
أرجو أن تَفتحوا كِتابَكُم المُقدَّسَ على رسالة تسالونيكي الأولى والأصحاحِ الرَّابع. وأريدُ أن ألفِتَ أنظارَكُم مَرَّةً أخرى إلى الأعداد مِن 13 إلى 18. وقد عَنْوَنَّا هذه العِظَة: "مَا الَّذي يَحدثُ للمُؤمنينَ الَّذينَ يَموتونَ قبلَ أن يأتي يَسوع". وبالمُناسبة، إنَّ التَّفاصيلَ المُختصَّةَ بالمكانِ الَّذي يَذهبُ إليهِ المؤمنونَ بعدَ أن يَموتوا، وما يَحدُثُ لأرواحِهم، وما يَحدثُ لأجسادِهم هي غالبًا مسألة تُؤرِّقُ الأشخاصَ الَّذينَ لا يَفهمونَ هذا الموضوع. ولا شَكَّ في أنَّها أَرَّقَتِ الأشخاصَ الَّذينَ كانوا حَديثي الإيمانِ في الكنيسةِ في تَسالونيكي. فقد كانَت قد مَضَتْ بِضعة أشهر فقط على إيمانِهم بالرَّبّ. ولم تَكُن لديهم خَلفيَّة يَهوديَّة تُذْكَر، بل كانوا قدِ اهتدوا بصورة رئيسيَّة مِن خَلفيَّة وَثنيَّة غارقة في الإثم. وكانَ الأمرُ كُلُّهُ جَديدًا بالنِّسبةِ إليهم. وفي الأشهُرِ القليلةِ الَّتي صَرَفَها بولُسُ هناكَ في تسالونيكي، والأشهُرِ القليلةِ الَّتي غَادرَ فيها، كانوا قد نَمَوْا كثيرًا في المسيح؛ ولكن كانت هناكَ مَواضيع مُزعِجَة لم يَفهموها.
وواحدٌ مِن تلكَ المَواضيع يَختصُّ بعودةِ يَسوعَ المسيح. وقد حَرَصَ بولُسُ على أن يَفهموا أنَّ يَسوعَ سيَأتي ثانيةً ويأخُذُ شَعبَهُ ليكونوا مَعَه. والحقيقةُ هي أنَّكُم تُلاحظونَ في الأصحاحِ الأوَّل والعَددَيْن 9 و 10 أنَّهُ يَقولُ عن مُؤمِني تسالونيكي إنَّهُم رَجَعوا إلى اللهِ مِنَ الأوثانِ ليَعبُدوا اللهَ الحَيَّ الحَقيقيَّ ويَنتظروا ابنَهُ مِنَ السَّماء. فقد كانوا يَعيشونَ في حالةِ تَرَقُّبٍ بأنَّ يَسوعَ سيأتي. ويبدو مِنَ المَعقولِ في هذا السِّياقِ أنَّهم كانوا يَعتقدونَ حَقًّا أنَّهُ سيَأتي قريبًا جدًّا في أثناءِ حَياتِهم. وهذا هو مَا أثارَ تَساؤلاتِهم لأنَّ أُناسًا مِنهُم قد مَاتُوا. فمِن حينٍ لآخر، وبصورةٍ مُستمرَّةٍ، ومِن وقتٍ لآخر، كانَ واحدٌ مِنَ المؤمنينَ في كنيسةِ تسالونيكي يَموت. ولأنَّهم كانوا مُتلهِّفينَ جدًّا لِمَجيءِ يَسوعَ المسيح، لم يَفهموا ما الَّذي سيَحدُثُ لذلكَ الشَّخصِ عندما يأتي المسيح. فإن لم يَكونوا هُنا، هل سَيُفَوِّتونَ ذلكَ الحَدثَ العظيم؟ هل سَيُفَوِّتونَ الاجتماعَ معًا، كما يُسَمُّونَهُ وكما قالَ بولُس في رسالتِه الثَّانية إلى أهلِ تسالونيكي 2: 1؟ هل سيُفَوِّتونَ الاختِطاف؟ فقد كانوا قَلِقينَ جدًّا بسببِ ذلك.
وحيثُ إنَّهُم كانوا يَعيشونَ في حَماسةٍ شَديدة وانتظارٍ وتَرَقُّبٍ شَديدَيْن لتلكَ اللَّحظةِ العظيمةِ الَّتي سيأتي فيها يَسوعُ مِن أجلِ شَعبِهِ، وحيثُ إنَّهُم أيضًا كانوا [وَفقًا لما جاءَ في الأصحاحِ الرَّابعِ والعَددَيْن 9 و 10] يُحِبُّونَ بَعضُهم بعضًا مَحبَّةً شَديدةً حَتَّى إنَّ الجميعَ كانوا يَعرفونَ عن مَحبَّتِهم، فقد حَزِنوا على أحبَّائِهم الَّذينَ مَاتوا؛ لا لأنَّهم مَاتُوا إذْ إنَّهم كانوا يُؤمنونَ بأنَّ أرواحَهُم ستكونُ معَ الرَّبِّ؛ بل لأنَّهم كانوا يَظُنُّونَ أنَّهُم قد يُفَوِّتوا ذلكَ الحَدثَ العَظيم. لِذا فإنَّ الرَّسولَ بولُسَ يَكتُبُ هذا المَقطعَ لكي يُساعِدَهُم.
وقد قُلتُ في الأسبوعِ الماضي [وأقولُ ذلكَ مَرَّةً أخرى] إنَّهُ مَقطعٌ رَاعَوِيٌّ أكثرَ مِمَّا هُوَ كَلامٌ لاهوتِيٌّ. فقَصدُ الرَّسولِ بولُس هو ليسَ أن يُقَدِّمَ شَرْحًا مُسْهَبًا ومُفَصَّلا ودَقيقًا للأمورِ الأخيرةِ المُختصَّةِ بالاختِطاف، بل قَصدُهُ هو أن يُعَزِّي القلوبَ المُضطرِبةَ والحَزينةَ والكَئيبة. فهو ليسَ سُؤالاً مُتَحَذلِقًا: "ما الَّذي سيَحدُثُ للمؤمنينَ الَّذينَ يَموتونَ قبلَ عَودةِ الرَّبِّ؟"، بل هو سُؤالٌ يُؤلِمُهم في قُلوبِهم لأنَّهم كانوا يَشعرونَ بالحُزنِ خَشيةَ أن يُفَوِّتَ أحِبَّاؤهم الَّذينَ مَاتوا ذلكَ الحَدثَ العَظيم. فقد كانوا يَتساءلونَ: هل مَوتُهم هو نَوعٌ مِنَ الدَّينونةِ إذْ إنَّ الرَّبَّ أَدَّبَهُم بأن أَماتَهُم؛ لِذا فقد خَسِروا فُرصَتَهُم في اختبارِ الاختِطاف؟ هل كانت هُناَكَ خَطيَّة مُعيَّنة في حَياتِهم أدَّتْ إلى مَوتِهم؟ هل لن يُشارِكوا يَومًا في الاجتماعِ معًا، وفي الرِّحلةِ الرَّائعةِ إلى السَّماء؟ هل سيَبْقَوْنَ أجسادًا مِن دونِ أرواحٍ، ولن يَختبروا يَومًا تَغَيُّرَ أجسادِهم لِيَصيروا مُشابهينَ للمسيح؟ هل سيُحْسَبونَ بطريقةٍ أو بأخرى قِدِّيسينَ مِن رُتْبَةِ أقَلّ؟ هل لن يَحصُلوا على تلكَ المحبَّةِ الَّتي يَحصُلُ عليها الأشخاصُ الَّذينَ يَعيشونَ إلى أن يَحينَ وقتُ الاختِطاف؟ وقد أدَّتْ كُلُّ هذهِ التَّساؤلاتِ إلى شُعورِهم بالحُزن.
لِذا فإنَّ الرَّسولَ بولُس يَكتُبُ لِتَسكينِ حُزنِهم. انظروا إلى العدد 13 مِنَ الأصحاحِ الرَّابع: "ثُمَّ لاَ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ الرَّاقِدِينَ، لِكَيْ لاَ تَحْزَنُوا كَالْبَاقِينَ الَّذِينَ لاَ رَجَاءَ لَهُمْ". فهو يَقولُ إنَّنا لا نُريدُ أن تَحزَنوا. فالحُزنُ النَّاجِمُ عنِ الجَهلِ هو حُزنٌ لا مُبَرِّرَ لَهُ. فأنا لا أريدُ أن تَكونوا جاهِلينَ إلى حَدٍّ يَقودُكم إلى الحُزنِ على غِرارِ الأشخاصِ الَّذينَ لا رَجاءَ لَهُم في لِقاءِ أَحِبَّتِهم مَرَّةً أخرى؛ أي كالضَّالِّينَ أوِ الوَثنيِّينَ أوِ الأشخاصِ المَوجودينَ خارِجَ مَلكوتِ اللهِ والَّذينَ يَرَوْنَ أنَّ المَوتَ هو فُراقٌ نِهائيٌّ ودائم. وأنا لا أريدُ أن تَحزنوا كالأشخاصِ الَّذينَ هُم بِلا رَجاء؛ أي كالَّذينَ لا يَنتظرونَ لَمَّ الشَّمْل. فجَهلُكُم قَادَكُم إلى الحُزن. لِذا، أريدُ أن أحَرِّرَكُم مِن حُزنِكُم بأن أُصَيِّرَ جَهلَكُم مَعرفةً.
والفِئةُ الرَّئيسيَّةُ الَّتي يَتحدَّثُ عنهُا هُنا هي فِئةُ الرَّاقِدين. والحقيقة هي أنَّهُ يَذكُرُهم في العدد 13. وهو يَذكُرُهم في العدد 14. وهو يَذكُرُهم في العدد 15. فهذا هو شُغْلُهُ الشَّاغِلُ لأنَّ هذا هو شُغلُهُم الشَّاغِل. فما الَّذي يَحدُثُ للمؤمنينَ الَّذينَ يَموتونَ قبلَ أن يَأتي يَسوعُ إلى هُنا؟ وبالمُناسبَة، إنَّهُ سُؤالٌ مُهمٌّ جدًّا لأنَّهم كانوا يَسألونَهُ آنذاك. وها نحنُ نَعيشُ بعدَ ألفيِّ سنة. لِذا فإنَّ هُناكَ مُؤمنينَ كثيرينَ جدًّا يَنْدَرِجونَ تحتَ تلكَ الفِئة. والعَدَدُ سيَزيد.
