
اسمَحوا لي أن أَحِيْدَ عن مَوضوعِنا قَليلاً إن كانَ بِمَقدوري ذلك. فنحنُ نَدرُسُ الرِّسالةَ إلى أهلِ فيلبِّي 2: 14-16. وقد عَنْوَنْتُ هذهِ العِظَة: "تَوَقَّفوا عَنِ التَّذَمُّر"... "تَوَقَّفوا عَنِ التَّذَمُّر". وهناكَ سَببٌ لذلك، وهو سَببٌ واضحٌ جدًّا إن نَظرتُم إلى العَدد 14 إذْ إنَّ بولسَ يَقول: "اِفْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ بِلاَ دَمْدَمَةٍ وَلاَ مُجَادَلَة". وَهُما في الحَقيقةِ طَريقتان لِقول: "تَوَقَّفوا عَنِ التَّذَمُّر". وبينَما كنتُ أُفكِّرُ في هذهِ العِظَةِ الوَثيقةِ الصِّلَةِ جدًّا بِعَيشِ حَياتِنا المسيحيَّة مِن دُونِ تَذَمُّر، اتَّضَحَ لي تَمامًا أنَّنا نَعيشُ في مُجتَمعٍ مُتَذَمِّرٍ جدًّا. وأنا أُوْمِنُ حَقًّا بأنَّنا نُنشِئُ جِيلاً مِنَ المُتَذَمِّرين، وبأنَّ حَالَتَهُم تَزدادُ سُوءًا على مَرِّ الأجيال.
وكما قُلتُ لَكُم في مُناسَباتٍ عَديدة، فإنَّ مَا يَلفُتُ انتِباهي هُوَ أنَّ أكثرَ المُجتمعاتِ رَفاهيَّةً هي أكثرُ المُجتمعاتِ تَبَرُّمًا، وأنَّهُ كُلَّما حَصَلَ النَّاسُ على المَزيدِ، زَادوا تَبَرُّمًا مِمَّا لَديهم، وزَادوا تَذَمُّرًا. وفي أثناءِ تَفكيري في ذلك، وَجدتُ أنَّ هُناكَ طَرائقَ كَثيرة للتَّحدُّثِ عن هذا المَوضوع. وقد كُنتُ أُقَلِّبُ مَحَطَّاتِ الإذاعَةِ في هذا الأسبوع فَسَمِعتُ خِطابًا لعَالِمِ اجتِماعٍ أثارَ فُضولي واهتمامي الشَّديد. وقد ذَكَرَ عَالِمُ الاجتماعِ نُقطةً مُدهشةً جدًّا. فقد كانَ يَتكلَّمُ عنِ الشَّبابِ في مُجتمعِنا، ويَتكلَّمُ عن عَدَمِ رِضاهِم، ويَتكلَّمُ عن مَوقفِ التَّذَمُّرِ لَديهم، وعن رَفضِهم لتَحَمُّلِ المَسؤوليَّة، وكيفَ أنَّهُ لا يُوجد شَيءٌ يَسيرُ في نَظَرِهِم كَما يُريدون. وَهُم يَعيشونَ حَياتَهُم في حَالةٍ شَديدةٍ مِن عَدمِ الرِّضا، ويَرفُضونَ الأشياءَ بالحالِ الَّتي هي عَليها. وقد كانَ يَبني كَلامَهُ على فَرضيَّةٍ مُدهشة. وما كانَ يَقولُهُ بِصُورةٍ رَئيسيَّةٍ هُوَ التَّالي: أنَّ هذا الجيلَ مِنَ الشَّبابِ الَّذينَ يَشعُرونَ بعدمِ الرِّضا مِن زَوايا عَديدة قد نَشأوا في عائلاتٍ صَغيرة. ونَظريَّتُهُ تَقولُ إنَّهُ عندما تُوجدُ عائلاتٌ صَغيرةٌ تَضُمُّ طِفلينِ أو أقَلّ، أو كما هي الحَالُ في أمريكا الآن إذْ إنَّ مُتَوَسِّطَ عَددِ الأطفالِ في العائلةِ هُوَ 1.7 (واحِدٌ وسَبعَة مِن عَشْرَة)؛ وهو أمرٌ غَريبٌ حينَ تُفَكِّرونَ فيه، أو كَما قالَ أَخٌ لأُختِهِ: "أنا الواحِد، وأنتِ السَّبعة مِن عَشْرَة". ولكنْ يبدو أنَّ مُتوسِّطَ أعدادِ الأطفالِ في كُلِّ عائلة هُوَ 1.7 (واحِد وسَبعة مِن عَشْرَة). ونحنُ نُدركُ أنَّ العائلاتِ تَصيرُ أصغرَ فأصغرَ، وتَتَّجِهُ إلى إنجابِ طِفلٍ واحدٍ فقط. فغالبيَّةُ العائلاتِ في أمريكا ليسَ لديها أبناء، أو لَديها طِفلٌ أو طِفلانِ فقط.
والآن، تَقولُ هذهِ النَّظريَّة إنَّ تلكَ العَائلاتِ الصَّغيرةَ الَّتي تَعيشُ في مُجتمعٍ مَادِّيٍّ تُنشِئُ أبناءً أنانِيِّينَ ومُنغَمِسينَ في ذَواتِهم. وهو يُقَدِّمُ مِثالاً إيضاحيًّا بَسيطًا جدًّا. ورُبَّما سَمِعَ بَعضٌ مِنكُم هذهِ الحَلْقَة الإذاعيَّة. فقد قالَ: على سَبيلِ المِثالِ، عندما تُنجِبُ طِفلاً أو طِفلين، فإنَّهما يَنهضانِ في الصَّباحِ فتقولُ أُمُّهُما لَهُما: "مَا الشَّطيرةُ الَّتي تُحِبَّانِ أن أُحَضِّرَها لَكُما للغَداء؟" فيقولُ أحدُهُما: "أريدُ شَطيرةَ زُبدةِ الفُولِ السُّودانِيّ"، ويقولُ الآخر: "أريدُ شَطيرةَ تُونا" أو مَا شَابَهَ ذلك. لِذا فإنَّها تَذهبُ إلى المَطبخِ وتُحَضِّرُ لهما الشَّطيرَتَيْن. وعندما يَعودانِ مِنَ المَدرسة تَقولُ لهُما: "ماذا تَرغبانِ في الأكلِ على العَشاء عندما تَرجِعانِ إلى البيت؟" فيقولُ أحدُهُما: "أريدُ كَذا"، ويَقولُ الآخر: "أريدُ كَذا". فتقول: "حَسَنًا! سوفَ أُحَضِّرُ لَكَ وَجْبَتَكَ، وأُحَضِّرُ لَكَ وَجْبَتَكَ". وهي تَسألهُما: "بالمُناسَبة، مَتى ستَعودانِ إلى البيت؟ مَتى يَنبغي أن أُحَضِّرَ العَشاء؟" فيقولُ الطِّفلان: "لا نَدري تَمامًا! رُبَّما سنَعودُ في نَحوِ السَّاعة الرَّابعة أوِ الخَامِسَة. إن كانَ بالإمكانِ تَجهيزُ الطَّعامِ في السَّاعةِ الخامسةِ والنِّصف سيكونُ ذلكَ جَيِّدًا". حسنًا؟ أمَّا إذا نَشأتَ في عَائلةٍ فيها أربعةُ أو خَمسةُ أو سِتَّةُ أطفال فإنَّكَ تَنهضُ في الصَّباحِ فتُعطيكَ أُمُّكَ كِيْسًا مُغلَقًا. وعندما تُغادِرُ المَنزلَ فإنَّ أُمَّكَ تَقولُ لَكَ: "العَشاءُ في السَّاعةِ الخامسةِ والنِّصف. إن جِئتَ في المَوعدِ سَتَأكُل". وعندما تَجلسُ إلى المائدةِ في العائلةِ الصَّغيرةِ وتكونُ أُمُّكَ قد كَسَرَتْ ظَهْرَها وَهِيَ تُحَضِّرُ وَجبةَ طَعامٍ شَهيَّةٍ أَخَذَتْ وَصْفَتَها مِن كِتابِ طَبْخٍ مَشهورٍ فإنَّكَ تَأكُلُ لُقمةً، كَما يَحدُثُ في العائلاتِ الَّتي تُنجِبُ طِفلاً أو طِفلينِ فقط، وتقولُ: "لا أُحِبُّ ذلك. لا أريدُ ذلك". أمَّا في العائلةِ الَّتي يوجدُ فيها خمسةُ أو سِتَّة أطفال، إن قالَ أحَدُهم: "لا أُحِبُّ هذا الطَّعامَ"، فإنَّ أَخاهُ سيقولُ لَهُ: "عَظيم"، ثُمَّ يَأخُذُهُ طَبَقَهُ مِنه.
فالفَرقُ هُوَ أنَّهُ عندما تَكونُ العائلةُ صَغيرةً فإنَّ النِّظامَ يَخضَعُ للطِّفل. أمَّا في العائلةِ الكبيرةِ فإنَّ الطِّفلَ هُوَ الَّذي يَخضَعُ للنِّظام. لِذا فإنَّ الشَّبابَ يَنشأونَ، بِحَسَبِ قَولِ عَالِمِ الاجتماعِ، في بيئةٍ يَخضَعُ النِّظامُ فيها لَهُم. لِذا فإنَّ كُلَّ تَركيزِ الأبِ والأُمِّ يَنْصَبُّ على الأبناء.
وقد كُنتُ أعرِفُ عندما كُنتُ صَبيًّا أنَّ واحدًا مِنَ الأسبابِ الَّتي عَزَّزَتْ رَغْبَتي في النُّموِّ هو أنَّني أردتُ أن أكونَ حُرًّا. فقد عِشتُ في مُجتمعٍ يَخضَعُ فيهِ الأبناءُ للأبِ والأُمّ. فقد كُنتُ آكُلُ ما يُقَدِّمونَهُ لي. ولا أَذكُرُ أنِّي ذَهبتُ يَومًا للتَّسَوُّقِ مع أُمِّي... البَتَّة. وقد كُنتُ أرتَدي ما تَشتريهِ لي. فأنا لم أَخْتَرْ شَيئًا بنفسي يَومًا. فأنا لا أَذكُرُ أنِّي ذَهبتُ إلى قِسْمِ المَلابسِ في المَتجَرِ عندما كنتُ صَبِيًّا صَغيرًا. فقد كانت أُمِّي تَشتري لي ما أحتاجُ إليه فَأرتَديه. فقد كنتُ أَخضَعُ للنِّظام. وكنتُ أتَطَلَّعُ إلى اليومِ الَّذي سأكبُرُ فيهِ لكي أكونَ حُرًّا في اتِخاذِ قَراراتي. والعَكسُ صَحيحٌ الآن. فالأطفالُ يَتَحَكَّمونَ في العَائلةِ ولا يُريدونَ أن يَصيروا رَاشِدينَ لأنَّ ذلكَ يَعني الخُضوع. فسوفَ يُضطَرُّونَ حينئذٍ إلى الذَّهابِ إلى العَمل. ولا أحدَ في العَمل يَقول: "كيفَ تُحِبُّ أن يَكونَ تَرتيبُ الأثاثِ في مَكتبِك؟" أو: "مَا الوقتُ الَّذي تُفَضِّلُ فيهِ أن تَأخُذَ استِراحَةَ الغَداء؟" لا أَحَدَ يَقولُ ذلك. فَهُمْ يَضَعونَكَ على خَطِّ الإنتاج، أو يُعطونَكَ مَكانًا يَنبغي لكَ أن تَقبَلَهُ. لِذا فإنَّنا نَرى جِيلاً مِنَ الشَّبابِ الَّذينَ لا يَرغبونَ في أن يَصيروا رَاشِدين.
ويَقولُ عَالِمُ الاجتِماعِ هذا على تلكَ المَحَطَّةِ الإذاعيَّةِ: "إذا سَألتُم شَابًّا في المَدرسةِ الثَّانويَّةِ: ’ماذا تُريدُ أن تَفعلَ عندما تُنهي المَدرسة‘، ماذا سيَكونُ جَوابُه؟ ’لا أدري!‘ وإن سَألتَ الطَّالبَ العَاديَّ في الجَامعة: ’ماذا تُريدُ أن تَفعلَ بعدَ أن تُنهي الجَامعة؟‘ سيقولُ لكَ: ’لا أدري!‘ والسَّببُ في أنَّهُ لا يَدري هو أنَّهُ يُؤجِّلُ تَحَمُّلَ المَسؤوليَّة لأنَّ المَسؤوليَّةَ تَعني الخُضوعَ للنِّظام؛ في حين أنَّ الطُّفولةَ بالنِّسبةِ إليهِ هي حُريَّة مُطلَقَة: كُلْ مَا تَشاء حينَ تَشاء، البُس مَا تَشاء حينَ تَشاء. وسوفَ تأخُذُكَ أُمُّكَ إلى أيِّ مَكانٍ تَشاء في أيِّ وَقتٍ تَشاء. لِذا فإنَّكُم تُرَبُّونَ جِيلاً مِنَ الشَّبابِ غيرِ المَسؤولين. وعندما يَحصُلونَ على عَمل فإنَّهُم يَقبَلونَهُ فقط لكي يَحصُلونَ على المالِ ويُنفقونَهُ على الأشياءِ الَّتي يُحِبُّونَها. وعندما يَبلُغونَ سِنَّ الثَّامنة والعِشرين فإنَّ لَوحَةَ سَيَّارَتِهم تَقول: "الفَائِزُ هُوَ مَن يَجْمَعُ أكبرَ كَميَّةٍ مِنَ الألعاب". والفِكرةُ مِنْ سِنِّ الرُّشدِ بالنِّسبةِ إليهم هي أن يَجمَعوا الألعابَ كالقَواربَ، والسَّيَّارات، ورِحلاتِ التَّرفيه، إلخ، إلخ، إلخ.
والآن، إنَّ ما تَفعلونَهُ، حَسَبَ قَولِ عَالِمِ الاجتماعِ، هُوَ أنَّكُم تُعَلِّمونَ أبناءَكُم أن يَختاروا بِمِزاجِهم أن يَكونوا غيرَ قَنوعين. وأنتُم تُرَبُّونَ شُبَّانًا لا يَعرِفونَ مَعنى الخُضوعَ، ولا يَعرِفونَ مَعنَى القَناعَة، بل يَعرفونَ فقط مَعنى الانغِماسِ ولا يُريدونَ أن يَكبُروا؛ بل يَستمرُّونَ في تَجَنُّبِ تَحَمُّلِ المَسؤوليَّةِ ويُريدونَ أن يَكبُروا في بيئةٍ يَتَحَكَّمونَ هُمْ فيها. فَهُم لا يُريدونَ أن يَتَحَكَّمَ بِهِم أحَد. وَهُم يَفتَقِرونَ إلى القَناعَة. وَهُم لا يُريدونَ أن يَتَحَمَّلوا المَسؤوليَّة، ولا يُريدونَ أن يَعمَلوا. فَسَنواتُ الرُّشْدِ في نَظَرِهم هي سَنواتٌ كَئيبَة. لِذا فإنَّهُم يَصيرونَ مُتَجَهِّمينَ، ويَصيرونَ في أغلبِ الأحيانِ مُتَذَمِّرين. وأنا أُوْمِنُ حَقًّا بأنَّهُ على صَواب في أمورٍ كثيرة. فواحدةٌ مِنَ اللَّعَناتِ في مُجتمعنا هي وُجودُ أشخاصٍ رَاشِدينَ يَتصرَّفونَ بِعَقليَّةٍ طُفوليَّةٍ ويَتذمَّرونَ في الحقيقة مِن كُلِّ شَيء. فَهُم لا يَعرِفونَ البَتَّة مَعنى الاكتفاء. لِذا فإنَّنا نَعيشُ في مُجتمعٍ يُبالِغُ في انتقادِ الآخرينَ ويُهاجِمُ كُلَّ شيءٍ بِصورةٍ دائمة.
والآن، أريدُ مِنكُم أن تَعلَموا أنَّ هذا الأمرَ تَسَلَّلَ إلى الكنيسة. فالكنيسةُ تَعِجُّ بالمُتَذَمِّرين. والمُحزِنُ في الأمرِ حَقًّا هو أنَّ أشخاصًا كثيرينَ مِن هؤلاءِ يَخضَعونَ لِعَدَمِ رِضا أبنائِهِم. فالنَّاسُ يَتركونَ الكنيسةَ لأنَّ أبناءَهُم لا يُحِبُّونَها. ولا يُمكِنُني أن أتَخيَّلَ شَيئًا كهذا إلاَّ إذا كانَ أبناؤُهُم هُمُ الَّذينَ يَتحكَّمونَ بالعائلة. فالكنيسةُ تَعِجُّ بالمُتَذَمِّرين. ولَدينا هُنا عَدَدٌ كَبيرٌ مِنهُم... عَدَدٌ كَبيرٌ. ولكن كيفَ يُعقَلُ أن نَتذمَّرَ مِن أنَّ كُلَّ شَيءٍ صَغيرٍ في الحَياةِ ليسَ كما نُريدُ تَمامًا؟ وأودُّ أن أقولَ لكُم بصراحة إنَّهُ لا تُوجَدُ خَطايا كثيرة أبشَعُ في نَظري أو أبشَعُ في نَظرِ اللهِ مِن خَطيَّةِ التَّذَمُّر. وبصراحَة، أعتقدُ أنَّ الكنيسةَ تَعمَلُ على نِطاقٍ واسِعٍ على تَعزيزِ هذا الشَّيءِ مِن خِلالِ استمرارِها في تَعزيزِ تَقديرِ الذَّاتِ هذا، وهُراءِ إشباعِ الذَّاتِ الَّذي يُعَزِّزُ نَفسَ عَدَمِ الرِّضا. فهناكَ شُحٌّ في الوَلاء. وهُناكَ شُحٌّ في الشُّكر. وهُناكَ شُحٌّ في الامتِنان. وهُناكَ قَدْرٌ ضَئيلٌ جدًّا مِنَ الرِّضَا. والأمرُ المُحزِنُ هو أنَّ ما يَحدُثُ في نِهايةِ المَطافِ هُوَ أنَّكَ عندما تَشكو وتَتذمَّرُ وتُعَبِّرُ عن عَدمِ رِضاكَ فإنَّما تَلومُ اللهَ لأنَّ اللهَ هُوَ الَّذي وَضَعَكَ في المَوضِعِ الَّذي أنتَ فيه. لِذا، يجبُ عليكَ أن تَعلمَ مَنِ الَّذي تَتَذَمَّرُ عليه.
والآن، بعدَ أن قُلنا كُلَّ هذا، يُمكنُنا أن نَقولَ إنَّ هذا التَّذَمُّرَ هُوَ جُزءٌ مِن ثَقافَتِنا. ويُمكنُنا أن نَقولَ أيضًا إنَّ هذا ليسَ بالأمرِ الجَديدِ علينا. ومَن كانَ أوَّلُ شَخصٍ مُتَذَمِّرٍ مَشَى على هذهِ الأرض؟ مَن هُوَ؟ إنَّ أوَّلَ إنسانٍ مُتَذَمِّرٍ مَشَى على الأرضِ هُوَ أوَّلُ إنسانٍ مَشَى عليها. وماذا كانَ أوَّلُ تَذَمُّرٍ صَدَرَ عَن آدَم؟ "يا رَبُّ، الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي!" نحنُ في هذهِ الوَرطةِ بسببِ هذهِ المَرأة. وهو لم يُلْقِ اللَّومَ على حَوَّاء، بل أَلقى اللَّومَ على الله. فحَوَّاءُ لم يَكُن لها أيُّ شَأنٍ بذلك. بل إنَّ اللهَ هُوَ الَّذي خَلَقَ حَوَّاء. وآدَمُ لم يَكُن مُتزوِّجًا قبلَ ذلك، ولكنَّهُ نَهَضَ ذاتَ صَباحٍ فوجدَ أنَّهُ مُتزوِّج. فقدِ كانَ بمَقدورِ اللهِ أن يَختارَ أيَّة زَوجَة يُريدُها لَهُ. فاللهُ هُوَ الَّذي اختارَها. لماذا؟ إنَّها غَلطَةُ الله! فهي الَّتي أَوْقَعَتِ الجِنسَ البَشريَّ كُلَّهُ في الخطيَّة. فقد قالَ مُتَذَمِّرًا: "الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي". وقد تَذَمَّرَ قَايينُ على اللهِ بشأنِ عَمَلِ اللهِ في حَياتِه (في سِفْر التَّكوين 4: 13 و 14). وقد تَذَمَّرَ مُوسَى على اللهِ لأنَّهُ لم يَفعَل ما أرادَ مِنهُ أن يَفعلَهُ عندما أرادَ مِنهُ أن يَفعلَ ذلك (في سِفْر الخُروج 5: 22 و 23). وقد تَذَمَّرَ هَارونُ ومَريمُ على اللهِ بسببِ مُوسَى؛ أيْ بسببِ اختيارِهِ قَائِدًا، ولأنَّهُ جَعَلَهُ أَخًا لَهُما (في الأصحاحِ الثَّاني عَشَر مِن سِفْرِ العَدَد). وقد تَذَمَّرُ يُونانُ على اللهِ لأنَّهُ غَضِبَ مِنَ اللهِ لأنَّهُ خَلَّصَ أهلَ نِيْنَوى (في سِفْر يونان 4: 9 و 10). ومَا زِلْنا نَجِدُ الأمرَ مُسَلِّيًا عندما نَتذمَّرُ على الله. وأودُّ أن أقولَ إنَّ كُلَّ تَذَمُّرٍ يَصدُرُ عنكُم هو، بطريقةٍ أو بأخرى، تَذَمُّرٌ على العِنايةِ الإلهيَّةِ ومَشيئةِ الله.
هُناكَ كِتابٌ جَديدٌ صَدَرَ بعُنوان: "خَيبةُ الأملِ مِنَ الله" (Disappointment With God). وهو كِتابٌ انتشرَ انتشارًا واسعًا جدًّا وتَمَّ التَّرويجُ لَهُ على نِطاقٍ واسعٍ جدًّا. ويبدو لي أنَّهُ يُحاولُ أن يَجعلَ التَّذَمُّرَ على اللهِ شَيئًا لا بأسَ بِه. فهو يُحاولُ أن يُصَوِّرَ اللهَ بأنَّهُ إلَهٌ مُحِبٌّ يَشعُرُ بالوَحدَةِ وكَثيرًا مَا يُساءُ فَهمُهُ. وعلى الرَّغمِ مِن أنَّ اللهَ يُحاولُ حَقًّا أن يَجعلَ الأمورَ تَنجَح فإنَّهُ ضَحيَّة لنا جَميعًا، وأنَّهُ لا يَجوزُ لنا أن نَتذمَّرَ عليهِ، بل ينبغي لنا أن نُحِبَّهُ. ويا لها مِن نَظرةٍ غَريبةٍ إلى الله! فهو ليسَ إلهًا مُحِبًّا يَشعُرُ بالوَحدَةِ وكَثيرًا مَا يُساءُ فَهمُه، بل هُوَ اللهُ صَاحِبُ السِّيادَةِ الَّذي أَمَرَ بوجودِ هذهِ الظُّروفِ في حَياتِنا جَميعًا. لِذا فإنَّ الشَّكوَى مِنَ اللهِ والتَّذَمُّرَ مِنهُ خَطيَّة. ويجبُ علينا أن نَنظُرَ إلى الأمرِ بهذهِ الطَّريقة.
فنحنُ نَقرأُ في الأصحاحِ التَّاسعِ مِن رسالةِ رُومية والعَدد 20: "بَلْ مَنْ أَنْتَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ الَّذِي تُجَاوِبُ اللهَ؟ أَلَعَلَّ الْجِبْلَةَ تَقُولُ لِجَابِلِهَا: «لِمَاذَا صَنَعْتَنِي هكَذَا؟»" مَنْ أَنْتَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ كي تُجَاوِبَ اللهَ؟ فهو أمرٌ لا يُعقَل! وعندَ وَصْفِ المُرتدِّينَ في رسالة يَهوذا والعَدد 16، نَقرأُ أنَّهُم "مُدَمْدِمُونَ مُتَشَكُّونَ، سَالِكُونَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِهِمْ". فكُلُّ ما يُريدونَهُ هُوَ أن يَحصُلوا على ما يُريدونَهُ في الوقتِ الَّذي يُريدونَهُ فيه. أمَّا إن لم يَحصُلوا عليهِ فإنَّهُم يَتَذَمَّرونَ ويَشْكُون. فهذهِ الخَطيَّة هِيَ صِفَةَ مِن صِفاتِ المُتَكَبِّرين، وصِفَة مِن صِفاتِ الأشرار.
والآن، إنَّ الشَّيءَ المُؤسِفَ في هذهِ الخَطيَّةِ تَحديدًا هو أنَّها مُعْدِيَة جدًّا. واسمَحوا لي أن آخُذَ دَقيقةً وأن أَصْحَبَكُم إلى العهدِ القديمِ، وتَحديدًا إلى الأصحاحِ الثَّالث عشر مِن سِفْرِ العَدَد. وأريدُ مِنكُم أن تُتابِعوني فيما نَستعرِضُ هذهِ المُقدِّمةَ الصَّغيرةَ الَّتي أعتقدُ أنَّها ستُهَيِّئُ أذهانَنا لِما هُوَ آتٍ. وهذهُ نُقطةٌ مُدهشةٌ جدًّا ومُهمَّةً جدًّا. فسوفَ نَتأمَّلُ في أكثرِ أشخاصٍ مُشْتَكينَ وَمُدَمْدِمينَ وَمُتذمِّرينَ عَرَفَهُم العالَمُ وَهُمْ مَن؟ بَنو إسرائيل. فنحنُ نَجِدُ في الأصحاحِ الثَّالث عشر مِن سِفْرِ العَدَد نَموذَجًا صَغيرًا وَحَسْب على قُدرةِ هذا السُّلوكِ على الانتشار. فنحنُ نَقرأُ في العَدد 30: "لكِنْ كَالِبُ أَنْصَتَ الشَّعْبَ إِلَى مُوسَى وَقَالَ: «إِنَّنَا نَصْعَدُ وَنَمْتَلِكُهَا لأَنَّنَا قَادِرُونَ عَلَيْهَا». وَلَعَلَّكُم تَذكرونَ أنَّ يَشوعَ وَكالِبَ عَادَا بعدَ مَهَمَّةِ تَجَسُّسِ الأرضِ وَقَالا: "يُمكِنُنا أن نَفعلَ ذلك. فاللهُ إلى جَانِبِنا. يُمكِنُنا أن نَحْتَلَّها". "وَأَمَّا الرِّجَالُ الَّذِينَ صَعِدُوا مَعَهُ فَقَالُوا: «لاَ نَقْدِرْ أَنْ نَصْعَدَ إِلَى الشَّعْبِ، لأَنَّهُمْ أَشَدُّ مِنَّا»". وَهذا يَعني أنَّهُم شَكُّوا في الله. "فَأَشَاعُوا مَذَمَّةَ الأَرْضِ الَّتِي تَجَسَّسُوهَا، فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلِينَ: «الأَرْضُ الَّتِي مَرَرْنَا فِيهَا لِنَتَجَسَّسَهَا هِيَ أَرْضٌ تَأْكُلُ سُكَّانَهَا، وَجَمِيعُ الشَّعْبِ الَّذِي رَأَيْنَا فِيهَا أُنَاسٌ طِوَالُ الْقَامَةِ". ثُمَّ إنَّهُم قَالوا ما يَلي: "وَقَدْ رَأَيْنَا هُنَاكَ الْجَبَابِرَةَ، بَنِي عَنَاق مِنَ الْجَبَابِرَةِ. فَكُنَّا فِي أَعْيُنِنَا كَالْجَرَادِ، وَهكَذَا كُنَّا فِي أَعْيُنِهِمْ»".
لِذا فقد عَادوا مُتَذَمِّرينَ وقَالوا: "لن نَفعلَ ذلك. لن نَتمكَّنَ مِنَ القيامَ بذلك. لا يُمكنُنا أن نَهزِمَهُم". فقد قَدَّمُوا تَقريرًا سَلبيًّا: "سَوفَ تَكونُ المُهمَّة فاشِلَة. لن نَنجَحَ في ذلك". فقد أَنبأوا بِهَلاكِ الشَّعب. وقد كانوا يَتذمَّرونَ في الواقعِ على حَقيقةِ أنَّ اللهَ أخبَرَهُم أن يَدخُلوا الأرضَ.
والآن، افتَحوا على الأصحاحِ الرَّابع عشر وَراقِبوا ما يُحدُثُ في العَدد 36: "أَمَّا الرِّجَالُ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ مُوسَى لِيَتَجَسَّسُوا الأَرْضَ، وَرَجَعُوا [وَفَعَلوا ماذا؟] وَسَجَّسُوا عَلَيْهِ كُلَّ الْجَمَاعَةِ بِإِشَاعَةِ الْمَذَمَّةِ عَلَى الأَرْضِ، فَمَاتَ الرِّجَالُ الَّذِينَ أَشَاعُوا الْمَذَمَّةَ الرَّدِيئَةَ عَلَى الأَرْضِ بِالْوَبَإِ أَمَامَ الرَّبِّ". هَل تَعلَمونَ كيفَ يَنظُرُ الرَّبُّ إلى المُتَذَمِّرين؟ إنَّهُ يَقتُلُهم لأنَّهُم يَنشُرونَ حَالةً كَئيبةً مِنَ التَّبَرُّمِ على الرَّبّ. هذهِ هي النُّقطةُ الجَوهريَّة. فقد تَذَمَّرَ هؤلاءِ النَّاسُ على اللهِ. فقد تَذَمَّروا على اللهِ الَّذي قالَ لَهُم أن يَدخُلوا تلكَ الأرض. وقد تَذَمَّروا لأنَّ الأمورَ لم تَكُن تبدو مُشَجِّعَةً مِن وُجهَةِ نَظَرِهم البَشريَّة. وبسببِ عدمِ إيمانِهم وَتَذَمُّرِهم على اللهِ، تَسَبَّبوا في جَعلِ الأُمَّةِ كُلِّها تَتذمَّر. وبسببِ ذلكَ أَهلَكَهُمُ اللهُ بِوَبَأ. فَالتَّذمُّرُ يَنتشرُ بسُرعةٍ حقًّا. فعَدَمُ رِضاكَ، ورُوحُ النَّقدِ لَديكَ، ومَوقِفُ الشَّكوى لَديكَ، وتَذَمُّرُكَ هي أمورٌ تَنتقِلُ بالعَدوى إلى الآخرين.
فنحنُ نَرى هُنا أولادَ اللهِ بعدَ أن أنقذَهُم اللهُ مِنَ العُبوديَّةِ في مِصر. فقد شَقَّ اللهُ البَحرَ الأحمرَ مِن أجلِهم. وقد شَهِدُوا عَشْرَ ضَرَباتٍ عَجيبةٍ عندَ تَخليصِهم. وحالَ خُروجِهم مِن أرضِ مِصر ابتدأوا في التَّذَمُّر ولم يَتوقَّفوا. هل يُمكنُني أن أَصْحَبَكُم في رِحلةٍ قَصيرة؟ ارجِعوا إلى سِفْر الخُروج ولنَنظُر إلى بِدايةِ تَذَمُّرِهم في سِفْر الخُروج. فنحنُ نَقرأُ في العَددِ الحادي عشر مِنَ الأصحاح 14: "وَقَالُوا لِمُوسَى" – وكانوا قد خَرَجوا إلى البَرِّيَّة في ذلكَ الوقت: "هَلْ لأَنَّهُ لَيْسَتْ قُبُورٌ فِي مِصْرَ أَخَذْتَنَا لِنَمُوتَ فِي الْبَرِّيَّةِ؟" فقد قالوا لَهُ: "لماذا أَخرجتَنا؟ هَلْ لأَنَّهُ لَيْسَتْ قُبُورٌ فِي مِصْرَ أَخَذْتَنَا لِنَمُوتَ فِي الْبَرِّيَّةِ؟" وهي جُملةٌ سَاخِرَة بِمَعنى: هل لأنَّهُ لا تُوجَدُ قُبورٌ هُناكَ أَخرَجْتَنا لِنَموتَ هُنا؟ هل ستُخرجُنا إلى البَريَّةِ لكي نُدفَنَ فيها؟ "مَاذَا صَنَعْتَ بِنَا حَتَّى أَخْرَجْتَنَا مِنْ مِصْرَ؟" فقد تَذَمَّروا كما لو أنَّهُم لم يَكونوا راغِبينَ في التَّخلُّصِ مِنَ العُبوديَّة. فقد تَرَكوا مِصْرَ؛ ولكنَّهُم وَجَدوا أنَّ الأمورَ ليست كما كانوا يَفْتَكِرون. فها هُوَ فِرْعَوْنُ يُلاحِقُهم. لِذا فقدِ ابتدأوا بالتَّذَمُّر. ولا شَكَّ في أنَّ اللهَ صَنَعَ شَيئًا عَجيبًا. فقد شَقَّ البَحرَ الأحمرَ، وأَغرَقَ جَيشَ فِرْعَون بأسرِهِ، وأنقذَهُم.
افتَحوا على الأصحاحِ الخامِس عشر. فقد خَرَجوا مِنَ البحرِ الأحمر وَنَجْوا. وفي ذلكَ الأصحاحِ الخامسِ عَشَر العَظيم، نَقرأُ تَرنيمةَ مُوسَى الَّتي سَبَّحُوا مِن خِلالِها اللهَ على خَلاصِهِ العَظيم. وبعدَ وَقتٍ قَصيرٍ مِن ذلك، نَقرأُ في العَدد 22: ثُمَّ ارْتَحَلَ مُوسَى بِإِسْرَائِيلَ مِنْ بَحْرِ سُوفَ وَخَرَجُوا إِلَى بَرِّيَّةِ شُورٍ. فَسَارُوا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي الْبَرِّيَّةِ وَلَمْ يَجِدُوا مَاءً". ثَلاثةَ أيَّام. "فَجَاءُوا إِلَى مَارَّةَ، وَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَشْرَبُوا مَاءً مِنْ مَارَّةَ لأَنَّهُ مُرٌّ. لِذلِكَ دُعِيَ اسْمُهَا «مَارَّةَ»". فَماذا فَعَلَ الشَّعبُ؟ فَتَذَمَّرَ الشَّعْبُ عَلَى مُوسَى قَائِلِينَ: «مَاذَا نَشْرَبُ؟»". ونَرى مَرَّةً أخرى المَوقفَ نَفسَهُ. ثُمَّ نَقرأُ في الأصحاحِ السَّادِس عَشَر... وبالمُناسَبَة، لقد وَفَّرَ اللهُ مَاءً لَهُم. ولَعَلَّكُم تَذكرونَ ذلكَ إذْ نَقرأُ في العَدد 27 مِنَ الأصحاحِ الخامِس عشر أنَّ اللهَ اقتادَهُم إلى اثْنَتي عَشْرَةَ عَيْنِ مَاءٍ فَخَيَّموا هُناكَ. وقد وَفَّرَ لَهُم أيضًا سَبْعينَ نَخْلَةً فأكلوا. ثُمَّ نَقرأُ: "ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ إِيلِيمَ. وَأَتَى كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى بَرِّيَّةِ سِينٍ، الَّتِي بَيْنَ إِيلِيمَ وَسِينَاءَ فِي الْيَوْمِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. فَتَذَمَّرَ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مُوسَى...". فَهُم لم يَكونوا قَنوعينَ البَتَّة. فقد شَقَّ اللهُ البَحرَ الأحمرَ لَهُم، ووَفَّرَ لَهُم مَاءً؛ ولكنَّهُم استمرُّوا في التَّذَمُّر: "لَيْتَنَا مُتْنَا بِيَدِ الرَّبِّ فِي أَرْضِ مِصْرَ، إِذْ كُنَّا جَالِسِينَ عِنْدَ قُدُورِ اللَّحْمِ نَأْكُلُ خُبْزًا لِلشَّبَعِ". يا لَها مِن جَماعَةٍ فَظَّة! أليسَ كذلك؟ فَهُم لا يُبالونَ بأيِّ شيءٍ سِوى الطعام. "سوفَ نَموتُ جَميعًا مِنَ الجُوع". فقد كانوا أشخاصًا عَميقينَ حَقًّا! أليسَ كذلك؟ أشخاصًا عَميقينَ حَقًّا! وقد وَفَّرَ اللهُ لَهُم طَعامًا مَرَّةً أخرى. وهذا شَيءٌ مُدهشٌ جدًّا! فقد أرسلَ اللهُ طُيورَ السَّلوى إليهم، وأعطاهُمُ المَنَّ.
ثُمَّ نقرأُ في الأصحاحِ السَّابع عشر: "ثُمَّ ارْتَحَلَ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَرِّيَّةِ سِينٍ بِحَسَبِ مَرَاحِلِهِمْ عَلَى مُوجِبِ أَمْرِ الرَّبِّ، وَنَزَلُوا فِي رَفِيدِيمَ. وَلَمْ يَكُنْ مَاءٌ لِيَشْرَبَ الشَّعْبُ. فَخَاصَمَ الشَّعْبُ مُوسَى وَقَالُوا: «أَعْطُونَا مَاءً لِنَشْرَبَ.»" وكما تَرَوْنَ، فقد كانَ هُناكَ مَزيدٌ مِنَ التَّذَمُّرِ، والشَّكوى، والدَّمدَمة، والشِّجار، والخِصام. "فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: «لِمَاذَا تُخَاصِمُونَنِي؟ لِمَاذَا تُجَرِّبُونَ الرَّبَّ؟»" فهو الَّذي سَمَحَ بهذهِ الظُّروف. "وَعَطِشَ هُنَاكَ الشَّعْبُ إِلَى الْمَاءِ، وَتَذَمَّرَ الشَّعْبُ عَلَى مُوسَى وَقَالُوا: «لِمَاذَا أَصْعَدْتَنَا مِنْ مِصْرَ لِتُمِيتَنَا وَأَوْلاَدَنَا وَمَوَاشِيَنَا بِالْعَطَشِ؟»"
وقد طَفَحَ الكَيْلُ مَعَ مُوسَى فصَرَخَ إلى الرَّبِّ. وأنا مُتيقِّنٌ مِن أنَّهُ صَرَخَ بِصوتٍ عَالٍ قَائِلاً: "مَاذَا أَفْعَلُ بِهذَا الشَّعْبِ؟ بَعْدَ قَلِيل يَرْجُمُونَنِي". يا لها مِن مَجموعة! أليسَ كذلك؟ فقالَ الرَّبُّ: "مُرَّ قُدَّامَ الشَّعْبِ، وَخُذْ مَعَكَ مِنْ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ. وَعَصَاكَ الَّتِي ضَرَبْتَ بِهَا النَّهْرَ خُذْهَا فِي يَدِكَ وَاذْهَبْ. هَا أَنَا أَقِفُ أَمَامَكَ هُنَاكَ عَلَى الصَّخْرَةِ فِي حُورِيبَ، فَتَضْرِبُ الصَّخْرَةَ فَيَخْرُجُ مِنْهَا مَاءٌ لِيَشْرَبَ الشَّعْبُ. فَفَعَلَ مُوسَى هكَذَا أَمَامَ عُيُونِ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ. وَدَعَا اسْمَ الْمَوْضِعِ «مَسَّةَ وَمَرِيبَةَ» مِنْ أَجْلِ مُخَاصَمَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَمِنْ أَجْلِ تَجْرِبَتِهِمْ لِلرَّبِّ قَائِلِينَ: «أَفِي وَسْطِنَا الرَّبُّ أَمْ لاَ؟»". فَلَمْ يَمْضِ وَقتٌ طَويلٌ جدًّا على الشَّعبِ حَتَّى نَسَوْا عِنايةَ الرَّبِّ بِهِم.
والآن، افتَحوا على سِفْرِ العَدَد قليلاً لأنِّي أريدُ مِنكُم أن تَرَوْا هذا النَّمَط. فقد وَصَلوا آنذاكَ إلى نِهايةِ الرِّحلةِ الَّتي استَغرَقَتْ أربعونَ سَنة. فقد كانوا جَاهِزينَ. وقد حَانَ الوقتُ لِدُخولِ الأرض. ولكنَّهُم لم يَتغيَّروا. فنحنُ نَقرأُ في العَددِ الأوَّلِ مِنَ الأصحاحِ الحادي عشر مِن سِفْر العَدد: "وَكَانَ الشَّعْبُ كَأَنَّهُمْ يَشْتَكُونَ". يجبُ عليكم أن تَضَعُوا خَطًّا تحتَ هذهِ الآيات. "وَكَانَ الشَّعْبُ كَأَنَّهُمْ يَشْتَكُونَ شَرًّا...". "... كَأَنَّهُمْ يَشْتَكُونَ شَرًّا فِي أُذُنَيِ الرَّبِّ". فقد كانَ تَذَمُّرُهُم مُوَجَّهًا حَقًّا إلى الله. "وَسَمِعَ الرَّبُّ فَحَمِيَ غَضَبُهُ، فَاشْتَعَلَتْ فِيهِمْ نَارُ الرَّبِّ وَأَحْرَقَتْ فِي طَرَفِ الْمَحَلَّةِ. فَصَرَخَ الشَّعْبُ إِلَى مُوسَى، فَصَلَّى مُوسَى إِلَى الرَّبِّ فَخَمَدَتِ النَّارُ. فَدُعِيَ اسْمُ ذلِكَ الْمَوْضِعِ «تَبْعِيرَةَ» لأَنَّ نَارَ الرَّبِّ اشْتَعَلَتْ فِيهِمْ". فبعدَ أربعينَ سَنَة كانوا مَا زَالوا يَتذمَّرونَ طُولَ الوقتِ على كُلِّ شَيء.
ثُمَّ نَقرأُ في العَددِ الرَّابع: "وَاللَّفِيفُ الَّذِي فِي وَسَطِهِمِ اشْتَهَى شَهْوَةً. فَعَادَ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَيْضًا وَبَكَوْا وَقَالُوا: «مَنْ يُطْعِمُنَا لَحْمًا؟ قَدْ تَذَكَّرْنَا السَّمَكَ الَّذِي كُنَّا نَأْكُلُهُ فِي مِصْرَ مَجَّانًا، وَالْقِثَّاءَ وَالْبَطِّيخَ وَالْكُرَّاثَ وَالْبَصَلَ وَالثُّومَ. وَالآنَ قَدْ يَبِسَتْ أَنْفُسُنَا. لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ أَنَّ أَعْيُنَنَا إِلَى هذَا الْمَنِّ!»". فيَومًا تِلو الآخر، كانَ هذا هُوَ النَّمَطُ السَّائدُ لِتَذمُّرِهم. ولكنَّ اللهَ استمرَّ في الأصحاحِ الرَّابع عشر في سَدِّ احتياجاتِهم. ثُمَّ إنَّ اللهَ أرسلَ جَواسيسَ إلى الأرض. ومَا الَّذي حَدَث؟ لقد عَادُوا وقَدَّموا هذا التَّقريرَ السَّلبيَّ قَائِلينَ: "لا يُمكِنُنا أن نَدخُلَ الأرض". فنحنُ نَقرأُ في العَدد 27 مِنَ الأصحاحِ الرَّابع عشر أنَّ الرَّبَّ كَلَّمَ مُوسَى وَهارون قَائِلاً: "حَتَّى مَتَى أَغْفِرُ لِهذِهِ الْجَمَاعَةِ الشِّرِّيرَةِ الْمُتَذَمِّرَةِ عَلَيَّ؟ قَدْ سَمِعْتُ تَذَمُّرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي يَتَذَمَّرُونَهُ عَلَيَّ. قُلْ لَهُمْ: حَيٌّ أَنَا يَقُولُ الرَّبُّ، لأَفْعَلَنَّ بِكُمْ كَمَا تَكَلَّمْتُمْ فِي أُذُنَيَّ. فِي هذَا الْقَفْرِ تَسْقُطُ جُثَثُكُمْ، جَمِيعُ الْمَعْدُودِينَ مِنْكُمْ حَسَبَ عَدَدِكُمْ مِنِ ابْنِ عِشْرِينَ سَنَةً فَصَاعِدًا الَّذِينَ تَذَمَّرُوا عَلَيَّ". فقد قالَ الرَّبُّ إنَّهُ سيُهلِكُ الأغلبيَّةَ مِنكُم، وإنَّكُم لن تَدخُلوا أرضَ المَوعِد. وقد فَعَلَ الرَّبُّ ذلك. لقد فَعَلَ ذلك.
ثُمَّ نَقرأُ في الأصحاحِ السَّادس عشر والعَدد 41: "فِي الْغَدِ...". أيُّ غَدٍ؟ أيْ بعدَ أن عَاقَبَ الرَّبُّ مَجموعةً مِنَ النَّاسِ لأنَّهُم تَعَدَّوْا على الكَهنوت. فبعدَ أن عَاقَبَهُمُ اللهُ لأنَّهُم تَعَدَّوْا على شَريعَتِهِ نَقرأُ ما يَلي: "فَتَذَمَّرَ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ [في العَدد 41] عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ قَائِلِينَ: «أَنْتُمَا قَدْ قَتَلْتُمَا شَعْبَ الرَّبِّ»". وَقَد حَمِيَ غَضِبُ اللهِ إذْ نَقرأُ في العَدد 45 أنَّهُ قَال: "اِطْلَعَا مِنْ وَسَطِ هذِهِ الْجَمَاعَةِ، فَإِنِّي أُفْنِيهِمْ بِلَحْظَةٍ». فَخَرَّا عَلَى وَجْهَيْهِمَا. ثُمَّ قَالَ مُوسَى لِهَارُونَ: «خُذِ الْمِجْمَرَةَ وَاجْعَلْ فِيهَا نَارًا مِنْ عَلَى الْمَذْبَحِ، وَضَعْ بَخُورًا، وَاذْهَبْ بِهَا مُسْرِعًا إِلَى الْجَمَاعَةِ وَكَفِّرْ عَنْهُمْ، لأَنَّ السَّخَطَ قَدْ خَرَجَ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ. قَدِ ابْتَدَأَ الْوَبَأُ». فَأَخَذَ هَارُونُ كَمَا قَالَ مُوسَى، وَرَكَضَ إِلَى وَسَطِ الْجَمَاعَةِ، وَإِذَا الْوَبَأُ قَدِ ابْتَدَأَ فِي الشَّعْبِ. فَوَضَعَ الْبَخُورَ وَكَفَّرَ عَنِ الشَّعْبِ. وَوَقَفَ بَيْنَ الْمَوْتَى وَالأَحْيَاءِ فَامْتَنَعَ الْوَبَأُ. فَكَانَ الَّذِينَ مَاتُوا بِالْوَبَإِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا وَسَبْعَ مِئَةٍ، عَدَا الَّذِينَ مَاتُوا بِسَبَبِ قُورَحَ [وابتَلَعَتْهُمُ الأرضُ]". فقدِ ابتدأَ اللهُ يُهلِكُ آلافًا مِنهُم بسببِ دَمدَمَتِهِم، وتَذَمُّرِهِم، واستِيائِهم.
ويُمكنُكم أن تَقرأوا عن ذلكَ مَرَّةً أخرى في الأصحاح ِالعِشرين، ونَقرأُ عن ذلكَ أيضًا في الأصحاحِ الحادي والعِشرين؛ ولكنِّي لن أقرأَ هذهِ المَقاطِعَ لَكُم. وأعتقدُ أنَّ خُلاصَةَ ذلكَ كُلِّهِ مَذكورة في المَزمور 106. استَمِعوا وَحَسْب إلى ذلكَ إذْ إنَّ العَدد 25 يَقول: "لَمْ يُؤْمِنُوا بِكَلِمَتِهِ. بَلْ تَمَرْمَرُوا فِي خِيَامِهِمْ. لَمْ يَسْمَعُوا لِصَوْتِ الرَّبِّ، فَرَفَعَ يَدَهُ عَلَيْهِمْ لِيُسْقِطَهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ". هذا هُوَ تَمامًا ما فَعَلَهُ.
وهُناكَ مَقطعٌ آخر مِنَ العهدِ الجديدِ أريدُ أن ألفِتَ أنظارَكُم إليه وَهُوَ مِنَ الأصحاحِ العاشِرِ مِنَ الرسالةِ الأولى إلى أهلِ كورِنثوس. فنحنُ نَقرأُ في رسالة كورنثوسَ الأولى 10: 8: "وَلاَ نَزْنِ...". "وَلاَ نَزْنِ كَمَا زَنَى أُنَاسٌ مِنْهُمْ". أيْ كَما فَعلَ الشَّعبُ في البَريَّةِ مَعَ مُوسَى. فهذا هُوَ مَا يُشيرُ إليه. "فَسَقَطَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ثَلاَثَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا. وَلاَ نُجَرِّبِ الْمَسِيحَ كَمَا جَرَّبَ أَيْضًا أُنَاسٌ مِنْهُمْ، فَأَهْلَكَتْهُمُ الْحَيَّاتُ" [كَما تَذكرونَ. فقد أَهلَكَتْهُم الحَيَّاتُ]. والعَددُ العَاشِرُ هُوَ المِفتاح: "وَلاَ تَتَذَمَّرُوا كَمَا تَذَمَّرَ أَيْضًا أُنَاسٌ مِنْهُمْ، فَأَهْلَكَهُمُ الْمُهْلِكُ". والآن، قد تَقول: "جون! لماذا قَرأتَ كُلَّ هذهِ الآيات؟" سوفَ أقولُ لَكُم لماذا. انظروا إلى العَددِ الحادي عَشَر: "فَهذِهِ الأُمُورُ جَمِيعُهَا أَصَابَتْهُمْ مِثَالاً، وَكُتِبَتْ لإِنْذَارِنَا". والآن، يا أحبَّائي، سوفَ أقولُ ذلكَ ببساطَة: إن لم أُطلِعكُم على تلكَ الخَلفيَّة التَّاريخيَّة المُوجَزَة عن بَني إسرائيلَ، لن أكونَ أَمينًا لذلكَ النَّصّ. فهذا هُوَ المَثَلُ الإيضاحِيُ الكلاسيكيُّ الَّذي يُرينا حَقيقةَ شُعورِ اللهِ تُجاهَ شَعبٍ يَتَّصِفُ دائمًا بعدمِ الرِّضا، والتَّبَرُّمِ، والتَّذمُّر. فهذهِ خَطيَّةٌ جَسيمَة. وهي مُوَجَّهَة إلى اللهِ الَّذي سَمَحَ بظُروفِ حَياتِك. فالتَّذَمُّرُ... اسمَحوا لي أن أقولَ لكم ما يَلي: هذا هُوَ التَّعريفُ الَّذي أريدُ مِنكُم أن تَفهَموه: التَّذَمُّرُ هُوَ عَرَضٌ لمُشكلةٍ رُوحيَّةٍ عَميقةٍ جدًّا. وما هي تلكَ المُشكلة؟ عَدمُ الاتِّكالِ على اللهِ، وعَدمُ الخُضوعِ لمَشيئِتِه الإلهيَّة. فَالتَّذَمُّرُ هُوَ عَرَضٌ لمُشكلةٍ رُوحيَّةٍ عَميقةٍ جدًّا. فهو ليسَ شَيئًا سَطحيًّا، بل إنَّهُ يُشيرُ إلى عَدمِ اتِّكالِكَ على اللهِ؛ وهذهِ خَطيَّة لا يُستَهانُ بها لأنَّكَ إن لم تَكُن تُؤمِنُ بأنَّ اللهَ هُوَ اللهُ فإنَّكَ تَجعَلُ اللهَ كَاذِبًا. والتَّذَمُّرُ يُشيرُ أيضًا إلى إخفاقِكَ أو رَفضِكَ لمَشيتِهِ الإلهيَّة. فهو عَدَمُ اتِّكالٍ على اللهِ، وعَدَمُ خُضوعٍ لخُطَّتِهِ وقَصدِهِ في حَياتِك. لِذا فإنَّها خَطيَّةٌ جَسيمَة. واللهُ يُبغِضُها. وإن أردتَ أن تَعرفَ مَدى خُطورَتِها، اعلَم أنَّهُ يُهلِكُ الأشخاصَ بِسَبَبِها ويقولُ إنَّ ما فَعَلَهُ بِشَعبِهِ حينَ أَهلَكَهُم في البَريَّةِ هُوَ مِثالٌ لَكُم أنتُمُ الَّذِينَ انْتَهَتْ إِلَيْكُمْ أَوَاخِرُ الدُّهُورِ كي تَعلَموا كيفَ يَشعُرُ اللهُ تُجاهَ خَطيَّةِ التَّذَمُّر.
استَمِعوا إلى ما جاءَ في سِفْرِ مَراثي إرْميا 3: 39. اكتُبوا هذهِ الآية لأنَّكُم ستَرغبونَ في العَودةِ إليها. إنَّها آيَةٌ قَصيرةٌ؛ وَلَكِنَّهَا عَميقَةٌ جدًّا: "لِمَاذَا يَشْتَكِي الإِنْسَانُ الْحَيُّ، الرَّجُلُ مِنْ قِصَاصِ خَطَايَاهُ؟" بِعبارةٍ أخرى: مَنْ أنتَ كي تَشتَكي في ضَوْءِ خَطاياك؟ ما الَّذي تَستحِقُّه؟ أنتَ تَستحقُّ جَهَنَّم. وكذلكَ أنا. فما الَّذي أشتَكي مِنهُ؟ لِذا فإنَّ فِكرةَ التَّذَمُّرِ القَبيحَةِ تلكَ هي جَوهرُ هذا النَّصّ. وهي خَطيَّةٌ يُبغِضُها اللهُ تَمامًا... خَطيَّةُ التَّذَمُّر.
وقد تَقول: "حسنًا! والآن، لِنَرجِع إلى الرسالةِ إلى أهلِ فيلبِّي ونَرى كيفَ نَنظُرُ إلى ذلكَ النَّصّ. فلماذا يَقولُ بولسُ في العَدد 14: "اِفْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ بِلاَ دَمْدَمَةٍ وَلاَ مُجَادَلَةٍ". وما مَعنى العِبارة "كُلَّ شَيء"؟ نَحنُ لَدينا المِفتاحَ الآن. فما الَّذي تُشيرُ إليهِ العِبارة "كُلَّ شَيء"؟ يجبُ علينا أن نَرجِعَ إلى الآيةِ الَّتي تَسبِقُها، بل إنَّنا سنَرجِعُ إلى الآيتينِ السَّابقتين. هل تَذكرونَهُما؟ "إِذًا يَا أَحِبَّائِي، كَمَا أَطَعْتُمْ كُلَّ حِينٍ، لَيْسَ كَمَا فِي حُضُورِي فَقَطْ، بَلِ الآنَ بِالأَوْلَى جِدًّا فِي غِيَابِي، تَمِّمُوا خَلاَصَكُمْ". هل تَذكُرونَ حَديثَنا عن "تَمِّمُوا خَلاصَكُم"؟ هذا هُوَ ما يَتحدَّثُ عنهُ. أيًّا كانت عَناصِرُ تَتميمِ خَلاصِكُم، تَمِّموها جَميعًا بِلاَ دَمدمةٍ وَلاَ مُجادَلَة. بعبارةٍ أخرى، في كُلِّ حَياتِكُم المسيحيَّة، وفي كُلِّ ما تَفعلونَهُ عندَ إطاعَةِ اللهِ، وفي كُلِّ ما يَعمَلُهُ اللهُ فيكُم لتُريدوا وتَعمَلوا مِن أجلِ مَسَرَّتِهِ، احرِصُوا على عَدَمِ التَّذَمُّرِ البَتَّة. هذه هي الفِكرة.
لِذا، لقد صارَت لدينا آية أخرى إلى جانبِ الآيتين 12 و 13. فالعَددُ الثَّاني عشر يَقول: "تَتِّمُوا خَلاصَكُم". والعَدد 14 يُخبرُكم عن كيفيَّةِ القيامِ بذلك. هل تَفهمونَ ذلك؟ فهذا هُوَ المَوقفُ المَطلوبُ مِنكُم عِندَما تُتَمِّمونَ خَلاصَكُم. فهي طَاعَة بِلاَ تَذَمُّر. فلا يَجوزُ لَكُم أن تَتذمَّروا على ما يَدعوكُمُ اللهُ إلى القِيامِ به. ولا يَجوزُ لَكُم أن تَتذمَّروا على ما يَطلُبُ اللهُ مِنكُم أن تَفعلوه. ولا يَجوزُ لَكُم أن تَتذمَّروا على الظُّروفِ الَّتي يَطلُبُ فيها مِنكم أن تَفعوا ذلك. فَمَن أنتَ حَتَّى تَتَذمَّر في ضَوْءِ خَطاياك؟ فالنِّعمةُ هي الَّتي حَفِظَتْكَ مِنَ الهَلاك. والتَّذَمُّرُ في ذاتِهِ هُوَ خَطيَّةُ تَكَبُّرٍ كُلُّهُ شَرّ.
لِذا فإنَّنا نَقرأُ هُنا وَصيَّةً عَامَّةً جدًّا تَقول: "تَمِّمُوا خَلاصَكُم". ولكِن لِمَاذا يُضَيِّقُ الأمرَ ويَقولُ: "اِفْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ بِلاَ دَمْدَمَةٍ وَلاَ مُجَادَلَةٍ"؟ أليست هذهِ الوَصيَّة ضَيِّقة ومَحدودة جدًّا؟ لا. فهذا هو المَوقفُ الَّذي يَليقُ بهذهِ الوصيَّةِ العَامَّة. لماذا؟ لأنَّ الحَياةَ لن تَكونَ دائمًا كما تُريد. فسوفَ يَسمَحُ اللهُ لَكَ باختبارِ تَجاربَ وامتحاناتٍ وَضِيقاتٍ لا لكي يَجعلَكَ تَتذمَّر، بل لكي يُساعِدَكَ على الصَّلاة، ولكي يُعَلِّمَكَ أن تَتَّكِلَ عليه، ولكي يُعَلِّمَكَ أن تَكونَ مُمْتَنًّا وشَكورًا على ما لَديكَ لأنَّكَ تَستطيعُ أن تَرى الأشياءَ الصَّعبةَ أيضًا. لِذا فإنَّها ليست وَصيَّةً ضَيِّقَةً أو مُنعزِلَة؛ بل هو مُوقفٌ عَامٌّ عَريضٌ تَحرِصُ فيهِ في كُلِّ الأمورِ المُختصَّةِ بِتَتميمِ خَلاصِكَ على القيامِ بذلكَ مِن دُونِ دَمْدَمَةٍ، وَمِن دُونِ مُجَادَلَة.
ونحنُ هُنا أمامَ كَلِمَتَينِ أسَاسيَّتَيْنِ جدًّا. فالكلمة "دَمْدَمة" هي كلمة مِن كَلماتِ المُحاكاةِ الصَّوتيَّةِ؛ أي أنَّها تُشبِهُ مَعناها كثيرًا. وهي تَرجَمة للكلمة اليونانيَّة "غنغوسموس" (goggusmos). "غنغوسموس" – دَمدَمَة. فهي كلمة مِنْ كَلماتِ المُحاكاةِ الصَّوتيَّةِ الَّتي تُشيرُ إلى الشَّكوى والتَّذمُّر. في تَعني: "يُدَمْدِم"؛ وهي كلمة تُعَبِّرُ عن عَدمِ الرِّضا، وَتُعَبِّرُ عن عَدَمِ القَناعَة، وعنِ التَّبَرُّمِ، وعنِ الدَّمدمةِ بِصَوتٍ مُنخفِض. فهي دَمْدَمَة – دَمْدَمَة (كما تَعلَمون). وهي، بالمُناسَبة، ذاتُ الكلمة المُستخدَمَة في التَّرجمةِ السَّبعينيَّةِ اليونانيَّةِ لِسِفرِ الخُروجِ وسِفرِ العَدد حيثُ نَقرأُ عن دَمدمةِ بَني إسرائيل. فهي شَكوى مُعَبَّرٌ عنها بِطريقةٍ سَلبيَّة. وهي رَفضٌ قَلبيٌّ لمشيئةِ الله. وهي رَفضٌ قَلبيٌّ لعنايَتِهِ الإلهيَّة. وهي رَفضٌ قَلبيٌّ لظُروفِكَ تُعَبِّرُ عنهُ مِن خلالِ التَّمتَمَةِ والدَّمدمةِ والشَّكوى والتَّذَمُّر. فهي رَفضٌ قَلبيٌّ للظُّروفِ الَّتي اختارَها اللهُ لحياتِكَ، وللمُتطلَّباتِ الَّتي يَفرِضُها على سُلوكِك.
ثُمَّ إنَّ هُناكَ كلمة أخرى وهي: "مُجادَلَة"، وهي تَرجمة للكلمة اليونانيَّة: "ديالوغيسموس" (dialogismos) الَّتي اشتَقَقْنا مِنها الكلمة "دَيالوغ". وهي تَعني: "تَشْكيك" أو "نَقْد". وهي تُعَبِّرُ عن مَرحلةٍ مُتقدِّمَةٍ مِنَ المُجادلةِ الفِكريَّةِ معَ الله. فالكلمةُ الأولى تُعَبِّرُ عن صِراعٍ قَلبيٍّ معَ الله. أمَّا الكلمةُ الثَّانيةُ فتُعَبِّرُ عن مُجادَلَةٍ فِكريَّةٍ معَ الله. فأنتَ تُريدُ أن تُجادِلَ اللهَ بشأنِ الكيفيَّةِ الَّتي تَسيرُ بها الأشياء، أو تُريدُ أن تُجادِلَ اللهَ بشأنِ الأسبابِ الَّتي تَدعوكَ إلى القيامِ بِما يَطلُبُهُ مِنكَ، أو تُريدُ أن تُجادِلَ اللهَ بشأنِ الظُّروفِ الَّتي أنتَ فيها مِثْلَ حَياتِكَ الزَّوجيَّةِ، أو عَمَلِكَ، أو عُزوبيَّتِكَ، أو مَكانِ سَكَنِكَ، أو أيِّ شَيءٍ آخر، أو رُبَّما تُريدُ أن تُجادِلَهُ بشأنِ الكنيسة. فأنتَ تُجادِلُ اللهَ بسببِ عَدَمِ رِضاكَ، وتُجادِلُ اللهَ لأنَّ لَديكَ فِكرةً أفضَل. أمَّا الكلمةُ الأولى فَتُشيرُ إلى مُجرَّدِ الدَّمْدَمَةِ أوِ الشَّكوى أوِ التَّذَمُّرِ. فهي ثَرثرةٌ تُنَفِّسُ فيها عن مَشاعِرِكَ.
لِذا فإنَّ بولسَ يَقول: "انظُروا! عندما تَعمَلونَ على تَتْميمِ خَلاصِكُم، يجبُ عليكم أن تَحرِصُوا على أن يَكونَ مَوقِفُكُمُ الرَّئيسيُّ بَعيدًا كُلَّ البُعدِ عنِ التَّذَمُّر. لماذا؟ لأنَّكُم تَعيشونَ في عَالَمٍ سَاقِط، ولأنَّكُم تَعيشونَ في جَسَدٍ سَاقِط. فالأمورُ لن تَكونَ دَائمًا كما تُريدونَ أن تَكون. والنَّاسُ مِن حَولِكُم لن يَكونوا دَائمًا كما تُريدونَ مِنهُم أن يَكونوا. والظُّروفُ لن تَكونَ دَائِمًا نَموذجيَّة وكامِلَة. فهو لن يَكونَ عَالَمًا مِثاليًّا. لِذا، تَمِّمُوا خَلاصَكُم. وفي كُلِّ الأشياءِ الَّتي تَفعلونَها، وفي كُلِّ الظُّروفِ الَّتي تَجِدونَ أنفسَكُم فيها، لا تَتَذَمَّروا البَتَّة لأنَّ اللهَ يُبغِضُ ذلك. وقد دَانَ ذلكَ بِشِدَّة مِثالاً لَكُم كي تَرَوْا حَقيقةَ شُعورِهِ تُجاهَ ذلك.
وحَتَّى إنَّ يَعقوبَ يَتحدَّثُ عن ذلكَ في الأصحاحِ الخامسِ والعَددِ التَّاسعِ إذْ نَقرأُ: "لاَ يَئِنَّ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ أَيُّهَا الإِخْوَةُ لِئَلاَّ تُدَانُوا. هُوَذَا الدَّيَّانُ وَاقِفٌ قُدَّامَ الْبَاب". هل تَعرِفونَ ما هي هذهِ الصُّورة؟ إنَّها تُشبِهُ صَبيًّا يَجلسُ في غُرفتِهِ، أو تُشبِهُ أَخًا يَتحدَّثُ إلى أُختِهِ ويقول: "أنا أَكرَهُ الطَّريقةَ الَّتي تُعامِلُنا بِها أُمِّي، وأَكرَهُ الطَّريقةَ الَّتي يُعامِلُنا بِها أبي"؛ ولكنَّ ما يَجهَلُهُ هُوَ أنَّ أباهُ يَقِفُ عندَ الباب. فعندما تَشتَكي وتَتذمَّرُ أمامَ اللهِ على مَا يَجري، وعلى حَياتِكَ، وعلى أبنائِكَ، وعلى ظُروفِكَ، وعلى هذا الأمرِ أو ذاك، اعلَمْ وَحَسْب أنَّ الرَّبَّ الَّذي يُبغِضُ التَّذَمُّرَ يَقِفُ عندَ الباب. فالتَّذَمُّرُ خَطيَّةٌ جَسيمَة... خَطيَّةٌ جَسيمَة. والأمرُ لم يَقتصِر على تَحذيرِ بولُس لنا، بل مِنَ الواضحِ أنَّ يَعقوبَ شَعَرَ أيضًا بضرورةِ تَذكيرِنا بذلك. وحَتَّى إنَّ بُطرسَ يَفعلُ ذلكَ في رسالةِ بُطرسَ الأولى 4: 9 إذْ يَقول: "كُونُوا مُضِيفِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِلاَ دَمْدَمَةٍ". لا تَتَذمَّر على الآخرينَ أيضًا. وقد لَمَّحَ يَعقوبُ إلى ذلكَ كما فَعَلَ بُطرس. وإن كُنتَ تَتذمَّرُ على اللهِ فإنَّكَ ستَكونُ شَخصًا لا يُسَرُّ الآخرونَ بالاقترابِ مِنكَ لأنَّكَ ستَتذمَّرُ على الآخرينَ أيضًا. فسوفَ يَظهَرُ ذلكَ التَّذَمُّر في ذلكَ المُستوَى أيضًا.
لِذا فإنَّ الوَصيَّةَ بَسيطةٌ جدًّا: "اِفْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ [بِلاَ تَذَمُّر، أو] بِلاَ دَمْدَمَةٍ وَلاَ مُجَادَلَة". والآن، سوفَ نَتوقَّفُ هُنا. فهذهِ هي النُّقطةُ الرَّئيسيَّة. وهُناكَ ثَلاثةُ أسبابٍ... ثَلاثةُ أسبابٍ عَمليَّةٍ مُدهشةٍ ورائعةٍ جدًّا سنَعرِفُها في المَرَّةِ القادِمَة. ولكنِّي لا أريدُ مِنكُم أن تَتوقَّفوا الآنَ عن سَماعي. اسمَعوني الآن: أَلاَ جَرَّبتُم مَا يَلي؟ حَاوِلوا جَاهِدينَ أن تَقضُوا وَقتَكُم اليومَ مِن دُونِ تَذَمُّرٍ على أيِّ شَيء. أَلاَ جَرَّبتُم ذلك؟ وحاولوا أن تُدَوِّنوا كُلَّ تَذَمُّرٍ يَصدُرُ عنكُم. وسوفَ تُلاحِظونَ أنَّ التَّذَمُّرَ هُوَ بالنِّسبةِ إلى كَثيرينَ مِنكُم هُوَ نَمَطُ حَياة. والحقيقةُ هي أنَّهُ قد يَكونُ عَادَةً مُتَأصِّلَةً فيكَ حَتَّى إنَّكَ لم تَعُد تُدركُ هَيمَنَتَها عليك. وَحِينَئذٍ، تَذَكَّروا ما جاءَ في مَراثي إرْميا مِن فَضلِكُم. تَذَكَّروا وَحَسْب ما جاءَ في الأصحاحِ الثَّالثِ والعَدد 39 واحَفظوا هذهِ الآية: "لِمَاذَا يَشْتَكِي الإِنْسَانُ الْحَيُّ، الرَّجُلُ مِنْ قِصَاصِ خَطَايَاهُ؟" مَا الشَّيءُ الَّذي تَستَحِقُّهُ في اعتِقادِك؟ جَرِّبوا ذلكَ اليوم. أَلاَ فَعلتُم ذلك؟ وسوفَ نُحاولُ أن نَفعلَ ذلكَ مِن دُونِ وُجودِ دَافع. وسوفَ نَتحدَّثُ عنِ الدَّافعِ في المَرَّةِ القادِمَة. دَعونا نَحني رُؤوسَنا معًا حتَّى نُصَلِّي:
يا رَبّ، مِنَ المُحزِن جدًّا في المُجتمعِ الَّذي نَعيشُ فيه أن نُدركَ أنَّهُ كُلَّما زَادَتِ الأشياءُ الَّتي نَحصُلُ عليها، قَلَّ تَقديرُنا لَها. وهذا يَصِحُّ حَتَّى في حَياتِنا الرُّوحيَّة. وقد رأيتُهُ في كَنيسةِ "غريس" (Grace Church). فأنا أتذكَّرُ في السَّنَواتِ الباكِرةِ، يا رَبّ، عندما ابتدأتَ بعملِكَ العَظيمِ هُنا أنَّ الجَميعَ كانوا شَاكِرينَ جدًّا، وأنَّ الجَميعَ كانوا مُمْتَنِّينَ جدًّا، وأنَّ الجَميعَ كانوا مُتحمِّسينَ جدًّا، وأنَّهُم تَبارَكُوا جدًّا. والآن، يا رَبّ، بعدَ سَنواتٍ مِنَ الأمانةِ، وسَنواتٍ مِنَ الخِدمةِ، وسَنواتٍ مِنَ الصَّلاحِ، وسَنواتٍ مِنَ النِّعمةِ، ابتدأَ أُناسٌ فَجأةً في التَّذَمُّر. كيفَ يُعقَلُ هذا؟ وكيفَ يَنسَى النَّاسُ؟ وكيفَ نَنسَى؟ وكيفَ يَستطيعُ أولادُكَ الَّذينَ عَبَرُوا البَحرَ الأحمرَ على أرضٍ نَاشِفَةٍ أن يَتذمَّروا بعدَ ثَلاثةِ أيَّامٍ عَليكَ؟ وكيفَ يُعقَلُ أنْ يَحصُلوا على الماءِ مِن صَخرةٍ وأن يَتذمَّروا بعدَ بِضعةِ أيَّامٍ عَليك؟ وكيفَ يُعقَلُ أن يَحصُلوا على المَنِّ السَّماويِّ وأن يَتذمَّروا بأنَّ الحَياةَ ليست كما يَنبغي أن تَكون؟ وكيفَ يُعقَلُ أن يَتَّجِهوا إلى أرضِ المَوعِدِ وأن يَتذمَّروا لأنَّ الظُّروفَ ليست كما يُريدونَ أن تَكونَ تَمامًا؟ يا رَبّ، إنَّها حَالَتُنا السَّاقِطَة. وقد صَارَ تَذَمُّرُنا عَادةً مُتأصِّلَةً فينا حَتَّى إنَّنا لم نَعُد نُدركُ ذلك. سَاعِدنا على أن نَرى ذلك، وسَاعِدنا على أن نَسمَعَ بآذانِنا تَذَمُّرات أفواهِنا. وسَاعِدنا على أن نَفهمَ المُجادَلَةَ الَّتي تَحدُثُ في قَلبِنا عندما نَشُكُّ فيكَ، ولماذا يَنبغي لنا أن نَفعلَ ما تُوصينا بِهِ، ولماذا تَسيرُ الأمورُ هكذا. ويا أبانا، سَاعِدنا على أن نَتعلَّمَ مِمَّا حَدثَ لِبَني إسرائيلَ وأن نَرى أنَّ الَّذينَ تَذَمَّروا هَلَكوا، وأنَّ الَّذينَ تَذَمَّروا دِيْنُوا. وسَاعِدنا على أن نَعرِفَ أنَّكَ ما تَزالُ تَقِفُ عندَ الباب، وأنَّكَ ما تَزالُ تُؤدِّبُ الَّذين يَقتَرِفونَ خَطيَّةَ التَّذَمُّر. ويا رَبّ، ساعِدنا على أن نُدركَ حَقيقةَ أنَّ الكثيرَ مِنَ المَشاكلِ في حَياتِنا هي تَأديبٌ جَلبتَهُ أنتَ علينا بسببِ رُوحِ التَّذَمُّر لدينا. ساعِدنا على أن نَكونَ مُمْتَنِّينَ، يا رَبّ، لأنَّنا لا نَستَحِقُّ أيَّ شَيءٍ، لا نَستحقُّ أيَّ شَيءٍ البَتَّة. وعلى الرَّغمِ مِن ذلكَ فإنَّكَ صَالِحٌ جدًّا مَعَنا. وساعِدنا على أن نَعملَ كُلَّ شَيءٍ في أثناءِ تَتميمِ خَلاصِنا مِن دُونِ دَمْدَمَةٍ، ومِن دُونِ تَأفُّفٍ قَلبيٍّ، ومِن دُونِ مُجادلةٍ عَقليَّة مَعَكَ كما لو أنَّنا نَعرِفُ طَريقةً أفضل. ولكن يا رَبّ، عندما تَزدادُ الأمورُ صُعوبةً، لَيتَنا نَلتَجِئُ إلى الصَّلاةِ، ونَلتَجِئُ إلى كَلِمَتِكَ، ونَلتَجِئُ إلى تَسبيحِكَ، وَنَجِدَ آنذاكَ القَصدَ الَّذي لأجلِهِ سَمَحْتَ بِمُرورِنا في ذلكَ الضِّيق. باسمِ يَسوع. آمين!

This article is also available and sold as a booklet.