
كما قلتُ سابقًا، سوف نبتدئ في هذا الصَّباح دراسةً تختصُّ بكيفيَّة دراسة الكتاب المقدَّس، وكيفيَّة الاستفادة القصوى من كتابك المقدَّس. وبادئ ذي بدء، أودُّ أن أطلب منكم أن تفتحوا على مقطعٍ في العهد القديم سيكون نقطة الانطلاق بالنِّسبة إلينا وَهُوَ: سِفْر إرْميا والأصحاح 8 ... سِفْر إرْميا 8: 9. ففي خدمة إرْميا، كانت واحدة من أصعب المهامِّ الَّتي أُوْكِلَتْ إليه بصفته نبيًّا هي أن يتكلَّم ضدَّ قادة أُمَّته الَّذينَ أَضَلُّوا الشَّعب. فقد أخفق الأنبياء. وقد أخفق الكهنة. وقد أخفق الكتبة. وقد أخفق حكماء الأمَّة في اقتيادهم إلى الحقِّ الإلهيِّ والبِرّ. وأعتقد أنَّنا نجد في إرْميا 8: 9 مُلخَّصًا لمأساة القيادة الَّتي تفتقر إلى الكفاءة.
فالعدد 9 يقول: "خَزِيَ الْحُكَمَاءُ. ارْتَاعُوا وَأُخِذُوا. هَا قَدْ رَفَضُوا كَلِمَةَ الرَّبِّ، فَأَيَّةُ حِكْمَةٍ لَهُمْ؟" إنَّ ما يقوله إرْميا هنا هو أنَّك تستطيع أن تجمع كلَّ القادة، وكلَّ التَّربويِّين، وكلَّ الخبراء المختصِّين في القانون والأخلاقيَّات والقيم، وكلَّ المسؤولين لتعليمك الحقَّ الإلهيَّ، ويمكنك أن تضعهم جميعًا في فئة واحدة وهي فئة الحَمقى لأنَّهم إن كانوا يرفضون كلمة الرَّبِّ، ما نوع الحكمة الَّتي يملكونها؟ والمعنى الضِّمنيُّ هو أنَّهم ليسوا حكماء. فالحكمة تأتي من الله، وتأتي من خلال كلمته. وبمعزِلٍ عن كلمته لا توجد حكمة روحيَّة حقيقيَّة. فعندما يقوم قادة الأمَّة، وحتَّى أمَّة إسرائيل، برفض كلمة الرَّبّ، لن تكون هناك حكمة.
في الصَّيف الماضي، عندما دُعيتُ إلى نيوزيلاندا، أُتيحت لي فرصة مُخاطبة البرلمان النيوزيلانديّ في مجلس النُّواب. وقد كانت فرصة مدهشة ورائعة جدًّا. وقد طلبوا مِنِّي أن أتحدَّث عن هذا الموضوع. وإليكم الموضوع الَّذي طُلِب منِّي أن أتحدَّث عنه مِن قِبَل مجلس النُّواب النيوزيلانديّ: ما الَّذي يحدث للأمَّة الَّتي تترك الكتاب المقدَّس كمصدر للسُّلطة أو كمصدرٍ لسُلطتها؟ فقد كانوا يراقبون... لأنَّهم يعرفون تاريخ الولايات المتَّحدة... كانوا يراقبون تراجع الاهتمام بالأسفار المقدَّسة والكتاب المقدَّس في النِّطاق العامِّ في أمَّتنا، ويدركون أنَّ هذا وشيك الحدوث في أُمَّتهم؛ وهي أمَّة تأسَّست في الأصل مِن قبل مُهاجرين جاءوا مِن المملكة المُتَّحدة وجلبوا معهم المبادئ المسيحيَّة والحقَّ الكِتابيَّ. وقد كانوا يَنتهجون الدَّرب نفسه الَّذي نحن ننتهجه. وقد أرادوا أن يَعلموا ما سيحدث عندما نتخلَّى عن الكتاب المقدَّس كمصدرٍ لسُلطتنا. والجواب موجود هنا في سِفْر إرْميا 8: 9: "فَأَيَّةُ حِكْمَةٍ لَهُمْ؟" فالشَّيء المُتبقِّي أمامهم هو التَّصويت على الأخلاق، وإجراء استفتاءاتٍ، أو استطلاعاتٍ للرَّأي العامِّ، وتخصيص أرقام هواتف لإبداء الآراء، وأرقام هواتف للطَّوارئ، وتشجيع النَّاس على الإدلاء بآرائهم عن هذا الموضوع أو ذاك الموضوع كي نتمكَّن مِن صياغة أخلاقيَّاتنا.
ولكنَّ الحكمة المختصَّة بالحياة الروحيَّة والزَّمان الحاضر والأبديَّة موجودة كُلُّها في كلمة الله. فالكتابُ المقدَّس هو المَصدر، بل المصدر الوحيد للحكمة الإلهيَّة. ويا لها مِن مأساة أن ندرك أنَّ الكتاب المقدَّس مُعرَّض للهجوم مِن زوايا كثيرة جدًّا جدًّا. فهناك الأشخاص العقلانيُّون الَّذينَ يَتشبَّثون بإلحادهم ونظرتهم الإنسانيَّة الرَّافضة للمعجزات ويريدون أن ينكروا وجود الله. وإن احتملوا فكرة وجود الله فإنَّه في نظرهم مُجرَّد إلهٍ يُشبه إله آينشتاين إذ إنَّه مُجرَّد قوَّة لا شخصيَّة وغير شخصيَّة. وهناك الوجوديُّون الَّذينَ يمتلكون عقليَّةً مُعاديةً للواقع ويقولون إنَّك تستطيع أن تُوجِد واقعك بنفسك، ويمكنك أن تَختلِق واقعك، ويمكنك أن تُصيغ واقعك، وإنِّي مسرور لأجلك أيًّا كان واقعك. ثُمَّ إنَّ هناك هجومًا ليس فقط من العقلانيَّة والوجوديَّة، بل مِن النَّزعة الأنانيَّة أيضًا والتي هي عقليَّة مُعارضة للسُّلطة تقول إنَّه في حين أنَّه يمكن لأيِّ شخص أن يقول لي ما يمكنني أن أُوْمِن به، لا يجوز لأيِّ شخص أن يقول لي ما هو الصَّواب والخطأ، ولا يجوز لأيِّ شخص أن يقول لي كيف ينبغي أن أتصرَّف. فسوف أُقرِّر ذلك بنفسي. وهناك العقليَّة العَلائِقيَّة الَّتي تقول بصورة رئيسيَّة إنَّ أهمَّ شيءٍ هو إشباع الأنا، وإشباع الذَّات، وحلّ مشاكلي الشخصي، وتقديري لذاتي، ورضاي عن نفسي. وهذا أيضًا مُعارض للحقّ، ومُعارض للمعيار الصَّحيح، ومُعارض للحقيقة المُطلقة.
وهناك أيضًا النَّهج الطَّقسيّ الَّذي هو تَدَيُّن مُخالف للمَعرفة إذ إنَّ الدِّين ليس حقًّا أو لاهوتًا أو عقيدة، بل هو مُجرَّد طقوس وروتين. وهناك أيضًا اللِّيبراليَّة اللاَّهوتيَّة المُعادية للكتاب المقدَّس والوحي. وهناك التَّصوُّف المُعادي للفكر والذي يقول وحسب إنَّه يكفي أن تشعر بالله، وأن تَعلم أنَّه موجود، وأن تشعر بتحرُّكات الله، وأن تشعر بالحقّ.
إنَّ وجود كلِّ هذه الأشياء في ثقافتنا يُسهم في وجود العقليَّة المُعادية للسُّلطة والتي تُسهم في العقليَّة المُعادية للكتاب المقدَّس. فقد تَمَّ الحَطُّ مِن شأن الكتاب المقدَّس مِن قِبَل العقلانيَّة، والوجوديَّة، والنَّزعة الأنانيَّة، والعَلائقيَّة، والطَّقسيَّة، واللِّيبراليَّة، والتَّصوُّف، وربَّما نزعات أخرى أيضًا. فهذه هي الأمور الرَّائجة اليوم. فالمجد... أيْ مجدُ الإنسان يَحتلُّ مركز الصَّدارة. فالتَّركيز مُنْصَبٌّ على إفساح المجال للإنسان كي يُحقِّق كلَّ ما يرغب في تحقيقه على الصَّعيد الشخصيّ. فهذه هي النَّزعة السَّائدة. فلا وجود للسُّلطة خارج الإنسان. والحكومة نفسها تواجه صعوبة في ممارسة سُلطتها لأنَّها أعطت النَّاس حُريَّة شخصيَّة كبيرة جدًّا. وهذه النَّظرة إلى الدِّين، هذه النَّظرة إلى الدِّين الَّتي تنبع من هذه البيئة هي نظرة وجوديَّة صُوفيَّة حيث يُسمح لك بأن تُؤمن بما تشعر أنَّه يُلائمك. فما تعتقد أنَّ الله يفعله هو، من دون شَكّ، ما يفعله في الحقيقة. وما تعتقد أنَّه يقوله هو بكلِّ تأكيد ما يقوله في الحقيقة. ولكنَّ كل هذه الأشياء تُهاجم السُّلطة الفرديَّة الواضحة لكلمة الله.
والآن، قد تقول: لماذا تطرح هذا الموضوع في سلسلةٍ عن دراسة الكتاب المقدَّس؟ لأنِّي تَعلَّمتُ شيئًا واحدًا على مَرِّ السِّنين. وهو شيء تَكَرَّر على مسمعي المرَّة تِلو المرَّة تِلو المرَّة: العِناية الَّتي تُوليها لدراسة الكتاب المقدَّس مهمّة جدًّا لمباركة حياتك، ومهمّة جدًّا لفرحك، ومهمّة جدًّا لمدى نفعك، ومهمَّة جدًّا لمجد الله. والعِناية الَّتي تُوليها لهذه الدِّراسة المهمَّة للكتاب المقدَّس مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بنظرتك إلى الكتاب المقدَّس ...ارتباطًا مباشرًا. فإن كانت نظرتك للكتاب المقدَّس مهزوزة، أؤكِّد لك أنَّ اهتمامك به سيكون ضعيفًا. لذا فإنَّ الجِدِّيَّة الَّتي تنظر فيها إلى هذا الكتاب هي العنصر الرَّئيسيّ الَّذي يَحْفِزُك على دراسته.
فكثيرًا ما يسألني النَّاس كيف يمكنني أن أُنَظِّم حياتي وأن أصرف كلَّ هذا الوقت في دراسة الكتاب المقدَّس؟ وكيف يمكنني أن أضبط نفسي، كما يقولون، وأن أُخصِّص كل هذا الوقت لدراسة كلمة الله، والقيام بكلِّ هذا الوعظ والتَّعليم الَّذي أقوم به، وتأليف الكُتب، والعمل على الكتاب المقدَّس الدِّراسيّ؟ وهذا سؤال وَجيه، وأنا أفهم سبب طرحهم لهذا السُّؤال. ولكن اسمحوا لي أن أُفاجئكم بقول ما يلي: إنَّ أصعب شيءٍ بالنِّسبة إليَّ هو ليس أن أُواظب على دراسة الكتاب المقدَّس، بل إنَّ المشكلة الحقيقيَّ لديَّ هي أن أتوقَّف عن ذلك للقيام بكل الأشياء الأخرى الَّتي ينبغي أن أقوم بها.
وقد تقول: "وَلِمَ ذلك؟" لأنِّي أدرك أهميَّة هذا الكتاب، وبسبب اهتمامي الشَّديد به، وبسبب اهتمامي بأن أُوْليه مكانةً في حياتي وفي حياتكم، أنا محصورٌ فيه. والحقيقة هي أنِّي كَتبتُ مجموعة صغيرة من الملاحظات التفسيريَّة في مُقدِّمة الكتاب المقدَّس الدِّراسيّ. ويمكنكم أن تقرأوها عندما تحصلون على نسخة منه. ولكنَّها تقول شيئًا. ولا يمكنني أن أتذكَّر تمامًا ما قُلته، ولكنِّي تحدَّثتُ عن حقيقة أنَّ الصُّعوبة لديَّ لم تكن تتمثَّل في عدم قدرتي على النُّهوض كلِّ يوم وصرف الوقت الكافي في كتابة كلِّ تلك الملاحظات والبحث في كلمة الله. فالصُّعوبة لديَّ لم تكن تتمثَّل في عدم قيامي بذلك، بل إنَّ الصُّعوبة لديَّ كانت تتمثَّل في التوقُّف عن القيام بذلك. فالتحدِّي الَّذي كان ماثِلاً أمامي هو أن أترك ذلك لأنِّي أُقدِّر كلمة الله كثيرًا جدًّا، ولأنِّي أفهم غِناها وكنوزها. وكما قال المُرَنِّم: "أَشْهَى مِنَ الذَّهَبِ وَالإِبْرِيزِ الْكَثِيرِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَقَطْرِ الشِّهَاد".
فنظرتك إلى الكتاب المقدَّس هي الأساس لكلِّ شيء مِن جهة إيلاء الكتاب المقدَّس العناية والرِّعاية الفائقة. لذا، في بداية حديثنا عن كيفيَّة الاستفادة القصوى من كتابك المقدَّس، وكيفيَّة دراسة الكتاب المقدَّس بفعاليَّة، يجب علينا أن نبتدئ بالتحقُّق من فهمك لهذا الكتاب أو هذا الكنز الَّذي تمسكه بيدك.
والآن، مِن الواضح أنَّه لا يمكن لأيِّ مجتمع أن يعيش مِن دون تطبيق الحقِّ الكتابيّ، وأنَّه لا يمكن لأيِّ شخصٍ أن يعيش مِن دون تطبيق الحقِّ الكتابيّ. فالحقُّ لا يَتقرَّر بإجماع الأغلبيَّة، ولا يَتقرَّر بالاقتراع، بل يَتقرَّر بما يقوله الله. وقد تحدَّث الله في النِّطاق الأدبيِّ والأخلاقيِّ والرُّوحيِّ بعبارات واضحة جدًّا. ولا يمكن لأيِّ مجتمع أن ينجو إن لم يَتَّخِذ الكتاب المقدَّس معيارًا له. ومجتمعنا لا يختلف في ذلك عن أيِّ مجتمعٍ آخر. فمجتمعنا سيستمرُّ في انغماسه في الإثم غير المكبوح بسرعة هائلة إلى أن ... أو رُبَّما يجدر بي أن أقول: إلاَّ إذا رجع إلى كلمة الله. فهذا أمر لا مَفَرَّ منه.
والكتاب المقدَّس يقول عددًا من الأمور المدهشة عن ذاته. وسوف أذكر لكم سبعة أشياء. فهذه أمور يقولها الكتاب المقدَّس عن ذاته. وهذا سيساعدكم بصورة أساسيَّة على فَهْم ما تتعاملون معه. فأنتم تحملون في أيديكم كتابًا واحدًا، ولكنَّه يحوي عَهْدَيْن: العهد الأوَّل يحوي 39 سفرًا مستقلًّا، والثَّاني يحوي 27 سفرًا. والأوَّل يُدعى: "العهد القديم"، والثَّاني يُدعى: "العهد الجديد". وأنتم تعلمون ذلك جيِّدًا. فأنتم تعرفون سِفْر التَّكوين وسفر الرُّؤيا والأسفار الموجودة بينهما. ولكن هل تدركون الطَّبيعة الخارقة للطَّبيعة لهذا الكتاب؟ فهذا الكتاب ليس كتابًا بشريًّا، مع أنَّه كُتِبَ خلال فترة تتراوح بين 1500 و1800 سنة بأيدي أكثر من 40 رجلاً مختلفًا كتبوا كلماته بأقلامهم على رُقوق جلديَّة. ولكنَّ مؤلِّفه الوحيد هو الله. وقد كَتب هؤلاء الرِّجال تلك الأسفار الكثيرة في أوقات مختلفة وأماكن مختلفة بوحيٍ مُباشِرٍ من روح الله الَّذي كان ينقل إليهم إعلان الله مِن فِكره إلى ذاك القلم حتَّى إنَّ الكتاب الَّذي بين أيدينا هو كلمة الله الحيّ. فهذا الكتاب ليس كتابًا بشريًّا، بل هو كتاب خارق للطَّبيعة.
وَهُوَ يقول عن ذاته أقوالاً خارقةً للطَّبيعة. أوَّلاً، إنَّه يقول عن ذاته إنَّه كتاب مَعصوم مِن الخطأ... مَعصوم مِن الخطأ. وهذا يعني أنَّ كلَّ شيء يقوله صحيح تمامًا. فإن قال شيئًا عن عقوبة الإعدام (وَهُوَ يتحدَّث عن ذلك)، فإنَّ ما يقوله صحيح. وإن قال شيئًا عن الزَّواج والطَّلاق، فإنَّ ما يقوله صحيح تمامًا. وإن قال شيئًا عن العبادة، فإنَّه صحيح تمامًا. وإن قال شيئًا عن يسوع المسيح، فإنَّه صحيح. وإن قال شيئًا عن طبيعة الإنسان، فإنَّ ما يقوله صحيح تمامًا. وإن قال شيئًا عن تاريخ صُور أو صيدون أو تاريخ بابل، أو إن قال شيئًا عن مستقبل بابل المستقبليَّة، أو عن الوحش، أو عن ضدِّ المسيح، أو إن قال شيئًا عن شخصٍ اسمه بطرس، أو عن شخصٍ اسمه داود، أو عن شخصٍ اسمه بولس، أو إن قال شيئًا عن شخصٍ اسمه آدم الَّذي كان متزوِّجًا من امرأةٍ تُدعى حَوَّاء، وأنَّهما أنجبا أبناءً هُم قايين وهابيل وشيث، أو إن قال شيئًا عن جنَّةٍ ما، فإنَّ كُلّ ما يقوله صحيح تمامًا. فهو مَعصوم مِن الخطأ. ومن المؤكَّد أنَّ هذه هي الشَّهادة الَّتي يَشهدها عن ذاته، وهي تَتلخَّص في المزمور 19: "نَامُوسُ الرَّبِّ كَامِلٌ". "نَامُوسُ الرَّبِّ كَامِلٌ". فهو معصوم مِن الخطأ.
وقد قال النَّبيُّ إنَّ كلمة الرَّبِّ هي كَفِضَّةٍ مَمْحُوصَةٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي بُوطَةٍ. ويمكننا أن نتخيَّل أنَّ الشَّوائب قد احترقت وأنَّها نقيَّة تمامًا. فكلُّ ما يقوله الكتاب المقدَّس تاريخيًّا صحيح. وكلُّ ما يقوله نبويًّا صحيح. وكلُّ ما يقوله روحيًّا صحيح. وكل ما يُقدِّمه لنا مِن جهة الإرشاد في الحياة صحيح تمامًا. فهو معصوم مِن الخطأ. لذا فإنَّه يُدعى دائمًا: "مِعيار الحياة والإيمان والتَّطبيق".
ثانيًا، الكتاب المقدَّس مُنَزَّه عن الخطأ. والآن، نحن لا نتحدَّث عن مُحتواه الَّذي يُؤكِّده، بل عن صِحَّة كلماته تحديدًا. وعندما أقول أنَّه مُنَزَّه عن الخطأ فإنَّني أعني بذلك أنَّ الكتاب المقدَّس بمخطوطته الأصليَّة، أي المخطوطة الأولى الَّتي كَتَبَها الكُتَّابُ المُوحَى إليهم كانت خالية من الخطأ. ويجب أن تَعلموا أنَّ هذا تَحَدٍّ. فأن تَكتب كلَّ شيءٍ مِن دون خطأ هو تَحَدٍّ. فأحيانًا يأتي النَّاس إليَّ ويقولون: "هل رأيت هذا الجزء مِن كتابك؟ هناك أخطاء كثيرة في هذه الصَّفحة. كيف وصلت هذه إلى هناك؟" لا أدري إن كنت أنا من اقترف تلك الأخطاء، أو إن كان الأشخاص القائمون على طباعته على الحاسوب هم الَّذينَ اقترفوا تلك الأخطاء، أو إن كان المُدقِّق اللُّغويُّ هو الَّذي اقترف تلك الأخطاء، أو إن كان أحد الأشخاص يُصَحِّح شيئًا آخر فطبع كلمة خاطئة في موضعٍ لم يكن فيه خطأ. لا أدري! ولكنِّي أَعلم شيئًا واحدًا وهو أنَّه مِن المستحيل تقريبًا أن تكتب شيئًا من دون أخطاء، ولا سيَّما في أثناء إعداد هذا الكتاب المقدَّس الدِّراسيّ. ويجب أن تعلموا أنَّه لا يمكنكم أن تتخيَّلوا كابوس تدقيق خمسٍ وعشرين ألف ملاحظة هامشيَّة بكُلِّ ما تحويه مِن فواصل منقوطة، وفواصل، وأقواس، وفواصل عُليا، وعلامات اقتباس، وصعوبة التَّيقُّن مِن وجود علامات التَّرقيم قبل كلِّ نَصٍّ مُقتبَس وبعده، والتَّيقُّن من توحيد أسلوب الكتابة في كل شيء تفعله. ونحن نتحدَّث هنا عن مادَّة ضخمة موجودة في كِتابٍ يحوي 2500 صفحة. وأعتقد أنَّه تمَّ تدقيقه الآن اثنتا عشرة مَرَّة، وأنَّه تمَّ تدقيقه خمس أو سِتّ مرَّات أخرى مِن قِبَل مُدقِّقين مُحترفين في مكانٍ ما في "أتلانتا" (Atlanta) مِمَّن يُدَقِّقون كلَّ شيء بحرص شديد؛ ولكنَّهم لا يستطيعون اكتشاف كلِّ خطأ. وعندما ننظر إلى ما فعلناه، نكتشف أخطاءً. فالأمر صعبٌ جدًّا.
ولكن عندما كُتبت كلمة الله، كانت تخلو من الخطأ لأنَّ روح الله هو الَّذي أشرف عليها. فنحن نقرأ في سِفْر الأمثال 30: 5 و6: "كُلُّ كَلِمَةٍ مِنَ اللهِ نَقِيَّةٌ". "كُلُّ كَلِمَةٍ مِنَ اللهِ نَقِيَّةٌ". "لاَ تَزِدْ عَلَى كَلِمَاتِهِ لِئَلاَّ يُوَبِّخَكَ فَتُكَذَّبَ". وكما تَعلمون، كان الكَتَبَة في السَّنواتِ الباكرة في زمن عَزْرَا وقبل ذلك مُكَرَّسين جدًّا لعدم اقتراف أيِّ خطأ في الأسفار المقدَّسة حتَّى إنَّهم كانوا يَنسَخون الأسفار المقدَّسة بتدقيقٍ شديدٍ يَصعُب تصديقه. فقد كان بعضٌ مِن الكتبة، وَهُوَ أمر يَصعُب عليكم تصديقه، كانوا يكتبون حرفًا واحدًا، ويَغتسلون، ويُبدِّلون ملابسهم، ويُغيِّرون القلم، ثُمَّ يكتبون حرفًا آخر، ويَغتسلون، ويُبدِّلون ملابسهم، ويُغيِّرون القلم، ثُمَّ يكتبون حرفًا آخر. وَهُمْ لم يكونوا يُنجزون الكثير، ولكنَّ ما كانوا يكتبونه كان صحيحًا. فقد كانوا مُدقِّقين جدًّا في نَسْخِ هذا النَّصِّ المُنَزَّه عن الخطأ وحِفظه. لذا فإنَّ اكتشاف مخطوطات البحر الميِّت مهمٌّ جدًّا لأنَّه يوجد لدينا لفائف ترجع إلى القرن الثَّامن أو التَّاسع الميلاديّ. وقد كُنَّا نعتمد كثيرًا على تلك النُّسَخ، والنُّسَخ، والنُّسَخ، والنُّسَخ. وكما تَعلمون، فإنَّ الكتاب المقدَّس نُسِخَ المرَّة تلو الأخرى. ولكنَّ المخطوطات الأصليَّة غير موجودة اليوم. وحتَّى إن كانت موجودة فإنَّنا لا نعلم مكانها. لذا، فقد تَمَّ عمل نُسخ عديدة وكثيرة.
وكان النَّاس يقولون: "مِن المؤكَّد أنَّ هناك الكثير والكثير من التَّغييرات، والكثير والكثير مِن الأخطاء في تلك النُّسَخ". ثمَّ تمَّ العثور على لفائف البحر الميِّت. وقد أكَّدت تلك اللَّفائف صحَّة المخطوطات الَّتي استُخدمت في ترجمات الكتاب المقدَّس. وقد رأينا لا فقط أنَّها مُنَزَّهة عن الخطأ، أيْ أنَّ الأصول كانت مُنزَّهة عن الخطأ، بل رأينا أيضًا أنَّ عمل الإشراف الَّذي قام به الرُّوح القُدُس، والدِّقَّة المتناهية للكتبة قد حفظا تلك المخطوطات طَوال تلك القرون. فالكتاب المقدَّس، في مخطوطاته الأصليَّة، مُنَزَّه عن الخطأ. لذا فإنَّنا نقرأ أيضًا في سِفْر الأمثال 30: 6 أنَّه لا يجوز لك أن تَزيد على كلماته لِئَلاَّ يُوَبِّخَكَ فَتُكَذَّبَ. فهو مُنَزَّه عن الخطأ.
والحقيقة هي أنَّنا نقرأ في سِفْر الرُّؤيا أنَّه لا يجوز لنا أن نَزيد عليه أيَّ شيءٍ لِئَلاَّ يزيد اللهُ عَلَيْنا الضَّرَبَاتِ المَكْتُوبَةَ فِي هذَا الكِتَاب، وإنَّه لا يجوز لنا أن نَحذف أيَّ شيءٍ منه لِئَلاَّ يَحْذِفَ اللهُ نَصِيبنا مِنْ سِفْرِ الحَيَاة. فهذا كتابٌ مُقدَّسٌ مُنَزَّه عن الخطأ.
ثالثًا، إنَّه كامل. إنَّه كامل. وهذا يعني أنَّ هذا هو كُلّ ما أراد الله أن يُوحي به. فهذا هو كلُّ شيء. فمِن بداية سِفْر التَّكوين إلى نهاية سِفْر الرُّؤيا، كُلُّ هذه الأسفار الستَّة والستِّين تُلخِّص ذلك. فنحن نقرأ في سِفْر التَّثنية 4: 2: "لاَ تَزِيدُوا عَلَى الْكَلاَمِ الَّذِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهِ وَلاَ تُنَقِّصُوا مِنْهُ". وهذا شَبيه جدًّا بما جاء في رؤيا 22. ونقرأ في رسالة يهوذا والعدد الثَّالث إنَّه صار "الإِيمَانَ الْمُسَلَّمَ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِين". فالمُحتوى سُلِّم مَرَّةً وإلى الأبد للقدِّيسين. فالأسفار القانونيَّة للكتاب المقدَّس. وهي تُسَمَّى "قانونيَّة" لأنَّ هذه الكلمة تعني "مِعيارًا"؛ وهي كلمة تُشير إلى قَصَبَة كانت تُستخدم أداةً للقياس. وهذا هو المِعيار. فهي المِعيار. وهي كاملة. ولا حاجة إلى إضافة أيِّ شيءٍ إليها.
فعندما كَتب يوحنَّا سِفْر الرُّؤيا في سنة 96 ميلاديَّة وهو على جزيرة بَطْمُس كما أوحى الله به إليه، كان ذلك بعد ثلاثين سنة مِن اكتمال الجزء الأكبر مِن العهد الجديد. وقد كانت هذه هي الخاتمة، وكانت هذه هي النِّهاية، وكان هذا هو الجزء الأخير مِن الإعلان الَّذي يُسَمَّى سِفْر الرُّؤيا لِخَتْم الأسفار القانونيَّة الَّتي تبتدئ بسِفْر التَّكوين. فهي شاملة وكاملة. وكُلُّ ما يَلزم للحياة والتَّقوى والمعرفة الروحيَّة موجودٌ في هذه الأسفار. فهذا كتاب مقدَّس كامل. وهو لا يحتاج إلى كِتابٍ مِثل "العِلم والصِّحَّة، ودليل إلى الأسفار المقدَّسة" (Science and Health with Key to the Scriptures). وهو لا يحتاج إلى كتاب "المورمون والعقائد والعهود" (The Book of Mormon and the Doctrines and the Covenants). وهو لا يحتاج إلى كتابات "مدام بلافاتسكي" (Madame Blavatsky)، أو القاضي "رذرفورد" (Judge Rutherford)، أو "آني بيزانت" (Annie Besant)، أو أيِّ شخص آخر. فهذه هي كلمة الله الكاملة. ولا يوجد إعلان آخر مُوحى به بعد ذلك. فهذا هو الإيمان المُسَلَّم مَرَّةً للقدِّيسين. وكُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ. أليس كذلك؟ بحسب ما جاء في الرِّسالة الثَّانية إلى تيموثاوس 3: 16. ونقرأ في رسالة بطرس الثَّانية 1: 21: أنَّ أُنَاسَ اللهِ القِدِّيسينَ تَكَلَّموا مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ القُدُس حين كتبوا هذا الكِتاب. وَهُوَ لم يأتِ مِن مَصدرٍ شخصيٍّ، بل إنَّه جاء مِن عند الله. إذًا، إنَّه مَعصومٌ مِن الخطأ، ومُنَزَّهٌ عن الخطأ، وكامل.
رابعًا، إنَّه ذو سُلطان. إنَّه ذو سُلطان. وهذا يعني أنَّه عندما يتحدَّث، يَجدُر بك أن تَستمع إليه. فهو ليس كتابًا يُقدِّم لك اقتراحات. وَهُوَ ليس كتابًا يمكنك أن تضعه بجانب كُتب أخرى. وَهُوَ ليس كتابًا يمكنك أن تقارنه بكتابات كونفوشيوس أو بوذا أو شخصٍ آخر مِثل مُحمَّد. وَهُوَ ليس كتابًا يمكنك أن تقارنه بكتابات علماء الأخلاق على مَرِّ السِّنين. وَهُوَ ليس كتابًا يمكنك أن تقارنه بكتابات الفلاسفة الآخرين. وَهُوَ ليس كتابًا يمكنك أن تقارنه بالتّأمُّلات والكتابات الدينيَّة الأخرى أو أن تضعه إلى جانب أرسطو وأفلاطون أو كتابات فيلسوفٍ آخر؛ بل هو الكتاب الوحيد ذو السُّلطان. فنحن نقرأ في سِفْر إشعياء 1: 2: "اِسْمَعِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ وَأَصْغِي أَيَّتُهَا الأَرْضُ، لأَنَّ الرَّبَّ يَتَكَلَّمُ". فينبغي أن تسمع لأنَّ الله يَتكلَّم. ونقرأ في المزمور 119: 89: "إِلَى الأَبَدِ يَا رَبُّ كَلِمَتُكَ مُثَبَّتَةٌ فِي السَّمَاوَات". "إِلَى الأَبَدِ يَا رَبُّ كَلِمَتُكَ مُثَبَّتَةٌ فِي السَّمَاوَات". فهذا كِتابٌ ذو سلطان. وَهو يأتي في صورة وصايا (كما رأينا في المزمور 19).
خامسًا، إنَّه كِتابٌ فيه كُلُّ الكِفاية. فهو كتابٌ فيه كُلُّ الكِفاية. فهو كلُّ ما أراد الله أن يقوله. فهو كلُّ ما قاله الله بواسطة الإعلان مِن خلال الوحي. وَهُوَ كلُّ ما نحتاج إليه. ومرَّةً أخرى، عودة إلى الرِّسالة الثَّانية إلى تيموثاوس والأصحاح الثَّالث: "كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ". فهو كتابٌ فيه كُلُّ الكفاية. ونحن لسنا بحاجة مِن أجل الحياة الروحيَّة إلى ما هو أكثر مِن هذه الكلمة.
والآن، يجب علينا أن نفهم هذه الكلمة. وهناك كُتب كثيرة تساعدنا في فهمها، ولكنَّ كلَّ الحقِّ الروحيِّ اللَّازم للحياة والتَّقوى موجود في هذا الكتاب. فأحيانًا أسمع النَّاس يقولون: "هناك أشخاص لديهم مشاكل نفسيَّة مستعصية ولا يمكنهم البدء بعمليَّة التَّقديس إلَّا إذا حصلوا على مساعدة نفسيَّة". إنَّ هذه جهالة. فالكتاب المقدَّس لا ينتظر الحكمة البشريَّة كي يبتدئ بتلك العمليَّة، بل إنَّ فيه كُلّ الكفاية ليكون إنسان الله كاملاً مُتأهِّبًا لكلِّ عملٍ صالح.
سادسًا، إنَّه فعَّال. إنَّه فعَّال. بعبارة أخرى، إنَّه قويّ، ولكنَّ الكلمة فعَّال تُعبِّر عن المعنى بصورة أدقّ. ما الَّذي أعنيه بذلك؟ أعني أنَّه يؤثِّر في حياة النَّاس. وهو يُحَقِّق المقاصد الإلهيَّة. فنحن نقرأ في سِفْر إشعياء 55: 11 و12: "هكَذَا تَكُونُ كَلِمَتِي الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ فَمِي. لاَ تَرْجعُ إِلَيَّ فَارِغَةً، بَلْ تَعْمَلُ مَا سُرِرْتُ بِهِ". فالكلمة لا يمكن أن تعود فارغةً. فهي تُحَقِّق دائمًا الغاية الَّتي أرسَلَها الله للقيام بها. والله يقول: "سوف أقوم مِن خلال الكتاب المقدَّس بتحقيق كلِّ مقاصدي الصَّالحة. مَن سيوقفني؟ ومَن سيمنعني مِن تتميم كلمتي؟
وفي العظة على الجبل، قال يسوع: "اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُول". وقد جاء يسوع بنفسه ليقول: لقد جئتُ لأُتمِّم الكلمة، لا لأنقضها. فهي فعَّالة. فأينما ذهبتْ فإنَّها تخترق بقوَّة. وهي "أَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ". فهي تخترق القلب وحسب. وهي تتغلغل عميقًا. وهي فَعَّالة. وبالنِّسبة إلى فئةٍ مِن النَّاس، إنَّها "رَائِحَةُ حَيَاةٍ لِحَيَاةٍ". وهي في نظر فئةٍ أخرى "رَائِحَةُ مَوْتٍ لِمَوْتٍ". ولكنَّها تأتي بقوَّة. وهي تُحقِّق قصد الله - أحيانًا للنِّعمة، وأحيانًا للدَّينونة. فما يقوله الله هو ما سيحدث. وكلمته ستتحقَّق دائمًا.
أخيرًا، إنَّهُ فَاصِلٌ. فهو كِتابٌ معصومٌ مِن الخطأ، ومُنَزَّهٌ عن الخطأ، وكاملٌ، وذو سُلطان، وفيه كُلُّ الكِفاية، وفعَّال، وفاصِلٌ. وما الَّذي أعنيه بذلك؟ إنَّه كلمة الله الَّتي تفصل بين الرِّجال والنِّساء. وَهُوَ كلمة الله الَّتي تصير الخطَّ الفاصل بين الأشخاص الَّذينَ هُم داخل ملكوت الله والأشخاص الَّذينَ هُم خارج الملكوت. وَهُوَ كلمة الله الَّتي تفصل بين المُخلَّصين والهالِكين. وَهُوَ كلمة الله الَّتي تفصل بين أولئك الَّذينَ سيذهبون إلى السَماء وأولئك الَّذينَ سيقضون الأبديَّة في جهنَّم. وَهُوَ كلمة الله الَّتي تفصل بين أولاد الله وأولاد الشَّيطان. فكلمة الله هي العامِل الفاصِل.
وقد تقول: ماذا تعني بذلك؟ استمعوا إلى كلمات يسوع إذ نقرأ في إنجيل يوحنَّا 8: 47: "اَلَّذِي مِنَ اللهِ يَسْمَعُ كَلاَمَ اللهِ. لِذلِكَ أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَسْمَعُونَ، لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ اللهِ". فعدم المُبالاة بكلمة الله هي خُدعة مكشوفة. والخجل من كلمة الله هي خُدعة مكشوفة لأنَّها تُظهر أنَّ المرء لا ينتمي إلى الله. فإن كنت تنتمي إلى الله ستسمع كلمة الله. وقد عَبَّر يسوع عن ذلك بالقول: "خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي". فمِن البديهيِّ أن يبحث الإنسان عن الأكسجين. ومِن البديهيِّ أن تبحث الخليقة الجديدة في المسيح على الحقّ ... الحَقِّ الإلهيّ. فقد يَدَّعي المرء أنَّه مؤمن، ولكن إن لم يكن مهتمًّا بالكتاب المقدَّس، مِن حقِّك أن تشُكَّ في ادِّعائه لأنَّ الموقف من الكتاب المقدَّس حقيقة دامغة.
فهذا الكتاب هو كلمة الله. وفي العهد القديم وحده، هناك أكثر من ألفيّ آية في تلك الأسفار تقول إنَّ هذه هي كلمة الله. والعهد الجديد يقول أيضًا إنَّ هذه هي كلمة الله. لذا فإنَّه العامل الحاسم. فإن كنت تسمع كلمة الله فإنَّك تنتمي إليه. أمَّا إن لم تكن تسمع كلمته فإنَّك لا تنتمي إليه.
والحقيقة هي أنَّك إن لم تتمكَّن مِن فَهْم الكتاب المقدَّس، وإن كان بالنِّسبة إليكَ كتابًا غامضًا وأنَّه مَتاهة وضباب، اعلَم أنَّ "الإِنْسَانَ الطَّبِيعِيَّ لاَ يَقْبَلُ مَا لِرُوحِ اللهِ...لأَنَّهُ إِنَّمَا يُحْكَمُ فِيهِ رُوحِيًّا". أمَّا إذا كانت كلمة الله تُنير قلبك وتفتح ذهنك وتجلب الفرح إلى قلبك (كما يقول المُرنِّم)، وتجعل جَهالتكَ حِكمةً، فإنَّ الرُّوح حَيٌّ فيك. وأنت تنتمي إلى الله وتسمع كلمته.
لِذا يا أحبَّائي، نبتدئ من هذه النُّقطة بفهم هذه المسألة المطروحة أمامنا. فنحن نتعامل مع كتابٍ خارقٍ للطَّبيعة صحيح تمامًا في كلِّ ما يقوله، ومُنَزَّه عن الخطأ في كلِّ كلمة، وكامل؛ أيْ: لا ينقصه شيء. فأنت لست بحاجة إلى أيِّ شيءٍ غير هذا الكتاب للحصول على إعلان الله المُوحى به. وَهُوَ كتابٌ ذو سُلطان؛ أي أنَّه يتكلَّم في صورة وصايا. وَهُوَ فيه كلُّ الكِفاية. فهو يحوي كلَّ شيءٍ تحتاج إليه لكلِّ شؤون الحياة الروحيَّة. وَهُوَ فعَّال. وهذا يعني أنَّه حين يعمل فإنَّه ينطلق بقوَّة وتأثير، ويُحقِّق دائمًا ما يريد الله منه أن يُحقِّقه. وأخيرًا، إنَّه الكلمة الفَصْل عندما يختصُّ الأمر بحقيقة انتمائك أو بالملكوت الَّذي توجد فيه. فشعب الله يستمع إلى كلمته. ويمكنك أن تُجري فحصًا صغيرًا لقلبك كي تعرف أين أنت بهذا الخصوص.
وتلخيصًا لهذه الأمور، نجد في سِفْر يشوع 1: 8 واحدةً من أعظم آيات العهد القديم الَّتي تُعَلِّي مِن شأن الكتاب المقدَّس إذْ نقرأ: "لاَ يَبْرَحْ سِفْرُ هذِهِ الشَّرِيعَةِ [أي الكتاب المقدَّس] مِنْ فَمِكَ"؛ أي أنَّه يجب أن يكون دائمًا موضوع حديثك. لماذا؟ لأنَّه يقول: "بَلْ تَلْهَجُ فِيهِ نَهَارًا وَلَيْلاً". فأيًّا كان ما تُفكِّر فيه طوال اليوم وما تُفكِّر به طوال اللَّيل، فإنَّه سيَنعكس على حديثك. لذا فإنَّه يقول: يجب عليك أن تكون مُنهمكًا في التَّفكير في كلمة الله. ويجب أن تكون هي الشَّيء السَّائد في حياتك. فمِن خلال لَهْجِكَ فيها، ستصير هي الشَّيء السَّائد في حياتك وكلامك. "لِكَيْ تَتَحَفَّظَ لِلْعَمَلِ حَسَبَ كُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهِ". فإن تأمَّلت فيها، وتحدَّثت عنها، سُرعان ما تحياها. "لأَنَّكَ حِينَئِذٍ تُصْلِحُ طَرِيقَكَ وَحِينَئِذٍ تُفْلِحُ". ولكن يجب عليك أن تَتَحَفَّظَ لِلْعَمَلِ حَسَبَ كُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيه.
وهناك مسيحيُّون كثيرون لا يستطيعون العمل حسب كُلِّ ما هو مكتوب فيه لأنَّهم لا يفهمونه. لِذا يجب علينا أن ندرس الكتاب المقدَّس لكي نفهمه ونُطَبِّقه حتَّى نحصل على البَرَكة والازدهار والنَّجاح.
ها نحن إذًا! فنحن مُكرَّسون بالقيام بذلك لأنَّنا مؤمنون. فنحن مُكرَّسون تمامًا للقيام بذلك في عالَمٍ من النَّاس الَّذينَ لا يكفي أن نقول إنَّهم لا يُبالون بالكتاب المقدَّس، بل إنَّهم بصراحة، في مجتمعنا، يُعادون تمامًا الكتاب المقدَّس. فهو ليس المعيار الَّذي يريد هذا العالم أن يَقبله. وهو ليس المعيار الَّذي تريد أُمَّتُنا أن تَقبله. وهذا مأساويّ.
ولكن لكي يُنكروا الكتاب المقدَّس، يجب عليهم أن يتصرَّفوا بطريقة تُظهر فُصامًا في الشَّخصيَّة. وسوف أبيِّن لكم ما أعنيه. فالجزء الأكبر من حياتنا مَبْنِيٌّ على قوانين ثابتة. وما أعنيه هو أنَّنا نعمل وحسب بتلك الطَّريقة طوال الوقت. فلنأخذ الحقل العِلميَّ نفسه المرتبط ارتباطًا وثيقًا بجزءٍ كبيرٍ من حياتنا. فهو مرتبط بما نأكله، ومرتبط بما نرتديه، ومرتبط بالسيَّارة الَّتي نقودها، ومرتبط بالمنزل الَّذي نعيش فيه، ومرتبط بجميع الخدمات الصحيَّة الَّتي نلتجئ إليها لمعالجة أنفسنا أو للحفاظ على أنفسنا بصحَّة جيِّدة. فالعلم وراء كلِّ هذه الأشياء. والعلم، ببساطة، هو وسيلة نتعامل من خلالها مع العالم الماديِّ والبيئة الماديَّة. وكلُّ هذه الأشياء العلميَّة الَّتي تجري في نطاق العالم الماديِّ مرتبطة بنقاط ثابتة من الحقيقة، ومِن الوقائع غير المتزعزعة؛ سواء تحدَّثنا عن علم الأحياء، أو علم التَّشريح، أو علم النَّبات، أو علم النَّفس، أو علم الفضاء. فأيًّا كان الشَّيء الَّذي تتحدَّثون عنه (سواء أكنتم تتحدَّثون عن الهندسة بأنواعها: الهندسة المِعماريَّة، أو الهندسة الميكانيكيَّة، أو أيِّ نوعٍ من الوظائف في العالم الماديِّ تمتلك خَواصَّ ماديَّة) فإنَّه يقوم على قوانين ثابتة ولا تتغيَّر وموثوقة. وهذا يَصِحُّ على أدقِّ عمليَّة جراحيَّة مِن مُنطلق معرفتنا بأنَّ الجسد يمتلك القدرة على التَّجاوب بطريقة معيَّنة لهذا النَّوع مِن التدخُّل إن تَمَّ الاعتناء به بطريقة مُعيَّنة. وهو يَصِحُّ أيضًا على الأشياء الكبيرة كأن نُطلِق أقمارًا صِناعيَّةً في الفضاء تحوي أُناسًا فيها مِن مُنطلق معرفتنا التَّامَّة بما سيفعلون، وكيف سيتصرَّفون، وكيف سيعودون إلى نقطة ثابتة على هذه الأرض لأنَّ هناك قوانين لا تتغيَّر تعمل في الكون بطريقة ثابتة، وتعمل دون خلل.
لذا فإنَّ عالَمنا مُلتزِم بالسِّمة الثَّابتة للعالم الماديّ. ولكن حين نأتي إلى النِّطاق الأخلاقيِّ فإنَّه يَرضى بالفوضى ويُظهِر حالاً نوعًا مِن الفُصام الشَّخصيِّ الَّذي لسان حاله هو: نحن نعيش في نظامٍ ثابتٍ لا يتغيَّر في ما يختصُّ بالجوانب الماديَّة. أمَّا من الجوانب الأخلاقيَّة فيمكنك أن تفعل ما تشاء! وَهُم يختارون الفوضى ويرفضون الثَّوابت. فيمكنك أن تختار أيَّ نظامٍ أخلاقيِّ ترتاح إليه، ويمكنك أن تفعل ما تشاء، وأن تكون أيَّ شيءٍ تُريده، وأن تتصرَّف كما يَحلو لك، وأن تبقى منسجمًا في حياتك. لا! لا يمكنك أن تفعل ذلك. فإن كسرتَ القوانين العلميَّة في العالم الماديِّ ستحصل على نتائج سلبيَّة. وإن كسرتَ القوانين الأخلاقيَّة في العالم الرُّوحيِّ ستحصل على نتائج سلبيَّة أيضًا.
فهناك نظامٌ أدبيٌّ موجود في العالم وثابت؛ كما هي حال القوانين في العالم الماديِّ والتي هي ثابتة. وإن كسرتها فإنَّك تجلب على نفسك عواقب وخيمة. وهناك قوانين في العالم الأخلاقيِّ، وهي ثابتة. وإن كسرتها فإنَّك تجلب على نفسك عواقب وخيمة أكثر خطورةً. وفوق هذا كُلِّه، قال يسوع: أن تُهلِك جسدك أهون مِن أن تُهلِك ماذا؟ نفسك. "لاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ...، بَلْ خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ النَّفْسَ...".
فنحن نحرص بشدَّة على تطبيق القوانين العلميَّة للحفاظ على الجسد. فنحن نبني هذه المباني، وناطحات السَّحاب الضَّخمة هذه الَّتي يُستخدم فيها العِلم والهندسة المعماريَّة كي لا تنهار وتسحق جميع النَّاس السَّاكنين فيها. ونحن نبني سُفُنًا ضخمةً تَخوض غِمار المحيطات، ونحرص على بنائها وفقًا لمعايير المِلاحة ومعايير العَوْم وكُلِّ تلك المعايير من أجل الحفاظ على حياة هؤلاء الأشخاص بعناية شديدة. ولكنَّنا نعيش حياةً أخلاقيَّة مُختلفة تمامًا لأنَّها تناقض كلَّ شيء نعرفه عن عمل الكون. ولماذا يفعل البشر ذلك؟ لأنَّهم يُحبُّون خطاياهم. هذا هو السَّبب. هذا هو السَّبب الوحيد. لا لأنَّ ذلك منطقيّ.
فالنَّاس يسألونني دائمًا: "ما علاقة الإيدز بهذا الموضوع؟" إنَّ الإيدز هو عاقبة التعدِّي على الشَّريعة الأخلاقيَّة. هل تفهمون ذلك؟ فإن كسرتَ شريعةً أخلاقيَّةً ستُصاب بمرضٍ جنسيٍّ مُعْدٍ. وهذا هو ما قَصده بولس حين قال إنَّك تخطئ إلى جسدك حين تذهب وراء زانية، وحين تقترف الزِّنى والفجور. وقد كانت الأمراض الجنسيَّة المُعدِيَة مُتفشيِّة في العالم القديم. وكان النَّاس يموتون بتلك الأوبئة وتلك الأمراض بأعداد كبيرة بسبب الأمراض الجنسيَّة المُعدِيَة. والإيدز لا يختلف عنها في شيء. فهو، ببساطة، العاقبة الكامنة في التَّعدِّي المستمرّ على الشَّريعة الأخلاقيَّة.
وهل تعلمون أنَّ هذا يُدهشني جدًّا. فأنا أشاهد هذ الحَملة الواسعة ضِدَّ التَّدخين في أُمَّتنا. هل شاهدتم ذلك؟ وهناك سببان لوجود هذه الحركة: السَّببُ الأوَّل هو أنَّها حملة يقودها الحزب اليساريُّ لدفع النَّاس إلى كُره عالَم الشَّركات التِّجاريَّة. فهم يكرهون تلك الشَّركات الضَّخمة الَّتي تمتلك أموالاً طائلة مثل "شركة رينولدز للتَّبغ" (Reynolds Tobacco Company) وغيرها من الشَّركات الَّتي تعمل في مجالات كثيرة وتمتلك مؤسَّسات كثيرة. ولكنَّ الحزب اليساريَّ يكره تلك الشَّركات لأنَّها تُمثِّل المؤسَّسة الرأسماليَّة. لذا فإنَّهم يَسعون إلى هَدمِها. وهناك جهات كثيرة لا تهتمُّ حقًّا بالتَّدخين، بل تهتمُّ حقًّا بهدم تلك المؤسَّسات الضَّخمة. ولكن يوجد أناس يُدركون تمامًا حقيقة أنَّ التَّدخين مُضِرٌّ بصحَّتكم. وأنا أَتَّفق تمامًا معهم. وأنا لا أعتقد، كما قلتُ، إنَّ التَّدخين خطيَّة، ولكنِّي أرى كيف أنَّ تلك الدَّعايات تزداد قُبحًا.
فقد شاهدتُ ذات يوم دعايةً قبيحة مُثيرة حقًّا للاشمئزاز. فقد كانت هناك سيِّدة. وقد سَلَّطوا عليها إضاءةً مِن نوعٍ ما تجعلها تبدو شبه ميتة في مشهدٍ باللَّونين الأسود والأبيض عوضًا عن التَّصوير المُلوَّن. وكانت تتكلَّم عن التَّدخين بصوت قبيحٍ ومزعجٍ كما لو كان صادرًا من القبر. ثمَّ إنَّها أخذت نَفَسًا مِن خلال فتحةٍ في قَصَبَة الرِّئة، أو مِن خلال فتحة في قَصَبَتِها الهوائيَّة، ونَفَثَت سيجارتها في هذا المكان لأنَّها أفسَدَت كلَّ شيءٍ حتَّى هذا المكان. ثُمَّ جاء صوت يقول: "هذا هو ما يفعله التَّدخين بك". أنا أفهم هذا كلَّه. لذا، هناك هذه الحملة الواسعة والضَّخمة لمنع النَّاس من التَّدخين لأنَّه يؤثِّر على صحَّتك الجسديَّة.
وفي الوقت نفسه، هناك تصعيد مشابه مُتزامن وعدوانيّ لجعل المِثليَّة الجنسيَّة أمرًا مقبولاً. وقد أدَّى ذلك إلى انتشار مرضٍ فَتَكَ بالنَّاس في جميع أنحاء العالم. وكيف يمكنهم أن يفعلوا ذلك؟ كيف يمكنهم أن يتصرَّفوا بتلك الطَّريقة الَّتي تَدُلُّ على فُصامٍ في الشخصيَّة؟ لأنَّهم يحبُّون خطيَّتهم. فهذه هي الخلاصة. وعندما يقرِّرون أنَّهم سيعملون في عالمٍ ثابتٍ في النِّطاق الماديِّ، وأنَّهم سيعملون في عالمٍ عشوائيٍّ في النِّطاق الأخلاقيِّ، فإنَّهم بذلك ينتحرون روحيّا. فهذا هو ما يفعلونه.
ويمكنكم أن تروا الشَّيء نفسه في المدارس الثانويَّة. فبالرَّغم مِن كلِّ تلك المُلصقات المنتشرة في كلِّ مكان لمحاولة منع المُخدِّرات، يمكنكم أن تجدوا بجانبها معلوماتٍ عن كيفيَّة حصولك على واقٍ مَطَّاطيٍّ ذَكَرِيّ. فإن كان لديك الخِيار لاقتراف الخطيَّة، أعتقد أنَّ الشَّباب سيختارون الواقي المطَّاطيَّ الذَّكريَّ وينسون أمر المُخدِّرات. والسَّبب في هذا الفُصام في الشَّخصيَّة هو أنَّنا غير مستعدِّين للعيش في عالمٍ ثابتٍ أخلاقيًّا. وهذا هو ما صَمَّمَه اللهُ وما أعلنه هنا. فهناك أخلاقيَّات وضعها الله في العالم، وهي ثابتة. وعندما نخرقها فإنَّها تجلب عواقب مأساويَّة. وقد بَيَّن الكتاب المقدَّس ذلك لنا مِن خلال الشَّرائع المُطلَقَة.
إنَّ هذا الكتاب رائع. وعندما نتأمَّل في هذا الكتاب فإنَّنا نقول: "أجل، ولكنَّه كتاب روحيّ فقط". إذًا، اسمحوا لي أن أتحدَّث عن ذلك قليلاً. إنَّ نفس الإله الَّذي نَظَّم العِلْمَ هو الَّذي كتب هذا الكتاب. وحين يتحدَّث هذا الكتاب عن أمور علميَّة أو عن أمورٍ موجودة في العالم الماديّ، فإنَّه يتحدَّث بدقَّة. ولعلَّكم تذكرون أنِّي أخبرتكم قبل قليل أنَّ كلَّ شيء يقوله معصوم مِن الخطأ. فهو ليس مجرَّد كتاب عن الأمور الروحيَّة، بل هو كتاب عن أمور كثيرة ...أمور كثيرة. والحقيقة هي أنَّ هذا الكتاب، هذا الكتاب الَّذي كُتب بطريقة خارقة للطَّبيعة وأَلَّفَهُ اللهُ وكتَبَهُ بواسطة كُتَّاب أُوحِيَ إليهم كتبوا كلَّ كلمة مِن دون خطأ تحت إشراف روحه القدُّوس، وهذا الكتاب الخارق للطَّبيعة والَّذي كتبه الله لمعالجة المشاكل الروحيَّة، في كلِّ مرَّة يتحدَّث فيه عن العِلم فإنَّه صحيح تمامًا لأنَّ الله يَعرِف ذلك العالَم ويَعرِف أيضًا العالَم الروحيَّ. أليس كذلك؟
فهو يقدِّم التَّفسير الصَّحيح الوحيد للكون: الخليقة، ونظرية الكوارث، والخلق الآنيِّ في ستَّة أيَّام، والطُّوفان في زمن نوح، وإعادة تعديل سطح الأرض، ويَشرح كلَّ سجلَّات الأحافير، ويَشرح كلَّ الطَّبقات في الصُّخور، ويشرح كلَّ شيء. فهذا هو كلُّ ما تحتاجون إليه لشرح ذلك. فهو كتاب صحيح تمامًا عِلميًّا.
والكتاب المقدَّس يؤكِّد واحدًا من أهمِّ القوانين العلميَّة وهو يُعرف باسم "القانون الأوَّل للدِّيناميكا الحراريَّة". والقانون الأوَّل للدِّيناميكا الحراريَّة يَختصُّ بحفظ الكُتلة والطَّاقة. وهذا يعني أنَّ كلَّ الكُتلة والطَّاقة الموجودتين هُما دائمتان. بعبارة أخرى، مِن وجهة نظر نظريَّة النُّشوء والارتقاء فإنَّهم يقولون: "في يومٍ مِن الأيَّام، كانت هناك هذه الكتلة مِن المادَّة وهذه الكتلة من الطَّاقة. وقد استمرَّت في الوجود يومًا تلو الآخر، تلو الآخر، تلو الآخر، تلو الآخر". ولكنَّ الشَّيء الَّذي يَعرفه العلم (إن كان أمينًا في نقل هذه البيانات) هو أنَّ هناك كُتلة وطاقة، وأنَّهما قد حُفِظَتا بالقدر نفسه. فقد وُجدتا بالقدر نفسه وبقيتا بذلك القدر. ويمكننا تفسير ذلك مِن خلال قصَّة الخَلْق. ويمكننا تفسير ذلك مِن خلال الكتاب المقدَّس. فالطَّاقة لا تزول. والكُتلة لا تزول. صحيحٌ أنَّها تتحوَّل مِن شكلٍ إلى آخر، ولكنَّها لا تزول.
استمعوا إلى ما قاله إشعياء، إشعياءُ النبيّ، في العدد 26 مِن الأصحاح 40: "وَانْظُرُوا، مَنْ خَلَقَ هذِهِ؟ مَنِ الَّذِي يُخْرِجُ بِعَدَدٍ جُنْدَهَا، يَدْعُو كُلَّهَا بِأَسْمَاءٍ؟ لِكَثْرَةِ الْقُوَّةِ وَكَوْنِهِ شَدِيدَ الْقُدْرَةِ لاَ يُفْقَدُ أَحَدٌ". وهنا نجد حديثًا عن حفظ الكُتلة والطَّاقة؛ وهذا هو القانون الأوَّل للدَّيناميكا الحراريَّة. ونقرأ في سِفْر نَحَمْيا 9: 6: "أَنْتَ صَنَعْتَ السَّمَاوَاتِ...، وَالأَرْضَ وَكُلَّ مَا عَلَيْهَا، وَالْبِحَارَ وَكُلَّ مَا فِيهَا، وَأَنْتَ تُحْيِيهَا كُلَّهَا". ونقرأ في سِفْر الجامعة 1: 10: "إِنْ وُجِدَ شَيْءٌ يُقَالُ عَنْهُ: «انْظُرْ. هذَا جَدِيدٌ!» فَهُوَ مُنْذُ زَمَانٍ كَانَ فِي الدُّهُورِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَنَا". فالكتاب المقدَّس يَعلم ذلك.
كذلك فإنَّ الكتاب المقدَّس يؤكِّد القانون الثَّاني للدِّيناميكا الحراريَّة. والقانون الثَّاني للدِّيناميكا الحراريَّة يقول ما يلي: "بالرَّغم من وجود حفظٍ للمادَّة والطَّاقة، فإنَّ الذرَّات الَّتي تُؤلِّف الكُتلة والطَّاقة تميل إلى الفوضى وإلى التَّفَكُّك بعشوائيَّة حتَّى إنَّه كلَّما طال عُمر الكون زادت الفوضى فيه". وأنا أنتظر أن يَفهم أحد العُلماء هذا القانون، وأن يُطبِّقه على دراسة أشياءٍ مثل السَّرطان. فأنا أتساءل أحيانًا إن لم يكن تصاعد السَّرطان جزءًا مِن نقطة البداية في إشاعة الفوضى في التَّرتيب البُنيويِّ المألوف للذرَّات حين تبتدئ بالتَّفكُّك. ومن يدري ما يمكن أن يحدث أيضًا؟ وهذه مُجرَّد نقطة عابرة أَذكُرها، ولكن هناك زعزعة للنِّظام لإشاعة الفوضى فيه، وزعزعة للبُنية المُنظَّمة لجعلها في حالة فوضى. وهذا هو القانون الثَّاني للدِّيناميكا الحراريَّة. فهو قانون زيادة الفوضى. وَهُوَ يَنفي نظريَّة النُّشوء والارتقاء بمفرده لأنَّه يقول إنَّ الأشياء تبتدئ بحالة نظام وتتقهقر إلى حالة مِن الفوضى؛ لا أنَّها تبتدئ بالفوضى وتسير نحو النِّظام.
وقد تقول: "حسنًا، إذًا لماذا يؤمنون بنظريَّة النُّشوء والارتقاء؟" لأنَّهم لا يريدون أن يكون هناك إلهٌ خالِق، ولأنَّهم إن قَبِلوا بوجود إلهٍ خالق فإنَّهم يَعلمون أنَّه ستكون هناك قوانين أخلاقيَّة ينبغي أن يعيشوا بموجبها؛ وإلاَّ فإنَّهم سيسقطون تحت دينونته. لذا فإنَّ أسهل طريقة هي إزالته؛ من وجهة نظرهم. ولكن لا يوجد أيُّ فقدانٍ حقيقيٍّ في الكُتلة. ولا يوجد أيُّ فُقدانٍ حقيقيٍّ في الطَّاقة. بل إنَّ قدرتها على الإنتاج تتضاءل لأنَّها تتفكَّك، ولأنَّ النِّظام يصير فوضى. فكلُّ العمليَّات ستتراجع في نهاية المطاف وتتوقَّف. والكون سيزول من الوجود في نهاية المطاف. والكتاب المقدَّس واضح جدًّا في هذا الأمر. ففي رومية 8، يُخبرنا الكتاب المقدَّس عن هذا الأمر بكلماتٍ واضحة جدًّا. استمعوا إلى ما كتبه الرَّسول بولس قبل أن يقول أيُّ عالِمٍ هذا الكلام: "إِذْ أُخْضِعَتِ الْخَلِيقَةُ لِلْبُطْل". بعبارة أخرى، هناك نقطة مُعيَّنة في الزَّمن عند سقوط الإنسان لُعِنَت فيها الخليقة وأُخضِعَت لعمليَّة البُطْلِ أو الخَواء، "لَيْسَ طَوْعًا، بَلْ مِنْ أَجْلِ الَّذِي أَخْضَعَهَا عَلَى الرَّجَاء". فعندما خلق الله الخليقة أصلاً، كانت تمتاز بالدَّيمومة والنِّظام. ولكن بسبب الخطيَّة واللَّعنة، صارت فوضويَّة وأُخضِعَت مِن قِبَل الله لهذا البُطْل.
إذًا، الخليقة نفسُها خاضعة للفساد. والعدد 22 مِن رومية 8 يقول إنَّها "تَئِنُّ وَتَتَمَخَّضُ مَعًا" بسبب ذلك الفساد. فالكون كُلُّه يختبر هذه الفوضى. فعندما يتحدَّث الكتاب المقدَّس عن أمورٍ عِلميَّة فإنَّه يتحدَّث عنها بدقَّة مُتناهية.
وأنا أُفكِّر في موضوعٍ درسته باهتمام عندما كنت طالبًا جامعيًّا وَهُوَ "الهايدرولوجيا". والهايدرولوجيا هو ببساطة "عِلْمُ المِياه" ودورتها. ومع أنَّه شيء من السَّهل جدًّا علينا أن نفهمه، فإنَّ ذلك الفَهم لم يَتبلوَّر إلاَّ في القرن السَّابع عشر عندما ابتدأ النَّاس يَفهمون ماهيَّة الدَّورة المائيَّة حقًّا. فالدَّورة المائيَّة بسيطة جدًّا. وهناك ثلاث كلمات تُعلِّمك عن الدَّورة المائيَّة: الأولى هي "التَّبخُّر"، والثَّانية هي "التَّكاثُف"، والثَّالثة هي الهُطول. فهذه هي الدَّورة المائيَّة. فالمياهُ تتبخَّر مِن البحار العظيمة على الأرض. وهي تتكاثف في الغيوم وتُحمَل فوق الأرض، ثُمَّ إنَّها تهبط مِن خلال الأمطار والثُّلوج وتجري مَرَّة أخرى إلى أن تَصُبَّ في البحر حيث تَتبخَّر، وتتكاثف وتهطل مَرَّة أخرى. هذه هي الدَّورة المائيَّة. ولا توجد مياه جديدة يا أحبَّائي. وأعتقد أنَّكم تَعلمون ذلك. فلا توجد مياه جديدة خُلِقَت.
فهناك أشخاص يعتقدون أنَّه عندما يفتحون صُنبور الماء فإنَّ ماءً جديدًا يُخلَق. لا! فلا يوجد ماء جديد، بل إنَّ هذه هي العمليَّة الإلهيَّة للدورة المائيَّة. فهناك بحر، وتكاثف، وغيوم. فالغيوم تتكاثف فوق الأرض، والأمطار والثُّلوج تتساقط على الأرض وتجري في الجداول. ثُمَّ إنَّ الجداول تجري وتصُبُّ في الأنهار. والأنهار تَصُبُّ في البحر. فهذه هي الدَّورة. ولم يُصَدِّق أحد ذلك حتَّى القرن السَّابع عشر. فحتَّى ذلك الحين، كانت النَّظرية السَّائدة هي أنَّ هناك خزَّانات جوفيَّة تستمرُّ وحسب في ضَخِّ المياه. ونحن نَعلم الآن أنَّ المياه الجوفيَّة نفسها هي جزء مِن تلك الدَّورة المائيَّة وأنَّها تتكوَّن مِن المياه المُتسرِّبة إليها.
وقد تقول: "وما الَّذي يقوله الكتاب المقدَّس عن ذلك؟" اقرأوا سِفْر إشعياء 55: 10. واقرأوا سِفْر الجامعة والأصحاح الأوَّل. واقرأوا سِفْر أيُّوب 36: 27 و 28. وسفر أيُّوب هو أقدم سِفْر في الكتاب المقدَّس. وهو يصف عمليَّة التبخُّر والتَّكاثُف. فعندما يتحدَّث الله في كلمته عن شيءٍ عِلميّ، فإنَّه واضح. والآية إشعياء 55: 10 تصف لكم الدَّورة المائيَّة.
ثُمَّ إنَّ هناك الدراسة المدهشة لعِلم الفَلَك؛ وهي مُمتعة أيضًا. وهناك أفكار قديمة عن الأرض وعن المنظومة الشمسيَّة؛ وهي غريبة جدًّا جدًّا. فقد كان أغلبية الناس يعتقدون أنَّ الأرض كانت مِثل القُرص؛ أي أنَّها كانت قُرصًا مُسطَّحًا دائريًّا. فقد كان هذا هو الاعتقاد السَّائد. وعندما جاء "كوبرنيكوس" (Copernicus) الَّذي عاش من سنة 1473 إلى 1543، طَرح فكرة أنَّ الأرض تدور. وعندما قال ذلك، لا شكَّ أنَّ النَّاس ظَنُّوا في البداية أنَّه مجنون لأنَّهم لم يكونوا يشعرون بتلك الحركة. فعندما قال إنَّ الأرض تدور، ذُهلوا وصُدموا، ولكنَّ ذلك ثَبَت في النِّهاية بكلِّ تأكيد وتبيَّنت صِحَّتُه. ثم إنَّ رجالاً مِثل "براهي" (Brahe)، و "كيپلر" (Kepler)، و "غاليليو" (Galileo) ابتدأوا في القرن السَّابع عشر أيضًا في نَشْر علم الفَلَك المعاصر. فعلم الفَلَك المعاصر تَبلور في الحقيقة في القرن السَّابع عشر.
فحتَّى ذلك الوقت، كان "أبقراط" صاحب العقل الكبير قد قال إنَّ هناك 1022 نجمًا. ولكنَّ "بطليموس" قال: "لا، بل يوجد 1056 نجمًا". ثُمَّ إنَّ "كيپلر" قال: " كلاكُما على خطأ. هناك 1055 نجمًا". لِمَ لَمْ يقرأوا سِفْر إرْميا؟ فإرميا يقول في سِفْر إرميا 33: 22 إنَّها لا تُعَدُّ. فليقولوا ما يشاؤون، يا أحبَّائي. فهي لا تُعَدُّ. ونحن نَعلم الآن أنَّه يوجد مئة مليار نجم في مَجَرَّتنا، وأنَّ هناك مليارات المجَرَّات.
ويقول سِفْر أيُّوب، وهو أقدم سِفْر في الكتاب المقدَّس، إنَّ اللهَ: "يُعَلِّقُ الأَرْضَ عَلَى لاَ شَيْءٍ. وكيف عَرَف ذلك؟ هناك كتاب شرقيٌّ قديم يقول إنَّها مُعَلَّقة على سبع طبقاتٍ مِن السُّكَّر والعسل والزُّبدة. ونشكر الله لأنَّنا لسنا في الجانب الطَّريّ. ولكنَّ الكتاب المقدَّس يقول إنَّه يُعَلِّق العالم على لا شيء. وأقدم كتابٍ في الكتاب المقدَّس يقول إنَّه يَجعل الأرض كَطِينِ الْخَاتِم". وما المقصود بأنَّه يَجعل الأرض كَطين الخاتِم؟ في الأزمنة القديمة، كانوا يصنعون قطعةً من الطِّين، الطِّين الطَّريِّ، وكانوا يُحضرون عصا يستخدمونها لكتابة وثيقة قانونيَّة أو شيءٍ ما قبل نشوء، أو غالبًا ما ترافق ذلك مع نشوء البَرْدِيِّ ووسائل الكتابة الأخرى. وقد كانوا يستخدمون هذه الأشياء لكتابة الوثائق الدَّائمة. ثُمَّ عندما كانوا يرغبون في توقيعها، كانت لديهم أسطوانة عليها خَتم بارز. وكانوا يُدحرجونها على الطِّين بهذه الطريقة باستخدام مِقْبَضَيْن مِن الجهتين. وعندما يقول أيُّوب: "تَتَحَوَّلُ كَطِينِ الْخَاتِمِ" فإنَّه يعني ببساطة أنَّها تدور على مِحْوَر. وكيف عَلِمَ ذلك؟ وقد قال أيُّوب إنَّ الله جَعَل للرِّيح وزنًا. وحتَّى القرن السَّابع عشر تقريبًا، لم يكن أحد يدرك أنَّ هناك وزنًا للرِّيح.
وهناك عِلْم مدهش آخر وَهُوَ "تَوازُن القِشرة الأرضيَّة". ولا أدري إن كنتم قد سمعتم من قبل عن ذلك. وهذا أمر أدهشني أيضًا عندما كنت طالبًا جامعيًّا. فهذا العِلم يدرس توازن الأرض. فهل اشتريتَ يومًا لابنك الصَّغير كُرَةً مطَّاطيَّةً غير مستديرة تمامًا فرأيت أنَّها تقفز هنا وهناك وفي كلِّ مكان؟ إذًا، يمكنكم أن تتخيَّلوا كيف ستكون حالُنا إن كُنَّا سنفعل ذلك طوال الوقت إن لم تكن الأرض مُتَّزِنَة، أو إن انتفخت ستَّة أقدام ثُمَّ عادت إلى حالتها السَّابقة مرَّة أخرى. نحن لا نُفكِّر في أمور كهذه، ولكن إن كانت الأرض ستدور في الفضاء بهذه الكُتلة، وتدور حول مِحورها في أثناء دورانها في هذا المَدار، يجب أن تكون متوازنة تمامًا كي تحتفظ بقانون الجاذبيَّة ثابتًا في كلِّ لحظة. فالله يَعرف كلَّ شيء عن توازن الأرض. وكذلك كان إشعياء. استمعوا إلى ما قاله إشعياء في الأصحاح 40 والعدد 12: "مَنْ كَالَ بِكَفِّهِ الْمِيَاهَ". بعبارة أخرى، فهو يعرف وزن المياه. "وَقَاسَ السَّمَاوَاتِ بِالشِّبْرِ، وَكَالَ بِالْكَيْلِ تُرَابَ الأَرْضِ، وَوَزَنَ الْجِبَالَ بِالْقَبَّانِ، وَالآكَامَ بِالْمِيزَان؟" لا أحد سِوى الله. فالله يَعلم كلَّ شيء عن توازن هذه الأرض الَّتي تدور في هذا الكون الَّذي لا نهاية له. ولم تكن الاكتشافات العلميَّة تعرف شيئًا عن ذلك في زمن إشعياء. ولكنَّ الله أعلنها له.
ثُمَّ إنَّ هناك رجُلاً مات في سنة 1903، وأعتقد أنَّ اسمه هو "هيربرت سپنسر" (Herbert Spencer). وقد كان هيربرت سپنسر عالِمًا لامعًا. وكان عالمًا ذائع الصِّيت لأنَّه اكتشف اكتشافًا فريدًا. فقد عمل على تصنيف الأشياء القابلة للمعرفة. وهذا يعني أنَّه تَمكَّن مِن تصنيف كُلِّ شيءٍ في الوجود. فقد قال إنَّ كُلَّ الأشياء الموجودة، وكلَّ الأشياء القابلة للمعرفة يمكن تصنيفها في خمس فئات. وقد فاز بجوائز ومكافآت ضخمة بسبب ذلك لأنَّ ما فَعله اختصر كلَّ شيء في فئات. وقد قال ما يلي، وهذا هو التَّصنيف الَّذي وضعه هيربرت سپنسر إذ إنَّه كتب يقول: كلُّ الأشياء القابلة للمعرفة تُصَنَّف في الفئات الخمس التَّالية: الزَّمان، والقوَّة، والفِعْل، والمكان، والمادَّة. فكلُّ شيء في الوجود يمكن تصنيفه في واحدة من هذه الفئات الخمس: الزَّمان، والقوَّة، والفِعْل، والمكان، والمادَّة.
وقد أحسن هيربرت في ما فعله، ولكنَّه كان متأخِّرًا جدًّا في اكتشاف شيءٍ بَيَّنته الآية الأولى في الكتاب المقدَّس. فنحن نقرأ في سِفْر التَّكوين 1: 1: "فِي الْبَدْءِ" [وهذا هُوَ الزَّمان]، اللهُ [وهذِهِ هِيَ القُوَّة]، خَلَقَ [وهذا هُوَ الفِعْل] السَّمَاوَاتِ [وهذا هُوَ المَكان] وَالأَرْضَ" [وهذهِ هِيَ المَادَّة]. فكلُّ تصنيفٍ للأشياء القابلة للمعرفة موجود في الآية الأولى مِن الكتاب المقدَّس. فالذَّكاء الذي يملكه الله يَفوق أيَّ شيء يمكن أن يتخيَّله الإنسان.
لذا، عندما يتحدَّث الكتاب المقدَّس عن النِّطاق العِلميِّ، فإنَّه لا يتحدَّث بجهل، بل يتحدَّث بدقَّة. وهل تعلمون ماذا كانوا يفعلون بالأشخاص المرضى ربَّما قبل مئة سنة أو أكثر؟ عندما كان أحد الأشخاص يمرض أو يُصاب باعتلالٍ في صِحَّته، كانوا يأخذونه. وهل تعلمون ماذا كانوا يفعلون بك؟ لقد كانوا يسحبون دمك. فقد كانوا يسحبون دمك. وما يفعلونه الآن هو أنَّهم يُعطونك دمًا لأنَّهم اكتشفوا أخيرًا صحَّة ما جاء في سِفْر اللَّاويِّين 17: 11: "لأَنَّ نَفْسَ الْجَسَدِ هِيَ فِي الدَّمِ". فهذا هو أساس حياتك. ويا لذكائهم! أليس كذلك؟ فقد كانوا يسحبون الدَّم من أشخاصٍ مَرضى أصلاً.
وهل تعلمون أنَّه عندما تتحدَّثون عن العلم وتنظرون إلى كلمة الله، ستجدون أنَّ الله يَعلَم عنه بقدر ما يعرف عن النِّطاق الأخلاقيّ. وقد أعطانا تلك النِّقاط العلميَّة المدهشة الصَّغيرة في الكتاب المقدَّس كي لا نَشُكَّ يومًا في معرفته بالحقّ.
أنا أُوْمِنُ بهذا الكتاب المقدَّس. أنا أُوْمِنُ به. فهو دقيق عِلميًّا. وهذا يُقوِّي إيماني. ولكنِّي لا أُوْمِن به بسبب دقَّته العِلميَّة، بل أُوْمِن به لأنَّ الله أعطاني الإيمان اللَّازم لتصديقه. فأنا تَصِحُّ عليَّ التَّسمية: "مُدافع يُسَلِّم مُسَبَّقًا بصحَّة الكتاب المقدَّس". وهذه تسمية طويلة. أليست كذلك؟ "مُدافع يُسَلِّم مُسَبَّقًا بصحَّة الكتاب المقدَّس". فالشَّخص المدافع يُدافع أو يُحامي. وأنا أدافع عن الكتاب المقدَّس لا بصفتي شخصًا لا يُسَلِّم مُسَبَّقًا بصحَّته. بعبارة أخرى، أنا لا أحاول أن أُبرهن على وجود الله باستخدام الكتاب المقدَّس، بل إنِّي أفترض مُسَبَّقًا وجود الله. فأعتقد أنَّكم تبتدئون بالسَّبب وتنظرون إلى النَّتيجة. فأنتم لا تبتدئون بالنَّتيجة وتحاولون العثور على السَّبب. والطَّريقة الوحيدة الَّتي يمكنكم مِن خلالها أن تعرفوا اللهَ الحقيقيَّ معرفةً حقيقيَّةً وتؤمنوا به هي مِن خلال رُوح ذلك الإله. والله وهبكم الإيمان لتؤمنوا به. ولأنَّكم تؤمنون به فإنَّكم تؤمنون بكلمته.
وقد رأيت أشخاصًا قضوا عُمرهم كلَّه وهُم يؤمنون بنظريَّة النُّشوء والارتقاء، ثُمَّ إنَّهم جاءوا في لحظةٍ إلى المسيح وآمنوا حالاً بسُلطان الكتاب المقدَّس. كيف؟ هذا هو عمل روح الله في القلب البشريّ. وقد تقول: "وماذا عن كلِّ هذه الدِّفاعيَّات والعِلم وكلِّ ذلك؟ ما الَّذي يُحقِّقه ذلك؟" هذا يُقوِّي المؤمنين. فهو يعطيهم سببًا للإيمان، ولكنَّ الإيمان هو هبة من الله. أليس كذلك؟ فأنا أنظر إلى كتابي المقدَّس فيسألني شخص: "كيف تَعلم أنَّك تستطيع أن تثق بكلِّ شيء في الكتاب المقدَّس؟ فهي أمور أخلاقيَّة وحسب". الحقيقة هي أنَّه كلَّما رأيتَ معلومة عِلميَّة، يمكنك أن تَعلم أنَّها دقيقة تمامًا.
وماذا عن نبوءات الكتاب المقدَّس؟ هذا مُدهش! فقبل مئة وخمسين سنة مِن ولادة كُوْرَش، تنبَّأ الكتاب المقدَّس أنَّه سيأتي رَجُل اسمه كورش ... قبل مئة وخمسين سنة من ولادته. وهو يَذكر اسمه ويقول إنَّه سيأتي حاكم في بابل، وإنَّه سيسمح لليهود أن يعودوا إلى أرضهم (في سِفْر إشعياء 44: 28). فهو سيُصدِر مَرسومًا ويسمح لهم بالعودة وإعادة بناء أورُشليم. وبعد مئة وخمسين سنة، فعل ذلك وكان اسمه يُدعى "كُورَش". وكيف عَلِم إشعياء ذلك؟ لم يكن بمقدوره أن يَعلم ذلك. فكيف سيَعلم بأمر شخصٍ سيولد بعد مئة وخمسين سنة؟ وكيف يمكنه أن يتنبَّأ بما سيفعله ذلك الشَّخص الَّذي لم يكن قد وُلِد بعد؟ هذا مستحيل! فلا أحد سوى الله يُسيطر على التَّاريخ هكذا.
وهناك مدينة كانت واحدةً مِن أعظم المدن في العالم القديم وهي مدينة "صُور" الَّتي كانت على السَّاحل الشَّماليِّ لأرض فلسطين. وفي سِفْر حزقيال والأصحاح 26، تنبَّأ النبيُّ حزقيال بأنَّ نبوخذنَصَّر سيأتي (في العدد السَّابع من ذلك الأصحاح) .... أنَّ نبوخذ نصَّر (إمبراطور بابل العظيم) سيأتي ويُدمِّر المدينة. فقد تنبَّأ بأنَّ نبوخذنصَّر سيُدمِّر المدينة، وأنَّ المدينة سَتُسَوَّى بالأرض، وأنَّ كُلَّ رُكامِها سيُزال ويُمسَح ويُطرَح في البحر، وأنَّهُ لن يُعاد بناؤها ثانيةً، وأنَّها ستكون مكانًا صغيرًا يُجَفِّفُ فيه النَّاس شِباك الصَّيد.
وهذه نُبوَّة مرعبة لأنَّها تشبه القول إنَّه بعد بضع سنوات مِن الآن، سوف تُدَمَّر مدينة لوس أنجليس، وتُسَوَّى بالأرض، ويُطرَح رُكامها في المحيط. وقد تقول: "مَن يستطيع أن يفعل ذلك؟" إذًا فَكِّروا في ذلك في الأزمنة القديمة. فقد كانت المدينة مُحاطة بسورٍ عالٍ يرتفع مئةً وخمسين قدمًا، يرتفع مئةً وخمسين قدمًا، وعرضُه خمسة عشر قدمًا. وكان هناك جيش ضخم يحمي المدينة. وكان لديها أفضل سلاح بحريَّة في العالم لحماية السَّاحل. فقد كان الفينيقيُّون هناك. وكانوا أشهر المستعمرين والبَحَّارة في الأزمنة القديمة. فقد كانوا بَحَّارةً ماهرين. وقد أبحَروا حول رأس الرَّجاء الصَّالح واكتشفوا طرقًا بحريَّة تجاريَّة إلى الشَّرق. وبعد ثلاث سنوات مِن تنبُّؤ حزقيال بذلك، جاء نبوخذنصَّر وفعل تمامًا ما قال حزقيال إنَّه سيفعله. وقد استغرقه الأمر ثلاث عشرة سنة للقيام بذلك. وفي النِّهاية، هدم الأسوار، وهدم البُرج. وأخيرًا، دخل المدينة فلم يجد فيها غنائم لأنَّ النَّاس أخذوا كلَّ شيءٍ في السُّفن وفَرُّوا إلى إحدى الجُزر. إذًا، فقد دخل المدينة ولم يجد أناسًا ولا غنائم. فقد أخذوها كلَّها إلى جزيرة قُبالة السَّاحل لأنَّ نبوخذنصَّر لم يكن يملك سلاحًا بحريًّا. لذا فقد ضحكوا عليه وسخروا منه. وكانت تلك الجزيرة تبعد نحو نصف ميل تقريبًا عن السَّاحل، ولكنَّها كانت بعيدة جدًّا بالنِّسبة إلى جيش نبوخذنصَّر فلم يتمكَّن من بلوغها. لذا فقد عاد نبوخذنصَّر إلى الدِّيار. وطوال 250 سنة، لم تتحقَّق تلك النُّبوَّة المختصَّة بأنَّ أنقاض المدينة ستُجرف وتُطرح في البحر.
وبعد 250 سنة، جاء الإسكندر الكبير ابن فيليب المقدونيّ. وقد كان فاتحًا للعالم. وكان لديه سلاح مُشاة مؤلَّف مِن 33000 جُنديّ، وسلاح خَيَّالة مؤلَّف من 15000 فارس، وجنود يبلغ تعدادهم 50000 جنديّ. فقد زحفوا إلى تلك المنطقة، واتَّجهوا شرقًا، وفتحوا العالم في أثناء زحفهم. وقد أرسلوا رسولاً إلى تلك الجزيرة الصَّغيرة قُبالة صُور قائلين: "نريد طعامًا. ونريد مالاً. ونريد مَؤونةً". فأجابوا قائلين: "لا تحلُموا بذلك. فأنتم لا تملكون سلاح بحريَّة أيضًا". فقد رَدُّوا الرَّسول خائبًا فغضب الإسكندر. لذا فإنَّ ما فعله هو أنَّه أخذ كُلَّ حُطام مدينة صور، وكُلَّ الرُّكام المُتبقِّي منها، وطَرَحه في البحر لبناء مَمَرٍّ إلى تلك الجزيرة، وزَحف إليهم وأبادهم جميعًا بعد مئتين وخمسين سنة فَتَمَّم بذلك حرفيًّا ما قال حزقيال إنَّه سيحدث. وكان هناك خمسة وعشرون ألف شخص على تلك الجزيرة في ذلك الوقت ذُبحوا، في حين أنَّ ثلاثين ألفًا آخرين بيعوا عبيدًا. وقد قام بذلك كُلِّه في سبعة أشهر. وقد قال حزقيال إنَّ المدينة لن تُعَمَّر ثانيةً. وهي لم يُعاد بناؤها ثانيةً. ولغايات المُباينة فقط، فقد تَمَّت إعادة بناء أورُشليم 17 مَرَّة.
وقد تنبَّأ الكتاب المقدَّس بدمار نينوى الَّتي كانت عاصمة أشور. وقد كانت مُحاطة بسورٍ داخليٍّ ارتفاعه 100 قدم، وعرضه 50 قدمًا، وأبراج ترتفع مئتيّ قدم، ولها خمس عشرة بوَّابة، وخندق مائيّ عرضه 150 قدمًا. وكان مُحيط المدينة سبعة أميال، وتملك سورًا مزدوجًا يبعد مسافة ألفيّ قدم عن السُّور الدَّاخليّ. وقد بلغت أوجها في سنة 663 قبل الميلاد. ولكنَّ ناحوم قال إنَّها ستُهدَم. وقد حدث ذلك. فقد جاء البابليُّون، ودخلوها، واستولوا عليها. ولم يَتِمّ بناؤها مَرَّةً أخرى.
فالكتاب المقدَّس يُقدِّم نبوءات مُذهلة. ويمكنك التحقُّق من أنَّها تحقَّقت. لذا، يمكننا أن نقول الكثير عن هذا الكتاب. فإن نظرتم ستجدون أنَّه صحيح علميًّا. ومِن النَّاحية النَّبويَّة، لا يوجد تفسير. فلا أحد يستطيع أن يكتب تاريخًا قبل وقوعه. ولا أحد يَعلم ما يُخبِّئه المستقبل. ولكنَّ هذا الكتاب يَعلم. فهذا الكتاب تَنبَّأ بذلك المرَّة تلو المرَّة. وقد ذَكرتُ لكم فقط نموذجين مِن عشرات وعشرات وعشرات النُّبوءات.
إذًا لماذا أُوْمِنُ بالكتاب المقدَّس؟ أنا أُوْمِنُ بالكتاب المقدَّس بسبب صِحَّته العلميَّة. وأنا أُوْمِنُ بالكتاب المقدَّس بسبب صِحَّته النَّبويَّة. وأنا أُوْمِنُ بالكتاب المقدَّس بسبب صِحَّته التاريخيَّة. فقد عثر علماء الآثار على كُلِّ أنواع الأدلَّة الَّتي تُبرهن على الصَّحَّة المُطلقة للكتاب المقدَّس. وأنا أُوْمِنُ بالكتاب المقدَّس بسبب صِحَّته الاختباريَّة. فهل تريدون أن تَعلموا شيئًا؟ إنَّه يخبرني عنِّي. لذا فإنِّي أعلم أنَّه صحيح. فهو يَشُقُّ قلبي ويَكشفُ ما فيه. وقد اختبرتُ قوَّته في حياتي. ولكنَّ السَّبب الأقوى في اعتقادي، والذي هو أقوى مِن كلِّ تلك الأسباب الَّتي تجعلني أُوْمِنُ بأنَّ الله هو الَّذي كتب هذا الكتاب هو الفكرة الرئيسيَّة الواحدة في هذا الكتاب وهي: الرَّبّ يسوع المسيح. فلو قام أكثر مِن أربعين شخصًا بكتابته على مدى 1500-1800 سنة في كلِّ مكانٍ وفي مختلف الأحوال مِن تلقاء أنفسهم لما تمكَّنوا من الحفاظ على استمراريَّة إعطاء المجد والإجلال والإكرام للرَّبِّ يسوع المسيح مِن بداية سِفْر التَّكوين إلى نهاية سِفْر الرُّؤيا.
لذا فإنَّه كتاب كتبه مؤلِّف واحد عن شخص واحد. فقد قال يسوع: "فَتِّشُوا الْكُتُبَ... وَهِيَ الَّتِي تَشْهَدُ لِي". فكلُّ سِفْرٍ، كلُّ سِفْر يشير بطريقة ما إلى المسيح. فمِن بداية سِفْر التَّكوين إلى نهاية سِفْر الرُّؤيا، نجد أنَّه هو الفكرة الرئيسيَّة. وَهُوَ نفسه في الطَّريق إلى عمواس في إنجيل لوقا والأصحاح 24 فَتح الكتاب وابتدأ يتحدَّث عن أمورٍ مختصَّه به هو نفسه من الكتاب المقدَّس؛ من النَّاموس والأنبياء والكُتب. فإن قرأتم النَّاموس تجدون أنَّه الشَّخص الَّذي يشير إليه النَّاموس. فهو الَّذي سيُتمِّم كلَّ النَّاموس. وَهُوَ الذَّبيحة الكاملة الَّذي سيحمل كلَّ خطيَّة. وَهُوَ الَّذي تكلَّم عنه الأنبياء. وَهُوَ الَّذي يستحقُّ التَّمجيد في كلِّ الأسفار المقدَّسة. وَهُوَ الَّذي تجسَّدت فيه الحكمة. وَهُوَ الفكرة الرئيسيَّة في الأناجيل. فحياته وموته وقيامته هي موضوع الرَّسائل. وَهُوَ الملك الَّذي سيأتي ثانيةً في سِفْر الرَّؤيا.
وفكرة هيمنة فكرة يسوع المسيح تشير إلى السُّلطان الإلهيِّ. وسوف أخبركم السَّبب. لأنَّ البشر لا يستطيعون أن يستوعبوا مثل هذا الشَّخص. فهذا يفوق قدرة الإنسان. انظروا إلى آلهة الأمم. انظروا إلى آلهة الدِّيانات الوثنيَّة. فهي شبيهة بالبشر. ولا يوجد تفسير آخر ليسوع المسيح سوى أنَّه صادقٌ في كلِّ ما قاله عن نفسه. وهو مَن وَصفهُ اللهُ بأنَّه الله الظاهر في الجسد.
فلا يوجد تفسير للكتاب المقدَّس سوى أنَّ الله هو الَّذي كتبه. فلا يوجد تفسير آخر لدقَّته العلميَّة. ولا يوجد شيء آخر يُفسِّر دقَّته النَّبويَّة. ولا يوجد شيء آخر يفسر صحَّته الروحيَّة النَّافذة إلى الأعماق، وقدرته على تغيير حياة النَّاس. ولا يوجد شيء آخر يفسِّر معجزاته المذكورة من بداية هذا الكتاب إلى نهايته والتي تأكَّدت بشهادة شهود. ولا يوجد شيء آخر يستطيع أن يفسر المسيح؛ هذه الشخصيَّة العظيمة الَّتي يعسر تفسيرها ويعسر فهمها، والتي لا يمكن أن تكون تَلفيقًا نابعًا من مُخيِّلة بشر؛ فما بالكم أن يكون نابعًا مِن تخيُّلات أكثر من أربعين كاتبًا مِن كل مكان. إنَّ هذا الكتاب هو كلمة الله. وهو حَيّ. وهو فعَّال. وما لم تفهم ما يقوله هذا الكتاب، لن تتمكَّن من تكريس الجهد اللَّازم لِتَعَلُّم كلِّ ما هو مكتوب فيه كي تفلح وتنجح. حسنًا! دعونا نُصلِّي:
يا أبانا، نحن نعلم أنَّ الرِّجال والنِّساء يرغبون في أن تتغيَّر حياتهم، وأن تَتبدَّل حياتهم، وأنَّك قلت إنَّ ناموس الرَّبِّ كامل، وإنَّه يَرُدُّ الإنسان الخاطئ. والنَّاس يسعون إلى الحصول على الحكمة. وقد قلت إنَّ هذه الكلمة تُصَيِّرُ الجاهل حكيمًا. والنَّاس يبحثون عن الفرح والسَّعادة. وقد قلت إنَّ كلمتك حَقٌّ وإنَّها تُفَرِّح القلب. والنَّاس يتوقون إلى أن يروا بوضوح في ظلمة الحياة والموت. وقد قلت إنَّ كلمتك تُنير العينين. والنَّاس يبحثون عن مصدرٍ دائمٍ للحقّ. وقد قلت إنَّ كلمتك ثابتة إلى الأبد لأنَّها الحقّ. يا رَبّ، يا له من كنز نحمله بين أيدينا! يا له من كنز مبارك موجود في هذا الكتاب! وقد قال أيُّوب إنَّه أحبَّ كلمتك وكان بحاجة إليها أكثر من طَعامه الأساسيّ. وقد قال المُرنِّم إنَّ كلمتك أشهى لديه مِن الذَّهب والإبريز الكثير، وأنَّها أحلى مِن العسل وقَطْر الشِّهاد لأنَّه وَجد فيها الطَّعام والحماية والتَّطهير.
يا أبانا، نشكرك على هذا الكنز العظيم. ويجب علينا أن نفهم أنَّها كلمتك إلينا، وأنَّها مُفعمة بالقوَّة والبركة بطرق تَفوق أيَّ كتابٍ آخر. ولكنَّ الأمر يتوقَّف علينا لفتح كنوزه، والبحث فيه، ودراسته باجتهاد. ويا ليتنا نُقَدِّر الكنز الَّذي لدينا (كما قال بولس لتيموثاس)؛ أي الكنز الَّذي استأمنتَنا عليه، وأن نُدرك غِناه لما يَؤول إلى خيرنا وبركتنا ومجدك. باسم المسيح. آمين!

This article is also available and sold as a booklet.