وقد أَشَرْتُ في الأسبوعِ الماضي إلى أنَّ الكَلِمَة "رَاقِدينَ" تُشيرُ إلى الأشخاصِ الَّذينَ مَاتُوا. والمؤمنونَ الَّذينَ مَاتُوا لا يَختبرونَ الموتَ بواقِعِهِ المُخيفِ لأنَّهُ في ضَوْءِ حَياتِهم في المسيح، صارَ الموتُ مُجَرَّدَ نَوم. والفَرقُ بينَ النَّومِ والموتِ هو أنَّ النَّومَ هو رُقادٌ مُؤقَّت. لِذا فإنَّها لَفْظَة مُلائمة للمؤمنين. فعندما يَموتونَ فإنَّ أرواحَهُم تَذهبُ لتكونَ معَ الرَّبِّ حالاً: "نَتَغَرَّبَ عَنِ الْجَسَدِ وَنَسْتَوْطِنَ عِنْدَ الرَّبِّ". "لِيَ اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيح". فجَسَدُهم يَذهبُ ليكونَ في القبرِ ليسَ بصورة دائمة، بل فقط لِيَرقُدَ إلى أن يَستفيقَ يَومًا. ولكنَّهُم لم يَكونوا يَعرفونَ كيفَ، أو مَتى، أو أينَ، أو ماذا. لِذا فقد كانوا يَشعرونَ بالحُزنِ على أحبَّائِهم.
لِذا فإنَّ بولُسَ يَشرَحُ لهم عَددًا مِن سِماتِ الاختِطاف. واللَّفْظَةُ المَذكورةُ في العدد 17 في قَولِهِ: "سَنُخْطَفُ جَمِيعًا مَعَهُمْ" هي اللَّفظةُ الَّتي حَصَلنا مِن خلالِها على فِكرةِ الاختطاف. فهي تَعني: "يأخُذ" أو "يَنتَشِل" أو "يَخطَف". وهي تَختصُّ باختِطافِ الكنيسة؛ أي أخْذِ الكنيسة. وهي [بالمُناسبة] كلمة عَنيفة. وقد أَشَرتُ في المرَّة السَّابقة إلى أنَّهم أخذوا الكلمةَ اليونانيَّةَ نَفسَها واشتقُّوا مِنها الكلمة "يَغتصِب". فهو عَمَلٌ عَنيفٌ ستُخطَفُ الكنيسةُ فيه. وهو إنقاذٌ سيكونُ في المَقامِ الأوَّلِ مُفاجِئًا وفَوريًّا. وبولُس يَقولُ في رسالتِهِ الأولى إلى أهلِ كورنثوس والأصحاح 15 إنَّهُ سيَحدُثُ: "فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ". وهذهِ ليستِ السُّرعةُ الَّتي نَرمُشُ بها، بل إنَّها سُرعةِ انعكاسِ الضَّوْءِ على البُؤبُؤ. فهو سيَحدُثُ بتلكَ السُّرعة؛ بل أسرَع.
والآن، فيما يُعَلِّمُهم بولسُ عنِ الاختِطاف، لَعَلَّكُم تَذكرونَ أنَّ قَصدَهُ هو ليسَ أن يَتحدَّثَ عن كُلِّ شيءٍ يُمكِنُ أن يُقالَ عن هذا الحَدَث؛ بل إنَّ قَصدَهُ هو أن يَتحدَّثَ عن مَسألة مُحَدَّدة لتَعزيةِ قُلوبِهم المُضطرِبَة. وهناكَ أربعُ سِماتٍ تُلَخِّصُ تَعليمَهُ في هذا النَّصِّ عنِ الاختطاف: الأُسُسُ الَّتي يَقومُ عليها الاختطاف، والمُشاركونَ في الاختطاف، وخُطَّةُ الاختطاف، والفائدةُ مِنَ الاختطاف. الفائدة أو المَنفعة مِنه.
وقد ابتدأنا في المرَّة السَّابقة في التَّحدُّثِ عن الأُسسُ الَّتي يَقومُ عليها الاختطاف. وقد قُلنا لكم إنَّنا نَجِدُ في العددِ الرَّابع عشر الأساسَ الأوَّلَ الَّذي يُبنَى عليهِ الحَقُّ المُختصُّ بالاختِطافِ وَهُوَ: مَوتُ المسيح. لأنَّنا إن كُنَّا نُؤمِنُ بأنَّ يَسوعَ قد ماتَ... وقد قُلتُ لكم إنَّ السَّببَ الأوَّلَ الَّذي يَجعلُنا قادرينَ على تَرْكِ هذا العَالَمِ والانضمامِ إلى يسوعَ المسيحِ الَّذي سيأخُذنا إلى السَّماءِ هو أنَّ يَسوعَ مَاتَ عن خَطايانا. فحيثُ إنَّ خَطايانا قد غُفِرَت وسُتِرَت بِدَمِ المسيحِ، وحيثُ إنَّ اللهَ كَسَانا بِبِرِّ المسيح، فإنَّنا صِرنا مَقبولينَ لدى الله، وصِرنا وَرَثَة معَ المسيح، ولم يَعُد يَسوعُ يَستحي أن يَدعونا إخوة. وَهُوَ سيَجمعُنا إليهِ ويأخُذنا إلى السَّماءِ حيثُ يَنتظرنا اللهُ لأنَّ خَطايانا قد غُفِرَت. لِذا فإنَّ الاختِطافَ قائمٌ في المقامِ الأوَّل لا على فَرضيَّةٍ فَلسفيَّة، ولا على فِكرةٍ لاهوتيَّة، بل على مَوتِ يسوعَ المسيح الَّذي كانَ ذَبيحةً مَقبولةً تَمامًا لدى اللهِ عنِ الخطيَّة. فحيثُ إنَّهُ استَوفى كُلَّ الشُّروطِ المَطلوبة لغُفرانِ الخطيَّة فإنَّهُ جَعَلَ المَوتَ رُقادًا بالنِّسبةِ إلينا. وإن أردنا أن نَستخدِمَ كلماتِ بولُس فإنَّهُ نَزَعَ شَوكَةَ المَوت.
أمَّا الأساسُ الثَّاني الَّذي يَقومُ عليهِ الاختِطافُ فَهُوَ: قِيامةُ المسيح. فنحنُ نَقرأُ في العدد 14: "لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا نُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ مَاتَ وَقَامَ..."، وهُنا تأتي النَّتيجةُ المَنطقيَّةُ لِما سَبَقَ ذِكرُهُ. فالأمرُ لا يَقتصِرُ فقط على أنَّهُ ماتَ، بل إنَّ الرِّضا عن عَمَلِهِ يُستَدَلُّ عليهِ مِن حَقيقةِ أنَّ اللهَ أقامَهُ مِنَ الأموات. فقد غَلَبَ المَوتَ. وقد غَلَبَ الخَطيَّة مِن خلالِ مَوتِه. وقد غَلَبَها أيضًا مِن خِلالِ قِيامَتِه. فقد تَمَّ تَحقيقُ النُّصرةِ على الخطيَّة، وتَمَّ تَحقيقُ النُّصرة على الموت لا فقط مِن أجلِهِ هُوَ، بل لاحِظوا ما ذُكِرَ في العدد 14. فَكَذلِكَ سَيُحضِر مَعَهُ [أيْ مَعَ يَسوعَ] عندَ عَودَتِهِ الرَّاقِدينَ بِيَسُوع. فكما أنَّهُ أقامَ يَسوعَ فإنَّهُ سيُقيمُ البقيَّةَ الَّذينَ هُم في يَسوعَ المسيح. فنحنُ نَقرأُ في رسالة كورنثوس الأولى 15: 23: "الْمَسِيحُ بَاكُورَةٌ، ثُمَّ الَّذِينَ لِلْمَسِيحِ فِي مَجِيئِهِ". وقد قالَ يسوعُ في إنجيل يوحنَّا 14: 19: "إِنِّي أَنَا حَيٌّ فَأَنْتُمْ سَتَحْيَوْنَ". وقد قلتُ في الأسبوعِ الماضي، وأُعيدُ هذه الجُملةَ مَرَّةً أخرى: سوفَ يُعامِلُ اللهُ المؤمنينَ الأمواتَ بذاتِ الطَّريقةِ الَّتي عامَلَ بها يسوعَ إذْ إنَّهُ سيُقيمُهم مِنَ الأموات. فهذا هو وَعدُه: أن يُقيمُهم جَسديًّا. وعندما يأتي اللهُ، عندما يأتي اللهُ في العَودةِ المَجيدةِ والعَظيمةِ للمسيح، سوفَ يُحضِرُ اللهُ مَعَهُ أولئكَ الَّذينَ مَاتُوا في المَسيح – تَمامًا كما أقامَ يَسوعَ مِنَ الأموات.
والصُّورة رائعة! وهي صُورة يَتِمُّ رَسْمُها لنا أوَّلاً في إنجيل يوحنَّا 14: 1-3 إذْ إنَّهُ المَوضِعُ الوحيدُ في كُلِّ رِوايةِ الإنجيلِ الَّذي يَتحدَّثُ عنِ الاختِطاف. وكُلُّ ما يَقولُهُ هُوَ: "لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ". ومَرَّةً أخرى، إنَّهُ نَصٌّ مُعَزٍّ. فالقَصدُ مِنهُ هُو تَعزيةُ التَّلاميذ المُضطرِبين. "أَنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ فَآمِنُوا بِي. فِي بَيْتِ أَبِي مَنَازِلُ كَثِيرَةٌ، وَإِلاَّ فَإِنِّي كُنْتُ قَدْ قُلْتُ لَكُمْ. أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَانًا، وَإِنْ مَضَيْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ مَكَانًا آتِي أَيْضًا وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ، حَتَّى حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا". فيسوعُ يَعِدُهم هُنا قائلاً: سوفَ أمضي، ولكنِّي سأذهبُ لإعدادِ مَكانٍ لَكُم. وسوفَ آتي. سوفَ آتي كي آخُذَكُم لتَكونوا مَعي حيثُ أكون في ذلكَ المَكان. والوَعدُ هُنا هو أنَّهُ كما أنَّ اللهَ أقامَ يَسوعَ مِنَ الأمواتِ وأخَذَهَ إلى المَجدِ فإنَّهُ سيَعملُ بالطَّريقةِ نَفسِها على إخراجِ الأمواتِ مِنَّا مِنَ القُبورِ وأخذِنا إلى المَجد.
