Grace to You Resources
Grace to You - Resource

لِنَفتَح كُتُبَنا المُقدَّسةَ في هذا المساء استعدادًا لدراسَتِنا لكلمةِ اللهِ، وتَحديدًا: رسالة بُطرس الأولى والأصحاح الرَّابع. رسالة بُطرس الأولى والأصحاح الرَّابع. ومَرَّةً أخرى، نحنُ نَدرُسُ الآيات مِن 7 إلى 11. واسمَحوا لي أنْ أقرأَها لكُم ابتداءً مِنَ العدد 7، إذْ يَكتُبُ بُطرُس: "وَإِنَّمَا نِهَايَةُ كُلِّ شَيْءٍ قَدِ اقْتَرَبَتْ، فَتَعَقَّلُوا وَاصْحُوا لِلصَّلَوَاتِ. وَلكِنْ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، لِتَكُنْ مَحَبَّتُكُمْ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ شَدِيدَةً، لأَنَّ الْمَحَبَّةَ تَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ الْخَطَايَا. كُونُوا مُضِيفِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِلاَ دَمْدَمَةٍ.  لِيَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ مَا أَخَذَ مَوْهِبَةً، يَخْدِمُ بِهَا بَعْضُكُمْ بَعْضًا، كَوُكَلاَءَ صَالِحِينَ عَلَى نِعْمَةِ اللهِ الْمُتَنَوِّعَةِ. إِنْ كَانَ يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ فَكَأَقْوَالِ اللهِ. وَإِنْ كَانَ يَخْدِمُ أَحَدٌ فَكَأَنَّهُ مِنْ قُوَّةٍ يَمْنَحُهَا اللهُ، لِكَيْ يَتَمَجَّدَ اللهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي لَهُ الْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِين".

وقد قُلنا في لَيْلَتَيِّ الأحدِ المَاضِيَيْن إنَّنا هُنا أمامَ مُلَخَّصٍ غَنِيٍّ عن مَسؤوليَّتِنا بِصِفَتِنا مُؤمِنين. وقد أَسْمَيْنا هذه السِّلسِلَة: "واجِبُ المُؤمِنِ في عَالَمٍ مُعادٍ". وهذا يُذَكِّرُنا بشيءٍ أساسِيٍّ جدًّا يَختصُّ بالإيمانِ المسيحيّ. فهو يُذَكِّرُنا أنَّ الإيمانَ لا يُمْكِنُ أنْ يُفْصَلَ أوْ يُعْزَلَ عنْ نِطاقِ الحياةِ الحقيقيَّة. واسمَحوا لي أنْ أقولَ ذلكَ مَرَّةً أخرى: الإيمانُ لا يُمْكِنُ أنْ يُفْصَلَ أوْ يُعْزَلَ عنْ نِطاقِ الحياةِ الحقيقيَّة.

بِعبارة أخرى، الخَلاصُ ليسَ فقط غُفرانًا للخطايا، بل إنَّ الخلاصَ نَهْجٌ جَديدٌ للحياة. وأنا أقولُ ذلكَ لأنَّهُ يبدو لي أنَّهُ في المُناخِ المُعاصِرِ الَّذي تُوجَدُ فيهِ الكنيسة اليومَ، فإنَّ الخلاصَ يُنْظَرُ إليهِ بصورة رئيسيَّة (إنْ لم تَكُنْ حَصْرِيَّة) كشيءٍ مُستقلٍّ عن تَعريفِهِ الكِتابيِّ. فالخلاصُ اليومَ يَعني بصورة رئيسيَّة: "غُفران الخطايا" عندَ أغلبيَّةِ النَّاسِ، بل وأخشى أنَّهُ كذلكَ أيضًا عندَ وُعَّاظٍ كثيرين. فَهُم يَتحدَّثونَ كثيرًا جدًّا عنْ أنَّ الخلاصَ هو اللَّحظة الَّتي غُفِرَتْ فيها خطاياكَ، والتي تَحَرَّرتَ فيها مِنَ الخطيَّةِ، والموتِ، والشُّعورِ بالذَّنبِ، وجَهَنَّم. ولكِنْ عندما نَفهمُ الخلاصَ بالطَّريقة الكِتابيَّة، يجب علينا أنْ نُدركَ أنَّ الخلاصَ يُؤثِّرُ في تَغييرِ الحياةِ بأسرِها. فهو ليسَ فقط غُفران الخطايا، بل إنَّهُ مُغَيِّرٌ للحياة.

ولكِنَّ التَّركيزَ اليومَ يَنْصَبُّ على النَّظرِ إلى الخلاصِ كما لو أنَّهُ يَعني الحُصولَ على غُفرانِ الخطايا مِن خلالِ الإيمانِ بيسوعَ المسيح. وهذا، بِكُلِّ تأكيد، صحيح. ولكِنْ يبدو أنَّ أغلبيَّةَ الوَعظِ عنِ الخلاصِ يُرَكِّزُ فقط على ذلك، ويتوقَّف فقط عندَ ذلك. لِذا فقد صارَ الصَّليبُ هو النُّقطة المَركزيَّة. فالصَّليبُ هو تلكَ النُّقطة الَّتي يَحْمِلُ فيها المسيحُ خطايانا. لِذا فإنَّهُ يبدو بأنَّهُ النُّقطة المَركزيَّة للخَلاصِ لأنَّ الخاطئَ يَجِدُ هُناكَ نِعمةً لِغُفرانِ خَطاياه. ورُبَّما تَرغبونَ في أنْ تَعلَموا أنَّهُ بالرَّغمِ مِن مَركزيَّةِ الصَّليبِ في المسيحيَّة، فإنَّهُ لم يَكُن حَقًّا النُّقطة المَركزيَّة في الكنيسةِ الباكِرَة. فالكنيسةُ البَاكِرَة كانت تَنظُرُ إلى الخلاصِ لا فقط بأنَّهُ اللَّحظة الَّتي كَفَّرَ فيها المسيحُ عنِ الخطايا، أوِ اللَّحظة الَّتي ماتَ فيها على الصَّليب، بل إنَّ الكنيسةَ الباكرةَ كانت تَنظرُ إلى الخَلاصِ بِمَعنى أكثر شُمولاً بكثير مِن ذلك. فالكنيسةُ الأولى كانت تَنظُرُ إلى الخلاصِ كشيءٍ ابتدأَ فقط بِغُفرانِ الخطايا، وَأَدَّى إلى حَياةٍ تَتَّسِمُ بالطَّاعةِ وتَكتَمِلُ بالتَّمجيدِ مَعَ يَسوعَ المسيح.

وَمِنَ المُدهشِ أنَّ التَّاريخَ يَعكِسُ ذلكَ أيضًا. ففي كِتابٍ بِعُنوان: "الحَضارة" (Civilization) مِن تأليف "كينيث كلارك" (Kenneth Clark)، يُبَيِّنُ الكاتِبُ أنَّ الصَّليبَ، في الحقيقة، هُوَ رَمْزٌ ظَهَرَ مُتأخِّرًا جِدًّا في الفَنِّ المسيحيِّ والثَّقافةِ المسيحيَّة. فعندما نُفَكِّرُ في المسيحيَّة، فإنَّنا نُفَكِّرُ حالاً في الصَّليبِ كَرَمْزٍ لإيمانِنا. وقد تَرغبونَ في أنْ تَعلموا أنَّهُ بحسبِ ذلكَ الكِتاب (أيْ كِتاب: "الحَضارة")، فإنَّ أوَّلَ ظُهورٍ للصَّليب في الفَنِّ المسيحيِّ أوِ الثِّقافةِ المسيحيَّة كانَ في سنة 430 ميلاديَّة (أيْ في القَرنِ الخامِسِ الميلاديّ) على أبوابِ الكنيسةِ في "سانتا سابينا" (Santa Sabina)، وأنَّ ذلكَ الصَّليبَ كانَ صَليبًا صغيرًا جِدًّا وُضِعَ في عَمَلٍ فَنِّيٍّ مَسيحيّ.

فالكنيسةُ الباكِرةُ لم تُرَكِّز على الصَّليب، بل ما الحَدَثُ العَظيمُ الَّذي رَكَّزَتْ عليهِ الكنيسةُ الباكرة؟ القِيامَة. فقد رَكَّزَتْ على القيامة. ونتيجة لذلك، كانَ انهِماكُها مُنْصَبًّا لا على اللَّحظةِ الَّتي غُفِرت فيها الخطيَّة، بل على اللَّحظةِ الَّتي تَبتدئُ فيها الحياةُ الجديدة. والقِيامةُ هي تلك اللَّحظة. ونحنُ، بِكُلِّ تأكيد، قد مُتْنا معَ المسيحِ بالمَعنى الرُّوحِيِّ. وفي ذلكَ الموت، دُفِعَتْ أُجرةُ الخطيَّة. ولكِنَّنا أيضًا قُمْنا معَ المسيح (كما يَقولُ بولُس) لكي نَسلُكَ في جِدَّةِ الحَياة. لِذا فإنَّ الخَلاصَ، في نَظرِ الكنيسةِ الباكِرة، وفي نَظرِنا نحنُ أيضًا بِلا أَدنى شَكٍّ، لا يَعني فقط أنَّ خَطاياكَ قد غُفرَت. فهو ليسَ صَفْقَةً عَالَجَتْ مُشكلةَ الذَّنْبِ لديك. بل إنَّ الخلاصَ يعني أنَّكَ قد أُعْتِقْتَ مِنْ سُلطانِ الظُّلمةِ ونُقِلْتَ إلى مَلكوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ. بعبارة أخرى، فإنَّهُ يَعني الدُّخولَ إلى حَياةٍ جديدةٍ تمامًا، والدُّخول إلى نِطاقٍ جديدٍ مِنَ الوُجود. فالخلاصُ هو ليسَ كَفَّارةً فقط. والخلاصُ ليسَ غُفرانًا فقط. بل إنَّ الخلاصَ وِلادة جديدة. وهو تَغييرٌ. وهو وَهْبٌ لِحَياةٍ جديدة؛ وتَحديدًا: مَنْحُ حياةِ اللهِ لِروحِ الإنسان.

ولأنَّ هذا المفهومَ صَحيحٌ فإنَّ الإنسانَ الَّذي يَنالُ الخَلاصَ لا يَتحَرَّر فقط مِن مُشكلةِ الخطيَّة، بل إنَّهُ يَشعُر برغبة جديدة في أنْ يَعيشَ في ذلكَ النِّطاقِ الجديد. وهذه الرَّغبة تَنبُعُ مِن طبيعةٍ جديدة وَزَرْعٍ مُقَدَّس. والعهدُ الجديدُ يَتحدَّث كثيرًا عن حقيقةِ أنَّ المؤمنَ يَحصُلُ على زَرْعِ حَياةٍ جَديد ... زَرْعٍ لا يَفْنَى. وهذا الزَّرعُ هو فِكرة مُهِمَّة جِدًّا لأنَّ الزَّرعَ يُنشئُ شيئًا ما. وحَقيقةُ أنَّ الكتابَ المقدَّسَ يُعَرِّفُ المُؤمِنَ المسيحيَّ بأنَّهُ شخصٌ حَصَلَ على زَرْعِ حَياةٍ لا يَفْنَى تُشيرُ إلى أنَّهُ سَيُعطي ثَمَرًا. فسوفَ يَكونُ هُناكَ ثَمَرٌ لذلكَ الزَّرْع. وذلكَ الزَّرعُ المُتَمَثِّلُ في الحياةِ الجديدة الَّتي لا تَفْنَى سَيُعطي ثَمرًا. لِذا، عندما يَنالُ النَّاسُ الخلاصَ، فإنَّ ذلكَ لا يَعني فقط أنَّهُم تَحَرَّروا مِنَ الخطيَّة، بل يَعني أنَّهُم أُعْتِقوا مِنَ الحياةِ القديمة والطُّرُقِ القديمة وأُعْطُوا حياةً جديدةً وطُرُقًا جديدةً تُعَبِّرُ تَعبيرًا صَادِقًا عن تلكَ الحياة الجديدة.

وببساطة، فإنَّ الأعمالَ (أيِ الأعمالَ التَّقِيَّةَ، والأعمالَ الرُّوحيَّةَ، والأعمالَ الصَّالحةَ) تَصيرُ نَتيجةً حَتميَّةً لذلكَ التَّغيير. ويعقوبُ يَقول إنَّها أعمالٌ مُتَأصِّلَةٌ في طبيعةِ الإيمانِ المُخَلِّص. فحيثُ يوجدُ إيمانٌ مُخَلِّص، توجدُ أعمال لأنَّ الخلاصَ هو ليسَ مُجَرَّدَ غُفرانٍ، بل هو تَغييرٌ وَتَجديد. وَيَصِفُ "مارتن لوثر" الإيمانَ المُخَلِّصَ بأنَّهُ قُوَّة عظيمة مُغَيِّرة للحياة. اسمعوا كلماتِ مارتن لوثر: "إنَّ هذا الإيمانَ هو شيءٌ حَيٌّ، ومُنهَمِكٌ، وفاعِلٌ، وقويٌّ. فَمِنَ المُستحيلِ أنْ لا يَتوقَّفَ عنِ القيامِ بما هُوَ صَالِح. وهو لا يَسألُ حَتَّى إنْ كانَ ينبغي القيامُ بأعمالٍ صالحةٍ، بل قبلَ أنْ يُطْرَحَ السُّؤالُ يَكونُ قد عَمِلَها. وهو مُنهمِكٌ دائمًا في القيامِ بها. ولكِنَّ مَنْ لا يَفعل مِثلَ هذه الأعمالِ الصَّالحة هو إنسانٌ عَديمُ الإيمان. فهو يَنظُرُ ويَتَلَفَّتُ حَولَهُ بَحثًا عنِ الإيمانِ والأعمالِ الصَّالحةِ مَعَ أنَّهُ لا يَعرِفُ مَعنى أيٍّ مِنهُما. وبالرَّغمِ مِن ذلكَ فإنَّهُ يُثَرثِرُ وَيُغَمْغِمُ بكلماتٍ كثيرةٍ عنِ الإيمانِ والأعمالِ الصَّالحة". كَذلكَ فإنَّهُ يَقول: "الإيمانُ هو الثِّقةُ الحَيَّةُ الرَّاسخةُ بنعمةِ اللهِ والَّتي تَعلمُ يقينًا جِدًّا أنَّها تُفَضِّلُ أنْ تَموتَ ألفَ مَرَّة على أنْ تَتَخَلَّى عن هذه القَناعة. ومِثلُ هذه الثِّقة والمَعرفة الشَّخصيَّة للنِّعمةِ الإلهيَّة تَجعلُ صَاحِبَها فَرِحًا، وجَريئًا، ومُمتلئًا بعاطفةٍ مُلتهبةٍ تُجاهَ اللهِ وكُلِّ المَخلوقات؛ وهي كُلُّها أُمورٌ يُعطيها الرُّوحُ القُدُسُ مِن خلالِ الإيمان. لِذا، فإنَّ مِثلَ هذا الإنسانِ يَصيرُ، مِن دُونِ مُعَوِّقات، مُستعِدًّا ومُتَحَمِّسًا لِعَمَلِ الخيرِ معَ كُلِّ شخص، ولِخدمةِ كُلِّ شخص، ولاحتمالِ كُلِّ أنواعِ الآلامِ في سَبيلِ إرضاءِ وَتمجيدِ اللهِ الَّذي أَظْهَرَ لَهُ مِثْلَ هذه النِّعمة" (نِهايةُ الاقتباس).

وقد حاولَ لاهُوتِيُّونَ كثيرونَ أنْ يُقنِعونا بأنَّ لوثر لم يَكُن يُؤمِنُ بمِثلِ هذا الإيمان. ولكِنَّهُ كانَ يُؤمِنُ بِهِ (كَما يَشْهَدُ كَلامُهُ). فنَظرتُهُ إلى الخلاصِ كانت سَليمةً. ويجب أنْ تَكونَ نَظرَتُنا سليمةً أيضًا. فيجب علينا أنْ نَرى الخلاصَ كَتَغييرٍ للحياة...اسمَعوا جَيِّدًا...كَتَغييرٍ يُضفي مَعنىً على كُلِّ وَصايا كلمةِ اللهِ ويَجعَلُنا راغِبينَ في تَنفيذِها. لِذا فإنَّنا نَقرأُ في المَأموريَّةِ العُظْمَى: "وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ". فَفي صَميمِ تلكَ الحياة الجديدة، هُناكَ رَغبة في الطَّاعة.

لِذا، ها نَحْنُ. قد نِلنا الغُفرانَ؟ أجل. تَغَيَّرنا؟ أجل. ولدينا رَغبة في الطَّاعة. ونحنُ نَجِدُ هُنا أنَّ تلكَ الرَّغبةَ في الطَّاعة تَعْقُبُها مَجموعة مِنَ الوَصايا في هذا النَّصّ. لِذا فإنَّ هذه النُّصوصُ تأتي (على غِرارِ نُصوصٍ كثيرةٍ أخرى في العهدِ الجديد) لِمُخاطبةِ القلبِ الَّذي يَرغبُ أكثرَ شيءٍ في الطَّاعة. لِذا فإنَّ بُطرسَ يُوصينا بخصوصِ مَبادئِ الحياةِ المسيحيَّة. فَلا يَجوزُ أنْ نَتَمَرَّدَ عليها، بل أنْ نَرغبَ فيها. ولا يَجوزُ أنْ نُقاوِمَها، بل أنْ نَتوق إليها. ولا يَجوزُ أنْ نُجادِلَ بشأنِها، بل أنْ نُطيعَها. فهذه هي عَلامَةُ التَّغيير. وفي العدد 7 (كما تَذكرون) فإنَّهُ يُعطينا قبلَ أيِّ شيءٍ آخر "الحَافِزَ" إذْ يَقول: "وَإِنَّمَا نِهَايَةُ كُلِّ شَيْءٍ قَدِ اقْتَرَبَتْ". وقد كانَ يَتحدَّثُ هُنا عن عَودةِ أو مَجيءِ يسوعَ المسيحِ ثانيةً. فقد قال: "تَذَكَّروا أنَّ المسيحَ سيأتي في أيِّ لحظة. فنحنُ نَعيشُ في تَرَقُّبٍ دائمٍ لمجيئِه". فحقيقةُ أنَّ نِهايةَ كُلّ شيءٍ قدِ اقتربَت ينبغي أنْ تُبقينا تَحتَ المُساءَلة. فعندما يأتي، سنَقِفُ أمامَ كُرسيِّ الدَّينونةِ لِتُفْحَصَ أعمالُنا إنْ كانت ذَهَبًا، أَمْ فِضَّةً، أَمْ حِجَارَةً كَرِيمَةً، أَمْ خَشَبًا، أَمْ عُشْبًا، أَمْ قَشًّا. وسوفَ نُكافَأُ مَكافأةً أبديَّةً على أساسِ أَمانَتِنا. لِذا فإنَّنا نَعيشُ في ضَوءِ مَجيءِ المسيح. وقد تَحَدَّثنا عن ذلكَ بِتَمَعُّنٍ شَديد.

ثُمَّ إنَّهُ بعدَ الحَافِزِ تأتي حالاً في العدد 7 التَّعليمات. وَنَجِدُ هُنا الوصايا الَّتي أعتقدُ أنَّها تَختصُّ بالقلبِ المُتَحَمِّسِ الَّذي اختبرَ التَّغيير. والوصايا المذكورة في العدد 7 وما يَليه (إلى مُنتصفِ العدد 11) تَنْدَرِجُ بصورة رئيسيَّة تحتَ ثلاثِ فِئات. وقد ذَكَرتُها لَكُم في المَرَّة السَّابقة. الفئةُ الأولى (وَهِيَ: "القَداسة") تَختصُّ بعلاقَتِنا بالله. والفِئةُ الثَّانية (وهي: "المَحبَّة") تَختصُّ بعلاقاتِنا بالآخرين. والآن، نأتي إلى الفِئة الثَّالثة وهي: "الخِدمة"...الخِدمة. ففي العدد 7، يَتحدَّثُ بُطرسُ عنِ التَّعَقُّلِ والصَّحْوِ للصَّلاة. بعبارة أخرى، أنْ تَعيشَ حَياةً مُقدَّسَةً تُعَزِّزُ شَرِكَتَكَ معَ اللهِ الحَيِّ. فهذا مَبدأٌ مُهِمٌّ مِن مَبادئِ الحياةِ المَسيحيَّة. ثُمَّ في العَدَدَيْن 8 و 9، يَتحدَّثُ بُطرسُ عنِ المحبَّة، بل عنِ المحبَّةِ الشَّديدة؛ وهي تلكَ المحبَّة التي تَسْتُرُ خَطايا الآخرين، والمحبَّة الَّتي تُحْسِنُ ضِيافةَ الغُرباء بِلا دَمْدَمَة.

أمَّا الآن، إذْ نأتي إلى العَدَدَيْن 10 و 11، فإنَّنا سَنتحدَّثُ عنِ الخِدمة. وسوفَ أُحاولُ أنْ أُلَخِّصَ مَوضوعًا كبيرًا كَتَبْتُ عنهُ في الحقيقة كِتابًا ضَخْمًا جدًّا بعُنوان: "المَواهِب الرُّوحيَّة" (Spiritual Gifts). ولكِنِّي أريدُ أنْ أُلَخِّصَهُ في الدَّقائقِ القليلةِ المُتاحَة لدينا في هذا المساء لأنَّ هَاتينِ الآيَتَيْن تَتحدَّثانِ عنِ الخِدمة. فيجب علينا [أوَّلاً] أنْ نُحافِظَ على علاقَةٍ مُقَدَّسَةٍ باللهِ. [ثانيًا] يجب علينا أنْ نُحافظِ على عَلاقةِ مَحَبَّةٍ بالآخرين. [ثالثًا] يجب علينا أنْ نَعيشَ حياةَ خِدْمَة. فالأمرُ بهذه البَساطة.

إذًا، كيفَ ينبغي أنْ نَقومَ بهذه الخدمة؟ اسمَحوا لي أنْ أُبَسِّطَ الأمرَ لكُم قَدرَ الإمكان. لِنَنظُر إلى العَدَدَيْن 10 و 11: "لِيَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ مَا أَخَذَ مَوْهِبَةً، يَخْدِمُ بِهَا بَعْضُكُمْ بَعْضًا". فالأمرُ يَبتدئُ مِن هُنا. فَبُطرسُ يَقول: "يجب عليكم أنْ تَخدِموا بَعضُكُم بعضًا. ويجب عليكم أنْ تَبتدئوا بالعلاقةِ العَموديَّة السَّليمة، وأنْ تَحرِصوا بعدَ ذلكَ على العلاقاتِ الأُفُقِيَّة السَّليمة. وهذا سَيُقْحِمُكُم في حياةِ الخِدمةِ الفَعَّالة. فالقَداسةُ الدَّاخليَّةُ تَقودُ إلى المحبَّة الخارجيَّة الَّتي تُنْتِجُ خِدمةً رُوحيَّة. والخِدمةُ الرُّوحيَّة الخَالية مِنَ القَداسة الدَّاخليَّة، والخِدمةُ الرُّوحيَّة الخَالية مِنَ المحبَّة الخَارِجِيَّة هي رِياء، وَناموسيَّة، وَنِفاق.

والآن، لِنَنظُر إلى هَاتينِ الآيَتين وإلى ما نَتَعَلَّمُهُ مِنهُما عنِ الخِدمةِ الرُّوحيَّة. فالعدد 10 يَقول إنَّهُ يجب علينا أنْ نَخدِم. يجب علينا أنْ نَخدِم. ولكِنْ "كيف؟" هُوَ السُّؤال. فكيفَ ينبغي لي أنْ أَخدِم؟ إنَّ الكلمة "يَخدِم" هي كلمة بَسيطة جِدًّا. وأنا أقولُ مَرَّةً أخرى إنَّها كلمة بسيطة جِدًّا. فهي تَعني حَرفيًّا: "الاهتمام بحاجاتِ النَّاس". فهذا هو مَعناها. "الاهتمامُ بحاجاتِ النَّاسَ". فهي الكلمة "دياكونيئو" (diakoneo) الَّتي تُستخدَمُ بِمَعنى: "نَادِل في مَطعَم". بل إنَّها تَعني: "عَامِلاً وَضيعًا". فهي مَهَمَّة وَضيعة جِدًّا. فيجب علينا أنْ نُقَدِّمَ حَياتَنا بأنْ يَخْدِمَ بَعضُنا بَعضًا. والسُّؤالُ هو: كيفَ يجب علينا أنْ نَفعلَ ذلك؟ وسوفَ نَنظُرُ إلى ذلكَ نُقطةً نُقطة. فنحنُ نَقرأُ في العدد 10 مَرَّةً أخرى: "لِيَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ مَا أَخَذَ مَوْهِبَةً". فهذه هي أداةُ الخِدمَة. فيجب علينا أنْ يَخدِمَ بَعضُنا بعضًا مِن خلالِ مَوهِبَةٍ خَاصَّة...مَوهبةٍ خَاصَّة. والآن، ما الَّذي نَعنيه بالموهبة؟ وما هي هذه الموهبة الَّتي يَتحدَّثُ عنها؟ حسنًا، سوفَ نَرى ذلكَ بعدَ لَحَظات. ولكِنْ قبلَ أنْ نَتحدَّث عن ذلك، لِنَرجِع إلى النَّصِّ ونَنظُر إليهِ جُزءًا جُزءًا مِنْ جِهَةِ هذه الموهبة الخاصَّة.

أوَّلاً، أَوَدُّ أن أتحدَّثَ عن نِطاقِ هذه المواهِبِ الخاصَّة. فنحنُ نَقرأ في العدد 10: "لِيَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ مَا أَخَذَ مَوْهِبَةً". فهذا هُوَ النِّطاق. فَكُلُّ مُؤمِنٍ أَخَذَ مَوهبةً خاصَّة. كُلُّ مُؤمِن. فأنتَ أَخذتَ مَوهبةً، وأنا أَخذتُ مَوهبة، وكُلُّ مؤمنٍ أَخَذَ مَوهبة. وبُطرس يَقول: "كُلُّ واحدٍ بحسب ما أَخَذ"، ثُمَّ إنَّهُ يَصِفُ لنا نِطاقَ المواهِبِ الخَاصَّةِ أوْ ما نُسَمِّيها: "المَواهِب الرُّوحيَّة". فَكُلُّ مُؤمِنٍ أَخذَ مَوهبةً. افتَحوا معي قليلاً على رسالة كورِنثوس الأولى والأصحاح 12 إذْ أَوَدُّ أنْ أُرَسِّخَ هذه النُّقطة بأنْ أُريكُم بوضوح ما يَقولُهُ رُوحُ الله. فَالأصحاحُ الثَّاني عَشَر مِنْ رِسالة كورِنثوس الأولى يَتحدَّثُ عن نفسِ الموضوع. فهو يَتحدَّثُ عنِ المواهبِ الرُّوحيَّة. فالعددُ الأوَّلُ يَقول: "وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَوَاهِبِ الرُّوحِيَّةِ...". والعَددُ الرَّابعُ يَقولُ إنَّ هُناكَ مَواهِب مُتَنَوِّعة. ولكِنَّ العَدَدَ السَّابِعَ يَقول: "وَلكِنَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ يُعْطَى إِظْهَارُ الرُّوحِ لِلْمَنْفَعَةِ". بعبارة أخرى، كُلُّ مُؤمِنٍ يَمتلكُ موهبة رُوحيَّة أعطاها لَهُ الرُّوحُ القُدُس. ونَقرأُ في العدد 11: "وَلكِنَّ هذِهِ كُلَّهَا يَعْمَلُهَا الرُّوحُ الْوَاحِدُ [أيِ الرُّوحُ القُدُسُ] بِعَيْنِهِ [ثُمَّ اسمَعوا الآنَ ما يَقول] قَاسِمًا لِكُلِّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ، كَمَا يَشَاءُ". وَلاحِظوا العَدَد 12: "لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْجَسَدَ هُوَ وَاحِدٌ وَلَهُ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَكُلُّ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا كَانَتْ كَثِيرَةً هِيَ جَسَدٌ وَاحِدٌ، كَذلِكَ الْمَسِيحُ أَيْضًا". والمَعنى المَقصودُ هُنا هو: كَما أنَّكُمْ تَمْلِكونَ جَسَدًا، وأنَّ كُلَّ عُضوٍ لَهُ وَظيفة مُعَيَّنة، فإنَّ كُلَّ عُضوٍ في جسدِ المسيحِ لَهُ وظيفة مُعيَّنة أيضًا. والجسدُ (كما جاءَ في العدد 14) ليسَ عُضوًا واحدًا، بل أعضاء كثيرة. والفِكرة هنا هي: كذلكَ هي الكنيسة.

والآن، إنَّ العَدَدَ الحادي عشر مِن رسالة كورِنثوس الأولى والأصحاح 12 يَقول إنَّ الرُّوحَ يَقْسِمُ لِكُلِّ واحدٍ. وهذا يُشيرُ إلى الشُّموليَّة. ولكِنَّهُ يَقْسِمُ لِكُلَّ واحدٍ بِمُفرَدِهِ. وهذا يُشيرُ إلى الفَرْدِيَّة. لِذا، هُناكَ الفِكرة الشُّموليَّة والفِكرة الفَرديَّة. وما المَقصودُ بذلك؟ إنَّ المَقصودَ [ببساطة] هو مَا يَلي: أنَّهُ يَقْسِمُ المواهبَ لِكُلِّ مُؤمِنٍ مَسيحيّ. ولكِنْ في حين أنَّنا أُعطينا جَميعًا مَواهِب، فإنَّنا أُعطينا فَرديًّا مَواهبَ أيضًا. وهذا يَعني أنَّ كُلَّ موهبةٍ مِن مواهِبِنا فَريدة. فهو يَقْسِمُ لِكُلِّ واحِدٍ (وهذه شُموليَّة)، ويَقْسِمُ لِكُلِّ واحِدٍ بِمُفرَدِهِ (وهذه فَرديَّة). وبالمُناسَبة، فإنَّ الكلمة "واحِد" هي "إيديوس" (idios) الَّتي اشْتُقَّتْ مِنها الكلمة الإنجليزيَّة "إيديوت" (idiot) ومَعناها: أَحْمَق. ولكِنْ مَا مَعنى "إيديوت"؟ إنَّها كلمة يونانيَّة تَعني: مُنْفَرِد. فهي تَعني أنَّهُ لا يُوجَد مَثيلٌ لَهُ. وقد صَارَتْ تُستخدَمُ للإشارةِ إلى الأشخاصِ غير الأصِحَّاء عَقليًّا لأنَّهُم غَريبو الأطوارِ، ولأنَّهُم مُختَلِفون، ولأنَّهُ لا مَثيلَ لَهُم.

والمَقصودُ هُوَ الآتي: أنا أُوْمِنُ بأنَّ كُلَّ مُؤمِنٍ مَسيحيٍّ فَريدٌ رُوحِيًّا. فأنتَ حَرفيًّا: فَريدٌ مِنْ نَوعِكَ. فَحَتَّى لو كُنتَ وَاحِدًا مِنْ تَوأَمَيْن، فإنَّكَ مُختَلِفٌ عَن تَوأَمِكَ. فَبَصْماتُ أصابِعِكَ مُختَلِفة. وأسنانُكَ مُختلفة. وأعضاءُ جِسمِكَ الأخرى مُختلفة. فَكُلُّ شَخصٍ مِنَّا فَريدٌ تَمامًا. فنحنُ جَميعًا "حَمْقَى مُمَيَّزونَ" بذلكَ المَعنى. فنحنُ مُنفَرِدون. ونحنُ فَريدون. فلا يوجد مَثيل لنا. فنحنُ فَريدونَ رُوحِيًّا. وأعتقد أنَّهُ عندما يُعطي رُوحُ اللهِ لِكُلِّ مُؤمِنٍ مَواهِبَ، فإنَّهُ يُعطيها فَرديًّا لِكُلِّ مُؤمِن. فهي خَاصَّة تمامًا بذلكَ المؤمِن.

وقد تَقول: "مَهْلاً يا جُون. فعندما قَرأتُ رسالة كورنثوس الأولى والأصحاح الثَّاني عَشَر، قَرأتُ أنَّ هُناكَ مَواهِب مَحدودة هُناك. فهي مواهب مُحَدَّدة. فهو يَتحدَّث مَثَلاً عن كَلاَمِ الحِكمةِ، وَكَلاَمِ العِلْمِ، والإيمانِ، والشِّفاءِ، وعَمَلِ القُوَّاتِ، والنُّبُوَّةِ، وَتَمْيِيزِ الأَرْوَاحِ، وَأَنْوَاعِ أَلْسِنَةٍ، وَتَرْجَمَةِ أَلْسِنَةٍ. وإذا نَظرتَ إلى رسالة رُومية والأصحاح 12، سَتَجِدُ لائحةً أخرى بالمواهِب. وإذا نَظرتَ إليها، سَتَجِدُ أنَّ هُناكَ عَدَدًا مَحدودًا منها. فمثلاً، نَقرأُ في رسالة رُومية والأصحاح 12 عنْ مواهِبِ النُّبوَّة، والخِدمة، والوَعظ، والعَطاء، والتَّدبير، وإظهارِ الرَّحمة. وقد تقول: "هُناكَ، كَما تَعلم، نَحْوَ دَزِّينة مِنها مَذكورة هُنا. فكيفَ سَتُوَزِّعُ دَزِّينةً مِنَ المواهبِ على مَلايينِ المؤمِنينَ وتَجعلُ كُلًّا مِنهُم مُتَمَيِّزًا؟" اسمَحوا لي أنْ أَقولَ لكم كيف. فأنا أُوْمِنُ أنَّ لدينا لائحةَ مَواهبِ رُوحيَّة في رِسالة رُومية والأصحاح 12، ولائحةَ مَواهبِ رُوحيَّة في رسالة كورنثوس الأولى والأصحاح 12. وحقيقةُ أنَّ اللَّائحتَيْنِ مُختلفتان تُبَيِّنُ كيفَ أنَّ هُناكَ اختلافًا كَبيرًا في نِطاقِها. فبولسُ يَذكُرُ بَعضًا مِنها في رسالة رُومية. وهو يَذكُرُ بعضًا مِنها في رسالَتِهِ الأولى إلى أهلِ كورِنثوس. وهُناكَ مَواهِب مُكَرَّرة ومواهب غير مُكَرَّرة. وكأنَّهُ بذلكَ يُشيرُ إلى فِئاتٍ عَريضةٍ مِنها. وأفضلُ طَريقةٍ لِفَهمِ ذلك هي أنْ نَفْهَمَها كما لو كانت ألوانًا على لَوْحِ مَزْجِ الألوان، وكما لو كانتْ كُلُّ موهبةٍ لَونًا. وإذْ يَحمِلُ اللهُ رِيشَتَهُ ويَرسِمُكَ، فإنَّهُ يَغْمِسُها في فِئاتٍ لَونيَّة مُختلِفة ويَرسِمُكَ لَونًا فَريدًا. فأنتَ لَستَ مِثلَ شخصٍ آخر. وَحَتَّى لو كانَ يوجدُ خَمسَة عَشَرَ شخصًا، أو عِشرونَ شخصًا، أو خَمسةُ آلافِ شخصٍ لَديهم مَوهبةُ التَّعليم، يُمكِنُكَ أنْ تَجعَلَهُم جَميعًا يُعَلِّمون، ولكِنَّهُم سيُعَلِّمونَ بِطُرُقٍ مُختلفة وفريدة. لماذا؟ لأنَّ فئةَ الموهبةِ هي كذلك. فهي فئة يَغمِسُ اللهُ فيها ريشَتَهُ [إنْ جَازَ التَّعبير] ثُمَّ رُبَّما يَغمِسُها مَرَّةً أخرى في تلكَ الفِئاتِ الأخرى كي يَجعلَكَ فَريدًا.

ثُمَّ إنَّ هُناكَ مَا هُو أكثر مِن ذلك. فنحنُ نَقرأُ في رسالة أفسُس 4: 7 عن قِياسِ هِبَةِ المَسيح. فهو يَستخدِمُ تلكَ العِبارة: "قِيَاس هِبَة المَسِيح". فهو يَقيسُ تلكَ الموهبة بِطُرق مُختلفة. فقد تَكونُ لَديكَ مَوهبة التَّعليم، أو مَوهبةُ الرَّحمة، أو موهبة الخِدمة، أو موهبة الإيمان، أو أيُّ موهبة أخرى. ولكِنَّ القِياسَ الَّذي أُعطيتَ فيهِ تلكَ الموهبة قد يَكونُ مُختلِفًا. فنحنُ لدينا أُناس كثيرون في هذه الكنيسة لديهم موهبة التَّعليم، ولكِنَّها مُختلفة في كُلِّ حالة. لِذا، هُناكَ قِياسٌ للمَوهبة. وليسَ هذا فحسب. ففي رسالة رُومية 12: 3، يَقولُ بولُس إنَّهُ عندما يُعطي اللهُ موهبةً فإنَّهُ يَقْسِمُ أيضًا مِقدارًا مِنَ الإيمانِ لمُمارسةِ تلكَ الموهبة. لِذا، فأنتَ تَمتلكُ مَوهبةً لَها مَقاسٌ مُعَيَّن، وقد أُعطيتَ مِقدارًا مِنَ الإيمانِ لمُمارسةِ تلكَ الموهبة الَّتي أُعطِيَت لكَ بِقياس. فهُناكَ مِقدارٌ مِنَ النِّعمة ومِقدارٌ مِنَ الإيمان مُرْتَبِطانِ بالموهبة المُعطاة بقياس مُعَيَّن لاستخدامِها بِفاعِليَّة.

لِذا، في حين أنَّنا جميعًا أُعطينا مواهِب، فإنَّ اللهَ جَعَلَ كُلًّا مِنَّا فَريدًا جدًّا. وذلكَ المَقطع في رسالة كورِنثوس الأولى والأصحاح 12 يُؤكِّد على هذه النُّقطة نفسِها مِن زاوية أخرى. فهو يَقول إنَّ هُناكَ مَواهِب مُتَنَوِّعة ولكِنَّ الرُّوحَ واحِد، وإنَّ هُناكَ خِدَم عديدة موجودة تُمارَس فيها تلكَ المواهِب ولكِنَّ الرَّبَّ واحِدٌ، وإنَّ هُناكَ تأثيرات مُختلفة تَنْجُمُ عن تلكَ المواهبِ المُستخدَمة. لِذا، هناكَ أنواع مُختلفة مِنَ المواهِب، وأنواع مُختلفة مِنَ الخِدَم الَّتي تُستخدَمُ فيها المواهِب. وهُناكَ تأثيرات مُختلفة لأنَّكم تَحصُلونَ (إنْ جَازَ القَول) على نِعَم مُتَنَوِّعة مَعطاة لكم، وعلى مَقادير مُتَنوِّعة مِنَ الإيمانِ المُعطى إليكم. فَكُلُّ واحدٍ مِنَّا فَريدٌ مِنْ نَوعِهِ.

والنَّاسُ يَقولونَ لي: "ما هي مَوهبتُكَ الرُّوحيَّة؟" الحقيقة هي أنَّني لا أستطيعُ أنْ أُطلِقَ عليها اسمًا مُعَيَّنًا فأقولُ إنَّها موهبة الوعظ أوِ التَّعليم. فموهبتي الرُّوحيَّة هي ما أفعلُهُ لِخدمة المسيح. فهي تَتألَّف مِن عَدَدٍ مِنَ الأشياء. وَمِنَ الواضحِ أنَّها تَضُمُّ الوَعظَ والتَّعليمَ وَرُبَّما تَضُمُّ النُّصْحَ. وقد تكونُ مَوهِبَتُكَ مَزيجًا مِنَ الأشياءِ الأخرى. ولكِنَّكَ فَريدٌ بِكُلِّ مَعنى الكلمة. وَحَتَّى إنَّ تيموثاوس الَّذي كانَ يَفعلُ أمورًا كثيرةً جدًّا إذْ كانَ يَعِظُ ويُعَلِّمُ ويَعملُ عَمَلَ المُبَشِّر، ويُقَدِّمُ المَشورةَ والنُّصْحَ، والذي مَارَسَ عَمَلَ التَّدبيرِ مِرارًا وتَكرارًا في حَياتِهِ، كانَ يَمتلكُ كُلَّ تلكَ الصِّفاتِ مُجتمعةً في شيءٍ واحد. لكِن عندما تَمَّتِ الإشارةُ إلى مَوهِبَتِهِ، تَمَّتُ الإشارة إليها كما لو كانَ يَمْلِكُ موهبةً واحدة: "الموهِبَة". "لاَ تُهْمِلِ الْمَوْهِبَةَ الَّتِي فِيكَ" (كَما جاءَ في الرِّسالة الأولى إلى تيموثاوس 4: 14). فقد حَصَلَ على "الموهبة".

لِذا، أنتَ تَمتلكَ مَوهبة خاصَّة. وهي مَزيجٌ مِنَ الألوان (إنْ جازَ القول) على لَوْحِ الموهبةِ الَّتي تَمتَزِجُ معًا لتَجعلَكَ فَريدًا. ولا يوجد شَخصٌ مُماثِلٌ لَكَ. فَلا أحدَ البَتَّة مُماثِلٌ لَكَ.

إِذًا أوَّلاً، هُناكَ نِطاقُ المواهِبِ الرُّوحيَّة: فَكُلُّ شخصٍ يَحصُل عليها. وأنتَ تَحصُل على مَوهبةً لا توجد لدى أيِّ شخصٍ آخر. لِذا، فإنَّكَ تَضَعُ تلكَ الموهبة الفَريدة في خِدمة فَريدة، بتأثيرٍ فَريد، بِمقدارٍ مُعَيَّنٍ مِنَ النِّعمة، ومِقدارٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الإيمان، ثُمَّ تُضيفُ قُدراتِكَ البَدنيَّة، وتَدريبَكَ، وخَلفيَّتَكَ، والفُرَصَ المُتاحةَ لَكَ، وبيئَتَكَ، وكُلَّ التَّأثيراتِ في حياتِكَ وتَخْدِمُ خِدمةً مُختلفةً عن أيِّ شخصٍ آخر. لِذا، لا يوجد أيُّ شخصٍ يَستطيعُ أنْ يَحِلَّ مَحَلَّكَ إنْ تَوَقَّفتَ عنِ الخِدمة. هذا هُوَ نِطاقُ المَواهب الرُّوحِيَّة.

ثانيًا، ماذا عن مَصدرِ المواهبِ الرُّوحيَّة؟ فَمِن أينَ تأتي؟ ماذا عنِ المَصدَر؟ حسنًا، لقد أَشَرنا للتَّوِّ وَبِكُلِّ تأكيد إلى ذلك. انظروا مَرَّة أخرى إلى العدد 10. فهو يَقول: "لِيَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ مَا أَخَذَ مَوْهِبَةً". فقد أَخذتَها. إذًا، هُناكَ شَخصٌ أعطاكَ إيَّاها. فأنتَ لم تَتعلَّمها، ولم تُصَلِّي لأجلِها، ولم تَتضرَّع لأجلِ الحُصولِ عليها، ولم تَعمل لِكَسبِها، ولم تُنشئها، بل أنتَ أَخَذتَها. والآية أفسُس 4: 7 تُسَمِّيها "هِبَة المَسيح". والكلمة المُتَرجمة "هِبَة" هُنا هي "كارِزما" (charisma). وهي الكلمة الَّتي اشتَقَقْنا مِنها الكلمة "نِعمَة". في هِبَة نِعْمَة. فأنتَ لم تَكتَسِبها لأنَّهُ لم يَكُن بمقدورِكَ أنْ تَكتَسِبها. وبالمُناسبة، في رسالة أفسُس 4: 7، عندما تَتحدَّث هذه الآية عن هِبَة المَسيح فإنَّها تَستخدِمُ الكلمة "دُوْرِيَا" (dorea). والكلمة "دُوْرِيَا" تُرَكِّزُ على مَجَّانِيَّة الهِبَة. فأحيانًا تَكونُ المواهبُ الرُّوحيَّةُ تَرجمة للكلمة "نيوماتيكوس" (pneumatikos) الَّتي تَعني: رُوحِيّ. وهي تُشيرُ إلى سِمَةِ الهَبَة. فهي قُدرة رُوحيَّة. أمَّا الكلمة "دوريا" (dorea) فَتُشيرُ إلى مَجَّانِيَّة تلك الهِبَة. لِذا فقد أخذنا مَوهِبَتنا الرُّوحيَّة مَجَّانًا. فهيي هِبَة نِعمة، وقُدرة رُوحيَّة. وهي مُعطاة بطريقة خارقة للطَّبيعة. فهي تَمتلك قُوَّة خارقة للطَّبيعة. فأنتَ لا تَحصُل عليها باستحقاقِك. ولا يُمكنُكَ أنْ تَفعلَ أيَّ شيءٍ للحُصولِ عليها، ولا أنْ تَجِدَّ في طَلَبِها. وهذه هي الحَماقة الَّتي يَقترِفُها الأشخاصُ الَّذينَ يَجِدُّونَ في طَلَبِ مَواهِب رُوحيَّة مُعَيَّنة. فلا يُمكنكَ أن تَفعلَ ذلك. فأنتَ تَحصُل عليها وَحَسْب، ولكِنَّكَ لا تَجِدَّ في طَلَبِها.

واسمَحوا لي أنْ أُريكُم ذلكَ مَرَّةً أخرى. افتَحوا على رسالة كورنثوس الأولى والأصحاح 12. رسالة كورنثوس الأولى 12: 4: "فَأَنْوَاعُ مَوَاهِبَ مَوْجُودَةٌ، وَلكِنَّ الرُّوحَ وَاحِدٌ. وَأَنْوَاعُ خِدَمٍ مَوْجُودَةٌ، وَلكِنَّ الرَّبَّ وَاحِدٌ. وَأَنْوَاعُ أَعْمَال مَوْجُودَةٌ، وَلكِنَّ اللهَ وَاحِدٌ، الَّذِي يَعْمَلُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ". والآن، استَمِعوا إلَيَّ، يا أحبَّائي: فالآيةُ تَقولُ هُنا إنَّ الرُّوحَ يُعطي المَوهبةَ، وإنَّ الرَّبَّ يُوْجِدُ الخِدمةَ، وإنَّ اللهَ يُحْدِثُ التَّأثيرَ. وهذا هو الثَّالوث. هذا هو الثَّالوث. فالأقانيمُ الثَّلاثة مُشتركة في ذلك. فأنتَ تَحصُلُ على تلكَ المواهِب ولا تَكْتَسِبُها بِجدارَتِك. فالعدد 7 يَقول: "وَلكِنَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ يُعْطَى إِظْهَارُ الرُّوحِ". فأنتَ لم تَكتَسِبها، بل إنَّها أُعْطِيَتْ لَكَ. والعدد 11 يَقول (وَهُوَ عَدَدٌ قَرأناهُ مِن قَبْل): "وَلكِنَّ هذِهِ كُلَّهَا يَعْمَلُهَا الرُّوحُ الْوَاحِدُ بِعَيْنِهِ، قَاسِمًا لِكُلِّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ، كَمَا يَشَاء". كَما يَشاء. كَما يُريد. "فَقَدْ وَضَعَ اللهُ [بحسب العَدَد 18] الأَعْضَاءَ، كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِي الْجَسَدِ، كَمَا أَرَادَ". هل تَرَوْنَ ذلك؟ كما أَراد.

والآن، قد يَقولُ قائِل: "حسنًا، انظر إلى العدد 31. فهو يَقولُ هُنا: ’وَلكِنْ جِدُّوا لِلْمَوَاهِبِ الْحُسْنَى‘". وَما أكثرَ ما تَسَبَّبَتْ تلكَ الآية في تَشويشِ النَّاسِ! فهي تَقولُ هنا إنَّهُ ينبغي أنْ تَجِدُّوا للمَواهِبِ الحُسْنَى. استمعوا إليَّ جَيِّدًا: هناكَ طَريقَتانِ لتفسيرِ تلكَ الآية ... طَريقَتان: الأولى هي كَما يَلي: أنتُم، بِوَصفِكُم رَعِيَّة، عندما تَجتمعونَ معًا، يجب عليكم أنْ تَرغبوا في مُمارسةِ المَواهبِ الحُسْنى بينَكُم". هل سَمِعتُم ذلك؟ فهي لا تَتحدَّثُ عن فَرْدٍ يَسعى إلى مَوهبة، بل يَقولُ: عندما تَجتمعُ الكنيسةُ للعِبادة، يجب عليها أنْ تَجِدَّ للمَواهِبِ الحُسْنَى. وماذا كانتِ المَوهبةُ الحُسنى بحسب الأصحاح 14؟ إنَّهُ يَقولُ في العددِ الأوَّل مِنَ الأصحاح 14: "اِتْبَعُوا الْمَحَبَّةَ، وَلكِنْ جِدُّوا لِلْمَوَاهِبِ الرُّوحِيَّةِ، وَبِالأَوْلَى أَنْ تَتَنَبَّأُوا". فهي نفسُ الفِكرة. فعندما تَجتمعُ الكنيسةُ معًا، يجب ألَّا تَرغبوا في تلكَ الأمورِ الصُوفيَّة، بل يجب أنْ تَرغبوا في المَواهِب الحُسنى؛ أيْ في المَواهبِ الَّتي تُعَلِّمُكُم كلمةَ اللهِ. فهذا هو المَعنى الَّذي قَصَدَهُ.

لِذا فإنَّهُ يَتحدَّث بِصورة جَماعيَّة. وهذه واحدة مِنْ طَريقَتَيْنِ لتفسيرِ هذه الآية. فهو يَتحدَّثُ بصورة جماعيَّة ويقولُ إنَّكُم عندما تَجتمعونَ معًا بوصفِكُم كنيسة، يجب عليكم أنْ تَتوقُوا إلى مُمارسةِ المواهِبِ الحُسْنَى عِوَضًا عنِ المواهبِ الأقَلِّ أوِ الأصغر الَّتي تُمارِسونها، وتُقَلِّدونَها، وتُسيئونَ استعمالَها.

ولكِن هناكَ طريقة أخرى لِتَرجَمَةِ هذه الآية أيضًا. فأنتُم تَنظرونَ إليها كَفِعْلِ أمْر أو كوصيَّة: "جِدُّوا لِلْمَوَاهِبِ الْحُسْنَى". ولكِنَّها قد تكونُ مُجَرَّد صِيغَة دَلالِيَّة. بعبارة أخرى، قد تَكونُ جُملةً تُعَبِّر عن حقيقة وأنْ تُقرأَ كما يَلي: "أنتم تَرغَبونَ في المَواهِبِ الَّتي تَجذِبُ الأنظار". فيمكنكم أنْ تُترجموها هكذا. "أنتُم تَرغبونَ في المَواهِبِ الَّتي تَجذِبُ الأنظار". ورُبَّما كانَ يَعني ذلك. فهو نَفسُ التَّركيبِ تمامًا. أنتُم تَشتهونَ أوْ تَرغبونَ في المواهِبِ الَّتي تَجذِبُ الأنظار، ولكنِّي أُرِيكُمْ طَرِيقًا أَفْضَل. فهناكَ شيءٌ أفضل بكثير مِن هذه. ولكِن في كِلتا الحالَتَيْن، إنَّهُ كَلامٌ مُوَجَّهٌ إلى الرَّعِيَّة لإخبارهم بأنْ يَجِدُّوا للمواهبِ المُناسبة أو بأنْ يَتوقَّفوا عنِ الرَّغبةِ في الحُصولِ على المواهبِ غيرِ المُلائمة في أثناءِ اجتماعِهم معًا. فهي لا تَقولُ لأيِّ مؤمنٍ مَسيحيٍّ مُنفردٍ أنْ يَجِدَّ في طَلَبِ مَوهبة مُعَيَّنة. فهذا سيكونُ مُناقضًا لِكُلِّ شيءٍ آخر مذكور في هذا الأصحاح. فالمواهبُ لا يُمكِنُ الحُصولُ عليها بالسَّعْي. لا يُمكِنُ الحُصولُ عليها بالسَّعْي. حسنًا! إذًا، نحنُ نَرى نِطاقَ المواهِبِ (إذْ إنَّ جَميعَ المؤمنينَ يَمتلكونَها)، ونَرى مَصدرَ المواهِبِ (إذْ إنَّها مُعْطاة مِنَ الرُّوحِ القُدُس).

ثالثًا: طَبيعةُ المواهِب. فطبيعةُ مواهِبكَ الروحيَّة مُشارٌ إليها في رسالة بُطرس الأولى والأصحاح الرَّابع بالكلمة "مَوهبة" ... الكلمة "مَوهبة". وقد تَحَدَّثنا للتَّوّ عن ذلك. فالكلمة هي "كارِزما" (charisma). فَموهِبَتُنا الرُّوحيَّة هي موهبة نِعمَة. وهي موهبة لا نَستحِقُّها ولا نَستطيعُ أنْ نَحصُلَ عليها بِجدارَتِنا. فهي مَجَّانيَّة. وهي تُعطي لنا مِنْ رُوحِ اللهِ القُدُّوس. وكما ذَكرتُ، فإنَّ الكلمة "دوريا" (dorea) تُرَكِّزُ (في رسالة أفسُس 4: 7) على مَجَّانِيَّة الموهبة. أمَّا هذه الكلمة هُنا فَتُبَيِّنُ الدَّافعَ وراءَ تلكَ الموهبة المَجَّانيَّة وهو: نِعمةُ الله. والكلمة "نوماتيكون" (pneumatikon) (الَّتي تُترجمُ أيضًا "مواهِب رُوحيَّة" في رسالة كورنثوس الأولى) تَعني: "رُوْحِيّ" وتُرَكِّز على طَبيعةِ تلكَ المواهب. فهي مواهِب تَخْضَعُ لِسُلطانِ الرُّوحِ القُدُس.

والآن، تابِعوا الاستماعَ إليَّ لأنِّي سأربِطُ كُلَّ شيءٍ معًا. إذًا، ما هي طبيعةُ مَوهِبَتِنا؟ إنَّها تُمْنَحُ بِنعمةِ اللهِ، وتُعطى مَجَّانًا وبسيادةِ اللهِ لِكُلِّ مُؤمِن. وهي تَخضَعُ لهيمنةِ الرُّوحِ القُدُس. فهي "كارِزما" (charisma) تُحَرِّكُها النِّعمة. وهي "دوريا" (dorea)؛ أيْ أنَّها مُعطاة مَجَّانًا. وهي "نوماتيكوس" (pneumatikos)؛ أيْ أنَّها رُوحيَّة بِمَعنى أنَّها تَعمَلُ مِن خلالِ الرُّوحِ القُدُس. وسوفَ تَجِدونَ أنَّ هذه الكلمة "نوماتيكون" مُستخدَمة في رسالة كورنثوس الأولى 12: 1، ورسالة كورنثوس الأولى 14: 1، ثُمَّ في عَدَدٍ مِنَ المواضِعِ الأخرى في الأصحاح 14 أيضًا إشارةً إلى المواهب الروحيَّة.

إذًا، تَلخيصًا لِمَا سَبَق؟ ما هي الموهبة الروحيَّة؟ إنَّها شَكلٌ مِن أشكالِ الخِدمة المُعطاة بالنِّعمة، ومَجَّانًا، وتَعملُ بقوَّةِ الرُّوحِ القُدُس. هل فَهِمتُم ذلك؟ فهي قُدرة روحيَّة تُمنَحُ بالنِّعمة ومَجَّانًا بهدفِ خِدمةِ جَسَد المسيح. فالموهبة الروحيَّة هي قُدرة يَمنَحُها اللهُ، ويَستخدِمُها الرُّوحُ القُدُسُ بطريقة خارقة للطَّبيعة لكي تَخْدِمَ بِها الجسد. فهذا هو مَعناها. فأنا أَخذتُ موهبةً روحيَّة. وأنا أَستخدِمُها لِخِدمَتِكُم. وأنتُم أَخذتُم موهبةً روحيَّة. وأنتُم تَستخدمونَها لِخدمتي. وقد أُعطِيَتْ لكم بالنِّعمة ومَجَّانًا مِنَ الله. وهي تَعملُ مِن خلالِ الرُّوحِ القُدُس. وَمِن خلالِها، أنتُم تَخدِمونَ الجسد. ونحنُ لا نَتحدَّثُ هُنا عن موهبة بشريَّة، بل نَتحدَّثُ عن قُدرة إلهيَّة. فموهبتُكم الروحيَّة هي قُدرة فَريدة على خِدمة جَسَد المسيح مِن خلالِ عَمَلِ رُوحِ اللهِ فيكُم.

والآن، يَقولُ بُطرس: أوَّلاً، اهْتَمُّوا بالعلاقةِ العَموديَّة وَكُونوا قِدِّيسينَ في حَياتِكُم. ثانيًا، اهتمُّوا بالعلاقاتِ الأُفقيَّة وكونوا مُحِبِّينَ في عَلاقاتِكُم. والآن ثالثًا، إنَّهُ يَقولُ: "اخْدِموا ... اخْدِموا ... اخْدِموا. والشَّيءُ الَّذي تَخدِمونَ بِهِ هو هذه الأداة الَّتي أعطاكُمُ اللهُ إيَّاها والتي تُسَمَّى "الموهبة الروحيَّة".

والآن، اسمَحوا لي أنْ أقَدِّمَ لكُم فِكرة أخرى عن ذلك. فالأمرُ لا يَتوقَّفُ فقط على نِطاقِها، ولا فقط على مَصدَرِها، ولا فقط على طَبيعَتِها المُتأصِّلة، ولكِنِ اسمَحوا لي أنْ أتحدَّثَ عن واجِبِنا مِنْ نَحوِها. انظروا مَرَّةً أخرى إلى آيَتِنا (العدد 10): لِيَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ مَا أَخَذَ مَوْهِبَةً، يَخْدِمُ بِهَا بَعْضُكُمْ بَعْضًا". والآن، هذا هُوَ الواجِب: استخدِموها. فالآية كورِنثوس الأولى 12: 7 تَقول: لقد أُعطيتُم مَوهبةً للمَنفَعة...للمَنفعة. ويجب عليكم أنْ تَستخدِموها لكي تَكونوا جميعًا نَافِعينَ للكنيسة، ولكي تُساعِدوا، ولكي تُقَدِّموا العَوْن. فلا يمكنكم أن تتوقَّفوا عنِ استخدامِها مِن دونِ أنْ يكونَ لذلكَ تأثيرٌ عَكسيٌّ على الكنيسة.

ارجِعوا قليلاً إلى رسالة كورِنثوس الأولى والأصحاح 12، واسمَحوا لي أنْ أُريكُم ما يَلي: رسالة كورِنثوس الأولى والأصحاح 12. وأريدُ منكم أنْ تُتابِعوا ما سأقول لكي تَفهموا هذه النُّقطة. رسالة كورِنثوس الأولى 12: 12. فَهُوَ يَنْظُرُ إليكُم وإلى مواهِبِكُم الروحيَّة في جسدِ المسيحِ ويُقارِنُ ذلكَ بالجسدِ البشريِّ كَتَشبيه. لِذا فإنَّهُ يَقولُ: "لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْجَسَدَ هُوَ وَاحِدٌ وَلَهُ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَكُلُّ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا كَانَتْ كَثِيرَةً هِيَ جَسَدٌ وَاحِدٌ، كَذلِكَ الْمَسِيحُ أَيْضًا". فهو يَقول: انُظروا إلى جَسَدِكُم البَشريّ. فأنتُم لديكُم جَسَدٌ واحد، ولكِنَّهُ يَقومُ بوظائف كثيرة ويَحوي أعضاء كثيرة. وَهُوَ، في هذا، يُشبِهُ جَسَدَ المسيح. والعدد 14 يَقول: "إنَّ الجَسَدَ أَيْضًا لَيْسَ عُضْوًا وَاحِدًا بَلْ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ". والآن، ما الَّذي سيَحدث هُنا في العدد 15؟ "إِنْ قَالَتِ الرِّجْلُ: «لأَنِّي لَسْتُ يَدًا، لَسْتُ مِنَ الْجَسَدِ». أَفَلَمْ تَكُنْ لِذلِكَ مِنَ الْجَسَدِ؟" فَرِجْلُكَ لا تستطيعُ أنْ تَقول: "لأنِّي لستُ يَدًا، لن أَخدِمَ"، أو: "لَوْ كَانَ كُلُّ الْجَسَدِ [في العدد 17] عَيْنًا، فَأَيْنَ السَّمْعُ؟" فَكُلُّ شخصٍ لديه وظيفة مُختلفة. "لَوْ كَانَ الْكُلُّ سَمْعًا، فَأَيْنَ الشَّمُّ؟ وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ وَضَعَ اللهُ الأَعْضَاءَ، كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِي الْجَسَدِ، كَمَا أَرَادَ. وَلكِنْ لَوْ كَانَ جَمِيعُهَا عُضْوًا وَاحِدًا، أَيْنَ الْجَسَدُ؟" فسوفَ يكونُ مِسْخًا. "فَالآنَ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَلكِنْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. لاَ تَقْدِرُ الْعَيْنُ أَن تَقُولَ لِلْيَدِ: «لاَ حَاجَةَ لِي إِلَيْكِ!». أَوِ الرَّأْسُ أَيْضًا لِلرِّجْلَيْنِ: «لاَ حَاجَةَ لِي إِلَيْكُمَا!». بَلْ بِالأَوْلَى أَعْضَاءُ الْجَسَدِ الَّتِي تَظْهَرُ أَضْعَفَ هِيَ ضَرُورِيَّةٌ".

بعبارة أخرى، قد تَكونُ فَخورًا بأنفِكَ ومُعجَبًا بِجَمالِ أنفِكَ. ولكِنْ مِنَ الأفضلِ أنْ تَعيشَ مِن دونِ أنفٍ على أنْ تَعيشَ مِن دونِ كَبِد. فقد يكونُ العُضوُ الَّذي لا يَبدو مُهِمًّا هُوَ الأكثر أهميَّةً. فأحيانًا، نحنُ نَحُطُّ مِن شأنِ أعضاءِ جَسَدِ المسيحِ فَنُخطئُ في ذلك.

لِذا، انظروا إلى العدد 23: "وَأَعْضَاءُ الْجَسَدِ الَّتِي نَحْسِبُ أَنَّهَا بِلاَ كَرَامَةٍ نُعْطِيهَا كَرَامَةً أَفْضَلَ. وَالأَعْضَاءُ الْقَبِيحَةُ فِينَا لَهَا جَمَالٌ أَفْضَلُ. وَأَمَّا الْجَمِيلَةُ فِينَا فَلَيْسَ لَهَا احْتِيَاجٌ. لكِنَّ اللهَ مَزَجَ الْجَسَدَ، مُعْطِيًا النَّاقِصَ كَرَامَةً أَفْضَلَ، لِكَيْ لاَ يَكُونَ انْشِقَاقٌ فِي الْجَسَدِ، بَلْ تَهْتَمُّ الأَعْضَاءُ اهْتِمَامًا وَاحِدًا بَعْضُهَا لِبَعْضٍ". بعبارة أخرى، يجب عليكم أنْ تَفهموا أنَّ كُلَّ شخصٍ مُهِمٌّ بالمِقدارِ نَفسِه. فقبلَ زَمَنِ عَمَلِيَّاتِ التَّجميل، لم تَكُن تَفعلُ أُمورًا كي تَتَيَقَّنَ مِنْ أنَّ أُذُنَيْكَ تَبدُوان في الهيئة الَّتي تَتَمَنَّاها. ولم تَكُن تَفعلُ أمورًا كي تَتَيَقَّنَ مِن أنَّ أَنفكَ كما تُريد. ولم تَكُن تَفعلُ أُمورًا كي تَتيقَّنَ مِن أنَّ يَديكَ كما تُريد. بل كُنتَ تَفعلُ الأمورَ الَّتي تَضمنُ أنَّ الأعضاءَ الَّتي لا يَراها أحد تَعمل حَسَنًا. وكُنتَ تُجري عَمليَّةً لإصلاحِ شيءٍ في الدَّاخِل لأنَّ ذلكَ العُضوَ أَهَمُّ لَديكَ مِنَ الشَّكلِ الخارِجِيّ. صَحيحٌ أنَّهُ مِنَ الجَيِّدِ أنْ تَهتمَّ بجِسمِكَ مِنَ الخارِج، ولكِنْ ما أهميَّةُ ذلكَ إنْ كُنتَ مَريضًا مِنَ الدَّاخل؟

والنُّقطة هي كالآتي: إنَّ تلكَ الأعضاءَ الَّتي هي مَنظورة أكثر مِن غَيرها، والأكثر جَمالاً، والأكثر حُسْنًا قد لا تكونُ بالضَّرورة الأكثر أهميَّةً. لِذا، لا يُمكِنُكم أنْ تَحُطُّوا مِنْ شَأنِ أيِّ شخص. بل يجب عليكَ أنْ تَستخدِمَ مَوهِبَتَكَ. فلا يُمكنكَ أنْ تَقول: "حسنًا، أنا لَن أخدِمَ لأنِّي لستُ يَدًا"، أو: "لَن أَخدِمَ لأنِّي لستُ عَينًا"، أو: "لَن أَخدِمَ لأنِّي لستُ أُذُنًا". فلا يُمكنُكَ أنْ تَفعلَ ذلك. بل إنَّهُ مِنْ واجِبِكَ أنْ تَستخدِمَ موهبتَكَ الرُّوحيَّة. ويا أحبَّائي، إنْ لم تَستخدِموها، فإنَّكُم تَعْصُونَ كلمةَ اللهِ وتُناقِضونَ الولادةَ الجديدةَ لأنَّكُم نِلْتُم الخلاصَ كي تَخْدِموا.

كذلك، أَرجو أنْ تُلاحِظوا مَرَّةً أخرى في العدد 10 أنَّهُ يُضيفُ عِبارة صغيرة أخرى لِتَدعيمِ هذه الفِكرة. فيجب علينا أنْ نَفعلَ ذلكَ "كَوُكَلاَءَ صَالِحِين". ونحنُ نَقرأُ الكلمة "أويكونوموس" (oikonomos) مَرَّةً أخرى. فنحنُ مَسؤولونَ عن إدارةِ مَوهِبَتِنا. وكما قُلنا في هذا الصَّباح، نحنُ مَسؤولونَ عن إدارةِ أموالِ الرَّبِّ. ونحنُ مَسؤولونَ كَما هِيَ حَالُ الوَكيل. فقد كانَ الوَكيلُ يُديرُ أراضي النَّاسَ، وأموالَهُم ومَوارِدَهُم، وَموارِدَهُم البَشريَّة، وطَعامَهُم، ويَدفَعُ الأُجورَ، ويَهتمُّ بأفرادِ البيت. فقد كانَ الوَكيلُ يُديرُ كُلَّ تلكَ الأعمالِ لِصالِحِ المَالِك. وهكذا هي الحالُ بالنِّسبةِ إلينا في ما يَختصُّ بمواهِبِنا الرُّوحيَّة. فاللهُ أعطانا هذه المواهب كي نُديرَها حَسَنًا. فأنتَ لستَ المَالِكَ الحَقيقيَّ لِمَوهِبَتِك، ولكِنَّكَ مُلْزَمٌ باستخدامِ مَوهِبَتِك.

والآن، لا تُقْحِمُوا أنفُسَكُم في التَّفاصيلِ الدَّقيقةِ مُحاولينَ أنْ تَصِفوها أو أنْ تُحَدِّدوها أوْ تُعَرِّفوها. فأنا أَعلمُ أنَّ هُناكَ الكثيرَ مِنْ بَرامِجِ الحَاسوبِ الَّتي تُخبرُكَ ما هي مَوهِبَتُك. فأنتَ تَملأُ صَفحَتَيْنِ فَيُرسلونَ لكَ وَرقةً صغيرةً تُخبُركَ عن مَوهِبَتِك. ولكِنْ لا. فلا يُمكِن تَحليلُ ذلكَ بواسطةِ حَاسوب. فَموهِبَتُكَ هي ما تَفعلُهُ عندما تَمتلئ بِروحِ اللهِ لِتَخدِمَ جَسَدَ المسيح وتَكونُ النَّتيجةُ إيجابيَّة. فهذه هي موهِبَتُك. وإنْ حَاولتَ أنْ تَطلُبَ مِنِّي أنْ أُحَدِّدَ مَوهبتي تَمامًا، فإنَّني لا أستطيعُ ذلك. ولكنِّي أَعلمُ وَحَسْب أنَّ رُوحَ اللهِ يَستخدِمُني عندما أكونُ مُتاحًا للاستخدام. والآن، لا توجد موهبة تَمتَلِكُها أنتَ شخصيًّا. فموهِبَتُكَ ليست لَكَ أنت، وموهبتي ليست لي أنا. فأنا لا أَعِظُ لكي أَستمعَ إلى عِظاتي المُسَجَّلة. فهذه الموهبةُ ليست لي أنا، بل هي لأجلِكُم. وأنتُم لا تِخدِمونَ...أنتُم لا تَخدِمونَ لأجلِكُم أنتُم، بل تَخدمونَ لأجلي. فنحنُ نَخدِمُ بَعضُنا بَعضًا للمَصلحةِ العامَّة.

والآن، إليكُم فِكرة أخرى: فبُطرس يَتحدَّث أيضًا عن أنواعٍ مُختلفة مِنَ المواهب الروحيَّة...عن أنواعٍ مُختلفة مِنَ المواهب الروحيَّة. أرجو أن تُلاحِظوا في نهايةِ العدد 10 أنَّهُ يَقول إنَّهُ يجب علينا أنْ نَخْدِمَ "كَوَكلاءَ صَالِحِينَ عَلَى نِعْمَةِ اللهِ الْمُتَنَوِّعَة"...عَلَى نِعْمَةِ اللهِ الْمُتَنَوِّعَة. وهذه الكلمة تَعني: "مُتَعَدِّدة الألوان". وهي تُذَكِّرُنا مَرَّةً أخرى بما جاءَ في رسالة كورِنثوس الأولى 12: 4-6 إذْ إنَّهُ يَقولُ في الأصحاحِ الثَّاني عَشَرَ مِنْ رِسالةِ كورِنثوس الأولى إنَّ هُناكَ أنواعًا مِنَ المواهب، وأنواعًا مِنَ الخِدَم، وأنواعًا مِنَ التَّأثيرات. وهي تَعني حَرفيًّا: "تَوزيعات". لِذا فإنَّ اللهَ يُعطي هذه المواهِب، ويُعطي هذه الخدمات، ويُعطي هذه التَّأثيرات بِكُلِّ أنواعِ المَواهبِ المُتَنَوِّعَةِ والمُختلفةِ والمُتَعَدِّدَةِ الألوان. وأنا أُحِبُّ المُصطلَحَ "مُتَعَدِّدَة الألوان" لأنَّ هذا يُعيدُني مَرَّةً أخرى إلى فِكرةِ لَوْحِ مَزْجِ الألوان. فاللهُ يأخُذُ هذه الألوان ويَمِزُجها معًا لِيَرسِمَكَ لَونًا فَريدًا.

لِذا، قد نَحصُلُ أنا وأنتَ على مَوهبةِ التَّعليم؛ ولكِنَّ مَوهبتي قد تكونُ مَمزوجة بِنعمة فَريدة ومِقياسٍ فَريدٍ مِنَ الإيمان. وقد تَكونُ مَوهبتي مَمزوجة بخدمة خاصَّة لها تأثيرٌ خَاصٌّ يُحْدِثُهُ الرُّوحُ القُدُس. وهذا هو التَّنَوُّعُ العَظيمُ في جسدِ المسيح. فقد أَعِظُ وأُرَكِّزُ على إظْهارِ الرَّحمة. وقد أَعِظُ وأُرَكِّزُ على تَمييزِ الحَقّ. فهذا يَختلِف مِن شخصٍ إلى آخر. لِهذا فإنَّ عَدَمَ استخدامِ الموهبة خَطيرٌ جِدًّا لأنَّهُ لا يُمكنُ لأيِّ شخصٍ آخر أنْ يَحِلَّ مَكانَكَ. فلا يُمكنُ لأيِّ شخصٍ آخر أنْ يأخُذَ مَكانَك.

وهُناكَ، يا أحبَّائي، الكَثير مِنَ القَضايا المُهِمَّة في الكنيسة؛ ولكِنْ لا توجد قضيَّة أَهَمُّ مِن هذه القضيَّة. ولا تُوجد قضيَّة أخطَرُ مِنها. فإنِ امتَنعتَ عنِ استخدامِ مَوهبتِك فإنَّكَ تَشُلُّ جسدَ المسيح. أنتَ تَشُلُّهُ. فأنتَ تُحِيلُهُ إلى جَسَدٍ مَشلولٍ لا يُمَثِّلُ المسيحَ تَمثيلاً حَقيقيًّا. وقدِ اعْتَدْتُ أنْ أُسَمِّي الكنيسةَ "الجَسَد الثَّاني". فالجسدُ الأوَّل هو المَسيحُ المُتَجَسِّد. والجسدُ الثَّاني هو المَسيحُ الَّذي يَحيا في كَنيسَتِه. وإنْ لم نَعْمَل بوصفِنا جَسَدَهُ فإنَّ المَسيحَ سَيُصابُ بالشَّلَل، ونَظرةَ العالَمِ إليهِ ستصيرُ مُشَوَّهَةً.

والآن، نحنُ لَدينا هذه المواهب. ولكِنَّنا نَرى افتراضًا في وَصايا بُطرس هُنا وهو أنَّنا لسنا جَميعًا نَستخِدمُ مَواهِبَنا استخدامًا سليمًا. فقد نَستخدِمُها استخدامًا غيرَ صَحيح في الجسد فَتَصيرُ زائفةً. وقد نَتَسَبَّبُ في إبطالِها. لِذا، في أيٍّ مِنَ الحَالَتَيْن، نحنُ غير مُطيعين. لِذا فإنَّ بُطرسَ يَقول: "لقد أخذتُم الموهبةَ فاستخدِموها". ثُمَّ إنَّهُ يُبَيِّنُ لنا في العدد 11 أنَّ مواهِبَنا تَقَعُ تحتَ فِئَتَيْنِ عَامَّتَيْن...فِئَتَيْنِ عَامَّتَيْن. فالأمرُ بسيطٌ جِدًّا: "إِنْ كَانَ يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ فَكَأَقْوَالِ اللهِ. وَإِنْ كَانَ يَخْدِمُ أَحَدٌ فَكَأَنَّهُ مِنْ قُوَّةٍ يَمْنَحُهَا اللهُ". تَوقَّفوا عندَ هذه النُّقطة. فهناكَ نَوعانِ مِنَ المواهِب: مَواهِب التَّكَلُّم، ومَواهِب الخِدمة. هذا هو كُلُّ ما في الأمر. فأنتَ إمَّا قد أُعطيتَ مَوهبةَ تَكَلُّم أو مَوهبةَ خِدمة. فقد أُعطي بَعضٌ مِنَّا موهبةَ تَكَلُّم (مِثلَ الوَعظِ أوِ التَّعليمِ أوْ كلامِ الحِكمة، أو كَلامِ المَعرفة، أوِ التَّمييز، أوِ القِيادة). وقد أُعطِيَ بَعضٌ مِنَّا مواهبَ خِدمة. وقد تَكونُ مَوهبةُ الخِدمة موهبةَ إدارة، أو موهبةَ الصَّلاةِ بِصَمْتٍ خَلفَ الكَواليس، أو إظهارَ الرَّحمة، أو موهبةَ تَقديمِ المُساعَدة. وكُلُّ هذه المواهب هي مواهِب رَائعة. وهذه هي مواهِبُ خِدمة.

فإنْ كانت لَديكَ مَوهبة تَكَلُّم، فإنَّهُ يَقولُ في العدد 11: "تَيَقَّن عندما تَتكلَّم أنَّكَ تَتكلَّمُ بأقوالِ الله". فإنْ كانت لديكَ موهبةُ نُبَوَّة، أو تَعليم، أو مَعرفة، أو حِكمة، أو نُصْح، عندما تَفتَح فَمَكَ تَيَقَّنْ مِن أنَّكَ تَتكلَّم بأقوالِ اللهِ. والآن، اسمَحوا لي أنْ أقولَ كلمةً بهذا الخُصوص. إنَّ هذا اللَّفظَ يُستخدَمُ للإشارةِ إلى الأسفارِ المُقَدَّسة. فهو يُشيرُ إلى العهدِ القديم. وَهُوَ يُستخدَمُ بهذه الطَّريقة في سِفْرِ أعمالِ الرُّسُل 7: 38 وَفي رسالة رُومية 3: 2. فعندما تَستخدِمُ مَوهبةَ تَكَلُّم، يجب عليكَ أنْ تَتكلَّمَ بالحَقِّ الإلهيِّ، لا بأفكارِكَ الشَّخصيَّة. فيجب أنْ تَتكلَّم بالكلامِ الَّذي نَطَقَ بِهِ اللهُ؛ أيْ بِكلامِ اللهِ. وحيثُ إنَّ المُؤمِنينَ لم يُوْحَى إلَيْهِم جميعًا مِنَ اللهِ كَما أُوْحِيَ لكُتَّابِ العهدِ الجديد...حيثُ إنَّ المؤمنينَ لم يُوْحَى إليهم جميعًا مِنَ اللهِ، لا بُدَّ أنَّ بُطرسَ يُشيرُ هُنا إلى الكلمة المُوحَى بها؛ أيِ الكلمة المَكتوبة. وَهُوَ يَقولُ [ببساطة]: إنْ كانت لديكَ مَوهبةُ تَكَلُّم، عندما تَتكلَّمُ وتَستخدِمُ تلكَ الموهبة، مِنَ الأفضلِ أنْ تَنْطِقَ كلمةَ الله. وهذه جُملة قويَّة جدًّا جدًّا.

ثانيًا، إنْ كانت لديكَ مَوهبةُ خِدمة، يجب عليكَ أنْ تَستخدِمَها كَما مِنْ قُوَّةٍ يَمْنَحُهَا اللهُ. فإنْ أُعطيتَ مَوهبةَ تَقديمِ العَوْن، أو مَوهبةً في مَجالِ الإدارة، أوِ العَطاء، أوِ الرَّحمة، أو موهبةَ التَّمييز، أو أيَّ مَوهبة تَخدِمُ بها جسدَ المسيح، يجب عليكَ أنْ تَخْدِمَ كَما مِنْ قُوَّةٍ يَمْنَحُهَا اللهُ. فيجب عليكَ أنْ تَحصُلَ على القُوَّة مِنَ الرُّوحِ القُدُس، وأنْ تَسلُكَ في الرُّوح، وأنْ تَمتلئَ بالرُّوح كي لا تَفعلَ ذلكَ بالجسد.

لِذا فإنَّ بُطرسَ يُعطينا هُنا تَعليماتٍ كامِلةً بخصوصِ المواهب الروحيَّة. فَنِطاقُها هُوَ أنَّ كُلَّ مُؤمِنٍ يَحصُل عليها؛ بالرَّغمِ مِن أنَّ كُلَّ فَردٍ فيهم مُتَمَيِّز. والمَصدرُ هو أنَّها تأتي مِنَ الله. فلا يُمكِنُكَ أنْ تَجِدَّ في طَلَبِها، بل هي تُمْنَحُ بالنِّعمة كَعَطَيَّة مَجَّانِيَّة بسيادَةِ الله. وطبيعَةُ المواهب هي أنَّها قُدرات رُوحيَّة يَستخدِمُكَ الرُّوحُ مِن خِلالِها لكي يَخدِمَ الجسد. وواجِبُكَ هو أنْ تَستخدِمَ مَوهبتَكَ الرُّوحيَّة، وأنْ تَستخدِمَها كَوَكيلٍ صَالِحٍ على نِعمةِ الله. وفيما يَختصُّ بِتَنَوُّعِها: فإنَّها مُتنوِّعة جدًّا وَلا نِهايةَ لَها مِثلَ مُخَيِّلَتِنا، بل وأكثر، لأنَّ كُلَّ شخصٍ مِنَّا فَريدٌ بِذاتِه مِن خلالِ نِعمةِ اللهِ المُتَعَدِّدَةِ الألوان. وأمَّا فِئَتَاهَا فهُما: مَواهِبُ التَّكَلُّم، ومَواهِبُ الخِدمة.

والآن هذه هي، يا أحبَّائي، التَّعليماتُ المُعطاة إلينا. فالحياةُ المسيحيَّة بسيطة جدًّا: القَداسةُ معَ اللهِ، ومحبَّةُ الآخرينَ، والخِدمة الروحيَّة. فهذا هو كُلُّ شيء. وحيثُ إنَّكَ نُقِلْتَ بِنعمةِ المسيحِ مِنْ مَملكةِ الظُّلمة إلى مَملكةِ ابنِ مَحَبَّتِه، فإنَّكَ تَرغبُ في أنْ تَكونَ مُطيعًا.

وأخيرًا، لقد رأينا الحَافِزَ وَهُوَ: المَجيءُ الثَّاني. وقد رأينا التَّعليمات وهي: القَداسة، والمَحبَّة، والخِدمة. ثالثًا وأخيرًا: الغَايَة: فما هو الهَدَفُ مِن ذلك؟ نَقرأُ في نِهايةِ العدد 11: "لِكَيْ يَتَمَجَّدَ اللهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي لَهُ الْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِين". فما هي الغَايَةُ مِنْ كُلِّ شيءٍ نَقومُ بِهِ؟ ما هي الغايَة مِن قَداسَتِنا؟ وما الغَايَةُ مِن مَحَبَّتِنا؟ وما الغَايَةُ مِن خِدمَتِنا؟ أنْ يَحْدُثَ مَاذا لله؟ أنْ يَتَمَجَّد. أنْ يَتَمَجَّدَ اللهُ. فبُطرسُ يَقول: "لكي يَتَمَجَّدَ اللهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ [أيْ في كُلِّ واجِباتِنا المَسيحيَّةِ] بِيَسُوعَ الْمَسِيح". وهذهِ هي، بالمُناسَبَة، ما نُسَمِّيها: "الحَمْدَلَة"...الحَمْدَلَة. وَ "الحَمْدَلَةُ" هي [ببساطة] كلمة تَعني: "كَلِمَة حَمْد" أو "كَلِمَة تَمجيد". لِذا، يجب علينا أنْ نُمَجِّدَ اللهَ.

ويُمكِنُنا فقط أنْ نُمَجِّدَ اللهَ [لاحِظوا في العدد 11] مِن خلالِ يَسوعَ المسيح: "الَّذِي لَهُ الْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِين". وقد نَاقَشَ الشُّرَّاحُ مُطَوَّلاً فِكرةَ ما إذا كانتِ العِبارة "الَّذي لَهُ" تُشيرُ إلى اللهِ، أَمْ أنَّها تُشيرُ إلى يَسوعَ المسيح. وأعتقد أنَّهُ غُموضٌ مُبارَكٌ وَمُوحَى بِهِ لأنَّ المَجْدَ هُوَ للهِ في المسيح، وللمَسيحِ في الله. لِذا، أريدُ أنْ أُمَجِّدَ اللهَ في كُلِّ ما أفعَل. فإنْ أَكَلْتُ أو شَرِبْتُ (كما جاءَ في رسالة كورِنثوس الأولى 10: 31)، أُريدُ أنْ أَفعلَ كُلَّ شيءٍ لِمَجدِ الله. والطَّريقةُ المُثلَى للقيامِ بذلك هي أن أعيشَ في ضَوْءِ المَجيءِ الثَّاني ليسوعَ المسيح، وأنْ أُطَبِّقَ وَاجِبَ القَداسةِ والمَحبَّةِ والخِدمة بِقوَّةِ الرُّوح؛ وبذلكَ: أنْ أَعيشَ لِمَجدِ اللهِ.

ولم يَتمَكَّنْ بُطرسَ مِنْ مَنْعِ نَفسِهِ مِنْ قَولِ "آمين" في نِهايةِ هذا المَقطَع. لِيَكُن كذلك. لِتَكُن حَياتي لِمَجْدِ اللهِ. لِذا، يجب علينا أنْ نَعيشَ وَفقًا لهذه الوصايا الحَياتِيَّة. وكما قُلتُ عندما ابتدأتُ هذه السِّلسِلَة، فإنَّ كُلفَةَ التَّلمَذة بَاهِظَة، ولكِنَّها ليست باهِظَة مِثلَ كُلفَةِ رَفْضِ المَسيح. فهو يَتوقَّعُ الأفضلَ مِنَّا. والهَدَفُ هُوَ أنْ نُعطيهِ كُلَّ المَجد. لِذا في النِّهاية، حَتَّى لو كُنَّا قِدِّيسينَ تمامًا، ومُحِبِّينَ تَمامًا، ونَخْدِمُ تَمامًا، فإنَّنا لا نَستحِقُّ أيَّ مَدْحٍ. أليسَ كذلك؟ بل يجب علينا أنْ نُعطيهِ كُلَّ المَجْد. دَعونا نُصَلِّي:

نَشكُرُكَ، يا أبانا، على هذا المَساءِ الرَّائعِ الَّذي اشتَرَكنا فيهِ معًا في هذه الحقائق العظيمة الَّتي وَضَعَها رُوحُ اللهُ في قُلوبِنا مِن خلالِ الكلمة. ويا لَيتَنا نَكونُ مُطيعينَ لكي نَكونَ كَما تُريدُ مِنَّا أنْ نَكون؛ لا فَقَط أشخاصًا قد غُفِرَتْ خَطاياهُم، بل أشخاصًا تَغَيَّروا. ويا ليتَ تلكَ الرَّغبةَ وذلكَ الشَّوقَ بالطَّاعة يَقتَرِنُ بهذه الوصايا. ويا لَيتَنا نَستمرُّ في تَطبيقِ هَذِهِ الوَصَايا الَّتي تُريدُ أنْ تَغرِسَها فينا مِنْ خِلالِ رُوحِكَ. نُصَلِّي باسمِ مُخَلِّصِنا الحَبيب. آمين!

This sermon series includes the following messages:

Please contact the publisher to obtain copies of this resource.

Publisher Information
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969

Welcome!

Enter your email address and we will send you instructions on how to reset your password.

Back to Log In

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize
View Wishlist

Cart

Cart is empty.

Subject to Import Tax

Please be aware that these items are sent out from our office in the UK. Since the UK is now no longer a member of the EU, you may be charged an import tax on this item by the customs authorities in your country of residence, which is beyond our control.

Because we don’t want you to incur expenditure for which you are not prepared, could you please confirm whether you are willing to pay this charge, if necessary?

ECFA Accredited
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Back to Cart

Checkout as:

Not ? Log out

Log in to speed up the checkout process.

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize