
إذْ نُتابِعُ دِراستَنا في هذا الصَّباحِ للرِّسالةِ الثَّانيةِ إلى أهلِ كورِنثوس، نأتي إلى واحدةٍ مِن أكثرِ العقائدِ الأساسيَّة والجَوهريَّةِ في الكتابِ المقدَّس. والحقيقةُ هي أنَّ ما سنَتعلَّمُهُ في هذا النَّصِّ في هذا الصَّباحِ هو حَجَرُ زاويةٍ في كُلِّ فَهْمٍ مَسيحيٍّ وكُلِّ سُلوكٍ مَسيحيٍّ. وسوفَ نَتعرَّفُ اليومَ إلى هذا المَبدأِ الَّذي ذَكَرَهُ الرَّسولُ بولُسُ ولَهُ أبعادٌ مُهمَّةٌ وحَاسِمَةٌ جدًّا على نَفعِنا وعلى بَرَكَتِنا.
أرجو مِنكُم أن تَفتحوا كِتابَكُم المُقدَّس على الرِّسالة الثَّانية إلى أهلِ كورنثوس والأصحاحِ السَّادس. ولن أصرفَ الكثيرَ مِنَ الوقتِ في التَّمهيدِ للرِّسالة، بل أريدُ أن أدخُلَ إلى صُلْبِ المبدأِ المَذكورِ هُنا لأنَّهُ مُهمٌّ جدًّا جدًّا. الرِّسالة الثَّانية إلى أهلِ كورنثوس 6: 14. واسمَحوا لي أن أقرأَ الفِقْرةَ التَّاليةَ ابتداءً مِنَ العَدد 14: "لاَ تَكُونُوا تَحْتَ نِيرٍ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لأَنَّهُ أَيَّةُ خِلْطَةٍ لِلْبِرِّ وَالإِثْمِ؟ وَأَيَّةُ شَرِكَةٍ لِلنُّورِ مَعَ الظُّلْمَةِ؟ وَأَيُّ اتِّفَاق لِلْمَسِيحِ مَعَ بَلِيعَالَ؟ [أيِ: الشَّيطان] وَأَيُّ نَصِيبٍ لِلْمُؤْمِنِ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ؟ وَأَيَّةُ مُوَافَقَةٍ لِهَيْكَلِ اللهِ مَعَ الأَوْثَان؟
"فَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ هَيْكَلُ اللهِ الْحَيِّ، كَمَا قَالَ اللهُ: «إِنِّي سَأَسْكُنُ فِيهِمْ وَأَسِيرُ بَيْنَهُمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا، وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا. لِذلِكَ اخْرُجُوا مِنْ وَسْطِهِمْ وَاعْتَزِلُوا، يَقُولُ الرَّبُّ. وَلاَ تَمَسُّوا نَجِسًا فَأَقْبَلَكُمْ، وَأَكُونَ لَكُمْ أَبًا، وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي بَنِينَ وَبَنَاتٍ، يَقُولُ الرَّبُّ، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ». فَإِذْ لَنَا هذِهِ الْمَوَاعِيدُ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ لِنُطَهِّرْ ذَوَاتِنَا مِنْ كُلِّ دَنَسِ الْجَسَدِ وَالرُّوحِ، مُكَمِّلِينَ الْقَدَاسَةَ فِي خَوْفِ اللهِ".
رُبَّما كانَ هذا النَّصُّ هو أكثر نَصٍّ كِتابيٍّ مَعروفٍ ومَوجودٍ في الرِّسالةِ الثَّانيةِ إلى أهلِ كورِنثوس. ورُبَّما كانتِ الجُملةُ الَّتي تَبتدئُ بالعدد 14 هي أكثرُ جُملةٍ يَتِمُّ اقتِباسُها مِن هذهِ الرِّسالةِ الرَّائعة. وهي تَقول: "[لاَ تَقتَرِنوا، أو:] لاَ تَكُونُوا تَحْتَ نِيرٍ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِين". وهذا هو المَبدأُ المُهمُّ جدًّا وحَجرُ الزَّاويةِ في الحياةِ المَسيحيَّةِ الَّذي سنُرَكِّزُ انتباهَنا عليهِ بعنايةٍ شَديدةٍ جدًّا.
عندَ قِراءةِ هذا النَّصِّ أوَّلَ مَرَّة، مِنَ الواضحِ مِن خلالِ هذا النَّصِّ أنَّ الرَّسولَ بولسَ يُشيرُ إلى عَالَمَيْنِ مُتناقِضَيْنِ، أو إلى نِطاقَيْنِ، أو مِضمارَيْنِ، أو مَملكتينِ، أو بُعْدَيْنِ مُتناقِضَيْنِ في الحَياة. الأوَّلُ مَوصوفٌ ويَتَّسِمُ بالبِرِّ، والنُّورِ، والمَسيحِ، والمُؤمنينَ، وحَضرةِ اللهِ. والثَّاني يَتَّسِمُ أو يُوصِفُ بأنَّهُ آثِمٌ، ومُظلِمٌ، وشَيطانِيٌّ، ويَسكُنُهُ غيرُ مُؤمِنين، ويَتَّسِمُ بحضورِ الأوثان. فَهُما مُجتَمَعَانِ أو نِطاقَانِ، أو عَالَمَانِ مُختلفانِ تَمامًا، ومُتبايِنانِ تَمامًا، ومُتعارِضانِ تَمامًا، ومُتنافِران تَمامًا. والرَّسولُ يَقولُ إنَّهُ لا يُمكِنُ البتَّة للأشخاصِ الموجودينَ في هاتينِ المَملكتينِ أن يَقترِنُوا معًا في عَملٍ مُشترك، وأنَّهُ لا يُمكِنُ لأيَّة شَرَاكَة، أو شَرِكَة، أو أيِّ انسجامٍ، أو قَاسِمٍ مُشترَكٍ أوِ اتِّفاقٍ أن يُوجدَ بينَهُم حَقًّا.
قبلَ سَنواتٍ، كانَت هُناكَ مَسرحيَّة مُوسيقيَّة بعُنوان: "عَالَمانِ مُختلِفان". وكانَ أوَّلُ سَطرٍ فيها يَقول: "نحنُ نَعيشُ في عَالَمَيْنِ مُختلفَيْن". وهذهِ هي تَمامًا الحالةُ هُنا. فَهُما عَالَمانِ مُختلفانِ لا يوجد بينَهُما أيُّ قَاسِمٍ مُشترَكٍ. فلا يوجد أيُّ شخصٍ يَعيشُ حَقًّا في كِلا العَالَمَيْن. صَحيحٌ أنَّ هُناكَ أشخاصًا يُحاولونَ ذلكَ ولكنَّهُم يُخفِقونَ لأنَّهُما عالَمانِ مُختلِفان. فواحدٌ مِنهُما قَديمٌ؛ وأمَّا الآخرُ فجَديد. وواحدٌ مِنهُما أرضِيٌّ؛ وأمَّا الثَّاني فسَماويٌّ. وواحدٌ مِنهُما مُميتٌ؛ وأمَّا الثَّاني فيُعطي حَياةً. وواحدٌ مِنهُما مَاديٌّ؛ وأمَّا الثَّاني فَروحِيٌّ. وواحدٌ مِنهُما مُمتلئٌ بالأكاذيب؛ وأمَّا الثَّاني فكُلُّهُ حَقٌّ. وواحدٌ مِنهُما مُرتبطٌ بالنَّجاسةِ؛ وأمَّا الثَّاني فمُرتبطٌ بالطَّهارة. ورسالةُ بولُس في هذا النَّصِّ تَهدفُ إلى تَوضيحٍ شَيءٍ لجميعِ المؤمنينَ وهو أنَّهُ لا يوجدُ أيُّ احتِمالٍ في العَيشِ في كِلا هَذينِ العَالَمَيْنِ أو في العَيشِ هُنا وهُناكَ بالتَّناوُب.
وقد تَقول: "ولماذا يَذكُرُ هذا الأمرَ هُنا؟" والجوابُ هُوَ: لأنَّ أهلَ كورِنثوس كانوا يُحاولونَ جاهِدينَ أن يَعيشوا في كِلا العَالَمَيْنِ، أو على أقَلِّ تَقدير أن يَتَنَقَّلوا بينَهُما. فقد جاءوا إلى المَسيح. ففي الأصحاحِ الخامسِ والعَدد 17، يَقولُ الرَّسول بولُس إنَّهُ: "إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا". فالخلاصُ يُسَمَّى "جِدَّة الحَياة". وكانَ أهلُ كورِنثوس قد دَخَلوا في تلكَ الجِدَّة. فقد جاءوا إلى الشَّيءِ الجَديدِ والسَّماويِّ الَّذي يُعطي حَياةً، وإلى الشَّيءِ الرُّوحِيِّ الحَقيقيّ. وقد جاءوا إلى المَملكةِ الَّتي تَتَّسِمُ بالبِرِّ، والنُّورِ، والمَسيحِ، والحُضورِ الإلهيِّ.
ولم تَكُن هُناكَ أيُّ إمكانيَّة في إقامةِ عَلاقةٍ مِن أيِّ نَوعٍ معَ الحياةِ القديمةِ والأرضيَّةِ والمُميتةِ والماديَّةِ والمُمتلئة بالأكاذيبِ والإثمِ والظُّلمةِ، والمُمارساتِ الشَّيطانيَّةِ والوَثنيَّة. فقد جُعِلوا طاهِرينَ ولا يُمكِنُهم أن يَستمرُّوا في إقامةِ علاقةٍ معَ أيِّ شيءٍ دَنِسٍ. هذه هي رسالةُ بولُس. وكانَ أهلُ كورِنثوسَ بحاجةٍ إلى سَماعِها. لماذا؟ لأنَّهم كانوا يَتَنَقَّلونَ بينَ هَذينِ العالَمَيْنِ المُختلِفَينِ والمُتناقِضَين.
وهذا يُشبِهُ أهلَ تسالونيكي الَّذينَ قالَ لَهُم بولُس: "[لقد] رَجَعْتُمْ إِلَى اللهِ مِنَ الأَوْثَان" (في رسالة تسالونيكي الأولى 1: 9). وقد فَعلوا ذلك. فقد رَجَعَ أهلُ كورنثوس إلى اللهِ مِنَ الأوثان. ولكن بسببِ تأثيراتِ الثَّقافةِ الوثنيَّةِ الَّتي كانوا يَعيشونَ فيها، استمرُّوا في العَودةِ إلى الوَثنيَّةِ القَديمة. ولم يَكُن هُناكَ أيُّ احتِمالٍ في أيِّ اتِّفاقٍ، أو أيِّ انسجامٍ، أو أيَّة شَراكَة، أو أيَّة شَرِكَة معَ تلكَ المَملكةِ القديمة. فقد كانوا يَسمَحونَ لأنفسِهم [بسببِ تأثيرِ ثَقافتِهم] أن يَنجرفوا ويَعودوا إلى أشكالِ وَثنيَّتِهم القديمة.
وما زَادَ الطِّينَ بِلَّةً هو أنَّهُ انْدَسَّ في وَسْطِهم مُعَلِّمونَ كَذَبة جَلَبوا مَعَهُم دِيانةً تَوفيقيَّةً وانتقائيَّة أَخَذتِ المَسيحيَّةَ واليهوديَّةَ والأشكالَ المألوفةَ مِنَ الدِّياناتِ الوثنيَّةِ وصَهَرتها جميعًا معًا لِصِياغةِ هَرطقةٍ زائفةٍ وشيطانيَّةٍ ومَلعونةٍ تَرَكَت تأثيرًا هائلاً في كنيسةِ كورنثوس حَتَّى إنَّ بعضًا مِن أهلِ كورنثوس انقَلَبوا على بولسَ وراحوا يُدافعونَ عن هؤلاءِ الرُّسُلِ الزَّائفينَ والمُعلِّمينَ الكَذَبة الَّذينَ جَاءوا بعقيدتِهم الشَّيطانيَّةِ وتَلفيقاتِهم الشَّيطانيَّة.
والآن، كانوا يُحاولونَ أن يَقرِنوا المَسيحيَّةَ بهذهِ البِدعةِ الجديدةِ، وأن يَقرِنوا بولسَ بهؤلاءِ الرُّسُلِ الزَّائفين. وكانَ ذلكَ الأمرُ مُستحيلاً تمامًا وبِكُلِّ مَعنى الكلمة. وعَدا عن كَونِهِ أمرًا مُستحيلاً، كانَ أمرًا مُدَمِّرًا إلى حَدٍّ مُخيفٍ كما سنَرى لاحقًا. لِذا، كانَ لا بُدَّ لبولُس أن يَتطرَّقَ لهذهِ المُشكلةِ في كورنثوس. فقد كانتِ المُشكلةُ قائمةً عندما كَتَبَ رسالتَهُ الأولى إلى أهلِ كورنثوس. وقد كانتِ المُشكلةُ قائمةً قبلَ رسالتِهِ الأولى إلى أهلِ كورنثوس عندما كَتَبَ رسالَتَهُ التَّمهيديَّة غير المَوجودة في الكتابِ المقدَّس.
فالمُشكلةُ ما تَزالُ قائمةً، وهي تَتفاقَمُ الآنَ بسببِ مَجيءِ مُعَلِّمينَ كذبة جَلَبوا شَكلاً آخرَ مِنَ الدِّيانةِ الوثنيَّةِ المَمزوجةِ رُبَّما باليهوديَّةِ والمسيحيَّةِ لِجَعلِها مَقبولةً أكثر. لِذا فقد كانَ أهلُ كورِنثوسَ هؤلاءِ يَقفزونَ تَارَةً هُنا وتَارَةً هُناكَ بينَ المسيحِ وديانَتِهم الوثنيَّةِ السَّابقة. وكانوا يَفعلونَ ذلكَ أحيانًا بشكلٍ غيرِ مُتَعَمَّد. لِذا فإنَّ بولسَ يَقولُ مُباشرةً في العدد 14 إنَّ هذا هو الأمر، أوِ الوَصيَّة، أوِ المِعيار، أوِ المَبدأ المُشار إليهِ في بَقيَّةِ النَّصّ. والمَبدأُ هُوَ كالتَّالي: "لاَ تَكُونُوا تَحْتَ نِيرٍ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِين".
وهذه جُملةٌ كلاسيكيَّة. وكما قُلتُ، رُبَّما كانت هذهِ هي أكثرُ آيةٍ مَعروفةٍ في كُلِّ هذهِ الرِّسالة. فهي دَعوةٌ كَلاسيكيَّةٌ مِنَ الرَّسولِ للانفصالِ عن غيرِ المُؤمِنين. والحقيقةُ هي أنَّ هذا هو أعظمَ تَحَدٍّ أمامَكُم وأمامي أنا أيضًا بصفَتِنا مُؤمِنين. فألاَّ نَكونَ تَحتَ نِيْرٍ معَ غيرِ المؤمنينَ هُوَ أعظمُ تَحَدٍّ أمامَنا. وأن نَعيشَ حَياةً مُنفصلةً هو أعظمُ تَحَدٍّ؛ ولا سِيَّما في ثَقافةٍ تُمْطِرُنا بكُلِّ عَناصِرِ الوَثنيَّة. والأمرُ لا يَقتصِرُ فقط على أنَّهُ أعظمُ تَحَدٍّ أمامَنا، بل إنَّهُ أعظمُ مَصدرٍ للفَرحِ والنَّفْعِ عندما نُطيعُ تلكَ الوَصيَّة.
فالطَّاهرُ والنَّجِسُ لا يَشتركانِ معًا في أيِّ شيءٍ في النِّهاية. ولا يَجوزُ لِشعبِ اللهِ أن يُنشِئَ عَلاقةً حَميمةً معَ هَؤلاءِ الأشخاصِ الَّذينَ لا يَنتمونَ إلى الله. فكُلُّ علاقاتٍ كهذهِ هي عَلاقاتٌ سَطحيَّة. ولا يُمكنُكَ أن تُقيمَ عَلاقةً حَقيقيَّةً معَ أيِّ عَدُوٍّ للإنجيل. فَهُم يَعيشونَ في عَالَمٍ مُختلِفٍ تَحتَ قائدٍ مُختلفٍ ومُعادٍ ومُناهِضٍ لَنا تَمامًا.
والآن، ما مَعنى ذلك؟ وما هي المَعاني الضَّمنيَّة لهذا الكَلام؟ أوَّلاً، إنَّ العبارة "لا تَقترِنوا" تُتَرجم عادةً "لا تَكونوا تَحتَ نِيْرٍ" لأنَّها مُتَرجمة عن عِبارةٍ يُونانيَّةٍ تَعني ذلكَ ضِمنيًّا. والحقيقةُ هي أنَّ العِبارةَ اليونانيَّةَ، أوِ الفِعل اليونانيِّ المُستخدَم هُنا يُترجَم أحيانًا "تَحتَ نِيْرٍ مُخالِف"، وهي الكلمة "هيتيروزوغيئو" (heterozugeo) يُمكِنُ أن تُستخدمَ للإشارةِ إلى القيامِ معًا بجُهدٍ مُشترَك. ولكنَّ بولسَ يَستعيرُ هذا التَّشبيهَ لا مِنَ اللُّغةِ اليونانيَّةِ، بل مِن فِكرةٍ وَرَدَت في سِفْرِ التَّثنية 22: 10.
فعندما كانَ اللهُ يُوَضِّحُ المَعاييرَ السُّلوكيَّةَ لشَعبِهِ، أعطاهُم الكثيرَ مِنَ الوَصْفاتِ الَّتي قد تَبدو في الظَّاهرِ غير رُوحيَّة، بل كانت تَختصُّ بتفَرُّدِ الحياةِ في إسرائيل. ولكنَّ بعضًا مِنها كانَ عَمليًّا جدًّا وحَكيمًا. وواحدٌ مِنَ الأشياءِ الَّتي أوصاهُم بها، وهو شَيءٌ مُدَوَّنٌ في سِفْر التَّثنية 22: 10، هو أنَّهُ لا يَجوزُ لَهُم أن يَحرُثوا على ثَورٍ وحِمارٍ مَعًا تَحتَ نِيرٍ واحد. وأسبابُ ذلكَ واضِحَة. فهذانِ الحَيَوانانِ يَملِكانِ طَبيعتينِ مُختلفَتَيْن.
فَهُما لا يَشتركانِ في نَفسِ المِشْيَة، ولا في نَفسِ الفِطرة، ولا في نَفسِ القُوَّة. وَهُما لا يَملِكانِ نَفسَ الغَرائِز. فَهُما يَملِكانِ طَبيعتينِ مُختلفتَيْنِ تَمامًا. لِذا، لا يُمكنُكَ أن تَضَعَهُما تَحتَ نِيْرٍ واحدٍ وأن تَتوقَّعَ مِنهُما حِراثَةً مُتَّسِقَة. وبولسُ يَستعيرُ تلكَ الصُّورة ويَستخدِمُ اللَّفظةَ اليونانيَّةَ الَّتي كانت تُستخدَمُ بنفسِ تلكَ الطَّريقة كي يَتحدَّثَ عنِ النِّيرِ المُخالِفِ أو غيرِ المُتساوي. والحقيقةُ هي أنَّهُ في زَمَنِ بولُس، كانَ ذلكَ الفِعلُ نَفسُهُ يُستَخدمُ للإشارةِ إلى المُعَلِّمينَ المُرتبطينَ معًا في دِيانةٍ مُشتركَة أو فَلسفةٍ مُشترَكة أو مَدرسةٍ مُشترَكة ولكنَّهُم ليسوا مُتَّفِقينَ. لِذا فقد كانَ يُقالُ إنَّهُم تَحتَ نِيرٍ مُخالِف.
لِذا فإنَّ بولسَ يَستعيرُ شَيئًا مِنْ تلكَ الصُّورةِ اليهوديَّةِ في العهدِ القديمِ، ويَستعيرُ أيضًا لَفظةً كانت تُستخدَمُ في اللُّغةِ اليونانيَّةِ لأنَّها تَعني أن تَكونوا تَحتَ نِيرٍ واحدٍ، أو أن تَكونوا مُنخرِطينَ في مُؤسَّسةٍ واحدةٍ وتَقترنونَ معًا. ولكن إن حاولنا أن نَفعلَ ذلكَ بانسجامٍ كاملٍ فإنَّ ذلكَ مُستحيلٌ تَمامًا إن كُنَّا نَتحدَّثُ عن مُؤمِنٍ وغيرِ مُؤمِن. لِذا، لا تَسمَح لنفسِكَ أن تَكونَ تحتَ نَفسِ النِّيرِ معَ شخصٍ غيرِ مُؤمِن. ولكنَّ هَذا قد يَعني أمورًا كثيرةً جدًّا. فما الَّذي يَعنيهِ بولُس بقولِهِ: "لاَ تَكُونُوا تَحْتَ نِيرٍ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِين"؟ وكيفَ يَنبغي لنا أن نَفهمَ ذلكَ لأنَّ تَطبيقاتِ ذلك مُهِمَّة جدًّا لحياتِنا؟
قد يأتي شَخصٌ ويَقول: "انظُر! بالمَعنى الدَّقيقِ والصَّحيحِ للكلمة، إنَّها آية تَدعوكَ إلى حَياةِ التَّنَسُّك". فما تَدعونا إليهِ هُوَ أنَّهُ يجبُ عليكَ أن تَقتدي بهؤلاءِ النُّسَّاكِ القُدَماء، وأن تَرتدي مَلابِسَ رَثَّة، وتَجِدَ كَهفًا، وتَبقى فيهِ إلى أن تَموت. فكُلُّ ما ينبغي لكَ أن تَفعلَهُ هوَ أن تَبقى هُناكَ، وأن تَتَّسِخَ أكثر فأكثر، وأن تَقرأَ الكتابَ المقدَّسَ وتَتأمَّل في سُرَّتِكَ ولا تَدع أحدًا يُؤثِّر فيك. اعزِل نَفسكَ وَحَسْب. ولكنَّ هذا التَّفسيرَ هُوَ في الحَقيقةِ سُوءُ تَفسيرٍ لهذا النَّصِّ لأنَّهُ يَربِطُهُ بعَقليَّةِ التَّنَسُّك.
وقد يَقولُ أُناسٌ مِنَّا نَحنُ الَّذينَ نَعيشُ في بِيئةٍ أكثر تَمَدُّنا: "إنَّ ما تَعنيهِ هذهِ الآية هو أنَّهُ يجبُ عليكَ أن تَحرِصَ على أن تَشتري بَيتَكَ مِن سِمسارٍ عَقارِيٍّ مَسيحيٍّ، وأنَّهُ يجبُ عليكَ أن تَشتري سَيَّارَتَكَ مِن تاجِرِ سَيَّاراتٍ مَسيحيٍّ، وأنَّهُ يَجبُ عليكَ أن تَسكُنَ بِجوارِ أشخاصٍ مَسيحيِّينَ، وأن تُرسِلَ أبناءَكَ في مَدرسةٍ مَسيحيَّة، وأن تَشتري بُوليصةَ التَّأمينِ مِن مَندوبٍ مَسيحيٍّ، وأن تَجِدَ بائِعَ لُحومٍ مَسيحيًّا، إلخ، إلخ، إلخ. ويجب عليكَ ألاَّ تَفعلَ أيَّ شيءٍ مِن هذا القَبيل، وألاَّ تَدَّخِر أموالَكَ في صُندوقِ استِثمارٍ مُشترَك لأنَّكَ بذلكَ تَكونُ قدِ اقترنتَ بغيرِ المؤمنين. ويَجدُرُ بِكَ أن تَعرفَ مَنِ الأشخاصُ الَّذينَ يُودِعونَ مَالاً في حِسابِكَ المَصرِفِيّ. وهَلُمَّ جَرَّا.
ولكن أينَ يَنبغي لنا أن نَرسُمَ الخَطَّ هُنا؟ والى أيِّ مَدىً نَمضي في ذلك؟ وماذا عنِ العَلاقاتِ العَاطِفيَّة؟ وماذا عنِ الزَّواج؟ وماذا عنِ الشَّراكَة؟ وماذا عنِ الانضمامِ إلى فَريق؟ وماذا عنِ العملِ معَ شخصٍ آخر؟ وماذا عنِ الذَّهابِ في رِحلةٍ معَ آخرين؟ وماذا عن صُندوقِ الاستثمارِ المُشترَك؟ وماذا عنِ العَملِ التِّجاريِّ المُشترَك؟ وماذا عنِ الشَّراكَة؟ وماذا عنِ الشَّراكَةِ المَحدودة؟ وماذا عن كذا وكذا؟ فأينَ نَرسُمُ الخَطَّ هُنا؟ وما الَّذي نَتحدَّثُ عنه؟ هل يُفترَضُ بنا أن نَخرُجَ مِنَ العالَم؟ لا شَكَّ في أنَّ هذا صَعبٌ لأنَّ المأموريَّةَ العُظمَى تَقولُ لنا أن نَذهبَ إلى العالَمِ ونَكرِزَ بالإنجيلِ لِكُلِّ الخَليقة. أليسَ كذلك؟ لِذا، لا يُفتَرَضُ بنا أن نَخرُجَ مِنَ العالَم.
والحقيقةُ هي: انظروا إلى ما قالَهُ بولسُ إلى أهلِ كورِنثوس. فقد كانوا يَفهمونَ تلكَ الجُملةِ في سِياقِ مَا قالَهُ لَهُم سَابقًا. لِذا، لِنَرجِع إلى الرسالةِ الأولى إلى أهلِ كورِنثوس ونَرى كيفَ يُعَرِّفُ بولسُ ما قَصَدَهُ بذلك. وَهُوَ يَضَعُ حُدودًا واضحةً جدًّا لِئَلاَّ نَتَشَوَّش. ففي رسالة كورِنثوس الأولى والأصحاحِ التَّاسع... وسوفَ نَنظُرُ إلى بِضْعِ آياتٍ كِتابيَّة مِنَ الرسالةِ الأولى إلى أهلِ كورِنثوس.
والحقيقةُ هي أنَّني لم أقصِد أن تَسيرَ العِظَةُ بهذا الشَّكل، ولكنَّها سَارت هكذا في الخِدمةِ الأولى. لِذا، سوفَ نَفعلُ الشَّيءَ نَفسَهُ في هذهِ الخِدمة أيضًا. والحقيقةُ هي أنَّني أخبرتُ الحَاضِرينَ أنِّي صَرَفتُ سَاعاتٍ وسَاعاتٍ وأيَّامًا وأيَّامًا في تَحضيرِ كُلِّ هذهِ المادَّةِ؛ ولكنِّي قَدَّمتُ المادَّةَ في خَمْسِ دقائق. وهذهِ هي مُغامَرةُ الوَعظ. وأنا مُتَشَوِّقٌ لسَماعِ ما سأقول. وإن تَذَكَّرتُ ما قُلتُهُ لَهُم، سأقولُهُ لَكُم.
رسالة كورِنثوس الأولى 9: 20. لقد ابتدأَ بولسُ في العدد 19 بالتَّحدُّثِ عن هذا الموضوعِ فقال: "فَإِنِّي إِذْ كُنْتُ حُرًّا مِنَ الْجَمِيعِ، اسْتَعْبَدْتُ نَفْسِي لِلْجَمِيعِ لأَرْبَحَ الأَكْثَرِين". والآن، يَقولُ بولُس: "انظُروا! أنا حُرٌّ مِن جَميعِ النَّاسِ مِن جِهَة. فقد دَخَلتُ مَلكوتَ النُّور. ولا تُوجَد عَراقيل أمامي في هذا العالَم؛ ولكنِّي جَعلتُ نَفسي عَنْ وَعْيٍ وقَصْدٍ عَبدًا لَهُم جَميعًا لِغاياتٍ كِرازِيَّة". لِذا فإنَّ بولسَ لم يَكُن يَرغبُ في الخُروجِ مِنَ العالَم. فيُمكنُكم أن تُسَمُّوهُ أيَّ شيءٍ آخر؛ ولكنَّهُ لم يَكُن مُتَنَسِّكًا. وما أعنيه هو أنَّهُ كانَ في خِضَمِّ كُلِّ شَيء.
فقد كانَ يَنْضَمُّ إلى كُلِّ حَشْدٍ يَراه. فقد كانَ يُشبِهُ يَسوعَ. وكانَ يَجمَعُ النَّاسَ مِن حَولِه. وكانَ يَذهبُ إلى حَيثُ يُوجدُ الخُطاةُ بِقَصْدِ الكِرازةِ لَهُم. وهو يَقول في العدد 20: "فَصِرْتُ لِلْيَهُودِ كَيَهُودِيٍّ لأَرْبَحَ الْيَهُودَ. وَلِلَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ كَأَنِّي تَحْتَ النَّامُوسِ لأَرْبَحَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوس". فقد صَارَ يَهوديًّا لهؤلاءِ الفَرِّيسيِّينَ المُدَقِّقينَ في حِفْظِ النَّاموس حَتَّى إنَّهُ كانَ يَسيرُ على دَرْبِهِم إنِ اقتضَى الأمرُ ذلكَ في سَبيلِ رِبْحِهم.
"وَلِلَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ..." [أيِ الأُمَم – في العَدد 21] "...كَأَنِّي بِلاَ نَامُوسٍ مَعَ أَنِّي لَسْتُ بِلاَ نَامُوسٍ للهِ، بَلْ تَحْتَ نَامُوسٍ لِلْمَسِيحِ لأَرْبَحَ الَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ. صِرْتُ لِلضُّعَفَاءِ كَضَعِيفٍ لأَرْبَحَ الضُّعَفَاءَ. صِرْتُ لِلْكُلِّ كُلَّ شَيْءٍ، لأُخَلِّصَ عَلَى كُلِّ حَال قَوْمًا. وَهذَا أَنَا أَفْعَلُهُ لأَجْلِ الإِنْجِيلِ، لأَكُونَ شَرِيكًا فِيهِ". بعبارةٍ أخرى فإنَّهُ يَقول: "لكي أربَحَ شُركاءً في هذهِ الصَّفْقَة. فأنا أريدُ أن أربَحَ أُناسًا للمَسيح".
لِذا، لاحِظوا ما يَلي: إنَّ بولسَ لم يَترُك العالَم، ولم يَهرُب مِنهُ؛ بل إنَّهُ تَغلغَلَ فيهِ بهدفِ اقتيادِ النَّاسِ إلى مَعرفةِ المسيح. فهو لا يَدعونا إلى الانعِزال. فلا مَكانَ للانعِزالِ عن غيرِ المُؤمنين. فلو كانَ اللهُ يُريدُ مِنَّا أن نَنعزِلَ عن غيرِ المُؤمنينَ لَخَلَّصَنا وأخذنا حالاً إلى السَّماء. ولكنَّهُ لا يَدعونا إلى الانعِزال، بل إنَّهُ يُوصينا في الحقيقةِ أن نَختلطَ بغيرِ المُخَلَّصينَ كُلَّ الوقت. والآن، لِنُتابِع هذهِ الفِكرةَ ونَرى أينَ يَضَعُ بولسُ حُدودَهُ.
لِنَبتدِئ بالعَودةِ إلى الرِّسالةِ الأولى إلى أهلِ كورنثوس والأصحاحِ الخامس... رسالة كورنثوس الأولى والأصحاح الخامس. فقد يَقولُ قائِلٌ: "أريدُ أن أقولَ لكَ حالاً إنِّي سأِضَعُ قُيودًا على ارتباطي بأهلِ العالَم. فأنا لن أرتبطَ بِحُثالَةِ القَوم، ولن أختلطَ بالأشخاصِ السَّيِّئين. فأنا أريدُ أن أبقى بعيدًا عن هؤلاء. هل هذا هو المَكانُ الَّذي أرسُمُ فيهِ الخَطَّ؟" نَقرأُ في رسالة كورنثوس الأولى 5: 9: "كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ فِي الرِّسَالَةِ" – أيْ في تلكَ الرِّسالةِ الَّتي كَتَبَها قبلَ رسالتِهِ الأولى إلى أهلِ كورِنثوس. "كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ فِي الرِّسَالَةِ أَنْ لاَ تُخَالِطُوا الزُّنَاةَ". وقد يَقولُ قَائِلٌ: "هذهِ هِيَ الوَصيَّة. ها هِيَ. هذا هو الدَّليل. لِذا، لن أُخالِطَ هَؤلاء".
ولكنَّهُ يَقولُ في العددِ العاشِر: "وَلَيْسَ مُطْلَقًا زُنَاةَ هذَا الْعَالَم...". أنا لا أتحدَّثُ عنِ الزُّناةِ الَّذينَ لم يَختبروا التَّجديدَ "...أَوِ الطَّمَّاعِينَ، أَوِ الْخَاطِفِينَ، أَوْ عَبَدَةَ الأَوْثَانِ، وَإِلاَّ فَيَلْزَمُكُمْ أَنْ تَخْرُجُوا مِنَ الْعَالَم". والمَعنى الضِّمنيُّ هُنا هُوَ أنَّ القيامَ بذلكَ هُوَ ماذا؟ خَطيَّة، وخَطأ، وتَمَلُّصٌ مِن مَسؤوليَّتِكُم. أنا لا أريدُ مِنكُم أن تَعتَزِلوا في كَهْف. فبولُس يَقول: "لا، لا! أنا لا أتحدَّثُ عن عدمِ الاختلاطِ بالخُطاةِ الَّذينَ هُم في العالَم". ثُمَّ إنَّهُ يَقولُ في العدد 11: "أنا أتحدَّثُ عن مُخالطةِ مَنْ يُسَمُّونَ أنفسَهُم إخوةً ولكنَّهُم زُناةٌ، وطَمَّاعونَ، وعَبَدَةُ أوثانٍ، وشَتَّامونَ، وسِكِّيرونَ، وخاطِفون".
أنا لا أتحدَّثُ عنِ الخُطاةِ الَّذينَ في العالَم، بل أتحدَّثُ عنِ الخُطاةِ أين؟ في الكنيسة. فيجبُ عليكُم أن تَبتعدوا عن هؤلاء. فَهُم يُلَوِّثونَ الشَّركة. فَهُم يُشبهونَ الخَميرة. لِذا، يجبُ عليكم أن تَطردوهُم، وأن تُسَلِّموهُم للشَّيطان، وأن تَبتعدوا عنهُم، وألاَّ تأكُلوا مَعَهُم. وإن كانوا يَنشرونَ الهَرطَقاتِ أَنذروهُم بِضعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ اطرُدوهُم. ثُمَّ إنَّهُ يَقول في العدد 12: "لأَنَّهُ مَاذَا لِي أَنْ أَدِينَ الَّذِينَ مِنْ خَارِجٍ؟ أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ تَدِينُونَ الَّذِينَ مِنْ دَاخِل؟ أَمَّا الَّذِينَ مِنْ خَارِجٍ فَاللهُ يَدِينُهُمْ".
إنَّ ما يَعنيني هُو أنَّ الأشخاصَ الَّذينَ مِن خَارجٍ [كما يَقولُ بولُس] سيَقَعونَ تَحتَ دَينونةِ الله. لِذا، يجبُ عليَّ أن أَكرِزَ لهُم بالإنجيل. وعليهِ، أيًّا كانَ مَعنى ألاَّ نَقتَرِنَ بغيرِ المُؤمِنينَ أو ألاَّ نَكونَ تَحتَ نِيرٍ واحدٍ مَعَ غيرِ المُؤمِنينَ فإنَّهُ لا يَعني أن نَعزِلَ أنفسَنا عنِ الخُطاةِ غيرِ المُؤمِنين. وإلاَّ لَتَعَيَّنَ عَلينا أن نَخرُجَ مِنَ العالَم. وخُروجُنا مِنَ العالَمِ يَعني أنَّنا لن نُحَقِّقَ القَصدَ الَّذي يُريدُهُ اللهُ مِن بَقائِنا في العالَم وهو أن نَذهبَ إلى العالَمِ ونَكرِزَ بالإنجيلِ للخَليقةِ كُلِّها.
وما هي أكبرُ تُهمَةٍ وُجِّهَت إلى يسوعَ مِنَ المُؤسَّسةِ الدِّينيَّة؟ لقد قالوا إنَّهُ يُجالِسُ مَن؟ الخُطاة. فهو يَجلسُ مَعَ السِّكِّيرينَ وشَارِبي الخَمْرِ والزُّناةِ، إلخ، إلخ. ولكِنَّ هذا هو السَّبب الَّذي جاءَ لأجلِه. فهو لم يأتِ لأجلِ الأبرار، بل جاءَ لأجلِ الخُطاة. لِذا، أيًّا كانَ مَعنى ألاَّ نَكونَ تَحتَ نِيرٍ معَ غيرِ المؤمنين فإنَّهُ لا يَعني أن نَقطَعَ كُلَّ صِلَةٍ بِهم. فبخلافِ ذلك، ينبغي لنا أن نَخرُجَ مِنَ العالَم. ومِن شأنِ ذلكَ أن يُعَطِّلَ القَصدَ مِن تَخليصِ اللهِ لنا وإبقائِنا هُنا وهو: أن نَذهبَ إلى العالَم. فيجبُ علينا أن نَكونَ في نَفسِ المَكانِ الَّذينَ هُم فيه.
وقد يَقولُ شخصٌ آخر: "أنا أعرفُ مَعنى ذلك. أنا أعرِفُ مَعناه. فهو يعني أنَّكَ إذا كُنتَ مُتزوِّجًا مِنِ امرأةٍ غير مُؤمنة، ينبغي أن تُطَلِّقَها. فيجب على المُؤمنينَ أن يَتخلَّصوا مِن شُركاءِ الحياةِ غيرِ المُؤمِنينَ لأنَّهُ إن لم تَكُن بينَهُم عَلاقة حَميمة على هذا المُستوى، كيفَ يُعقَلُ أن تَكونَ هُناكَ شَرِكَة بينَ النُّورِ والظُّلمة؟ وما أعنيه هو: كيفَ ستكونُ هُناكَ عَلاقة زَوجيَّة حَميمة؟ لِذا، تَخَلَّص مِن شَريكِ حَياتِكَ غير المُؤمِن. اعثُري على رَجُلٍ لَطيفٍ مُؤمِن، أو اعثُر على امرأةٍ لَطيفةٍ مُؤمِنَة.
افتَحوا على رسالة كورنثوس الأولى والأصحاحِ السَّابع. فنحنُ نَقرأُ في رسالة كورنثوس الأولى 7: 12: "وَأَمَّا الْبَاقُونَ، فَأَقُولُ لَهُمْ أَنَا، لاَ الرَّبُّ..." – أرجو أن تَفهموا مَعنى ذلك. فهو لا يَقولُ هُنا أنَّ كَلامَهُ ليسَ مِن عندِ الله؛ بل إنَّهُ يَقول: "أنا لا أقتبسُ قَولاً مِن أقوالِ يَسوعَ هُنا". فقد أَوحَى الرُّوحُ القُدُسُ إليهِ كي يَقولَ ما قالَهُ. فهو حَقٌّ إلهيٌّ. ولكنَّهُ لا يَستخلِصُ ذلكَ مِن تَعليمِ يَسوع. لِذا فإنَّهُ يَقول: "إِنْ كَانَ أَخٌ لَهُ امْرَأَةٌ غَيْرُ مُؤْمِنَةٍ، وَهِيَ تَرْتَضِي أَنْ تَسْكُنَ مَعَهُ، فَلاَ يَتْرُكْهَا". والعبارة "فَلا يَتْرُكْها" هي عِبارة اصطِلاحيَّة تُشيرُ إلى الطَّلاق. فإن كانت لكَ زَوجة غير مُؤمنة تَرتضي أن تَبقى مُتزوِّجةً مِنكَ، ينبغي لها أن تَبقى. فاللهُ يُبغِضُ الطَّلاقَ أيَّا كانَ سَبَبُه. وَهُوَ يَقولُ الشَّيءَ نَفسَهُ في العَدد 13: "وَالْمَرْأَةُ الَّتِي لَهَا رَجُلٌ غَيْرُ مُؤْمِنٍ، وَهُوَ يَرْتَضِي أَنْ يَسْكُنَ مَعَهَا، فَلاَ تَتْرُكْهُ".
فَفي ضَوءِ المَعنى الضِّمنيَّ الطَّبيعيِّ للإنجيلِ، ولحَقيقةِ أنَّ الكُلَّ قد صَارَ جَديدًا، ولحقيقةِ الدُّخولِ إلى المَلكوتِ والانتقالِ إلى النُّورِ مِنَ الظُّلمة، ولحقيقةِ وُجودِ سَيِّدٍ جَديد هُوَ المَسيح، وإدراكِ أنَّكَ لا تَستطيعُ أن تُنشِئَ عَلاقاتٍ حَميمةً تَجعلُ الحياةَ غَنيَّةً وذاتِ مَغزىً، وتَجعلُ الزَّواجَ كما صَمَّمَهُ اللهُ أن يَكون، ولأنَّكَ الآنَ مُتزوِّجٌ مِن شَريكٍ غيرِ مُخَلَّصٍ وتَعيشانِ في عَالَمَيْنِ مُختلفَيْن تَمامًا في أعمقِ مُستوىً مِن كِيانِكُما، قد تَفْهَمُ ضِمنيًّا أنَّ الشَّيءَ الصَّحيحَ الَّذي يَنبغي لكَ أن تَفعلَهُ هو أن تَترُكَ شَريكَ الحَياةِ ذاكَ وتَجِدَ شَريكًا مُؤمِنًا كي تَعيشَ حَياةً مُشْبِعَة. ولكنَّ الكتابَ المقدَّسَ لا يَقولُ ذلكَ البَتَّة.
إذًا، ما مَعنى ذلك؟ إنَّهُ لا يَقصِدُ أن تَترُكَ شَريكَ حَياتِكَ غير المُخَلَّص. وهو لا يَقصِدُ أن تَعزِلَ نَفسكَ عن كُلِّ الأشخاصِ السَّيِّئينَ في مُجتمعِك. إذًا، ما الَّذي يَقصِدُه؟ وأينَ يَنبغي رَسْمُ الحُدود؟ لنأخُذ نَصًّا آخر مِن رسالةِ كورنثوسَ الأولى والأصحاحِ الثَّامن. ومَرَّةً أخرى، تَذكَّروا أنَّ أهلِ كورِنثوس كانوا قد تَسَلَّموا هذهِ الرِّسالةَ وفَهِموها؛ وهو أمرٌ سَاعَدَهُم في فَهْمِ ما قالَهُ بولسُ في رسالتِهِ الثَّانية إلى أهلِ كورنثوس 6: 14. ففي رسالة كورنثوس الأولى والأصحاحِ الثَّامن، يَتحدَّثُ بولُس عن رَسْمِ حُدودٍ هُنا.
والآن، اسمَحوا لي أن أَتحدَّثَ قليلاً عن ذلك. فقد تقول: "يُفتَرَضُ بِنا أن نَذهبَ إلى العالَمِ، ويُفترَضُ بِنا أن نَكرِزَ إلى غيرِ المؤمنين. وأنا مُستعدٌّ للقيامِ بذلك". وكما تَعلمونَ فإنَّ كُلَّ غيرِ المُؤمنينَ هَؤلاءِ يَجتمعونَ طُولَ الوقتِ في احتفالاتٍ وَثنيَّة. فكما تَعلمونَ، كانتِ الحياةُ في العالَمِ القَديمِ تَتمَحورُ في كورِنثوس تَحديدًا حَولَ الوَثنيَّة في ذلكَ الوقت، وحَولَ عِبادةِ إلَه الشِّفاء "إسكليبيوس" (Aesculapius) وكُلِّ مَا يَجري في أثناءِ تلكَ العِبادة. فقد كانت كُلُّ تلكَ الأشياءِ الوَثنيَّة تَجري في الأعيادِ والاحتفالاتِ وكُلِّ الحياةِ المُحيطةِ بتلكَ الوَثنيَّة.
وإن أردتَ أن تَذهبَ إلى حَيثُ يَذهب غيرُ المُؤمنين، ستَذهبُ إلى هُناك. وسوفَ يَكونُ ذلكَ المَكانُ مَكانًا رائعًا للالتقاءِ بالكثيرِ مِنَ النَّاسِ الوَثنيِّين. فَقد كانوا يَتَجَمَّعونَ هُناك. لِذا، قد يَذهبُ بَعضٌ مِنَ المؤمنينَ إلى هُناك. وأنتَ تَملِكُ مُطلَقَ الحُريَّةِ في الذَّهابِ إلى هُناكَ والقول: "اسمعوني! أنا حُرٌّ في المسيح. سوفَ أذهبُ وأُشاهِدُ ما يَجري. ولكنِّي في قَلبي ورُوحي لن أُشارِك، بل إنِّي سأفعلُ فقط تلكَ الأشياءَ الَّتي ليسَت لَها عَواقِبَ أخلاقيَّة ولكنَّها تَسْمَحُ لي بالبقاءِ هُناكَ والاحتفاظ بتَواصُلي معَ أولئكَ النَّاس. ولا بأسَ في ذلكَ لأنِّي سأتمكَّنُ مِنَ الكِرازةِ إلى هؤلاءِ الأشخاص".
ولكنَّكَ ستَقَعُ في مُشكلةٍ صَغيرةٍ هُنا في العددِ العاشِر: "لأَنَّهُ إِنْ رَآكَ أَحَدٌ يَا مَنْ لَهُ عِلْمٌ". ما مَعنى ذلك؟ أعتقد أنَّهُ يَقصِدُ: "مَعرِفَةً مُخَلِّصَةً". أيْ إنْ رآكَ شَخصٌ مُؤمِنٌ "...مُتَّكِئًا فِي هَيْكَلِ وَثَنٍ، أَفَلاَ يَتَقَوَّى ضَمِيرُهُ، إِذْ هُوَ ضَعِيفٌ، حَتَّى يَأْكُلَ مَا ذُبِحَ لِلأَوْثَان؟" وَهُوَ يُشيرُ هُنا إلى مُؤمِنٍ حَديثِ الإيمانِ، أو إلى مُؤمِنٍ طِفلٍ في الإيمان، وَهُوَ يُدعى أَخًا ضَعيفًا أيضًا في رسالة رُومية والأصحاحين 14 و15 في نَصٍّ مُشابِه. فإن نَظَرَ ورأى هذا المُؤمِنَ القَويَّ، وكانَ هذا المُؤمِنُ القَويُّ يُشارِكُ في احتفالٍ وَثنيٍّ لإلَهِ الخَمْرِ "باخوس" (Bacchus).
فهو يَجلسُ هُناكَ في حين أنَّ المُمارساتِ الجِنسيَّة تَجري مِن حَولِهِ، وزانيات الهَيكل يَقُمْنَ بِعَمَلِهِنَّ، والسُّكْرُ في كُلِّ مَكان، والنَّاسُ يَحتفلونَ ويُمَتِّعونَ أنفسَهُم ويَقضونَ وَقتَهُم بِجُموح. وهو يَذهبُ إلى هُناكَ في الظَّاهرِ كي يَشهدَ عنِ المسيح. وهو يَجلسُ ويأكُلُ الطَّعام. وما أعنيهُ هو أنَّهُ يأكُلُ الطَّعامَ وَحَسْب. فالطَّعامُ مَوجودٌ هُناكَ، وهو جُزءٌ مِنَ الاحتفالِ. لِذا فإنَّهُ يأكُل. والوَثَنُ ليسَ شَيئًا. فوَفقًا لِما جاءَ في رسالة كورنثوسَ الأولى والأصحاحِ الثَّامن، في أوَّلِ الأصحاح، ما هو الوَثَن؟ الوَثَنُ هُوَ لا شَيء. فالشَّيءُ المُقدَّمُ للوَثَنِ هو لا شَيء. فهو لا يَعني أيَّ شيء. فهو عَديمُ القيمةِ لأنَّ الوَثَنَ لا شَيء. لِذا فإنَّهُ يأكُلُ الطَّعامَ وَحَسْب.
ولكِنْ قد يكونُ هُناكَ مُؤمِنٌ حَديثٌ في إيمانِهِ أو ضَعيفُ الإيمان. فقد خَلَصَ حَديثًا مِنَ الوَثنيَّة. وهو يَرى هذا الأخَ النَّاضِجَ يَفعلُ ذلك فيقول: "ما هذا! أنا حُرٌّ في الذَّهابِ إلى هُناك. وأنا حُرٌّ في تَناوُلِ ذلكَ الطَّعام. هذا رائِع!" لِذا فإنَّهُ يَذهبُ؛ ولكنَّهُ ضَعيفٌ جدًّا. لِذا فإنَّهُ يُبتَلَعُ ويَعودُ إلى وَثنيَّتِهِ القَديمة. فهو لا يَملِكُ القُوَّةَ الرُّوحيَّةَ الَّتي تُمَكِّنُهُ مِنَ التَّأقلُمِ معَ تلكَ الحُريَّة. لِذا فإنَّ ما يَحدُثُ هوَ أنَّ الأخَ الأقوى استَخدمَ حُريَّتَهُ ليَجعلَ الأخَ الأضعفَ يَعثُر. أليسَ كذلك؟ لِذا، ينبغي لهُ أن يَكونَ مُدَقِّقًا في حَياتِه.
فبمقدورِهِ أن يَذهبَ إلى العالَمِ وأن يَصِلَ إلى العالَم؛ ولكن يجب عليهِ طَوالَ الوقتِ أن يكونَ مُدركًا جدًّا جدًّا لحقيقةِ أنَّهُ قد يوجد شخصٌ يُراقِبُهُ أو يَراهُ يُشَرِّعُ لنَفسِهِ أيَّ تَصَرُّفٍ يَفعلُهُ. وإن ظَنَّ أنَّ ذلكَ السُّلوكَ لا بأسَ بِهِ، قد يَتصرَّف نَفسَ ذلكَ التَّصرُّف ولكن مِن دونِ امتلاكِ القُوَّةِ الروحيَّةِ اللاَّزِمَةِ لِتَجَنُّبِ كُلِّ الفِخاخ. وسُرعانَ ما يُبتَلَعُ في تلكَ الدَّوَّامَة أو في ذلكَ الإعصار. وفي هذهِ الحالةِ فإنَّ هذا الأخَ الأقوى صَاحِبَ النَّوايا الحَسَنَة يُريدُ أن يَربحَ أُناسًا وَثنيِّينَ للمسيح. ولكِن بسببِ قِيامِهِ بذلكَ فقد تَخَطَّى الحُدودَ وأعثَرَ أخاهُ الضَّعيف.
وَهُوَ يَقول: "أَفَلاَ يَتَقَوَّى ضَمِيرُهُ [في العَدد 10]، إِذْ هُوَ ضَعِيفٌ، حَتَّى يَأْكُلَ مَا ذُبِحَ لِلأَوْثَانِ [لأنَّهُ رَآكَ تَفعلُ ذلك]؟ فَيَهْلِكَ بِسَبَبِ عِلْمِكَ الأَخُ الضَّعِيفُ الَّذِي مَاتَ الْمَسِيحُ مِنْ أَجْلِهِ. وَهكَذَا إِذْ تُخْطِئُونَ إِلَى الإِخْوَةِ وَتَجْرَحُونَ ضَمِيرَهُمُ الضَّعِيفَ، تُخْطِئُونَ إِلَى الْمَسِيحِ". وَهُوَ يَقولُ في العدد 13: "لا تَفعل أيَّ شيءٍ قد يَجعلُ أخاكَ يَتَعَثَّر". إذًا، نَحنُ نَجِدُ هُنا خُطوطًا حَمراء لا يَجوزُ لنا أن نَتَخَطَّاها. صَحيحٌ أنَّهُ يَنبغي لنا أن نَكرِزَ للعالَم، ولكن توجد خُطوطٌ حَمراء. وأوَّلُ خَطٍّ أحمَر نَراهُ في هذا النَّصِّ تَحديدًا هو تلكَ الأشياء الَّتي قد تَبدو تَعبيرًا عنِ الحُريَّةِ ولكنَّها قد تَجعلُ أخًا أضعفَ يَعثُر. لِذا، يجبُ علينا أن نَنتَبِهَ لسُلوكِنا.
صَحيحٌ أنَّهُ يجبُ علينا أن نَكرِزَ إلى العالَم، وصَحيحٌ أنَّهُ يجبُ علينا أن نُحافِظَ على اتِّصالِنا بالعالَم، وصَحيحٌ أنَّهُ يجبُ علينا أن نَقودَهُم إلى المسيح؛ ولكن يجب علينا ألاَّ نَقترِنَ تَمامًا بنَمَطِ الحياةِ ذاكَ لأنَّنا قد نَجعلُ أخًا أضعفَ يَظُنُّ أنَّهُ حُرٌّ في القيامِ بذلك، وأن يأخُذَ تلكَ الخُطوةَ الَّتي قد تَنتهي بكارثةٍ رُوحيَّة. انظروا إلى رسالة كورِنثوس الأولى والأصحاحِ العاشِر إذْ إنَّنا نَجِدُ هُنا شَيئًا آخرَ يُقَيِّدُ حُريَّتِنا. ففي رسالة كورِنثوس الأولى والأصحاحِ العاشِر، نَجِدُ مَشهدًا مُقَدَّمًا لنا، وَهُوَ مَشهدٌ بسيطٌ جدًّا. ففي العدد 27، قد يَدعوكَ واحدٌ مِن غيرِ المؤمنينَ... وهذا شَيءٌ رائعٌ، أليسَ كذلك؟ أيْ أن يَدعوكَ شخصٌ غيرُ مُؤمِنٍ إلى العَشاء؟ فنحنُ نَتَمَنَّى ألاَّ نُضطَرَّ دائمًا إلى تَقديمِ الدَّعوةِ للآخرين.
والمَشهَدُ هُنا يُرينا أنَّ شخصًا غيرَ مُؤمِنٍ يَدعوكَ إلى بَيتِهِ فَترغَبُ في الذَّهاب. وأنتُما تَتَّفِقان على ذلك فتَذهب. في هذهِ الحالةِ، يُمكِنُكَ أن تأكُلَ كُلَّ ما يُقَدَّم لَكَ. أليسَت هذه الوَصيَّة رائعة؟ فأنتَ لا تُريدُ أن تَجرحَ مَشاعِرَ ذلكَ الشَّخص. أليسَ كذلك؟ لِذا فإنَّهُ يأتي ويُحضِرُ لكَ هذا اللَّحم. لا تَطرح أسئلةً، بل تَناوَلْهُ مِن دُونِ أن تَطرحَ أيَّ أسئلة وذلكَ مِن أجلِ الضَّمير. وَلكِنْ قد يَقولُ لكَ ضَميرُكَ إِنَّ هذا اللَّحمَ مَذْبُوحٌ لِوَثَنٍ لأنَّ أفضلَ مَكانٍ لشِراءِ اللَّحمِ في كُلِّ مَدينةٍ وَثنيَّةٍ هو مَتْجَرُ القَصَّابِ المُجاوِر للهيكل لأنَّ السَّعرَ يَكونُ مُنخفضًا.
ولماذا تَكونُ الأسعارُ مُنخفضة؟ لأنَّهم لم يَشتروا اللَّحمَ مِن تُجَّارِ الجُملة، بل إنَّ العَابِدينَ جاءوا إلى الهيكلِ وقَدَّموا الذَّبائح. وقد تَمَّ إحراقٌ جُزءٍ مِنها، وتَمَّ استِهلاكُ جُزءٍ آخرَ مِنها مِن قِبَلِ الكَهَنَةِ الَّذي يُديرونَ الهَيكلَ؛ ولكن مِنَ البَديهيِّ أنَّ أُناسًا كثيرينَ يُحضِرونَ الذَّبائحَ في أوقاتٍ مُتقاربة حَتَّى إنَّهُ لا يُمكِنُ استِهلاكُها جَميعًا. لِذا فقد كانوا يأخُذونَها مِنَ البابِ الخَلفيِّ، ويَفتَحونَ مَتجرًا لبيعِ اللُّحومِ ويَبيعونَها للنَّاس. ولأنَّهُم لم يَشتروها مِن تُجَّارِ الجُملة، ولم يَستخِدموا أيَّ وُسَطاء، فإنَّكَ تَحصُلُ على أفضلِ سِعر. لِذا، كانَ النَّاسُ يَشترونَ اللُّحومَ مِن هُناك.
والآن، قد تَقول: "إنَّ هَذا اللَّحمَ مَذبوحٌ لِوَثَن؟" لا تَطرح أيَّ أسئلة مِن أجلِ الضَّمير، بل اجلس وكُلْ ذلكَ اللَّحم. "وَلكِنْ [في العدد 28] إِنْ قَالَ لَكُمْ أَحَدٌ" – فالمَشهَدُ يَدُلُّ على وُجودِ عَددٍ مِنَ المُؤمِنين هُناك. فإنْ قالَ لكَ واحِدٌ مِن هؤلاءِ المُؤمِنين: "انظُر! إنَّ هذَا اللَّحمَ مَذْبُوحٌ لِوَثَنٍ. أنا أعرِفُ... أنا أعرفُ مِن أينَ اشتراه". والآن، أنتَ أيُّها الأخُ في وَرطة. فسوفَ تُعْثِرُ أحدًا. فإن أَكَلتَ، سوفَ تُعثِرُ أخاكَ الضَّعيفَ الَّذي لا يَستطيعُ أن يَحتَمِلَ تلكَ الحَقيقة. فالأمرُ يُشبِهُ مُؤمِنًا حَديثَ الإيمانِ اليومَ خَلَصَ مِنَ اليهوديَّةِ الأرثوذكسيَّة وجاءَ إلى بَيتِكَ أوَّلَ مرَّة لتَناوُلِ الطَّعامِ معَ مَسيحيٍّ آخر فتُقَدِّم لَهُما لَحْمَ خِنزير. فهو لن يَتقبَّلَ ذلك.
وقد يكونُ هُناكَ شَخصٌ خَلَصَ تَمامًا مِنَ الوثنيَّةِ ويَنظُرُ إلى اللَّحمِ المُقدَّمِ للأوثانِ على أنَّهُ نَجِسٌ جدًّا، ووَثنيٌّ جدًّا، وعلى أنَّهُ شيءٌ غيرُ أخلاقيٍّ بالمَرَّة. فإن قَدَّمتَ لَهُ لَحمًا ذبِحَ في الأصلِ للأوثان قد يكونُ ذلكَ أكبرَ مِن قُدرةِ ضَميرِهِ على التَّحَمُّل. ولا يَجوزُ لكَ أن تَضغطَ عليهِ هكذا لأنَّكَ لا تُريدُ أن تُدَرِّبَهُ على تَجاهُلِ ضَميرِه. أليسَ كذلك؟ وأنتَ لا تُريدُ مِنهُ أن يَفعلَ شيئًا قد يَجعلُهُ يُخالِف ما يُمليهِ عليهِ ضَميرُهُ لأنَّكَ بذلكَ تُدَرِّبُهُ على تَجاهُلِ ضَميرِه. ولكن لا يَجوزُ لكَ أن تُقْحِمَهُ في شَيءٍ قد يَبتَلِعهُ في دَوَّامَةِ حَياتِهِ القديمة. لِذا فإنَّكَ أمامَ مُعضِلَة. فأنتَ أمامَ أخٍ أضعفُ مِنكَ يَقولُ لَكَ: "هذا اللَّحمُ ذُبِحَ للأوثان. لا يُمكنُني أن آكُلَهُ".
ولكنَّكَ تَجلِسُ هُناكَ وتقول: "اسمَع يا أخي، إن لم أُعثِركَ سأُعثِرُ هذا الشَخصَ غيرَ المُؤمِن. ولكنَّنا نُحاولُ أن نَربَحَ هذا الشَّخصَ للمسيح". لِذا، ماذا ستَفعل؟ فأنتَ عَالِقٌ بينَ المِطرقةِ والسَّنْدان. فماذا عَساكَ أن تَفعل؟ العدد 28: "فَلاَ تَأْكُلُوا...". "فَلا تأكُلوا". لماذا؟ "مِنْ أَجْلِ ذَاكَ الَّذِي أَعْلَمَكُمْ، وَالضَّمِير". استَمِعوا إلى هذا: مِنَ الأفضلِ أن تُعثِرَ الشَّخصَ غيرَ المُؤمِن. فأنتَ أمامَ التِزامٍ أعظَم تُجاهَ أخيكَ. فهذه عائلتُكُم يا أحبَّائي. وهذا هُوَ المَلكوت. لِذا، مِنَ الأفضل جدًّا أن تُعثِرَ ذلكَ الشَّخصَ غيرَ المُؤمِن.
وهل تَعلَمونَ ما الَّذي سيَستنتِجُهُ ذلكَ الشَّخصُ غيرُ المُؤمِن؟ أنَّ هؤلاءِ المُؤمِنينَ يُحبُّونَ بَعضُهُم بعضًا، وأنَّ هؤلاءِ المُؤمِنينَ يَعتنونَ بعضُهم ببعض. أمَّا إن أعثرتَ أخاكَ ولم تُعثِر غيرَ المُؤمِن، سيَستنتِجُ غيرُ المؤمنِ أنَّهُ مِنَ الأفضلِ لَهُ أن يَبقى غيرَ مُؤمِن لأنَّهُم يُعامِلونَهُ بطريقةٍ أفضل. فنحنُ أمامَ التزامٍ أعظم بكثير تُجاهَ أفرادِ العائلةِ ولا يَجوزُ لنا أن نُعثِرَهُم. والحقيقةُ هي أنَّ يَسوعَ قالَ في إنجيل مَتَّى والأصحاح 18: إنْ فَكَّرتَ في إعثارِ مُؤمنٍ آخرَ وفي جَعْلِهِ يَسقُطُ في الخطيَّة، فَكِّر في ما يَلي: "مَنْ أَعْثَرَ أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ الْمُؤْمِنِينَ بِي فَخَيْرٌ لَهُ أَنْ يُعَلَّقَ فِي عُنُقِهِ حَجَرُ الرَّحَى وَيُغْرَقَ فِي لُجَّةِ الْبَحْر".
بعبارة أخرى، مِنَ الأفضلِ لكَ أن تَموتَ على أن تُعثِرَ مُؤمِنًا آخر. لِذا، لا تُعثِر مُؤمِنًا. وعليهِ، ينبغي لكَ أن تَتَخَلَّى عن رَغبتِكَ في الكِرازةِ إلى ذلكَ الشَّخصِ غيرِ المُؤمِن مِن أجلِ مَحبَّتِكَ لذلكَ الأخِ كي تَتَيَقَّنَ مِن أنَّهُ لن يَتَعَثَّر. لماذا؟ لأنَّ اللهَ... استَمِعوا إلى ما سأقول: لأنَّ اللهَ يُبالي بخاصَّتِهِ أكثر بكثير مِمَّا يُبالي بِمَن هُمْ ليسوا خَاصَّتَهُ. فَهُم خِرافُهُ الأحبَّاء. والكِرازةُ إلى أولئكَ الَّذينَ هُم ليسوا خَاصَّتَهُ تَتوقَّفُ على الفَضيلةِ والصَّلاحِ والتَّقوى لدى خَاصَّتِهِ. لِذا، لا يَجوزُ لكَ أن تَفعلَ أيَّ شيءٍ قد يُعثِرُهم ويَجعلُهم يَسقطونَ في الخطيَّة.
لِذا فإنَّ المَعنى ببساطَة مِن هذا السِّياقِ هو أن نَفهمَ ما يَلي: أنَّنا لسنا مُطالَبينَ بالانعزالِ في كَهْفٍ، ولا أن نُطَلِّقَ شَريكَ الحَياةِ، ولا أن نَهْجُرَ أصدقاءَنا غيرَ المُخَلَّصين، ولا أن نَنتقلَ مِنَ الحَيِّ الَّذي نَسكُنُ فيه لأنَّنا مُحاطونَ بغيرِ المؤمنين. وَهُوَ لا يَعني أن نَترُكَ جامِعَتَنا بسببِ وُجودِ مُعَلِّمينَ غير مُؤمِنينَ هُناك. فَهُوَ لا يَعني هذا البتَّة. بل إنَّ ما يَعنيه هو أنَّهُ لا يَجوزُ لنا أن نَنغَمِسَ في عَالَمِهِم إلى حَدٍّ نَفقِدُ فيهِ شَهادَتَنا في جسدِ المسيح. هذا هو ما يَعنيه. فَحَتَّى إنَّ يَسوعَ كانَ يَجلِسُ معَ الخُطاة، ويأكُلُ معَ الأشرار، ويَذهبُ إلى بُيوتِهم.
إذًا، ما الَّذي يَتحدَّثُ عنهُ بولسُ هُنا؟ هل يَتحدَّثُ عنِ الزَّواج؟ هل يَتحدَّثُ عنِ العَلاقاتِ العَاطفيَّة، أو عنِ التِّجارةِ، أوِ عنِ العملِ، أو عنِ الفَريقِ، أو عنِ السِّياسةِ، أو عنِ التَّعليمِ، أو عنِ التَّرفيهِ، أو عنِ الرِّحلات؟ ما الَّذي يَتحدَّثُ عنه؟ لقد رأينا بِضعةَ حُدودٍ كانَ أهلُ كورِنثوس يَفهمونَها. واسمَحوا لي أن أُطلِعَكُم على شيءٍ كانوا يَفهمونَهُ جَيِّدًا. فقد كانَ هُناكَ شَيءٌ واحدٌ في ذِهنِ بولُس، يا أحبَّائي، شَيءٌ واحدٌ في ذِهنِه. فقد كانَ أهلُ كورِنثوس مُشَوَّشينَ جدًّا لأنَّ المُعَلِّمينَ الكذبة كانوا يُعَلِّمونَهُم دِيانةً زائفةً بسببِ الوَثنيَّة. عَدا عن ذلك، كانوا مُحاطينَ بالوثنيَّة. وكانَت صِيغةُ الفِعلِ مِن كلمة "كورِنثوس" تَعني: "يُضاجِعُ زانِيَة". فقد كانت مَدينتُهم غارقةً في الشَّرِّ إلى هذا الحَدّ. وما يَقولُهُ الرَّسولُ لَهُم هو: "لا يُمكنُكم أن تَقترنوا بالمُعلِّمينَ الكَذبة والرُّسُلِ الكَذبة والدِّياناتِ الزَّائفة". هذا هُوَ كُلُّ ما في الأمر. هذا هُوَ كُلُّ ما في الأمر.
لِنَرجِع إلى رسالة كورِنثوس الأولى والأصحاحِ العاشرِ مَرَّةً أخرى. وأريدُ أن أُريكُم هذا الشَّيءَ لأنَّهُ مُهمٌّ جدًّا لِفَهمِ المسألةِ هُنا. فبولسُ يَبتدئُ الأصحاحَ العاشرَ مِن رسالة كورنثوسَ الأولى بمَثَلٍ إيضاحِيٍّ عن مُوسَى وبَني إسرائيلَ، وكيفَ أنَّهُ كانت هُناكَ وَحدة رائعة. فقد كانوا جَميعًا تحتَ السَّحابة، واجتازوا جميعًا في البَحر، واعتَمَدوا جَميعًا لِمُوسَى، وأكلوا جَميعًا طَعامًا واحدًا رُوحيًّا هُوَ المَنَّ السَّماوِيَّ، وشَرِبوا شَرابًا واحدًا. فقد شَرِبوا جَميعًا نَفسَ ذلكَ الشَّرابِ الرُّوحيِّ. فقد شَرِبوا، كَما تَعلمونَ، مِن تلكَ الصَّخرةِ الروحيَّةِ الَّتي قَدَّمَها لَهُم المسيح. فقد تَمَّ الاعتناءُ بهم جميعًا... تَمَّ الاعتناءُ بهم جميعًا مِن قِبَلِ الله.
ولكنَّنا نَقرأُ في العددِ الخامِسِ أنَّ اللهَ لم يُسَرّ بأكثرِهم. ولَعَلَّكُم تَذكرونَ لماذا. لأنَّهُم عَبدوا الأوثان. ونَقرأُ في العددِ السَّابع: "فَلاَ تَكُونُوا عَبَدَةَ أَوْثَانٍ كَمَا كَانَ أُنَاسٌ مِنْهُمْ". وَهُوَ يُخبرُنا عن عِبادتِهم للأوثانِ ويُذَكِّرُنا بأنَّهُم جَلَسُوا للأكلِ والشُّربِ، ثُمَّ قَاموا للَّعِب؛ وهي صُورةٌ رَمزيَّةٌ لوثنيَّتِهم. وقد زَنى أُناسٌ مِنهُم فأهلَكَ اللهُ مِنهُم ثَلاثةً وعِشرينَ ألفًا إذْ عَضَّتهُم الحَيَّات. ويا لها مِن مأساةٍ مُريعة ورَهيبة! وهذه هي القِصَّة. تابِعوها: كانَ بَنو إسرائيلَ جميعًا في مِصْر. وقد جاءَ اللهُ وعَمِلَ عَملَ فِداءٍ وأَخرَجَهُم مِن مِصر. وَهُمُ الآنَ شَعبٌ مَفدِيٌّ. وقد جَاءوا إلى البَريَّةِ في أثناءِ رِحلتِهم إلى كَنعان. وقد دَخَلوا البَريَّةَ فراحُوا يَعبُدونَ الأوثانَ. فقد صَنَعوا عِجلاً ذَهبيًّا، وزَنَوْا وَعَبدوا الأوثانَ فَمَاتوا جَميعًا في البَريَّة.
لماذا؟ لأنَّهُ على الرَّغمِ مِن أنَّهُم تَحرَّروا مِنَ العُبوديَّةِ وصَاروا تَحتَ العِنايةِ الإلهيَّة، عِوَضًا عن أن يَظَلُّوا طَاهِرينَ رَاحُوا يَعبدونَ الأوثان. وأينَ تَعَلَّموا عنِ العِجْلِ الذَّهبيّ؟ أَخِبروني. مِن أينَ جَاءت تلكَ العِبادَة؟ مِن مِصر. فقد رَجَعوا إلى حَياتِهم القَديمة. وهذا هو تَمامًا ما كانَ أهلُ كورِنثوس يَفعلونَهُ حيثُ إنَّهُم عَادوا إلى عِبادةِ الأوثان. وقد رَافَقَ تلكَ العِبادة ذلكَ الزِّنى المُريع معَ كاهِناتِ المَعبَد. لِذا فإنَّنا نَقرأُ في العدد 14، بعدَ ذلكَ المِثالِ الإيضاحِيِّ، أنَّ بولسَ يَقولُ لَهُم: "لِذلِكَ يَا أَحِبَّائِي اهْرُبُوا مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَان". لا تَرجِعوا إليها.
ثُمَّ إنَّهُ يَقولُ لهُم السَّبب: "كَأْسُ الْبَرَكَةِ الَّتِي نُبَارِكُهَا، أَلَيْسَتْ هِيَ شَرِكَةَ دَمِ الْمَسِيحِ؟ الْخُبْزُ الَّذِي نَكْسِرُهُ، أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ جَسَدِ الْمَسِيحِ؟ فَإِنَّنَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ خُبْزٌ وَاحِدٌ، جَسَدٌ وَاحِدٌ، لأَنَّنَا جَمِيعَنَا نَشْتَرِكُ فِي الْخُبْزِ الْوَاحِد". "انْظُرُوا إِسْرَائِيلَ حَسَبَ الْجَسَدِ. أَلَيْسَ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الذَّبَائِحَ هُمْ شُرَكَاءَ الْمَذْبَحِ؟" ومَرَّةً أخرى، إنَّهُ يَتحدَّثُ عن أنَّنا شَعبٌ واحِد. فنحنُ جميعًا شعبٌ واحِد. وقد افتُدينا جَميعًا.
"فَمَاذَا أَقُولُ؟ أَإِنَّ الْوَثَنَ شَيْءٌ، أَوْ إِنَّ مَا ذُبحَ لِلْوَثَنِ شَيْءٌ؟" لا! أنا لا أقولُ إنَّ الوَثَنَ شَيءٌ، "بَلْ إِنَّ مَا يَذْبَحُهُ الأُمَمُ فَإِنَّمَا يَذْبَحُونَهُ لِلشَّيَاطِينِ". فذلكَ الوَثَنُ ليسَ شَيئًا. فلا يُوجَدُ إلَهٌ كَهذا. ومِثلُ هذا الإلَهِ ليسَ لَهُ وُجود. ولكن يُوجدُ شَيطانٌ وراءَ ذلكَ الوَثَن الزَّائف يُحاولُ أن يَظهَرَ بصورةِ الله. ولكنَّها دِيانة شَيطانيَّة زائفة. والشَّيطانُ مُشترِكٌ فيها. والأرواحُ النَّجِسَةُ مُشتركةٌ فيها. ثُمَّ نَقرأُ في نِهايةِ العدد 20: "فَلَسْتُ أُرِيدُ أَنْ تَكُونُوا أَنْتُمْ شُرَكَاءَ الشَّيَاطِينِ". فلا يُمكِنُكم أن تَعودوا وَحَسْب إلى ذلك. "لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَشْرَبُوا [في العدد 21] كَأْسَ الرَّبِّ وَكَأْسَ شَيَاطِينَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَشْتَرِكُوا فِي مَائِدَةِ الرَّبِّ وَفِي مَائِدَةِ شَيَاطِينَ". ماذا تُريدونَ أن تَفعَلوا؟ وفي العَدد 22: "أَمْ نُغِيرُ الرَّبَّ؟ [كما فَعلَ بَنو إسرائيل] أَلَعَلَّنَا أَقْوَى مِنْهُ؟" فهو نَفسُ التَّحذير.
فقد كانوا ما زَالوا يَلعبونَ بالأوثانِ في كورِنثوس. وكانوا ما زَالوا يَنجذبونَ إلى تلكَ الحياةِ القديمة. وكانَ الأمرُ يَزدادُ سُوءًا بسببِ الدِّيانةِ الوَثنيَّةِ الَّتي جَلَبَها إليهم الرُّسُلُ الكَذَبة والمُعَلِّمونَ الكَذَبة الَّذينَ يُغَيِّرونَ شَكلَهُم إلى شِبْهِ مَلاَكِ نُورٍ؛ ولكنَّهُم خُدَّامُ الشَّيطانِ (كما يُسَمِّيهِم في رسالة كورِنثوس الثانية والأصحاحِ الحادي عشر). فقد اسْتَشْرَى الفَسادُ جدًّا حَتَّى إنَّهُم جَاءوا إلى الكنيسةِ وراحُوا يَتظاهَرونَ أنَّهُم يَتكلَّمونَ بألسنةٍ؛ ولكنَّهُم كانوا يَتكلَّمونَ بِثَرثرةٍ وَثنيَّةٍ كانوا مُعتادينَ عليها. وكانوا يَلعَنونَ المَسيحَ ويَظُنُّونَ أنَّ الرُّوحَ القُدُسَ هُوَ مَن يَفعلُ ذلك. فهذا هو ما يَقولُهُ الأصحاحُ الثَّاني عشر والعَدد الثَّالث. وكانوا مُنْقادينَ إلى الأوثانِ البُكْمِ ويَقولونَ إنَّ يَسوعَ مَلعون. وهو يَقولُ إنَّ الرُّوحَ القُدُسَ لا يَقولُ لَكُم ذلك.
وفي الأصحاحِ السَّادسِ مِنَ الرسالةِ الأولى إلى أهلِ كورِنثوس، نَقرأُ عنِ الجُزءِ غيرِ الأخلاقِيِّ: "أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ [في العَدد 15] أَنَّ أَجْسَادَكُمْ هِيَ أَعْضَاءُ الْمَسِيحِ؟ أَفَآخُذُ أَعْضَاءَ الْمَسِيحِ وَأَجْعَلُهَا أَعْضَاءَ زَانِيَةٍ؟" فَلا يُمكنكَ أن تَأخُذَ المسيحَ وتَخرُجَ إلى ذلكَ المَكانِ وتَقْتَرِنَ بزانية لأنَّكَ تَجعلُ المَسيحَ يَقترِنُ بزانية. أنتُم رُوحٌ واحدٌ معَ الرَّبِّ (في العدد 17). ثُمَّ في العدد 18: "اُهْرُبُوا مِنَ الزِّنَا" وَ "اهرُبوا مِن عِبادةِ الأوثان". فهاتانِ هُما المَرَّتانِ اللَّتانِ تَرِدُ فيهما الكلمة "اهرُبوا" في رسالة كورِنثوسَ الأولى. لِذا فقد فَهمتُم ما الَّذي كانوا يَفعلونَهُ. أليسَ كذلك؟ وما أعنيه هو أنَّهُم كانوا يَرجِعونَ وَحَسْب إلى الزِّنا القَديم، ويَرجعونَ إلى عبادةِ الأوثانِ القَديمة لأنَّهُم تَشَوَّشوا مِنَ المُعلِّمينَ الكَذبَة والتَّعاليمِ الزَّائفة وابتُلِعوا في ثَقافةِ دِيانةٍ وَثنيَّة.
لِذا، عندما يَقولُ بولُس: "لاَ تَكُونُوا تَحْتَ نِيرٍ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ" فإنَّهُ يَدعو إلى الانفصالِ... اسمَعوني جيِّدًا... على المُستوى الدِّينيِّ. فهذا هو ما يَعنيه. على المُستوى الرُّوحِيِّ. وبصراحة، لا توجد مُؤسَّسة رُوحيَّة أكبر مِنَ الزَّواج لأنَّنا في الزَّواجِ نَرى حَرفيًّا صُورةَ المسيحِ وكنيستِه. ولكنَّ هذا هو ما يَتحدَّثُ عنه. فهو يَتحدَّثُ عن مُؤسَّسةٍ رُوحيَّة. فَلا يُمكنكُم أن تَلهوا معَ دِيانةٍ زائفة. ولا يُمكنكُم أن تَضعوا المُعَلِّمينَ الحَقيقيِّينَ والمُعَلِّمينَ الزَّائفينَ تحتَ نِيرٍ واحِد. ولا يُمكنكم أن تأخذوا مُؤمِنًا حَقيقيًّا وأن تَقرِنوهُ بشخصٍ يَدَّعي الإيمان. فهذهِ كِذبة شَيطانيَّة. لا يُمكنكم أن تَفعلوا ذلك؛ بل يجبُ عليكم أن تَنفصِلوا عن كُلِّ ذلك.
وقد تَحَدَّثَ بولسُ عن هذهِ النُّقطةِ المُهمَّةِ في مَوضِعٍ آخر. افتَحوا على الرِّسالة الأولى إلى تيموثاوس والأصحاحِ الأوَّل. وسوفَ نَتأمَّل في هذا النَّصِّ بإيجاز. ففي الرِّسالة الأولى إلى تيموثاوس والأصحاح الأوَّل، يَقولُ بولُس في العددِ 18: "هذِهِ الْوَصِيَّةُ أَيُّهَا الابْنُ تِيمُوثَاوُسُ أَسْتَوْدِعُكَ إِيَّاهَا حَسَبَ النُّبُوَّاتِ الَّتِي سَبَقَتْ عَلَيْكَ، لِكَيْ تُحَارِبَ فِيهَا الْمُحَارَبَةَ الْحَسَنَةَ". ثُمَّ إنَّهُ يَقولُ ما يَلي. استَمِعوا بعناية إلى العَددين 19 و20: "وَلَكَ إِيمَانٌ [أيْ: تَمَسَّك بإيمانِك] وَضَمِيرٌ صَالِحٌ، الَّذِي إِذْ رَفَضَهُ قَوْمٌ، انْكَسَرَتْ بِهِمِ السَّفِينَةُ مِنْ جِهَةِ الإِيمَانِ أَيْضًا، الَّذِينَ مِنْهُمْ هِيمِينَايُسُ وَالإِسْكَنْدَرُ، اللَّذَانِ أَسْلَمْتُهُمَا لِلشَّيْطَانِ لِكَيْ يُؤَدَّبَا حَتَّى لاَ يُجَدِّفَا". فقدِ اضطُرَّ بولسُ إلى الذَّهابِ إلى تلكَ الكنيسةِ وطَرْدِ المُعَلِّمَيْنِ الكاذِبَيْنِ اللَّذانِ كانا يُعَلِّمانِ تَجديفًا وهَرطقةً ويَهدِمونَ إيمانَ الرَّعيَّة. وقد أَسْلَمَهُما للشَّيطان. فلا يُمكنكُم أن تَسمحوا بأمرٍ كهذا في الكنيسة. ولا يُمكنكم أن تَقترنوا بأشخاصٍ كهؤلاء.
وفي الأصحاحِ الرَّابعِ، يَتحدَّثُ بولُس عن أشخاصٍ مُرائينَ وَكَاذِبينَ وُسِمَتْ ضَمائِرُهم يُعَلِّمونَ تَعاليمَ شَياطين ويَتبعونَ أَرْوَاحًا مُضِلَّةً. وَهُوَ يَقول في الأصحاحِ السَّادسِ والعددِ الثَّالث: "إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُعَلِّمُ تَعْلِيمًا آخَرَ، وَلاَ يُوافِقُ كَلِمَاتِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الصَّحِيحَةَ، وَالتَّعْلِيمَ الَّذِي هُوَ حَسَبَ التَّقْوَى، فَقَدْ تَصَلَّفَ، وَهُوَ لاَ يَفْهَمُ شَيْئًا، بَلْ هُوَ مُتَعَلِّلٌ بِمُبَاحَثَاتٍ وَمُمَاحَكَاتِ الْكَلاَمِ، الَّتِي مِنْهَا يَحْصُلُ الْحَسَدُ وَالْخِصَامُ وَالافْتِرَاءُ وَالظُّنُونُ الرَّدِيَّةُ، وَمُنَازَعَاتُ أُنَاسٍ فَاسِدِي الذِّهْنِ وَعَادِمِي الْحَقِّ".
والنُّقطةُ الجَوهريَّةُ هي ألاَّ يَكونَ لَكُم أيُّ شأنٍ بِهِم. وَهُوَ يَقولُ في العَدد 20 مِن نَفسِ ذلكَ الأصحاح (أيِ الأصحاحِ السَّادس): "مُعْرِضًا عَنِ الْكَلاَمِ الْبَاطِلِ الدَّنِسِ، وَمُخَالَفَاتِ الْعِلْمِ الْكَاذِبِ الاسْمِ، الَّذِي إِذْ تَظَاهَرَ بِهِ قَوْمٌ زَاغُوا مِنْ جِهَةِ الإِيمَان". اسمَعوني: إنَّ هُجومَ الشَّيطان الرَّئيسيّ على الكنيسة هو أن يُقْحِمَ فيها التَّعليمَ المُضِلَّ؛ أي أن يَنْدَسَّ في الكنيسة ويُعَلِّمَ الأكاذيبَ والأخطاءَ واللاَّهوتَ المَغلوطَ، وأن يُوَفِّقَ بينَ المُعتقداتِ بطريقةٍ خَبيثة، وأن يَدُسَّ أشياءً تبدو جَيِّدةً في الظَّاهرِ ولكنَّها تَعاليمُ شَياطين. فهذه هي الطَّريقةُ الَّتي يَعملُ بها. وقد فَعلَ ذلكَ في كورنثوس. لِذا فإنَّ بولسَ يَقولُ لهُم: "لا يُمكنكم أن تَفعلوا ذلك. فهذا يُؤدِّي إلى كَارثة".
انظروا إلى الرِّسالة الثَّانية إلى تيموثاوس والأصحاحِ الثَّاني. لِنُلْقِ نَظرةً أخرى على كلماتِ بولُس. ففي الرِّسالة الثَّانية إلى تيموثاوس 2: 15، يَقولُ بولُس: "اجْتَهِدْ أَنْ تُقِيمَ نَفْسَكَ للهِ مُزَكُى، عَامِلاً لاَ يُخْزَى، مُفَصِّلاً كَلِمَةَ الْحَقِّ بِالاسْتِقَامَة". مُفَصِّلاً إيَّاها بِدِقَّة، أو مُفَصِّلاً إيَّاها تَفصيلاً صَحيحًا. "وَأَمَّا الأَقْوَالُ الْبَاطِلَةُ الدَّنِسَةُ فَاجْتَنِبْهَا، لأَنَّهُمْ يَتَقَدَّمُونَ إِلَى أَكْثَرِ فُجُورٍ، وَكَلِمَتُهُمْ تَرْعَى كَآكِلَةٍ. الَّذِينَ مِنْهُمْ هِيمِينَايُسُ وَفِيلِيتُسُ، اللَّذَانِ زَاغَا عَنِ الْحَقِّ، قَائِلَيْنِ: «إِنَّ الْقِيَامَةَ قَدْ صَارَتْ» فَيَقْلِبَانِ إِيمَانَ قَوْمٍ".
إذًا، ما الَّذي نَفهَمُهُ مِن ذلك؟ أنَّهُ كانَ يوجدُ أُناسٌ في الكنيسةِ في أفسُس، وهي الكَنيسةُ الَّتي كانَ يَخدِمُ فيها تيموثاوُس عندما تَسَلَّمَ تلكَ الرِّسالة، يُعَلِّمونَ أكاذيبَ، ويُعَلِّمونَ بِدعةً، ويُعَلِّمونَ تَعليمًا باطِلاً. وَهُوَ يَقولُ لَهُ: فَصِّل كلمةَ اللهِ بالاستقامة وتَجَنَّبَ تلكَ الأشياءَ لأنَّها تُشبِهُ الغَنغرينة إذْ إنَّها تَنْهَشُ جَسَدَ المسيحِ وتَفتِكُ بِه. ثُمَّ إنَّهُ يَقولُ في العدد 20: "وَلكِنْ فِي بَيْتٍ كَبِيرٍ لَيْسَ آنِيَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَقَطْ، بَلْ مِنْ خَشَبٍ وَخَزَفٍ أَيْضًا، وَتِلْكَ لِلْكَرَامَةِ وَهذِهِ لِلْهَوَان".
والآن، لَعَلَّكُم تَذكرونَ حَديثَنا عن هذا الأمر عندما تَحدَّثنا عنِ الآنِيَةِ الخَزفيَّةِ في الأصحاحِ الرَّابع. ففي تلكَ البُيوتِ، كانت هُناكَ آنِيَة تُستخدَمُ للكَرامَةِ وأخرى تُستخدَمُ للهَوان. والهَوانُ يَعني القُمامَة. فهي حَقًّا تستخدَمُ للهَوان. وأقربُ شَيءٍ يُمكنُني أن أُفَكِّرَ فيه هو أنِّي نَشأتُ قبلَ اختراعِ جِهازِ التَخَلُّصِ مِنَ النُّفاياتِ في المَنازِل. وما زِلتُ أَذكُرُ أنَّ أُمِّي قالت لي مَرَّاتٍ كثيرة: "جوني، أَخرِج القُمامَة". ونحنُ نُسَمِّيها الآنَ نُفايات لأنَّها تَحوي بلاستيك وصَفيح ووَرَق. ولكنَّها لم تَكُن كذلكَ مِن قَبل، بل كانت قُمامَة.
فلم تَكُن هُناكَ طَريقة للتَّخلُّصِ مِنَ القُمامةِ آنذاك، بل كانَ هُناكَ وِعاءٌ في البيت نَضَعُ فيهِ القُمامة إلى أن تَفوحَ رائحتُها في كُلِّ البيت. وعندما تَصيرُ رائِحَتُها لا تُطاق في البيت، كانت أُمِّي تقول: "جوني، أخرِج القُمامَة". وكنتُ أُخرِجُها آنذاك وأضعُها في بِرْميل، في واحدٍ مِن تلكَ البَراميل المَعدِنيَّة الَّتي كُنَّا نَستخدِمُها. وقد كنتُ أستَمِرُّ في طَرْحِ القُمامةِ في ذلكَ البِرْميل. وكما تَعلمونَ، كانَ البِرْميلُ مُمتلئًا دائمًا بالذُّبابِ والحَشرات. ولا بُدَّ أنَّكُم تَعلمونَ كيفَ كانَ الأمرُ في تلكَ الأيَّام. وفي نَحوِ مُنتصفِ الأسبوع، كانت أُمِّي تُدركُ بلا شَكٍّ الرَّائحةَ المُنبعثةَ مِن تلكَ القُمامةِ في كُلِّ الحَيّ. حينئذٍ، كانَ الوقتُ مُناسبًا لإخراجِ القُمامة ووَضْعِها قُربَ الرَّصيف.
وكانُ عُمَّالُ النَّظافة يأتونَ ويأخُذونَها إلى "إيل مونتي" (El Monte)... لا، لا... أنا لا أَمزَحُ هُنا. فقد كانَ يوجدُ في "إيل مونتي"... هل يوجد أشخاصٌ مِنكُم مِن مَدينةِ "إيل مونتي" أَخَذَ كَلامي على مَحْمَلٍ شَخصيٍّ؟ أرجو ألاَّ تُسيئوا فَهمي. فقد كانَت توجدُ في "إيل مونتي" مَزرعة خَنازير كبيرة جدًّا كنتُ أعملُ فيها في الصَّيف. وكانَ يَتِمُّ غَلْيُ كُلِّ تلكَ القُمامةِ قبلَ طَرْحِها في مَزرعةِ الخَنازيرِ تلكَ كي تأكُلها الخَنازير. وهكذا فقد كانوا يُطعِمونَ الخِنازيرَ تلكَ القُمامَةِ المَغليَّة. وقد كانت تلكَ عَمليَّة مُتكاملة. فهذا هو ما كانَ يَحدُث. وقد كُنَّا نُخرِجُ القُمامَةَ خارجًا. وما زِلنا نَفعلُ ذلكَ حتَّى يَومِنا هذا. ولكِنَّ أُمِّي لم تَستخدِم ذلكَ الوِعاء لتقديمِ الطَعامِ فيه يومَ الأحد. وما أعنيه هو أنَهُ كانَ وِعاءً قَذِرًا لا يُستخدمُ لأيِّ غَرَضٍ آخَر.
وكانَ الأمرُ كذلكَ في تلكَ البيوتِ القديمة. فقد كانت هُناكَ آنِيَة تُطرَحُ فيها قُمامَةُ المَنزل. ولاحِظوا ما يَقولُهُ بولُس: "تُوجدُ في البيتِ آنية للكَرامة مَصنوعة مِن تلكَ المَعادنِ الثَّمينة، وتُوجدُ أيضًا آنية مَصنوعة مِن مَوادّ عاديَّة كالخشبِ والخَزَف. وإن أردتُم أن تَكونوا آنيةً نافعةً مِن ذَهبٍ وفِضَّة، طَهِّروا أنفسَكُم مِن هذهِ". وما المَقصودُ بالكلمة "هَذِهِ"؟ أيْ مِنَ المُعَلِّمينَ الكَذَبة، ومِنَ الضَّلالاتِ والأكاذيبِ والبِدَع. فلا يُمكِنُكم أن تَتعايَشوا مَعَها. فهي تَفْتِكُ بِمَن يَسمَعُها، وتُخزي مَن يُعَلِّمُها، وتُؤدِّي إلى الفُجور. وهي تَنتشرُ كالغَنغرينة. وهي تُزعزِعُ الإيمان.
وما نَتحدَّثُ عنهُ هُنا هو أيُّ ارتباطٍ بأيِّ شخصٍ غيرِ مُؤمِنٍ في أيَّةِ مُؤسَّسة دينيَّة أو رُوحيَّة. فهذا هو ما نَتحدَّثُ عنه. فنحنُ لا نَتحدَّثُ عن صَناديقِ الاستثمارِ المُشترَكة. لِذا، يُمكنكُم أن تَطمَئِنُّوا. ونحنُ لا نَتحدَّثُ عن أنَّهُ يجبُ عليكم أن تَتركوا وَظيفتَكُم بسببِ عَمَلِكُم معَ غيرِ مُؤمِنين. ونحنُ لا نَتحدَّثُ عن أنَّهُ يجبُ على المُؤمنينَ أن يَتركوا المَدرسَةَ بسببِ عَدمِ وُجودِ مُعَلِّمينَ مُؤمِنينَ فيها. ونحنُ لا نَتحدَّثُ عن وُجوبِ أن تَترُكَ الحَيَّ الَّذي تَسكُن فيه. نحنُ لا نَتحدَّثُ عن أيٍّ مِن هذهِ الأشياء؛ بل نَتحدَّثُ عنِ المُؤسَّساتِ الروحيَّةِ، والعِبادةِ، والخِدمةِ، والكِرازَة.
فالتَّعاونُ الدِّينيُّ بينَ مَملكةِ الظُّلمةِ ومَملكةِ النُّورِ سَخيفٌ. فَمَا الَّذي يَجعلُنا نُعطي إبليسَ مَكانًا؟ وقد تَقول: "هل هذهِ مُشكلة؟" هل هذهِ مُشكلة! إنَّها خُدعةُ الشَّيطان الأولى. فأنا أَذكُرُ عندما كُنتُ طالبًا في المَدرسةِ في سنة 1955 أنَّني أدركتُ حَقيقةَ أنَّ هُناكَ مَساعٍ كبيرة جدًّا للكِرازة في أمريكا. وكانتِ اللِّجانُ تَضُمُّ مُؤمِنينَ وغيرَ مُؤمِنين؛ أيْ أشخاصًا يُؤمِنونَ بالإنجيل وأشخاصًا يُنكِرونَ الإنجيلِ لأنَّهُم لاهوتيُّونَ مُتحرِّرون. وصَدِّقوني أنِّي لم أكُن مُتَعَمِّقًا في ذلكَ العُمر. فقد كُنتُ في المَدرسةِ الثَّانويَّةِ في الحقيقة في سنة 1955 لأنِّي لم أتَخرَّج إلاَّ في سنة 1957. ولكنِّي كُنتُ في تلكَ السَّنواتِ أتساءَل: كيفَ يُمكِنُهم أن يَفعلوا ذلك؟ لا أَفهمُ كيفَ يَجمعونَ غيرَ مُؤمنينَ ومُؤمنينَ معًا في مُؤسَّسة رُوحيَّة مُشتركة!" فهذا غيرُ مُعقول! وما أعنيه هو: لِماذا تُعطونَ إبليس مَكانًا؟
وما زِلنا نَرى هذا يَحدثُ اليوم. فالشَّيطانُ ما زَالَ يُحاولُ أن يَتَسَلَّل. وفي الفترةِ الأخيرة، عَقَدَ "حَافِظو العَهدِ" (Promise Keepers) مُؤتمرًا في لوس أنجليس. وفي وقتِ انعِقادِ مُؤتمرِ حِافِظي العَهدِ، قَرأتُ في صَحيفةِ "لوس أنجليس تايمز" (Los Angeles Times) أنَّ الكاردينالَ... الكاردينالَ الكاثوليكيَّ أَكَّدَ كُلَّ شيءٍ يَختصُّ بِحافِظي العَهدِ وشَجَّعَ كُلَّ أساقفةِ الأبرشيَّاتِ أن يَصْحَبوا كُلَّ خُدَّامِهم إلى ذلكَ المؤتمر. وبعدَ ذلكَ، صَدَرَت مَقالة في اليومِ التَّالي في اعتقادي كَتَبَها أُسقُفُ كَنيسةٍ مورمونيَّة مَحليَّة قالَ فيها إنَّهُ شَجَّعَ كُلَّ المُورمون على الذَّهاب. ما الَّذي يَقولُهُ ذلكَ عن حَافِظي العَهد؟ لا شيء. وما الَّذي يَقولُهُ عنِ الشَّيطان؟ كُلَّ شيء. فهذا هو دائمًا أُسلوبُهُ. فهو لا يُريدُ أن يُقاوِمَ ذلك، بل يُريدُ أن يَفعلَ ماذا؟ أن يَنضمَّ إلى ذلك.
فعندما يُقاوِمُ ذلكَ فإنَّ الوَضعَ يَتَفَجَّر وتَصيرُ دِماءُ الشُّهداءِ مَصدرَ قُوَّةٍ للكنيسة. أمَّا عندما يَنضمُّ إلى الكنيسةِ فإنَّها تَموت. وهو يُريدُ دائمًا أن يَنضمَّ إليها. والمؤمنونَ السَّاذَجونَ والطَّائشونَ وعَديمو التَّمييزِ يَظُنُّونَ أنَّها استراتيجيَّة كِرازيَّة فيَقبَلونَها. ويا لها مِن حَماقَة! فهي ليست استراتيجيَّة كِرازِيَّة، بل هُوَ انتحارٌ بَطيء. فلا يَجوزُ أن يَشتركَ المؤمنونَ وغيرُ المؤمنينَ في خِدمةٍ رُوحيَّةٍ مُشتركَة. فالحَقُّ والباطِلُ لا يَجتمعان. فَهُما مُتناقضانِ بطبيعتِهما. وكُلٌّ مِنهُما يَسيرُ في اتِّجاهٍ مُختلفٍ عنِ الآخر. وَكُلٌّ مِنهُما يَسعى إلى أهدافٍ مُختلفة تَمامًا، والدَّافِعُ مِن وَراءِ كُلٍّ مِنهُما مُختلفٌ تَمامًا. وهي خِدماتٌ يُهيمنُ عليها قادةٌ أعداء. لِذا، يجبُ علينا أن نَنفصلَ عن غيرِ المؤمنينَ في كُلِّ نَشاطٍ يَختصُّ بالكِرازةِ بالإنجيل. فالاثنانِ لا يَجتمعان... لا يَجتمعانِ البَتَّة. فلِكُلٍّ منهُما غاية وَحَسْب.
وقد تقول: "حسنًا! ولكن إن دَخَلَ الشَّيطانُ إلى الدَّاخل، كيفَ نُخرِجُهُ خارجًا؟" إنَّ أوَّلَ شيءٍ يُمكنكُم القيامُ بهِ هو أن تُمَيِّزوا المُعَلِّمينَ الكذبةَ وتُسَمُّوهُم عَلَنًا "أعوانَ الشَّيطان". وقد تقولُ إنَّ ذلكَ قد يَجرحُ مَشاعِرَهُم. هذا صَحيح. ولكنَّ جَرْحَ مَشاعِرِهم أفضل مِن هَدْمِ الشَّرِكَة. أليسَ كذلك؟ لأنَّ الشَّرِكة هي مِفتاحُ كُلِّ شَيء. فإن سَمحتُم لَهُم أن يَدخُلوا، هل تَعلَمونَ ما الَّذي سيَفعلونَهُ؟ سيَنهشونَ الجَسَدَ كالغَنغرينة فيتأذَّى المؤمنونَ في أثناءِ ذلك. لِذا، لا يَجوزُ للوثنيِّينَ الَّذينَ لا يَعرفونَ المسيحَ، والَّذينَ ليسَ لَهُم مكانٌ في مَلكوتِ اللهِ أن يَنضمُّوا إلى الكنيسة. وهُناكَ قِسمٌ كَبيرٌ مِن هؤلاءِ وَثنيُّونَ تمامًا، وَهُم خَارِج الكنيسة. ولكنَّ الأشخاصَ الَّذينَ يَنبغي أن تَحذروا مِنهُم هُمُ الأكثر تَدَيُّنًا. وانتبهوا إلى ما سأقول: إنَّهُم الأشخاصُ الَّذينَ يُشبِهونَ بِدَهاءٍ المؤمنين. فالشَّيطانُ ماكِرٌ، ومُخادِعٌ، ومُراوِغٌ، وخَبيث.
وليسَ مِنَ المألوفِ أيضًا أن تأخُذَ هذا المَوقفَ تَحديدًا؛ ولكنَّهُ التَّصَرُّفُ الآمِنُ لأنَّهُ مَذكورٌ في الكتابِ المقدَّس. وأنا أشعرُ بالرَّاحةِ حَقًّا هناك. وأرجو أن تَشعروا أنتُم أيضًا بالرَّاحة. وفي نِهايةِ المَطافِ، فإنَّ الغايةَ مِنَ النَّزاهةِ في كُلِّ هذهِ الخِدمةِ الرُّوحيَّةِ هي طَهارةُ الكنيسةِ، وقُوَّةُ الكنيسةِ، ووُضوحُ الحَقِّ المُختصِّ بالكنيسةِ مِن أجلِ تَوصيلِ الإنجيلِ إلى الخُطاةِ الَّذينَ خَدَعَهُم الشَّيطانُ في هذهِ الأنظمةِ الزَّائفة. فأيُّ قُبولٍ لهذهِ الأنظمةِ سَيُوحي بأنَّ الأشخاصَ الَّذينَ يَنتمونَ إليها هُم على ما يُرام. ولكن يا لها مِن بِدعَة مَلعونَة! لِذا، لا مَجالَ للمُساومةِ هُنا.
فَمِنَ البَديهيِّ أنَّ أيًّا مِنكُم لا يَرغبُ في الزَّواجِ مِن شَريكِ حَياةٍ ليسَ مُؤمِنًا. فنحنُ نَقرأُ في رسالة كورنثوسَ الأولى 7: 39 أنَّهُ يجبُ علينا أن نَتزوَّجَ "فِي الرَّبِّ فَقَطْ". ولكنَّ هذهِ ليستِ النُّقطةُ الَّتي يَتحدَّثُ عنها بولسُ في رِسالتِهِ الثَّانية إلى أهلِ كورِنثوس والأصحاحِ السَّادس. ولكن أريدُ أن أقولَ لكم إنَّ هذا الأمرَ يُؤثِّرُ في كُلِّ عَلاقاتِكَ الَّتي تُنشِئُها بصِفَتِكَ مُؤمِنًا لأنَّكَ لا تَستطيعُ أن تُنشِئَ عَلاقاتٍ رُوحيَّةً قَويَّةً وعَميقةً معَ أيِّ شخصٍ إلاَّ إذا كانَ مُؤمِنًا. لِذا، في ضَوءِ هذا التَّكريسِ لِنَزاهةِ الكَنيسةِ وطَهارتِها، يجبُ علينا أن نُحافِظَ على وُضوحِنا وقُوَّتِنا وطَهارتِنا لكي نَتمكَّنَ مِنَ التَّأثيرِ في العالَمِ غير المُخَلَّص. ويجب علينا أن نُبقي الشَّيطانَ خارجًا. فهذا هو ما يَدعونا بولُسُ إليه.
والآن، هذهِ هي أوَّلُ... إنَّها أوَّلُ جُملةٍ في العدد 14. وإن كُنتُم تَتساءَلونَ: "ما الَّذي يَتحدَّثُ عنهُ الجُزءُ المُتَبَقِّي مِنها؟" سأُخبرُكُم عن ذلك... في المُستقبل. فهناكَ خمسةُ أسباب. فسوفَ أَذكُرُ لكُم خمسةَ أسباب؛ وهي الأسبابُ الَّتي سنتحدَّثُ عنها. أولاً، اقتِرانُ المؤمنينَ بغيرِ المؤمنينَ في أيَّةِ عَلاقة رُوحيَّة هو شَيءٌ غيرُ مَنطقيٍّ أو غيرُ عَقلانِيٍّ. لِنَقُل إنَّهُ غيرُ عَقلانِيٍّ. إنَّهُ غيرُ عَقلانيٍّ. ثانيًا، إنَّهُ شَيءٌ مُدَنِّس. ثالثًا، إنَّهُ شَيءٌ يَنُمُّ عن عَدمِ طَاعَة. رابعًا، إنَّهُ شيءٌ غيرُ نَافِعٍ. خامسًا، إنَّهُ شيءٌ يَنُمُّ عن عَدمِ امتِنان. فهو شيءٌ غيرُ عَقلانِيٍّ، ومُدَنِّسٌ، ويَنُمُّ عن عَدَمِ طَاعَة، وهو غَيرُ نَافِعٍ، ويَنُمُّ عن عَدمِ امتِنان. وسوفَ نَتحدَّثُ عن هذهِ النِّقاطِ الخَمسِ في أثناءِ دراستِنا لهذا النَّصِّ. وهذه هي البداية وَحَسْب. دَعونا نَحني رُؤوسَنا حَتَّى نُصَلِّي:
يا أبانا، إذْ نَنظُرُ إلى كَلمتِكَ فإنَّنا نَرتَفِعُ فوقَ الأمورِ العاديَّةِ والمألوفةِ ونُثَبِّتُ أنظارَنا على الأمورِ الخارقةِ للطَّبيعةِ والإلهيَّة. وقد فَهِمنا حَقائقَ عَميقة تَخفَى تَمامًا عن فَهْمِ أحكَمِ الحُكماءِ في العالَم. يا رَبّ، نحنُ مُمْتَنُّونَ جدًّا على غِنى الحَقِّ الكامِنِ في كلمتِك.
ويا رَبّ، نحنُ نُريدُ أن نَتبعَ وَصاياكَ، وتَعليماتِكَ، وإرشاداتِكَ، وأوامِرَكَ لأنَّهُ لا يَجوزُ لنا حَقًّا أن نَكونَ تَحتَ نِيرٍ معَ غيرِ المُؤمنينَ في أيَّةِ مُؤسَّسَةٍ تُسَمِّي اسمَكَ، وفي أيِّ شَيءٍ رُوحيٍّ. فنحنُ لا نُريدُ أن نَفتحَ البابَ على مِصراعَيهِ أمامَ الشَّيطان. لِذا يا رَبّ، ساعِدنا على أن نَكونَ أُمناءَ وأن نَفعلَ كُلَّ ما تُوصينا بهِ الآيةُ الأولى مِنَ الأصحاحِ السَّابعِ إذْ نَقرأُ: "لِنُطَهِّرْ ذَوَاتِنَا مِنْ كُلِّ دَنَسِ الْجَسَدِ وَالرُّوحِ، مُكَمِّلِينَ الْقَدَاسَةَ فِي خَوْفِ اللهِ". يا رَبّ، اجعَلْنا قِدِّيسينَ، ومُفْرَزينَ، واحفَظ كَنيستَكَ مُنفَصِلة عنِ العالَم لكي تَكونَ شَهادتُنا وكِرازتُنا طَاهرة ونَقيَّة. ولَكَ كُلُّ المَجدِ باسمِ ابنِكَ. آمين!

This article is also available and sold as a booklet.