والآن، لَعَلَّكُم تَذكرونَ أنَّ الرُّوحَ سيكونُ أصلاً معَ الرَّبِّ؛ ولكنَّ الجَسَدَ سَيُقام ويَنضَمُّ إلى ذلكَ الرُّوحِ الَّذي سيكونُ أصلاً في حَضرةِ رُوحِ اللهِ. واتِّحادُ الاثنينِ سيُؤدِّي إلى وُجودِ قِدِّيسٍ مُمَجَّدٍ على صُورةِ المسيحِ يَسكُنُ في حَضرةِ اللهِ إلى أبدِ الآبدين. وهذه هي [بالمُناسبة] القيامة المَوصوفة في رسالة كورنثوس الأولى 15: 35 وما يَليه.
إذًا، كانت هذه مُراجَعة للنِّقاطِ الَّتي تَحدَّثنا عنها سابقًا. فأساسُ مَوتِ المسيحِ، وأساسُ قِيامَةِ المَسيحِ يَسنِدانِ عَقيدةَ الاختِطاف. أمَّا الأساسُ الثَّالثُ فهو: إعلانُ المسيح - إعلانُ المسيح. فبولُس يَقولُ في العَدد 15: "فَإِنَّنَا نَقُولُ لَكُمْ هذَا [أيْ: هذا التَّعليمُ المُختصُّ بالاختطاف] بِكَلِمَةِ الرَّبِّ". وما يَقولُهُ هو ليسَ فقط أنَّ الاختِطافَ قائمٌ على مَوتِ المسيحِ وَقِيامَتِه، بل على إعلانٍ مُباشِرٍ مِنَ المسيح. والعِبارة "فَإِنَّنَا نَقُولُ لَكُمْ هذَا" تَدُلُّ على شخصٍ يَكتُبُ بالوَحْيِ ويُعلِنُ ما كَشَفَهُ اللهُ لَهُ. فتلكَ العبارة "بكلمةِ الرَّبِّ" تَعني الكَلامَ الإلهيَّ. فقد كانَ بولُس يُقَدِّمُ إلى أهلِ تسالونيكي حَرفيًّا ما جاءَهُ مِنَ الرَّبّ. فهذا إعلانٌ إلهيٌّ. والآن، ما الَّذي يَعنيه تَحديدًا؟ مِنَ المُدهِشِ أن تُلاحِظوا ما يَلي: فعندما يَقولُ: "فَإِنَّنَا نَقُولُ لَكُمْ هذَا" ثُمَّ يُتابِعُ حَديثَهُ واصِفًا الاختطافَ قائلاً: "بِكَلِمَةِ الرَّبِّ"، ما الَّذي يَعنيه بذلك؟ يَرى فَريقٌ مِنَ الشُّرَّاحِ أنَّهُ يَعني أنَّهُ يُشيرُ إلى شَيءٍ قَالَهُ يسوعُ وتَمَّ تَدوينُهُ في الأناجيل. ولكنَّ هذا لا يبدو خِيارًا مَقبولاً البتَّة لأنَّهُ لا توجد نُصوصٌ كهذه. فكما قُلتُ، إنَّ المَرَّةَ الوحيدةَ الَّتي يُذكَرُ فيها الاختِطافُ تَحديدًا هو تلكَ العبارة البسيطة جدًّا الَّتي قالَها يَسوعُ: "سوفَ أعودُ". وقد قالَها بطريقةٍ رَاعَويَّة مِن دونِ أن يُحاولَ أن يُقَدِّمَ شَرحًا لاهوتيًّا لها. عَدا عن ذلك، لا توجد مَعلومات تَفصيليَّة عنِ الاختطافِ في الأناجيل يُمكِنُ أن يُشيرَ إليها بولُس.
وقد تَقول: "مَهلاً مِن فَضلِك! أَلاَ يَتحدَّثُ النَّصُّ عن بُوقٍ هُنا؟ أَلاَ يَتحدَّثُ عن قِيامةٍ هُنا؟" بَلى؛ ولكنَّ هذا مُختلفٌ تمامًا عن تلكَ المَرَّات. فمثلاً، في العِظةِ على جَبَلِ الزَّيتون حينَ تَحدَّثَ الرَّبُّ عن بُوقٍ، وحينَ تَحدَّثَ عن جَمْعٍ، كانَ ذلكَ الأمرُ مُختلفًا جدًّا عن أيَّة إشارة في إنجيل يوحنَّا أشارَ إليها بَعضٌ إشارةً عابِرَة كما هي الحالُ عندما يَقولُ لمَرثا في الأصحاحِ الحادي عشر: "أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ". واسمَحوا لي أن أذكُرَ لكُم بِضعةَ اختلافات. ففي إنجيل مَتَّى يأتي ابنُ الإنسانِ على السَّحاب؛ أمَّا في الرِّسالة الأولى إلى أهلِ تسالونيكي فإنَّ المؤمنينَ يَصعَدونَ إلى السَّحاب. وفي إنجيل مَتَّى يَجمَعُ الملائكةُ المُختارينَ مِن أربعِ زَوايا الأرض؛ أمَّا في الرِّسالةِ الأولى إلى أهلِ تسالونيكي فإنَّ يَسوعَ المسيحَ نَفسَهُ يَجمَعُهم لنفسِه. وفي العِظةِ على جَبَلِ الزَّيتون، ولا سِيَّما في إنجيل مَتَّى، لا نَجِدُ ذِكرًا لترتيبِ الصُّعود؛ ولكنَّها المسألةُ الرَّئيسيَّةُ هُنا في الرِّسالة إلى أهلِ تسالونيكي. وهناكَ فُروق كثيرة أخرى أيضًا.
لِذا، لا يُمكننا أن نَقولَ إنَّ بولُس يُشيرُ إلى أيِّ شيءٍ في الأناجيل لأنَّهُ لا توجد فيها آيات تَتحدَّث عنِ الأشياءِ الَّتي يَتحدَّث عنها هنا. وقد قالَ آخرون: "رُبَّما يُشيرُ إلى كلمةٍ قالَها الرَّبُّ ولم تُدَوَّن كما هي الحالُ في سِفْرِ أعمالِ الرُّسُل 20: 35 إذْ نَقرأُ إنَّ يسوعَ قالَ: "مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ". لقد قالَ يَسوعُ ذلك. ونحنُ نَعلمُ أنَّهُ قالَ ذلكَ لأنَّ رُوحَ اللهِ أعلنَ ذلكَ للوقا عندما كَتَبَ أنَّهُ قالَ ذلك؛ ولكنَّها ليست مُدَوَّنَة في الأناجيل. وهو الاقتباسُ الوَحيدُ عن يَسوعَ مِن خارجِ الأناجيل. وهناكَ مَن يَقولُ إنَّ ما يَقولُهُ بولسَ هُنا لا بُدَّ أن يكونَ كَلامًا قالَهُ يَسوعُ ولكنَّهُ لم يُدَوَّن. ولكنَّهُ لم يَقُل إنَّ يَسوعَ قالَ ذلك، وهو لا يَقتبِس مُباشَرةً أيَّ شيءٍ قالَهُ يَسوعُ في الأناجيل. وهو لا يَقولُ تَحديدًا إنَّ يَسوعَ قالَ هذا، بل إنَّهُ يَستخدِمُ تلكَ العِبارة العامَّة: "بِكَلِمَةِ الرَّبِّ".
كذلك، في رسالة كورنثوس الأولى والأصحاح 15، أَلاَ لاحظتُم العدد 51؟ أو يَكفي أن تَستمعوا إليهِ وَحَسْب. فبولُس يَبتدئُ الحديثَ هُنا عنِ الاختطافِ فيقول: "هُوَذَا سِرٌّ أَقُولُهُ لَكُمْ". والسِّرُّ هو شَيءٌ كانَ مَحجوبًا وأُعلِنَ الآن. فبولُس يَقول: سوفَ أُعلِن الآنَ شيئًا كانَ مَحجوبًا. وهذا يَقودُنا إلى الاستِنتاجِ بأنَّ يَسوعَ لم يُعلِن يَومًا تلك التَّفاصيل عنِ الاختطاف. فقد كانَ ذلكَ الأمرُ مَحجوبًا إلى أن كَشَفَهُ بولُس. فقد كانَ الرَّسولَ الَّذي كَشَفَ ذلكَ السِّرّ. وهُنا أيضًا، لو كانَ يسوعُ عَلَّمَ ذلك، وكانَ مَعلومًا لدى الجميعِ أنَّهُ عَلَّمَ ذلكَ سواءَ كانَ ما قالَهُ مُدَوَّنٌ أو غير مُدَوَّن، مِنَ المؤكَّدِ أنَّ بولسَ كانَ سيَقولُ ذلكَ لمؤمني تسالونيكي. ولكنَّهم هُنا في حَيْرَة كاملة بشأنِ هذا الحَدَث المَعروف بالاختطاف. ولا شَّكَّ في أنَّ بولسَ عَلَّمَهُم حَقًّا جديدًا مِن كلمةِ الرَّبّ.
لِذا، نحنُ نَرى أنَّهُ لا يُمكِنُنا أن نَقرِنَ هذا بأيِّ شيءٍ قالَهُ يَسوع. وإن لاحظتُم ما جاءَ في الأصحاحِ الخامسِ والعددِ الثَّاني فإنَّهُ يَقول: "لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بِالتَّحْقِيقِ أَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ هكَذَا يَجِيءُ". فَمِنَ الواضحِ أنَّهم كانوا يَعرفونَ الكثيرَ عن يومِ الرَّبِّ. فهو دَينونة. وَهُم لم يَكونوا بحاجة إلى مَن يُعَلِّمُهم عن يومِ الرَّبِّ، ولكنَّهم لم يكونوا يَعرفونَ عنِ الاختطاف، أوِ الأخذ، أوِ الانتشال. لِذا فإنَّ بولسَ يَكشِف لهُم شيئًا كانَ حَتَّى ذلكَ الوقت سِرًّا وأُعلِنَ لَهُ بكلمةِ الرَّبّ.
والآن، قد يكونُ المَقصودُ بذلكَ هو أنَّه جاءَ على فَمِ نَبِيٍّ؛ أي أنَّ نَبيًّا مِن أنبياءِ العهدِ الجديدِ (مِثلَ أغابُوس المَذكور في سِفْرِ أعمالِ الرُّسُل والأصحاح 21) قد يكونُ النَّاطِقَ بلسانِ الرَّبِّ لبولُس وأنَّهُ قالَ ذلك فَسَمِعَهُ بولُس. والحقيقةُ هي أنَّ أغابُوس قالَ عندما تَحَدَّثَ إلى بولُس في سِفْرِ أعمالِ الرُّسُل والأصحاح 21: "هذَا يَقُولُهُ الرُّوحُ الْقُدُسُ". لِذا، رُبَّما كانَ واحدٌ مِنَ الأنبياءِ (مِثلَ أغابُوس) أداةً بيدِ اللهِ للتحدُّثِ إلى بولُس. ورُبَّما استخدَمَ رُوحُ اللهِ أداةً أخرى للتَّخاطُبِ معَ بولُس. ورُبَّما كانَ كَلامًا مُباشِرًا كما حَدثَ على ظَهرِ السَّفينة في سِفْرِ أعمالِ الرُّسُل والأصحاح 27 عندما كانُوا في عُرْضِ البَحْرِ فجاءَ مَلاكٌ إليهِ في اللَّيل وأخبرَهُ بالتَّحديدِ مَا أرادَ مِنهُ الرَّبُّ أن يَسمَعَهُ. إذا، لقد حَصَلَ بطريقةٍ ما على إعلانٍ مُباشِرٍ يَكشِفُهُ الآن. إذًا، ما الأُسُسُ الَّتي يَقومُ عليها الاختطاف؟ إنَّهُ لا يَقومُ على فَلسفةٍ مُعيَّنة، ولا على أقوالٍ لاهوتيَّة مُعيَّنة، بل يَقومُ على مَوتِ المسيحِ (إذْ إنَّهُ دَفَعَ أُجرةَ خَطايانا فصِرنا مَقبولينَ لدى الله)، ويَقومُ على قِيامةِ المسيحِ (الَّذي بِقيامَتِهِ نَقوم)، ويَقومُ على إعلانِ المسيحِ (الَّذي يَكشِفُ تَفاصيلَهُ). إنَّهُ أساسٌ مَتين. أليسَ كذلك؟ فهي أعمدة قويَّة.
والآن، لِنَرجِع إلى كلمةِ الرَّبِّ. فما الَّذي قالَهُ الرَّبُّ لبولُس عن هذا الحَدَث؟ هذا يَقودُنا إلى النُّقطةِ الثَّانية وهي: المُشارِكونَ في الاختِطاف... المُشارِكونَ في الاختِطاف. فهو يَقولُ في رسالة تسالونيكي الأولى 4: 15: "فَإِنَّنَا نَقُولُ لَكُمْ هذَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ" [وهذانِ هُما الطَّرَفانِ المُشارِكان]: "نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ..."، ثُمَّ في نِهايةِ الآية: "الرَّاقِدِين". فهذانِ هُما الطَّرَفانِ المُشارِكان. فهناكَ فِئتانِ فقط مِنَ النَّاسِ في الاختطاف: الأحياءُ الباقونَ، والأموات. وهذهِ مُفارَقة بسيطة جدًّا. وهذا هو كُلُّ ما يَتحدَّثُ عنه: الأشخاصُ الأحياءُ، والأشخاصُ الَّذينَ مَاتُوا. وكما تَرَوْنَ فإنَّ هذا هو ما كانَ يُؤَرِّقُهُم: ما الَّذي سيَحدُثُ للمؤمنينَ الَّذينَ مَاتُوا؟
وببساطة فإنَّهُ يَقول: دَعوني أُخبرُكم عن كُلٍّ مِن هَذَيْنِ المُشارِكَيْن: فأولاً، نَحنُ الأحياءَ الباقينَ؛ أيِ المؤمنينَ الَّذينَ سيكونونَ على قَيْدِ الحياةِ عندما يأتي الرَّبُّ: "نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ إِلَى مَجِيءِ الرَّبِّ". هل تُلاحِظونَ الكلمة "نَحنُ"؟ هل كانَ بولسُ يَعتقدُ أنَّهُ سيكونُ حَيًّا آنذاك؟ وهل كانَ بولسُ يَعتقد أنَّ ذلكَ قد يَحدُثُ في فترةِ حَياتِه؟ بكُلِّ تأكيد. بكُلِّ تأكيد. فلا شَكَّ في أنَّهُ كانَ يَترقَّبُ تَرَقُّبًا سَليمًا، ويَتوقَّعُ تَوقُّعًا سَليمًا، أن يَعودَ رَبُّهُ مِن دونِ أن يُحَدِّدَ وَقتًا مُحَدَّدًا لذلك. فأنا على يَقينٍ مِن أنَّهُ لم يَفعل شَيئًا كهذا. فحيثُ إنَّهُ كانَ يَكتُبُ بوحيٍ مِن رُوحِ اللهِ، لم يَكُن بمَقدورِهِ أن يَفعلَ ذلك. وكما هي حالُ جَميعِ المؤمنينَ الأوائل، أعتقد أنَّهُ كانَ يَرى أنَّ ذلكَ الحَدثَ قَريبٌ جدًّا. لِذا فإنَّهُ يَستخدِمُ الكلمة "نَحنُ". "نَحنُ الأحياءَ الباقينَ". صَحيحٌ أنَّ الكلمة "نَحنُ" هي لَفظَة عامَّة تُشيرُ إلى المؤمنينَ الَّذينَ كانوا أحياءَ في ذلكَ الوقت؛ ولكنَّهُ لا يَقولُ "هُم" كما لو أنَّهُ يُلَمِّحُ إلى أنَّ ذلكَ سيَحدُثُ في جيلٍ مُستقبليٍّ. فقد كانَ بمقدورِهِ أن يَقولَ "نَحنُ" براحَةٍ تَامَّةٍ لأنَّ ذلكَ قد يَحدُثُ في حَياتِه.
وهناكَ مُؤشِّراتٌ أخرى تُشيرُ إلى أنَّهُ كانَ يُؤمِنُ بذلك. فهو يَقولُ في رسالَتِهِ إلى أهلِ رُومية 13: 11: "هذَا وَإِنَّكُمْ عَارِفُونَ الْوَقْتَ، أَنَّهَا الآنَ سَاعَةٌ لِنَسْتَيْقِظَ مِنَ النَّوْمِ، فَإِنَّ خَلاَصَنَا الآنَ أَقْرَبُ مِمَّا كَانَ حِينَ آمَنَّا. قَدْ تَنَاهَى اللَّيْلُ وَتَقَارَبَ النَّهَارُ". فهناكَ شُعورٌ قَويٌّ بأنَّ ذلكَ سيحدُثُ قَريبًا. أليسَ كذلك. فخلاصُنا أَقْرَب. ما الَّذي تَعنيهِ بخلاصِنا؟ لقد حَصَلنا على خَلاصِ أرواحِنا، ولكن ليسَ خَلاصَ أجسادِنا؛ أي خَلاصَ الأجسادِ الَّذي يَتحدَّثُ عنهُ في رُومية 8. فهو أقربُ مِن أيِّ وقتٍ آخر. فقد تَقَارَبَ النَّهَارُ؛ أي أنَّهُ صارَ وَشيكًا. وقَدْ تَنَاهَى اللَّيْلُ. فسوفَ يَحدُثُ ذلكَ قريبًا.
وفي رسالة كورِنثوس الأولى، أَلاَ لاحظتُم الأصحاحَ السَّادس والعدد 14 إذْ نَجِدُ نَفسَ العِبارة؟ فهو يَقول: "وَاللهُ قَدْ أَقَامَ الرَّبَّ، وَسَيُقِيمُنَا نَحْنُ أَيْضًا بِقُوَّتِهِ". هل كانَ يُؤمِنُ بأنَّهُ سيكونُ في تلكَ القيامة؟ وهل كانَ يُؤمِنُ بأنَّهُ سيَشترِكُ في تلكَ القيامة المُستقبليَّة؟ مِن جِهَة، يبدو أنَّه كانَ يُؤمِنُ في وقتٍ مِنَ الأوقاتِ بأنَّ ذلكَ سيَحدُثُ في فَترةِ حَياتِه. ومِن جِهةٍ أخرى، يبدو أنَّهُ كانَ يُؤمِنُ في وقتٍ آخر بأنَّهُ رُبَّما سيكونُ في القبر.
ونَقرأُ في رسالة كورِنثوس الأولى 10: 11: "فَهذِهِ الأُمُورُ جَمِيعُهَا أَصَابَتْهُمْ مِثَالاً، وَكُتِبَتْ لإِنْذَارِنَا نَحْنُ..." لإنذارِنا نَحْنُ. ثُمَّ اسمَعوا ما يَقول: "...الَّذِينَ انْتَهَتْ إِلَيْنَا أَوَاخِرُ الدُّهُور". فقد كانَ يُؤمِنُ بأنَّهُ يَعيشُ في أواخِرِ الدُّهور، أي في أزمِنَةِ المَسيَّا. وأنا على يَقينٍ بأنَّها سَتَطولُ أكثر مِمَّا طَالَت آنَذاك. انظروا إلى رسالة كورِنثوس الأولى 16: 22: "إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُحِبُّ الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا! مَارَانْ أَثَا". وهل تَعلمونَ ما مَعنى ذلك؟ "يا رَبَّنا تَعال" – يا رَبَّنا تَعال. وانظروا إلى رسالتِنا؛ أي إلى رسالة تسالونيكي الأولى 1: 10: "وَتَنْتَظِرُوا ابْنَهُ مِنَ السَّمَاءِ". وهو يَقولُ في الأصحاحِ الثَّالثِ والعَدد 13 إنَّهُ يُريدُ مِنهم أن تَكونَ قُلوبُهم ثابِتَة بِلا لَوْمٍ في القَداسةِ أمامَ اللهِ أبينا فِي مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَعَ جَمِيعِ قِدِّيسِيه. ونَرى مَرَّةً أخرى أنَّهُ كانَ هُناكَ تَرَقُّبٌ لمجيءِ المَسيحِ، وأنَّهُ كانَ ينبغي لهم أن يَكونوا بلا لَوْمٍ عندما يأتي إلى هُنا. وإن كانوا قد مُجِّدوا أصلاً فإنَّهم سيكونونَ بلا لَومٍ عندما يَأتي إلى هُنا. وهو يَفترِض أنَّهُم قد يكونونَ أحياءَ عندما يأتي، وأنَّهُ يجب عليهم أن يكونوا بِلا لَومٍ حينَ يَحدُثُ ذلك.
ونَقرأُ في الأصحاحِ الخامسِ والعدد 23: "وَإِلهُ السَّلاَمِ نَفْسُهُ يُقَدِّسُكُمْ بِالتَّمَامِ. وَلْتُحْفَظْ رُوحُكُمْ وَنَفْسُكُمْ وَجَسَدُكُمْ كَامِلَةً بِلاَ لَوْمٍ عِنْدَ مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيح". والطَّريقةُ الوحيدةُ الَّتي يُمكِنُ فيها لجسدِكَ أن يَكونَ بِلا لَومٍ وكاملاً عندَ مَجيئِهِ هي أن تَكونَ حَيًّا عندما يأتي إلى هُنا. وأقولُ مَرَّةً أخرى إنَّهُ يَتوقَّعُ أنَّ يسوعَ قد يأتي في فَترةِ حياتِه. وقد قالَ لتِيطُس إنَّهُ كانَ يَنتظرُ الرَّجاءَ المُبارَكَ وَظُهُورَ مَجْدِ اللهِ الْعَظِيمِ وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيح. فقد كانَ يَنتظرُ المسيحَ ويُؤمِنُ بأنَّ ذلكَ قد يَحدُثُ في فَترةِ حَياتِه. وبالرَّغمِ مِن ذلك، لاحِظوا ما سأقول: مِن جِهةٍ أخرى، كانَ يُؤمِنُ أيضًا أنَّهُ قد يَموتُ قبلَ أن يأتي المسيح. فهو يَقولُ في رسالة تسالونيكي الأولى 5: 10: "الَّذِي مَاتَ لأَجْلِنَا، حَتَّى إِذَا سَهِرْنَا أَوْ نِمْنَا نَحْيَا جَمِيعًا مَعَهُ". وهو يَتحدَّثُ بصِيغةِ الجَمعِ هُنا. فهو قد يكونُ يَقِظًا، أو قد يكونُ نائمًا عندما يأتي يَسوع. ولكن في كِلتا الحَالتَيْن، سوفَ نَحيا معهُ – في كِلتا الحَالتَيْن.
وَهُوَ يَقولُ في رسالة كورِنثوس الأولى 15: 52 إنَّنا في الاختطافِ سنَتغيَّر. وَهُوَ يَضَعُ نَفسَهُ في المَشهَد. وبالرَّغمِ مِن ذلكَ فإنَّهُ يَقولُ في رسالة فيلبِّي والأصحاحِ الأوَّل إنَّ المسيحَ ينبغي أن يَتَعَظَّمَ "فِي جَسَدِي، سَوَاءٌ كَانَ بِحَيَاةٍ أَمْ بِمَوْتٍ. لأَنَّ لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ وَالْمَوْتُ هُوَ رِبْحٌ... لِيَ اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيح". وهو يَقولُ في رسالتِهِ الثَّانية إلى تيموثاوس والأصحاحِ الرَّابع: "أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الإِيمَانَ، قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، وَوَقْتُ انْحِلاَلِي قَدْ حَضَرَ". فقد كانَ يَشعُرُ أنَّهُ سيَموت.
ولماذا أقولُ كُلَّ هذا؟ ما أقولُهُ لَكُم هو التَّالي: لقد كانَ بولسُ يُؤمِنُ أنَّ هذا قد يَحدُثُ في فَترةِ حَياتِه. وكانَ يَعيشُ في ذلكَ التَّرَقُّب. ويُمكِنُكم أن تَسمَعوا الرَّجاءَ في قَلبِه وَهُوَ يَتحدَّثُ عنَّا جميعًا في ذلكَ الحَدَث العَظيم. ولكِن مِن جِهة أخرى، كانَ يَعلَمُ أنَّ هذا قد لا يَحدُث، وأنَّهُ قد يَموت قبلَ حُدوثِ ذلك. لِذا فقد كانَ مُنفَتِحًا لكِلا الاحتِمالَيْن. وقد عاشتِ الكنيسةُ دائمًا هكذا: بتَرَقُّبٍ وتَوَقُّعٍ بأنَّ ذلكَ قد يَحدُثُ في فَترةِ حياتي. وَهُوَ يَستخدِمُ الضَّمائِرَ بصيغةِ الجَمْعِ لأنَّهُ كانَ آنذاكَ واحدًا مِنَ الأشخاصِ الأحياءِ الباقين. ولو أنَّ يسوعَ جَاءَ آنذاكَ لكانَ بولسُ في تلكَ المَجموعة. لِذا فإنَّهُ يُشارِكُ معَ مُؤمني تسالونيكي مَشاعِرَهُ القَلبيَّة المُفعَمَة بالتَّرَقُّب.
وأعتقد أنَّ هذا هو السَّببَ الَّذي جَعَلَهُم يَنتظرونَ ابنَهُ مِنَ السَّماءِ (في الأصحاحِ الأوَّل والعدد 10)، وسَبَبَ حُزنِهم. فقد كانوا مُتشوِّقينَ جدًّا لعودةِ المسيحِ بسببِ ما قالَهُ بولُس لهم. وكانوا واثِقينَ جدًّا مِن أنَّ ذلكَ يُمكِنُ أن يَحدُثَ في فَترةِ حَياتِهم؛ لِذا فقد حَزِنوا. فلو لم يَكُنِ الأمرُ كذلك، ولو لم يَكُن هذا هو دافِعُهم فإنَّ كُلَّ سِياقِ النَّصِّ لا يَعني شيئًا. فلو أنَّهم كانوا يَعتقدونَ أنَّ ذلكَ سيَحدُثُ بعدَ ألفي أو ثلاثةِ آلافِ سنة لما حَزِنوا لأنَّهُم كانوا سيَعلَمونَ أنَّهُ لا يَنبغي لهم أن يَتَرَقَّبوا ذلك. ولكنَّ بولسَ كانَ يَترقَّبُ ذلكَ. وكانت هذهِ هي حَالُهم أيضًا. إذًا، ما الَّذي يَقولُه؟ "نحنُ إِنَّنَا نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ إِلَى مَجِيءِ الرَّبِّ ["باروزيا" – "parousia"؛ أيْ عِندَ مَجيئِهِ مِن أجلِ خَاصَّتِهِ]، لاَ نَسْبِقُ...". ما مَعنى ذلك؟ أيْ أنَّنا لن نُخْطَفَ قَبلَهُم، ولن نَتقدَّمَ عليهم؛ أيْ على الرَّاقِدين. والآن، هذا هو ما كانوا يَرغبونَ في سَماعِه. فالأحياءُ على الأرضِ عندما يأتي يَسوعُ لن يَكونوا أفضلَ مِنَ الأشخاصِ الَّذينَ مَاتوا. فهذا هو المَعنى البَسيطَ الَّذي قَصَدَهُ. فالأحياءُ لن يَسبِقوا الأمواتَ؛ أيْ أنَّهُم لن يَتفوَّقوا عليهم في شَيء. وهذا يُلَخِّصُ كُلَّ أسئلتِهم. فهل سيكونونَ قِدِّيسينَ أقَلَّ شَأنًا؟ وهل سيكونونَ أرواحًا بلا أجسادٍ إلى الأبد؟ وهل سيُفَوِّتونَ الاختطاف؟ وهل سيكونونَ مُجرَّدَ أشخاصٍ ثانويِّين؟ لا! فجميعُ المؤمنينَ، الأحياءَ والأمواتَ، سيَكونونَ عندما يأتي يَسوعُ مَشمولينَ في الاختطاف. ولن يُترَكَ أحدٌ. ولا واحِد.
وهذا يَقودُنا إلى نُقطَتِهِ الثَّالثة وهي: خُطَّة الاختِطاف. وَهُوَ يَخوضُ في العَدد 16 في التَّفاصيل. وسوفَ نَتحدَّثُ عنها بسُرعة. فأوَّلُ شيءٍ يَحدُثُ بالتَّفصيلِ الشَّديد هُوَ أنَّ: "الرَّبَّ نَفْسَهُ". وأريدُ أن نَتوقَّفَ عندَ تلكَ النُّقطة. فهو ليسَ مَلاكًا، وليسَ مَجموعة مِنَ الملائكة، وليسَ شخصًا آخرَ، بل هو الرَّبُّ [بِصيغَةٍ تَوكيديَّةٍ في اللُّغةِ اليونانيَّة]: "نَفسُهُ". فهو سيأتي مِن أجلِ عَروسِهِ. فهو العَروسُ الَّذي يأتي ليأخُذ عَروسَهُ. وهذا، مَرَّةً أخرى، عَكسُ ما جاءَ في إنجيل مَرقُس 13: 26 و 27 حيثُ نَقرأُ أنَّ عَمليَّةَ جَمْعِ القِدِّيسينَ المُختارينَ تَتِمُّ مِن قِبَلِ المَلائكة. فهذا هو المَسيحُ نَفسُهُ يأتي مِن أجلِ عَروسِهِ؛ أيِ الكنيسة. وهو يَأتي شَخصيًّا (بصيغةٍ تأكيديَّة).
ثُمَّ لاحِظوا العُنصرَ الثَّاني: فَهُوَ "سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ". لماذا؟ لأنَّها مَسْكَنُهُ. فعندما صَعِدَ ذَهَبَ وجَلَسَ عن يَمينِ الآب. وفي الرِّسالةِ إلى العِبرانِيِّين والأصحاحِ الأوَّل، مِنَ الواضح جدًّا جدًّا في العددِ الثَّالثِ أنَّهُ جَلَسَ في يَمينِ العَظَمَةِ في الأعالي. ويَقولُ كاتِبُ الرِّسالةِ إلى العِبرانِيِّين إنَّهُ جَلَسَ عن يَمينِ اللهِ حيثُ عَمِلَ مِن هُناكَ على التَّشَفُّعِ فينا، والتَّشَفُّعِ لأجلِ خَطايانا إذْ عَمِلَ بصفَتِهِ رَئيسَ كَهَنة. وهو في السَّماء. فنحنُ نَقرأُ في الأصحاحِ الأوَّل والعددِ العاشِر: "وَتَنْتَظِرُوا ابْنَهُ مِنَ السَّمَاء". فهو هُناكَ، وهو يَنتظرُ أن يَنزِل. وهذا هو تَمامًا ما سيَفعلُهُ. لاحِظوا كيفَ يَفعلُ ذلك. فنحنُ نَقرأُ في العدد 16: لأَنَّ الرَّبّ نَفْسَهُ سَوفَ يَنزِلُ بـِ: "كيلوزما (Keleusma): "بِهُتَافٍ". وهي كلمة تُفيدُ إصدارَ أمْرٍ. فهي لَفظة عَسكريَّة. فكأنَّ الجُنودَ مُستريحونَ ثُمَّ يأتي الأمْرُ: "استَعِدُّوا". وقد تَرجَمَ لوثَر هذهِ الكلمة "فيلغيديشريه" (feldgeschrei) ومَعناها: "قِفُوا". فهي دَعوة إلى الكنيسة بأن تَقِف. فالكنيسةُ مُستريحة، وأجسادُ المؤمنينَ في القُبور. وسوفَ يأتي وقتٌ عندما يأتي يَسوعُ نازِلاً مِنَ السَّماءِ فيَهتُفُ في تلكَ الأجسادِ آمِرًا إيَّاها أن تَقِف. وهي تَتأهَّبُ، وتَصْطَفُّ في خَطٍّ واحدٍ، وتَقِفُ بنِظامٍ، وتَنتقلُ مِن حَالةِ الاسترخاءِ والرُّقادِ إلى حالةِ التَّأهُّبِ والاستعداد.
ونَقرأُ في المَزمور 47: 5: "صَعِدَ اللهُ بِهُتَافٍ، الرَّبُّ بِصَوْتِ الصُّور". أمَّا هُنا فيَنزِلُ بهُتافٍ وَبِصَوتِ البُوق. لِذا فإنَّ هذا هو تَحقيقُ مَا جاءَ في إنجيل يوحنَّا 5: 25. فهي نُبوءة عامَّة عنِ القِيامة. ولكن استَمِعوا إلى ما تَقولُهُ الآية يوحنَّا 5: 25 على لِسانِ يَسوع: "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ تَأتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ، حِينَ يَسْمَعُ الأَمْوَاتُ صَوْتَ ابْنِ اللهِ، وَالسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ". وأوَّلُ مَجموعة سَتَسمَعُ هي جَماعةُ المَفديِّينَ الَّذينَ تَرقُدُ أجسادُهم في القَبر. فسوفَ يَهتِفُ الصَّوتُ فتَجتمعُ الأجسادُ في هَيئةٍ مُمَجَّدَةٍ وتقومُ مِنَ القُبورِ لمُلاقاةِ الأرواحِ العائِدَة معَ اللهِ والمسيحِ إلى مَكانِ اللِّقاءِ ذاك. ثُمَّ لاحِظوا ما يَقولُ بعدَ ذلك: "لأَنَّ الرَّبّ نَفْسَهُ سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ [أو رَئيسِ المَلائِكَة]". ولكِن لا توجد أداةُ تَعريفٍ هُنا. لِذا فإنَّها حَرفيًّا: "رَئيسِ مَلائِكَة". وهذه في الحقيقة عِبارة فَريدة إذْ إنَّها تَرِدُ فقط هُنا وفي رسالة يَهوذا والعَدد 9. وفي رسالة يَهوذا والعَدد 9، يُعَرَّفُ رَئيسُ المَلائكةِ بأنَّهُ مِيخائل. ورُبَّما كانَ هُوَ رَئيسُ المَلائكةِ الوَحيد. فقد كانَ اليهودُ يُؤمنونَ بأنَّ هُناكَ سَبعة رُؤساء مَلائكة تَنتهي أسماؤُهم باللَّفظة "...ئيل" وهي لَفظة تُشيرُ إلى اللهِ في اللُّغةِ العِبريَّة. ولكنَّنا لا نَعرِفُ ذلكَ يَقينًا. فقد كانَ ذلكَ الكَلامُ تَقليدًا: جِبرائيل، وميخائيل، وأريئيل وآخرون. ولكنَّ كُلَّ الَّذي نَعرِفُهُ هو أنَّهُ يوجدُ رَئيسُ مَلائكة هُنا. ومِنَ المُرَجَّحِ أن يكونَ ميخائيل لأنَّهُ في سِفْر دانيال والأصحاح 12 عندما حانَ وقتُ القيامةِ، يَتحدَّثُ دانيال عنهُ في مَعرِضِ حَديثِهِ عن إسرائيل إذْ نَجِدُ أنَّ ميخائيل مَوجودٌ هُناكَ عندَ قيامةِ إسرائيل. لِذا مِنَ المُرَجَّحِ أن يكونَ ميخائيل هو رَئيسُ المُلائكةِ المُرتبط بهذا الحَدثِ العَظيم. وعندما يَنزِلُ يَسوعُ ويأمُرُ بالقيامة فإنَّ ميخائيل سيكونُ هُناكَ أيضًا بأمرِ الرَّبّ. وسيكونُ ذلكَ مَصحوبًا أيضًا ببوقِ الله.
وما مَعنى ذلك؟ إنَّ الأبواقَ مَذكورة في كُلِّ الكتابِ المقدَّس ولها مَعانٍ مُختلفة. ولكنَّنا نَعرفُ أنَّهُ سيكونُ هُناكَ بُوقٌ عندَ الاختطاف. فنحنُ نَقرأُ في رسالة كورنثوس الأولى 15: 52: "فَإِنَّهُ سَيُبَوَّقُ، فَيُقَامُ الأَمْوَاتُ [في المَسيح]". فهو بُوقُ الله. لِذا، هُناكَ بُوقٌ عندَ الاخِتطاف. وقد كانتِ الأبواقُ تُستخدَمُ في إسرائيل في كُلِّ المُناسبات. فقد كانت تُستخدَمُ في الأعيادِ، والاحتفالاتِ، والدَّعَواتِ، والدَّينونات. وكانت تُستخدَمُ في الانتصارات، وكانت تُستخدَمُ في أيِّ وقتٍ يُريدُ فيهِ أيُّ شَخصٍ أن يَدعو النَّاسَ إلى الاجتماعِ لكي يَقولَ شَيئًا لهُم في الإعلاناتِ أوِ البَلاغاتِ العامَّة.
ولكِن في سِفْر الخُروج 19: 16-19، تَمَّ التَّبويقُ بالبُوقِ لدعوةِ الشَّعبِ إلى الاجتماعِ خارجَ المَحَلَّة لِلِقاءِ الله. فقد كانَ بُوقُ الاجتماعِ الَّذي دَعاهُم إلى الخُروجِ مِنَ المَحَلَّة لِلِقاءِ الله. وأعتقدُ أنَّ هذا البُوقَ هو بُوقُ الاجتماع. ففي سِفْر صَفَنْيا 1: 16 وسِفْر زَكريَّا 9: 14، نَقرأُ أنَّ البُوقَ استُخدِمَ للإشارةِ إلى مَجيءِ الرَّبِّ لإنقاذِ شَعبِهِ مِنَ الاضطِهادِ الشرِّير. فقد كانَ بُوقُ الخَلاص. وأعتقدُ أنَّ البُوقَ في ذلكَ اليوم هو بُوقُ اجتماعٍ وبُوقُ خَلاص. فأنا أعتقدُ أنَّهُ عندما يُنْفَخُ بالبُوقِ فإنَّهُ سيكونُ دَعوةً إلى جَمْعِ القِدِّيسينَ الَّذينَ دُعُوا إلى الخُروجِ مِنَ القُبورِ إلى الحَياةِ معَ القِدِّيسينَ الأحياء. وهو أيضًا يَدعوهم إلى الخُروجِ لإنقاذِهم مِن مُضطَهِديهم مِنَ البَشَرِ والشَّياطين. وهناكَ أبواقٌ كثيرة أخرى مُرتبطة بالأزمنةِ الأخيرة وهي أبواقُ دَينونة؛ وهي مَذكورة بصورة خاصَّة في سِفْر الرُّؤيا والأصحاحات مِن 8 إلى 11.
ثُمَّ نَقرأُ في العدد 16: "لأَنَّ الرَّبّ نَفْسَهُ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ، سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ [ليسَ أخيرًا، بل ماذا؟] أَوَّلاً". وقد يَقولُ قائِل: "هذا لأنَّهُ يَنبغي لَهُم أن يَخرُجوا مِن ذلكَ القبرِ الَّذي عُمقُهُ مِتران". ولكنِّي أعتقدُ أنَّ هذا التَّفسيرَ ضَحْل. فالنُّقطةُ الَّتي يُحاولُ بولسُ أن يُبَيِّنَها هُنا هي أنَّهم لن يَتأخَّروا عنِ البقيَّة. فَهُم ليسوا مُواطِنينَ مِنَ الدَّرجةِ الثَّانية – البتَّة. بلِ الحقيقة هي أنَّ أحبَّاءَكُم الَّذينَ رَقَدُوا سيَقومونَ أوَّلاً. وهذا حَقٌّ عَظيمٌ وشيءٌ مُشَجِّعٌ. فالأمواتُ في المَسيح سيَقومُونَ أوَّلاً. وأنا أُحِبُّ العِبارة "الأموات في المَسيح". فإن كُنتَ يومًا في المسيح فإنَّكَ ستبقى دائمًا في المسيح سواءَ كُنتَ حَيًّا أو مَيِّتًا. وعندما تَموتُ ويَذهبُ جَسَدُكَ إلى القبر فإنَّ ذلكَ الجَسدَ يَرقُدُ في المسيح. فهو يَنتمي إليه. فهو مِلْكٌ شَخصيٌّ وأبديٌّ لَهُ. وهو سَيَطلُبُهُ مِنَ التُّرابِ الَّذي وُضِعَ فيه. وبولُس يَقولُ في رسالة رُومية والأصحاح الثَّامن إنَّهُ لا مَوتَ ولا حَياةَ ولا أيَّ شيءٍ آخرَ يَقدِرُ أن يَفصلَنا عن مَحبَّةِ اللهِ الَّتي في المَسيحِ يَسوع. فالموتُ لا يَستطيعُ أن يَفعلَ ذلك. فأنتُم تَعيشونَ في المَسيح، وتَموتونَ في المَسيح. وحتَّى عندما تَموتونَ في المَسيح فإنَّكُم تَبْقَوْنَ في المَسيح وسوفَ تَحْيَوْنَ مَرَّةً أخرى في المَسيح. ورسالة كورنثوس الأولى 15: 23 تُسَمِّي المُقامينَ مِنَ الأمواتِ "الَّذينَ للمَسيح". وهذه هي النُّقطةُ الجَوهريَّة في النَّصّ.
لِذا فإنَّ المُؤمنينَ الأمواتَ يَقومونَ أوَّلاً. ويا لهُ مِن رَجاءٍ مُبارَك! ويا لها مِن بُشرَى! فسوفَ يكونُ هُناكَ لَمُّ شَمْل. فتلكَ الزَّوجةُ الحَبيبة، وذلكَ الزَّوجُ الحَبيب، وذلكَ الابنُ الحَبيب أوِ الابنةُ الحَبيبة، وذلكَ الصَّديق العَزيز، وذلك الرَّاعي العَزيز، وذلك الجار العَزيز الَّذي كانَ يَعني الكثيرَ في حياتي وماتَ في حين أنَّني عِشتُ إلى وقتِ الاختطاف، أي إلى وقتِ ذلكَ الحَدث العَظيم، فإنَّهُم لن يُفَوِّتوه. والحقيقةُ هي أنَّهُم سيَقومونَ أوَّلاً. وسوفَ يكونُ هُناكَ لَمُّ شَمْل. وما سَيَقومُ مِن ذلكَ القَبر هو جَسَدٌ مُمَجَّدٌ يَلتقي برُوحٍ مُمَجَّد ليصيرَ ذلكَ الشَّخصَ الأبديَّ على صُورةِ المسيح. فَهُم سيَصيرونَ مِثلَهُ لأنَّهُم سيَرونَهُ كما هُوَ. ثُمَّ نَقرأُ في العدد 17: "ثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ" – فالأشخاصُ الأحياءُ الباقونَ؛ أيِ الَّذينَ سيَكونونَ على قَيْدِ الحَياة، أيِ المُؤمِنينَ الأحياء. وهو يَستخدِمُ مَرَّةً أخرى الكلمة "نَحنُ" لأنَّهُ يُؤمِنُ بأنَّهُ قد يكونُ جُزءًا مِن تلكَ المجموعة. "ثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعًا مَعَهُمْ فِي السُّحُبِ". فسوفَ نُخطَفُ بواسطةِ تلكَ القوَّةِ الَّتي لا تُقاوَم ونُنزَعُ مِن هذا العالَم. والكلمة "نُخطَفُ" مُستخدَمَة على سبيلِ المثال في إنجيل مَتَّى 11: 12 للإشارة إلى أنَّ المَلكوتَ يُؤخَذُ عَنْوَةً. وهي تُستخدَمُ في إنجيل يوحنَّا 10: 12 للتحدُّثِ عنِ الذِّئابِ الَّتي تَخطَفُ الذِّئابَ. وهي تُستخدَمُ في إنجيل يوحنَّا 10: 28 و 29 عندما يَقولُ يَسوعُ: "وَلاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْطَفَ مِنْ يَدِ أَبِي" إشارةً إلى فِعلٍ عَنيف. وهي تُستخدَمُ في رسالة كورنثوس الثَّانية 12: 2 و 4 للتحدُّثِ عنِ اختِطافِ بولُس إلى السَّماء الثَّالثة. وفي سِفْرِ أعمالِ الرُّسُل 8: 39، اختُطِفَ فيلُبُّس. فهل تَذكرونَ أنَّهُ اختُطِفَ ولم يَعُدِ الخَصِيُّ يُبْصِرَهُ لأنَّ رُوحَ اللهِ نَقَلَهُ بطريقةٍ خارقةٍ للطَّبيعة؟ فهو اختِطافٌ. ففي تلكَ اللَّحظةِ سيَحدُثُ انتقالٌ. فنحنُ الأحياءُ الباقونَ هُنا سنُخطَفُ فجأةً في لَحظةٍ، في طَرفةِ عَين.
وإذْ نُخطَفُ فإنَّنا سنَتغيَّرُ حالاً. ويُمكِنُنا أن نَقرأَ وَصفًا لذلكَ في رسالة فيلبِّي 3: 21: "الَّذِي سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ، بِحَسَبِ عَمَلِ اسْتِطَاعَتِهِ". ففي لَحظةٍ سنتغيَّر إلى أجسادٍ مُمجَّدةٍ مِثلَ جَسَدِ المَسيحِ المُقام. فسوفَ نُخطَفُ مِن قَبضةِ الشَّيطان، ونُخطَفُ مِنَ العالَمِ السَّاقِطِ، وَمِنَ الفَسادِ والجسدِ الفاسِدِ، ونُخطَفُ مِنَ القَبر، ونُخطَفُ مِن غَضَبِ اللهِ الآتي. فهي عَمليَّةُ إنقاذ. "مَعَهُم" – ما المقصودُ بذلك؟ أي أنَّنا جَميعًا سنكونُ هُناك. فَجَميعُ المؤمنينَ سيكونونَ حاضِرين. وجَميعُ المؤمنينَ سيكونونَ هُناك. فسوفَ نَشترِكُ جَميعًا في ذلك الاجتماع معًا. فالكنيسةُ المُنتصرةُ ستَنضمُّ إلى الكنيسةِ المُجاهِدَةِ لِتَصيرا معًا الكنيسةَ المُمَجَّدَة.
وبأيِّ اتِّجاهٍ سنَذهب عندَ اختِطافِنا؟ "سَنُخْطَفُ جَمِيعًا مَعَهُمْ فِي السُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ الرَّبِّ فِي الْهَوَاء". ولا بُدَّ أنَّنا سنَذهبُ إلى هُناكَ بسُرعة لأنَّهُ مَن هو رَئيسُ سُلطانِ الهَواء؟ الشَّيطان. فنحنُ سنُخطَفُ مِنَ القُبور. وسوفَ نُخطَفُ مِن هذا العالَمِ السَّاقِط. وسوفَ نَطيرُ حَرفيًّا بسُرعةٍ تَفوقُ حَرفيًّا سُرعَةَ الصَّاروخِ إذْ إنَّنا سنَمضي بسُرعةِ الضَّوْء في الهواء. ولا شَكَّ في أنَّهُ ستكونُ هُناكَ مُحاولة مِنَ الشَّيطانِ وأعوانِهِ الَّذينَ يُسَيطِرونَ على الهَواءِ لإيقافِ هذا الشَّيءِ الَّذي لا يُمكِنُ إيقافُه. وسوفَ تَكونُ حَرَكَتُنا إلى أعلى باتِّجاهِ السَّماء. "وَهكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ". فالسُّحُبُ تُقرَنُ غالبًا بالظُّهوراتِ الإلهيَّة. ومَجدُ اللهِ يُوصَفُ غالبًا بأنَّهُ سَحابَةُ مَجد أو نُور الشَّكينة. واللهُ يُقرَنُ عادةً بالسُّحُب. فعندما نَزَلَ اللهُ على جَبلِ سيناء في سِفْر الخروج والأصحاح 19، كانت هُناكَ سُحُب. وعندما نَزلَ اللهُ على خَيمةِ الاجتماعِ حَلَّتْ عليها سَحابة. وعندما نَزَلَ على الهيكلِ حَلَّت عليهِ سَحابة. وفي حادثةِ التَّجَلِّي، يَتحدَّثُ الكتابُ المقدَّسُ عن ظُهورِ سُحُبٍ هُناكَ، ثُمَّ إنَّ سَحابةَ مَجدِ يَسوعَ سَطَعَت مِن خِلالِها. فسَحابةُ المَجدِ تَتداخَل مَرَّةً أخرى معَ السُّحُب. وعندَ الصُّعودِ، اختَفى يَسوعُ عن أعيُنِهم بينَ السُّحُب. ولا شَكَّ في أنَّ السُّحُبَ الماديَّةَ تَختَلِطُ بمَجدِ حُضورِ المسيحِ ومَجدِ حُضورِ القِدِّيسينَ المُمَجَّدين. وسوفَ نَلتقي الرَّبَّ في الهواء.
والكلمة "لِمُلاقاةِ" هُنا هي كلمة رائعة وبَديعَة. وهي تُستخدَمُ غالبًا للإشارةِ إلى لِقاءِ شخصٍ بَارِزٍ أو مَلِكٍ أو شخصٍ مَشهورٍ يَندفعُ النَّاسُ إلى مُلاقاتِه. وقد تَمادَى عَددٌ مِنَ الشُّرَّاحِ كثيرًا في تَفسيرِ هذه الكلمة. فهُناكَ مَن يَقولُ إنَّ تلكَ الكلمة كانت تُستخدَمُ لوصفِ مَلِكٍ يَعودُ إلى مَدينتِه، أو لِوَصفِ حَاكِمٍ يَعودُ إلى مَدينتِه بِصِفَتِهِ بَطلاً مُنتصرًا. وعندما يَراهُ سُكَّانُ المَدينةِ قادِمًا مِن بَعيد فإنَّهُم يَركضونَ إليهِ ويَصحَبونَهُ في المَسافةِ الأخيرة. وفي العُرس، يُرافِقُ النَّاسُ العَروسَ أوِ العَريسَ إلى العُرس. وفي حالِ وُجودِ زائرٍ للمدينة (كما جاءَ في سِفْر أعمال الرُّسُل والأصحاح 28)، نَرى أنَّ هُناكَ أشخاصًا يَخرُجونَ إلى الطَّريقِ لمُرافقةِ ذلكَ الزَّائرِ إلى المَدينة. وقد أخذَ عَددٌ مِنَ الشُّراحِ ذلكَ وقالوا: إنَّ ما يَحدُثُ هنا هو أنَّنا سنَخرُجُ لمُلاقاةِ الرَّبِّ في الهَواءِ ثُمَّ نَعودُ إلى الأرضِ مِن أجلِ المَلكوت. وهذا الرَّأيُ يُنادي بحدوثِ الاختِطافِ بعدَ الضِّيقةِ العَظيمة. فنحنُ نَلتقي في الهَواء ثُمَّ نَعودُ أَدراجَنا ونُؤسِّس المَلكوت.
ولكنَّ هذا التَّفسيرَ اعتِباطِيٌّ لأنَّ مَعنى تلكَ الكلمة لا يَقتَصِرُ على ذلك، بل إنَّ كُلَّ ما تَعنيه هو أنَّنا سنُلاقي الرَّبَّ. فهي لا تَعني أنَّنا سنُلاقيهِ في مَكانٍ مَا ونَنزِل إلى هُنا. والحقيقةُ هي: ما الغايةُ مِنَ الذَّهابِ إلى أعلى في الهواءِ إن كُنَّا سنعودُ إلى هُنا؟ فيُمكنُنا أن نَنتظرَ هُنا إلى أن يأتي هُوَ. فنحنُ لن نَصعَدَ ونَهبِط، بل إنَّنا سنَصعَدُ ونَصعَد. فما المُبَرِّرُ لمُلاقاتِهِ في الهَواءِ إن كُنَّا سنَعود؟ وما الَّذي يَقولُهُ يسوعُ في إنجيل يوحنَّا والأصحاح 14؟ "وَإِنْ مَضَيْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ مَكَانًا آتِي أَيْضًا وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ، حَتَّى حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا". فإن كُنَّا سنَنزِل يَنبغي أن تَكونَ الآية هكذا: "حيثُ تَكونونَ أنتُم أكونُ أنا أيضًا". ولكنَّهُ لن يأتي إلى حيثُ نَحنُ يا أصدقائي، بل إنَّنا سيُنقِذُنا ويأخُذُنا إلى حيثُ هُوَ. وذلكَ هو بيتُ الآب. فهو يُهَيِّئُهُ لنا مُنذُ ألفيِّ سنة. ويُمكنُني أن أتخيَّلَ أنَّها ستكونُ رِحلة رائعة إلى هُناك. والطَّريقةُ الأفضلُ لرؤيةِ الصُّورةِ هي أنَّ المَلِكَ يَسوعَ سيأتي؛ ولكنَّهُ لن يأتِ إلى أرضٍ تُرَحِّبُ بِه، بل سيأتي إلى أرضٍ ليست مُستعدَّةً لاستقبالِهِ البتَّة. فسوفَ يأتي إلى أرضٍ مُعادِيَةٍ تَخضَعُ لهَيمنةِ الشَّيطانِ الخَصم. وهو سيأتي ليَخطَفَ شَعبَهُ مِنها؛ أي لِيُنقِذَ شَعبَهُ ويأخُذُهم إلى مَكانٍ آمِنٍ في بيتِ الآب. وهو سيَأتي لاحقًا ويأخُذُ الأرضَ عُنوةً.
وحالما نَصِلُ إلى السَّماءَ (كما يَقولُ العدد 17) فإنَّنا سنَبقى كُلَّ حِين معَ الرَّبّ. كُلَّ حِين... كُلَّ حِين... كُلَّ حِين. فنحنُ لن نَنفصلَ عنهُ مَرَّةً أخرى، بل سنكونُ كُلَّ حين في حَضرتِه. لماذا؟ لأنَّهُ طَهَّرَ لنفسِهِ شَعبًا خَاصًّا يَبقى لَهُ إلى الأبد (كما جاءَ في الرِّسالة إلى تِيطُس 2: 14). بعدَ أن تَحدَّثنا عنِ الأُسُسِ، والمُشاركينَ، وخُطَّةُ الاختِطافِ، نأتي أخيرًا إلى الفائدة مِنه. فما هي الفائدة مِن هذا؟
نَقرأُ في العدد 18: "لِذلِكَ [افعلوا ماذا؟] عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِهذَا الْكَلاَم". فهو لا يَقول: "لِذلكَ، أرجو أن تَرسُموا جَدولاً كبيرًا بالأحداثِ المُستقبليَّة". لا، بل يَقولُ وَحَسْب: "عَزُّوا بَعضُكم بعضًا. فهذا مَقطَعٌ مُعَزٍّ يا أصدقائي؛ تَمامًا على غِرار يوحنَّا 14. فالاختِطافُ يَبدو دائمًا مُحاطًا بالسِّرِّيَّة لأنَّهُ يُرَى دائمًا مِن وُجهةِ النَّظرِ الرَّاعَويَّة بأنَّهُ العَزاءُ العَظيمُ للمُؤمِنِ بأنَّ يسوعَ آتٍ مِن أجلِ خَاصَّتِه. لِذا لا تَقلقوا على الأشخاصِ الَّذينَ يَموتونَ، ولا تَقلقوا على الأشخاصِ الأحياء. فسوفَ نَكونُ جَميعًا هُناكَ حينَ يأتي. فإلَهُ كُلِّ تَعزية سيُرسِل المَسيح. لِذا فإنَّنا نَتَعَزَّى. فَلا حَاجةَ إلى أن نَحزَن، ولا حاجةَ إلى أن نَغْتَمَّ.
إذًا ما الَّذي يَحدُثُ للمؤمنينَ الَّذينَ يَموتونَ قبلَ أن يَأتي يسوعُ إلى هُنا؟ سوفَ يَقومونَ أوَّلاً. وسوفَ يَكونونَ هُناكَ عندما نَجتَمِعُ معًا حينَ يَخْطَفُنا مِن هذا العالَمِ المُعادي ليأخُذَنا إلى المكانِ الَّذي صَرَفَ ألفي سنة حتَّى الآنَ في إعدادِهِ لنا. هذا هو رَجاؤُنا العَظيم. لِذا، كما قُلتُ في المَرَّة السَّابقة: إنَّ المؤمنينَ لا يُوَدِّعونَ بَعضُهُم بَعضًا وَداعًا أخيرًا. دَعونا نَحني رؤوسَنا معا حتَّى نُصَلِّي:
المَوتُ شيءٌ مُرعِبٌ، يا أبانا، عندما يَكونُ مُحاطًا بالجَهل. وهو شيءٌ مُرعبٌ عندما لا يكونُ هناكَ إيمان، وعندما لا تكونُ هُناكَ كلمة مِنك. ونحنُ نَحزَن لأجلِ الأشخاصِ الَّذينَ يَعيشونَ في عالَمِنا بلا رَجاء، والَّذين يَعيشونَ في خَوفٍ ويَأسٍ مِنَ الفُراقِ الدَّائمِ بلا أيِّ رَجاء. وعلى النَّقيضِ مِن ذلك، ها نحنُ المؤمنينَ مُفعَمونَ بالرَّجاءِ في لَمِّ الشَّملِ المَجيدِ في ذلكَ اليوم عندما يأتي يَسوعُ فيَجتَمِعُ كُلُّ الأشخاصِ الَّذينَ يُشَكِّلونَ عَروسَهُ معًا لمُلاقاتِهِ في الهَواءِ لكي يأخُذنا إلى بيتِ الآب. يا أبانا، نَشكُرُكَ على ذلكَ الرَّجاء العَظيم. وليتَ ذلكَ الرَّجاء يَلتَهِب في قُلوبِ جَميعِ الحاضِرينَ هُنا. وإن كانَ هُناكَ أشخاصٌ أحبَّاء ليسَ لَهُم ذلكَ الرَّجاء، بل يَعيشونَ في خَوفٍ مِنَ الموتِ، ومُستَعبدينَ لذلكَ الخوف، ليتَ هذا اليومَ يكونُ اليومَ الَّذي يَرَوْنَ فيه يَسوعَ المسيحَ رَبًّا ومُخَلِّصًا، ويَلتَفِتونَ إليهِ كي يَغفِرَ خَطاياهُم ويُعطيهم رَجاءً بالحياةِ الأبديَّةِ وتَرَقُّبًا لمَجيئِهِ المُبارَك. يا أبانا، نحنُ نَصرُخُ مِن أعماقِ قُلوبنا كما فَعَلَ يُوحنَّا قائلينَ: "آمين تَعالَ أيُّها الرَّبُّ يَسوع". وكما فَعَلَ بولُس: "مَارَانْ أَثَا - يا رَبَّنا تَعال". ولكن هُناك مَرارة لأنَّ كثيرينَ جدًّا لا يَعرفونَ مَسيحَنا. لِذا، ليتَهُ يَكونُ اليومَ الَّذي يَقبلوهُ فيه. وليتَهُ يَكونُ اليومَ الَّذي تَتَعَزَّى فيهِ قُلوبُ الأشخاصِ الَّذينَ فَقَدوا أحبَّاءَ لَهُم فُقدانًا مُؤقَّتًا إذْ إنَّهُم راقِدونَ ومُستريحونَ إلى أن يأتيهم الأمرُ بأن يَستعدُوا. وليتَنا نَرجو ذلكَ اليومَ المَجيدَ ونَعيشَ في ضَوْءِ هذا الرجاء بفرحٍ وشُكر. نَطلُبُ هذا كُلَّهُ باسمِ يَسوع. آمين!

This article is also available and sold as a booklet.