَ خَارِجَ السَّيطرةِ فإنَّهُ أوقَفَهُم بكلماتِه. ويَبدو أنَّهُم أَنْزَلُوا أيْدِيَهُم في العَدد 33 لأنَّهُم أَجابوهُ قَائِلين: "لَسْنَا نَرْجُمُكَ لأَجْلِ عَمَل حَسَنٍ، بَلْ لأَجْلِ تَجْدِيفٍ، فَإِنَّكَ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلهًا". فالهُدوءُ التَّامُّ سَكَّنَ العُنْفَ وَهَدَّأَ العُنْف. والسُّؤالُ الَّذي طَرَحَهُ مَعقولٌ ومَنطقيٌّ وعَقلانيّ: "أَعْمَالاً كَثِيرَةً حَسَنَةً أَرَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَبِي. بِسَبَبِ أَيِّ عَمَل مِنْهَا تَرْجُمُونَنِي؟" والعِبارةُ "مِنْ عِندِ أبي" هِيَ العِبارةُ المُهِمَّةُ هُنا. فَقد قالَ نيقوديموس في الإصحاحِ الثَّالث: "لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ هذِهِ الآيَاتِ الَّتِي أَنْتَ تَعْمَلُ إِنْ لَمْ يَكُنِ اللهُ مَعَهُ".

وما أعنيه هُوَ أنَّ نيقوديموس عَلِمَ أنَّهُ لا يُمكِنُ أن يَكونَ مِنَ الشَّيطان. فَلا بُدَّ أنَّهُ مِنَ الله. وَقد عَلِمَ أنَّ الأمرَ خَارِقٌ للطَّبيعة، وَأنَّهُ لا شَكَّ في أنَّهُ جَاءَ مِن عِندِ الله. وكانَ هذا الاستِنتاجُ هُوَ الاستِنتاجُ المَنطِقيُّ بِسَببِ كَمالِ المَسيحِ الأدَبِيِّ، وبِسَببِ خُلُوِّ المَسيحِ مِنَ الخَطيَّةِ، وبِسَببِ رَوعةِ وجَمالِ الأعمالِ الَّتي عَمِلَها. فَهُوَ لم يَعمَل أعمالاً رَديئةً، أو أعمالً شِرِّيرةً، أو أعمالاً لا تَأتي إلاَّ مِن جَهَنَّم. لِذا فقد قَال: "أَعْمَالاً كَثِيرَةً حَسَنَةً أَرَيْتُكُمْ". وَالكلمةُ المُستخدمةُ هُنا هِيَ "كالوس" [kalos] ومَعناها: مُمتازة، أو نَبيلة، أو جَميلة. وَهِيَ لَيسَت حَسَنَةً مِنَ النَّاحيةِ الأخلاقيَّةِ فقط، بَل هِيَ أعمالٌ حَسَنَةٌ جِدًّا وتَفُوقُ الوَصف. فَقد كانَت مُعجِزاتُهُ عَجائِبَ تَدعو إلى الفَرَحِ وَلا سِيَّما عِندَما كانَ يُعطي البَصَرَ للعُمْيِ، ويُعطي السَّمْعَ للصُّمِّ، ويُعطي الصَّوتَ للبُكْمِ، ويُعطي أطرافًا جَديدةً للمَشلولينَ، ويُعطي أعضاءً جَديدةً للمَرضَى، ويُعطي حَياةً جَديدةً للمَوتَى. فَقد كانَت مُعجِزاتٌ لا يُضاهيها شَيءٌ في الرَّوعةِ والجَمال.

لِذا فَقد قالَ لَهُم: بِسَبَبِ أَيِّ عَمَل مِنَ الأعمالِ الحَسَنَةِ الَّتي أَرَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَبِي تَرْجُمُونَنِي؟ وَكانَ ذلكَ كَفيلاً بإيقافِهم. وكانَ لَديهم جَواب. فَقد قَالوا: "لَسْنَا نَرْجُمُكَ لأَجْلِ عَمَل حَسَنٍ، بَلْ لأَجْلِ تَجْدِيفٍ، فَإِنَّكَ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلهًا". نَحنُ نَرجُمُكَ مِن أجلِ تَجديفِك. وَبِحَسَبِ شَريعَةِ مُوسَى فإنَّ المُجَدِّفَ يُرْجَم. فَقد كانُوا يَظُنُّونَ أنَّهُم يَقومونَ بواجِبِهم الدِّينيّ. "فإنَّكَ وَأنتَ إنسانٌ". اسمَحُوا لي أن أُوَضِّحَ شَيئًا. فَقد كانَ هُناكَ أُناسٌ يُنكِرونَ نَاسُوتَ المَسيح ويَقولونَ إنَّهُ مُجَرَّدُ طَيْف. فَفي أذهانِهم، كانَ يَسوعُ مُجَرَّدَ إنسان. وَهذهِ نُقطةٌ لا جِدالَ فيها، ولا مَجالَ للنِّقاشِ فيها. فَقد كانَ الجَميعُ يَعلَمُ أنَّهُ إنسان. وَنَحنُ نَقرأُ في رِسالةِ يوحنَّا الأولى إنَّكَ إنْ أنكرتَ أنَّ ابنَ اللهِ، أوِ المَسِيَّا، قَد جاءَ في الجَسدِ فإنَّكَ سَتُدانُ مِنَ الله. فَهُوَ إنسانٌ. وَقد وُلِدَ بِذاتِ الطَّريقةِ الَّتي يُولَدُ بها البَشَر. وَقد عاشَ طُفولَتَهُ وَشَبابَهُ وَكانَ إنسانًا بِكُلِّ مَعنى الكلمة.

لِذا فَقد قَالوا: "نَحنُ نَرْجُمُكَ لأَجْلِ تَجْدِيفٍ، فَإِنَّكَ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ [وَهِيَ نُقطةٌ لا جِدالَ فيها] تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلهًا"؛ وَهُوَ أمرٌ كانَ في نَظرِهم تَجديفًا شَديدًا ومُتَطرِّفًا. لِذا فقد شَعَرُوا بأنَ واجِبَهُم الدِّينيَّ يُحَتِّمُ عَليهم أن يَقتلوهُ في تِلكَ اللَّحظةِ عَينِها فيما كانتِ الحِجارةُ مَا تَزالُ في أيديهم. ولكِنْ لِسَبَبٍ مَا، لم يَرجُموهُ بها. ولا شَكَّ في أنَّهُ كَانَ هُناكَ مَانِعٌ إلَهِيٌّ فُرِضَ عَليهِم مِن قِبَلِ ابْنِ اللهِ نَفسِهِ.

وَقد دَفَعُهم إلى التَّفكير. وَهُوَ يَفعلُ شَيئًا مُدهشًا حَقًّا بِناموسِهم. انظروا إلى العَدد 34. لِنَكُن عَقلانِيِّين. تَوَقَّفُوا عَنِ العُنف. لِنَكُن عَقلانِيِّين. "أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: أَلَيْسَ مَكْتُوبًا فِي نَامُوسِكُمْ: أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ؟ إِنْ قَالَ آلِهَةٌ لأُولئِكَ الَّذِينَ صَارَتْ إِلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللهِ، وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ الْمَكْتُوبُ، فَالَّذِي قَدَّسَهُ الآبُ وَأَرْسَلَهُ إِلَى الْعَالَمِ، أَتَقُولُونَ لَهُ: إِنَّكَ تُجَدِّفُ، لأَنِّي قُلْتُ: إِنِّي ابْنُ الله؟" وَهذا أمرٌ مُدهشٌ وَحَسْب. فَهُوَ يَقول: "هَل يُمكِنُكم أن تَكونوا مَوضوعِيِّينَ وَحَسْب ولو قَليلاً؟ هَل يُمكِنُكم أن تُفَكِّروا مَعي قَليلاً؟ هَل يُمكِنُكم أن تَضَعُوا غَضَبَكُم وَمَشاعِرَكُم وحِقْدَكُم جَانِبًا؟ تَوَقَّفوا وَتَأمَّلُوا في العهدِ القديم. لماذا أنتُم غَاضِبونَ جدًّا لأنِّي أقولُ عن نَفسي إنِّي الله في حينِ أنَّكُم تَقرأونَ في أسفارِكُم المُقَدَّسَةِ نَفسِها أنَّ البَشَرَ يُدْعَوْنَ آلِهَةً؟"

وَهذا مُدهشٌ جدًّا! فَهُوَ يُرينا الصَّفاءَ الذِّهنيَّ الَّذي كانَ يَتمتَّعُ بِهِ يَسوعُ والَّذي لا يُضاهيهِ فيهِ أيُّ شَخصٍ عَاشَ يَومًا. فَقد أَجْرى في الحَالِ مَسْحًا شَامِلاً للعَهدِ القَديمِ وانتقَى مَقطعًا غَامِضًا. وَحَتَّى إنَّهُ ليسَ مِنَ النَّاموسِ والأنبياءِ، بَل مِنَ المَزامير!

ارجِعُوا إلى المَزمورِ الثَّاني والثَّمانين لأنَّهُ اقتَبَسَ مِنهُ. المَزمور 82. والمَزمورُ الثَّاني والثَّمانونَ هُوَ مَزمورُ دَينونةٍ إلهيَّةٍ على حُكَّامِ إسرائيل. فَنحنُ نَقرأُ في العَددِ الأوَّل: "اَللهُ قَائِمٌ فِي مَجْمَعِ اللهِ". فاللهُ يَظْهَرُ في إسرائيل. وَهُوَ ليسَ رَاضِيًا. "فِي وَسْطِ الآلِهَةِ يَقْضِي". لِذا فإنَّنا نَتحدَّثُ عَنِ الحُكَّام. وبالمُناسَبة، كانَ الحُكَّامُ قُضاةً. فَقد كانَ هَذا هُوَ مَا يَفعلونَهُ في الأصل. فَقد كَانُوا قُضاةً. فَقد كانُوا يَحكُمونَ في القَضايا ويَحُلُّونَ المَشاكِل. وَهُوَ يَقولُ للقُضاة: "حَتَّى مَتَى تَقْضُونَ جَوْرًا وَتَرْفَعُونَ وُجُوهَ الأَشْرَارِ؟" أنتُم فَاسِدونَ. وَأنْتُمْ تُحابُونَ الأشرار. فَبِسَبَبِ فَسادِكُم فإنَّكُم تَميلونَ إلى مُحاباةِ الأشرار. "اِقْضُوا لِلذَّلِيلِ وَلِلْيَتِيمِ". فَيَنبغي لَكُم أن تُوفِّروا الحِمايةَ لِهؤلاء. "أَنْصِفُوا الْمِسْكِينَ وَالْبَائِسَ"؛ أيْ لِمَنْ يَتَظَلَّمُ لَديكُم. "نَجُّوا الْمِسْكِينَ وَالْفَقِيرَ"؛ أيْ مَنْ يُعانونَ بِسببِ القَمْع. "مِنْ يَدِ الأَشْرَارِ أَنْقِذُوا". هَذا هُوَ ما كَانَ يَنبغي لَهُم أن يَفعلوه. ولكنَّهُم: "لاَ يَعْلَمُونَ وَلاَ يَفْهَمُونَ. فِي الظُّلْمَةِ يَتَمَشَّوْنَ. تَتَزَعْزَعُ كُلُّ أُسُسِ الأَرْضِ". اسمَعوني: كَانَ كُلُّ شَيءٍ يَجْعَلُ المُجتمعَ مُتماسِكًا في حَالةِ فَوضَى لأنَّهُ لم يَكُن هُناكَ عَدْل.

العَددُ السَّادس: "أَنَا قُلْتُ: إِنَّكُمْ آلِهَةٌ وَبَنُو الْعَلِيِّ كُلُّكُمْ". مَا الَّذي قَصَدَهُ بِذلك؟ إنَّهُ يَقولُ "إنَّكُم آلِهَة" لأنَّكُم مُمَثِّلونَ عَنِ اللهِ الواحِدِ الحَقيقيّ. فأنتُم مُمَثِّلو اللهِ في العالَم. وأنتُم بَنُو العَلِيِّ. فَقد فَوَّضَ اللهُ السُّلطَةَ إلَيكُم، وأنتُم قَبِلتُم كَلِمَتَه. هَذا هُوَ مَا جَاءَ في يُوحَنَّا 10: "إِنْ قَالَ آلِهَةٌ لأُولئِكَ الَّذِينَ صَارَتْ إِلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللهِ"؛ أيْ لأولئكَ الَّذينَ كَانَ يَنبغي لَهُم أن يُعَلِّمُوا كلمةَ اللهِ، ويُطَبِّقوهَا، ويَحفَظوها. "لكِنْ مِثْلَ النَّاسِ تَمُوتُونَ". وَهُناكَ شَيءٌ مِنَ السُّخريةِ والتَّهَكُّمِ في استِخدامِ الكلمةِ "آلِهَة". فَكَأنَهُ يَقول: "أَتَظُنُّونَ أنَّكُم آلِهَة؟ وَأنَّكُم أَعلى مِمَّا أنتُم عليهِ في الحَقيقة؟" ولكنَّكُم سَتَموتونَ مِثلَ النَّاسِ. "وَكَأَحَدِ الرُّؤَسَاءِ تَسْقُطُونَ. قُمْ يَا اَللهُ. دِنِ الأَرْضَ، لأَنَّكَ أَنْتَ تَمْتَلِكُ كُلَّ الأُمَمِ".

في العهدِ القديمِ [كَما يَقولُ يَسوعُ]، كَانَ القُضاةُ الفاسِدونَ يُدْعَوْنَ آلِهَةً، رُبَّما مِنْ بَابِ السُّخريَة، ورُبَّما مِن بَابِ التَّهَكُّمِ؛ ولكنَّ الكلمةَ أُطلِقَت عليهم لأنَّهُم تَسَلَّمُوا كَلِمَةَ اللهِ، ولأنَّهُم كانُوا أدواتٍ بِيَدِ اللهِ، ولأنَّهُم كَانُوا مُمَثِّلينَ عَنِ الله. وهُناكَ جَانِبٌ مِنَ الصَّوابِ في ذلك. والآن، إِنْ كَانَ يُمْكِنُ أن يُقالَ عَنْ أولئكَ القُضاةِ الفَاسِدينَ إنَّهُم آلِهَة، وَإنْ كانَ اللهُ قَد دَعَاهُم آلِهَةً؛ أيْ إنْ كانَ اللهُ في الكتابِ المقدَّسِ قَد قَالَ آلِهَةٌ لأُولئِكَ الَّذِينَ صَارَتْ إِلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللهِ... فَالَّذِي قَدَّسَهُ الآبُ وَأَرْسَلَهُ إِلَى الْعَالَمِ، أَتَقُولُونَ لَهُ: إِنَّكَ تُجَدِّفُ، لأَنِّي قُلْتُ: إِنِّي ابْنُ اللهِ؟" أَتَرَوْنَ التَّشبيهَ هُنا؟

فَهُوَ يَقولُ لَهُم: "اعقِدُوا مُقارَنَةً". "إِنْ كُنْتُ لَسْتُ أَعْمَلُ أَعْمَالَ أَبِي فَلاَ تُؤْمِنُوا بِي. وَلكِنْ إِنْ كُنْتُ أَعْمَلُ، فَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِي فَآمِنُوا بِالأَعْمَالِ، لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا أَنَّ الآبَ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ". وَهذِهِ حُجَّةٌ مُدهِشَة! فَهُوَ يَقتبِسُ مِنَ العهدِ القديمِ لِتَدعيمِ حُجَّتِه. وَلا شَكَّ في أنَّهُ إنْ كانتِ اللَّفظَةُ "آلِهَة" يُمكِنُ أن تُستَخدَمَ للإشارةِ إلى حُكَّامٍ فَاسِدينَ، لا يُوجَدُ مَا يَحُوْلُ دُونَ أنْ يُقالَ عَنِ ابنِ اللهِ الخَالي مِنَ الفَسادِ، والكَامِلِ، والَّذي بِلا خَطيَّة، والبَارِّ إنَّهُ الله. فَكِّرُوا في مَا تَفعلونَ قَبلَ أن تَبتَدِئُوا في رَمْيِ الحِجارَة. فَكِّروا في مَا تَفعلون.

وإليكُم المُلاحَظة التَّالية: في هذهِ المُواجَهَة، يَقولُ يَسوعُ جُملةً وَضَعَها المُتَرْجِمونَ في هَيئةِ جُملةٍ مُعترِضَةٍ في العَدد 35. وَهِيَ فَريدةٌ جدًّا حتَّى إنَّها تَظهَرُ هُنا. فَهُوَ يَقولُ: "لأُولئِكَ الَّذِينَ صَارَتْ إِلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللهِ". ثُمَّ إنَّهُ يَقولُ: وبالمُناسَبَة: "لاَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ الْمَكْتُوبُ". وَهُناكَ بِضْعُ مُلاحَظاتٍ هُنا. فَكلمةُ اللهِ والمَكتوبُ لَفظتانِ مُترادِفَتان. هَل رَأيتُم ذلك؟ فَهُما مُترادِفَتان. فكلمةُ اللهِ والمَكتوبُ مُترادِفتان. لِذا فإنَّ المَكتوبَ هُوَ كَلِمَةُ الله. كَذلكَ فإنَّ كَلِمَةَ اللهِ هِيَ المَكتوب. والرُّوحُ القُدُسُ هُنا أَوْحَى ليُوحَنَّا أن يَكتُبَ كلماتِ رَبِّنا يَسوعَ بِدِقَّة. والرَّبُّ يَسوعُ يُساوي بينَ كلمةِ اللهِ والمَكتوب؛ أوْ بينَ المَكتوبِ وكلمةِ الله.

والآن، إنَّ تِلكَ العِبارةَ مُهِمَّةٌ جدًّا جدًّا. فَمَعَ أنَّها قَد تَبدو في النِّقاشِ مُجَرَّدَ مُلاحَظَةٍ أوِ استِطرادٍ، فإنَّها كَنْزٌ يَنبغي لَنا أن نُقَدِّرَهُ. فَما الَّذي قَصَدَهُ بِقولِهِ: "وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ الْمَكْتُوبُ"؟ إنَّ الكلمةَ "يُنْقَضُ" هِيَ ليسَت مُجَرَّدَ كَلِمَة وَحَسْب، بَل إنَّها الكلمة "لُوُو" (luo) في اللُّغَةِ اليُونانيَّة؛ وهِيَ كلمةٌ يُونانِيَّةٌ شَائِعَةٌ جدًّا جدًّا لكُلِّ طَلَبَةِ اللُّغَةِ اليُونانيَّةِ لأنَّها نَموذجٌ للأفعالِ المُتَصَرِّفَة. لِذا فإنَّ الجَميعَ يَعرِفُ عَنِ الفِعل "لُوُو" (luo). فالفعلُ "لُوُو" يَعني: "مَتروك"، أو "مُنْحَلّ"، أو "مُزال"، أو "مَطرود"، أو "مُلغَى"، أو "مَبْطَل".

لِذا، مَا الَّذي قَصَدَهُ رَبُّنا؟ أنَّ الكِتابَ المُقَدَّسَ لا يُمكِنُ أن يَتغيَّر، أو أنَّ الكتابَ المقدَّسَ لا يُمكِنُ أن يُهمَلَ، أو يُترَكَ، أو يُمْحَى، أو يُلغَى، أو يُنقَض. وَهذا المَقطعُ يُرينا نَظرةَ المَسيحِ إلى الكتابِ المقدَّسِ إذْ إنَّهُ يَنظُرُ إليهِ على أنَّهُ سِلسلةٌ مُتَّصِلَةٌ ولا يُمكِنُ إزالةُ أيَّةِ حَلْقَةٍ مِنها. ولا أيَّة حَلْقَة. وَمَعَ أنَّ النَّصَّ في المَزمورِ الثَّاني والثَّمانينَ لا صِلَةَ لَهُ بِلاهوتِهِ، فإنَّهُ يَستخدِمُ تِلكَ الكلمةَ [أيْ: "آلِهَة"] لِتَوضيحِ حُجَّتِهِ [مِنَ الأصغرِ إلى الأكبَرِ] كَما كانَ يَفعلُ أَحْبَارُ اليَهودِ غَالبًا. وَقد وَضَّحَ قَصْدَهُ. ولكنَّهُ يَتوقَّفُ في مُنتَصَفِ ذلكَ ويَقولُ جُملةً قَويَّةً جدًّا وَهِيَ أنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ الْمَكْتُوبُ. وَمَعَ أنَّهُ كانَ مُنهَمِكًا جدًّا في إثباتِ أنَّ ادِّعَاءَهُ الأُلوهيَّةَ هُوَ ادِّعاءٌ صَحيحٌ مِن خِلالِ أعمالِهِ، فإنَّهُ لا يُحاولُ أن يُثْبِتَ هَذهِ الجُملَة. فَهُوَ لا يُحاولُ إثباتَها، بَل يَقولُ: "لاَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ الْمَكْتُوبُ" وَحَسْب.

ولماذا لا يُحاولُ إثباتَ ذلك؟ لأنَّهُم لم يَكونوا يَشُكُّونَ في ذلك. فَقد كانُوا يُدركونَ ذلك. فَالكِتابُ المُقدَّسُ سِلسِلَةٌ مُتَّصِلَة. ولا بُدَّ أن تَكونَ جَميعُ الحَلْقاتِ في مَكانِها. فالكِتابُ المُقدَّسُ هُوَ الكلمةُ الأخيرة. وَقد كانوا يَعرِفونَ ذلك. فَلا يُمكِنُكُم أن تَعبَثُوا بالكِتابِ المُقدَّس. لا يُمكِنُكُم أن تَعبَثُوا بالكِتابِ المُقدَّس. والحَقيقةُ هِيَ أنَّهُ يَبني حُجَّتَهُ كُلَّها على كلمةٍ واحِدَةٍ في آيةٍ مُبْهَمَةٍ في أحدِ المَزامير. فَلا يُمكِنُكُم أن تَعبَثُوا بِكلمةٍ فيه. ولا يُمكِنُكم أن تَستأصِلُوا كلمةً مِنْهُ وتَطرَحوها خَارِجًا. وَهذا كُلُّهُ يَرْجِعُ إلى أنَّ "كُلَّ الكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ" [كَما جَاءَ في الرِّسالةِ الثَّانيةِ إلى تيموثاوس]. وَهُوَ يَرجِعُ إلى "أَنَّ كُلَّ نُبُوَّةِ الْكِتَابِ لَيْسَتْ مِنْ تَفْسِيرٍ خَاصٍّ... بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُس" [كَما جَاءَ في رِسالةِ بُطرسَ الثَّانيةِ والإصحاحِ الأوَّل]. فَلا يُمكنُكم أن تَنظروا إلى الكتابِ المقدَّسِ نَظرةً أعلى مِن نَظرةِ يَسوعَ إليه.

لِذا، عندما نَدخُلُ في نِقاشاتٍ بِخُصوصِ سُلطانِ الكتابِ المقدَّسِ، وعِصمَتِهِ، وصِحَّتِهِ، وَوَحْيِهِ، أُحِبُّ دائمًا أن أبتدِئَ بالتَّحدُّثِ عَن نَظرةِ يَسوعَ إلى الكتابِ المقدَّسِ لأنَّني أريدُ أن أَتَبَنَّى نَظرتَهُ. وَحَتَّى إنْ لم تَكونوا تُؤمِنونَ بِنظرتِهِ فإنِّي أَبْقى مُلتَصِقًا بِه. هُناكَ كِتابٌ صَدَرَ حَديثًا بعُنوان: "خَمسةُ آراءٍ بِخُصوصِ عِصمةِ الكتابِ المُقدَّس". ولكِنْ لا تُوجدُ خَمسةُ آراءٍ بِخُصوصِ العِصمةِ، بَل هُناكَ رَأيٌ صَحيحٌ واحِدٌ فقط وأربعُ أكاذيب. فإمَّا أنَّهُ مَعصومٌ وَإمَّا أنَّهُ غَيرُ مَعصوم. فَلا يُمكِنُ نَقْضُهُ لأنَّهُ إنْ نُقِضَ فَقد نُقِضَ تَمامًا. وَهذا اعتِداءٌ سَافِر. فَلا يُمكِنُكم أنْ تَمَسُّوا كَلِمَةً فيه. ولا يُمكِنُكم أن تَحذِفُوا كَلِمَةً مِنه. وإذْ يُناقِشُ رَبُّنا أخطرَ ادِّعاءٍ ادَّعَاهُ يَومًا فإنَّهُ يُرَكِّزُ حُجَّتَهُ على كَلمةٍ واحِدَة... كَلِمَةٍ واحدةٍ فقط. فَقد كانَت هذهِ هِيَ نَظرتُهُ إلى الكتابِ المقدَّس.

واسمَحُوا لي أن أُريكُم مَثلاً إيضاحِيًّا آخر. افتَحُوا على إنجيل مَتَّى والإصحاحِ الثَّاني. وَنَحنُ لَدينا مُتَّسَعٌ مِنَ الوَقتِ للقيامِ بِذلك سَواءَ صَدَّقتُم ذلكَ أَمْ لَم تُصَدِّقوه. إنجيل مَتَّى 22: 23: "فِي ذلِكَ الْيَوْمِ جَاءَ إِلَيْهِ صَدُّوقِيُّونَ، الَّذِينَ يَقُولُونَ لَيْسَ قِيَامَةٌ". ولماذا كانُوا يَقولونَ ذلك؟ لأنَّهُم كانُوا يُؤمِنونَ بأنَّ أسفارَ مُوسَى الخَمسةَ، أوِ التَّوراةَ، أو أوَّلَ خَمسةِ أسفارٍ في العهدِ القديمِ، هِيَ مُوْحَى بِها مِنَ اللهِ، وَأنَّ كُلَّ مَا تَبَقَّى مِنَ العهدِ القديمِ هُوَ تَعليقٌ بَشَرِيٌّ على أوَّلِ خَمسةِ أسفار. حسنًا؟ لِذا، فقد كانوا يُؤمِنونَ بأنَّ أوَّلَ خَمسةِ أسفارٍ هِيَ كَلِمَةُ اللهِ المُوحَى بِها. وَحيثُ إنَّ مُوسَى لم يَكتُب عَنِ القِيامَةِ في الأسفارِ الخَمسةِ الأولى، لم يَكونوا يُؤمِنونَ بالقِيامَة. فَقد كَانُوا ضَيِّقي الأُفُقِ جدًّا جدا، ومُتَزَمِّتينَ، ومُتَعَصِّبينَ، ويَحفظونَ كُلَّ مَا يَختصُّ بالنِّظامِ اللاَّوِيِّ لأنَّهُ كَانَ جُزءًا مِن نَاموسِ مُوسَى. وَكانُوا يَنظرونَ إلى أنفسِهم على أنَّهُم حُماةَ الدِّيانَةِ الحَقيقيَّةِ. لِذا فقد كانُوا يَرفُضونَ كُلَّ التَّقاليدِ الشَّفَهِيَّةِ، وكُلَّ التَّقاليدِ المَكتوبةِ، وكُلَّ تَقاليدِ أحْبارِ اليَهود. فَقد كانُوا يَرفُضونَها بِجُملتِها، ويَرفُضونَ كُلَّ ذَرَّةٍ مِنها. وَكانُوا عَنيدينَ، ومُتَشَدِّدينَ، وَأُصولِيِّين. وهُناكَ مَن يَرى أنَّهُم كانُوا يُنكِرونَ القِيامَةَ لأنَّهُم كانُوا مُتَحَرِّرينَ لاهُوتِيًّا. ولكِنْ لا! بَلْ إنَّهُم كانُوا يُنكِرونَ القِيامَةَ لأنَّهُم كانُوا أُصولِيِّينَ جدًّا ولا يَقبَلونَ سِوى أوَّلَ خَمسةِ أسفارٍ في العهدِ القديم.

لِذا فقد أرادُوا أن يُعْثِرُوا يَسوعَ بِخُصوصِ القِيامَة. لِذ فقد قَالوا لَهُ هذهِ القِصَّةَ الغَريبةَ عَن سَبْعَةِ إخوة. وَكانَ يُوجَدُ نَاموسٌ في العهدِ القديمِ يَقولُ إنَّهُ إنْ مَاتَ رَجُلٌ مُتَزَوِّجٌ، يَنْبَغي لأخيهِ [إنْ لم يَكُن مُتزوِّجًا] أن يَأخُذَ زَوجةَ أخيهِ ويَعتني بِها. وَهذا هُوَ ما فَعَلَهُ هَؤلاءِ الإخوة. لِذا في هذهِ الحَالةِ الافتراضِيَّةِ، كانَ يُوجَدُ سَبعةُ إخوة. فَتَزَوَّجَ الأوَّلُ وَماتَ قَبلَ أن يَكونَ لَهُ نَسْل. فَتَزَوَّجُ الأخُ الثَّاني زَوجَتَهُ وَمات. وَتَزَوَّجَها الثَّالِثُ وَمات، وَهَلُمَّ جَرَّا إلى الأخِ السَّابِع. وَأودُّ أن أقولَ بِصراحَةٍ، يا أحبَّائي، إنَّ آخِرَ أربعةِ إخوةٍ كَانُوا حَمْقَى لأنَّ كُلَّ مَنْ سَبَقَهُمْ قَد مَات. لِذا، هُناكَ قَاسِمٌ مُشتَرَكٌ واحِدٌ هُنا وَهِيَ تِلكَ الزَّوجةُ الجَالِسَةُ في المَطبَخ!

ولكِنْ على أيَّةِ حَال، هذهِ ليسَت نُقطَتُنا. فالمُهِمُّ هُوَ أنَّهُم جَميعًا مَاتُوا. لِذا، فَقد كانُوا يَظُنُّونَ أنَّ هَذا المَوقِفَ سَخيفٌ جدًّا لأنَّهُ إنْ كانَتْ هُناكَ قِيامَة، لِمَنْ مِنَ السَّبْعَةِ تَكُونُ زَوْجَةً؟ "فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «تَضِلُّونَ إِذْ لاَ تَعْرِفُونَ الْكُتُبَ...". وَها هُوَ يَتحدَّثُ عَنِ الكتابِ المقدَّسِ مَرَّةً أخرى. "...وَلاَ قُوَّةَ اللهِ. لأَنَّهُمْ فِي الْقِيَامَةِ لاَ يُزَوِّجُونَ وَلاَ يَتَزَوَّجُونَ، بَلْ يَكُونُونَ كَمَلاَئِكَةِ اللهِ فِي السَّمَاءِ". فَلا يُوجَدُ زَواجٌ في السَّماء. "وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ" – لِنَضَعْ حَدًّا لِقِصَّتِكُم السَّخيفَة! لِنَعُد إلى القِيامَة. "وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ [في العَددِ الحَادي والثَّلاثين] أَفَمَا قَرَأْتُمْ مَا قِيلَ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ اللهِ"؛ أيْ دَعوني أَصْحَبُكُم إلى العهدِ القديم. فَيَسوعُ يَرْجِعُ بِهِم إلى العهدِ القديم. "أَفَمَا قَرَأْتُمْ مَا قِيلَ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ اللهِ". وَهُوَ يَقتَبِسُ مَا جَاءَ في سِفْرِ الخُروج 3: 6 إذْ يَقولُ اللهُ: "أَنَا إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ؟ لَيْسَ اللهُ إِلهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلهُ أَحْيَاءٍ»".

مَا المَقصودُ بذلك؟ عِندما قَالَ اللهُ ذلكَ في الإصحاحِ الثَّالثِ مِن سِفْرِ الخُروج، كانَ إبراهيمُ قَد مَاتَ، وكانَ إسحاقُ قَد مَاتَ، وكانَ يَعقوبُ قَد مَات. فَلَو لَم تَكُن هُناكَ قِيامَة، لَقالَ اللهُ: "أَنَا كُنْتُ إِلهَ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهَ إِسْحَاقَ وَإِلهَ يَعْقُوبَ". ولكِنْ عندما يَقولُ: "أَنَا إِلهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ وَإِلهُ يَعْقُوبَ" فَكَأنَّهُ يَقولُ إنَّهُم أحياءٌ. لِذا فإنَّ الحُجَّةَ كُلَّها قَائمةٌ لا على الكلمةِ فقط، بَل على الزَّمَنْ. فَهُوَ يَتكلَّمُ بِصيغةِ المُضارِع. إذًا، ما هِيَ نَظرةُ يَسوعَ إلى الكتابِ المقدَّس؟ لا يُمكِنُكم أن تَنقُضُوا كَلِمَةً واحِدَةً فيه. ولا يُمكِنُكم أن تُغَيِّرُوا زَمَنَ فِعْل.

ثُمَّ إنَّ هُناكَ مَثَلاً إيضاحِيًّا آخرَ في إنجيلِ مَتَّى والإصحاحِ الخامِسِ، في العِظَةِ على الجَبَل؛ وتَحديدًا في الإصحاحِ الخامِسِ والأعداد مِن 17 إلى 19. فَقد قَالَ يَسوعُ: "لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ". وَهذهِ صِيغَةٌ للفِعْل "لُوُو" (luo). فَهُوَ الفِعْلُ نَفسُه. "أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ [أيْ إلى أنْ تَنْتَهي الخَليقَةُ بالصُّورةِ الَّتي نَعرِفُها عليها] لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوس". فَلا يُمكِنُكم أن تَعبَثُوا بالكَلِماتِ، ولا يُمكِنُكم أن تَعبَثُوا بأزمِنَةِ الأفعالِ، ولا يُمكِنُكم أن تَعبَثُوا بالحُروف.

وبالمُناسَبة، نَقرأُ في العَدد 19: "فَمَنْ نَقَضَ..." [وَهِيَ نَفسُ الكلمة: "لُوُو" "luo"] "فَمَنْ نَقَضَ إِحْدَى هذِهِ الْوَصَايَا الصُّغْرَى وَعَلَّمَ النَّاسَ هكَذَا، يُدْعَى أَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ". هَل تُريدونَ أن تَعلَموا مَنِ الأصغَرُ في مَلكوتِ السَّماواتِ؟ الأشخاصُ الَّذينَ يُشَكِّكونَ في عِصْمَةِ الكتابِ المقدَّسِ ويُعَلِّمونَ الآخرينَ أن يَفعلوا الشَّيءَ نَفسَهُ. وَهذا أمرٌ مُرعِب! إذًا، مَنِ الأعظَمُ في المَلَكوت؟ "وَأمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ، فَهذَا يُدْعَى عَظِيمًا".

إذًا، هذهِ هِيَ نَظرةُ يَسوعَ إلى الكتابِ المقدَّس. فَهُوَ لا يُمكِنُ أن يُنقَض. والآن، يُمكنُكم العَودة إلى إنجيل يُوحنَّا والإصحاحِ العاشِر. فقد قالَ لَهُم يَسوعُ: لِمَ لا تَرجِعونَ إلى الأسفارِ المُقَدَّسَةِ، وتُفَكِّرونَ بمَوضوعيَّةٍ، وتَضَعونَ تِلكَ الحِجارة. فَكِّروا بِموضوعيَّةٍ في أنَّهُ عندما يَأتي أُناسٌ مِن عِندِ اللهِ، ويَتكلَّمُونَ كَلامَ اللهِ، مِنَ المَنطِقِيِّ أنْ يُدْعَوْا آلِهَةً بِصِفَتِهم مُمَثِّلينَ لله. وَإنْ كَانَ هَذا يَسري على أُناسٍ فَاسِدينَ، كَمْ بالحَرِيِّ يَسْري على اللهِ المُتَجَسِّدِ الكامِلِ الخَالي مِنَ الخطيَّة؟ وَأنا لا أطلُبُ مِنكُم أن تُؤمِنُوا بِشيءٍ لا يُمكِنُ إثباتُ صِحَّتِه.

العَدد 37: "إِنْ كُنْتُ لَسْتُ أَعْمَلُ أَعْمَالَ أَبِي فَلاَ تُؤْمِنُوا بِي". احُكْموا حُكْمًا مَوضوعِيًّا. "وَلكِنْ إِنْ كُنْتُ أَعْمَلُ، فَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِي [أو بادِّعاءَاتِي] فَآمِنُوا بِالأَعْمَالِ، لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا أَنَّ الآبَ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ"؛ أيْ أنَّنا واحِدٌ [كَما قَالَ في العَدد 30].

إذًا، كَيفَ يُبرهِنُ يَسوعُ على أنَّهُ الله؟ مِن خِلالِ أعمالِه. وهذهِ دَعْوَةٌ أخيرة. آمِنُوا! آمِنُوا! آمِنُوا بالأعمال. آمِنُوا بالأعمالِ لكي تَعرِفُوا وتُؤمِنوا. فالطَّريقةُ الوَحيدةُ للحُصولِ على الحَياةِ الأبديَّةِ هِيَ أن تُؤمِنوا بالرَّبِّ يَسوعَ المَسيحِ، وَأنْ تُؤمِنوا بأنَّهُ اللهُ الَّذي جَاءَ في جَسَدٍ بَشريٍّ. وهذهِ هِيَ الدَّعوةُ الأخيرةُ المُفعَمَةُ بالنِّعمَة. يُمكِنُكم أن تَقولوا عَنِّي إنِّي مُجَدِّفٌ بِسَببِ كَلامي، ولكِنْ لا يُمكِنُكم أن تَقولوا عَنِّي إنِّي مُجَدِّفٌ إذا نَظرتُم إلى أعمالي. فَكُلُّها جَاءَت مِنَ الآبِ لإكرامِ الآب. أمَّا قَولُكُم بأنِّي أفعلُ ما أفعل بِقُوَّةِ جَهنَّم فَإنَّهُ يُعلِنُ وَحَسْب فَسادَ قُلوبِكُم. إنَّها دَعوةٌ أخيرةٌ مُفْعَمَةٌ بالنِّعمَة.

ثُمَّ نَأتي إلى العَدد 39. وَهَذِهِ هِيَ أوَّلُ رَدَّةِ فِعْلٍ لَهُم. العَواقِب. العَواقِب. وَهذا هُوَ المَشهَدُ الأخيرُ مِنَ المَشاهِدِ الخَمسَة. العَواقِب: "فَطَلَبُوا أَيْضًا أَنْ يُمْسِكُوهُ فَخَرَجَ مِنْ أَيْدِيهِمْ". في هذهِ النُّقطةِ، كَما أخبرتُكُم، لم يَكونوا يُبالونَ بما يَقولُهُ، ولم يَكونوا يُبالونَ بِالحُجَجِ الَّتي يُقَدِّمُها، ولم يَكونوا يُبالونَ بِرحمَتِهِ أو نِعمَتِهِ أو لُطفِهِ؛ بَل كانُوا مُصِرِّينَ على عَدمِ إيمانِهم. وَقَدِ استَمَرُّوا في المُطالَبَةِ بِهَدْرِ دَمِهِ إلى أنْ رَأَوْا الرُّومانَ يُسَمِّرونَهُ على صَليب. وَكانَتْ رَدَّةُ فِعلِهِم هَذِهِ مُشابِهَةً لِرَدَّةِ فِعلِهم في العَدد 31. ولكِنْ في هَذِهِ المَرَّةِ حَاوَلوا أن يُمسِكوهُ مَرَّةً أخرى للسَّببِ نَفسِهِ؛ أيْ كَيْ يَرجُموهُ حَتَّى المَوت. ولكنَّهُ اختَفى. فَقد أرادُوا أن يَقضُوا عَليهِ وَأن يَرجُموه. وَقد فَعَلوا الشَّيءَ نَفسَهُ بالرَّسولِ بُولُس، أو حَاوَلوا أن يَفعلوا ذلكَ في الإصحاحِ الحادي والعِشرينَ مِن سِفْرِ أعمالِ الرُّسُلِ في المَكانِ نَفسِهِ؛ أيْ في الهَيكلِ نَفسِه.

ولكنَّ ذلكَ لم يَكُن مُمكِنًا. لماذا؟ لأنَّ سَاعَتَهُ لَم تَكُنْ قَد جَاءَتْ بَعد. وَهُوَ يَقولُ ذلكَ في الإصحاحِ السَّابع، ويَقولُ ذلكَ في الإصحاحِ الثَّامن. فَهُم لم يُلقُوا القَبضَ عليهِ مُدَّةَ ثَلاثةِ أشهُر؛ أيْ إلى أنْ حَانَ الوَقتُ الَّذي عَيَّنَهُ اللهُ في عِيدِ الفِصْحِ الأخير.

لِذا فإنَّ العَاقِبَةَ الأولى هِيَ أنَّ الرَّافِضينَ عَقَدُوا النِّيَّةَ مَرَّةً أخرى على عَدمِ الإيمانِ الَّذي سَيَدينُهم. ولكِنْ تُوجَدُ نِهايةٌ مُبْهِجَة. فَلم يَكُن يُوجَدُ رَافِضونَ فَقط، بَل كانَ يُوجَدُ أشخاصٌ قَبِلوا الحَقَّ. فنحنُ نَقرأُ في العَدد 40: "وَمَضَى". فَقد مَضَى مُدَّةَ ثَلاثةِ أشهُر. وإلى أينَ ذَهَب؟ لَقد مَضَى "إلَى عَبْرِ الأُردُنِّ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ يُوحَنَّا يُعَمِّدُ فِيهِ أَوَّلاً". وأينَ يَكونُ ذلكَ المَكان؟ إنَّهُ مَكانٌ يُدعَى "بَيْت عَنْيا" [كَما وَرَدَ في الإصحاحِ الأوَّلِ والعَددِ الثَّامِنِ والعِشرين]. وَهُوَ اسْمٌ مَعناهُ: "بَيْت الفُقَراء". وَهُوَ يُسَمَّى أحيانًا "بَيْت عَبْرَة". وَهُوَ مَكانٌ مُختلِفٌ عَن بَيْت عَنْيا المُجاورةِ لأورُشَليمَ حيثُ كَانَ يَعيشُ لِعازَرُ ومَريمُ ومَرْثا. فَهِيَ مَكانٌ آخرُ اسمُهُ "بَيْت عَنْيا". وَهُوَ المَكانُ الَّذي ابتدأَ يُوحَنَّا المَعمَدانُ خِدمَتَهُ فيه. لِذا فَإنَّ المَكانَ الَّذي ابتدأَ يُوحَنَّا المَعمَدانُ خِدمَتَهُ فيهِ هُوَ نَفسُ المَكانِ الَّذي خَتَمَ فيهِ يَسوعُ خِدمَتَهُ فيه.

لِذا فقد رَجَعَ إلى هُناكَ ومَكَثَ هُناكَ إلى الإصحاحِ الحادي عَشَر حَيْثُ رَجَعَ في فَترةِ عِيدِ الفِصْح كَيْ يَدخُلَ أورُشَليمَ ويَموت. ونَقرأُ في العَدد 41: "فَأَتَى إِلَيْهِ كَثِيرُونَ وَقَالُوا: إِنَّ يُوحَنَّا لَمْ يَفْعَلْ آيَةً وَاحِدَةً". ولماذا لَم يَصنَع يُوحَنَّا المَعمَدانُ مُعجِزاتٍ؟ لأنَّهُ لم يَكُن رَسولاً. فالآياتُ والعَجائِبُ أُعطِيَتْ للرُّسُل. لِذا فإنَّهُ لَم يَفعَل آيةً واحِدَة. "وَلكِنْ كُلُّ مَا قَالَهُ يُوحَنَّا عَنْ هذَا كَانَ حَقًّا". والآن، هَذا شَيءٌ يَنبغي لِكُلِّ كَارِزٍ أن يَفعلَهُ. فَنَحنُ لا نَصنَعُ مُعجِزاتٍ. ويُوحَنَّا المَعمَدانُ لم يَفعل آيةً واحِدَة. ولكِنَّنا نَرجو أنَّ كُلَّ ما قَالَهُ يُوحنَّا المَعمَدانُ عَن يَسوعَ المَسيحِ صَحيح. وهذهِ هيَ الخِدمَة. وَقد كانَ ذلكَ يَصِحُّ على خِدمةِ يُوحَنَّا المَعمَدان. وكانَ يُوحَنَّا المَعمَدانُ مَيْتًا آنَذاك. فَقد تَمَّ قَطْعُ رَأسِه. ولكِنَّهُم تَذَكَّروه. ومِنَ المُرَجَّحِ أنَّهُ كانَ يُوجَدُ أُناسٌ كَثيرونَ هُناك. وأنا مُتَيَقِّنٌ مِن أنَّهُ كَانَ هُناكَ أُناسٌ مُلتَصِقونَ بِهِ، وَأنَّهُم كانُوا مَا زَالُوا هُناكَ، وَأنَّهُم تَذَكَّروا جَيِّدًا السَّنواتِ العَديدةَ الَّتي خَدَمَ فيها يُوحَنَّا المَعمَدان. وأعتقدُ أنَّ يُوحَنَّا المَعمَدانَ بَيَّنَ مِن خِلالِ العهدِ القديمِ كيفَ أنَّ يَسوعَ هُوَ المَسِيَّا. فَقد كانَ يُوحَنَّا المَعمَدانُ يَكْرِزُ مِنَ العهدِ القديمِ ويُشيرُ إلى تَحقيقِ النُّبوءاتِ في المَسيح.

ونَحنُ لا نَعرِفُ كُلَّ قِصَّةِ خِدمَةِ يُوحَنَّا المَعمَدان، ولكنَّها دَامَتْ سَنواتٍ عَديدة. وَقد جاءَ هؤلاءِ وَقالوا: "كُلُّ مَا قَالَهُ يُوحَنَّا عَنْ هذَا كَانَ حَقًّا". فَقد سَمِعُوا يُوحَنَّا المَعمَدان، وَرَأَوْا المَسيحَ، ورَأَوْا مَا فَعَلَهُ المَسيح. فَهُمُ الأشخاصُ الَّذينَ رَأَوْا المُجِزاتِ وآمَنُوا بأنَّها مِن عِندِ اللهِ. فَقد أَثْمَرَتْ خِدمةُ يُوحَنَّا المَعمَدانِ قَبلَ وَقتٍ طَويلٍ مِن مَوتِهِ... قَبلَ وَقتٍ طَويلٍ مِن مَوتِ يُوحَنَّا المَعمَدان. فَقد ظَلَّ صَدَى كَلِماتِهِ عَنْ يَسوعَ يَتَرَدَّدُ في آذانِهِم ثُمَّ إنَّهُم رَأَوْا صِحَّةَ مَا قَالَهُ مِن خِلالِ أعمالِ المَسيح. وَمِنَ الجَيِّدِ أن نَعلَمَ أنَّهُ قَبلَ تَنزيلِ العِظاتِ فإنَّ مَا يَقولُهُ الخُدَّامُ يَبقى حَيًّا في الذَّاكِرَة. ونَتيجة لِذلك، "آمَنَ كَثِيرُونَ بِهِ هُنَاكَ". "وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ".

هَذا هُوَ ما حَدَث. وَكانَتْ هذهِ هِيَ آخِرُ مَرَّةٍ يَخدِمُ فيها يَسوعُ عَلَنِيًّا. فَقد مَكَثَ يَسوعُ هُناكَ مَعَ تَلاميذِهِ وَمَعَ الأشخاصِ الَّذينَ آمَنُوا بِهِ إلى أنْ حَانَ وَقتُ عَودَتِهِ إلى أورُشَليمَ كَيْ يَموت. والسُّؤالُ الَّذي يَطرَحُ نَفسَهُ هُنا وَاضِحٌ: هَل تُؤمِن؟ هَل تُؤمِنُ بأنَّ أعمالَ يَسوعَ خَارِقَةٌ للطَّبيعة؟ إنَّهُ أمرٌ لا جِدالَ فيه. فَإنْ كانَتْ خَارِقَةً للطَّبيعةِ، لا بُدَّ أنَّها جاءَتْ إمَّا مِنَ السَّماءِ وَإمَّا مِنْ جَهَنَّم. هَل تُؤمِنُ بأنَّ يَسوعَ كَانَ خَادِمًا للشَّيطان؟ إنْ لم تَكُن تُؤمِنُ بِذلك، لا بُدَّ أنَّهُ الله. وَإنْ كانَ اللهَ، يَنبغي أن تُؤمِنَ بِما قَالَهُ عَن نَفسِه. فَمِنَ التَّجديفِ أن تُنْكِرَهُ أو تَرفُضَهُ لأنَّ ذلكَ سَيَحرِمُكَ إلى الأبدِ مِنَ الحَياةِ الأبديَّة. أمَّا إنْ آمَنْتَ فإنَّكَ سَتَنالُ الخَلاصَ، والحَياةَ الأبديَّةَ، وغُفرانَ الخَطايا، وستَصيرُ وَاحِدًا مِن أولادِ اللهِ، وستَحصُلُ على هِبَةِ الرُّوحِ القُدُسِ والوَعْدِ بالمَجدِ السَّماوِيِّ، والبَرَكاتِ الأبديَّةِ، والفَرَحِ الأبديّ. وَهذا كُلُّهُ يَبتَدِئُ بالإيمانِ بأنَّ يَسوعَ هُوَ ابْنُ الله. هَذا هُوَ الإنجيل. وهذهِ هِيَ الرِّسالةُ المَسيحيَّة. وَهِيَ نَابِعَةٌ مِنَ الكتابِ المقدَّس. والكتابُ المُقَدَّسُ يَقولُ الحَقَّ دائِمًا.

يا أبانا، نَشكُرُكَ على الفُرصَةِ الَّتي أعطيتَنا إيَّاها في هذا الصَّباحِ لكي نَجتَمِعَ في حَضْرَتِكَ وأمامَ عَرْشِكَ مَعَ أنَّ ذلكَ يَقَعُ في إطارِ واقِعٍ مُختلِفٍ وبُعْدٍ آخرَ مِنَ الوُجود. ولكنَّنا نَشعُرُ بأنَّنا هُناكَ. ونَحنُ نَعلَمُ أنَّكَ تَلتَقي شَعبَكَ، وَأنَّكَ الْجَالِسُ بَيْنَ تَسْبِيحَاتِهِم. نَشكُرُكَ على امتيازِ المَجيءِ قُدَّامَ عَرْشِكَ. ونَشكُرُكَ على الفُرصةِ الرَّائعةِ لِسَماعِ الكلمةِ بِخصوصِ المَسيحِ مرَّة أخرى لأنَّ الإيمانَ يَأتي مِن خِلالِ سَماعِ الكلمةِ بخصوصِ المَسيحِ [كَما قَالَ لنا بُولُس]. فالإيمانُ يَأتي مِن خِلالِ تَصديقِ كَلامِ المَسيحِ، وتَصديقِ مَا فَعَلَهُ على الصَّليبِ، وتَصديقِ قِيامَتِه.

يَا رَبُّ، صَلاتي هِيَ أنْ يَكونَ هُناكَ أشخاصٌ كَثيرونَ اليومَ يَسمَعونَ هذهِ الرِّسالةَ ويُؤِمِنونَ بأنَّهُ لَوْ أنَّ كُلَّ أعمالِهِ الخَارِقَةِ للطَّبيعةِ كانَتْ سَتُكْتَبُ فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ الْمَكْتُوبَة. فَمَنْ يُصَدِّقُ أنَّها كانَتْ أعمالاً مِنْ جَهَنَّمَ أو مِنَ الشَّيطانِ في حينِ أنَّ كُلَّ مَا فَعَلَهُ كَانَ صَالِحًا جدًّا، ونَبيلاً جدًّا، ورائعًا جدًّا، ومَجيدًا جدًّا، ويُكْرِمُ اللهَ جدًّا؟ لِذا، لا بُدَّ أنَّ مَا قَالَهُ عَن نَفسِهِ صَحيح. فَهُوَ الرَّجاءُ الوَحيدُ للخَلاصِ، والمُخَلِّصُ الوَحيد. يا أبانا، لَيْتَكَ تَفتَح قُلوبَ كَثيرينَ كَيْ يُؤمِنوا. كَيْ يُؤمِنوا. ونَشكُرُكَ، يا رَبُّ، على امتيازِ عِبادَتِكَ في هذا اليَوم. وَيَا لَيْتَ عِبادَتَنا تَستَمِرُّ فيما نَعيشُ لِتَمجيدِ اسْمِكَ.

"وَإِلهُ السَّلاَمِ الَّذِي أَقَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ رَاعِيَ الْخِرَافِ الْعَظِيمَ، رَبَّنَا يَسُوعَ، بِدَمِ الْعَهْدِ الأَبَدِيِّ، لِيُكَمِّلْكُمْ فِي كُلِّ عَمَل صَالِحٍ لِتَصْنَعُوا مَشِيئَتَهُ، عَامِلاً فِيكُمْ مَا يُرْضِي أَمَامَهُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي لَهُ الْمَجْدُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِين". والجَميعُ يَقولُونَ: "آمِين".

This sermon series includes the following messages:

Please contact the publisher to obtain copies of this resource.

Publisher Information
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969

Welcome!

Enter your email address and we will send you instructions on how to reset your password.

Back to Log In

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize
View Wishlist

Cart

Cart is empty.

Subject to Import Tax

Please be aware that these items are sent out from our office in the UK. Since the UK is now no longer a member of the EU, you may be charged an import tax on this item by the customs authorities in your country of residence, which is beyond our control.

Because we don’t want you to incur expenditure for which you are not prepared, could you please confirm whether you are willing to pay this charge, if necessary?

ECFA Accredited
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Back to Cart

Checkout as:

Not ? Log out

Log in to speed up the checkout process.

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize