Grace to You Resources
Grace to You - Resource

لَقَدِ صَرَفْنا بِضْعَةَ أشْهُر في دِراسَةِ رِسالةِ بولسَ الرَّسول الأولى إلى كَنيسَةِ تَسالونيكي. وفي هذا الصَّباحِ، سَنَتأمَّلُ في ما جَاءَ في الأصْحاحِ الخَامِسِ – رِسالَة تَسالونيكي الأولى 5: 14 و 15. لِذلكَ، أرْجُو أنْ تَفتَحُوا كُتُبَكُم المُقَدَّسَة على هَذا المَقْطَعِ.

لقد قالَ "هِنري وورد بيشر" (Henry Ward Beecher): "الكَنيسَةُ ليسَتْ مَعْرِضًا فَنِّيًّا لِعَرْضِ المَسيحيِّينَ البَارِزينَ، بَلْ هِيَ مَدْرَسَةٌ لِتَعليمِ المَسيحيِّينَ غَيْرِ الكَامِلين". وَهُوَ مُحِقٌّ في ذلك. فالكنيسَةُ ليسَتْ مَكانًا للأشخاصِ الكَامِلين. بَلْ هِيَ مُسْتَشْفَى للنَّاسِ الَّذينَ يَعْلَمونَ أنَّهُمْ مَرْضَى. فَنَحْنُ لا نَدَّعي البَتَّة أنَّ الكَنيسَةَ كَامِلَة. والحَقيقَةُ هِيَ أنَّنا نُؤكِّدُ بِشِدَّة أنَّها ليسَتْ كَذلك.

وَقَدْ كَتَبَ "تشارلز موريسون" (Charles Morrison): "الكَنيسَةُ المَسيحيَّةُ هِيَ مُجْتَمَعٌ يَضُمُّ خُطاةً". وَالحَقيقَةُ هِيَ أنَّهُ قَالَ: "إنَّها المُجْتَمَعُ الوَحيدُ في العَالَمِ الَّذي يُشْتَرَطُ فيهِ أنْ يَكونَ المَرْءُ المُرَشَّحُ للعُضْوِيَّةِ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ لِهَذِهِ العُضْوِيَّة".

إنَّ الكَنيسَةَ تُعاني مَشاكلَ كثيرةً لأنَّها مُمتلئةٌ بالأشخاصِ الَّذينَ يُسَبِّبونَ المَشاكِلَ لأنَّهُم جميعًا خُطاة. فَمَعَ أنَّهُمْ مُخَلَّصُونَ بالنِّعْمَةِ، فإنَّهُمْ يَعيشونَ في أجْسادٍ بَشريَّةٍ لَمْ تَخْتَبِرِ الفِداءَ بَعْد، وَما زَالَتْ تُصَارِعُ ضِدَّ الخَطِيَّةِ. لِذا فإنَّ مِقْدارَ نُمُوِّ الكَنيسَةِ رُوْحِيًّا يَعْتَمِدُ على قُدْرَتِها على التَّعامُلِ مَعَ الخَطِيَّةِ في الدَّاخِلِ.

إذًا، عَمَلِيَّةُ نُمُوِّ الكَنيسَةِ هِيَ عَمليَّةُ اسْتِئصالِ التَّعَدِّي، واسْتِئصالِ الإثْمِ، واسْتِئْصالِ الخَطِيَّةِ. فَإنْ أرادَتِ الكَنيسَةُ أنْ تَمْضي قُدُمًا بِقُوَّة وَأنْ تَكونَ كُلَّ مَا يُريدُ لَها اللهُ أنْ تَكون، يَجِبُ عليها أنْ تَتعامَلَ مَعَ خَطيئَتِها الدَّاخِلِيَّة.

وَمَا زَالَ يَنْبَغي على العَالَمِ أنْ يَرى مَا يُمْكِنُ للكنيسَةِ الطَّاهِرَةِ والمُقَدَّسَةِ تَمامًا أنْ تَفْعَلَهُ. وَأقْرَبُ صُوْرَةٍ لِذلكَ هِيَ الكَنيسَةُ البَاكِرَةُ. وَرُبَّما كَانَ السَّبَبُ في ذلكَ هُوَ أنَّ تلكَ الكَنيسَةَ أَظْهَرَتْ حَماسَةً وَحَرارَةً وَطَهارَةً وَطَاقَةً لا مَثيلَ لَها في التَّاريخِ اللَّاحِقِ.

وَإذا أَخَذْنا بعينِ الاعْتبارِ أنَّ النُّمُوَّ الرُّوحِيَّ هُوَ البُعْدُ الرُّوحِيُّ الوَحيدُ الَّذي يَهْتَمُّ اللهُ بِهِ، فإنَّهُ يَتَوافَقُ تَمامًا مَعَ الطَّريقَةِ الَّتي نَتَعامَلُ فيها مَعَ الإخْفاقاتِ في وَسْطِنا. وَالرَّسولُ بولسُ يُريدُ أنْ يُساعِدَنا على القِيامِ بذلكَ مِنْ خِلالِ هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ سَنَتَأمَّلُ فيهِما بَعْدَ لَحَظاتٍ قَليلَة. وَلَكِنْ إنْ رَجَعْنا قَليلًا إلى الوَراءِ، وَنَظَرْنا إلى الكَنيسَةِ، وَطَرَحْنا السُّؤالَ التَّالي: "كَيْفَ يُمْكِنُنا أنْ نُصَنِّفَ الأشخاصَ الَّذينَ يُسَبِّبونَ المَشاكِلَ في الكَنيسَةِ؟" فَإنَّنا سَنَجِدُ خَمْسَ فِئاتٍ – خَمْسَ فِئاتٍ مِنَ النَّاسِ الَّذينَ يُسَبِّبونَ المَشاكِلَ في الكَنيسَةِ، وَيُعَطِّلونَ نُمُوَّ الكَنيسَةِ وَقُدْرَتَها. الفِئَةُ الأولى هِيَ فِئَةُ المُعانِدين ... المُعَانِدين. فَهُمْ لا يَسيرونَ البَتَّةَ مَعَ الآخَرين. بَلْ هُمْ دَائِمًا لَيْسُوا مُتَناغِمينَ مَعَ البَقِيَّة. وَهُمْ لا يُوافِقونَ الجَماعَةَ، وَلا يَسيرونَ وَفْقًا للبَرْنامَجِ. فَعندما يَكونُ الجَميعُ سَائِرًا إلى الأمامِ، نَراهُمْ يَتَخَلَّفونَ عَنِ البَقِيَّةِ. وعندما يُبادِرُ الجَميعُ إلى مَلْءِ الصُّفوفِ وَالقِيامِ بِما هُوَ مَطْلُوبٌ مِنْهُمْ، فإنَّهُمْ يَقِفونَ في الخَارِجِ وَيَتَقاعَسُونَ عَنِ القِيامِ بِواجِباتِهِمْ، ولا يُبْدُونَ أيَّ اهْتِمامٍ بالخِدْمَةِ، ولا يُبْدونَ أحْيانًا اهْتمامًا بالعَطاءِ، بَلْ هُمْ مُتَباطِئونَ أوْ حَتَّى يَبْدُونَ كَالمُتَسَكِّعين. وَهُمْ يَقِفونَ حَجَرَ عَثْرَةٍ في طَريقِ تَقَدُّمِ الكَنيسَةِ. وَهُمْ غَيْرُ مُنَظَّمينَ. وَهُمْ يُشْبِهونَ الشَّخْصَ الَّذي يَتَغَيَّبُ دُوْنَ عُذْرٍ. وَقَدْ يَكونُ هَؤلاءِ فَاتِرينَ، أوْ مُشاكِسينَ أوْ مُتَمَرِّدينَ أحْيانًا. وَأعتقدُ أنَّ الأشْخاصَ الَّذينَ يَنْتَمونَ إلى هَذِهِ الفِئَةَ يَتَراوَحونَ بينَ الفُتورِ وَالتَّمَرُّدِ. إنَّهُمْ فِئَةُ المُعانِدين. فَهُمْ لا يَسيرونَ البَتَّةَ في الاتِّجاهِ الَّذي يَسيرُ فيهِ الآخَرونَ بِنِظامٍ. فَهُمْ يُعارِضُونَ كُلَّ شَيءٍ.

وَالفِئَةُ الثَّانِيَةُ الَّتي قَدْ تُؤثِّرُ سَلْبًا في نُمُوِّ الكَنيسَةِ وَحَياتِها وَقُوَّتِها هِيَ فِئَةُ الأشْخاصِ القَلِقين ... الأشْخاصِ القَلِقين. فَهَذِهِ الفِئَةُ تَسيرُ أَساسًا بِدافِعِ الخَوْف. فَهُناكَ أشْخاصٌ في الكَنيسَةِ لا يَمْتَلِكونَ أيَّ قَدْرٍ مِنَ الشَّجاعَة. وَالعِبارَةُ المَشْهُورَةُ لِهَؤلاءِ هِيَ: "نَحْنُ لَمْ نَفْعَلْ ذلكَ بهذهِ الطَّريقَةِ مِنْ قَبْل". وَهُمْ قَادِرونَ على إعْطائِكَ عَشَرَةَ أسْبابٍ تَدْعُوكَ إلى عَدَمِ القِيامِ بِالشَّيءِ الَّذي تَقْتَرِحُ القِيامَ بِهِ.

وَهَؤلاءِ يَفْتَقرونَ إلى رُوْحِ المُغامَرَةِ. وَهُمْ يَكْرَهونَ التَّغْيير. وَهُمْ أُناسٌ تَقْليديُّونَ جِدًّا. وَهُمْ يَخافُونَ المَجْهُولَ. وَهُمْ لا يُجازِفونَ البَتَّة. وَهُمْ يَقْلَقونَ على كُلِّ شَيءٍ. وَكُلُّ شَيءٍ في الحَياةِ يَفوقُ جِدًّا طَاقَتَهُمْ على التَّحَمُّل. وَهُمْ حَزينونَ وَقَلِقونَ عَادَةً. وَقَدْ يَشْعُرونَ أحْيانًا باليأسِ، أوِ الكَآبَةِ، أوِ الإحْباطِ أوِ الهَزيمَة. فَهُمْ يَفْتَقِرونَ إلى الحَماسَةِ، والفَرَحِ، والتَّشويقِ، والإثارَةِ النَّابِعَةِ مِنْ رُوْحِ المُغامَرَةِ.

وَهُناكَ فِئَةٌ ثَالِثَةٌ وَهِيَ فِئَةُ الضُّعَفاء ... الضُّعَفاء. فَهُمْ يَتَّصِفونَ بالضُّعْفِ رُوْحِيًّا وَأدَبِيًّا. فَهُناكَ فِئَةٌ مِنَ المَسيحيِّينَ الَّذينَ يُعانُونَ ضُعْفًا في إيمانِهْم وَضُعْفًا في انْضِباطِهِمْ في الحَياةِ يَجْعَلُهُمْ عُرْضَةً للوُقوعِ في الخَطِيَّةِ. لِذا فإنَّهُمْ يَسْقُطونَ في الخَطِيَّةِ نَفْسِها المَرَّةَ تِلْوَ الأُخرى. وَحَتَّى لَوْ نَشَلْتَهُمْ مِنَ الحُفْرَةِ وَنَفَضْتَ الغُبارَ عَنْهُمْ، فإنَّهُمْ يَعُودونَ إلى نَفْسِ الحُفْرَةِ مُجَدَّدًا. فَهُمْ يُواجِهونَ صُعوبَةً جَمَّةً في عَمَلِ مَشيئَةِ اللهِ دَائمًا. وَهُمْ يُحْرِجونَ أنْفُسَهُمْ. وَهُمْ يُحْرِجونَ الكَنيسَة. وَهُمْ يُحْرِجُونَ الرَّبَّ. وَهُمْ يَحْتاجونَ إلى انْتِباهٍ شَديد. وَهُمْ يَخْتَبرِونَ الكَنيسَةَ مِنْ جِهَةِ التَّأديبِ الكَنَسِيِّ وَيَضَعونَكَ عَادَةً في مَوْقِفٍ لا تُحْسَدُ عَليهِ، وَيَدْفَعونَكَ إلى اتِّخاذِ الخُطْوَةِ الثَّانيةِ على أَقَلِّ تَقْدير.

وَهُناكَ فِئَةٌ رَابِعَةٌ وَهِيَ فِئَةُ المُتْعِبين ... المُتْعِبين. وَيُمْكِنُنا أنْ نَصِفَ هَؤلاءِ بالمُحْبَطينَ. فَهُمْ مُحْبَطونَ دائمًا وَيَجُرُّونَ أقْدامَهُمْ جَرًّا. صَحيحٌ أنَّهُمْ يَسيرونَ مَعَ الجَماعَةِ، ولكِنَّهُمْ يَسيرونَ بالسُّرعَةِ الخَاطِئَةِ. فَهُمْ لا يَلْحَقونَ بالآخَرين. فَهُمْ بِحاجَةٍ دائمةٍ إلى التَّعليمِ، وَالتَّدريبِ، والتَّلْمَذَةِ. وَيَجِبُ أنْ تَسْتَمِرَّ في التَّعَبِ عَليهِم. وفي كُلِّ مَرَّةٍ تَنْظُرُ فيها حَوْلَكَ لِتَرى مَدَى التَّقَدُّمِ الَّذي أَحْرَزوه، تَجِدُ أنَّهُمْ ابْتَعَدُوا أكْثَرَ مِنَ السَّابِق. فَكُلُّ شَيءٍ يُشَتِّتُ انْتِباهَهُمْ. وَهُمْ يُعانونَ مِنْ عَدَمِ القُدْرَةِ على تَجْميعِ أفْكارِهِمْ، وَيُواجِهُونَ صُعوبَةً بَالِغَةً في التَّرْكيز. وَهُمْ يُغيظونَكَ جِدًّا لأنَّكَ تَبْذِلُ أَقْصَى جُهْدٍ مُمْكِنٍ ولَكِنَّكَ لا تَحْصُلُ إلَّا على أَقَلِّ نَتيجَةٍ مُمْكِنَةٍ. فَهُمْ لا يُحْرِزونَ تَقَدُّمًا أوْ نُمُوًّا يُمْكِنُ أنْ يُقالَ عَنْهُ إنَّهُ طَبيعِيٌّ.

أمَّا الفِئَةُ الخَامِسَةُ وَالأخيرَةُ فَهِيَ فِئَةُ الأشْرار ... الأشْرار. فَهُمْ يَفْعَلونَ الشَّرَّ. فَهُمْ أشْخاصٌ يَفعَلونَ الشَّرَّ. فَهُمْ يَقْتَرِفونَ الخَطَايا ضِدَّ المُؤمِنينَ الآخَرينَ في الكَنيسَةِ. فَهُمْ يَفْسَخونَ الزَّواجَ. وَهُمْ يَسْتَبيحونَ بَناتهُمْ. وَهُمْ يَسْرِقونَ، وَيَغْتابونَ الآخَرينَ، وَيُشَوِّهونَ سُمْعَةَ الآخَرينَ، وَيَتَّهِمونَ الآخَرينَ زُوْرًا. إنَّهُمْ بِبَساطَةٍ: أَشْرار.

وَكَما تَعْلَمونَ، فإنَّهُ في أثْناءِ سَعْيِ الكَنيسَةِ إلى النُّمُوِّ، يَجِبُ عليها أنْ تَتَعامَلَ مَعَ هَذِهِ الفِئاتِ الخَمْسِ: المُعانِدينَ، والقَلِقينَ، وَالضُّعَفاءَ، والمُتْعِبينَ، والأشْرار. وَلا عَجَبَ أنَّ مُساعَدَةَ الرَّعِيَّةِ على النُّمُوِّ كَما يَنْبَغي هِيَ مُهِمَّةٌ صَعْبَةٌ لأنَّ جَميعَ هَذِهِ الفِئاتِ تَحْتاجُ إلى الشِّفاءِ رُوْحِيًّا.

فَالمُعانِدونَ يَحْتاجونَ إلى العَوْدَةِ إلى القَطيعِ. والقَلِقونَ يَحْتاجونَ إلى التَّحَلِّي بالمَزيدِ مِنَ الشَّجاعَةِ وَالإيمانِ والجَراءَةِ وَالثِّقَةِ. والضُّعَفاءُ يَحْتاجونَ إلى المَزيدِ مِنَ الانْضِباطِ في الحَياةِ المُقَدَّسَةِ. وَالمُتْعَبونَ يَحْتاجونَ إلى النُّهوضِ والمِضِيِّ قُدُمًا. والأشْرارُ يَحْتاجونَ إلى أنْ يَحْيَوْا حَياةً بَارَّةً. وَهُناكَ عَمَلٌ كَثيرٌ يَنْبَغي القِيامُ بِهِ لِرَدِّ هَؤلاءِ إلى الطَّريقِ القَويم.

وَبَعْدَ كُلِّ مَا قِيْلَ وَكُتِبَ عَنْ نُمُوِّ الكَنيسَةِ، وَكُلِّ هَذهِ البَياناتِ المُعَقَّدَةِ، وَكُلِّ المَبادِئِ المُتَشابِهَةِ، وَكُلِّ الخَصائِصِ الثَّقافيَّةِ، وَكُلِّ الاسْتراتيجيَّاتِ الذَّكِيَّةِ، وَكُلِّ أساليبِ التَّرفيهِ عَنِ الرَّعِيَّةِ، وَكُلِّ وَسائِلِ الدِّعايَةِ وَالإعْلانِ الَّتي يُفْتَرَضُ أنْ تُسْهِمَ في بِناءِ الكَنيسَةِ وَنُمُوِّهَا، فإنَّ أَحَدًا لَمْ يَتَحَدَّثْ بَعْد عَنِ الأُمورِ القَيِّمَةِ الَّتي تُسْهِمُ في إنْشاءِ رَعِيَّةٍ مُعَافاةٍ رُوْحِيًّا وَتُشْبِهُ المَسيحَ مِنْ خِلالِ التَّصَدِّي لِهذهِ المَشاكِلِ.

إنَّ الكِتابَ المُقَدَّسَ لا يَقولُ شَيئًا عَنِ التَّجانُسِ. وَهُوَ لا يَقولُ شَيئًا عَنِ الخَصائِصِ الثَّقافِيَّةِ. وَالكِتابُ المُقَدَّسُ لا يَقولُ شَيئًا عَنِ الاسْتراتيجيَّاتِ الذَّكِيَّةِ. والكِتابُ المقدَّسُ لا يَقولُ شَيئًا عَنْ أساليبِ التَّرْفيهِ عَنِ الرَّعِيَّةِ. والكِتابُ المُقَدَّسُ لا يَتَحَدَّثُ عَنْ أساليبِ الدِّعايَةِ والإعْلان. وَلَكِنَّهُ يَقولُ إنَّكَ إنْ أَرَدْتَ أنْ تُساعِدَ كَنيسَتَكَ على النُّمُوِّ، يَنْبَغي أنْ تُزيلَ العَوائِقَ مِنَ الطَّريق. وَيَنْبَغي أنْ تُعالِجَ كُلَّ مَا يُعيقُ نُمُوَّ الكَنيسَةِ. وَعِنْدَما تَصيرُ الكَنيسَةُ طَاهِرَةً وَمُقَدَّسَةً فإنَّها سَتَتَقَدَّمُ، وَتَعْرِفُ قُوَّةَ اللهِ، وَتَتْرُكُ تَأثيرًا هائلًا في مُجْتَمَعِها.

وَقَدْ فَهِمَ الرَّسولُ بولُسُ ذلك. وَإذا الْتَجَأتَ إلى الرَّسُولِ بولُس لِتَتَعَلَّمَ مِنْهُ المَبادِئَ المُخْتَصَّةَ بِنُمُوِّ الكَنيسَةِ، فَإنَّ أوَّلَ شَيءٍ سَتَعْرِفُهُ هُوَ الهَدَفُ الَّذي يَسْعَى إليهِ – أيْ مَا يَرْجُو أنْ تُحَقِّقَهُ الكَنيسَة. فَهَلْ هُوَ يُريدُها أنْ تَصيرَ كَنيسَةً أكْبَر، أوْ أكْثَرَ غِنًى، أوْ أكْثَرَ شُهْرَةً، أوْ أكْثَرَ قَبُولًا في المُجتمَع؟ لِنَتَعَرَّفْ إلى فِكْرِهِ مِنْ نَحْوِ الكَنيسَة.

افْتَحُوا على الأصْحاحِ الأوَّلِ مِنَ رِسَالَتِهِ الأولى إلى أهْلِ تَسالونيكي. فَهُوَ يُريدُ أنْ تَصيرَ هَذِهِ الكَنيسَةُ نَموذَجًا وَقُدْوَةً لأيِّ كَنيسَةٍ أُخرى. وَهُوَ يَقولُ: "نَشْكُرُ اللهَ كُلَّ حِينٍ مِنْ جِهَةِ جَمِيعِكُمْ، ذَاكِرِينَ إِيَّاكُمْ فِي صَلَوَاتِنَا". فَقَدْ كَانَ شَاكِرًا جِدًّا لأجْلِ هَذِهِ الكَنيسَةِ ... شَاكِرًا جِدًّا.

وَالآنْ، مَا الَّذي جَعَلَهُ شَكُورًا جِدًّا؟ انْظُروا إلى نِهايَةِ الأصْحاحِ الثَّاني إذْ يَقول: "لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ مَجْدُنَا وَفَرَحُنَا". وَهُوَ يَقولُ في نِهايَةِ الأصْحاحِ الخَامِسِ: "سَلِّمُوا عَلَى الإِخْوَةِ جَمِيعًا بِقُبْلَةٍ مُقَدَّسَةٍ" (في العَدَد 26). فَقَدْ كانَتْ مَشاعِرُهُ جَيَّاشَةً تُجاهَ هَذِهِ المَجموعَةِ. وَالسَّبَبُ في ذلكَ هُوَ أنَّهُمْ كانُوا يَسيرونَ باتِّجاهِ الهَدَفِ الصَّحيح، وَلأنَّهُمْ كانُوا يُصَوِّبونَ نَحْوَ الهَدَفِ الصَّحيح.

عِنْدَما أَنْظُرُ إلى جَميعِ الخُبَراءِ في مَجالِ نُمُوِّ الكَنيسَةِ، لا يَسَعُني إلَّا أنْ أُفَكِّرَ في خُروجِ دَاوُدَ لِمُقاتَلَةِ جُلْيات. فَقَدْ جَاءَ شَاوُلُ وَأَعْطَى دِرْعَهُ لِدَاوُد. وَهَلْ تَذْكُرونَ ما جَاءَ في سِفْرِ صَموئيلَ الأوَّل 17: 39؟ فَنَحْنُ نَقرأُ: "فَتَقَلَّدَ دَاوُدُ بِسَيْفِهِ فَوْقَ ثِيَابِهِ وَعَزَمَ أَنْ يَمْشِيَ، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ جَرَّبَ. فَقَالَ دَاوُدُ لِشَاوُلَ: «لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَمْشِيَ بِهذِهِ، لأَنِّي لَمْ أُجَرِّبْهَا». وَنَزَعَهَا دَاوُدُ عَنْهُ". وَقَدْ خَرَجَ دَاوُدُ وَأَخَذَ مِقْلاعَهُ لأنَّهُ كَانَ مُعْتادًا عَليهِ. وَكانَتْ تِلْكَ هِيَ نِهايَةُ جُلْيَات.

والطَّريقَةُ الوَحيدَةُ الَّتي تَسْتَطيعُ الكَنيسَةُ مِنْ خِلالِها أنْ تَقْتُلَ كُلَّ جُلْياتٍ يَقِفُ أَمامَها هِيَ أنْ تَفْعَلَ الشَّيءَ الَّذي اعْتادَتْ أنْ تَفْعَلَهُ، وَأنْ تَفْعَلَ مَا يَنْبَغي أنْ تَفْعَلَهُ وَما تَعَلَّمَتْهُ وَتَدَرَّبَتْ عَليهِ. وَسَوْفَ يَكونُ هُناكَ دَائِمًا أشْخاصٌ مِثْلَ شَاوُلْ يَرْغَبونَ في تَدْجيجِ المُؤمِنينَ بالأسْلِحَةِ والدُّروعِ. ولَكِنَّنا في حَالٍ أَفْضَلْ جِدًّا عِنْدَما نَسْتَخْدِمُ الأسْلِحَةَ الَّتي نُحْسِنُ اسْتِخْدامَها.

وَقَدْ كانَ بولسُ واضحًا جِدًّا بخُصوصِ هَدَفِ الخِدْمَة. انْظُروا إلى الأصْحاحِ الثَّاني والعَدَدِ العَاشِر. وَلْنَبْتَدِئ بِالنَّظَرِ إلى مَا كَانَ يَنْظُرُ إليهِ مِنْ جِهَةِ تَقَدُّمِ الكَنيسَةِ وَنُمُوِّها. فَنَحْنُ نَقْرَأُ في الأصْحاحِ الثَّاني والعَدَدِ العَاشِرِ: "أَنْتُمْ شُهُودٌ، وَاللهُ، كَيْفَ بِطَهَارَةٍ وَبِبِرّ وَبِلاَ لَوْمٍ كُنَّا بَيْنَكُمْ أَنْتُمُ الْمُؤْمِنِينَ. كَمَا تَعْلَمُونَ كَيْفَ كُنَّا نَعِظُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ كَالأَبِ لأَوْلاَدِهِ، وَنُشَجِّعُكُمْ".

حَسَنًا! أنْتُمْ تَعْمَلونَ حَقًّا على تَحْقيقِ ذلك. وَلَكِنْ مَا الَّذي تُحاوِلونَ القِيامَ بِهِ لِكَيْ تَسْلُكوا كَمَا يَحِقُّ للهِ الَّذِي دَعَاكُمْ إِلَى مَلَكُوتِهِ وَمَجْدِهِ؟ فَهَدَفي لأجْلِكُمْ هُوَ أنْ تَسْلُكُوا كَما يَحِقُّ للهِ الَّذي دَعاكُمْ. افْتَحُوا على الأصْحاحِ الثَّالِثِ وَالعَدَدِ الأوَّل: "لِذلِكَ إِذْ لَمْ نَحْتَمِلْ أَيْضًا اسْتَحْسَنَّا أَنْ نُتْرَكَ فِي أَثِينَا وَحْدَنَا. فَأَرْسَلْنَا تِيمُوثَاوُسَ أَخَانَا، وَخَادِمَ اللهِ، وَالْعَامِلَ مَعَنَا فِي إِنْجِيلِ الْمَسِيحِ".

يَقولُ بولُس: "لَمْ أَعُدْ أَحْتَمِلُ ذلك. لَمْ أَعُدْ أَحْتَمِلُ عَدَمَ مَعْرِفَةِ أحْوالِكُمْ وَعَدَمَ رُؤيَةِ أيِّ نُمُوٍّ رُوْحِيٍّ. وَمَعَ أنَّ ذلكَ كَانَ يَتَطَلَّبُ أنْ أَبْقى وَحيدًا في أثينا، فَقَدْ أرْسَلْتُ تيموثَاوُس. وبالمُناسَبَة، كانَ "سِيْلا" أيضًا قَدْ تَرَكَ مَكِدونِيَّة. وَيَقولُ بولُسُ: "فَأَرْسَلْنَا تِيمُوثَاوُسَ أَخَانَا، وَخَادِمَ اللهِ، وَالْعَامِلَ مَعَنَا فِي إِنْجِيلِ الْمَسِيحِ حَتَّى يُثَبِّتَكُمْ وَيَعِظَكُمْ لأَجْلِ إِيمَانِكُمْ، كَيْ لاَ يَتَزَعْزَعَ أَحَدٌ فِي هذِهِ الضِّيقَاتِ [فَقَدْ كَانُوا يَتَعَرَّضُونَ للاضْطِهاد]. فَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّنَا مَوْضُوعُونَ لِهذَا. لأَنَّنَا لَمَّا كُنَّا عِنْدَكُمْ، سَبَقْنَا فَقُلْنَا لَكُمْ: إِنَّنَا عَتِيدُونَ أَنْ نَتَضَايَقَ، كَمَا حَصَلَ أَيْضًا، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ. مِنْ أَجْلِ هذَا إِذْ لَمْ أَحْتَمِلْ أَيْضًا، أَرْسَلْتُ لِكَيْ أَعْرِفَ إِيمَانَكُمْ، لَعَلَّ الْمُجَرِّبَ يَكُونُ قَدْ جَرَّبَكُمْ، فَيَصِيرَ تَعَبُنَا بَاطِلاً".

فَقَدْ كانَ يُريدُ مِنْهُمْ أنْ يَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ. وَقَدْ كانَ يُريدُ مِنْهُمْ أنْ يَمْتَلِكُوا إيمانًا قويًّا وَنَامِيًا. وَقَدْ كانَ يُريدُ مِنْهُمْ أنْ يَحْتَمِلوا الاضْطِهادَ والضِّيق. وَهُوَ يَقولُ في العَدَدِ الثَّامِنِ: "لأَنَّنَا الآنَ نَعِيشُ إِنْ ثَبَتُّمْ أَنْتُمْ فِي الرَّبِّ". فَقَدْ كانَ يُريدُ مِنْهُمْ أنْ يَكونوا أَقْوياءَ رُوحِيًّا. وَهُوَ يَقولُ في العَدَدِ العَاشِرِ: "طَالِبِينَ لَيْلاً وَنَهَارًا أَوْفَرَ طَلَبٍ، أَنْ نَرَى وُجُوهَكُمْ". لِماذا؟ لِكَيْ "نُكَمِّلَ نَقَائِصَ إِيمَانِكُمْ".

وَكَما تَرَوْنَ، فَقَدْ كانَ يَرْجو أنْ يَمْتَلِكُوا إيمانًا قَوِيًّا وَنَاضِجًا. وَهَذا هُوَ القَصْدُ مِنْ صَلَواتِهِ وَجُهودِهِ. وَهَذا هُوَ ما كَانَ يَسْعَى إليه. وَهُوَ يَقولُ الآنَ في هَذهِ الطِّلْبَةِ العَظيمَةِ: "وَاللهُ نَفْسُهُ أَبُونَا وَرَبُّنَا يَسُوعُ الْمَسِيحُ يَهْدِي طَرِيقَنَا إِلَيْكُمْ. وَالرَّبُّ يُنْمِيكُمْ وَيَزِيدُكُمْ فِي الْمَحَبَّةِ بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ". بِعِبارَةٍ أُخرى، نَحْنُ نُريدُ مِنْكُمْ أنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا أكْثَرَ فَأكْثَر. "وَلِلْجَمِيعِ، كَمَا نَحْنُ أَيْضًا لَكُمْ، لِكَيْ يُثَبِّتَ قُلُوبَكُمْ بِلاَ لَوْمٍ فِي الْقَدَاسَةِ، أَمَامَ اللهِ أَبِينَا".

أَتَرَوْن؟ فَقَدْ كَانَ يَسْعَى إلى الإيمانِ والمَحَبَّةِ والفَضيلَة. وَهُوَ يَقولُ في الأصْحاحِ الرَّابِعِ والعَدَدِ الأوَّل: "فَمِنْ ثَمَّ أَيُّهَا الإِخْوَةُ نَسْأَلُكُمْ وَنَطْلُبُ إِلَيْكُمْ فِي الرَّبِّ يَسُوعَ، أَنَّكُمْ كَمَا تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تَسْلُكُوا وَتُرْضُوا اللهَ [كَما تَفْعَلونَ في الحَقيقَةِ] تَزْدَادُونَ أَكْثَرَ". فَنَحْنُ نَطْلُبُ إليكُمْ أنْ تَسْلُكُوا كَما يَحِقُّ. وَنَحْنُ نَطْلُبُ إليكُمْ أنْ تُرْضُوا اللهَ.

وَهُوَ يَقولُ في نِهايةِ العَدَدِ العَاشِرِ: "وَإِنَّمَا أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَزْدَادُوا أَكْثَرَ". وَهُوَ يَتَحَدَّثُ هُنا عَنْ مَحَبَّتِهِمْ. ثُمَّ نَقرأُ في العَدَد 11: "وَأَنْ تَحْرِصُوا عَلَى أَنْ تَكُونُوا هَادِئِينَ، وَتُمَارِسُوا أُمُورَكُمُ الْخَاصَّةَ، وَتَشْتَغِلُوا بِأَيْدِيكُمْ أَنْتُمْ كَمَا أَوْصَيْنَاكُمْ".

وَهُوَ يَقولُ في الأصْحاحِ الخَامِسِ وَالعَدَد 11: "لِذلِكَ عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَابْنُوا أَحَدُكُمُ الآخَرَ، كَمَا تَفْعَلُونَ أَيْضًا". ثُمَّ نَقْرَأُ هَذِهِ الصَّلاةَ في الأصْحاحِ الخَامِسِ وَالعَدَد 23: "وَإِلهُ السَّلاَمِ نَفْسُهُ يُقَدِّسُكُمْ بِالتَّمَامِ. وَلْتُحْفَظْ رُوحُكُمْ وَنَفْسُكُمْ وَجَسَدُكُمْ كَامِلَةً بِلاَ لَوْمٍ عِنْدَ مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ".

مُدْهِشٌ! فَقَدْ كانَ فِكْرُهُ وَاضِحًا جِدًّا بِخُصوصِ مَعْنَى نُمُوِّ الكَنيسَةِ بالنِّسْبَةِ إليه. وَقَدْ كَانَ يَسْعَى إلى تَعْميقِ وَتَقْويَةِ حَياةِ المُؤمِنينَ إذْ كَانَ يَعْلَمُ جَيِّدًا أنَّهُ مِنْ خِلالِ إزالَةِ العَوائِقِ الَّتي يَضَعُها بَعْضُ الأشْخاصِ في طَريقِ الكَنيسَةِ، فإنَّ الكَنيسَةَ سَتَبْتَدِئُ في التَّقَدُّمِ بِقُوَّة. لذلكَ فقد كانَ بولسُ يَبْذُلُ كُلَّ مَا أُوْتِيَ مِنْ طَاقَةٍ وَمَوارِدَ وَصَلاةٍ وَشَغَفٍ مِنْ أجْلِ إنْشاءِ رَعِيَّةٍ مُعَافاةٍ رُوْحِيًّا مِنْ خِلالِ تَغْييرِ المُعانِدينَ، والقَلِقينَ، والضُّعَفاءِ، والمُتْعِبينَ، والأشْرارِ إلى أشْخاصٍ صَالِحينَ وَأقْوياءَ وَفَاعِلين.

وَعِنْدَمَا نَجَحَتْ جُهودُ بُولُس، كَما حَدَثَ في تَسالونيكي، فَرِحَ. والآنْ، ارْجِعُوا إلى الأصْحاحِ الأوَّلِ مَرَّةً أُخرى. فَقَدْ كَانَ فَرِحًا إذْ هُوَ يَقولُ في العَدَدِ الثَّالِثِ: "مُتَذَكِّرِينَ بِلاَ انْقِطَاعٍ عَمَلَ إِيمَانِكُمْ، وَتَعَبَ مَحَبَّتِكُمْ، وَصَبْرَ رَجَائِكُمْ". وَهُوَ يَقولُ في العَدَدِ السَّادِسِ: "وَأَنْتُمْ صِرْتُمْ مُتَمَثِّلِينَ بِنَا وَ [صِرْتُمْ مُتَمَثِّلينَ] بِالرَّبِّ". وَفي العَدَدِ السَّابِعِ: "حَتَّى صِرْتُمْ قُدْوَةً لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ فِي مَكِدُونِيَّةَ وَفِي أَخَائِيَةَ". وَفي العَدَدِ الثَّامِنِ: "لأَنَّهُ مِنْ قِبَلِكُمْ قَدْ أُذِيعَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ، لَيْسَ فِي مَكِدُونِيَّةَ وَأَخَائِيَةَ فَقَطْ، بَلْ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَيْضًا قَدْ ذَاعَ إِيمَانُكُمْ بِاللهِ". فالجَميعُ يَعْرِفُ "كَيْفَ رَجَعْتُمْ إِلَى اللهِ مِنَ الأَوْثَانِ، لِتَعْبُدُوا اللهَ الْحَيَّ الْحَقِيقِيَّ". وَالجَميعُ يَعْرِفُ أنَّكُمْ تَنْتَظِرُونَ "ابْنَهُ مِنَ السَّمَاءِ". لَقَدْ قُمْتُمْ بِعَمَلٍ عَظيمٍ في الكِرازَةِ وفي إظْهارِ إيمانِكُمْ. وَيا لَهُ مِنْ فَرَحٍ شَعَرَ بِهِ بِسَبَبِ ذلك.

ثُمَّ نَقرأُ في الأصْحاحِ الثَّاني وَالعَدَد 13: "مِنْ أَجْلِ ذلِكَ نَحْنُ أَيْضًا نَشْكُرُ اللهَ بِلاَ انْقِطَاعٍ، لأَنَّكُمْ إِذْ تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا كَلِمَةَ خَبَرٍ مِنَ اللهِ، قَبِلْتُمُوهَا لاَ كَكَلِمَةِ أُنَاسٍ، بَلْ كَمَا هِيَ بِالْحَقِيقَةِ كَكَلِمَةِ اللهِ، الَّتِي تَعْمَلُ أَيْضًا فِيكُمْ أَنْتُمُ الْمُؤْمِنِينَ. فَإِنِّــكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ صِرْتُمْ مُتَمَثِّلِينَ بِكَنَائِسِ اللهِ الَّتِي هِيَ فِي الْيَهُودِيَّةِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، لأَنَّكُمْ تَأَلَّمْتُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا مِنْ أَهْلِ عَشِيرَتِكُمْ تِلْكَ الآلاَمَ عَيْنَهَا، كَمَا هُمْ أَيْضًا مِنَ الْيَهُودِ". وَهَذَا مَدْحٌ آخَرُ لَهُمْ. فَقَدْ كانُوا صَادِقينَ في إيمانِهِمْ. وَقَدْ كَانُوا أُمَناءَ. وَقَدْ كَانُوا رَاسِخينَ. وَقَدِ احْتَمَلوا الألَمَ. وَهُوَ فَرِحٌ لأجْلِ ذَلِك.

لِذلكَ فإنَّهُ يَقولُ في العَدَدَيْن 19 و 20: "لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ فَرَحُنَا" ... "لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ فَرَحُنَا". وَهُوَ يَقولُ ذلكَ مَرَّتَيْن. ثُمَّ يَقولُ في الأصْحاحِ الثَّالِثِ وَالعَدَدِ السَّادِسِ: "وَأَمَّا الآنَ فَإِذْ جَاءَ إِلَيْنَا تِيمُوثَاوُسُ مِنْ عِنْدِكُمْ، وَبَشَّرَنَا بِإِيمَانِكُمْ وَمَحَبَّتِكُمْ، وَبِأَنَّ عِنْدَكُمْ ذِكْرًا لَنَا حَسَنًا كُلَّ حِينٍ، وَأَنْتُمْ مُشْتَاقُونَ أَنْ تَرَوْنَا، كَمَا نَحْنُ أَيْضًا أَنْ نَرَاكُمْ، فَمِنْ أَجْلِ هذَا تَعَزَّيْنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ مِنْ جِهَتِكُمْ فِي ضِيقَتِنَا وَضَرُورَتِنَا، بِإِيمَانِكُمْ. لأَنَّنَا الآنَ نَعِيشُ إِنْ ثَبَتُّمْ أَنْتُمْ فِي الرَّبِّ".

وَكَما تَرَوْنَ، فَقَدْ كانَ هُناكَ فَرَحٌ عَظيمٌ عِنْدَما كانتِ الكَنيسَةُ تَنْمُو وَتَتَقَدَّمُ. وَهُوَ يَقولُ: "وَأَمَّا الْمَحَبَّةُ الأَخَوِيَّةُ فَلاَ حَاجَةَ لَكُمْ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا، لأَنَّكُمْ أَنْفُسَكُمْ مُتَعَلِّمُونَ مِنَ اللهِ أَنْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا. ... وَإِنَّمَا أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَزْدَادُوا أَكْثَرَ". فَعِنْدَما نَصِلُ إلى الأصْحاحِ الرَّابِعِ وَالعَدَدِ التَّاسِعِ، نَرى أنَّهُ يُؤكِّدُ مَحَبَّتَهُم العَظيمَة.

لِذلِكَ، وَكَما تَرَوْنَ، عِنْدَما تَخْدِمونَ في كَنيسَةٍ تَنْمو وَتَتَقَدَّمُ، وَفي كَنيسَةٍ يَزْدادُ إيمانُها قُوَّةً، وَفي كَنيسَةٍ قَادِرَةٍ على مُواجَهَةِ الاضْطِهادِ، والسُّلوكِ كَمَا يَحِقُّ للهِ الَّذي دَعَاهَا، وَفي كَنيسَةٍ تَسْلُكُ في القَداسَةِ وَتَسْعَى إلى أنْ تَكونَ بِلا عَيْبٍ عِنْدَ مَجيءِ الرَّبِّ يَسوعَ المَسيحِ، وَفي كَنيسَةٍ تَزْدادُ فيها المَحَبَّةُ وَتَنْمُو، فإنَّ هَذا يَدْعُو إلى الابْتِهاجِ وَإلى الفَرَحِ.

فالرَّعِيَّةُ المُعَافَاةُ هِيَ رَعِيَّةٌ مَحْبُوبَة. وَقَدْ كَانَ بُولُسُ يُحِبُّ تِلْكَ الكَنيسَةَ جِدًّا. وَقَدْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ مُقاوَمَةِ حُبِّهِ لَهُمْ. وَلَكِنَّ هَذا لا يَعْني أنَّهُمْ كَانُوا رَعِيَّةً خَالِيَةً مِنَ المَشاكِلِ. فَقَدْ كانَتْ لَدَيْهمْ مَشاكِل. وَإذا نَظَرْتُمْ إلى النَّصِّ، وَلا سِيَّما إلى العَدَدَيْن 14 و 15، سَتَلْتَقونَ الأشْخاصَ الذينَ يُسَبِّبونَ المَشاكِل.

فَنَحْنُ نَقرأُ في العَدَد 14: "وَنَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ: أَنْذِرُوا الَّذِينَ بِلاَ تَرْتِيبٍ. شَجِّعُوا صِغَارَ النُّفُوسِ. أَسْنِدُوا الضُّعَفَاءَ. تَأَنَّوْا عَلَى الْجَمِيعِ. انْظُرُوا أَنْ لاَ يُجَازِيَ أَحَدٌ أَحَدًا عَنْ شَرّ بِشَرّ، بَلْ كُلَّ حِينٍ اتَّبِعُوا الْخَيْرَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ وَلِلْجَمِيعِ". وَيا لَهُما مِنْ عَدَدَيْنِ رَائِعَيْنِ جِدًّا لأنَّهُ بالرّغْمِ مِنْ أنَّ كَنيسَةَ تَسالونيكي كانَتْ مُنْتَعِشَةً وَنَامِيَةً، فإنَّها كانَتْ تُواجِهُ المَشاكِلَ. وَأيُّ تَقْصيرٍ فيها كَانَ نَاجِمًا عَنْ هَؤلاءِ الأشْخاصِ الَّذينَ يُسَبِّبونَ المَشاكِلَ.

وَقَدْ كانَتِ الفِئاتُ الخَمْسَةُ مَوْجودَةً هُناكَ كَما هِيَ مَوْجودَة هُنا. وبالمُناسَبَة، إذا نَظَرْتُمْ حَوْلَكُمْ وَنَظَرْتُمْ مَنْ يَجْلِسُ بِجانِبِكُمْ والفِئَاتِ الَّتي يَنْتَمي إليها هَؤلاءِ الأشْخاصُ، سَتَجِدونَ أنَّنا جَميعًا نَنْتَمي في وَقْتٍ مِنَ الأوْقاتِ إلى وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الفِئاتِ.

وَلَكِنَّ بولُسَ يَقولُ في رِسالَتِهِ الثَّانيةِ إلى أهْلِ كُورِنثُوس 11: 28: "عَدَا مَا هُوَ دُونَ ذلِكَ: التَّرَاكُمُ عَلَيَّ كُلَّ يَوْمٍ، الاهْتِمَامُ بِجَمِيعِ الْكَنَائِسِ". فَهُوَ يَقولُ إنَّ التَّعَبَ النَّاجِمَ عَنْ ذلكَ يَفوقُ أيَّ تَعَبٍ آخَر. فَإلى جَانِبِ الألَمِ، والجَلْداتِ، والضَّرباتِ الَّتي انْهَالَتْ عَلى جَسَدي، هُناكَ الاهْتِمامُ بِجَميعِ الكَنائِسِ. وَهُوَ يَقولُ في رِسالَةِ كُولُوسي 2: 1: "فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَيُّ جِهَادٍ لِي لأَجْلِكُمْ".بِعِبارَةٍ أُخرى: أنْتُمْ تُسَبِّبونَ لي الكَثيرَ مِنَ الألَم. وَهَذا عِبْءٌ كَبيرٌ بالنِّسْبَةِ إلي إذْ إنِّي أَحْمِلُ على كَاهِلي جَميعَ الكَنائِسِ الَّتي تَحْتاجُ إلى النُّمُوِّ.

وَفي هَاتَيْنِ الآيَتَيْن الَّلتَيْنِ يَذْكُرُ فيهِما هَذِهِ الفِئاتِ الخَمْسِ، فإنَّهُ يُخْبِرُنا أيْضًا عَنْ كيفيَّةِ التَّعامُلِ مَعَها. وَيَأتي هَذا الكَلامُ في المَقْطَعِ الَّذي يَتَحَدَّثُ عَنْ إنْشاءِ رَعِيَّةٍ مُعَافاةٍ. وَفي العَدَدَيْن 12 و 13 اللَّذَيْنِ سَبَقَ أنْ دَرَسْنَاهُما، فإنَّهُ يَتَحَدَّثُ عَنْ عَلاقَةِ الرُّعاةِ بالخِرافِ، وَعَلاقَةِ الخِرافِ بالرُّعاةِ. أمَّا الأعْداد 16 وَما يَليها فَتَتَحَدَّثُ عَنْ عَلاقَةِ الخِرافِ بالرَّاعي الأعْظَم. وَنَصُّنُا يَتَحَدَّثُ عَنْ عَلاقَةِ الخِرافِ بالخِرافِ. لِذلكَ فإنَّ هَذا المَقْطَعَ الصَّغيرَ يَتَحَدَّثُ عَنْ كُلِّ هَذِهِ العَلاقاتِ.

فَفي العَدَدَيْن 12 و 13، تَحَدَّثَ بولُسُ إلى الرُّعاةِ عَنْ كيفيَّةِ مُعامَلَةِ الخِرافِ. وَقَدْ قَالَ للرُّعاةِ: "اتْعَبُوا بينَ الخِرافِ، وَمَارِسُوا السُّلْطَةَ على الخِرافِ، وانْذِرُوا الخِرافَ". وَقَدْ قالَ للخِرافِ كَيْفَ يَنْبَغي أنْ يُعامِلُوا الرُّعاةَ. فَقَدْ قَالَ للخِرافِ: "قَدِّرُوا الرُّعاةَ، واحْتَرِمُوا الرُّعاةَ، واخْضَعُوا للرُّعاةِ".

وابْتِداءً مِنَ العَدَد 16، سَوْفَ يَتَحَدَّثُ إلى الخِرافِ عَنْ عَلاقَتِهِمْ بالرَّاعي الأعْظَم: "افْرَحُوا كُلَّ حِينٍ. صَلُّوا بِلاَ انْقِطَاعٍ. اشْكُرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ ... لا تُطْفِئُوا الرُّوحَ"، وَهَلُمَّ جَرَّا. أمَّا الآنْ، فإنَّهُ يَتَحَدَّثُ إلى الخِرافِ عَنْ كَيفيَّةِ مُعامَلَةِ الخِرافِ الأُخرى. لِذلكَ فإنَّ الكَلِمَةَ المِفْتاحِيَّةَ في العَدَد 14 هِيَ: "الإخْوَة". وبالرَّغْمِ مِنْ أنَّ الرُّعاةَ مَسؤولينَ بِكُلِّ تَأكيدٍ عَنْ مُمارَسَةِ سُلْطَتِهِم الفَريدَةِ في مُواجَهَةِ هَذهِ الفِئاتِ الخَمْسِ مِنَ المَسيحيِّينَ الَّذينَ يُسَبِّبونَ المَشاكِلَ، فإنَّ الخُطُوطَ الفاصِلَةَ بينَ الرَّاعي والخِرافِ في هَذا الخُصوصِ لَيْسَتْ وَاضِحَةً تَمامًا. ولمُساعَدَتِكُمْ على مُقارَنَةِ النَّصِّ، فإنَّهُ يَستخدِمُ الكلمة "إخْوَة" هَكَذا في العدد 12: "ثُمَّ نَسْأَلُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَعْرِفُوا الَّذِينَ يَتْعَبُونَ بَيْنَكُمْ وَيُدَبِّرُونَكُمْ فِي الرَّبِّ وَيُنْذِرُونَكُمْ". اعْتَبِروا الرُّعاةَ.

لِذلكَ، فإنَّ الكَلِمَة "إخْوَة" في العدد 12 مُوَجَّهَة إلى الرَّعِيَّة. لِذلكَ فإنَّنا نَفْتَرِضُ أنَّ الإخْوَة في العدد 14 مُوَجَّهة أيضًا إلى الرَّعِيَّةِ. فَهُوَ يَتَحَدَّثُ إلى الخِرافِ عَنْ كيفيَّةِ التَّعامُلِ مَعَ الخِرافِ الأُخرى. وَهَذا لا يَسْتَثْنينا نَحْنُ الذينَ في القِيادَة، بَلْ هُوَ يَشْمَلُ الجَميع. وبالمُناسَبَة، تُلاحِظونَ أيضًا أنَّ الآياتِ رُومية 12: 14-17 تُشْبِهُ كثيرًا جِدًّا هذا النَّصَّ. وَمِنَ الواضِحِ أنَّ الكَلامَ مُوَجَّهٌ إلى الرَّعِيَّةِ كُلِّها.

وَهُوَ يَقولُ أيضًا إنَّ الأمْرَ مُلِحٌّ. "وَنَطْلُبُ إليكُمْ". فَهُوَ يَستخِدمُ الفِعْلَ اليُونانِيَّ المَعروفَ "باراكاليئو" (parakaleo) وَمَعْناهُ أنْ تَقْتَرِبَ مِنْ شَخْصٍ مَا وَتُساعِدُهُ. وَهِيَ تَحْمِلُ مَعْنى الإلْحاحِ. لذلكَ فإنَّهُ يُشَجِّعُ الخِرافَ على الإسْراعِ والتَّعجيلِ وَالانْخِراطِ في مُساعدةِ الخِرافِ الَّتي تَحْتاجُ إلى المُساعَدَة. وَكَما تَرَوْنَ فإنَّ الكَنيسَةَ لا تَعْني أنْ تَذْهَبَ إليها صَباحَ يَوْمِ الأحَدِ، وَأنْ تُرَبِّتَ على كَتِفِكَ مُظهِرًا إعْجابَكَ بِمِقْدارِ تَدَيُّنِكَ. فالانْخِراطُ الحَقيقيُّ في الكنيسةِ يَعْني مَا هُوَ أكْثَرُ بِكَثير مِنْ عَقليَّةِ الحاضِرينَ وَعَدَدهُم.

فَهُوَ أمْرٌ يَتَطَلَّبُ الانْخِراطَ في تلكَ الفِئاتِ الخَمْسِ مِنَ النَّاسِ الَّذينَ يُعيقونَ تَقَدُّمَ الكَنيسَةِ. لِذا، فإنَّ كُلَّ هَذِهِ الأُمورِ تَتْرُكُ تَأثيرًا. ولنبتدِئ بالحَديثِ عَنْ فِئَةِ العَنيدين.

المَجموعَةُ الأولى هِيَ فِئَةُ المُعانِدين. فَبولُسُ يَكْتُبُ في العدد 14: "وَنَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ: أَنْذِرُوا الَّذِينَ بِلاَ تَرْتِيبٍ". وهذهِ الجُملةُ القَصيرَةُ "أَنْذِرُوا الَّذِينَ بِلاَ تَرْتِيبٍ" تُعَرِّفُنا إلى الأشْخاصِ المُعانِدين. والكلمة "أَتَاكتوس" (ataktos) كانَتْ تُستخدَمُ عادَةً بالمَعنى العَسْكَرِيِّ. وعندما كانَتْ تُستخدَمُ بالمَعنى العسكريِّ، كانَتْ تُشيرُ إلى الجُنْدِيِّ الَّذي يَخْرُجُ عَنِ الخَطِّ، أوْ إلى الجُنْدِيِّ الَّذي يَخْرُجُ عَنِ الصَّفِّ، أوْ إلى الجُنْدِيِّ المُذْنِبِ بسببِ عِصْيانِ الأوامِرِ، أوِ إلى الجُنْدِيِّ المُتَمَرِّدِ وَغَيْرِ الخَاضِعِ الَّذي يَعْصي الأوامِر وَلا يَقومُ بِواجِبِهِ على أَكْمَلِ وَجْه. فَهُوَ مُتَخَلِّفٌ عَنِ البَقِيَّة. وَقَدْ صَارَتِ الكَلِمَةُ تُسْتَخْدَمُ للإشَارَةِ إلى أيِّ شَخْصٍ لا يَقومُ بِواجِبِهِ، وإلى أيِّ شَخْصٍ لا يَقومُ بِمَسؤوليَّاتِهِ على أكْمَلِ وَجْهٍ. وَيُتَرْجِمُها "مُوْفات" (Moffatt): "المُتَسَكِّعين". وَهُناكَ مَنْ يَقولُ إنَّها تَعْني: المُتَبَطِّلون، أوِ المُتَراخُون، أوِ الكَسَالى، أوِ العَاجِزون، أوِ الفَاتِرون. ولكِنَّها قَدْ لا تَعْني ذلكَ فَقَطْ بالضَّرورَة.

فَهِيَ قَدْ تُشيرُ أيضًا إلى الشَّخصِ الَّذي لا يَقوم بِواجِبِهِ ليسَ فقط بسببِ الفُتورِ، بل أيْضًا إلى الشَّخصِ الَّذي لا يَقومُ بِواجِبِهِ بسببِ التَّمَرُّدِ. وَنَجِدُ في رِسالَةِ تَسالونيكي الثَّانية بَعْضَ الصِّيَغِ المُشَابِهَة. وَهَذِهِ الكَلِمَة تُستخَدَمُ هُنا فقط في العهدِ الجديد. ولكِنَّنا نَجِدُ صِيَغًا أُخرى لَها مُسْتَخْدَمَة في رِسالَةِ تَسالونيكي الثَّانية 3: 6 و 7 وأعتقد 11 أيضًا.

وفي ذلكَ النَّصِّ تَحْديدًا، تُسْتَخْدَمُ هَذِهِ الكَلِمَة للإشارَةِ إلى بَعْضِ الأشْخاصِ الكَسَالى الَّذينَ لا يَعْمَلونَ والذينَ يَتوقَّعونَ مِنَ الآخَرينَ أنْ يَعْمَلُوا وَيُنْفِقُوا عليهم. وبالنِّسْبَةِ إلينا فإنَّها تُشيرُ إلى المُعانِدين. فَهُمْ الَّذينَ يَخْرُجونَ عَنِ الخَطِّ، وَلا يَسيرونَ مَعَ الجَماعَةِ. فَمَعَ أنَّ الجَميعَ يَسيرُونَ في اتِّجاهٍ وَاحِدٍ، فإنَّ هَؤلاءِ لا يَسيروهَ مَعَهُم. فَكُلُّ شَخْصٍ آخَرَ يَفْهَمُ وَاجِباتِهِ الرُّوحِيَّةَ، وَيُبْدي اسْتِعْدادَهُ للقِيامِ بِها وَلاسْتِخْدامِ المَواهِبِ الَّتي وَهَبَها اللهُ لَهُ، وَللانْخِراطِ في الخِدْمَةِ إمَّا عَنْ طَريقِ خِدْمَةِ الرَّبِّ بِمَواهِبي، أوْ عَنْ طَريقِ إعْطاءِ اللهِ مِنْ مَالي، أوْ عَنْ طَريقِ دَعْمِ القادَةِ في كَنيسَتي، أوْ عَنْ طَريقِ دَعْمِ التَّوَجُّهِ الَّذي نَسيرُ فيه. فَأنا مَعَ الجَماعَةِ. وَأنا مَعَ الفَريقِ. وَأنا مُشَارِكٌ. وَأنا لِيَ دَوْرٌ أَقومُ بِهِ وَعَمَلٌ أُؤدِّيه. وَهَذا هُوَ نَوْعُ الأشْخاصِ الَّذينَ يَجْعَلونَ الكَنيسَةَ تَتَقَدَّمُ وَتَنْمُو.

وَلَكِنَّ هَؤلاءِ الأشْخاصَ يَرْفُضونَ كُلَّ ذلك. فَهُمْ لا يَسيرونَ مَعَ البَقِيَّة. وَرُبَّما لا يَقومُ هَؤلاءِ بِواجِباتِهِمْ لأنَّهُمْ لا يُبَالون. وَرُبَّما لا يَقومونَ بواجِباتِهِمْ لأنَّهُمْ غَاضِبونَ وَمُتَمِّردونَ وَمُشَاكِسون. فَهُمْ لا يَدْعَمونَ الكَنيسَةَ. وَهُمْ لَيْسُوا جُزْءًا مِمَّا يَجْري. وَأحْيانًا، قَدْ يَبْقَى هَؤلاءِ كَأشْخاصٍ هَامِشِيِّينَ إلى حِيْن، ولَكِنَّهُمْ يَشْعُرونَ بالمَرارَةِ في نِهايَةِ المَطَافِ وَيَذْهَبونَ إلى مَكانٍ آخَر. فَهُمْ لا يَفْعَلونَ شَيئًا سِوى تَدْفِئَةِ المَقاعِدِ الَّتي يَجْلِسونَ فيها. وَقَدْ تَعَلَّمْتُ بِضْعَةَ أشياءٍ عِنْدَما كُنْتُ رِياضِيًّا. فالأشْخاصُ الَّذينَ يَنْتَمونَ إلى هَذِهِ الفِئَةِ لا يَفْعَلونَ شَيْئًا سِوى تَوْجيهِ النَّقْدِ إلى الآخَرين.

والأشْخاصُ الَّذينَ يَنْتَقِدونَ الآخَرينَ أكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمْ هُمُ الأشخاصُ الَّذينَ لا يَقومونَ بِواجِبِهِم. وَما زِلْتُ أَذْكُرُ أنِّي كُنْتُ أَجْلِسُ على المَقْعَدِ في مَوْسِمِ كُرَةِ القَدَم. وَقَدْ كانَ لي شَرَفُ البَدْءِ في الرَّكْضِ اسْتِعْدادًا للمُشارَكَةِ في المُبارَيات. وَلَكِنَّ آخَرينَ لَمْ تُسْنَحْ لَهُمُ الفُرْصَةُ للقِيامِ بذلك. وفي البِدايَة، كانُوا يُشَجِّعوني نَوْعًا مَا ظَنًّا مِنْهُمْ أنَّ الفُرْصَةَ سَتُتاحُ لَهُمْ أيْضًا. وَلَكِنْ عِنْدَما كانُوا يُدْرِكونَ أنَّ الفُرْصَةَ لَنْ تُتاحَ لَهُمْ، كانُوا يَتَمَنُّونَ أنْ أَكْسِرَ سَاقي. وَعِنْدَما لَمْ تُكْسَرْ سَاقي، كانُوا يَنْتَقِدونَ المُدَرِّبَ قائِلينَ إنَّهُ لا يُحْسِنُ اكْتِشافَ المَواهِبِ. وَأخيرًا، كانُوا يَنْضَمُّونَ إلى الفَريقِ الآخَر. فَهَذا هُوَ مَا يَحْدُثُ عَادَةً.

إنَّ الأشْخاصَ الَّذينَ يُقاوِمونَ الاشْتِراكَ، والذينَ يُصِرُّونَ على البَقاءِ في عِدادِ المُتَفَرِّجينَ فقط يَفْعَلونَ ذلكَ إمَّا بسببِ فُتورِهِمْ أوْ تَمَرُّدِهِم. فَهُمْ يَأتونَ إلى هُنا للمُشاهَدَةِ، ثُمَّ لِتَوْجيهِ النَّقْدِ. ولَكِنَّهُمْ لا يَفْعَلونَ أيَّ شَيءٍ مُفيد.

وَقَدْ قالَ أَحَدُ الوَاعِظينَ إنَّ هَؤلاءِ يَجْلِسونَ عَادَةً في المَقاعِدِ الخَلْفِيَّةِ. ولَكِنِّي لا أُريدُ أنْ أَقولَ ذلك. وَمَعَ ذلكَ، فإنَّ الشَّخْصَ الَّذي يَصيرُ نَاقِدًا يَنْتَقِلُ عَادَةً إلى الصُّفوفِ الخَلْفِيَّةِ. لِذلكَ فإنِّي أُراقِبُكُمْ. فإنْ كُنْتَ تَرْجِعُ صَفَّيْنِ أوْ ثَلاثَة إلى الخَلْفِ كُلَّ أُسْبوع، فَإنِّي أَعْلَمُ مَا يَجْري.

إنَّ هَذا الكَسَلَ جَديرٌ باللَّوْم. فَهُمْ أشْخاصٌ يُريدونَ أنْ يَبْقُوا هَامِشِيِّينَ دُوْنَ أنْ يَفْعَلوا شَيئًا، وَدُوْنَ أنْ يَشْتَرِكوا كَثيرًا، وَدُوْنَ أنْ يَكونوا تَحْتَ أيّ مُسَاءَلَةٍ. وَهُمْ لا يُريدونَ حَقًّا أنْ يَنْخَرِطُوا في الكَنيسَةِ، وَلا أنْ يَكونَ لَهُمْ أيُّ دَوْرٍ فيها. فَهُمْ لا يَسيرونَ مَعَ الجَماعَةِ. وَهَذا سُلوكٌ لا يُحْتَمَلُ في الكَنيسَةِ النَّامِيَةِ. وَكَيْفَ يَنْبَغي أنْ نَتَعامَلَ مَعَ ذلك؟ الأمْرُ بَسيطٌ. أَنْذِروهُمْ. فليسَتْ هُناكَ صِيْغَةٌ مُعَيَّنَةٌ. وليسَ هُناكَ بَرْنامَجٌ مُحَدَّد. وليسَ هُناكَ نِظامٌ مَا.

فَيَجِبُ على الخِرافِ الأفْرادِ أنْ يَذْهَبُوا إلى هَؤلاءِ الخِرافِ الَّذينَ يَتَسَكَّعونَ هُنا وَهُناكَ دُوْنَ أنْ يَقوموا بِواجِبِهِم، وَدُوْنَ أنْ يَسْتَخْدِمُوا مَواهِبَهُم، وَدُوْنَ أنْ يَخْدِمُوا، وَدُوْنَ أنْ يُشارِكُوا، وَدُوْنَ أنْ يَدْعَمُوا، وَدُوْنَ أنْ يَسيرُوا مَعَ البَرْنامَجِ، وَدُوْنَ أنْ يَسيرُوا في الاتِّجاهِ الَّذي يَسيرُ فيهِ الجَميع. فَهُمْ خَارِجونَ عَنِ الخَطِّ. وَهُمْ خَارِجونَ عَنِ الصَّفِّ. وَهُمْ بِلا تَرْتيبٍ. وَهُمْ بِلا نِظامٍ. فَهُمْ يَأتونَ للتَّسَكُّعِ فقط.

وَقَدْ قَالَ "آ. ت. روبرتسون" (A.T. Robertson) إنَّ الفِعْلَ "نوثيتيئو" (noutheteo) يَعْني: "أنْ تُعَقِّلوهُمْ"، أيْ أنْ تَقْتَرِبُوا مِنْهُمْ وَتَضَعُوا بَعْضَ المَنْطِقِ في عُقولِهِم. وَقَدْ قالَ أَحَدُ الكُتَّابِ: "إنَّ المَعْنَى المَقْصُودَ هُنا هُوَ أنْ تَأتي إلى شَخْصٍ يَسيرُ في دَرْبٍ يُؤدِّي إلى عَواقِبَ وَخيمَةٍ، وَأنْ تُنْذِرْهُ بِخُصوصِ تلكَ العَواقِبِ الوَخيمَةِ". بِعِبارَةٍ أُخرى، فإنَّ الكَلِمَة يُمْكِنُ أنْ تُتَرْجَمَ بِمَعْنى تَحْذيرِ شَخْصٍ مَا. فَهِيَ لا تُشيرُ إلى الحُكْمِ عَلى الشَّخْصِ مِنْ بَعيد.

وَهِيَ لا تَعْني انْتِقادَ الشَّخْصِ مِنْ مَوْقِعِ السُّلْطَةِ. بَلْ هِيَ تُشيرُ إلى الاقْتِرابِ مِنَ الشَّخْصِ وَتَحْذيرِهِ مِنْ عَواقِبِ سُلوكِهِ. وَكَأنَّكَ تَقولُ لَهُ: "لَقَدْ كُنْتُ أُراقِبُكَ. وَأنا أَرى أنَّكَ لا تُبالي. فَأنْتَ تَأتي بينَ الحِيْنِ وَالآخَرِ إلى الكَنيسَةِ دُوْنَ أنْ تُراعِي الأمانَةَ في ذلك. وَأنْتَ لا تُشارِكُ في الخِدْمَةِ. وَأنْتَ سَلْبِيٌّ بِخُصوصِ بَعْضِ الأشياء، أوْ أنْتَ كَثيرُ النَّقْدِ بِخُصوصِ بَعْضِ الأشْياء". وَهَذا يَعْني أنْ تَقولَ للشَّخْصِ: "وَلَعَلَّكَ تَدْري أنَّكَ إذا اسْتَمَرَّيْتَ في هَذا الدَّرْبِ، فإنَّكَ سَتُواجِهُ هَذِهِ العَواقِبَ. وأنا لا أَظُنُّ أنَّكَ تُريدُ هَذِهِ العَواقِبَ. وَأنا أيضًا لا أُريدُكَ أنْ تَخْتَبِرَ هَذِهِ العَواقِبَ".

إنَّهُ هَذا النَّوْعُ الرَّقيقُ مِنَ التَّحْذيرِ الَّذي يَتَرافَقُ مَعَ الاقْتِرابِ مِنَ الشَّخْصِ وَتَحْذيرِهِ مِنَ الدَّرْبِ الَّذي يَسيرُ فيه، وَمِنَ العَواقِبِ الَّتي سَتَكونُ مُخَيِّبَةً للآمَال. وَهَذا يُشْبِهُ التَّحْذيرَ الَّذي قَدَّمَهُ بولُسُ إلى شُيوخِ أَفَسُس بِدُموعٍ حَسْبَ مَا جَاءَ في سِفْرِ أعْمالِ الرُّسُل 20: 31. فَهُناكَ عَاطِفَةٌ مُرافِقَةٌ لِهَذا التَّحْذير. وَهُناكَ أَلَمٌ يَعْتَصِرُ قَلْبَكَ وَيَدْفَعُكَ إلى أنْ تَقولَ لِذلكَ الشَّخْص: "أنا لا أُريدُ أنْ تَستمرَّ في القِيامِ بذلكَ لأنَّ عَواقِبَ السَّيْرِ في ذلِكَ الطَّريقِ سَتَكونُ وَخيمَةً في النِّهايَة. فاللهُ سَيُعاقِبُ مِثْلَ هَذا الفُتورِ، وَمِثْلَ هَذا التَّمَرُّدِ، والعِنادِ، والسُّلوكِ الَّذي بِلا تَرْتيب.

عِنْدَما تُحِبُّ شَخْصًا مَا مَحَبَّةً حَقيقيَّةً، فإنَّكَ لا تَتَرَدَّدُ في تَحْذيرِهِ. فأنا لا أَتَرَدَّدُ في القيامِ بذلكَ مَعَ زَوْجَتي وَأبنائي والنَّاسِ القَريبينَ مِنِّي في حَياتي. ارْجِعْ إلى الخَطِّ المُسْتَقيم، لا لأنَّ لَدَيَّ أهْدافًا خَفِيَّةً، بَلْ لأنِّي لا أُريدُ أنْ تَخْتَبِرَ عَواقِبَ العَيْشِ هَكَذا. فأنا أُريدُ لَكَ أنْ تَعْرِفَ مِلْءَ بَرَكَةِ اللهِ، وَمِلْءَ تَدْبيرِ اللهِ. وَأنا أُريدُ أنْ أَرى الكَنيسَةَ في أَفْضَلِ حَالٍ مُمْكِنَة.

وَأنا لَسْتُ مُنْخَدِعًا بالأفْكارِ السَّخيفَةِ الَّتي تَقولُ إنَّنا إذا كُنَّا أَكْثَرَ ذَكاءً في مَا نَفْعَلُهُ على المِنْبَرِ، فإنَّ الكَنيسَةَ سَتَكونُ أكْثَرَ قُوَّةً وَفاعِلِيَّةً. لا، لا! فإذا أَرَدْتَ أنْ تَكونَ الكَنيسَةُ قَوِيَّةً وَأنْ تُؤثِّرَ في العَالَمِ، فإنَّ الأمْرَ لا يَخْتَصُّ بِمَدى ذَكائِنا على المِنْبَرِ. بَلْ إنَّ الأمْرَ يَخْتَصُّ بِمَدى اسْتِعدادِنا للاقترابِ مِنَ المُؤمِنينَ المُتَقاعِسينَ وَأنْ نَجْذِبَهُمْ بِمَحَبَّةٍ إلى العَوْدَةِ إلى المَسارِ الصَّحيحِ. وَعِنْدَما تَبْتَدِئُ قُوَّةُ اللهُ بالعَمَلِ فإنَّ الكَنيسَةَ سَتَبْتَدِئُ في التَّأثيرِ بِقُوَّةٍ في العَالَم. لِذلكَ فإنَّ هَذِهِ المُواجَهَةَ ضَرورِيَّةٌ.

فالكَنيسَةُ لا تَعْني أنْ تَأتي، وَأنْ تَجْلِسَ، وَأنْ تُفَكِّرَ فيها تَفْكيرًا سَطْحِيًّا. فَالكَنيسَةُ ليسَتْ هَكَذا. لذلكَ، لا تَمْتَدِحْ نَفْسَكَ على وُجودِكَ هُنا. فالكَنيسَةُ تَعْني أنْ تَنْخَرِطَ في حَياةِ النَّاسِ، وَلا سِيَّما في حَياةِ الأشْخاصِ الَّذينَ يُسَبِّبونَ المَتاعِبَ. فَيَنْبَغي لنا أنْ نَقِف بِجانِبِ هَؤلاء، أيْ بِجانِبِ الَّذينَ يَقَفونَ جَانِبًا وَيَعيشونَ على الهَامِشِ، وَيَسْتَمِرُّونَ في بُعْدِهِمْ يَوْمًا فَيَوْمًا. فيجبُ علينا أنْ نَجْذِبَهُمْ إلى الدَّاخِلِ. وَيَجِبُ علينا أنْ نَفعلَ ذلكَ بمحبَّة لأنَّنا نَفْهَمُ العَواقِبَ.

أمَّا الفِئَةُ الثَّانِيَةُ فَهِيَ فِئَةُ القَلِقين. وَهَؤلاءِ لَيْسُوا على الهَامِشِ. بَلْ إنَّهُمْ في الوَسَط. وَهُمْ لا يُريدونَ أنْ يَقِفُوا على الهَامِشِ. بَلْ إنَّهُمْ يَجْلِسونَ في الوَسَط. وَيَقولُ بولُسُ عَنْ هَؤلاء: "شَجِّعُوا صِغَارَ النُّفُوسِ". وَهَذا لَفْظٌ جَديرٌ بالانْتباه. وَهُوَ يُسْتَخْدَمُ هُنا فقط. وَهُوَ مُتَرْجَمٌ عَنِ اللَّفْظِ اليُونانِيِّ "أوليغوبسيكوس" (oligopsuchos)، وَهُوَ لَفْظٌ يَتَألَّفُ مِنْ كَلِمَتَيْن: الأولى تَعْني "نَفْس" والثَّانية تَعْني: "صَغير". لِذلكَ فإنَّها تُتَرْجَمُ "صِغارَ النُّفوسِ".

وَأفْضَلُ طَريقَةٍ لِتَوْضيحِ المَعْنَى هُوَ أنْ نَنْظُرَ إلى الكَلِمَةِ المُضَادَّةِ لَها وَهِيَ "ميغالوبسيكوس" (megalopsychos). فالكلمة "ميغا" (mega) تَعني "كَبير" أوْ ضَخْم أوْ عَظيم. لِذلكَ، لِنَتَحَدَّثْ عَنِ الميغالوبسيكوس". فَهُمُ "كِبارُ النُّفوسِ". وَقَدْ قالَ أَرِسْطُو: "الميغالوبسيكوس هُوَ الشَّخْصُ الَّذي حَقَّقَ الكَثيرَ، وَطالَبَ بالكَثيرِ، ويَسْتَحِقُّ الكَثير". وَعِنْدَما أرادَ "غاندي" أنْ يَصِفَ نَفْسَهُ، وَهُوَ شَخْصٌ يَعْتَقِدُ الجَميعُ أنَّهُ كَانَ مُتَواضِعًا جِدًّا، عِنْدَما أرادَ "غَاندي" أنْ يَصِفَ نَفْسَهُ، اخْتارَ الصِّيغَةَ السَّنْسكريتيَّة مِنْ تلكَ الكَلِمَة "ميغالوبسيكوس" وَهِيَ: "مَهَاتْما" (Mahatma). وَهِيَ تَعْني: "كَبيرُ النَّفْسِ" أوِ "العَظيمُ النَّفْس". فَقَدْ كَانَ قادِرًا على اسْتيعابِ تلكَ المَشاكِلِ الضَّخْمَةِ والهَائِلَةِ، وَحاجاتِ تلكَ الفِئَةِ الكَبيرَةِ مِنَ البَشَرِ. لِذلكَ فإنَّ الكَلِمَةَ تَعْني: "كَبيرُ النَّفْسِ".

وَهِيَ تُشيرُ إلى الشَّخْصِ الَّذي يُغامِرُ كَثيرًا لأنَّ هُناكَ مَبْدَأً عَظيمًا وَحَقًّا عَظيمًا على المِحَكِّ. وَهِيَ تُشيرُ إلى الشَّخْصِ الشُّجاعِ، وَإلى الشَّخْصِ الجَريءِ، وَإلى الشَّخْصِ المُسْتَعِدِّ إلى بَذْلِ حَياتِهِ مِنْ أجْلِ قَضِيَّةٍ نَبيلَةٍ، وَإلى الشَّخْصِ الَّذي يَمْتَلِكُ رُوْحَ مُغَامَرَةٍ، وَيُحِبُّ التَّحَدِّي، وَيَسْعَى إلى المُنافَسَةِ، وَيُحِبُّ خَوْضَ المَعارِكِ لأنَّهُ يَتَذَوَّقُ طَعْمَ الانْتِصارِ، وَإلى الشَّخْصِ الَّذي لا يَخافُ أنْ يُواجِهَ الصُّعوباتِ، وَإلى الشَّخْصِ الَّذي لا يَخْشَى الاضْطِهادَ، وَإلى الشَّخْصِ الَّذي لَدَيْهِ رُؤيَة وَيُحَقِّقُ الكَثيرَ مِنَ الأشياءِ لأنَّهُ يَرى كُلَّ فُرْصَةٍ مُتاحَةٍ أَمامَهُ.

وَلَكِنَّ بُولُسَ يَقولُ إنَّ هُناكَ أُناسًا، وَيا للأسَف، يَجْثُمونَ في وَسَطِ الكَنيسَةِ وَيَرْتَعِدونَ مِنَ الخَوْفِ، وَهُمْ الـ "أوليغوبسيكوس"، أيْ "صِغارُ النُّفوس". فَهُمْ يَكْرَهونَ التَّغيير. وَهُمْ يُحِبُّونَ التَّقْاليدَ. وَهُمْ يُريدونَ أنْ يَفعلوا الأشياءَ دائمًا بالطَّريقةِ ذاتِها. وَهُمْ يَخافونَ المَجْهول. وَهُمْ يَقْلَقونَ على كُلِّ شَيء. فَلْيُبارِكْهُمُ الرَّبُّ. وَكَما يَقولُ "ويليام هاردي" (William Hardy)، فإنَّهُمْ يَرَوْنَ أَكْوامَ الرَّوْثِ في كُلِّ مَرْجٍ أَخْضَر. وَهُمْ يَفْتَقِرونَ إلى الشَّجاعَةِ. وَهُمْ لا يُريدونَ أنْ يَتَجَرَّأُوا على القِيامِ بأيِّ شَيءٍ لَمْ يَسْبِقِ لأحَدٍ أنْ قَامَ بِهِ. فَهُمْ يُحِبُّونَ الأشياءَ المَضْمُونَةَ. وَهُمْ يُريدونَ فَقَطْ أنْ يَمْشُوا في دَرْبٍ سَبَقَ لِغَيْرِهِمْ أنْ رَصَفَهُ وَعَبَّدَهُ أَمَامَهُمْ. وَهُمْ يُريدونَ فقط أنْ يَفْعَلوا الأشياءَ الَّتي فَعَلَها أُناسٌ مِنْ قَبْلِهِمْ. وَهُمْ يُريدونَ حَياةً خَالِيَةً مِنَ المَخاطِرِ وَأنْ يَكونَ كُلُّ شَيءٍ مَضْمُونًا تَمامًا. وَهُمْ عَادَةً سَوْداوِيُّونَ. وَهُمْ يَفْتَقِرونَ إلى القُوَّةِ للمِضِيِّ قُدُمًا مَعَ الكَنيسَةِ، وَقَبولِ التَّحَدِّياتِ، وَإطْلاقِ خَدَماتٍ جَديدَة. وَهُمْ يَخافونَ الاضْطِهادَ وَلا يُحِبُّونَ أنْ يَتَحَدَّثُوا عَنِ المَسيحِ. فَهُمْ يَخافونَ المُقاوَمَةَ، وَيَشْعُرونَ بالحُزْنِ عَادَةً، وَيَقْلَقونَ في أغْلَبِ الأحْيانِ، وَيَشْعُرونَ غَالِبًا بالكَآبَةِ واليأسِ والإحْباط.

وَمِنَ المُؤكَّدِ أنَّ هَذِهِ الفِئَةَ الصَّغيرَةَ مِنْهُمْ في تَسالونيكي، والتي كانَ الجَميعُ يَحاوِلُ دَفْعَها إلى الأمامِ، كانَتْ تُعاني أكْثَرَ مِنْ غَيْرِها بِسَبَبِ المُشْكِلَتَيْنِ الرَّئيسيَّتَيْن. المُشْكِلَةُ الأولى هِيَ الاضْطِهاد. فَقَدْ كانُوا يُعانونَ الاضْطِهادَ إذْ يَقولُ بولُسُ: "كانَ يَنْبَغي أنْ تَتَوَقَّعُوا ذلِكَ" وَقَدْ قَرَأتُ ذَلِكَ لَكُمْ في الأصْحاحِ الثَّاني. فَهُوَ يَقولُ: "كانَ يَنْبَغي أنْ تَتَوَقَّعُوا ذلكَ لأنِّي أخْبَرْتُكُمْ بذلك".

وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا مُحْبَطينَ، وَكانُوا يَقولونَ: "وَيْلٌ لَنا! وَيْلٌ لَنا! مِنَ المُؤكَّدِ أنَّ يَوْمَ الرَّبِّ قَدْ جَاءَ وَأنَّنا لَمْ نُخْطَفْ. هَذا هُوَ يَوْمُ الرَّبِّ. وَسَوْفَ نَهْلِكُ جَميعًا". لِذلكَ فَقَدْ كَتَبَ بولُسُ إليهِمْ قائِلًا: "لا. هَذا ليسَ يَوْم الرَّبِّ". ثُمَّ إنَّ هَؤلاءِ كَانُوا يَتَألَّمونَ كَثيرًا بِسببِ مَوْتِ أحِبَّائِهِمْ. وَكانُوا يَقولون: "انْظُروا. لَقَدْ مَاتُوا قَبْلَ أنْ يَأتي يَسوع. لِذلكَ فإنَّهُمْ لَنْ يُخْطَفُوا. الوَيْلُ لَنا". لِذلكَ فَقَدْ كَتَبَ بولُسُ إليِهْم وَقال: "لا، لا، لا! فالأمْواتُ في المَسيحِ سَيَقومونَ أوَّلًا. وَسَيَكونونَ هُناكَ. والحَقيقَةُ هِيَ أنَّهُمْ سَيَصِلونَ إلى هُناكَ قَبْلَكُمْ. لِذلكَ، اذْهَبُوا وَسَانِدُوا هَؤلاءِ الأشْخاصَ وَشَجِّعوهُمْ بِهَذِهِ الكَلِماتِ".

وَلَكِنَّ كُلَّ كَنيسَةٍ تَضُمُّ هَذِهِ الفِئَةِ مِنَ الأشْخاصِ. وَهُمْ يَفْتَقرونَ إلى رُوْحِ المُغامَرَةِ. وَهُمْ لا يَقْدِرونَ أنْ يَرْتَفِعُوا فَوْقَ مَشاكِلِهِمْ. فَهُمْ مُحْبَطونَ دَائِمًا. وَكُلُّ مَشاكِلِ الحَياةِ تَفوقُ طَاقَتَهُمْ. وَهُمْ مُنْسَحِقو النَّفْسِ. وَهُمْ يُشْبِهونَ الحِمْلَ الثَّقيلَ. فَيَنْبَغي لَكَ دائمًا أنْ تَجُرَّهُمْ. وَغالِبًا، إذا نَظَرْتَ إلى الكَنيسَةِ كَمَوْكِبٍ، فَإنَّهُمُ الأشْخاصُ الَّذينَ يَحْمِلونَ الرَّاياتِ الحَمْراء. تَوَقَّفُوا! فَالجَميعُ يَتَقَدَّمُ، ولَكِنَّهُمْ يَرْفَعونَ لافِتاتِ التَّوَقُّفِ لأنَّهُمْ بِلا رُؤيَة. فَهُمْ يَخْشَوْنَ الإخْفاقَ. وَهُمْ يَفْتَقِرونَ إلى الشَّجاعَةِ. وَأعتقدُ أنَّهُمْ يَشْعُرونَ في أعْماقِ قُلوبِهِمْ أنَّ بَطَلَهُمْ هُوَ "إنْديانا جُوْنز" (Indiana Jones)، ولَكِنَّهُمْ لَنْ يَعْتَرِفُوا يَوْمًا بذلك.

والآنْ، كَيْفَ يَنْبَغي أنْ تَتعامَلُوا مَعَ هَؤلاءِ النَّاسِ؟ يَقولُ بولُسُ في العَدَد 14: بِبَساطَة: "شَجِّعُوهُمْ". وَيا لَها مِنْ كَلِمَةٍ جَميلَة! فَهِيَ تَعْني أنْ تَتَكَلَّمَ إلى شَخْصٍ بَعْدَ أنْ تَدْنُو مِنْهُ. وَكَما تَرَوْنَ، فَلا وُجودَ للطُّرُقِ المُخْتَصَرَة. فالخِرافُ يَنْبَغي أنْ تُشَجِّعَ الخِراف. فَإنْ رَأيْتُمْ شَخْصًا خائِفًا، أوْ قَلِقًا أوْ يَائِسًا كُلَّ الوَقْتِ، أوْ حَزينًا، أوْ لا يَسْتَطيعُ أنْ يَتَخَطَّى مَشاكِلَ الحَياةِ، يَجِبُ عليكُمْ أنْ تَدْنُو مِنْهُ وَأنْ تَتَحَدَّثُوا إليهِ، وَأنْ تُنَمُّوا عَلاقَةَ الصَّداقَةِ مَعَهُ. فالكَلِمَةُ هُنا تَحْمِلُ مَعْنى الاقْتِرابِ إلى الشَّخْصِ مِنْ أجْلِ مُواسَاتِهِ، وتَعْزِيَتِهِ، وَتَشْجيعِهِ، ومُؤازَرَتِهِ، ومُسانَدَتِهِ، وإنْعاشِهِ، وتَسْكينِ نَفْسِهِ. وَلَكِنْ لا تُوْجَدُ طَريقَةٌ أُخرى للقِيامِ بِذلكَ سِوى مِنْ خِلالِ العَلاقَةِ.

قَدْ نَكونُ أكاديمِيِّينَ جِدًّا في التَّلْمَذَة، ولكِنَّ التَّلْمَذَةَ الحَقيقيَّةَ تَتَلَخَّصُ في فِكْرَةِ الشَّرِكَةِ الشَّخصيَّةِ والحَميمَةِ مَعَ المُؤمِنينَ الأقْوياء. وَهَذا في حَدِّ ذَاتِهِ مُفَرِّحٌ. ورُبَّما لا تَعْرِفونَ ذلكَ، يا أحِبَّائي. وَلَكِنْ هُناكَ أشْخاصٌ في هذهِ الكَنيسَةِ يَنْتَمونَ إلى هَذِهِ الفِئَةِ. وَأنا ألْتَقى بِهِمْ دائمًا وَأُعْطيهم جُرْعَةً جَديدَةً مِنَ التَّشْجيعِ. وَهُوَ شَيءٌ أُحِبُّ جِدًّا أنْ أَقومَ بِهِ لأنَّهُ امْتيازٌ عَظيمٌ لي.

فَلا يُوْجَدُ شَيءٌ آخَرُ يُمْكِنُ القِيامَ بِهِ سِوى أنْ تَقْتَرِبُوا مِنْ ذلكَ الشَّخْصِ مِنْ خِلالِ الشَّرِكَةِ الحَميمَةِ بينَ المُؤمِنينَ الأقْوياء وَأنْ تُشَجِّعُوه. فَهَذا شَبيهٌ جِدًّا بِما يَقولُهُ بولُسُ في الأصْحاحِ الثَّاني والعَدَدِ السَّابِعِ مِنْ رِسالَةِ تَسالونيكي الأولى. فَهُوَ يَقول: "بَلْ كُنَّا مُتَرَفِّقِينَ فِي وَسَطِكُمْ كَمَا تُرَبِّي الْمُرْضِعَةُ أَوْلاَدَهَا هكَذَا إِذْ كُنَّا حَانِّينَ إِلَيْكُمْ". فَقَدْ أحْبَبْناكُمْ جِدًّا حَتَّى إنَّنا احْتَضَنَّاكُمْ وَرَعَيْناكُمْ.

إنَّهُ التَّشْجيعُ المُتَرَفِّقُ. وَهَذا قَدْ يَشْمَلُ التَّشْجيعُ على الشَّرِكَةِ الشَّخْصِيَّةِ، والتَّشْجيعُ على الصَّلاةِ إلى اللهِ، والتَّشْجيعُ على التَّمَسُّكِ بالرَّجاءِ، والتَّشْجيعُ على يَقينِ الخَلاصِ، والتَّشْجيعُ على أنَّ اللهَ هُوَ صَاحِبُ السِّيادَةِ وَأنَّ لَهُ قَصْدٌ وَمَشيئَةٌ، والتَّشْجيعُ على حُبِّ المَسيحِ، والتَّشْجيعُ على وُجودِ قِيامَةٍ أَخيرَةٍ، والتَّشْجيعُ على مُشارَكَةِ آلامِ المَسيحِ، والتَّشْجيعُ بِكُلِّ أشْكالِهِ.

فَإنْ أرادَتِ الكَنيسَةُ أنْ تَكونَ فَاعِلَةً، وَأنْ تَنْمو وَتَكونَ قَوِيَّةً، فإنَّها سَتَصيرُ كذلكَ إنْ تَعامَلْنا مَعَ المُعَانِدينَ وَتَعامَلْنا مَعَ القَلِقينَ شَخْصِيًّا ... شَخْصِيًّا، لأنَّهُ عِنْدَما يَرْجِعُ المُعانِدونَ إلى الخَطِّ، وَيَنْخَرِطُ القَلِقونَ في المُغامَرَةِ، فإنَّنا سَنُزيلُ العَائِقَ فَتَمْضِي الكَنيسَةُ قُدُمًا.

ثُمَّ هُناكَ الضُّعَفاء. فَبولُسُ يَقولُ، بِبَساطَةٍ، في العَدَد 14: "أَسْنِدُوا الضُّعَفَاءَ". وَهَذِهِ هِيَ الفِئَةُ الثَّالِثَةُ: الضُّعَفاء. وَمَا المَقْصودُ بالضُّعَفاء؟ مِنَ المُؤكِّدِ أنَّ ضُعْفَ الإيمانِ هُوَ جُزْءٌ مِنْ ذلك. وَقَدْ حَدَّثَنا الرَّسولُ بولُسُ في الأصْحاحات 8-10 مِنْ رِسالَةِ كورِنثوسَ الأولى، وَالأصْحاحَيْن 14 و 15 مِنْ رِسالَةِ رُومية عَنْ مَفْهُومِ الأخِ الضَّعيف. أَتَذْكُرونَ ذلك؟

وَهَذا كُلُّهُ يَعْني أنَّ إيمانَهُ ضَعيفٌ. فَهُوَ لا يَمْتَلِكُ مِنَ الإيمانِ مَا يَكْفي لِمُمارَسَةِ الحُرِّيَّةِ المُعْطاة لَهُ في المَسيح. فالإيمانُ ضَعيفٌ. والإيمانُ الضَّعيفُ يُسَبِّبُ مُشْكِلَةً. وَما هِيَ تِلْكَ المُشْكَلَة؟ الإيمانُ الضَّعيفُ يَعْني أنَّ ذلكَ الشَّخْصَ مُعَرَّضٌ كَثيرًا للتَّجْرِبَةِ والخَطِيَّةِ. إنَّها الحَساسِيَةُ المُفْرِطَةُ للخَطِيَّةِ. فَالحَقيقَةُ هِيَ أنَّ هَؤلاءِ يُعانونَ فَرْطَ حَساسِيَةٍ مِنَ الخَطِيَّةِ حَتَّى إنَّهُمْ يَرَوْنَ أنَّ بَعْضَ الأشياءِ خَطِيَّة مَعَ أنَّها ليسَتْ كذلكَ في الحَقيقَة. لِذلكَ فإنَّهُمْ يَميلونَ إلى التَّراجُعِ.

وَبُولُسُ يَقول: لا يُمْكِنُكُمْ أنْ تَدْفَعُوا هَؤلاء. لا يُمْكِنُكُمْ أنْ تُرْغِمُوا الشَّخْصَ الضَّعيفَ في إيمانِهِ على التَّقَدُّمِ بِسُرْعَة، وَإلَّا فإنَّكُمْ سَتَدْفَعونَهُ إلى حُرِّيَّةٍ أوْ شَيءٍ لَيْسَ مُسْتَعِدًّا لَهُ، أوْ إلى تَجْرِبَةٍ لا يُمْكِنُهُ أنْ يَتَصَدَّى لَها.

فَمَثَلًا، لِنَقُلْ إنَّ شَخْصًا اهْتَدَى إلى المَسيحِ بَعْدَ أنْ كانَ يَعْبُدُ الأصْنامَ وَبَعْدَ أنْ كانَ يَعْبُدُ الآلِهَةَ الَّتي كانَ يَعْبُدُها أهْلُ أَفَسُسْ مِثْلَ "أرْطاميس" أوْ "دَيانا"، وَهِيَ آلِهَةٌ زَائِفَةٌ. وَلْنقُلْ أنَّكَ اهْتَدَيْتَ أيْضًا إلى يَسوعَ المَسيحِ وَدَعَوْتَ ذلكَ الشَّخْصَ إلى العَشاءِ فَقالَ لَكَ: "هَذا لَحْمٌ شَهِيٌّ. مِنْ أيْنَ اشْتَرَيْتَهُ؟" فَقُلْتَ لَهُ: "لَقَدِ اشْتَرَيْتُهُ مِنْ مَلْحَمَةٍ قَريبَةٍ مِنَ المَعْبَدِ. إنَّهُ لَحْمٌ قُدِّمَ لِلإلَهَةِ دَيانا. وَقَدْ اشْتَرَيْتُهُ وَأَعْدَدْتُهُ لَكَ". وَلَكِنَّهُ يَقولُ لَكَ: "وَلَكِنِّي لا أسْتَطيعُ أنْ آكُلَ لَحْمًا قُدِّمَ لِصَنَمٍ". فَتَقولُ لَهُ: "بَلى! فَأنْتَ حُرٌّ في المَسيح. والصَّنَمُ لا شَيْء. واللَّحْمُ المُقَدَّمُ إلى الأصْنامِ لا شَيء. والكِتابُ المُقَدَّسُ يَتَحَدَّثُ عَنْ هَذا الأمْرِ بِرُمَّتِه".

وَلَكِنَّ المُشكلةَ هِيَ أنَّهُ ما إنْ يَأكُلَ مِنْ ذلكَ اللَّحْم حَتَّى يَتَذَكَّرُ الحَياةَ كانَ يَعيشُها والتي تَرَكَها، أيِ الحَياةَ الوَثَنِيَّةَ، وَعِبادَةَ الأصْنامِ، وَالفَسادَ الأخْلاقِيَّ، وَكُلَّ النُّفايَةِ والقَذارَةِ الَّتي كانَتْ جُزْءًا مِنَ النِّظامِ الزَّائِفِ الَّذي سَيَبقى يَصُبُّ في حَياةِ ذلكَ الشَّخْصِ إلى أنْ يَنْضُجَ بالقَدْرِ الكَافي الَّذي يُمَكِّنُهُ مِنْ قَبولِ التَّغَيُّرِ الَّذي حَدَثَ في حَياتِهِ. فَمِنْ شَأنِ ذلكَ أنْ يَجْعَلَهُ يُخْطِئ في ذِهْنِهِ لأنَّهُ سَيَتَذَكَّرُ كُلَّ مَا كانَ يَفْعَلُهُ مَرَّةً أُخرى. لِذلكَ، لا تَضْغَطْ على شَخْصٍ كَهَذا بِهَدَفِ إحْرازِ تُقَدُّمٍ سَريعٍ.

وَكَما تَرَوْنَ، فإنَّ الضَّميرَ ليسَ مُرْتَبِطًا بالأخْلاق. وَلَكِنَّ الضَّميرَ يُحَرِّكُ ما يُؤمِنُ عَقْلُكَ أنَّهُ أخْلاقِيٌّ أوْ غَيْرُ أَخْلاقِيٍّ. وَلأنَّ ضَميرَهُ ضَعيفٌ جِدًّا وَمُتَعَلِّقٌ جِدًّا بالماضي، ولا يَقْدِرُ أنْ يُحَرِّرَهُ لِكَيْ يَسْلُكَ في تلكَ الطَّريقِ الجَديدَةِ، لا يَجوزُ لَكَ أنْ تَدْفَعَهُ إلى ذلكَ وَإلَّا فإنَّكَ تَجْعَلُهُ يَسْقُط. فَهُناكَ أشْخاصٌ ضُعَفاء، أيْ ضُعَفاءُ في إيمانِهِمْ. وَهُمْ لا يَسْتَطيعونَ أنْ يَتَمَتَّعُوا بالحُرِّيَّةِ في المَسيح. وَهُمْ مُعَرَّضونَ لِجُرْحِ الضَّميرِ الَّذي قَدْ يُؤدِّي إلى اقْتِرافِ مَزيدٍ مِنَ الخَطَايا، وَيَزيدُ ضَعْفَهُمْ. ولَكِنْ هُناكَ فِئَةٌ أُخرى وَرُبَّما هِيَ المَقصودَةُ هُنا وَهِيَ فِئَةُ الضُّعَفاءَ أخْلاقِيًّا.

فَبولُسُ يَسْتَخْدِمُ هَذِهِ الكَلِمَةَ في العَهْدِ الجَديدِ في أغْلَبِ الأحْيانِ للإشارَةِ إلى احْتِمالِيَّةِ السُّقوطِ في الخَطِيَّةِ ... إلى احْتِمالِيَّةِ السُّقوطِ في الخَطِيَّةِ. وَهَؤلاءِ هُمُ الأشْخاصُ الضُّعَفاءُ الَّذينَ قَدْ تَنْتَشِلُهُمْ مِنْ بَالوعَةِ الخَطِيَّةِ وَتَنْفُضُ الأقْذارَ عَنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ يَعودونَ إليها مَرَّةً أُخرى. وَهَؤلاءِ هُمُ الأشخاصُ الذينَ يَجِدونَ صُعوبَةً بالِغَةً في عَمَلِ مَشيئَةِ اللهِ. وَهَؤلاءِ هُمُ الأشخاصُ الذينَ يَسْتَمِرُّونَ في الوُقوعِ في نَفْسِ الخَطايا المَرَّةَ تِلْوَ الأُخرى. وَمَعَ أنَّكَ تَتْعَبُ كَثيرًا مَعَهُمْ، فإنَّهُمْ يَعودونَ إلى الخَطِيَّةِ مِنْ جَديد.

وَأعتقدُ أنَّ هَؤلاءِ هُمُ الأشخاصُ الذينَ كَانَ يَقْصِدُهُمْ يَعْقوبُ في رِسالَةِ يَعْقوب 5: 14 حينَ قال: "أَمَرِيضٌ أَحَدٌ بَيْنَكُمْ؟" وَالكَلِمَةُ المُتَرْجَمَةُ "مَريض" هُنا تَعْني أيضًا: "ضَعيف". "أَضَعيفٌ أَحَدٌ بَيْنَكُمْ؟ فَلْيَدْعُ شُيُوخَ الْكَنِيسَةِ". لِماذا؟ لأنَّهُمْ أقْوياء، وَلأنَّهُمْ يَسْتَطيعونَ أنْ يَسْنِدوكَ، وَأنْ يُصَلُّوا لأجْلِكَ. وَإنْ كُنْتَ قَدِ أَخْطَأتَ في حَقِّهِمْ، فإنَّهُمْ سَيُسامِحونَكَ. لِذلكَ، اذْهَبْ إلى الأشْخاصِ الأقْوياء عِنْدَما تَشْعُرُ بالضُّعْفِ الرُّوحِيِّ وَالأدَبِيِّ.

إنَّ الكَنيسَةَ مَليئَةٌ بهَذِهِ الفِئاتِ مِنَ النَّاسِ. وَصَدِّقُوني أنَّهُمْ عَوائِقُ وَحِجارَةُ عَثْرَةٍ. فَهُمْ يُعيقونَ تَقَدُّمَ الكَنيسَةِ، وَنُمُوَّ الكَنيسَةِ، وَقُوَّةَ الكَنيسَةِ. وماذا يَنْبَغي أنْ نَفْعَلَ بِخُصوصِ هَؤلاء؟ أنْ نُساعِدَهُمْ. والمُساعَدَةُ كَلِمَةٌ مُبَسَّطَةٌ لِفِكْرَةٍ عَظيمَةٍ في اللُّغَةِ اليُونانِيَّةِ. فالكَلِمَةُ اليُونانِيَّةُ تَعْني أنْ "نُسانِدَهُمْ" وَأنْ "نَدْعَمَهُمْ"، وَأنْ "نَرْفَعَهُمْ" وَأنْ "نَعْضُدَهُمْ" وَأنْ "نَقِفَ إلى جَانِبِهِمْ". وَنَحْنُ نَقرأُ في غَلاطِيَّة 6: 1: "إِنِ انْسَبَقَ إِنْسَانٌ فَأُخِذَ فِي زَلَّةٍ مَا، فَأَصْلِحُوا أَنْتُمُ الرُّوحَانِيِّينَ مِثْلَ هذَا". ثُمَّ نَقرأُ: "اِحْمِلُوا بَعْضُكُمْ أَثْقَالَ بَعْضٍ". فَهَذِهِ هِيَ الخُطْوَةُ الثَّانِيَةُ: أنْ نَحْمِلَهُ، وَأنْ نَرْفَعَهُ، وَأنْ نَسْنِدَهُ، وَأنْ نَدْعَمَهُ.

وكيفَ نَفْعَلُ ذلك؟ نَقولُ مَرَّةً أُخرى: بِطَريقَةٍ حَميمَةٍ. فَيجبُ أنْ تَقْتَرِبُوا مِنْ هؤلاءِ الأشْخاصِ. فَالكَنيسَةُ تَنْمُو عندما تَبْدَأُ الخِرافُ بالاهْتِمامِ بالخِراف، وَعِنْدَما تَبْدَأُ الخِرافُ بالاهْتِمامِ بالقَدْرِ الكَافي الَّذي يَدْفَعُها إلى الدُّنُوِّ مِنَ الأشْخاصِ المُعَانِدينَ وَإنْذارِهِمْ. وَعِنْدَما تَهْتَمُّ بالقَدْرِ الَّذي يَجْعَلُها تَذْهَبُ إلى القَلِقينَ لِتَشْجيعِهِم، وَعِنْدَما تَهْتَمُّ بالقَدْرِ الَّذي يَجْعَلُها تَذْهَبُ إلى الضُّعَفاءِ لِمُسانَدَتِهِمْ. فَهَذا يَعْني الانْخِراط.

وَما زِلْتُ أَذْكُرُ شَابًّا مُعَيَّنًا جاءَ لِرُؤيَتي لأنَّهُ كَانَ في صِراعٍ مَعَ الجِنْسِيَّةِ المِثْلِيَّةِ. فَقَدْ سَلَّمَ حَياتَهُ للمسيحِ، وَكانَ يَخوضُ حَرُوبًا شَرِسَةً بَعْدَ سَنَواتٍ طَويلَةٍ صَرَفَها في حَياتِهِ السَّابِقَةِ والجِنْسِيَّةِ المِثْلِيَّةِ، ولم يَتَمَكَّنْ مِنَ الابْتِعادِ عَنْ ذلكَ فَوَجَدَ نَفْسَهُ يَسْقُطُ ضَحِيَّةَ مُمارَساتٍ جِنْسِيَّةٍ مِثْلِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ. وَقَدْ جَاءَ في يَأسٍ كَامِلٍ، وَكانَ مُنْسَحِقًا وَباكِيًا وَهُوَ يَقول: "لا يُمْكِنُني أنْ أَتَغَلَّبَ على ذلك. لا يُمْكِنُني أنْ أَتَغَلَّبَ على ذلك. لا يُمْكِنُني أنْ أَتَخَطَّى ذلك".

فَقُلْتُ: "حَسَنًا. أُريدُ أنْ أُساعِدَكَ. ثُمَّ قُلْتُ: "ولكِنِّي لا أمْلِكُ الوقتَ الكافي للبَقاءِ مَعَكَ كُلَّ يَوْمٍ لِحِراسَتِكَ. ولَكِنِّي سأَقولُ لَكَ ما يَنْبَغي أنْ تَفْعَل". وَقَدْ أَعْطَيْتُهُ دَفْتَرًا صَغيرًا وَقُلْتُ لَهُ: "أريدُ مِنْكَ أنْ تَكْتُبَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ أيَّامِ الأسْبوعِ على صَفْحَةٍ. ثُمَّ أُريدُ مِنْكَ أنْ تَكْتُبَ في نِهايَةِ كُلِّ يَوْمٍ كُلَّ المُمارَساتِ الجِنْسِيَّةِ المِثْلِيَّةِ الَّتي قُمْتَ بِها في ذلكَ اليومِ سَواءٌ كُنْتَ وَحْدَكَ أوْ مَعَ شَخْصٍ آخَر، أوْ حَتَّى إذا كُنْتَ تَقرأُ شَيئًا مَا أوْ أيَّ شَيءٍ آخَر. أيَّ شَيءٍ يُثيرُ مُيولَكَ الجِنْسِيَّةَ المِثْلِيَّةِ، وَأيَّ شَيءٍ تَشْعُرُ أنَّهُ نَجِسٌ. أريدُ مِنْكَ أنْ تَكْتُبَ ذلكَ بالتَّفْصيل. وفي نِهايَةِ الأسْبوع، أُريدُ مِنْكَ أنْ تَأتي لكي أَقْرَأَ كُلَّ مَا كَتَبْت".

وَبَعْدَ سَبْعَةِ أيَّامٍ، جَاءَ الشَّابُّ وَدَخَلَ مِنَ البَابِ، وَلَمْ يَكُنْ يَبْكي. بَلْ كانَ يَبْتَسِمُ. وَبَعْدَ أنْ بَادَرَني بالتَّحِيَّةِ وَرَدَدْتُ التَّحِيَّةَ قُلْتُ: "هَلْ أَحْضَرْتَ دَفْتَرَكَ الصَّغير؟" قال: "أَجَل". ولكِنَّهُ قال: "لَمْ أَكْتُبِ الكَثيرَ فيه. إنَّها مُجَرَّدُ مَرَّاتٍ قَليلَةٍ في ذِهْني عِنْدَما كُنْتُ أُصارِعُ التَّجْرِبَةَ، ولَكِنِّي لَمْ أَفْعَلْ أيَّ شَيءٍ". قلتُ: "حَقًّا؟" وَمَا الَّذي تَغَيَّر؟" قال: "هَلْ تَعْتَقِدُ أنِّي كُنْتُ سَأُسَرُّ بأنْ أُحْضِرَ ذلكَ الدَّفْتَر لِكَيْ تَقْرَأَ مَا كُتِبَ فيه؟"

لَقَدْ كانَتْ تِلْكَ طَريقَة بَسيطَة لِمُسانَدَتِهِ مِنْ خِلالِ تَعْريضِهِ للمُساءَلَةِ. فَيَنْبَغي أنْ تُسانِدُوا هَؤلاء. فَهَذا يُسْهِمُ في نُمُوِّ الكَنيسَةِ. انْسوا كُلَّ الأُمورِ الأُخرى. فَنَحْنُ نُريدُ كَنيسَةً نَامِيَةً. وَهَكَذا تُساعِدونَ الكَنيسَةَ على النُّمُوِّ.

ثُمَّ هُناكَ فِئَةٌ رابِعَةٌ وَهِيَ فِئَةُ المُتْعِبين. فَبولُسُ يَقول: "تَأَنَّوْا عَلَى الْجَمِيعِ". وَيَنْبَغي أنْ نُعَرِّفَ الكَلِمَة "جَميع". فالكَلِمَة "جَميع" تُشيرُ إلى الأشْخاصِ الذينَ نَتَبَرَّمُ مِنْهُمْ بِسُهولَة. "تَأَنَّوْا عَلَى الْجَمِيعِ"، أيْ: "تَأنَّوْا على جَميعِ الأشْخاصِ الذينَ يَخْتَبِرونَ صَبْرَكُمْ".

فَمِنَ السَّهْلِ أنْ تُحْبَطُوا. وَمِنَ السَهْلِ أنْ تَغْضَبُوا. وَمِنَ السَّهلْ أنْ تَشْعُروا بِخَيْبَةِ الأمَلِ، وَفُتورِ الهِمَّةِ، والسَّخَطِ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ. فأنْتُمْ تُعْطونَ الكَثيرَ جِدًّا، وَتَفْعَلونَ الكَثيرَ جِدًّا، وَتُقَدِّمونَ الكَثير جِدًّا، وَتَبْذُلونَ الكَثير جِدًّا، ولَكِنَّكُمْ لا تَحْصُلونَ سِوى على القَليلِ جِدًّا.

وَقَدْ حَدَثَ ذلكَ مَعي. وَقَدْ حَدَثَ ذلكَ مَعَكُمْ في علاقاتِ التَّلْمَذَة. فإذا كُنْتَ قَدْ تَلْمَذْتَ أُناسًا كَثيرينَ لِوَقْتٍ طَويلٍ، فإنَّكَ تَعْرِفُ مَعْنى الإحْباطِ الكَبيرِ والهَائِلِ. والكَنيسَةُ مَمْلوءَةٌ بأُناسٍ يَجْلِسونَ، وَيَتَعَلَّمونَ، وَيَحْصُلونَ على التَّدْريبِ، وَالتَّلْمَذَةِ، والنُّصْحِ، والمُسانَدَةِ، وَالإلْهامِ، والحَافِزِ، وَالتَّشْجيعِ. وَلَكِنَّهُمْ يَنْمُونَ بِبُطْءٍ شَديدٍ جِدًّا وَلا يَبْدو أنَّهُمْ يَنْمُونَ بِشَكْلٍ طَبيعِيٍّ. فَكُلُّ شَيءٍ يُشَتِّتُ تَرْكيزَهُمْ. وَكُلُّ شَيءٍ يُبْطِئُ سَيْرَهُمْ. فَهُمْ يُعانونَ كَثيرًا مِنْ ضُعْفِ التَّرْكيزِ. وَهُمْ غَيْرُ مُنْضَبِطينَ في الأمورِ الرُّوحِيَّةِ، وَغَيْرُ مُنْضَبِطينَ في وَسائِطِ النِّعْمَةِ. وَهَؤلاءِ قَدْ يُحْزِنونَ قَلْبَكَ حَقًّا.

وَهُناكَ رُعاةٌ كَثيرونَ نَجَوْا مِنَ المُعانِدينَ، وَنَجَوْا مِنَ القَلِقينَ، وَنَجَوْا مِنَ الضُّعَفاء، ولَكِنَّهُمْ ذُبِحُوا على مَذْبَحِ الأشْخاصِ المُغيظِيْن. فَقَدِ انْهَارُوا بسببِ الأشْخاصِ المُتْعِبين فَقالوا أخيرًا لأنْفُسِهِمْ: "أنا أَسْكُبُ حَياتي في هذا الشَّيء. وَكُلَّما أَسْرَعْتُ الخُطَى تَقَدَّمْتُ أكْثَر. ولَكِنِّي عَاجِزٌ عَنْ جَعْلِهُمْ يَتَحَرَّكون. فَهُمْ لا يَتَحَرَّكون. فَقَدْ دَرَّبْناهُمْ، ولَكِنَّهُمْ لا يَقُومُونَ بِما دَرَّبْناهُمْ على القِيامِ بِهِ. وَقَدْ عَلَّمْناهُمْ، ولكِنَّهُمْ لا يَحْيَوْنَ مَا عَلَّمْناهُمْ أنْ يَحْيَوْه".

إنَّ هَذا صَعْبٌ جِدًّا جِدًّا. وَيُمْكِنُكَ أنْ تَسْمَعَ ذلكَ في صَوْتِ يَسوعَ إذْ يَقول بِصَوْتٍ لا يَخْلُو مِنَ الحَسْرَةِ: "يَا قَلِيلِــي الإِيمَانِ". بِعِبارَةٍ أُخرى: مَتَّى سَتَفْهَمونَ ذَلِكَ أيُّها الحَمْقَى؟ وَمَا الَّذي يَقولُ إنَّهُ يَنْبَغي أنْ نَفْعَلَهُ مَعَ هَؤلاءِ الأشْخاصِ؟ أنْ نَتَأنَّى عَليهِم. وَقَدْ تَقول: "إلى أيِّ مَدى؟" أكْثَرَ مِمَّا تَتَأنَّى عَليهِمْ عَادَةً. وَقَدْ تَقول: "إلى أيِّ مَدى؟" بِقَدْرِ مَا يَتَأنَّى اللهُ عَليكَ. إلى هَذا الحَدِّ؟ أَجَل! فالأمْرُ يَتَطَلَّبُ صَبْرًا كَثيرًا.

ويُمْكِنُنا أنْ نُلْقي نَظْرَةً على العَهْدِ القَديمِ، لو كانَ لَدينا وَقْتٌ، وَأنْ نَدْرُسَ طُوْلَ أَناةِ اللهِ. اقْرَأوا خُروج 34: 6. واقرأوا إشَعْياء 63: 7 و 8 و 9. وَهُناكَ آياتٌ كَثيرَةٌ أُخرى. وَلَكِنَّكُمْ تَعْلَمونَ دُوْنَ الرُّجوعِ إلى أيِّ آيَةٍ في الكِتابِ المُقَدَّسِ مِقْدارَ صَبْرِ اللهِ عَليكُمْ. أليسَ كذلك؟ وَبالقَدْرِ نَفْسِهِ يَجِبُ عليكَ أنْ تَتَأنَّى على الآخَرين.

وَقَدْ قالَ بُطْرُسُ للرَّبِّ: "كَمْ مَرَّةً يُخْطِئُ إِلَيَّ أَخِي وَأَنَا أَغْفِرُ لَهُ؟ هَلْ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ؟" قَالَ لَهُ يَسُوعُ: "لاَ ...، بَلْ إِلَى سَبْعِينَ مَرَّةً سَبْعَ مَرَّاتٍ". إلى ذَلِكَ الحَدِّ؟ إنَّهُمْ يَستمرُّونَ في فِعْلِ الشَّيءِ نَفْسِهِ. أَجَلْ، إلى ذَلِكَ الحَدِّ ... إلى ذَلِكَ الحَدِّ. اقْترِبُوا مِنْ هؤلاءِ الأشْخاصِ الَّذينَ يُغيظونَكُمْ وَتَأنَّوْا عَليهِم. واصْبِروا عَليهِم. فالمُعانِدونَ يَحْتاجونَ إلى الإنْذارِ. والقَلِقونَ يَحْتاجونَ إلى التَّشْجيعِ. والضُّعَفاءُ يَحْتاجونَ إلى المُسَانَدَةِ. والمُتْعِبينَ يَحْتاجونَ إلى طُوْلِ الأناةِ.

وَكَما تَرَوْنَ، فإنَّ الكِتابَ المُقَدَّسَ يُعَلِّمُنا أنْ نَتعامَلَ بَعْضُنا مَعَ بَعْضٍ بِرَأفَةٍ، وَبِمَحَبَّةٍ شَخْصِيَّةٍ، وَبِرعايَةٍ شَخصيَّةٍ. فَبِهَذِهِ الطَّريقَةِ سَتَنْمو الكَنيسَة. وبِهَذِهِ الطَّريقَةِ تُطَهِّرُ الكَنيسَةُ نَفْسَها.

أمَّا الفِئَةُ الأخيرَةُ والأشَدُّ خُطورَةً فَهِيَ فِئَةُ الأشْرار. وَماذا يَنْبَغي أنْ نَفْعَلَ بِهؤلاء؟ لِنَتَعَرَّفَ إليهِمْ أوَّلًا. فَقَدْ وَرَدَ الحَديثُ عَنْهُمْ في العَدَد 15. فَهُناكَ آيَةٌ كَامِلَةٌ عَنْهُمْ: "انْظُرُوا أَنْ لاَ يُجَازِيَ أَحَدٌ أَحَدًا عَنْ شَرّ بِشَرّ".

وَالتَّطْبيقُ هُنا، بِكُلِّ تَأكيدٍ، هُوَ الآتي: إنْ كانَ اللهُ يَمْنَعُنا مِنَ الانْتِقامِ لأنْفُسِنا ومُجازاةِ الشَّرِّ بالشَّرِّ، فَهَذا يَعْني أنَّ أَحَدَ الأشْخاصِ قَدْ آذاكَ. فَقَدْ أَظْهَرَ لَكَ أَحَدُ الأشْخاصِ شَرًّا ("كاكُوس" – “kakos) أوْ عَامَلَكَ بِدَناءَةٍ أوْ ضِعَةٍ أوْ خُبْثٍ. وَأعتقدُ أنَّ هَذا أَصْعَبَ ظَرْفٍ يُمْكِنُنا نَحْنُ المَسيحيُّونَ أنْ نُواجِهَهُ. فَهَذِهِ هِيَ أَسْوَأُ إسَاءَةٍ مُمْكِنَةٍ. فَأسْوَأُ مُعامَلَةٍ وَأكْثَرُها إِيْلامًا هِيَ أنْ نُلاقي الشَّرَّ لا مِنَ العَالَمِ، بَلْ مِنْ إخْوَتِنا وَأخَواتِنا. فَهَذا هُوَ أَشَدُّ أَلَمٍ. وَيَجِبُ أنْ يَعْمَلَ إيمانُنا المَسيحيُّ على هَذا المُسْتَوى. فَهَذا ضَرورِيٌّ.

لذلكَ فإنَّ بولُسَ يَقولُ: "اسْتَمِعُوا إلَيَّ. هُناكَ أشْخاصٌ في الكَنيسَةِ سَيُؤذونَكُمْ. وَهُمْ سَيَفْعَلونَ أُمورًا شِرِّيرَةً ضِدَّكُمْ". وَهُمْ سَيُؤذونَكُمْ مُباشَرَةً إمَّا مِنْ خِلالِ الكَلِماتِ الشِّرِّيرَةِ أوْ مِنْ خِلالِ مُهاجَمَتِكُمْ وَجْهًا لِوَجْهٍ. وَهُمْ سَيُؤذونَكُمْ بِطَريقَةٍ غيرِ مُباشِرَةٍ مِنْ خِلالِ النَّميمَةٍ والإشاعاتِ والكَلامِ الشِّرِّيرِ عَنْكُمْ أَمَامَ الآخرين. وَهُمْ قَدْ يُؤذونَكُمْ أحْيانًا مُباشَرَةً مِنْ خِلالِ الامْتِناعِ عَنِ الشَّرِكَةِ مَعَكُمْ، وَمِنْ خِلالِ إِقْصَائِكُمْ عَنِ الدَّائِرَةِ الاجْتِماعِيَّةِ، وَمِنْ خِلالِ إبْقائِكُمْ خَارِجَ خِدْمَتِهِمْ لأنَّهُمْ يُضْمِرونَ غَيْرَةً، أوْ حَسَدًا، أوْ كَراهِيَةً، أوْ مَرارَةً، أوْ غَضَبًا.

وَقَدْ يُؤذونَكُمْ بِطَريقَةٍ مُباشِرَةٍ مِنْ خِلالِ سَلْبِكُمْ فَضيلَتَكُمْ إمَّا بواسِطَةِ خَطيئَةٍ جَنْسِيَّةٍ، أوْ مِنْ خِلالِ فَسْخِ الزَّواجِ، أوْ مِنْ خِلالِ سَلْبِكُمْ شَيئًا ثَمينًا، أوِ مِنْ خِلالِ التَّأثيرِ في أبنائِكُمْ بِطُرُقٍ شِرِّيرَةٍ. وَهُمْ قَدْ يُؤذونَكُمْ بِطَريقَةٍ غَيْرِ مُباشِرَةٍ مِنْ خِلالِ تَسْهيلِ وُقوعِكُمْ في الخَطِيَّةِ. وَصَدِّقوني أنَّهُ يُوْجَدُ أُناسٌ في الكَنيسَةِ مُسْتَعِدُّونَ لِعَمَلِ الشَّرِّ ضِدَّ الآخرين. وَهُوَ ضَرَرٌ خَبيثٌ يَحْدُثُ في الكَنيسَةِ سَواءٌ كَانَ نَميمَةً أوْ تَشويهًا للسُّمْعَةِ أوْ خَطيئَةً جِنْسِيَّةً.

وبالمُناسَبَة، قَبْلَ أنْ تَفعلوا ذلكَ، يَجِبُ أنْ تَنْظُروا مَلِيًّا جِدًّا إلى مَتَّى 18 لأنَّ يَسوعَ يَقولُ في مَتَّى 18: "مَنْ أَعْثَرَ أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ الْمُؤْمِنِينَ بِي فَخَيْرٌ لَهُ أَنْ يُعَلَّقَ فِي عُنُقِهِ حَجَرُ الرَّحَى وَيُغْرَقَ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ". فَأَفْضَلُ للإنْسانِ لَوْ عُلِّقَ فِي عُنُقِهِ حَجَرُ الرَّحَى وَأُغْرِقَ فِي أَعْمَاقِ الْبَحْرِ مِنْ أنْ يُعْثِرَ أَحَدَ هَؤلاءِ الصِّغارِ الذينَ يُؤمِنونَ بي. والحَديثُ هُنا هُوَ ليسَ عَنْ طِفْلٍ، بَلْ عَنْ مُؤمِنٍ.

والحَقيقَةُ هِيَ أنَّهُ يَقولُ: "وَإِنْ كَانَتْ يَدُكَ الْيُمْنَى تُعْثِرُكَ فَاقْطَعْهَا. وَإنْ أَعْثَرَتْكَ رِجْلُكَ فاقْطَعْها. وَإنْ أَعْثَرَتْكَ عَيْنُكَ فَاقْلَعْها. وَيْلٌ لِمَنْ يَضَعُ حَجَرَ عَثْرَةٍ في طَريقِ أَحَدِ هَؤلاءِ الصِّغارِ المُؤمِنينَ بي. فَهُمْ عَزيزونَ جِدًّا على قَلبي حَتَّى إنَّ مَلائِكَتي تَنْظُرُ دائمًا إلى وَجْهِ الأبِ الَّذي يَنْظُرُ إلى أولادِهِ الصِّغار. وَعِنْدَما يُبْدي الأبُ أيَّ قَلَقٍ عَليهم فإنَّ المَلائِكَةَ تَهُبُّ لِمُساعَدَتِهِم".

لِذلكَ، إذا كُنْتَ تَعْبَثُ مَعَ شَعْبِ اللهِ، اعْلَمْ أنَّكَ تَعْبَثُ مَعَ أشخاصٍ عَزيزينَ على قَلْبِ اللهِ. وبالرَّغْمِ مِنْ ذلكَ فإنَّ المَسيحيِّينَ سَيُخْطِئونَ بِحَقِّ المَسيحيِّينَ الآخَرين. وَماذا يَنْبَغي أنْ نَفْعَلَ بِهَذا الخُصوص؟ وَكَيْفَ يَنْبَغي لَنا أنْ نُعامِلَ الأشْرارَ؟ إنَّهُ يَقولُ: "انْظُرُوا أَنْ لاَ يُجَازِيَ أَحَدٌ أَحَدًا عَنْ شَرّ بِشَرّ". أيْ: لا تَنْتَقِمُوا لأنْفُسِكُمْ ... لا تَنْتَقِمُوا لأنْفُسِكُمْ. وَهَذِهِ وَصِيَّةٌ مُوَجَّهَةٌ للكَنيسَةِ كُلِّها بِصيغَةِ الأمْرِ والجَمْعِ.

فَلا مَكانَ للانْتِقامِ في أيِّ مَكانٍ في الكَنيسَةِ. وَلا مَكانَ البَتَّة لأيِّ نَوْعٍ مِنَ الانْتِقامِ الشَّخْصِيِّ. فالوَحيدُ الَّذي يَمْلِكُ الحَقَّ في الانْتِقامِ هُوَ مَنْ؟ الله. اسْتَمِعُوا إلى ما جاءَ في رُومية 12 لأنَّهُ، كَما قُلْتُ سَابِقًا، يُشْبِهُ جِدًّا مَا جَاءَ في هَذا النَّصِّ. فَبولُسُ يَقولُ بِوُضوحٍ تَامٍّ في رِسالَتِهِ إلى أهْلِ رُومية 12: 19: "لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، بَلْ أَعْطُوا مَكَانًا لِلْغَضَبِ".

أيْ: لا تَسْمَحُوا للغَضَبِ أنْ يُسَيْطِرَ عليكُمْ وَأنْ يَدْفَعَكُمْ إلى الانْتِقامِ لأنْفُسِكُمْ بأنْفُسِكُمْ. بَلْ أَعْطُوا مَكانًا للغَضَبِ لأنَّهُ مَكْتوبٌ [وَهُوَ يَقْتَبِسُ هُنا آيَةً وَرَدَتْ في العَهْدِ القَديم]: "لِيَ النَّقْمَةُ. أَنَا أُجَازِي يَقُولُ الرَّبُّ". "لِيَ النَّقْمَةُ. أنا أُجازي". فأنا سأهْتُمُّ بذلك، وليسَ أنْتُمْ. مِنْ جِهَةٍ أُخرى، "إِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ. وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِهِ. لأَنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ هذَا تَجْمَعْ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأسِهِ. لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ". أَتَرَوْنَ ذلك؟

والآنْ، يُمْكِنُكُمْ أنْ تَرْجِعُوا إلى الرِّسالَةِ الأولى إلى أهْلِ تَسالونيكي. فالشَّخْصُ الوَحيدُ الَّذي يَمْلِكُ الحَقَّ في الانْتِقامِ هُوَ الله. وَقَدْ تَقولُ: "وَماذا عَنْ شَريعَةِ العَيْنِ بالعَيْنِ، والسِّنِّ بالسِّنِّ، والنَّفْسِ بالنَّفْسِ؟" لَقَدْ كانَ ذلكَ أمْرًا خَاصًّا بالحُكومَةِ بِمَعْنى أنَّ الحُكومَةَ هِيَ صَاحِبَةُ الحَقِّ في مُعاقَبَةِ المُجْرِمِ بالمِثْلِ. فالحُكومَةُ تَمْلِكُ الحَقَّ في تَنْفيذِ عُقوبَةِ النَّفْسِ بالنَّفْسِ، أوِ العَيْنِ بالعَيْنِ، أوِ السِّنِّ بالسِّنِّ. وَلَكِنَّ تِلْكَ لَمْ تكُنْ يَوْمًا وَصِيَّةً للانْتقامِ الشَّخْصِيِّ. وَهَذا هُوَ مَا أَرادَ يَسوعُ مِنْ تَلاميذِهِ أنْ يَفْهَموهُ، وَمِنَ اليَهودِ أنْ يَسْمَعوهُ في العِظَةِ على الجَبَل عندما قالَ: "رُبَّما ظَنَنْتُمْ أنَّهُ يَنْبَغي أنْ تُبْغِضُوا أعْداءَكُمْ. لِذلكَ فَقَدْ شَوَّهْتُمْ شَريعَةَ اللهِ إلى هَذا الحَدِّ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ".

إذًا، كيفَ يَنْبَغي أنْ نُعامِلَ أولئكَ الذينَ يُسيئونَ إلينا؟ يَجِبُ علينا دائمًا ... دائمًا وَأبَدًا أنْ نَسْعَى، وَأنْ نُحاوِلَ جَاهِدينَ، وَأنْ نَبْذُلَ كُلَّ ما في وُسْعِنا لِعَمَلِ كُلِّ مَا هُوَ صَالِحٌ، وَجَميل، وَنَبيل، ورائِع. بعبارةٍ أُخرى، يَنْبَغي أنْ تَقول: "حَسَنًا، بالرَّغْمِ مِمَّا فَعَلوهُ بي، سَأفْعَلُ كُلَّ مَا في وُسْعِي لِمُجازاتِهِمْ خَيْرًا، وَسَأفْعَلُ كُلَّ مَا هُوَ نَبيلٌ وَمُمْتازٌ لَهُمْ. وَتَعْبيرًا عَنْ مَحَبَّتي، سَأُجازي عَداوَتَهُمْ خَيْرًا. وَأنا لَنْ أُعامِلَهُمْ هُمْ فَقَطْ هَكَذا، بَلْ سَأُعامِلُ الجَميعَ هَكَذا ... الجَميع. وَلا سِيَّما أَهْلَ الإيْمان" كَما يَقولُ بولُسُ في مَوْضِعٍ آخَر. وَلَكِنْ "تَأنَّوْا على الجَميع".

إنَّ الرَّعِيَّةَ النَّامِيَةَ تَتَّصِفُ بالتَّقَدُّمِ في الإيمانِ والمَحَبَّةِ والطَّهارَةِ إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ المَسِيح. فَهَذِهِ هِيَ الكَنيسَةُ النَّامِيَةُ. وَهَذا النُّمُوُّ يُعاقُ بِسَبَبِ المُعانِدينَ، والقَلِقينَ، وَالضُّعَفاءَ، والمُتْعِبينَ، والأشْرار. فَإنْ أرادَتِ الكَنيسَةُ أنْ تَنْمُو، فإنَّها لَنْ تَنْمُو لأنَّ أَحَدَ الأشْخاصِ اكْتَشَفَ استراتيجيَّةً مَا للتَّحايُلِ على المُشكلةِ. بَلْ إنَّها سَتَنْمُو عِنْدَما يَتَّحِدُ الرُّعاةُ وَالخِرافُ مَعًا في عَلاقَاتٍ حَميمَةٍ يُنْذِرونَ مِنْ خِلالِها المُعانِدينَ، وَيُشَجِّعونَ القَلِقينَ، وَيَسْنِدونَ الضُّعَفاءَ، وَيَتَأنُّونَ عَلى المُتْعِبينَ، وَيُجازونَ الأشْرارَ مَحَبَّةً وَخَيْرًا.

وَعِنْدَمَا تَأخُذُ الكَنيسَةُ ذلكَ الشَّكْلَ وَتِلْكَ الصُّورَةَ، فإنَّها سَتَكونُ كَنيسَةَ نَامِيَةً وَقَوِيَّة. ويجبُ عَلينا أنْ نُكَرِّسَ أنْفُسَنا للتَّعْبيرِ عَنِ الصُّورَةِ الحَقيقيَّةِ للكنيسَة، وَهِيَ هَذِهِ.

نَشْكُرُكَ، يا أَبانا، في هذا الصَّباحِ على هَذِهِ اللَّحَظاتِ القَصيرَةِ الَّتي أَعْطَيْتَنا إيَّاها لِكَيْ نَعْبُدَكَ وَلِكَيْ تَتَقابَلَ قُلوبُنا وأذْهانُنا مَعَ حَقِّكَ. اخْتِمْ هَذا على قُلوبِنا، وَسَاعِدْنا على التَّمَتُّعِ بِعلاقاتٍ مَتينَةٍ بينَ الخِرافِ والخِرافِ لكي نَكونَ كَنيسَةً يُمْكِنُ أنْ تَسْتَخْدِمَها بِقُوَّة. وَنَحْنُ نَشْكُرُكُ على هَذا الامْتيازِ باسْمِ المَسيح. آمين.

This sermon series includes the following messages:

Please contact the publisher to obtain copies of this resource.

Publisher Information
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969

Welcome!

Enter your email address and we will send you instructions on how to reset your password.

Back to Log In

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize
View Wishlist

Cart

Cart is empty.

Subject to Import Tax

Please be aware that these items are sent out from our office in the UK. Since the UK is now no longer a member of the EU, you may be charged an import tax on this item by the customs authorities in your country of residence, which is beyond our control.

Because we don’t want you to incur expenditure for which you are not prepared, could you please confirm whether you are willing to pay this charge, if necessary?

ECFA Accredited
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Back to Cart

Checkout as:

Not ? Log out

Log in to speed up the checkout process.

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize