
في هذا الصَّباح، نَعودُ إلى دراستِنا للرِّسالةِ الأولى إلى أهلِ تسالونيكي. وأودُّ أن أُشَجِّعَكُم على أن تَفتحوا كِتابَكُم المُقدَّسَ مِن فَضلِكُم على الأصحاحِ الخامِس. الرِّسالة الأولى إلى أهلِ تسالونيكي والأصحاح الخامِس. وسوفَ نَبتدئُ الآنَ بدراسةِ الأصحاحِ الأخيرِ مِن هذهِ الرِّسالة الرَّائعةِ الَّتي بارَكَت قُلوبَنا جدًّا وشَجَّعتها طَوالَ شُهورٍ عَديدة. وإذْ نأتي إلى الأصحاحِ الخامِس، سنتأمَّلُ في هذا الصَّباحِ في الآياتِ الثَّلاثِ الأولى. واسمَحوا لي أن أقرأَها على مَسامِعِكُم: "وَأَمَّا الأَزْمِنَةُ وَالأَوْقَاتُ فَلاَ حَاجَةَ لَكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا، لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بِالتَّحْقِيقِ أَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ هكَذَا يَجِيءُ. لأَنَّهُ حِينَمَا يَقُولُونَ: «سَلاَمٌ وَأَمَانٌ»، حِينَئِذٍ يُفَاجِئُهُمْ هَلاَكٌ بَغْتَةً، كَالْمَخَاضِ لِلْحُبْلَى، فَلاَ يَنْجُونَ". إنَّ إحدى الحقائقِ المُرعبةِ أكثر مِن غيرِها في كُلِّ الكتابِ المقدَّسِ تَختصُّ بالحَدثِ الَّذي يُسَمَّى في العددِ الثَّاني بيومِ الرَّبّ. وهذه التَّسمية هي لَفظة اصطلاحيَّة في الكتابِ المقدَّس لوصفِ اليومِ الَّذي سيَعودُ يسوعُ فيهِ لِسَكبِ سَخَطِ وغَضَبِ اللهِ المُرعِبِ على كُلِّ الخُطاةِ في العالَم. فهو يَومُ هَلاك، ويَومُ دَمار، ويومُ حِسابٍ، ويَومُ دَينونة.
ويُذَكِّرُنا بولُسُ هُنا بهذا اليومِ البارِزِ والمُهمِّ والحاسِمِ والمَصيريِّ الَّذي سيأتي على التَّاريخِ البشريّ. وبصراحة، ليسَ مِنَ المُحَبَّب البَتَّة أن يَتحدَّثَ المَرءُ عن سَخَطِ الله. وليسَ مِنَ المُحَبَّب البَتَّة أن يَتحدَّثَ المَرءُ عن غَضَبِ اللهِ ونَقمَتِه. والحقيقة هي أنَّكُم نادرًا ما تَسمَعونَ عِظَةً عن يومِ الرَّبِّ أو اليومِ الَّذي سيَعودُ فيهِ يَسوعُ لإدانةِ الأشخاصِ الَّذينَ رَفضوه. فيجب أن يكونَ كُلُّ شيءٍ في وقتِنا الحاضِرِ إيجابيًّا، ومُشَجِّعًا، ومُعَزِّيًا. وقِلَّةٌ مِنَ الوُعَّاظِ هُمُ الَّذينَ يَرغبونَ حَقًّا في التَّحدُّثِ عن هذا الموضوعِ تَحديدًا. فنادرًا ما يَعِظُ شخصٌ عن نَقمةِ الله.
ولكنَّ إهمالَكَ لهذا الحَقِّ المُهمِّ يَعني أنَّكَ لستَ أمينًا في التَّعليمِ والوَعظِ بِكُلِّ مَشورةِ الله. والكتابُ المقدَّسُ، بِعَهدَيهِ القديمِ والجَديد، يَزخُرُ مِن مُقدِّمَتِهِ إلى نِهايتِهِ بالتَّحذيراتِ مِن دَينونةِ اللهِ، وما سَيَحِلُّ بغيرِ المُؤمِنينَ مِن عِقابٍ أبديٍّ، وهَلاكٍ، وقَصاصٍ، وتأديبٍ، وسَخَطٍ، وغَضَبٍ، ونَقمَة. والحقيقةُ هي أنَّ الأنبياءَ قَالوا الكثيرَ عن ذلك، وأنَّ الرُّسُلَ قَالوا الكثيرَ عنهُ. ولكنَّ الشَّخصَ الَّذي تَحدَّثَ عن ذلكَ أكثرَ مِن هؤلاءِ هو يَسوعُ نَفسُه. لِذا، يُمكِنُنا أن نَجِدَ في الأنبياءِ والرُّسُل وحَتَّى في رَبِّنا يَسوعَ نَماذِجَ تُحتَذى يَنبغي لجميعِ الوُعَّاظِ الحقيقيِّينَ أن يَحتذوا بها مِن جِهَةِ تَحذيرِ النَّاسِ مِن يَومِ الرَّبّ.
والآن إذْ نَأتي إلى هذا النَّصِّ، لَعَلَّكُم تَذكرونَ أنَّ بولسَ كانَ قد أَكْمَلَ شَرْحَ اختِطافِ الكنيسة. ففي الأصحاحِ الرَّابعِ والأعداد 13-18 وَصَفَ طَبيعةَ وسِمَةَ اختِطافِ الكنيسةِ؛ أيِ لِقائنا بالربِّ يسوعَ في الهَواءِ وذَهابِنا إلى السَّماءِ لكي نَسكُنَ في الأماكِنِ الَّتي يُعِدُّها لَنا هُناك. لِذا فإنَّ الأصحاحَ الرَّابعَ يَنتهي بالجُملة: "لِذلِكَ عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِهذَا الْكَلاَم". فهناكَ تَعزية عظيمة، وفَرَحٌ عَظيم، ورَجاءٌ عَظيم، وثِقَةٌ عظيمة، ويَقينٌ وتأكيدٌ عَظيمَيْنِ بتَرَقُّبِ الاختطافِ عندما يأتي الرَّبُّ يَسوعُ ويَخطَفُنا مِن هذهِ الأرضِ إلى السَّماءِ لكي نَسكُنَ مَعَهُ في بيتِ الآب. وبعدَ التَّحدُّثِ عنِ الحدثِ المُبارَكِ لاختطافِ الكنيسةِ لنكونَ معَ الرَّبِّ، يَنتقلُ بولسُ الآنَ إلى حَدَثٍ مُريعٍ يَلي ذلك: هَلاك الأشرار. فكُلُّ الأشخاصِ الذينِ يَعيشونَ على الأرضِ ورَفَضوا المسيحَ واللهَ سيَختبرونَ سَخَطَ اللهِ في يومِ الرَّبّ.
وكما قُلنا في الأصحاحِ الرَّابعِ فإنَّ قَصدَ بولسَ هُنا هوَ ليسَ أن يُقَدِّمَ شَرحًا لاهوتيًّا بخصوصِ الأمورِ الأخيرةِ، بل أن يَتحدَّثَ رَاعَويًّا. فَمِنَ الواضحِ أنَّ المُؤمِنينَ في تسالونيكي كانوا مُضطربينَ بسببِ تلكَ المسائل. وأوَّلُ شيءٍ كانوا مضطربينَ بشأنِهِ هو أنَّهم كانوا يُفكِّرونَ في أنَّ يَسوعَ سيأتي ويَخطَفَهُم في أثناءِ حَياتِهم. فقد ظَنُّوا أنَّ الاختطافَ سيَحدُثُ في فَترةِ حَياتِهم. ولكنَّ عَددًا مِنَ المُؤمِنينَ مَاتوا دُونَ أن يأتي يَسوع! لِذا فإنَّ سُؤالَهُم هو: ما الَّذي سيَحدُثُ للمؤمنينَ الَّذينَ يَموتونَ؟ هل سَيُفَوِّتونَ الاختِطاف؟ لِذا فإنَّ بولسَ يَكتُبُ، كما قُلنا في الأصحاحِ الرَّابع، ويقول: لا! فالأمواتُ في المسيحِ سيَقومونَ أوَّلاً، ثُمَّ إنَّنا سَنَنضَمُّ إليهم. لِذا، سوفَ نَكونُ جَميعُنا هُناك. لا تَقلقوا على الأشخاصِ الَّذينَ يَموتون، بل تَعَزَّوْا بهذا الحَقّ. ولكنَّهم كانوا يَتساءَلونَ أيضًا في أذهانِهم عن مَوعِدِ النِّهاية. فمتى سيَحدُثُ هذا الاختِطافُ؟ ومَتى سيأتي يومُ الرَّبِّ حيثُ يَسكُبُ اللهُ غَضَبَهُ على كُلِّ الأرض؟ وبالمُناسبة، لقد كانوا يَعرفونَ عن يَومِ الرَّبّ. ففي الرِّسالة الثَّانية إلى أهلِ تسالونيكي 2: 5 يَقولُ بولُس: "أَمَا تَذْكُرُونَ أَنِّي وَأَنَا بَعْدُ عِنْدَكُمْ، كُنْتُ أَقُولُ لَكُمْ هذَا؟" لِذا، كانت توجدُ لديهم مَعلوماتٌ عن يومِ الرَّبّ. والآن، صارَت لديهم مَعلوماتٌ عنِ الاختطاف. فالكنيسةُ ستُختَطَف. وقد صَاروا يَعلَمونَ أنَّ العالَمَ سيَشعُر بغضبِ نَقمةِ اللهِ النِّهائيَّة في تلكَ الدَّينونةِ الشَّديدةِ العَارِمَةِ الَّتي لم يَشهَد العالَمُ مَثلاً لها أو حَتَّى يَتَخَيَّلها. فقد كانوا يَعلَمونَ أنَّ ذلكَ سيَحدُث؛ ولكنَّ سُؤالَهُم كانَ: مَتى سيَحدُث ذلك؟
لِذا فإنَّ بولسَ يَقولُ في العددِ الأوَّل: "وَأَمَّا الأَزْمِنَةُ وَالأَوْقَاتُ...". فأوَّلاً، كانوا يتساءلونَ عنِ المؤمنينَ الَّذي مَاتوا. والآن، حيثُ إنَّ النَّاسَ يَموتونَ، كانَ سُؤالُهم هوَ: مَتى سيَحدُث ذلك؟ كَم سنَنتظِر إلى أن يَحدُث هذا؟ هل سيَحدُث هذا أَم أنَّهُ لن يَحدُث في فَترة حَياتِنا؟ لِذا فإنَّ بولسَ يَرغبُ في الإجابةِ عنِ الأسئلةِ الَّتي لا شَكَّ في أنَّهُم طَرحوها على تيموثاوس الَّذي كانَ قد زَارَهُم إذْ نَقرأُ في الأصحاحِ الثَّالثِ والعددِ السَّادسِ أنَّهُ عادَ إلى بولُس وأخبرَ بولسَ بالأشياءِ الَّتي تُقلِقُهم. لِذا فإنَّهُ يُريدُ أن يَتحدَّثَ عن يومِ الرَّبِّ رَدًّا على تَساؤلاتِهم. لِذا، يُمكننا أن نَقولَ إنَّهُ يَنتقلُ مِنَ التَّعليمِ عنِ الاختِطافِ [الَّذي سَتُؤخَذُ فيهِ الكنيسةُ مِنَ العالَمِ إلى السَّماءِ] ويتحدَّثُ عن يومِ الرَّبِّ الَّذي يُشيرُ إلى أنَّ دَينونةَ اللهِ ستَحِلُّ على غيرِ المُؤمِنينَ في العالَم. وكانَ حَديثُهُ عنِ الاختطافِ يَرمي إلى تَشجيعِ المؤمنينَ وتَعزيتِهم. وأرجو أن تُلاحظوا في العدد 11 مِن فَضلِكُم أنَّ حَديثَهُ عن يومِ الرَّبِّ يَرمي أيضًا إلى تَشجيعِ المؤمنينَ وبُنيانِهم. لِذا فإنَّ قَصدَهُ رَاعَوِيٌّ. فهو يُريدُ أن يَكونَ لهذهِ الأشياءِ تأثيرٌ في حَياتِهم.
وإذْ يُناقِشُ يومَ الرَّبِّ هذا، هناكَ ثلاثةُ أشياء أودُّ مِنكُم أن تُلاحِظوها: مَجيئَهُ، وسِماتِهِ، واكتِمالَهُ. والآن، سنتحدَّث فقط عن تلكَ النُّقطةِ الأولى؛ أي عن مَجيئِه. ولكن قبلَ أن نَفعلَ ذلك، لنُمَهِّد لها مِن خلالِ التَّأمُّلِ في العددِ الأوَّل. تَابعوا مَعي: "وَأَمَّا الأَزْمِنَةُ وَالأَوْقَاتُ فَلاَ حَاجَةَ لَكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا". وإليكُم هذه المُلاحَظَةَ المُهمَّة. فالكلمة "وأمَّا" يُمكِنُ أن تُتَرجَم: "وأمَّا بخُصوصِ" لأنَّها تَرجمة لكلمتينِ يُونانيَّتَيْنِ هُما: "بيري ديه" (peri de). وأيُّ تِلميذٍ للعهدِ الجديدِ اليونانيِّ يَعلمُ أنَّ "بيري ديه" عبارة يونانيَّة صغيرة مَعروفة. فهي تَظهَرُ في كِتاباتِ الرَّسول بولُس غالبًا عندما يُغَيِّرُ المَوضوع. فهو يَنتقلُ الآنَ إلى مَوضوعٍ آخر. ففي الأصحاحِ الرَّابعِ والعددِ التَّاسِع، يَستخدِمُها بولسُ عندما يَنتقلُ مِن موضوعٍ إلى مَوضوعٍ آخر. وهو يَستخدِمُها في الأصحاحِ الرَّابعِ والعدد 13 في النَّصِّ اليونانيِّ للانتقالِ مِنَ المَوضوعِ المَطروحِ في الأعداد 9-12 إلى مَوضوعٍ آخر في العدد 13. وهو يَستخدِمُها الآن مَرَّةً أخرى هُنا عندما يَنتقلُ إلى فِكرةٍ أخرى. فقد تَحدَّثَ عنِ الاختطافِ، ويُريدُ أن يَتحدَّثَ الآنَ عن يومِ الرَّبِّ؛ أي عن حَدَثٍ مُختلِف.
وبالمُناسبة، إذا نَظرتُم إلى العهدِ الجديدِ اليونانيِّ وفَتحتُم على رسالة كورنثوس الأولى على سبيلِ المثال، ستَعرفونَ جيِّدًا كيفيَّةَ استخدامِ هذه العبارة الصَّغيرة. وأعتقدُ أنَّكُم ستَجدونَها في الأصحاحِ السَّابعِ والعَددين 1 و25، وفي الأصحاحِ الثَّامنِ والعددِ الأوَّل، وفي الأصحاحِ الثَّاني عشر والعددِ الأوَّل، وفي الأصحاحِ السَّادس عشر والعددِ الأوَّل كطريقةٍ لتغييرِ الموضوع. كذلكَ، نُلاحِظُ هنا أيضًا أنَّهُ يَستخدِمُ الكلمة "إخوة". وغالبًا فإنَّ هذهِ الطَّريقة في مُخاطبتِهم هي دَعوة جَديدة إلى الانتباه. والدَّعوةُ الجديدةُ إلى الانتباهِ هي دَعوة جَديدة إلى مَوضوعٍ جَديد، أو مُلاحظةٍ جَديدة، أو فِكرةٍ جَديدة. لِذا فإنَّ استخدامَ كُلٍّ مِن الكلمة "أَمَّا" والكلمة "إخوة" يَرمي إلى مُناقشةِ فِكرةٍ جديدة. وحتَّى إنَّنا نُلاحظُ استخدامَ الكلمة "إخوة" في العدد 13 مِنَ الأصحاحِ السَّابقِ، وفي العدد 9، وفي العددِ الأوَّل. لِذا، يَبدو أنَّهُ يَنتقلُ مِن فِكرةٍ إلى فِكرة في حَديثِهِ ويَستخدِمُ الكلمة "إخوة" كدَعوة مِن جَديد إلى الانتباه.
وهُنا، يُمكننا القولُ إنَّهُ في حينِ أنَّهُ يَتحدَّثُ عنِ المَشهدِ العامِّ للزَّمانِ الأخير فإنَّهُ يَنتقلُ مِن حَدَثٍ (أيِ اختطافِ الكنيسةِ) إلى حَدثٍ آخر (أيْ يَومِ الربِّ ودَينونةِ غيرِ المُؤمنين). وكِلاهُما لَهُ مَفاعيل على الكنيسة وعلى المُؤمنين كما ذَكرنا إذ إنَّهُ يَدعوهُم إلى التَّعزيةِ والبُنيانِ في نِهايةِ هذا المَقطَع.
والآن، إذْ نَنظرُ إلى هذا المَقطع، يجب علينا أن نَفهمَ خَلفيَّةً بسيطةً جدًّا جدًّا وهي التَّالية: كانَ مُؤمنو تسالونيكي فُضوليِّينَ بشأنِ مَتى ستَحدُثُ كُلُّ هذهِ الأشياءِ المُختصَّةِ بالأزمنةِ الأخيرة. وهو ليسَ فُضولاً غَريبًا علينا. أليسَ كذلك؟ فهو غُموضٌ مُستمرٌّ طَوالَ تاريخِ الكنيسة؛ ولكنَّهُ فُضولٌ لا يُشبَعُ البتَّة. فهو ما يَزالُ فُضولاً حتَّى يومِنا هذا: مَتى سيَحدُث ذلك؟ فأولاً، نحنُ نتساءلُ عن سببِ مَوتِ هؤلاءِ الأشخاصِ إن كانَ يسوعُ آتٍ! أيْ لِمَ لا يَترُكُهم أحياءَ إلى أن يأتي إلى هُنا؟ ثانيًا، حيثُ إنَّهُ يَستمرُّ في تأجيلِ مَجيئِهِ، مَتى سيَحدُث ذلك؟ مَتى سَيَأتي؟ لِذا فقد أرادوا أن يَعلموا. لقد أرادوا أن يَعرفوا الأزمنةَ والأوقات. وهذه عبارة مُدهشة جدًّا وعَجيبة!
وقد صارت، في اعتقادي، عبارة اصطِلاحيَّة للمجيءِ الثَّاني. وهي تُستخدَمُ في سِفْرِ أعمالِ الرُّسُل 1: 7 إذْ يَقولُ الرَّبُّ: "لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الأَزْمِنَةَ وَالأَوْقَاتَ". والمُقابِلُ اليونانيُّ لَهُما هو: "كرونوس" (chronos) وَ "كايروس" (kairos). وَهُما تُشيرانِ إلى نَوعينِ مُختلفَيْنِ مِنَ الوقت. وأعتقدُ أنَّهُ يُمكِنُنا أن نَستخدمَهُما بشكلٍ مُتبادَل. فيُمكنُنا أن نَستبدِلَ الواحدةِ بالأخرى. ورُبَّما يُشيرانِ هُنا بالمَعنى العامِّ إلى وقتِ النِّهاية. ولكن إن كانَ ينبغي لنا أن نَفصِلَ بينَ الكلمتين فإنَّ الكلمة "كرونوس" هي الكلمة الَّتي اشتُقَّت مِنها الكلمة "كرونولوجي"، وهي تَعني ببساطَة: وقت السَّاعة، أو الوقت التَّقويميّ، أو الوقت الزَّمنيّ. أمَّا الكلمة "كايروس" فتَعني: مَواسِم، أو أمور أو أحداث. فهي تَنظُرُ إلى الوقتِ لا مِن زاويةِ اليوم والسَّاعة، بل تَنظُرُ إلى الوقتِ مِن زاويةِ الحَدثِ أو الأمرِ أوِ الشَّيءِ الَّذي حَدَث. فنحنُ نَتحدَّثُ عنِ أزمنةِ الأُمَم، ونَتحدَّثُ عن الأزمنةِ الحديثة. ونحنُ نَعني بذلكَ أنَّ هذهِ الفترةَ في التَّاريخِ تَتَّسِمُ بأحداثٍ مُعيَّنة. لِذا، فقد كانوا فُضوليِّينَ بشأنِ التَّوقيتِ مِن زاويةِ التَّرتيبِ الزَّمنيِّ، وكانوا فُضوليِّينَ بشأنِ أحداثِ النِّهاية؛ أيِ الفترةِ الزَّمنيَّةِ والأحداثِ الَّتي تَتَّسِمُ بها النِّهاية.
وبالمُناسبة، أودُّ أن أقولَ لكم إنَّ استخدامَ صيغةِ الجَمْعِ هُنا "الأَزْمِنَة وَالأَوْقَات" يُشيرُ إلى تَعَدُّدِ الفَتراتِ الزَّمنيَّةِ وتَعَدُّدِ الأحداثِ الَّتي ستَحدُثُ في النِّهاية. فمثلاً، فَكِّروا وَحَسْب في الأزمنةِ المُختلفة مِن زاويةِ التَّرتيبِ الزَّمنيِّ. فهُناكَ في انتهاءِ الدَّهرِ فترة تُسَمَّى الأسبوعَ السَّبعينَ الَّذي تَحَدَّثَ عنهُ دانيال. فَمِنَ الواضحِ تمامًا أنَّهُ يَقولُ في سِفْر دانيال والأصحاحِ التَّاسِعِ إنَّ هُناكَ نُبوءة تَختصُّ بأُمَّةِ إسرائيل إذْ إنَّهُ ستأتي عليها فَترة مُؤلَّفة مِن سَبعِ سِنين يُلَخِّصُ اللهُ فيها عَمَلَهُ معَ إسرائيل. وهذه الفَترة المؤلَّفة مِن سَبعِ سِنين تُعرَف بالأسبوعِ السَّبعين الَّذي تَحَدَّثَ عنهُ دانيال. وهناكَ أيضًا فترة زَمنيَّة تُعرَفُ بالضِّيقةِ العَظيمةِ تَتألَّفُ مِن ثلاثِ سَنواتٍ ونِصف أو 1260 يَومًا. وهي تُعرَفُ أيضًا بأنَّها "زَمانًا، وزمانَيْنِ، ونِصفَ زَمان". وهُناكَ فترة زَمنيَّة أخرى تُضافُ إلى ذلكَ في سِفْر دانيال وهي تَتألَّفُ مِن 1290 يَومًا؛ أي أنَّها تُضيفُ ثَلاثينَ يَومًا أخرى. ثُمَّ إنَّ دانيال يُشيرُ إلى 1335 يَومًا. وهُناكَ أيضًا مُلْكٌ ألفِيٌّ مَذكورٌ في سِفْر الرُّؤيا. لِذا، هناكَ زَمَنُ أسبوع دانيال السَّبعين، وزَمَنُ الضِّيقةِ العَظيمة، وزَمَنُ المُلْكِ الألفيِّ. وهي أزمِنَة مُختلفة أو أوقات زَمنيَّة مُختلفة تَحدُثُ فيها حِقَبٌ وأحداثٌ مُعيَّنة.
ثُمَّ إنَّ هُناكَ عَددًا مِنَ الأحداث. فهناكَ اختِطافُ الكنيسة، وهُناكَ ظُهورُ ضِدِّ المَسيح، وهُناكَ خَلاصُ أُمَّةِ إسرائيل، وهُناكَ سِلسلة مِنَ الدَّينوناتِ الَّتي ستأتي مِن خلالِ وَسائل طَبيعيَّة. ثُمَّ هُناكَ سِلسلة مِنَ الدَّينوناتِ الَّتي ستأتي مِن خلالِ وسائلَ خارقة للطَّبيعة. وهُناكَ عَودةُ يسوعَ المسيح. وهناكَ مَعركة هَرْمَجَدُّون، وهَلاكُ أُمَمِ العالَم. وهُناكَ دَينونَةُ الخِرافِ والجِداء. وهُناكَ تأسيسُ المُلْكِ الألفيِّ. وهُناكَ رَبْطُ الشَّيطانِ وَحَلُّه، وهُناكَ التَّمَرُّدُ الَّذي سيَحدُثُ في كُلِّ العالَم، وهُناكَ دَمارُ العالَم، وهُناكَ خَلْقُ السَّماء الجَديدة والأرض الجَديدة. فأزمنة كثيرة وحِقَب كثيرة تُؤلِّف النِّهاية. وبسببِ فُضولِهم أرادوا أن يَعرِفوا: مَتى سيَحدُثُ هذا كُلُّه؟ هل يُمكنُكَ أن تُخبرَنا عن ذلك؟ هذا هو مُستوى فُضولِهم. فقد كانوا يَخْشَوْنَ، في اعتقادي، مِن أنَّهُم لن يكونوا مُستعدِّينَ رُوحيًّا عندما يَعودُ الرَّبُّ فَيَفوتُهُم الاختِطاف. ورُبَّما ظَنُّوا أنَّهُ يوجد شيء ينبغي لهم أن يَفعلوه استباقًا لهذهِ الأشياء لكي يَضمَنوا أنَّهُم لن يُفَوِّتوا الاختطافَ ولن يَنتهي بِهِمِ المَطافُ في يَومِ الرَّبّ. فَهُم لم يُريدوا أن يُؤخَذوا على حِينَ غَرَّة. لِذا فإنَّ بولسَ يَقولُ لهم في العددِ الرَّابع: "وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ فَلَسْتُمْ فِي ظُلْمَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكُمْ ذلِكَ الْيَوْمُ كَلِصٍّ". أنتُم لا تَنتمونَ إلى يومِ الرَّبّ. فهذا اليومُ ليسَ لَكُم. وأنتُم لستُم في ظُلمَة، بل أنتُم أبناءُ نُور. أنتُم لا تَنتمونَ إلى يومِ الرَّبّ، بل تَنتمونَ إلى الاختِطافِ؛ لا إلى يومِ الرَّبّ.
ولكن عندَ هذه النُّقطة، يبدو أنَّهُ كانت لديهم مَخاوِف وأسئلة، وأنَّهم كانوا يَتساءلون. فيبدو أنَّهُ لم يَمْضِ وقتٌ طَويلٌ حتَّى جاءَ شخصٌ وأخبرَهُم أنَّهُم في يومِ الرَّبّ. وقد ابتدأوا يَختبرونَ الاضطِهادَ والعَداوةَ والبُغضَة. ثُمَّ إنَّ أشخاصًا قالوا لَهُم (كما هو مَذكورٌ في رسالة تسالونيكي الثَّانية والأصحاحِ الثَّاني) إنَّهُم في يومِ الرَّبّ. وبولسُ يَقولُ لهم: "لا، لا، لا! أنتُم لستُم في يومِ الرَّبّ. أنتُم تَعلَمونَ ما قُلتُهُ لكم عن يومِ الرَّبّ. فأنتُم تَعلمونَ أنَّهُ لا يُمكِن أن يأتي إلاَّ بعدَ أن يأتي ضِدُّ المسيح. وأنتُم تَعلمونَ أنَّهُ لا يُمكِن أن يأتي إلاَّ بعدَ أن يُدَنِّسَ ضِدُّ المَسيحِ الهَيكلَ بضحيَّة. أنتُم لستُم في يومِ الرَّبّ". وهذا يَدُلُّنا على أنَّ الاضطهادَ والعَداوةَ الَّتي لاقُوها جَعلتهُم خائفينَ مِن أنَّهُم سيُفَوِّتونَ الاختطافَ، ومِن أنَّهم في يومِ الرَّبّ.
لذا فقد كانوا مُضطربينَ بسببِ هذهِ الأشياءِ الَّتي يَفتكِرونَ فيها وأرادوا أن يَعرفوا: أوَّلاً، ما الَّذي يَحدُثُ للأشخاصِ الَّذينَ يَموتون؟ وهو يَقولُ في الأصحاحِ الرَّابع: لا، سوفَ يكونونَ هُنا عندَ الاختطاف. ثانيًا، مَتى سيَحدُثُ ذلك؟ هل هو الآن؟ هو سيحدثُ لاحقًا؟ هل نحنُ فيه؟ وهو يَقولُ لهم: "وَأَمَّا الأَزْمِنَةُ وَالأَوْقَاتُ فَلاَ حَاجَةَ لَكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ" [لاحِظوا ما يَقول] أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا". أنتُم لستُم بحاجة إلى أن أكتُبَ أيَّ شيءٍ إليكُم. وهو يَستخدِمُ نَفسَ تلكَ العبارة الَّتي استخدَمَها في الأصحاحِ الرَّابعِ والعَددِ التَّاسع إذْ يَقول: "وَأَمَّا الْمَحَبَّةُ الأَخَوِيَّةُ فَلاَ حَاجَةَ لَكُمْ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا، لأَنَّكُمْ أَنْفُسَكُمْ مُتَعَلِّمُونَ مِنَ اللهِ". فهي جُملة شَبيهة جدًّا بما يَقولُهُ هنا. "فَلاَ حَاجَةَ لَكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا، لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بِالتَّحْقِيق". فأنتُم لستُم بحاجة إلى مَزيدٍ مِنَ المَعلومات، بل إنَّكُم تَملِكونَ كُلَّ المعلوماتِ الَّتي تَحتاجونَ إليها بهذا الشَّأن.
وقد تَقول: "مَهلاً مِن فَضلِك! هل تَقصِد أنَّ لدينا كُلَّ المَعلوماتِ الَّتي نَحتاجُ إليها بخصوصِ الدَّينونةِ القادِمَة، وبخصوصِ عَودةِ المسيح، وبخصوصِ يَومِ الرَّبّ؟ نحنُ لا نَعلَمُ مَتى سيَحدُث ذلك، بل نُريدُ أن نَعلمَ كُلَّ الأزمنةِ والأوقات. نحنُ نُريدُ أن نَعرفَ كُلَّ ذلك". وهو يَقول: أنتُم لستُم بحاجة إلى مَعرفةِ هذا كُلِّه. أنتُم لستُم بحاجة إلى مَعرفةِ ذلك. أنتُم تَعرفونَ كُلَّ ما أنتُم بحاجة إلى مَعرفتِه. وبالمُناسبة، إنَّهُم ليسوا الوَحيدينَ في ذلك. فقد كانَ يوجدُ لدى التَّلاميذِ نَفسُ الفُضول. والحقيقة هي أنَّ فُضولَهُم هُوَ الَّذي أَدَّى إلى العِظَةَ على جَبَلِ الزَّيتون في إنجيل مَتَّى 24 حيثُ إنَّ التَّلاميذَ جَاؤوا إلى يَسوعَ على انفرادٍ وقَالوا لَهُ: "قُلْ لَنَا مَتَى يَكُونُ هذَا؟ وَمَا هِيَ عَلاَمَةُ مَجِيئِكَ وَانْقِضَاءِ الدَّهْرِ؟" كما أنَّهُم قالوا في سِفْرِ أعمالِ الرُّسُل 1: 6: "يَا رَبُّ، هَلْ فِي هذَا الْوَقْتِ تَرُدُّ الْمُلْكَ إِلَى إِسْرَائِيلَ؟" فقد كانُوا يَشعرونَ بنفسِ الفُضولِ بشأنِ تَفاصيلِ الأوقات. كم ينبغي لنا أن نَنتظِر؟ مَتى سيأتي الرَّبُّ؟
والآن اسمَعوني بعناية: إنَّ رَدَّ بولُس يَتلخَّصُ في أنَّ الاستعدادَ الرُّوحيَّ لمجيءِ المسيحِ لا يَتطلَّبُ تَحديدَ التَّاريخِ، أو مُراقبةَ السَّاعةِ، أو البحثَ عن آيات. فهذهِ ليست للمُؤمِنين. فهو يَقولُ إنَّكم لستُم بحاجة البتَّة إلى أن أكتُبَ أيَّ شيءٍ إليكُم. فأنتُم لن تَكونوا هُنا. وهو يَقولُ في العدد 9: "لأَنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْنَا لِلْغَضَبِ" على الصَّعيدِ الأبديِّ. وهو يَقولُ في العددِ الرَّابعِ إنَّ اللهَ لم يَجعلكُم ليومِ الرَّبّ. والنُّقطةُ الَّتي يَقولُها بولُس هي: أنتُم تَعرفونَ كُلَّ ما أنتُم بحاجة إلى مَعرفته، وتَعرفونَ كُلَّ شيءٍ قالَهُ اللهُ لكُم. وهو يَقولُ في رسالتِهِ الثَّانية إلى أهلِ تسالونيكي والأصحاحِ الثَّاني الشَّيءَ نَفسَهُ تَقريبًا. فهو يَقول: "أَمَا تَذْكُرُونَ أَنِّي وَأَنَا بَعْدُ عِنْدَكُمْ، كُنْتُ أَقُولُ لَكُمْ هذَا؟"
لِذا يا أحبَّائي فإنَّ استِعدادَكُم الرُّوحيَّ لمجيءِ المسيحِ لا يَرتبِط بتحديدِ يَومٍ، أو مُراقبةِ الوقتِ أو طَلَبِ آية. أنتُم لستُم بحاجة إلى مَعرفةِ هذهِ الأشياء. والآن، فيما يَخُصُّ المسائلَ الَّتي يَحتاجونَ فيها إلى المَعرفة فإنَّهُ يَذكُرُها. فنحنُ نَرى في الأصحاحِ الرَّابع والأعداد 13-18 أنَّهم كانوا بحاجة إلى أن يَفهموا بخصوصِ الاختِطاف؛ أيْ سِمَةِ وطَبيعةِ الاختِطافِ. لِذا فقد شَرَحَهُ لَهُم. ولكنَّهُ لم يُخبرهُم وَقتَهُ. فلا يوجد مَوضِعٌ في الكتابِ المقدَّسِ يُخبرُنا مَوعِدَ ذلك. وعندما يَختصُّ الأمرُ بيومِ الرَّبّ وكُلِّ الأحداثِ المُحيطةِ بذلك، وكُلِّ الأشياءِ المُختصَّةِ بالمُنتَهى، وكُلِّ الأزمنةِ والأوقاتِ، فإنَّهُ يَقولُ: أنتُم لستُم بحاجة إلى مَعرفةِ ذلك. سوفَ أخبركم ما الَّذي أنتُم بحاجة إلى مَعرفتَه ويُمكنكم أن تَعرفوه. أمَّا هذا الأمرُ فأنتُم لستُم بحاجة إلى مَعرفتِه. فَضلاً عن ذلك، لا يُمكنكُم أن تَعرفوهُ بأيَّةِ حال.
وفي إنجيل مَتَّى والأصحاح 24، يَقولُ يَسوعُ نَفسُهُ جُملةً مُدهشةً حَقًّا إذْ نَقرأُ في الأصحاح 24 والعَدد 36: "وَأَمَّا ذلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ مَلاَئِكَةُ السَّمَاوَاتِ، [ولا الابنَ] إِلاَّ أَبِي وَحْدَهُ". فلا أحدَ يَعلَم. لا إنسانَ، ولا مَلائكة، ولا ابنَ اللهِ المُتَجَسِّد في قُدراتِهِ البَشريَّة المحدودة. فحَتَّى هو لا يَعلَم كما يَقول. ونَقرأُ في إنجيل مَرقُس 13: 32: "وَأَمَّا ذلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ، وَلاَ الابْنُ، إِلاَّ الآبُ. اُنْظُرُوا! اِسْهَرُوا وَصَلُّوا، لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ مَتَى يَكُونُ الْوَقْتُ". لا يُمكنُكم أن تَعلَموا ذلك. ولا أحدَ يَعلَمُ ذلك. ونَقرأُ في سِفْرِ أعمالِ الرُّسُل 1: 7: "لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الأَزْمِنَةَ وَالأَوْقَاتَ الَّتِي جَعَلَهَا الآبُ فِي سُلْطَانِهِ". ليسَ لَكُم أن تَعرفوا ذلك. ونحنُ لسنا بحاجة إلى مَعرفةِ ذلك. فمَعرفةُ ذلك قد تُؤدِّي إلى نَتيجةٍ عَكسيَّة. أليسَ كذلك؟ فإن عَرَفنا مَتى سيأتي يَسوعُ ويَختَطِفُ كَنيستَهُ، ومَتى سيأتي في يومِ دَينونةِ الرَّبِّ، وإن عَرَفنا اللَّحظةَ المُناسبةَ لكُلِّ ذلك، قد تَجعلُنا تلكَ المَعرفة غيرَ مُبالينَ رُوحيًّا إن كانَ الوقتُ ما زالَ بعيدًا، أو قد يَجعلُنا ذلكَ نَرتعِب إن كانَ الوقتُ قَريبًا. لِذا فقدِ شاءَ اللهُ ألاَّ يَكشِفَ عن وقتِ الأزمنةِ الأخيرةِ لكي يَعيشَ جَميعُ المُؤمِنينَ في حَالةِ تَرَقُّبٍ وانتظارٍ طَوالَ الوقت.
لِذا فإنَّهُ يَقول: أنتُم لستُم بحاجة إلى مَعرفةِ ذلك. وهو يَقول: أنتُم تَعرِفونَ تَمامًا كُلَّ ما يَنبغي أن تَعرفوه. وما هو ذلك؟ "أَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ هكَذَا يَجِيءُ". وهذا يَقودُنا إلى النُّقطةِ الأولى في مُخَطَّطِنا: مَجيء ذلكَ اليوم. مَجيء ذلكَ اليوم. فسوفَ يُخبرُنا عن مَجيئِه، وسوفَ يُخبرُنا عن شَيءٍ نَعرِفُهُ أصلاً. ومَا يَقولُهُ هُنا هو إنَّ الشَّيءَ الوحيدَ الَّذي تَحتاجونَ إلى مَعرفتِهِ هو أنَّهُ سيَحدُثُ في وقتٍ ماذا؟ لا يَتَوَقَّعُهُ أحَد. فسوفَ يَحدُثُ في وَقتٍ لا يَتوقَّعُهُ أحَد. فهو يُرَكِّزُ على عُنصُرِ المُفاجأة ذاك. فقد كانوا فُضوليِّينَ بخصوصِ الأزمنةِ والأوقات. لِذا فإنَّهُ يَرُدُّ عليهم ويقولُ إنَّ الشَّيءَ الوحيدَ الَّذي تَحتاجونَ إلى مَعرفته هو أنَّ يومَ الرَّبِّ سيأتي في وقتٍ لا تَتوقَّعونَهُ، وفي وقتٍ لا يَتوقَّعُهُ الأحياءُ في ذلكَ الوقت. ثُمَّ إنَّهُ يَنتقلُ مِن ذلكَ المَقطعِ إلى الحَضِّ على الحياةِ المُقدَّسةِ في ضَوْءِ ذلكَ الواقع.
والآن لِنَنظُر إلى العَددِ الثَّاني بمَزيدٍ مِنَ التَّفصيل: "لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بِالتَّحْقِيق". والكلمة "بالتَّحقيق" هُنا هي تَرجمة للكلمة اليونانيَّة "أكريبوس" (akribos) ومَعناها: تَعرِفونَ يَقينًا. فهي كلمة تُشيرُ إلى المَعرفةِ النَّاشئةِ عنِ البَحث. فهي تُشيرُ إلى البحثِ الدَّقيقِ للوصولِ إلى نُتيجة. أنتُم تَعلَمونَ تَمامًا أو تَعلمونَ يَقينًا أو تَعلمونَ بِكُلِّ تأكيد أنَّهُ سيكونُ غيرَ مُتوقَّع. فقد أخبرتُكم ذلك. ونحنُ نَعلمُ مِن خلالِ هذهِ الرسالةِ في الأصحاحِ الأوَّلِ والعددِ العاشِرِ أنَّ الكنيسةَ كُلَّها كانت تَنتظرُ مَجيءَ المسيحِ مِنَ السَّماء. وفي الأصحاحِ الثَّاني والعدد 19، نَقرأ أنَّهُ يُذكِّرُهم بمجيءِ الرَّبِّ يَسوع. وهو يُذكِّرُهم مُجَدَّدًا في الأصحاحِ الثَّالثِ والعدد 13 بمجيءِ الرَّبِّ يَسوع. وهو يَتحدَّثُ في الأصحاحِ الرَّابعِ عنِ الاختِطاف. ولكنَّهُ لم يُخبرهم قَطّ مَتى سيَحدُث ذلك. لم يُخبرهُم قَطّ. فهو لا يُخبرهم بذلك. والسَّببُ في أنَّهُ لا يُخبرهم بذلك هو أنَّهُ لا يُمكِنُ لأيِّ شخصٍ أن يَعرفَ ذلك.
لِنَنظُر مَرَّةً أخرى إلى إنجيل مَتَّى والأصحاح 24. ألاَ رَجعتُم معي إلى هُناكَ قليلاً؟ فيجب أن يكونَ الكتابُ المقدَّسُ بينَ أيديكُم لأنَّنا سننتقل كثيرًا بينَ الآيات. وهذا المَقطعُ مُهمٌّ جدًّا. ففي إنجيل مَتَّى 24: 36، يَتحدَّثُ يَسوعُ عنِ المُنتَهى، ويَتحدَّثُ عن مَجيئِهِ الثَّاني، وعن مَجيئِهِ في الدَّينونةِ المُريعَة، وأيضًا عن مَجيئِهِ لِجَمْعِ المُختارينَ مِن زَوايا العالَمِ الأربَع. وهو يَتحدَّثُ عن حَقيقةِ أنَّ السَّماءَ والأرضَ ستَزولان (في العدد 35)، وعن كُلِّ هذهِ الأشياءِ الَّتي ستَحدُثُ في المُنتَهى. ولكنَّهُ يَقولُ في العدد 36: "وَأَمَّا ذلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ مَلاَئِكَةُ السَّمَاوَاتِ، [ولا الابنُ على الأرض] إِلاَّ أَبِي وَحْدَهُ".
لِذا، هذا هو السِّرُّ الكبيرُ يا أحبَّائي. فنحنُ لا نَعرِفُ الوقتَ. ثُمَّ إنَّهُ يَصِفُ أكثرَ الأحوالِ إدهاشًا إذْ يَقولُ في العدد 37: "وَكَمَا كَانَتْ أَيَّامُ نُوحٍ كَذلِكَ يَكُونُ أَيْضًا مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ. لأَنَّهُ كَمَا كَانُوا فِي الأَيَّامِ الَّتِي قَبْلَ الطُّوفَانِ يَأكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ وَيُزَوِّجُونَ، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ نُوحٌ الْفُلْكَ". ما مَعنى ذلك؟ لقد كانوا غيرَ مُبالينَ البتَّة بما فَعَلَهُ نُوحٌ طَوالَ مِئةٍ وعشرينَ سنة؛ أي بماذا؟ بتحذيرِهِ لَهُم. بكِرازَتِهِ بالبِرِّ وتَحذيرِهِ لَهُم. فقد كانوا غيرَ مُبالينَ بذلك. وقد كانوا غيرَ مُبالينَ بالحَقِّ إلى أن دَخَلَ الفُلْك. وقد استمرُّوا في عَدمِ مُبالاتِهم إلى الوقتِ الَّذي جاءَ فيهِ الطُّوفان وأهلَكَهُم. لِذا سيكونُ مَجيءُ ابنِ الإنسانِ للجيلِ الحَيِّ آنذاكَ شَيئًا غيرَ مُتوقَّع... غيرَ مُتوقَّع. وهذا أمرٌ مُدهش! لأنَّهُ وَصَفَ (ابتداءً مِنَ العددِ الرَّابع) كُلَّ الأشياءِ الَّتي قد يَبحثُ عنها النَّاسُ الَّذينَ سيكونونَ على قَيدِ الحياة. فهو يَقولُ في العددِ السَّادس: "وَسَوْفَ تَسْمَعُونَ بِحُرُوبٍ وَأَخْبَارِ حُرُوبٍ... لأَنَّهُ تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ... وَزَلاَزِلُ". وهو يُتابِعُ الحَديثَ عنِ الأنبياءِ الكذبةِ الَّذينَ يُضِلُّونَ النَّاسَ. وهو يَتحدَّثُ عن رِجْسَةِ الخَرابِ الَّتي تَحدَّثَ عنها دانيالُ النَّبِيُّ عندما يَتِمُّ تَدنيسُ الهيكل. وهو يَتحدَّثُ عن "ضِيقٍ عَظِيمٍ [في العدد 21] لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ الْعَالَمِ إِلَى الآن". فسوفَ تَحدُثُ كُلُّ تلكَ الأشياءَ في العالَمِ؛ ولكنَّهُم سيَستمرُّونَ في حَياتِهم، ويَعيشونَ كالمُعتاد، وَيَتَزَوَّجُونَ وَيُزَوِّجُونَ، ويأكُلونَ ويَشربونَ، ويَعيشونَ حَياتَهُم إلى أن يأتي الوقتُ ويَهلِكون.
سوفَ يأتي سَريعًا. فسوفَ يَكونونَ مَشغولينَ في أعمالِهم كالمُعتاد إذْ نَقرأُ في العدد 40: "حِينَئِذٍ يَكُونُ اثْنَانِ فِي الْحَقْلِ، يُؤْخَذُ الْوَاحِدُ وَيُتْرَكُ الآخَرُ. اِثْنَتَانِ تَطْحَنَانِ عَلَى الرَّحَى، تُؤْخَذُ الْوَاحِدَةُ وَتُتْرَكُ الأُخْرَى". فسوفَ يَحدُثُ ذلكَ في وقتٍ يَقومُ فيهِ النَّاسُ بواجباتِهم العاديَّة في الحياة. وهو يَقول في العدد 42: "اِسْهَرُوا إِذًا لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَأْتِي رَبُّكُمْ. وَاعْلَمُوا هذَا: أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ رَبُّ الْبَيْتِ فِي أَيِّ هَزِيعٍ يَأْتِي السَّارِقُ، لَسَهِرَ وَلَمْ يَدَعْ بَيْتَهُ يُنْقَبُ. لِذلِكَ كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مُسْتَعِدِّينَ، لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لاَ تَظُنُّونَ يَأْتِي ابْنُ الإِنْسَان". وقد قالَ يَسوعُ هذهِ الكلماتِ لأشخاصٍ لن يَختبروا ذلكَ يَومًا. فَهُم أمواتٌ ولم يَحدُث هذا بعد. ولكنَّهُ يُخبِرُ كُلَّ جِيل بأنَّهُ يجبُ عليهم أن يَعيشوا في حالةِ تَرَقُّب. أليسَ كذلك؟ لأنَّ اللهَ الآبَ وَحدَهُ هو الَّذي يَعلَمُ مَتى سيَحدُث ذلك. والمَعنى المقصودُ هو أنَّهُ سيكونُ مُفاجئًا وغيرَ مُتوقَّع. ونَقرأُ في إنجيل مَتَّى 24: 27 أنَّهُ سيكونُ كالْبَرْقِ يَخْرُجُ مِنَ الْمَشَارِقِ وَيَظْهَرُ إِلَى الْمَغَارِب. فكالبَرقِ سيكونُ ابنُ الإنسانِ هُنا في وقتٍ لا يَظُنُّ فيهِ النَّاسُ أنَّ هذا سيَحدُث.
لِذا فإنَّ يومَ الرَّبِّ سيأتي كَلِصٍّ في اللَّيل. ويُمكنُنا أن نَشكُرَ رَبَّنا يَسوعَ على ذلكَ التَّشبيه. فهو ليسَ لِصًّا، بل إنَّ يَومَ الرَّبِّ يأتي كَلِصٍّ. فهو الَّذي قالَ ذلكَ في العدد 43: "لَوْ عَرَفَ رَبُّ الْبَيْتِ فِي أَيِّ هَزِيعٍ يَأْتِي السَّارِقُ، لَسَهِرَ". فيومُ الرَّبِّ سيأتي كَلِصٍّ في اللَّيل. عَدا عن ذلك فإنَّهُ يَقول: أنتُم لستُم بحاجة إلى مَعرفةِ التَّوقيت. وأنتُم لستُم بحاجة إلى مَعرفةِ أيِّ شيءٍ عنِ التَّواريخ. وبِكُلِّ تأكيدٍ، لأنَّكُم قدِ افتُديتُم، سوفَ تُشاركونَ في الاختِطافِ ولن تكونوا هُناكَ في هذا الحَدث.
لقد أُعطِيَت الكنيسة مَعلوماتٍ كافية. وأنتِ أيَّتُها الكنيسة لا صِلَةَ لكِ بذلكَ اليوم. فحتَّى إنَّكِ لن تَشهَدي ذلكَ اليوم لأنَّكِ ستكونين قد خُطِفْتِ. هذا هو ما ينبغي أن تَعرفوه. ولكن يجب عليكم أيضًا أن تَعيشوا حَياتَكُم في ضَوْءِ كُلٍّ مِن مَجيءِ المسيحِ إلى خاصَّته والدَّينونةِ المُريعةِ جدًّا الَّتي سَتَحِلُّ على أبناءِ الظُّلمةِ في المستقبَل. أمَّا بالنِّسبةِ إلى العالم، سيكونُ هُناكَ يَومُ دَينونة آتٍ. ولا يُمكنكم أن تَعرفوا أيَّ يومٍ أو أيَّةَ ساعَة. وحتَّى عندما تَبتدئُ الآياتُ السَّابقة بالحُدوث (كالحُروبِ وأخبارِ الحُروبِ، والمَجاعاتِ، والأوبئةِ المُريعةِ كالطَّاعونِ، والأمراضِ، والزَّلازِلِ، وعندما تَبتدئُ كُلُّ تلكَ الأمورِ بالتَّصاعُدِ ويَظهَرُ ضِدُّ المسيحِ ويُدَنِّسُ الهيكلَ في أورُشليم، عندما تَحدُثُ كُلُّ هذهِ الأشياء، مِنَ المُدهشِ أنَّ النَّاسَ الأحياءَ في ذلكَ الوقت لن يَتوقَّعوا مَجيءَ المسيح. فسوفَ يكونُ الأمرُ غَيرَ مُتوقَّع. فَهُم لن يكونوا مُستعدِّين.
ولا يوجد لِصٌّ عاقِلٌ يُعلِنُ ساعَةَ مَجيئِه. فأنتَ لا تَكتُبُ بِطاقَةً تَقول: "سوفَ أسرِقُ بَيتَكَ يومَ الخميس ما بينِ السَّاعة الثَّامنة والعاشِرة. هل يُمكِنُكَ أن تَذهبَ إلى مَكانٍ مَا؟" بل إنَّ الجيلَ الَّذي سيَكونُ على قَيْدِ الحياة في يومِ الرَّبِّ سيكونُ قد رأى الكثيرَ مِنَ الأحداثِ الَّتي تَسبِقُ ذلك. ولكنَّهُم لن يكونوا مُستعدِّين. فسوفَ تَكونُ لديهم بَراهين كافية لمعرفةِ أنَّ الوقتَ قَريب وأنَّهُ يجبُ عليهم أن يَستعدُّوا؛ ولكنَّهم لن يَعرفوا بالضَّبط اليومَ أوِ السَّاعة. انظروا إلى الأصحاح 24 والعدد 50: "يَأْتِي سَيِّدُ ذلِكَ الْعَبْدِ فِي يَوْمٍ لاَ يَنْتَظِرُهُ وَفِي سَاعَةٍ لاَ يَعْرِفُهَا، فَيُقَطِّعُهُ وَيَجْعَلُ نَصِيبَهُ مَعَ الْمُرَائِينَ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَان". فَهُم لن يَعرفوا. ونَقرأُ في العدد 44 مِن هذا الأصحاحِ أنَّهُ قال: "لِذلِكَ كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا مُسْتَعِدِّينَ، لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لاَ تَظُنُّونَ يَأْتِي ابْنُ الإِنْسَان". ونَقرأُ في الأصحاح 25 والعدد 13: "فَاسْهَرُوا إِذًا لأَنَّكُمْ لاَ تَعْرِفُونَ الْيَوْمَ وَلاَ السَّاعَةَ". وفي إنجيل لوقا... انظروا إلى الأصحاحِ الثَّاني عشر لكي أُريكُم وَحَسْب الاستخدامَ الكامِلَ لهذا التَّشبيه. إنجيل لوقا 12: 35. فهذا وَصفٌ نَابضٌ بالحياةِ مِن قِبَلِ رَبِّنا: "لِتَكُنْ أَحْقَاؤُكُمْ مُمَنْطَقَةً وَسُرُجُكُمْ مُوقَدَةً، وَأَنْتُمْ مِثْلُ أُنَاسٍ يَنْتَظِرُونَ سَيِّدَهُمْ مَتَى يَرْجعُ مِنَ الْعُرْسِ، حَتَّى إِذَا جَاءَ وَقَرَعَ يَفْتَحُونَ لَهُ لِلْوَقْتِ. طُوبَى لأُولَئِكَ الْعَبِيدِ الَّذِينَ إِذَا جَاءَ سَيِّدُهُمْ يَجِدُهُمْ سَاهِرِينَ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَتَمَنْطَقُ وَيُتْكِئُهُمْ وَيَتَقَدَّمُ وَيَخْدُمُهُمْ. وَإِنْ أَتَى فِي الْهَزِيعِ الثَّانِي أَوْ أَتَى فِي الْهَزِيعِ الثَّالِثِ وَوَجَدَهُمْ هكَذَا، فَطُوبَى لأُولَئِكَ الْعَبِيدِ. وَإِنَّمَا اعْلَمُوا هذَا: أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ رَبُّ الْبَيْتِ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَأْتِي السَّارِقُ لَسَهِرَ، وَلَمْ يَدَعْ بَيْتَهُ يُنْقَبُ. فَكُونُوا أَنْتُمْ إِذًا مُسْتَعِدِّينَ، لأَنَّهُ فِي سَاعَةٍ لاَ تَظُنُّونَ يَأْتِي ابْنُ الإِنْسَان".
هذا هو المِفتاح. ففِكرةُ اللِّصِّ هي فِكرةُ عدمِ التَّوقُّع، وعدم تَلَقِّي دَعوة، وعَدَم التَّرَقُّب. ويُمكِنُكم أن تَجدوا نَفسَ التَّشبيه في سِفْر الرُّؤيا 16: 15. فنحنُ نَقرأُ في سِفْر الرُّؤيا 16: 15: "هَا أَنَا آتِي كَلِصٍّ!" وأقولُ مَرَّة أخرى إنَّ الرَّبَّ ليسَ لِصًّا، بل إنَّهُ يأتي بطريقةٍ مُفاجئةٍ وغير مُتوقَّعة. "طُوبَى لِمَنْ يَسْهَرُ وَيَحْفَظُ ثِيَابَهُ لِئَّلاَ يَمْشِيَ عُرْيَانًا فَيَرَوْا عُرْيَتَهُ". والمَعنى المَقصودُ هو: إن خَلَعَ المَرءُ ثِيابَهُ ونامَ، ثُمَّ جاءَ مَن سَرَقَ ثِيابَهُ في مُنتصفِ اللَّيلِ فإنَّهُ سيَقضي كُلَّ الوقتِ في الصَّباحِ دُونَ أن يَعثُرَ على شيءٍ يَرتديه. وهذا مُخْزٍ". لِذا فإنَّهُ يَقولُ إنَّهُ يجبُ عليكَ أن تَظَلَّ مُرتديًا ثيابَكَ وساهِرًا لأنِّي سآتي في وقتٍ لا تَتوقَّعُهُ.
وهناكَ استخدامٌ آخر لهذهِ الاستعارة لا بالمَعنى المُستقبليِّ، بل بالمَعنى التَّاريخيّ. فنحنُ نَقرأُ في سِفْر الرُّؤيا 3: 3 بخصوصِ كنيسة سَارْدِس أنَّها تَلَقَّت تَحذيرًا بأنَّها إن لم تُغَيِّر سُلوكَها فإنَّ الرَّبَّ سيأتي فجأةً كَلِصٍّ ويَدينُها. لِذا فإنَّ فِكرةَ اللِّصِّ الَّذي يأتي في اللَّيلِ في العبارة "في اللَّيل" تُستخدَمُ هُنا فقط. فالآياتُ الأخرى تَذكُرُ أنَّهُ سيأتي كَلِصٍّ؛ ولكنَّ هذهِ الآية تُضيفُ العبارة "في اللَّيل" لأنَّ الافتراضَ الواضحَ هو أنَّ اللِّصَّ يأتي في اللَّيل تحت جُنْحِ الظَّلام. وهذا يُوافِقُ ما يُريدُ بولسُ أن يَقولَهُ أيضًا عن أولادِ النُّورِ وأولادِ الظَّلامِ لا سِيَّما أنَّ هذا هو تَطبيقُهُ الرَّئيسيُّ لهذه الفِكرة بمُجملِها.
لِذا، رَدًّا على سُؤالِهم... رَكِّزوا مَعي... رَدًّا على سُؤالِهم، يَقتبِسُ بولسُ تَعليمَ يسوعَ ويقولُ إنَّ مَعرفةَ الوقتِ المُحدَّدِ غير مُمكِنَة... غير مُمكِنَة. وأنتُم تَعرفونَ كُلَّ المعلوماتِ الَّتي أنتُم بحاجة إليها. ولكن بالرَّغمِ مِن أنَّهُ يَقولُ ذلك ويُخبرهم أنَّهم ليسوا بحاجة إلى مَعرفةِ الأزمنةِ والأوقاتِ فإنَّهُ يَقتبسُ كلماتِ الرَّبِّ بأنَّهُ سيأتي كَلِصٍّ في اللَّيل. وبقيامِهِ بذلك فإنَّ الكلمة "وأمَّا" تُمَهِّدُ للعِبارة "يوم الرَّبّ". فيومُ الرَّبِّ سيأتي كَلِصٍّ في اللَّيل.
وهذا يَدفعُنا إلى طَرحِ السُّؤالِ التَّالي: ما هو يومُ الرَّبّ؟ وكيفَ نَفهمُهُ؟ ما هو؟ إنَّها واحدةٌ مِن أهَمِّ الألفاظِ الَّتي تَرِدُ في الكتابِ المقدَّسِ مِرارًا وتَكرارًا وتُشيرُ إلى أحداثٍ مُحَدَّدةٍ جدًّا ستحدُث. وهي لَفظَة تُشيرُ إلى دَينونةِ اللهِ المُستقبليَّة. ولكن ما هو يومُ الرَّبِّ تَحديدًا؟ أريد مِنكُم الآن أن تُتابِعوا جَيِّدًا ما سأقول. فما سأقولُهُ سيُعطيكم فَهمًا أساسيًّا لفكرة مُهمَّة جدًّا تَتكرَّر المرَّة تلو المرَّة في أثناءِ دراستِكُم للكتابِ المقدَّس. فالعبارة "يَوم الرَّبّ" تُذكَر أربعَ مَرَّاتٍ في العهدِ الجديد. وهُناكَ إشاراتٌ أخرى إليها. ولكنَّ العبارة "يوم الرَّبّ" تُستخدمُ أربعَ مَرَّات: مَرَّة في سِفْر أعمال الرُّسُل 2: 20، ومَرَّة هُنا، ومَرَّة في الرِّسالة الثَّانية إلى أهل تسالونيكي 2: 2، ومَرَّة في رسالة بُطرس الثَّانية 3: 10. ولكنَّ كُلَّ ما فَهِمَهُ كُتَّابُ العهدِ الجديدِ عن يومِ الرَّبِّ إنَّما فَهِموهُ مِن أنبياءِ العهدِ القديم. لِذا، إن أردنا أن نَفهمَ ما هو يومُ الرَّبِّ، يجب علينا أن نَفهمَ مَعناهُ لأنبياءِ العهدِ القديمِ الَّذينَ تَنَبَّأوا بهذا اليوم.
واسمَحوا لي أن أَستَعرِضَ لَكُم لائحةً قصيرةً بآياتٍ تُبَيِّنُ لكم سِماتِ يومِ الرَّبّ. استَمِعوا إلى ما سأقرأه. فهذا هو ما قالَهُ الأنبياءُ عن يومِ الرَّبّ. فنحنُ نَقرأُ في سِفْر إشعياء 2: 12: "فَإِنَّ لِرَبِّ الْجُنُودِ يَوْمًا عَلَى كُلِّ مُتَعَظِّمٍ وَعَال، وَعَلَى كُلِّ مُرْتَفِعٍ فَيُوضَعُ". وفي إشعياء 13: 6: "وَلْوِلُوا لأَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ قَرِيبٌ". وفي إشعياء 13: 9: "هُوَذَا يَوْمُ الرَّبِّ قَادِمٌ، قَاسِيًا بِسَخَطٍ وَحُمُوِّ غَضَبٍ، لِيَجْعَلَ الأَرْضَ خَرَابًا". ونَقرأُ في سِفْر يوئيل 1: 15: "لأَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ قَرِيبٌ. يَأتِي كَخَرَابٍ مِنَ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ". ونَقرأُ في سِفْر يوئيل 2: 11: "لأَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ عَظِيمٌ وَمَخُوفٌ جِدًّا". وفي سِفْر يوئيل 2: 31: "تَتَحَوَّلُ الشَّمْسُ إِلَى ظُلْمَةٍ، وَالْقَمَرُ إِلَى دَمٍ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ يَوْمُ الرَّبِّ الْعَظِيمُ الْمَخُوفُ". ونَقرأُ في سِفْر عاموس 5: 18: "وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَشْتَهُونَ يَوْمَ الرَّبِّ! لِمَاذَا لَكُمْ يَوْمُ الرَّبِّ؟" وفي سِفْر عاموس 5: 20: "أَلَيْسَ يَوْمُ الرَّبِّ ظَلاَمًا لاَ نُورًا؟" ونَقرأُ في سِفْر مَلاخي 4: 5: "هأَنَذَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ إِيلِيَّا النَّبِيَّ قَبْلَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ، الْيَوْمِ الْعَظِيمِ وَالْمَخُوف". ونَقرأُ في سِفْر صَفَنْيا 1: 14: "قَرِيبٌ يَوْمُ الرَّبِّ الْعَظِيمِ. قَرِيبٌ وَسَرِيعٌ جِدًّا. صَوْتُ يَوْمِ الرّبِّ. يَصْرُخُ حِينَئِذٍ الْجَبَّارُ مُرًّا". ثُمَّ نَقرأُ في سِفْر صَفَنْيا 1: 15: "ذلِكَ الْيَوْمُ يَوْمُ سَخَطٍ، يَوْمُ ضِيق وَشِدَّةٍ، يَوْمُ خَرَابٍ وَدَمَارٍ، يَوْمُ ظَلاَمٍ وَقَتَامٍ، يَوْمُ سَحَابٍ وَضَبَابٍ". فَكُلُّ الأوصافِ سَلبيَّة. وكُلُّ ما قالَهُ الأنبياءُ عن يومِ الرَّبِّ هو عنِ الدَّينونةِ، وعن خَفْضِ كُلِّ مَن يَعتقد أنَّهُ مُرتَفِع. فهو يومُ سَخَطٍ، ويومُ غَضَبٍ وخَرابٍ وانتقامٍ ودمارٍ، وَهُوَ يَومٌ مُريعٌ. وقد قِيلَ إنَّهُ يومُ قَتامٍ وظَلامٍ وضيقٍ وشِدَّة – دائمًا. فقد تَمَّت الإشارة إليهِ سِتّ مَرَّاتٍ بأنَّهُ يومُ ظَلام. وقد تَمَّتِ الإشارةُ إليهِ أربع مَرَّاتٍ بأنَّهُ يومُ نَقْمَة.
إذًا، إنَّ يومَ الرَّبِّ يُشيرُ دائمًا إلى أعنفِ دَينونةٍ أخيرةٍ سيُنزِلُها اللهُ بالأشرار. فهو ذُروةُ غَضَبِ اللهِ في دَينونتهِ الأخيرةِ الَّتي ستَحِلُّ بالأشرار. فهو الذُّروة. صَحيحٌ أنَّنا نَقرأُ في العهدِ القديمِ أحيانًا أنَّ اللهَ أَنزَلَ غَضَبَهُ على الشَّعبِ وأنَّهُ استخدَمَ أدواتٍ بَشريَّة تَحتَ سَيطرتِهِ كأن يَستخدِمَ أُمَّةً مُعيَّنة للقَضاءِ على أُمَّةٍ أخرى، أو أنَّهُ استَخدَمَ المَجاعاتِ أوِ الزَّلازلَ أو أيَّ شيءٍ آخر في الطَّبيعة كأداةٍ لإنزالِ دَينونتِه؛ ولكنَّ تلكَ كانت مُجَرَّدَ دَينوناتٍ تَمهيديَّة للدَّينونةِ العظيمةِ النِّهائيَّةِ الَّتي ستَختِمُ الدَّينونةَ العظيمةَ على الأشرار. فهكذا هي الحالُ في النِّهاية. فسوفَ تكونُ هُناكَ حُروبٌ، وسوفَ تكونُ هُناكَ مَجاعاتٌ، وسوفَ تكونُ هُناكَ أمراضٌ، ورُبَّما سيَنتشرُ مَرَضٌ الإيدز، وتَنتشرُ أمراضٌ أخرى مُشابِهَة، وأوبئة أخرى. وهذه هي الوسائلُ الطَّبيعيَّةُ الَّتي سيَبتدئُ اللهُ باستخدامِها لإنزالِ غَضَبِهِ على غيرِ المؤمنين؛ ولكنَّ هذه ستكونُ مُجَرَّدَ تَمهيدٍ للسَّخَطِ العارِمِ لابنِ اللهِ الَّذي سيأتي بقوَّة خارقة للطَّبيعة ويُهلِك جَميعَ غيرِ المُؤمنين.
لِذا، يُمكنكم أن تَجِدوا في كُلِّ أجزاءِ العهدِ القديمِ أمثلة تَوضيحيَّة على هذا الغَضَب حيثُ إنَّ اللهَ سيَستخدمُ وسائلَ طبيعيَّة وبشريَّة لإحلالِ غَضَبِهِ على أُناسٍ مُعيَّنين. ولكن في النِّهاية، وبطريقة عنيفة جدًّا، سيكونُ هُناكَ سَخَطٌ عَارِمٌ يُغَلِّفُ الدَّينونة. وهذه صُورة تاريخيَّة للغضبِ الأخيرِ الخارق للطَّبيعة والَّذي يُعرَفُ بيومِ الرَّبِّ الأخير. لِذا، حَتَّى في العهدِ القديم كانَ هُناكَ عَددٌ مِن أيَّامِ الربِّ بالمَفهومِ التَّاريخيِّ إذْ إنَّ اللهَ جاءَ وقامَ في نِهايةِ المَطافِ بتأديبِ شَعبِه. فَالمملكةُ الشَّماليَّةُ تَعرَّضت للتَّأديبِ، كما تَذكُرونَ، مِن خلالِ وُقوعِها في السَّبي. والمَملكةُ الجَنوبيَّةُ (يَهوذا) تَعرَّضت للسَّبيِ إذ شَهِدَت مَذبحةً جَماعيَّةً، وتَمَّ طَرْدُ الشَّعبِ مِن أرضِهم وإزالَتهم مِنها بسببِ دَينونةِ الله. وقد دَعا الأنبياءُ تلكَ الأحداثِ "يَومَ الرَّبّ". وقد سَبَقَت تلكَ الأحداث دَينونات مُعيَّنة كانت بمثابةِ تَحذيرات أو إنذارات قبل تَنفيذِ الدَّينونة. وقد كانت هذه الأحداثُ صُوَرًا تاريخيَّةً للنِّهايةِ العَتيدة حيثُ ستكونُ هُناكَ حُروبٌ ومَجاعاتٌ وأشياءٌ شَبيهةٌ بذلك، وزلازِل؛ ثُمَّ إنَّ اللهَ سيُهلِك جَميعَ غيرِ المُؤمنينَ في دَينونَتِهِ الأخيرة.
عندما تَنظرونَ إلى فَتْحِ الدَّينوناتِ المَختومةِ في سِفْر الرُّؤيا، وسوفَ نَفعلُ ذلكَ في المرَّة القادمة، أو دَينوناتِ الأبواقِ، ودينوناتِ الجَاماتِ، ستَرَوْنَ في البداية أنَّ تلكَ الدَّينوناتِ تَبتدئُ في التَّكَشُّف. وهناكَ حُروبٌ وزلازِل ومجاعات. وفجأةً، نَنتقلُ منَ الأحداثِ الطَّبيعيَّةِ إلى الأحداثِ الخارقةِ للطَّبيعة. وعندما نَصِلُ إلى الخَتْمِ السَّادس، نَرى فجأةً مَذبحةً جَماعيَّةً خارقةً للطَّبيعةِ تَحدُثُ لأنَّ غَضبَ اللهِ قد بَلَغَ مَداهُ في يومِ الرَّبّ. لِذا، يجب عليكم أن تَفهموا ذلك.
فالعهدُ الجديدُ يُسَمِّي ذلكَ اليوم يَومَهُ. وهو يُسَمِّيهِ يومَ الغَضَب. وهو يُسَمِّيهِ يومَ السَّخَط في سِفْر الرُّؤيا. وهو يُسَمِّيهِ يومَ اللهِ القَادِرِ على كُلِّ شَيْء. وَبُطرُسُ يُسَمِّيه في رسالة بُطرس الأولى 2: 12: "يومَ الافتِقاد". ولكنَّهُ دائمًا... والآن اسمَعوني جيِّدًا... إنَّهُ الوقتُ الَّذي يُطلِقُ فيهِ اللهُ العِنانَ لغَضَبِهِ الأخيرِ على خُطاةِ الأرضِ ويُهلِكُهم.
والآن، إليكُم المُلاحظة التَّالية: يجب أن نُمَيِّزَ ذلكَ اليوم عن يومِ المسيح (أو يَومِ الربِّ يَسوع، أو يومِ الرَّبِّ يسوعَ المسيح، أو يومِ يَسوعَ المسيح). فكُلُّ هَذهِ العِباراتِ تُستخدَم. فعبارةُ "يَومِ المَسيح" مُستخدَمَة في رسالة فيلبِّي. وعبارةُ "يومِ الرَّبِّ يسوعَ" مُستخدَمة في رسالتيِّ كورنثوس الأولى والثانية. وعبارةُ "يومِ الرَّبِّ يسوعَ المسيح" مُستخدَمة في رسالة كورنثوس الأولى 1: 8. والآن اسمَعوني جيِّدًا جدًّا: إنَّ العِبارةَ "يَومُ المسيح" [أو يَومُ الربِّ يسوعَ المسيحِ، أو يومُ الربِّ يسوعَ] تُستخدَمُ دائمًا... لاحِظوا ما سأقول... بالارتباطِ بالمؤمنين. فهي تَختصُّ دائمًا بوقتِ الحُصولِ على المُكافأةِ مِنَ المسيح، والوقتِ الَّذي سيَدخُلُ فيهِ المؤمنونَ إلى فِدائِهم التَّامِّ ومُكافأتِهم ومَجدِهم الأبديّ. لِذا فإنَّ يَومَ المسيحِ مُرتبطٌ باختطافِ القِدِّيسينَ وفِدائِهم ومُكافئتِهم. أمَّا يومُ الرَّبِّ فمُرتبطٌ بإدانَةِ غيرِ المؤمنين.
وهناكَ عبارة أخرى وهي "يومُ اللهِ" تُستخدَمُ في رسالة بُطرس الثَّانية 3: 12 وتُشيرُ إلى الأبديَّة. ذلكَ هو يَومُ اللهِ. فيَومُ المسيح هو اليومُ الَّذي سيأخُذُ فيهِ كَنيستَهُ. ويومُ الربِّ هو اليومُ الَّذي سيأتي فيهِ الرَّبُّ السيِّدُ للدَّينونة. أمَّا يومُ اللهِ فهو الحالةُ الأبديَّة. لِذا، يجب عليكُم أن تُمَيِّزوا بينَهما.
إذًا، ينبغي أن نَرى أنَّ يومَ الرَّبِّ هو وقتُ دَينونة: دَينونة على الأشرار، ودينونة أخيرة ستأتي في نِهايةِ دَينوناتٍ تَمهيديَّة أخرى. لِذا، عندما تَفتحونَ سِفْر الرُّؤيا ستَجدونَ أنَّ أوَّلَ خمسةِ خُتومٍ هي دَينونات تَمهيديَّة، ثُمَّ إنَّ الخَتْمَ السَّادسَ هو دَينونة قويَّة إذْ تَحْدُثُ زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ، ويَصيرُ كُلّ شَيءٍ مُظلِمًا، والشَّمْسُ تَصيرُ سَوْدَاءَ، والقَمرُ يَنطفِئ، والسَّماءُ تَنطفِئ، والنُّجومُ تَبتدئُ بالسُّقوط، والنَّاسُ يَصرُخونَ ويقولونَ للصُخورِ والجِبالِ أن تَسقُطَ عليهم. وهذهِ هي بدايةُ يَومِ الرَّبّ. ولكنَّهُ يأتي بعدَ تلكَ الدَّينوناتِ التَّمهيديَّة المَذكورة قبلَ ذلك. وسوفَ نَتحدَّثُ عنها بالتَّفصيل في دَرسِنا القادِم.
والآن عندما قالَ يسوعُ إنَّ يومَ دَينونةِ الرَّبِّ هذا سيأتي كَلِصٍّ في اللَّيل، قَصَدَ أن يَقولَ إنَّهُ سيأتي على نَحوٍ غير مُتوقَّع. فبالرَّغمِ مِن وُجودِ تَحذيراتٍ سابقة وأمورٍ تَحدُث فإنَّ العالَمَ لن يُصَدِّقَ ذلك. فَهُم لن يُصَدِّقوا ذلك. والحقيقةُ هي أنَّكُم إن نَظرتُم إلى العددِ الثَّالثِ ستَقرأونَ أنَّهُم يَقولونَ ماذا؟ ماذا يَقولون؟ "سَلاَمٌ وَأَمَانٌ". وسوفَ أَشرَحُ ذلكَ في المرَّة القادمة. ولكن كيفَ يَقولونَ ذلك؟ سوفَ أُخبرُكم كيفَ يقولونَ ذلك. وسوفَ أُخبرُكم لماذا يَقولونَ ذلك. ولكنَّ هذا هو ما سيَقولونَهُ. "سَلامٌ! سوفَ يَكونُ كُلُّ شَيءٍ على ما يُرام!" كيفَ تُصَدِّقونَ ذلكَ بالرَّغمِ مِن كُلِّ تلكَ الأشياءِ الَّتي تَحدُثُ مِن زَلازِل وحُروب وأخبار حُروب ومَجاعات؟ ولكنَّ هذا هو ما يَقولونَهُ! فَهُم لن يَتوقَّعوا ذلك. لِذا، هناكَ دائمًا شُعورٌ بِقُرْبِ حُدوثِ ذلك. فسوفَ يأتي ذلكَ اليومُ كَلِصٍّ. فسوفَ يكونُ مَجيئُهُ كَلِصٍّ. فسوفَ يأتي في وقتٍ لا تَتوقَّعونَهُ إذْ إنَّهُ سيأتي بَغْتَةً. فهناكَ دائمًا ذلكَ الشُّعورُ بالتَّرقُّبِ والدُّنُوِّ والتَّوقُّعِ في المقاطِعِ الَّتي تَتحدَّثُ عن يومِ الرَّبّ.
استمعوا إلى ما جاءَ في سِفْر حِزْقيال 30: 3: "لأَنَّ الْيَوْمَ قَرِيبٌ، وَيَوْمٌ لِلرَّبِّ قَرِيبٌ". ونَقرأُ في سِفْر يوئيل 2: 1: "لأَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ قَادِمٌ، لأَنَّهُ قَرِيبٌ". ونَقرأُ في سِفْر يوئيل 3: 14: "لأَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ قَرِيبٌ". ونَقرأُ في سِفْر عُوبَدْيا 15: "فَإِنَّهُ قَرِيبٌ يَوْمُ الرَّبِّ عَلَى كُلِّ الأُمَمِ". ونَقرأُ في سِفْر صَفَنْيا 1: 7: "لأَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ قَرِيبٌ". ونَقرأُ في سِفْر زَكريَّا 14: 1: "هُوَذَا يَوْمٌ لِلرَّبِّ يَأتِي". فقد كانوا يَقولونَ ذلكَ آنذاك معَ أنَّنا لم نَرَ ذلكَ اليوم بعد. فقد كانَ هناكَ دائمًا شُعورٌ بأنَّهُ سيأتي في أيَّةِ لَحظَة.
وكانَ الأنبياءُ أيضًا يَنظرونَ إلى يومِ رَّبٍّ تَاريخيٍّ قَريب يَكونُ تَمهيدًا ليومِ الرَّبِّ الأخير. لِذا، يجب عليَّ أن أقولَ لكم ما يَلي؛ وهي فِكرة مُهمَّة جدًّا مُختصَّة بالتَّفسير: عندما يَكتُبُ الأنبياءُ عن يومِ الرَّبِّ فإنَّهم يَنظرونَ إلى شَيئَيْن. فَهُم يَنظرونَ إلى يومِ رَبٍّ تاريخيٍّ سيَحدُثُ قريبًا، وَهُم يَنظرونَ إلى التَّحقيقِ الكامِلِ في يومِ الرَّبِّ الأخير. لِذا فإنَّنا نُسَمِّي تلكَ نُبوءة قريبة وبَعيدة. وهي تَتطلَّبُ تَفسيرًا قريبًا وبعيدًا. ولا يَنبغي لنا أن نَتَعَجَّبَ مِن ذلك. فالكثيرُ مِنَ المَزاميرِ الَّتي كَتَبَها داوُدُ عن نَفسِه كانت مَسيحانيَّة. أليسَ كذلك؟ فقد كانَ يتحدَّثُ في الحقيقةِ عنِ المسيح. فعندما قالَ داودُ في المَزمور 69 إنَّ "تَعْيِيرَاتِ مُعَيِّرِيكَ وَقَعَتْ عَلَيَّ"، وإنَّ "غَيْرَةَ بَيْتِكَ أَكَلَتْنِي"، كانَ يَقولُ في الحقيقة: "يا رَبُّ، أنا أُحبُّكَ كثيرًا، وأغارُ جدًّا على بَيتِكَ حَتَّى إنَّهُ عندما يُهينُكَ أَحَدٌ فإنِّي أشعُرُ بالألم". وَهُوَ يَتحدَّثُ عن قَلبِهِ هو شخصيًّا. وعندما جاءَ يسوعُ وطَهَّرَ الهيكلَ، كانَ داودُ يَتحدَّثُ عنه. لِذا، يُمكنكم أن تَرَوْا في الأُفُقِ في العَديدِ مِنَ المَزاميرِ المَسيحانيَّةِ المَسيَّا بالرَّغمِ مِن أنَّهُ يتحدَّثُ عن شخصٍ في الماضي. كذلكَ، اقرأوا الآية إشعياء 7: 14: "هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا". عندما تَقرأونَ هذهِ الكلمات، قد تَظُنُّونَ أنَّها تَتحدَّثُ عن شَيءٍ سيَحدُثُ في فَترةِ حياةِ إشعياء. ولكن عندما تَصِلونَ إلى العهدِ الجديدِ وتَنظرونَ إلى الوراءِ تَجدونَ أنَّها تَتحدَّثُ عنِ المسيَّا. لِذا، هناكَ أهميَّة قَريبة وبَعيدة في مَرَّاتٍ كثيرة.
وعندما نأتي إلى النُّبوءاتِ المُختصَّةِ بيومِ الرَّبِّ، نَجِدُ أنَّ هذا هو ما يَحدُث عادةً. واسمَحوا لي أن أُقدِّمَ لكم مَثلاً على ذلك. انظروا إلى سِفْر عُوبَدْيا. فالأعدادُ مِن 1 إلى 14 مِن سِفْر عُوبَدْيا تَتحدَّثُ عنِ الدَّينونةِ على أَدوم. فاللهُ سيَدينُ أَدومَ؛ تلكَ الأُمَّة المُجاورة الَّتي رَفَضَت اللهَ الحَقيقيَّ. وَهُوَ يَقولُ: سوفَ أُرسِلُ دَينونَتي عليك يا أَدوم. وهي دَينونةٌ تُشبِهُ دَينونةَ يَومِ الرَّبِّ. ولكن عندما تَصِلونَ إلى العدد 15 تَقرأونَ أنَّهُ يَقول إنَّ يومَ الرَّبِّ قَريبٌ على كُلِّ الأُمم. وَهُوَ يَنتقل بوضوحٍ إلى نِهايةِ الدَّهر ويَبتدئُ في وَصفِ نِهايةِ الدَّهرِ وكيفَ أنَّ كُلَّ الأُمَم ستُدان. وقبلَ نِهايةِ السِّفرِ، في نِهايةِ العدد 21، نَقرأُ أنَّ المُلْكَ سيَكونُ للرَّبِّ، وأنَّ الرَّبَّ سيَملِكُ بعدَ تلكَ الدَّينونةِ الأخيرة.
انظروا إلى سِفْر صَفَنْيا، وَهُوَ بعدَ بِضعة أسفار إلى الأمام. فالأصحاحُ الأوَّلُ مِن سِفْر صَفَنْيا يَتطلَّعُ إلى يومِ الرَّبِّ. ونَقرأُ في العَدد 7؛ أيْ في سِفْر صَفَنْيا 1: 7: "اُسْكُتْ قُدَّامَ السَّيِّدِ الرَّبِّ، لأَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ قَرِيبٌ". وَهُوَ يَمضي في وَصْفِ يومِ الرَّبِّ إلى نِهايةِ العَدد 14 حيثُ يَقول: "قَرِيبٌ يَوْمُ الرَّبِّ الْعَظِيمِ. قَرِيبٌ وَسَرِيعٌ جِدًّا. صَوْتُ يَوْمِ الرّبِّ". فهو يَقولُ: اسمَعوا... اسمَعوا... اسمَعوا! يُمكِنُكم أن تَسمعوه. يُمكِنُكم أن تَسمعوه. وبالمُناسبة، لقد كانَ يَتنبَّأُ قبلَ نَحْوِ خَمس عشرة سنة فقط مِنَ السَّبْيِ البابليِّ ليهوذا في سنة 605. لِذا فإنَّهُ يَقولُ إنَّ يومَ الربِّ سيأتي قريبًا. وَهُوَ يَتحدَّثُ عن يومِ رَبٍّ تاريخيٍّ سيأتي عندما يُساقونَ إلى السَّبيِ ويُؤخَذونَ مِن أرضِهم. ولكن عندما تَصِلونَ إلى الأصحاحِ الثَّالثِ مِن هذهِ النُّبوءةِ الصَّغيرةِ تَجِدونَ أنَّهُ يَنتقلُ فجأةً عَبْرَ آلافِ السِّنين إلى يومٍ آخر في الأصحاحِ الثَّالثِ والأعداد مِن 8 إلى 20. ولا أريدُ أن أُخَصِّصَ وقتًا لقراءةِ هذا المَقطعِ؛ ولكنَّهُ ينظرُ إلى يومِ الرَّبِّ الأخير وإلى تأسيسِ مَلكوتِ المسيح بعدَ أن تَحِلُّ دَينونةُ يومِ الرَّبِّ على كُلِّ العالَم. وإشعياءُ يَفعلُ الشَّيءَ نَفسَهُ. ولا أريدُ أن آخُذَكُم إلى ذلكَ السِّفر؛ ولكنَّهُ يتحدَّثُ عن الأحداثِ الَّتي ستُؤدِّي إلى مَجيءِ يومِ الربِّ الأخيرِ ذاكَ عندما تَمَّ سَبْيُ مَملكةِ يَهوذا. ثُمَّ إنَّ إشعياءَ يَنتقلُ إلى يومِ الرَّبِّ المُستقبليِّ الأخيرِ ويَقفِزُ مِنَ الأحداثِ التَّاريخيَّةِ إلى الحَدثِ المُستقبليِّ أوِ الأخيرِ مِن جِهَةِ الدَّينونة: ذلكَ اليوم العظيم الَّذي ستُحاسَبُ فيهِ كُلُّ الأُمَم.
لِذا، كانَ هذا هو النَّمَطُ النَّبويُّ السَّائِد. وعليهِ، عندما تَدرسونَ العهدَ القديمَ وتَقرأونَ مَقطعًا عن يومِ الرَّبِّ، قد تَجدونَ أنَّ أنبياءَ العهدِ القديمِ يَدمِجونَ كثيرًا بينَ الأحداثِ التَّاريخيَّةِ والمُستقبليَّةِ ويَخلِطونَها كثيرًا معًا حَتَّى إنَّكُم قد تَجِدونَ صُعوبةً كبيرةً في التَّمييزِ بينَ الأحداثِ التَّاريخيَّةِ والمُستقبليَّة. ولكن لا تَسمحوا لذلكَ أن يُحبِطَكُم. فهذا أمرٌ صَعبٌ جدًّا. ولكنَّهم كانوا يَرَوْنَ مُؤشِّراتٍ أساسيَّة تَدُلُّ على أنَّ دَينونةَ الرَّبِّ قادِمَة، يَعقُبُها مَجيءُ الرَّبِّ في دَينونةِ يومِ الرَّبِّ الَّتي سيَسبي فيها الشَّعبَ كنَموذجٍ لليومِ الأخيرِ الَّذي سيَسمَحُ فيهِ بحدوثِ دَينوناتٍ بَشريَّة تَمهيديَّة يَعمَلُ مِن خِلالها على إهلاكِ غيرِ المؤمنينَ بطريقة خارقة للطَّبيعة. لِذا، كما قالَ أحدِ الكُتَّابِ، فإنَّ اليومَ المُستقبليَّ يَقِفُ في الخَلفيَّة ويَلوحُ في الأُفُق. وقد كَتَبَ يَقول: "كانَ يومُ الرَّبِّ قريبًا لأنَّهُ كانَ سيَعملُ. وكانتِ الأحداثُ التَّاريخيَّةُ تُشيرُ بالمَعنى الحَقيقيِّ إلى تَرَقُّبِ الحَدَثِ المُستقبليِّ الأخير. فالقُرْبُ التَّاريخيُّ الوشيكٌ ليومِ الرَّبِّ لم يَكُن يَضُمُّ كُلَّ ما يَعنيهِ يومُ الرَّبِّ. فقد كانَتِ الأحداثُ التَّاريخيَّةُ والأحداثُ المُستقبليَّةُ تَعملانِ معًا بصورةٍ ديناميكيَّة لأنَّهُما كانا معًا يومَ الرَّبّ" [نهايةُ الاقتباس]. هذا هو ما قالَهُ "جورج لاد" (George Ladd).
والآن، عندما تَنظرونَ إلى الوَصفِ الخاصِّ بمجيءِ يومِ الرَّبِّ فإنَّ يوئيل يُعطينا على الأرجَح جُملةً مُباشرةً عن طَبيعتِه. استَمِعوا إلى ما يَقول إذ نَقرأُ في سِفْر يوئيل 2: 30: "وَأُعْطِي عَجَائِبَ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، دَمًا وَنَارًا وَأَعْمِدَةَ دُخَانٍ. تَتَحَوَّلُ الشَّمْسُ إِلَى ظُلْمَةٍ، وَالْقَمَرُ إِلَى دَمٍ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ يَوْمُ الرَّبِّ الْعَظِيمُ الْمَخُوفُ. وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ يَنْجُو". فالأشخاصُ الَّذينَ يَعرفونَ الرَّبَّ سيَنجونَ مِن ذلك. ولكنَّ ذلكَ اليومَ سيأتي. فالسَّماءُ ستُظلِم. وسوفَ يكونُ هناكَ دَمٌ، ونارٌ، ودُخانٌ، وظلامٌ، ثُمَّ ستكونُ هُناكَ دَينونةٌ مُريعة. وإن كُنتُم تَظُنُّونَ أنَّ هذا الوَصفَ تَصويريٌّ جدًّا فإنَّ العهدَ الجديدَ يُقدِّمُ وَصفًا تَصويريًّا أكثرَ مِن ذلك. وسوفَ نَعودُ للتَّأمُّلِ في ذلكَ الوصفِ الَّذي يُقدِّمُهُ العهدُ الجديد. وَهُوَ وَصفٌ مُخيف. ولكنَّهُ يَقولُ إنَّ يومَ الربِّ آتٍ. فهو سيأتي كَلِصِّ في اللَّيل. وما مَعنى ذلك؟ أي أنَّهُ سيأتي بَغتةً أو فجأةً ويُلاقَى بعدمِ تَرحيبٍ لأنَّهُ سيكونُ مُرَوِّعًا. فسوفَ يَجلِبُ دَمارًا عَظيمًا. وَهُوَ لن يُلاقَى بالتَّرحيب. وَهُوَ سيكونُ سَريعًا. وَهُوَ لن يكونَ مُتوقَّعًا. ولكنَّهُ سيأتي.
ولا شَكَّ في أنَّ بولسَ شَعَرَ بأنَّ الاختِطافَ قد يَحدُثُ في فَترةِ حَياتِه كما كانَ يَشعُرُ جَميعُ المؤمنين. وكانَ يُؤمِنُ بأنَّ يومَ الرَّبِّ يَأتي بعدَ الاختِطاف. ولكن لن يكونَ هُناكَ أيُّ مُؤمِنٍ في يومِ الرَّبّ. أمَّا وقتُ كُلِّ تلكَ الأحداثِ فلا نَعرفهُ. فنحنُ لا نَعرِفُ مَتى سيأتي الرَّبُّ لاختِطافِ كَنيستِه. ونحنُ لا نَعرفُ اللَّحظةَ أوِ اليومَ أوِ السَّاعةَ الَّتي سيأتي فيها بالدَّينونةِ المُريعةِ على غيرِ المُؤمِنين. وقد تقول: "مَهلاً مِن فَضلِك! عندما تَبتدئُ تلكَ الأحداثُ، أَلَن يَعرِفَ ذلكَ الأشخاصُ الأحياءُ في ذلكَ الوقت؟" صَحيحٌ أنَّهُم يَملِكونَ كُلَّ تلكَ المعلوماتِ؛ ولكنَّهم لن يَعرفوا اليومَ أوِ السَّاعة. وَهُم سيُخطِئونَ أيضًا في تَحديدِ ذلك. وسوفَ يَقولونَ سَلامٌ وماذا؟ وأمان. ولتشجيعِكُم يا أحبَّائي، وتَشجيعِ المؤمنينَ آنذاكَ فإنَّ بولُسَ يَقولُ في العددِ الرَّابع: "وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ فَلَسْتُمْ فِي ظُلْمَةٍ". فاللِّصُّ يأتي في اللَّيل. ولكنَّكُم لستُم في ظُلمةٍ حَتَّى يُدْرِكَكُمْ ذلِكَ الْيَوْمُ. نحنُ في الأصحاحِ الرَّابع. ألستُم سُعداء؟ فنحنُ لسنا في الأصحاحِ الخامِس. ولكن سيكونُ هناكَ أشخاصٌ يَشهدونَ ما جاءَ في الأصحاحِ الخامِس... الكثيرُ مِنَ الأشخاصِ سَيَشهَدونَ ما جاءَ في الأصحاحِ الخامِس.
وقد تَقول: "هل للأصحاحِ الخامِسِ أيَّة تَطبيقاتٍ علينا؟" أجل، أجل. فهو يَقولُ في العددِ الخامِس: "[حيثُ إنَّنا] أَبْنَاءُ نُورٍ وَأَبْنَاءُ نَهَارٍ، [وإنَّنا] لَسْنَا مِنْ لَيْل وَلاَ ظُلْمَةٍ، فَلاَ نَنَمْ إِذًا كَالْبَاقِينَ، بَلْ لِنَسْهَرْ وَنَصْحُ". وهو يَقولُ في العددِ الثَّامن: "لِنَتَّصِف بالإيمانِ والمحبَّة والرَّجاء". بعبارة أخرى، لِنَحيا حَياةً تُوافِقُ حَقيقةَ أنَّنا أبناءُ نَهار. لِنَصْحُ. لِنَكُن لا مِثلَ أهلِ العالَمِ النِّيام والسَّكارى الَّذين يَعيشونُ في ظُلمة؛ بل لِنَكُن سَاهِرينَ دائمًا ومُستعدِّينَ دائمًا لمجيءِ الرَّبّ. فيجب أن يَترُكُ ذلكَ الأمرُ تأثيرًا هائلاً في حَياتِنا لأنَّهُ يجب علينا أن نَسلُكَ كما ينبغي لأبناءِ النَّهارِ أن يَسلُكوا، وألاَّ نَكونَ مِثلَ أبناءِ الظُّلمة. وسوفَ نُتابِعُ الحَديثَ عن تلكَ الحقائقِ العظيمةِ في الدَّرسِ القادِم.
يا أبانا، نَشكُرُكَ على وَقتِنا في هذا الصَّباح. فقد تَحَدَّثنا عن أمورٍ كثيرةٍ جدًّا، ولكنَّنا بالرَّغمِ مِن ذلكَ لم نَقُل الكثير. نَشكرُكَ على الرَّجاءِ العظيمِ الَّذي لنا بأنَّنا سَنُخطَفُ في يَومٍ لا نَعرِفُهُ لمُلاقاةِ يَسوعَ في الهَواءِ ونَتَّحِدُ بكُلِّ أولئكَ الَّذي رَقَدوا في المسيح لكي نُؤخَذَ إلى المَكانِ الَّذي أَعدَدتَهُ لنا لنكونَ إلى الأبدِ مَعَك. وحينئذٍ سنَعلَمُ أنَّ كُلَّ الدَّينونةِ الإلهيَّةِ ستَبتدئُ في العَملِ في هذا العالَم. يا أبانا، نُصَلِّي أن نَتَعَزَّى [مِن جِهَة] بمعرفةِ أنَّ كُلَّ المؤمنينَ الأحياء أوِ الأموات سيَجتمعونَ معًا بالمسيح. وهذا أمرٌ ينبغي أن نُذَكِّرَ بعضُنا بعضًا بهِ أيضًا [مِن جِهةٍ أخرى]. وحيثُ إنَّهُ لا يَجوزُ لنا أن نَشتركَ في أعمالِ الظُّلمة، ولا أن نَنتمي إلى الظُّلمة فإنَّنا لن نَكونَ هُناكَ حينَ يأتي اللِّصُّ. ساعِدنا على ألاَّ نَعيشَ كأبناءِ ظُلمة، بل كأبناءِ نُور. وساعِدنا على ألاَّ نَقلقَ بخصوصِ الوقتِ لأنَّ الاستعدادَ الرُّوحيَّ ليسَ مُرتبطًا بمُراقبةِ السَّاعةِ أوِ الأيَّامِ، ولا صِلَةَ لَهُ بالبحثِ عنِ العَلامات؛ بل إنَّهُ مُرتبطٌ بالحياةِ المُقدَّسةِ في ضَوْءِ الحَقيقةِ القائلةِ إنَّ يسوعَ قد يأتي في أيَّةِ لَحظة. لِذا يا أبانا، ساعِدنا على أن نَعيشَ في تَرَقُّبٍ وانتظارٍ وطاعةٍ وتَعزيةٍ في أثناءِ تَطَلُّعِنا إلى تلكَ الأشياءِ الَّتي أعددتَها لنا والَّتي هي أروعُ مِن أن تُذكَر. نَشكُرُكَ لأنَّنا سنَنجو مِن يَومِ الرَّبِّ لأنَّنا لسنا أبناءَ غَضَبٍ، لا بصورةٍ مُؤقَّتةٍ ولا بصورةٍ دائمة، بل إنَّنا مُعيَّنونَ للشَّركةِ بعضُنا معَ بعضٍ ومَعَكَ. في ضَوْءِ ذلكَ الرَّجاءِ نُصَلِّي باسمِ المسيح. آمين!

This article is also available and sold as a booklet.