
حسنًا! نُتابع سِلسلتنا عن كيفيَّة دراسة الكتاب المقدَّس، أو عن كيفيَّة جَنْي أكبر فائدة ممكنة من الكتاب المقدَّس. وقد ذَكرنا أمورًا رئيسيَّة كثيرة لتعزيز ثقتكم بالكتاب المقدَّس وفَتح شهيَّتكم لدراسته. فقد تحدَّثنا عن الشَّخص الَّذي يمكنه أن يدرس الكتاب المقدَّس بفعاليَّة، والَّذي يستطيع حقًّا أن يُفسِّر ويشرح الكتاب المقدَّس بالاستقامة. وقد قلنا لكم إنَّ كلمة الله تقول إنَّ الأشخاص الَّذينَ وُلدوا ثانيةً، والَّذين يَملِكون رغبة داخليَّة قويَّة، والمجتهدين، والأنقياء والمقدَّسين، والمُطيعين، والمُصلِّين هُم الوحيدون الَّذينَ يستطيعون أن يُفسِّروا كلمة الحقِّ بالاستقامة.
لذا فإنَّنا نتَّكل على عمل الرُّوح القُدُس في كلِّ هذه الجوانب. فالرُّوح الَّذي يعطينا حياة جديدة، والرُّوح الَّذي يزرع فينا الرَّغبة في معرفة الحقّ، والرُّوح الَّذي يُعطينا القدرة على المثابرة، ويُطهِّرنا من كلِّ خطيَّة، ويقودنا إلى القداسة، والرُّوح الَّذي يعمل فينا للطَّاعة، والرُّوح الَّذي يدفعنا إلى الصَّلاة هو الَّذي يساعدنا في استيفاء كلِّ هذه المطاليب المتعلِّقة بدراسة كلمة الله.
والآن، بعد أن فَهِمنا أهميَّة كلمة الله، ورأينا أنَّها في الحقيقة كلمة الله (وقد حاولنا أن نقول ذلك بطرق عديدة في الأسبوعين السَّابقين)، وبعد أن تَحقَّقنا مِن أنَّ حياتنا مستقيمة قُدَّام الرَّبِّ، وأنَّنا ننتمي إليه، ولدينا هذه الرَّغبة، وهذه الحماسة، وهذه القداسة، وهذا التَّكريس للطَّاعة، وهذه الرَّغبة في دراسة كلمة الله بروح الصَّلاة، كيف ينبغي إذًا أن ندرس الكتاب المقدَّس؟ وكيف نَفهم هذا الكتاب؟
يبدو أنَّ المهمَّة ضخمة. فهو كتابٌ ضخم ... وكتاب طويل. والحقيقة هي أنَّ هناك ستَّةً وستِّين سِفرًا تؤلِّف هذا الكتاب الواحد. وهناك تفاصيل كثيرة جدًّا. وحيث أنَّ كلَّ كلمة، وكلَّ عبارة، وكلَّ جُملة، وكلَّ فقرة، وكلَّ أصحاح، وكلَّ سِفْر بحدِّ ذاته ذو أهميَّة كبيرة جدًّا، كيف سنتمكَّن يومًا مِن فَهْمِ كلِّ كلمة الله؟ وما الصِّيغة الَّتي سنستخدمها؟ وما النَّهج الَّذي سنستخدمه في دراسة الكتاب المقدَّس بفعاليَّة؟
وأودُّ أن أشارك معكم وحسب مجموعةً مِن الأشياء الرئيسيَّة المهمَّة لفهم كلمة الله. وقد تكون هناك نقاط مألوفة لديكم ونقاط أخرى جديدة بالنِّسبة إليكم. ولكن يكفي أن نقول، على سبيل التَّمهيد، إنَّ واحدةً من المشاكل العويصة في الكنيسة اليوم هي سوء فهم معنى الكتاب المقدَّس.
وكما أخبرتكم في هذا الصَّباح، وحتَّى في مساء يوم الأحد الماضي، فإنَّنا نتوقَّع من غير المؤمنين أن يُسيئوا فهم الكتاب المقدَّس. أليس كذلك؟ لأنَّهم أناس طبيعيُّون ولا يستطيعون أن يفهموا الأمور المختصَّة بالله، ولأنَّ الكتاب المقدَّس والحقَّ المُعلَن فيه مُغلقٌ أمامهم لأنَّ الكتاب المقدَّس لا يُفْهَم إلاَّ من خلال الأشخاص الَّذينَ تَعلَّموا من روح الله. وحيث إنَّ هؤلاء لا يسكن فيهم روح الله، ولا تسكن فيهم حياة الله، فإنَّنا لا نتوقَّع من غير المؤمنين أن يخرجوا بالجواب الصَّحيح.
ولكنَّنا لا نجاوب الصَّواب أيضًا إن قلنا إنَّه في حالات كثيرة، هناك مؤمنون، ولأسبابٍ كثيرة، يُسيئون تفسير الكتاب المقدَّس. فَهُم يقرأون الكتاب المقدَّس بافتراضاتهم المُسَبَّقة ويتوقَّعون مِن الكتاب المقدَّس أن يوافق افتراضاتهم المُسَبَّقة تلك. فَهُم يقرأون الكتاب المقدَّس بلاهوتهم المهضوم سَلَفًا وبفهمٍ لاهوتيٍّ ربما كانوا قد تَبَنَّوهُ سابقًا. وهُم يريدون أن يُشَكِّلوا كلمة الله بتلك الصُّورة. أو ربَّما تأثِّروا بواحدٍ من المُعلِّمين المشهورين أو الكُتَّاب المشهورين فَراحُوا يَتبعون ذلك الشَّخص ويَسْعونَ إلى تأكيد ما يقوله ذلك الشَّخص أو ما تقوله تلك المجموعة دون أن يُراعوا الفَهم الدَّقيق للكتاب المقدَّس.
ومِن الواضح أنَّ هناك ضررًا بالغًا لَحِقَ بعمل الله، وضررًا بالغًا لَحِقَ بكنيسة يسوع المسيح مِن خلال إساءة تفسير الكتاب المقدَّس. وهناك الكثير مِن سوء التَّفسير للكتاب المقدَّس باسم المسيحيَّة حَتَّى إنَّ أغلبيَّة الأشخاص غير المسيحيِّين يفترضون أنَّه لا يوجد تفسير صحيح للكتاب المقدَّس. أليس كذلك؟ فأغلبيَّة غير المسيحيِّين يقولون: "كُلُّ شخصٍ يُفَسِّرُهُ كما يَشاء. وهذا أمرٌ واضح لأنَّ هناك آراء كثيرة جدا". وهذا شيء غريب لأنَّك إذا كنت مُسْلِمًا مثلاً، فإنَّك لن تكون مقتنعًا سوى بالكتابات الَّتي يَظُنُّ المُسلمون أنَّها مُوحى بها. وهي كتابات مقبولة ومفهومة على نطاقٍ واسعٍ بالطريقة نفسها.
وإذا كنت من طائفة المورمون، لا توجد طرق كثيرة لتفسير الكتاب المقدَّس والعقائد الَّتي يؤمنون بها. وإذا كنت مِن شهود يهوه، فإنَّ الشَّيء نفسه يَصِحُّ أيضًا. وإذا كنت مِن جماعة العِلْم المسيحيّ أو أيِّ بدعة أخرى تَدَّعي أنَّها مسيحيَّة، هناك انسجامٌ أكبر. وحتَّى في إطار الكنيسة الكاثوليكيَّة الرومانيَّة، لا يوجد تشويش كبير بخصوص ما تُعلِّمه الكنيسة بالقدر الموجود في المسيحيَّة الإنجيليَّة والقويمة.
وواحد مِن أسباب ذلك يرجع إلى أنَّه في العصور المظلمة، لم ترغب الكنيسة الرومانية الكاثوليكيَّة في أن يحصل النَّاس على نُسخة من الكتاب المقدَّس. وواحدٌ من الأسباب الَّتي جعلتهم يمتنعون عن وضع الكتاب المقدَّس بين أيدي النَّاس طوال الفترة المُمتدَّة مِن نحو سنة 500 إلى 1500 ميلاديَّة (وهي الفترة الَّتي تُعرَف بالعصور المُظلمة) هو أنَّهم كانوا يخشون مِن أنَّه إذا حصل النَّاس على الكتاب المقدَّس مِن دون الحصول على المهارة والتَّدريب اللَّازِمَيْن لتفسيره، فإنَّهم سيُسيئون تفسيره. ونحن نَتَفَهَّم هذا الخوف لأنَّ خوفهم [في الحقيقة] في مَحَلِّه. فمع أنَّ هذا لا يمنعنا مِن القول إنَّهم قَصَّروا في القيام بمسؤوليَّتهم في وَضْعِ الكتاب المقدَّس بين أيدي النَّاس، فإنَّ افتراضهم صحيح بأنَّه عندما يُوضع الكتاب المقدَّس بين أيدي النَّاس فإنَّهم سيُفسِّرونه بشتَّى التَّفسيرات المغلوطة.
ولكن مِن جهة أخرى، كان مِن الخطأ أن يفترضوا أنَّ الكنيسة هي الجهة الوحيدة الَّتي تمتلك سُلطان تفسير الكتاب المقدَّس، وأنَّ النِّظام الكاثوليكيَّ الرُّومانيَّ هو الوحيد الَّذي يملك الحقَّ في أن يكون المُفَسِّر. فقد كان ذلك أيضًا افتراضًا خاطئًا. فالافتراض الصَّحيح يَقتضي منك أن تُعطي كلمة الله للنَّاس، وأن تُعَلِّم النَّاس كيف يُفَصِّلون كلمة الحقِّ بالاستقامة. فلا يمكنك أن تمنعهم مِن الحصول على الكتاب المُقدَّس. ولكنَّنا لا نُنكِر أنَّ وجود الكتاب المقدَّس بين أيدي النَّاس يمكن أن يُؤدِّي إلى نَشْر الحقِّ أو نَشْر التَّشويشِ حتَّى في إطار الكنيسة.
فالكنيسة خرجت بجميع أشكال العقائد الغريبة جدًّا بسبب سوء التَّفسير. والحقيقة هي أنَّ أمورًا غريبة حقًّا حدثت في حياة الكنيسة بسبب سوء تفسير كلمة الله. وقد نشأت بِدَع (كما تَعلمون) على مَرِّ التَّاريخ بسبب سوء التَّفسير. وغالبًا فإنَّ سوء التَّفسير يأتي عادةً في هيئة مُعيَّنة ومِن خلال أشخاصٍ مُعيَّنين مِثل "ماري بيكر إيدي" (Mary Baker Eddy) في حالة العِلْم المسيحيّ، أو مِن خلال رؤيا خاصَّة مزعومة كما فعل "جوزيف سميث" (Joseph Smith) في حالة المورمون. وقد صارت تلك مِن وجهة نظرهم هي التَّفسير [أو حتَّى التَّفسير الصَّحيح الوحيد] للكتاب المقدَّس.
ولكنَّ ذلك لم يحدث فقط مِن خلال تلك الوسائل الصُّوفيَّة. فما يزال هناك اليوم مسيحيُّون كثيرون يُقدِّمون تفسيرًا أو فهمًا للكتاب المقدَّس غير صحيح البتَّة. وتأثير هؤلاء مُتفاوت. فبعضٌ من هؤلاء الأشخاص لا يؤثِّرون في أيِّ مكانٍ خارج حدود بيتهم. وهذا شيءٌ نشكر الله عليه إلى حَدٍّ ما. وهناك أشخاص آخرون يتركون تأثيرًا أكبر. وَهُم يكتبون تفسيراتهم وينشرونها في كُتب. وكُتبُهم تلك تُوزَّع على نطاق واسع فتسود الفوضى في كلِّ مكان.
ونحن نتفهَّم ذلك حقًّا. ونحن نَعلم أنَّ هناك تشويش كثير. والحقيقة هي أنِّي أخبرتكم بذلك مرَّات عديدة. ولا حاجة إلى الإشارة إلى ذلك مَرَّةً أخرى، بل سأكتفي بالتَّعليق عليه بإيجاز. فنحن نعيش في زمنٍ مُعَيَّن في إطار الكنيسة الإنجيليَّة يُقال فيه إنَّ تفسيرًا مُعيَّنًا هو التَّفسير الصَّحيح، وإنَّ جميع الأشخاص الَّذينَ يُقدِّمون تَفاسير خاطئة هُم غير روحيِّين، وغير مُحِبِّين، وغير مُقدَّسين لأنَّ النَّاس، وحتَّى المؤمنين منهم، وصلوا إلى نتيجة تقول إنَّ كلَّ شيءٍ مَسموح في تفسير الكتاب المقدَّس.
فَمِنَ المُتوقَّع مِنَّا أن نَحتمِل الأشخاص الَّذينَ يؤمنون مثلاً أنَّ يسوع صار على الصَّليب خاطئًا، وأنَّه كان لا بُدَّ أن يذهب إلى جهنَّم ويتألَّم عن خطاياه. ومِنَ المُتوقَّع مِنَّا أن نَقبل هؤلاء الأشخاص كإخوة مؤمنين وأن نَحتمل ذلك. ومِنَ المُتوقَّع مِنَّا أن نقبل كمؤمنين أولئك الأشخاص الَّذينَ يؤمنون بأنَّ المرء يَخلص بالمعموديَّة، وأنَّه مِن دون التَّغطيس في الماء، لا يمكن لأيِّ شخصٍ أن يذهب إلى السَّماء. ومِنَ المُتوقَّع مِنَّا أن نَقبل الأشخاص الَّذينَ يؤمنون بأنَّهم يُسهمون في خلاص أنفسهم، وبأنَّ الخلاص نعمة، ولكنَّها نعمة تتعاون مع الأعمال البشريَّة الَّتي تؤثِّر في الفداء.
ومِنَ المُتوقَّع مِنَّا أن نَقبل أولئك الأشخاص وأن ندعوهم إخوةً وأخواتٍ، وأن القيام بأيِّ شيءٍ أقلّ من ذلك هو دليل على عدم التَّقوى وعدم المحبَّة، وأنَّه أمر غير كِتابيّ، وأنَّه بعيدٌ عن التَّمَثُّل بالمسيح. فمِن المتوقَّع منَّا أن نَقبل الأشخاص الَّذي يُسيئون تمامًا تمثيل الوحي وأهميَّته، والَّذين لا يفهمون أنَّ الكتاب المقدَّس هو غاية كلِّ إعلان، والَّذين يُسيئون تمثيل خدمة الرُّوح القُدُس. ومِن المُتوقَّع مِنَّا أن نقبل هؤلاء دون قيدٍ أو شَرط. أمَّا إذا شَكَّكنا في تفسيرهم لتلك الأشياء فإنَّ ذلك يُقَوِّض إلى حَدٍّ ما وَحدة الكنيسة.
فهذا هو المِزاج السَّائد اليوم. وهو ليس مِزاجًا يمكن للتَّفسير الدِّقيق للكتاب المقدَّس أن ينتعش فيه. أليس كذلك؟ لأنَّ التَّفسير الدَّقيق للكتاب المقدَّس يُؤدِّي بطبيعته إلى الانقسام لأنَّك إن لم تصل إلى الاستنتاج الصَّحيح بخصوص تفسير الكتاب المقدَّس فإنَّ كلَّ شيءٍ آخر سيكون مغلوطًا. لذا، فإنَّ الوقت غير مناسب لذلك مِن وجهة نظر المسيحيَّة السَّائدة اليوم. ولكنَّه، دون شَكٍّ، الوقت المناسب لذلك مِن وجهة نظر الله الَّذي يوصينا بأن نعرف كلمته ونُفَصِّلها بالاستقامة. فقد دُعينا إلى الفهم السَّليم للكتاب المقدَّس لكي نتمكَّن حقًّا مِن فهم رسالة الله كي نتمكَّن من تطبيقها: أيْ أن نؤمن بها ونعيشَها.
ويجب علينا أيضًا أن نَفهم كلمة الله لأنَّنا حين نُؤمن بها، ونعيشها، ونضعها موضِع التَّطبيق فإنَّنا نسمح لأنفسنا بالحصول على مِلْء بَركة الله ونَحظى بالفرصة لإعطائه المجد الَّذي يَستحقُّه اسمُه. أمَّا أيُّ سوء فهمٍ للكتاب المقدَّس فإنَّه يؤثِّر سلبيًّا في معرفتنا للقصد الإلهيِّ منه. ولا يمكنكم أن تُبرِّروا ذلك بأيِّ شكل مِن الأشكال. لذا فقد دُعينا مَرَّةً أخرى إلى دراسة الكتاب المقدَّس.
والآن لنتحدَّث وحسب عن بعض الأمور الرئيسيَّة الضروريَّة. وسوف أُراجع نُقطةً قلتُها لكم في الأسبوع الماضي، ثُمَّ سأشارك معكم النِّقاط الأخرى. فلكي تفهم الكتاب المقدَّس فإنَّ أوَّل شيءٍ ينبغي أن تفعله هو أن تقرأ الكتاب المقدَّس. وقد تُصدمون عند سماع ذلك؛ ولكنَّ هذه هي نُقطة البداية. فأغلبيَّة النَّاس لا يَعلمون ما يَعنيه الكتاب المقدَّس لأنَّهم لا يعرفون ما يقوله. وربَّما يوجد أناس يقفون بعيدًا عن الكتاب المقدَّس ويقولون: "لا يمكنني يومًا أن أفهم هذا الكتاب. لذا، لن أُتعب نفسي في المحاولة". ولكن لا يوجد شيء بعيد عن الحقيقة أكثر مِن هذا القول.
وربَّما إن سألنا النَّاس الَّذينَ يعرفون الكتاب المقدَّس إلى حَدٍّ ما: "ما هو أصعب سِفْر في الكتاب المقدَّس؟ ما هو أصعب كتابٍ في الكتاب المقدَّس على الفهم؟" ربَّما سيُجيبون قائلين: سِفْر الرُّؤيا. فأغلبيَّة النَّاس سيقولون إنَّ سِفْر الرُّؤيا صعب الفهم. وأنا أعرف وُعَّاظًا كثيرين لم يعظوا طوال حياتهم في الخدمة مِن سِفْر الرُّؤيا لأنَّهم لا يعتقدون أنَّه بمقدورهم أن يفهموه. والسَّبب في ذلك هو أنَّهم تركوا أصول التَّفسير الصَّحيحة لتفسيره. فإن أرادوا أن يُفَسِّروه باستخدام الأصول الصَّحيحة للتفسير، ينبغي لهم أن يُفَسِّروه حرفيًّا. وإن فَسَّروه حَرفيًّا فإنَّه يُخالِف لاهوتهم التَّاريخيّ. وَهُم لا يريدون حقًّا أن يفعلوا ذلك. لذا فإنَّهم لا يعلمون ماذا يفعلون بسفر الرُّؤيا فيتجنَّبونه.
ولكنَّ أغلبيَّة النَّاس يقولون إنَّه أصعب سِفْرٍ على الفهم. ولكن في بداية هذا السفر نقرأ في الأصحاح الأوَّل والعدد 3: "طُوبَى لِلَّذِي يَقْرَأُ وَلِلَّذِينَ يَسْمَعُونَ أَقْوَالَ النُّبُوَّةِ، وَيَحْفَظُونَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهَا، لأَنَّ الْوَقْتَ قَرِيبٌ". فهل تريد الحصول على البَركة؟ اقرأ سِفْر الرُّؤيا. واستمع إلى ما يقوله. وافهم ما يقوله. وطَبِّق ما يقوله.
والآن، أنا مُؤمنٌ بأنَّ سِفْر الرُّؤيا يمكن فَهمه. فيمكنك أن تفهمه إن قرأته وحسب. فما يقوله واضح تمامًا. ولكن عندما ينظر إليه النَّاس كما لو أنَّه مُبهمٌ فإنَّه يصير مُحَيِّرًا. ومِن الواضح أنَّ هناك عناصر في النُّبوءات لن نفهمها حقًّا إلاَّ بعد حدوثها؛ ولكنَّ ذلك يَصِحُّ على جميع النُّبوَّات. ولكنَّ رسالة هذا السِّفر (الَّذي يتحدَّث عن تمجيد يسوع المسيح، والَّذي يتحدَّث عن تمجيد القدِّيسين ودينونة غير المؤمنين) هي رسالة واضحة جدًّا في سِفْر الرُّؤيا.
إذًا، أنت تبتدئ بقراءة الكتاب المقدَّس. وأقترح عليك أن تفعل ذلك بأن تقرأ الكتاب المقدَّس بأسلوب التَّكرار. افتحوا كتابكم المقدَّس، مِن فضلكم، على سِفْر إشعياء والأصحاح 28. وأريد فقط أن أُشير إلى مبدأ هنا أعتقد أنَّه جوهريٌّ جدًّا ومهمٌّ جدًّا. سِفْر إشعياء والأصحاح 28. أعتقد أنَّكم إذا سألتم اليهود في زمن إشعياء عن مكانهم على مِقياس النُّضج الروحيِّ، فإنَّهم سيضعون أنفسهم في مرتبة عالية جدًّا لأنَّهم تَسَلَّموا أقوال الله، ولديهم شريعة الله، ولديهم العديد من الأسفار المقدَّسة الَّتي أُعطيت لهم، ولديهم كلمات الأنبياء الَّتي أُعطيت إليهم.
ومِن المؤكَّد أنَّ ذلك يَضُمُّ أيضًا خدمة الوعظ الَّتي كان يقوم بها إشعياء. فبنو إسرائيل كانوا يفتخرون بأنَّهم تلاميذ الإعلان الإلهيّ، وتلاميذ أسفار العهد القديم المُوحَى بها. وقد كانوا يفتخرون بأنَّهم الأشخاص الَّذينَ يعرفون الله، وحكمة الله، ويفهمون الله وحَقَّه.
ولكنَّ الله لم يكن ينظر إلى الأمر هكذا. فالله لم يكن ينظر إليهم كأشخاصٍ ناضجين، بل كأشخاصٍ غير ناضجين نهائيًّا. وقد كان ينظر إليهم لا كأشخاص راشدين مِن جهة الفهم، بل كأطفالٍ مِن جهة الفهم. لذا فإنَّ إشعياء يتحدَّث إليهم بذلك المعنى في الأصحاح 28 والعَددين 9 و 10: "لِمَنْ يُعَلِّمُ مَعْرِفَةً، وَلِمَنْ يُفْهِمُ تَعْلِيمًا؟" وَهُوَ يَتحدَّث هُنا عن الله. "أَلِلْمَفْطُومِينَ عَنِ اللَّبَنِ، لِلْمَفْصُولِينَ عَنِ الثُّدِيِّ؟ "لأَنَّهُ..." [في العدد 10] "...أَمْرٌ عَلَى أَمْرٍ. أَمْرٌ عَلَى أَمْرٍ. فَرْضٌ عَلَى فَرْضٍ. فَرْضٌ عَلَى فَرْضٍ. هُنَا قَلِيلٌ هُنَاكَ قَلِيلٌ. إِنَّهُ...يُكَلِّمُ هذَا الشَّعْبَ".
والآن، عندما كان الله يريد أن يُكلِّم شعبه إسرائيل مِن خلال النبيِّ إشعياء، كان لا بُدَّ أن يُكلِّمهم كما لو كانوا مُجرَّد أطفال، وكما لو كانوا قد فُصِلوا للتَّوّ عن الثَّدي، وكما لو كانوا قد فُطِموا للتَّوِّ عن الحليب. فقد كانوا أطفالاً وينبغي أن يُعامَلوا كأطفال. وكيف تُعلِّم طفلاً؟ كيف تُعلِّم طفلاً المعرفة؟ وكيف تُعلِّم طفلاً حين يكون طفلاً؟ وحين يبتدئ في اكتساب مهارة التعلُّم؟ أنت تُعلِّمه بهذه الطَّريقة: "أَمْرٌ عَلَى أَمْرٍ. أَمْرٌ عَلَى أَمْرٍ. فَرْضٌ عَلَى فَرْضٍ. فَرْضٌ عَلَى فَرْضٍ. هُنَا قَلِيلٌ هُنَاكَ قَلِيلٌ".
والخُلاصة هي: التَّكرار ... التَّكرار البسيط. التَّكرار مَرَّةً بعد مَرَّة بعد مَرَّة بعد مَرَّة هو الطريقة الَّتي يتعلَّم بها الطِّفل الصَّغير. وهكذا ينبغي لشعب الله أن يتعلَّم. فأنت تدخل ملكوت الله (بحسب ما جاء في إنجيل مَتَّى والأصحاح 18 – إن كان بمقدورنا أن نُطَبِّق ذلك على كلِّ العهد الجديد). أنت تدخل كطفل. فأنت ولد مِن أولاد الله، وتمتلك صِفاتٍ مُعيَّنة تُشبه صفات الأطفال. وواحد منها هو أنَّه يجب عليك أن تتعلَّم الحقَّ الإلهيَّ. ويجب عليك أن تتعلَّمه مِن خلال التَّكرار. وهذا يَصِحُّ على أيِّ شيءٍ تتعلَّمه. فأنت تتعلَّمه بالتَّكرار.
وحتَّى عندما كنتُ طالبًا في كليَّة اللاَّهوت... وهذا يُعيدني إلى الوقت الَّذي كنت أسعى فيه إلى اجتياز الامتحانات في كُليَّة اللاَّهوت، وإلى إظهار كفاءتي في المواد المختلفة الَّتي أدرسها، وأن أرفع أدائي إلى المستوى الَّذي يُمكِّنني من الحصول على العلامة الَّتي أرغب فيها ومُتابعة طريقي إلى أن أتخرَّج. وقد وجدتُ أنَّ الطريقة الوحيدة الَّتي يمكنني من خلالها أن أحتفظ بالمعلومات اللَّازمة هي مِن خلال الحفظ المستمر والتَّكرار المستمرّ في دراستي. فهكذا نتعلَّم جميعًا. فأنت تتعلَّم مِن خلال التَّكرار مَرَّةً بعد مَرَّة بعد مَرَّة بعد مَرَّة.
وحين تقرأ الكتاب المقدَّس، هذا هو ما سيحدث. وأنا أقترح عليك فيما يختصُّ بالعهد الجديد تحديدًا أن تقرأه مِرارًا. اقرأ المقطع نفسه كلَّ يوم مُدَّة ثلاثين يومًا. خذ نحو سبعة أصحاحات تقريبًا، أو أكثر قليلاً أحيانًا، أو رُبَّما أقلّ قليلاً. فإن كنت تقرأ رسالةً مثل رسالة فيلبِّي (وَهي رسالة مؤلَّفة مِن أربعة أصحاحات فقط)، اقرأ أربعة أصحاحات يوميًّا مُدَّة ثلاثين يومًا. وإن كنت تقرأ سفرًا مِثل إنجيل يوحنَّا، قَسِّمه إلى ثلاثة أجزاء يَضُمُّ كلٌّ منها سبعة أصحاحات. واقرأ الأصحاحات السَّبعة الأولى يوميًّا مُدَّة ثلاثين يومًا. ثُمَّ اقرأ الأصحاحات السَّبعة الَّتي تليها يوميًّا مُدَّة ثلاثين يومًا، والتي تليها ثلاثين يومًا. وخلال سنتين ونصف السَّنة، يمكنك أن تقرأ كُلَّ العهد الجديد بتلك الطريقة. وهذه القراءة المتكرِّرة ستجعلك تَتذَكَّر ما قرأت.
والآن، قد تقول: "حسنًا! وحين أقرأ العهد القديم، هل أفعل الشَّيء نفسه؟" لا، بل اقرأه وحسب كما لو كنت تقرأُ قِصَّةً. وعندما تنتهي، ارجع إلى البداية واقرأه مَرَّةً أخرى. ثُمَّ ارجع مرَّةً أخرى واقرأه مَرَّةً أخرى. فلن تتمكَّن من تذكُّر الجزء الأكبر مِن التَّفاصيل والمعلومات الهائلة في العهد القديم. ولكنِّي أريد أن أُذكِّركم بما يلي: أنَّ الأفكار الرئيسيَّة في العهد القديم والأفكار الرئيسيَّة في العهد الجديد واضحة جدًّا، وأنَّه لا يوجد الكثير جدًّا منها. هل تذكرون ما قلته لكم عن الأفكار الرئيسيَّة للكتاب المقدَّس؟ أوَّلاً، الكتاب المقدَّس هو إعلان الله عن ذاته. فهو يُخبرنا عن الله.
لِذا، عندما تقرأ في الكتاب المقدَّس، يمكنك أن تبتدئ بسفر التَّكوين وأن تقرأ كلَّ العهد القديم، وأن تُخَزِّن في ذهنك كلَّ معلومة صحيحة عن الله. وسوف تجد أنَّ تلك المعلومات تتكرَّر المَرَّة تلو المَرَّة تلو المَرَّة (مِثل أنَّ الله حَكيمٌ، وأنَّ اللهَ قويٌّ، وأنَّ اللهَ هو الخالق، وأنَّ اللهَ هو الدَّيَّان، وأنَّ الله عادل، وأنَّ الله رحيم، وأنَّه يُظهِر إحساناته. فسوف ترى ذلك هنا، وترى ذلك هناك... ترى ذلك هنا، وترى ذلك هناك. لِذا، هناك تَكرار لذلك في كلِّ العهد القديم. فكلُّ سِفْر لا يُقدِّم إعلانًا جديدًا تمامًا لم يكن معلومًا مِن قبل، بل يكشف (بطريقة جديدة، وبيئة جديدة، وسياقٍ جديد، واختبارٍ جديد) صِفات الله حتَّى إنَّك ستسمع عن الله المَرَّة تلو المَرَّة تلو المَرَّة تلو المَرَّة.
ثانيًا، لقد قلنا إنَّ الكتاب المقدَّس يُشير إلى أنَّ الله لديه ناموس كَسَرَهُ الإنسان. ونتيجة لذلك فإنَّ الإنسان يعاني بسبب لعنة الله. فكسرُ شريعة الله وعصيان الله يجلب اللَّعنة. وهذا أمرٌ واضحٌ في الكتاب المقدَّس. فيمكنك أن تبتدئ مِن سِفْر التَّكوين وترى ذلك مباشرةً مِن خلال حادثة السُّقوط. وسوف ترى ذلك مَرَّةً أخرى وأخرى وأخرى وأخرى في أثناء قراءتك لأسفار العهد القديم. ففي كلِّ مكانٍ تذهب إليه، سترى الفكرة الرئيسيَّة نفسها مِن خلال مَثَلٍ توضيحيٍّ يَليه مَثل توضيحيّ آخر وآخر.
ثالثًا، لقد قلنا إنَّه فيما يَخُصُّ أولئك الَّذينَ يحفظون شريعة الله ويُطيعون شريعة الله، هناك وعدٌ بالبَركة. وسوف ترى ذلك يتكرَّر المَرَّة تِلو المَرَّة تلو المَرَّة. فحين يُكرِمُ الإنسانُ الله، ويعبد الله، وحين يعترف الخاطئ بخطيَّته، ويأتي إلى الله، ويسعى إلى تمجيده وتعظيمه، ويؤمن به، ويتَّكل عليه، ويطيعه، ستكون هناك بَرَكة. وهذا الوعد يَظهَر في العهد القديم ويتكرَّر مِرارًا.
أمَّا الفكرة الرَّئيسيَّة العظيمة الرَّابعة في العهد القديم فهي أنَّ هناك مُخلِّصًا سيأتي. فالإنسان في حاجةٍ مُلِحَّةٍ إلى ذلك، وَهُوَ مُذنِب أمام الله القدُّوس بسبب خطيَّته، وَلا يستطيع أن يفعل شيئًا بخصوص ذلك مِن تلقاء نفسه. لذا لا بُدَّ أن يأتي شخص آخر ويدفع أُجرة خطيَّة الإنسان. وهذا الشَّخص الآخر سيأتي ويكون هو المُخلِّص. وحين تقرأ في سِفْر التَّكوين، ستقرأ عن ذاك الَّذي سيأتي ويَسحق رأس الحيَّة. وستقرأ عن رئيسٍ سيأتي ويكون "شِيلون" الَّذي سيَجلب السَّلام. وحين تتقدَّمون قليلاً ستقرأن عن خروف الفِصح وعن يوم الكفَّارة. وسوف تقرأون عن كبش المُحرقة الَّذي يحمل الخطيَّة. وكلُّ ذلك يَرمز إلى المُخلِّص الَّذي سيأتي.
ثُّم إنَّ المُرنِّم يبتدئ في تعريف المُخلِّص، وحتَّى إنَّه يقتبس ما سيقوله المُخلِّص عندما يُعَلَّق على الصَّليب. ثُمَّ ستقرأون ما كَتبه الأنبياء. وقد تنبَّأ هؤلاء عن أمور تختصُّ بالمُخلِّص: عن ولادته، وعن حياته، وعن موته، وعن قيامته، وهَلُمَّ جَرَّا. وسوف يكون المُخلِّص هو الفكرة المتكرِّرة المَرَّة تلو المَرَّة تلو المَرَّة تلو المَرَّة. فهو الآتي ... إنَّه الآتي.
وأخيرًا، إنَّ الحقيقة العظيمة الخامسة والأخيرة بخصوص العهد القديم هي أنَّ التَّاريخ سينتهي بأن يُؤسِّس الله مملكةً أرضيَّة يَحكُم فيها مُخَلِّصُه المجيد ويَسود. وسوف تجدون ذلك يتكرَّر المَرَّة تلو المَرَّة تلو المَرَّة تلو المَرَّة. فاللهُ سيستردُّ الأرض. والفردوس سيُستردُّ أيضًا.
هذه هي الأفكار العظيمة الخمس المُهيمنة في كلِّ العهد القديم؛ وبكُلِّ تأكيد في كلِّ العهد الجديد أيضًا. لِذا، حين تقرأ العهد القديم، استمرَّ في القراءة والقراءة والقراءة. ويمكنك أن تُلَخِّص كلَّ شيء تقرأه في هذه الأفكار الرئيسيَّة الخمس. إذًا، هناك تَكرار. فهناك هذه الأفكار الرئيسيَّة الخمس فقط في الكتاب المقدَّس. ومِن الواضح أنَّه توجد لهذه الأفكار الرئيسيَّة ظِلال عديدة، ودلائل أخرى، وفروق دقيقة أخرى. وهناك حقائق كثيرة أخرى تتفرَّع منها. ولكنَّها جميعًا تَدور حول هذه الأفكار الرئيسيَّة. وقراءة الكتاب المقدَّس ستكشف لك ذلك وتجعلك تعرف تمامًا هذه الأفكار الرئيسيَّة والجُمل الرئيسيَّة الواضحة بخصوص هذه الأفكار الرئيسيَّة، والأمثلة التوضيحيَّة العديدة عن هذه الأفكار الرئيسيَّة في التَّاريخ الَّذي دَوَّنه اللهُ لنا في العهد القديم.
وهناك شيء آخر يختصُّ بالعهد القديم في أثناء قراءتك له وَهُوَ أنَّ العهد القديم بسيط. وأنا أقول ذلك بالمعنى التَّالي: إنَّ اللُّغة العِبْريَّة بسيطة. فهي لغة محسوسة. فهي ليست لُغة تجريديَّة مثل اليونانيَّة. فاللُّغة اليونانيَّة تحوي الكثير من الأفكار المُجرَّدة. فاللُّغة اليونانيَّة هي لُغة تحتاج إلى مَعرفة إدراكيَّة؛ أمَّا اللُّغة العِبريَّة فهي لُغة عَمليَّة. فاللُّغة العبريَّة مُحدَّدة جدًّا، ومحسوسة جدًّا، وواضحة جدًّا. وأغلبيَّة المفردات لها مَعانٍ مَلموسة وواضحة جدًّا. لذا، يُفترَض بكم أن تكونوا قادرين على قراءة العهد القديم وفَهْم ما يجري.
وقد تُصادِف كلمة لا تفهمها، أو قد تُصادِف عيدًا لا تفهمه، أو قد تصادف حدثًا تاريخيًّا يصعب عليك قليلاً فهمه. ولكن بصورة عامَّة فإنَّ اللُّغة العِبريَّة بسيطة ومباشرة. وحين تقرأ في العهد القديم باستمرار... وأنا أقترح عليكم أن تقرأوا غالبًا نفس التَّرجمة، وأن تقرأوا أحيانًا ترجمةً أخرى لمزيدٍ من الفهم؛ ولكن اقرأ غالبًا نفس التَّرجمة كي تُنَمِّي معرفتكم بالنَّصّ. اقرأ الكتاب المقدَّس.
والآن، في أثناء قراءتك... وهذا هو ما أفعله دائمًا. في أثناء قراءتك، احتفظ بدفترٍ صغير حين تقرأ ودَوِّن الأشياء الَّتي لا تفهمها. دَوِّن الأشياء الَّتي لا تفهمها. ولكن لا تتعَطَّل عن قراءتك بسبب جميع الأشياء الَّتي لم تفهمها في أثناء قراءتك للنَّصّ، بل استمرّ في القراءة، واكتُب لائحًة. خَصِّص لائحةً صغيرة لكُلِّ سِفْر تقرأه. اكتُب رَقْم الأصحاح كعنوان وابتدئ في تدوين الأشياء الَّتي لا تفهمها. وسوف تبتدئ بإشباع فضولك قليلاً. وهذه عمليَّة مُهمَّة جدًّا ينبغي أن تقوم بها. اقرأ ودَوِّن الأشياء الَّتي لا تفهمها كي تدرسها لاحقًا، وكي تعود إليها وتدرسها بعُمق أكبر قليلاً.
والآن، فيما يَخُصُّ العهد الجديد، في أثناء قراءتك، أخبرتكم أن تأخذوا بطاقات صغيرة بحجم (7 × 12 سم) أو أيَّة بطاقات صغيرة، أو أوراق صغيرة لاصقة، أو أيَّة أوراق أخرى تُفضِّلونها، ودَوِّنوا عليها الفكرة الرئيسيَّة في كلِّ أصحاح. دَوِّنوا الفكرة الفكرة الرئيسيَّة في كلِّ أصحاح. فإن كنت تقرأ رسالة يوحنَّا الأولى، ستقرأ الأصحاحات مِن 1 إلى 5 (أي خمسة أصحاحات)، وتضع عنوانًا صغيرًا لكلِّ واحدٍ من هذه الأصحاحات الخمسة كي تَغرس في ذهنك ما هو موجود في ذلك الأصحاح. احفظ ذلك في الأيَّام الثَّلاثين الَّتي تقرأ فيها رسالة يوحنَّا الأولى. احتفظ بذلك في ذاكرتك، وارجع واقرأه من جديد فتَعلم دائمًا مواضِع الأشياء في الكتاب المقدَّس. فسوف تتمكَّن من العثور عليها بسهولة. ولا توجد طريقة بديلة للقيام بذلك.
فمِن المستحيل تقريبًا أن تُحصي على سبيل المثال عدد العِظات الَّتي ألقاها شخص مثل "جون ويسلي" (John Wesley). فقد سمعت رَقْمًا يصل إلى نحو ثلاثين ألفًا أو أربعين ألفًا مِن العظات الَّتي ألقاها. وقد دَوَّن التَّاريخ أنَّ جون ويسلي كان يعظ طوال الوقت. فأحيانًا كان يعظ مِن الفجر إلى مغيب الشَّمس يومًا بعد يومٍ بعد يوم. وقد ألقى آلاف وآلاف وآلاف العِظات. والحقيقة هي أنِّي كنتُ أتعجَّب كيف يمكن لشخصٍ أن يعظ كلَّ تلك العِظات! وكيف يمكنه أن يحتفظ بكلِّ تلك المادَّة في عقله!
والجواب يأتي حين نَفهم أنَّه في كلِّ يومٍ في حياة جون ويسلي، كان ينهض في السَّاعة الرَّابعة فجرًا ويَبتدئ بقراءة جادَّة للكتاب المقدَّس. وكان يفعل ذلك طَوال ساعاتٍ إلى أن يحين موعد العظة الصَّباحيَّة. وقد كان يقرأُ الكتاب المقدَّس (وهذا أمرٌ مُدهش) بخمس لُغات. ونحن لا نتوقَّع منكم أن تتمكَّنوا من القيام بذلك، ولكنَّه كان قادرًا على القيام بذلك. وكان هذا يُعطيه العرض والطُّول والعُمق والارتفاع وكلَّ شيءٍ ضروريٍّ لفهم الكتاب المقدَّس. فقد كان رجُلاً مُمتلئًا حرفيًّا بمعرفة الكتاب المقدَّس؛ وهو الأمر الَّذي كان يُغَذِّي هذه القدرة الَّتي يمتلكها في الوعظ. فالأمر كلُّه يبتدئ بقراءة الكتاب المقدَّس مِرارًا وتَكرارًا.
إنَّ واحدًا من الأشخاص والمُعلِّمين الرَّائعين الَّذينَ أثَّروا تأثيرًا رائعًا في حياتي هو الدُّكتور "تشارلز فاينبرغ" (Dr. Charles Feinberg) الَّذي كان مُعَلِّمي بطرق عديدة؛ وهو الآن مع الرَّبّ. ولكنَّه كان بطلي الرُّوحيِّ عندما يختصُّ الأمر بمعرفة الكتاب المقدَّس. فقد كان يعرف الكتاب المقدَّس معرفة جيِّدة جدًّا. فإن كان يوجد شخص ليس مُضطرًّا لقراءته فإنَّه هو إذْ إنَّه لم يكن بحاجة إلى قراءته. فقد كان يعرف عمليًّا كلَّ العهد القديم باللُّغة العِبريَّة. وكان يحفظ مقاطع ضخمة منه باللُّغة العِبريَّة ويمتلك عقلاً مُذهلاً.
ولا أدري كم كان مستوى ذكائه، ولكنَّه كان يمتلك تلك الذَّاكرة التَّصويريَّة الَّتي يتحدَّث عنها النَّاس أحيانًا إذ لم يكن على ما يبدو ينسى أيَّ شيء. فقد كان يمتلك عقلاً عظيمًا. ولكنَّه كان مُعتادًا دائمًا على قراءة كلِّ العهد القديم وكلِّ العهد الجديد أربع مَرَّاتٍ كلَّ سنة. وقد فعل ذلك على مَدى عُقودٍ. لذا فقد كان يعرف تمامًا نَصَّ الكتاب المقدَّس.
وكما قلتُ لكم سابقًا، فإنَّ معرفة نَصِّ الكتاب المقدَّس هي التَّفسير الحقيقيُّ له. فحين تبتدئ بقراءة الكتاب المقدَّس فإنَّه يبتدئ بتفسير نفسه بنفسه. وهو يبتدئ بالكشف عن نفسه لأنَّ تلك الحقائق المنسجمة بعضُها مع بعض تتكرَّر المَرَّة تلو المَرَّة. لذا فإنَّ الكتاب المقدَّس يُفسِّر نفسه بنفسه إذ إنَّ آيات الكتاب المقدَّس تُفسِّر بعضُها بعضًا. وسوف تُدهش حين تبتدئ في استيعاب كلمة الله [كما قلتُ لكم] مِن خلال قراءة العهد القديم، ومِن خلال تخصيص ثلاثين يومًا للقراءة المُتكرِّرة في العهد الجديد. فإن فعلتَ ذلك لسنوات عديدة، ستُدهَش بسبب المعرفة الَّتي ستكتسبها بخصوص معنى الكتاب المقدَّس لأنَّ ذلك سيَتَّضِح لك تمامًا فقط مِن خلال التَّكرار.
وكما أخبرتكم سابقًا، وسوف أُكَرِّر ذلك بإيجاز مَرَّةً أخرى: أنا أُحِبُّ أن أُفسِّر الكتاب المقدَّس بالكتاب المقدَّس. فهذا هو أفضل مصدرٍ للتَّفسير. وفي أغلب الحالات، يمكنك أن تفعل ذلك. بعبارة أخرى، لا يوجد شيء في الكتاب المقدَّس منفصل تمامًا ولا يمكنك أن تُفَسِّره بمفرده في سياقه الخاصِّ به بمعزِلٍ عن النُّصوص الأخرى. فكلُّ شيءٍ في الكتاب المقدَّس، أو كلُّ شيءٍ تقريبًا في الكتاب المقدَّس، مرتبط بموادّ أخرى في الكتاب المقدَّس تساعد في تفسير ذلك الشَّيء نفسه. وإليكم مثلاً توضيحيًّا على ذلك. فمثلاً... وهناك أمثلة كثيرة أخرى. ولكن إليكم هذا المثل التوضيحيّ الَّذي يخطر ببالي. فعند قراءة إنجيل يوحنَّا والأصحاح الثَّالث، يتحدَّث يسوع إلى نيقوديموس ويقول يسوع لنيقوديموس: "ينبغي أن تُولَدَ مِن الماء والرُّوح".
والآن، قد يَطرح أحد الأشخاص السُّؤال التَّالي: "ما الَّذي يتحدَّث عنه؟ وما الَّذي يعنيه بأنَّه ينبغي أن تُولد مِن الماء والرُّوح؟" وقد سمعتُ أشخاصًا يقولون: "إنَّ المقصود بالماء هنا هو المعموديَّة. فيجب أن تعتمد بالرُّوح وأن تَعتمد بالماء". وهناك مجموعات كاملة من الأشخاص الَّذينَ يُعلِّمون ذلك. ولكنَّ ذلك ليس معقولاً بالمَرَّة لأنَّ المعموديَّة المسيحيَّة لم تكن قد ابتدأت في الوقت الَّذي جَرى فيه ذلك الحديث. كذلك، لأنَّ معموديَّة الماء ليست وسيلة الخلاص.
وقد اقترح آخرون (وقد سمعتُ عِظاتٍ عن ذلك) فقالوا إنَّ معنى القول إنَّه ينبغي أن تُولد مِن الماء والرُّوح هو أنَّه ينبغي أن تُولد أوَّلاً جسديًّا. فالماءُ، كما يقولون، هو الماء الَّذي ينفجر قبل ولادة الطِّفل. لذا فإنَّ ذلك هو المقصود بالماء. فهو الجزء المُختصُّ بالولادة البشريَّة. فيجب أن تولد بشريًّا، ثُمَّ يجب أن تولد مِن الرُّوح.
والمشكلة في ذلك التَّفسير هو أنَّ اليهود لم يكونوا يشيرون إلى ماء المخاض بأنَّه ماء. والجواب الصَّحيح يتوفَّر لديكم ببساطة إن قرأتم سِفْر حزقيال لأنَّه في نبوءة حزقيال والأصحاح 36، يقول حزقيال: "سوف يأتي عهدٌ جديد. وفي ذلك العهد الجديد، سوف يَنزِعُ اللهُ قَلْبَ الْحَجَرِ مِنْ لَحْمِكُمْ وَيُعْطِيكُمْ قَلْبَ لَحْمٍ [أي: قلبًا رقيقًا]. وَسوف يَجْعَلُ رُوحَهُ فِي دَاخِلِكُمْ، وَأَرُشُّ عَلَيْكُمْ مَاءً طَاهِرًا فَتُطَهَّرُونَ".
وإن رجعتُم وقرأتم في العهد الجديد ستجدون أنَّه غَسْل الماء بالكلمة. فهذا هو ما يتحدَّث عنه. فالكتاب المقدَّس يُفَسِّر نفسه بنفسه. وأنت لست بحاجة إلى تفسيرٍ طبيٍّ أو شرحٍ سَريريٍّ، ولا تحتاج إلى نوعٍ من التَّفسير الكَنَسِيِّ. فالكتاب المقدَّس يُفَسِّر نفسه بنفسه. وأنا أَذكُر أنَّه عندما كنتُ أدرسُ رسالتيّ بُطرس وقرأتُ تلك العبارة المدهشة جدًّا في رسالة بطرس الأولى، وتحديدًا في رسالة بطرس الأولى 1: 2، والَّتي تقول: "فِي تَقْدِيسِ الرُّوحِ لِلطَّاعَةِ، وَرَشِّ دَمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ"، عندما قرأتُ تلك العبارة فَكَّرتُ قائلاً: "ما معنى ذلك؟"
وقد رُحتُ أقرأ في كُتب التَّفسير فلم أعثر على أيِّ شيءٍ يُقنعني. وقد قرأت تفسيرات كثيرة جدًّا. وحين ابتدأتُ أدرس ذلك، عثرتُ على نفس الفكرة في الأصحاح الرابع والعشرين من سِفْر الخروج. ولأنِّي كنت أعرف ما يقوله سِفْر الخروج، رجعتُ إلى سِفْر الخروج 24: 3-8 وعثرتُ على طَقْسٍ كاملٍ هناك؛ وَهُوَ طقسٌ كان يُعلن فيه بنو إسرائيل طاعتهم لله وأمانتهم لكلمة الله. وفي تلك المرَّة تحديدًا، رَشَّ مُوسَى الدَّم عليهم جميعًا رمزًا لإعلانهم التَّوبة.
وهذا هو تمامًا ما كان يُفَكِّر فيه بطرس اليهوديّ عندما كان يكتب إلى اليهود. فقد كان يقول لهم إنَّه عندما تعترفون بيسوع المسيح مُخلِّصًا فإنَّكم تَتمثَّلون بأولئك الأشخاص في القديم إذ تُؤكِّدون طاعتكم. وبالمعنى الرَّمزيِّ فإنَّكم تُرَشُّون بدمه، لا بدم ذبيحةٍ كما حدث في خروج 24. ولا حاجة إلى ذِكْر تفاصيل أخرى سوى أنَّ خروج 24 يُعطينا فهمًا واضحًا لما تتحدَّث عنه الآية بُطرس الأولى 1: 2. إذًا، لكي تكون تلميذًا للكتاب المقدَّس فإنَّ ذلك يتطلَّب منك في المقام الأوَّل استيعابًا شاملاً لكلِّ الكتاب المقدَّس مِن خلال قراءته المُتكرِّرة.
والآن، لننتقل إلى سِمة أخرى وهي تفسير الكتاب المقدَّس. ويجب علينا أن نَصرِف وقتًا أطول على هذه النُّقطة. فالآن، بعد أن قرأتم الكتاب المقدَّس، وبعد أن احتفظتم (كما أرجو) بلائحة صغيرة بالأشياء الَّتي أثارت انتباهك، ينبغي أن تُخَصِّص وقتًا إضافيًّا في كلِّ أسبوع لمراجعة عددٍ مِن تلك المسائل الَّتي دَوَّنتَها لأنَّك لم تفهمها. وهذا هو ما فَعلتُه طَوال السِّنين. فتلك الأشياء الَّتي لم أفهمها صارت لائحة الأولويَّة في دراستي الشخصيَّة العميقة. وأقول مرَّةً أخرى إنَّ هذا الوقت يختلف عن الوقت المُخصَّص للتَّأمُّل.
وكما ذَكرتُ في هذا الصَّباح، فإنَّ الاكتفاء بقراءة مقطعٍ صغيرٍ من الكتاب المقدَّس يوميًّا مُدَّة خمس عشرة دقيقة، ثُمَّ قراءة مقطع آخر في اليوم التَّالي، ثُمَّ قراءة مقطع آخر دون أن تفهم حقًّا عُمْق ما تقرأ لن يكون مُغَيِّرًا للحياة. فهذا يُشبه أخذ حَبَّة أسبرين كلَّ يوم. فأنت تعلم أنَّ هذا قد يكون له تأثير على المدى الطَّويل، ولكنَّه لن يُغيِّر حياتك. فقد طُرِحَ السُّؤال التَّالي على الخِصِيِّ الحبشيِّ: "أَلَعَلَّكَ تَفْهَمُ مَا أَنْتَ تَقْرَأُ؟" وقد أجاب عن سؤال فيلبُّس قائلاً: "كَيْفَ يُمْكِنُنِي إِنْ..." [ماذا؟] "...إن لَمْ يُرْشِدْنِي أَحَدٌ؟". فلا بُدَّ مِن حصولي على المساعدة. فأنا أقرأه، ولكنِّي لست واثقًا مِن فَهمي له.
وسوف تكتشف ذلك حين تدرس الكتاب المقدَّس. لذا، حين ترجع إلى سِفْر نحميا... افتحوا قليلاً على سِفْر نحميا والأصحاح 9. ففي سِفْر نحميا والأصحاح 8، تَمَّ العثور على كلمة الله فقام عَزرا الكاتب بقراءة كلمة الله على مَسمَعٍ مِن الشَّعب. فنحن نقرأ في العدد الأوَّل: "اجْتَمَعَ كُلُّ الشَّعْبِ كَرَجُل وَاحِدٍ إِلَى السَّاحَةِ الَّتِي أَمَامَ بَابِ الْمَاءِ وَقَالُوا لِعَزْرَا الْكَاتِبِ أَنْ يَأْتِيَ بِسِفْرِ شَرِيعَةِ مُوسَى الَّتِي أَمَرَ بِهَا الرَّبُّ إِسْرَائِيلَ.
"فَأَتَى عَزْرَا الْكَاتِبُ بِالشَّرِيعَةِ أَمَامَ الْجَمَاعَةِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَكُلِّ فَاهِمٍ مَا يُسْمَعُ، فِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ السَّابعِ. وَقَرَأَ فِيهَا أَمَامَ السَّاحَةِ الَّتِي أَمَامَ بَابِ الْمَاءِ، مِنَ الصَّبَاحِ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ، أَمَامَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْفَاهِمِينَ. وَكَانَتْ آذَانُ كُلِّ الشَّعْبِ نَحْوَ سِفْرِ الشَّرِيعَةِ".
وقد بقوا هناك مُدَّةً لا تقلُّ عن ستِّ ساعات، وظَلُّوا واقفين في السَّاحة المفتوحة ويستمعون طوال ستِّ ساعات إلى قراءة سِفْر الشَّريعة. وهذا يعني أنَّهم كانوا يملِكون قدرةً على الإصغاء لا يعرف مجتمعنا أيَّ شيءٍ عنها. وقد كانوا يُصغون طَوال الوقت. "وَوَقَفَ عَزْرَا الْكَاتِبُ عَلَى مِنْبَرِ الْخَشَبِ..." – وأعتقد أنَّ هذا، في اعتقادي، هو أصل هذه المَنابِر – "...الَّذِي عَمِلُوهُ لِهذَا الأَمْرِ، وَوَقَفَ بِجَانِبِهِ مَتَّثْيَا وَشَمَعُ وَعَنَايَا" والبقيَّة. وفي العدد 5: "وَفَتَحَ عَزْرَا السِّفْرَ أَمَامَ كُلِّ الشَّعْبِ، لأَنَّهُ كَانَ فَوْقَ كُلِّ الشَّعْبِ. وَعِنْدَمَا فَتَحَهُ وَقَفَ كُلُّ الشَّعْبِ". إذًا فقد وقفوا طَوال سِتِّ ساعاتٍ في السَّاحة المفتوحة وأصغوا إليه وَهُوَ يقرأ.
"وَبَارَكَ عَزْرَا الرَّبَّ الإِلهَ الْعَظِيمَ. وَأَجَابَ جَمِيعُ الشَّعْبِ: «آمِينَ، آمِينَ!» رَافِعِينَ أَيْدِيَهُمْ". وقد كانت تلك هي البداية، في اعتقادي، للشَّيء الَّذي ما زال يجري حين تُعلَن كلمة الله إذْ إنَّ النَّاس يقولون: "آمين". "وَخَرُّوا وَسَجَدُوا لِلرَّبِّ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى الأَرْضِ". ثُمَّ إنَّ أسماء الأشخاص الَّذينَ كانوا يساعدون عزرا مَذكورة في العدد 7. ثُمَّ انظروا إلى نهاية العدد 7: "أَفْهَمُوا الشَّعْبَ الشَّرِيعَةَ، وَالشَّعْبُ فِي أَمَاكِنِهِمْ. وَقَرَأُوا فِي السِّفْرِ، فِي شَرِيعَةِ اللهِ، بِبَيَانٍ، وَفَسَّرُوا الْمَعْنَى، وَأَفْهَمُوهُمُ الْقِرَاءَةَ".
وهذا هو الجانب الثَّاني في دراسة الكتاب المقدَّس. فأنت تَسمع، وتُصغي، وتستوعب كلَّ ما يمكنك أن تستوعبه، ثُمَّ إنَّك تنتقل إلى الخُطوة التَّالية. ما الَّذي يقوله الكتاب المقدَّس؟ السُّؤال الأوَّل: ما الَّذي يقوله الكتاب المقدَّس؟ السُّؤال الثَّاني: ما الَّذي يعنيه بما يقوله؟ ما الَّذي يعنيه بما يقوله؟ وهذا يعني تفصيل الحقِّ بالاستقامة أو تفصيل الحقِّ تفصيلاً دقيقًا. وهذا أمرٌ مهمٌّ جدًّا إن كان مُنسجمًا بعضُه مع بعض. فإن لم تُفَصِّل الأجزاء بالاستقامة لا يمكنك أن تضع تلك الأجزاء معًا.
لقد دار نقاشٌ بيننا ذات ليلة في اجتماع الشُّيوخ، وأعتقد أنَّه كان نقاشًا مفيدًا جدًّا بخصوص اللاَّهوت. وهناك أشخاص كثيرون يقولون: "أنا أرفض اللاَّهوت النِّظاميَّ وأقبل اللاَّهوت الكتابيّ". حسنًا، أنا أريد أن أُعرَف بأنِّي لاهوتيٌّ كِتابيٌّ. وبهذا المعنى، ينبغي أن ينبع لاهوتك...أن ينبع لاهوتك مِن النَّصِّ، وأن ينطلق لاهوتك مِن النَّصّ، وأن يَنبع لاهوتك مِن نَصِّ الكتاب المقدَّس. فلا يجوز أن تبتكر نظامًا لاهوتيًّا وأن تَطرحه كالشَّبكة على الكتاب المقدَّس، بل ينبغي أن تكون لاهُوتيًّا كتابيًّا. وهذا يعني أنَّ اللاَّهوت ينبع مِن النَّصِّ. فهو ينبع من الآيات نفسها.
ولكن اسمعوني بعناية فائقة: إنَّ هذا لا يتصادَم مع اللاَّهوت النِّظاميّ. صحيحٌ أنَّه قد يتصادم مع الفكرة الكلاسيكيَّة للاَّهوت العَقيديّ الَّذي هو نظام لاهوتيٌّ كَنَسِيٌّ فُرِضَ على الكتاب المقدَّس والنَّاس، وصحيحٌ أنَّه قد يتصادم مع اللاَّهوت العَقيديِّ الَّذي هو لفظ اصطلاحيٌّ لذلك؛ ولكنَّه لا يتصادم مع اللاَّهوت النظاميّ. وسوف أقول لكم ما أعنيه: عندما تقرأ كلَّ الكتاب المقدَّس وتفهم كلَّ الحقِّ الكامن فيه، وتَفهم كلَّ شيء يريد الله أن يقوله؛ عندما تنتهي سيكون ذلك نظامًا كاملاً لا عيب فيه ولا تناقُض فيه مِن الحَقّ. فلا بُدَّ أن يكون نظاميًّا لأنَّ الله هو إله ترتيبٍ كامل.
لذا، كما كنَّا نقول في ليلة سابقة، مِن البساطة المُفرطة أن تقول إنَّك ترفض اللاَّهوت النظاميَّ. لا يمكنك أن تقول ذلك. فيمكنك أن تقول: "أنا أرفض المنظومة اللاَّهوتيَّة غير الكتابيَّة أو اللاَّهوت العقيديّ الَّذي وضعته كنائس أو أشخاص أو شخص ما وفَرضوه على الكتاب المقدَّس. ولكن عندما تَفرغ مِن كلِّ عملك... أو مِن كلِّ عملك في اللاَّهوت الكتابيِّ، ستحصل منه على لاهوتٍ نِظاميٍّ مُتَّسِق تمامًا وخالٍ مِن التَّناقضات. وهذا هو ما يفعله النِّظام الكامل إذْ إنَّه يُحقِّق ويُنجز كلَّ شيء يَعكس تمامًا طبيعة الله. لذا فإنَّنا... فإنَّنا نحاول أن نحصل على مِثل هذا الفهم الشامل والكامل لما يُعلِّمه الكتاب المقدَّس مِن سِفْر التَّكوين إلى سِفْر الرُّؤيا كي يكون بمقدورنا أن نقول: "ها هو بنظامه الكامل، وانسجامه الكامل، وتوافُقه الكامل مِن دون تناقض".
وبهذا المعنى فإنَّنا نُقِرُّ باللاَّهوت النِّظاميِّ. وهو ليس مُفَسِّرًا للكتاب المقدَّس، بل هو نِتاج التَّفسير الصَّحيح للكتاب المقدَّس. فعندما ندرس كلمة الله باستخدام أدوات الشَّرح الاستدلاليِّ، والأسلوب التفسيريِّ ونَفهمُ الحقَّ الَّذي تُعلِنُه، سيكون كلُّ شيءٍ، في النِّهاية، منسجمًا تمامًا. وهذا جزء أيضًا مِن الإيمان بما نُسَمِّيه "توافُق الكتاب المقدَّس". وهذا يعني أنَّ الكتاب المقدَّس مُنسجمٌ مع نفسه، ومتوافقٌ مع نفسه، ولا يتناقض مع نفسه بأيَّة طريقة. صحيحٌ أنَّ هناك أمورًا غامضة لا نفهمها، وأنَّ هناك أمورًا تبدو متناقضة ظاهريًّا لنا، ولكنَّها ليست متناقضة البتَّة في الحقيقة لأنَّ الله هو إله ترتيبٍ وليس إله تشويش.
لِذا، مِن المهمِّ لنا أن نكون حذرين في تفسير الكتاب المقدَّس كي نفهم ما يقول، وكي يكون ما يقوله في نهاية المطاف متوافقًا تمامًا وفي انسجامٍ واتِّساقٍ تامٍّ من دون تناقض. والآن، إن أسأت التَّفسير في أثناء قيامك بذلك، لا يمكنك أن تحصل على ذلك النِّظام المُرَتَّب في النِّهاية. لِذا، من الضروريِّ جدًّا أن نُفَصِّل كلمة الله بالاستقامة. وهذا هو ما قُلته وأقوله على مَرِّ السِّنين. فالشَّخص الوحيد الَّذي يَحِقُّ له أن يكون لاهوتيًّا هو الَّذي يَستخدم التَّفسير التَّحقيقيَّ. فالشَّخص الَّذي يُفسِّر الكتاب المقدَّس يَملك الحقَّ في أن يقول: "أنا لاهوتيّ". أمَّا الشَّخص الَّذي لا يُفسِّر صفحات الكتاب المقدَّس فيستطيع أن يقول إنَّه لاهوتيٌّ؛ ولكنَّه لاهوتيٌّ مِن خلال استعارة كلام شخصٍ آخر. ولكنَّ أنقى شكلٍ مِن أشكال اللاَّهوت ينبع مِن النصِّ نفسه.
وقد أدَّى سوء تفسير الكتاب المقدَّس إلى مشاكل كثيرة جدًّا جدًّا جدًّا. واسمحوا لي أن أقدِّم لكم عددًا من الأمثلة التوضيحيَّة. فهناك مَن قال إنَّه منذ زمن الآباء الأوائل (مثل إبراهيم وإسحاق ويعقوب) كان الآباء يَتزوَّجون مِن أكثر مِن زوجة واحدة. لذا، يمكننا نحن أيضًا أن نفعل ذلك. مَن يقول ذلك؟ كنيسة المورمون. وقد قال آخرون إنَّه حيث إنَّ العهد القديم أقَرَّ بالحقِّ الإلهيِّ لملك إسرائيل فإنَّ جميع الملوك يملكون حقوقًا إلهيَّة. وقد ظهر في أوروبا مُلوك كثيرون يُمارسون ما كانوا يَظُنُّون أنَّه الحقُّ الإلهيّ. وقد استندوا في ذلك إلى إسرائيل في العهد القديم.
وحتَّى في أمريكا، كانت هناك وجهة النَّظر المدهشة التَّالية الَّتي ظهرت في "ماساتشوستس" (Massachusetts). فحيث إنَّ العهد القديم أمر بقتل السَّحرة، يجب علينا أن نقتلهم أيضًا. وحيث إنَّ هناك أوبئة في العهد القديم كانت مِن عند الله، يجب علينا أن نتجنَّب التَّعقيم. وهذه وجهة نظر مدهشة: فإذا ابتدأتُم في تطبيق... إذا ابتدأتُم في تطبيق معايير عالية للنَّظافة فإنَّكم تُعيقون عمل الله. فحيث إنَّ الله يستخدم الأوبئة لمعاقبة الأشرار، يجب علينا أن نتجنَّب التَّعقيم.
وهناك وجهة نظر مدهشة أخرى ظَهرت: لأنَّ العهد القديم يُعلِّم أنَّ المرأة تعاني آلام المخاض بسبب دينونة الله، لا يجوز أن تُعطَى المرأة أيَّ أدوية مُسَكِّنة. وهذه وجهة نظر غريبة. أليست كذلك؟ فحيث إنَّ جزءًا من لعنة الله على البشريَّة هو أن تُعاني المرأة آلام المخاض، فإنَّ أيَّ شيءٍ يُسَكِّن ذلك الألم يُعارض مشيئة الله. وقد أخبرتكم عَمَّا حدث معي في رومانيا قبل سنوات. وهذا يَصِحُّ أيضًا على روسيا. فحيث إنَّ النِّساء يَخلُصن بالولادة، لا يجوز لهنَّ أن يفعلن أيَّ شيءٍ لمنع الحمل. وإن فعلن ذلك يومًا فإنَّهنَّ يُعَرِّضن أنفسهنَّ لخطر فقدان خلاصهنَّ.
والآن، هناك أشخاص ينظرون إلى الكتاب المقدَّس ويرَون كلَّ هذه الأشياء ويَحُكُّون رأسهم ويقولون: "لا أدري ماذا أفعل بكلِّ هذه الآيات!" وما زلتُ أَذكُر أنِّي تحدَّثتُ إلى رجلٍ معروفٍ جدًّا كان راعيًا وزميلاً سابقًا لي في أيَّام دراستي. فقد ذهب أخيرًا لدراسة اللاَّهوت، وتخرَّج من كُليَّة اللاَّهوت، وصار راعيًا لإحدى الكنائس. وقد كنتُ أتحدَّث إليه ذات يوم في مؤتمرٍ في "هيوم ليك" (Hume Lake) حيث تَلَقَّى كُلٌّ مِنَّا دعوةً للوعظ في ذلك المؤتمر. وقد كان يتحدَّث عن تفسير العهد القديم. وقد قال للحاضرين جميعًا: "أتعلمون شيئًا؟ لقد قرَّرتُ أن أَقبل فكرة أنَّ كلَّ ما كُتِبَ هو للجميع". كلُّ ما كُتب في العهد القديم هو للجميع؟ هذه... إنَّ هذه جملة غريبة جدًّا!
لذا، عندما رأيته بعد بضعة جلسات قلتُ له: "أريد أن أسألك شيئًا بخصوص ما قلته مساء أمس. لقد قلت إنَّك قرَّرت أن تحاول فهم كلِّ ما في العهد القديم فوجدتَ أنَّه مُعَقَّد جدًّا. لذا فقد قَرَّرتَ أن تَقبل أنَّ كلَّ ما كُتِب هو للجميع". وقد حدث أنِّي أمسكتُ به مُتَلَبِّسًا وهو يأكل السُّجُق. وهي لم تكن مِن النَّوع البقريِّ الخالِص. ما الَّذي تعنيه بأنَّك تَقبل أنَّ كلَّ ما كُتب هو للجميع؟ متى كانت آخر مَرَّة ذَبحتَ فيها خروفًا؟ ولماذا تَقُصُّ سَالِفَيْكَ ولا تَلُفّهُما حول أذنيك؟ ولماذا تأكل ذلك السُّجُق؟
لا يمكنك أن تقول ذلك. فيجب أن تُفَسِّر الكتاب المقدَّس. فلا يمكنك أن تخرج بفكرة عامَّة. فالنَّاس يسألونني غالبًا: "ما هو مفتاح تفسير العهد القديم كي نفهم ما كان يَخُصُّ اليهود في زمانهم وما يَخُصُّنا نحن؟" الجواب: سِياقُ كلِّ نَصّ. فلا توجد صيغة واحدة يمكنك أن تُطَبِّقها على كلِّ العهد القديم. والآن، عندما نتعامل تعامُلاً سليمًا مع كلمة الله، هناك ثلاثة أخطاء ينبغي أن نَتجنَّبَها. وسوف أذكُر لكم هذه الأخطاء الثَّلاثة الَّتي ينبغي تجنُّبها. وفي يوم الأحد القادم، سوف نتحدَّث عن كيف نُفَسِّر كلمة الله تفسيرًا صحيحًا.
هناك ثلاثة أخطاء ينبغي أن نتجنَّبها. لا تَستنتِج يومًا استنتاجًا مُعيَّنًا على حساب التَّفسير الصَّحيح. لا تَستنتِج يومًا استنتاجًا مُعيَّنًا أو نُقطة مُعيَّنة على حساب التَّفسير الصَّحيح. لا تستخدم يومًا الكتاب المقدَّس لدعم وجهة نظرك الشخصيَّة. فقد تخرج بفكرة تَروق لك، وتعتقد أنَّها قد تنجح، فتُحاول تأييدها بآياتٍ كتابيَّة. وما أعنيه هو أنَّ هذا قد يؤدِّي إلى نتيجة غريبة حقًّا.
فقد سمعتُ ذات مَرَّة واعظًا هائجًا يَعِظ مُنتقدًا النِّساء اللَّاتي يَرفَعْنَ شَعرهنَّ إلى أعلى فوق رؤوسهنَّ لأنَّه كان يظنُّ أنَّه حيث إنَّ شعر المرأة هو غطاؤها ومجدٌ لها، يجب عليها أن تَسْدِلَ شعرها طوال الوقت. لذا فقد كان رفعُها لشعرها فوق رأسها تَعَدِّيًا على الكتاب المقدَّس. ومِن الواضح أنَّ الآية المستخدمة موجودة في إنجيل مَتَّى والأصحاح 24: "وَالَّذِي عَلَى السَّطْحِ فَلاَ يَنْزِلْ". وأنتم تعرفون الآية؟ أليس كذلك؟ فهي تتحدَّث عن وقت الضِّيقة العظيمة وتقول: "وَالَّذِي عَلَى السَّطْحِ فَلاَ يَنْزِلْ".
وهذا يُشبه الواعظ الَّذي ذهب في أحد الأيَّام لافتقاد رعيَّته فطَرَق باب أحد البيوت كي يُقدِّم المشورة الرُّوحيَّة. وقد قَرع وقَرع. وكان بمقدوره أن يرى التِّلفزيون في الدَّاخل دائرًا، والأنوار مُنيرة. فراح يَقرع ويَقرع ويَقرع ويَقرع دون أن يَفتح له أحد. لذا فقد أَخرجَ ورقةً وكَتبَ عليها: "هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ"، وتركها عند مقبض الباب. ويوم الأحد، جاءت سيِّدة وسَلَّمتهُ ورقةً تقول: تكوين 3: 10: "كنتُ عُريانةً فاختبأت".
لِذا، أعتقد أنَّ هناك استخدامات غريبة للكتاب المقدَّس لأنَّ تلك طريقة غريبة لتوضيح القصد. فالكتاب المقدَّس يُستخدَم بطريقة خرقاء. وهذا جانبٌ واحدٌ وحسب. فالكتاب المقدَّس يُستخدم استخدامًا غير مناسب ويُساء استعماله. وأنا أذكُر أنِّي قرأت عن تفسيرٍ لمُفسِّرين يهود... وقد لا يكون هذا الأمر وثيق الصِّلة بنا، ولكنِّي قرأتُ عن مُفَسِّرين يهود للكتاب المقدَّس منذ وقتٍ طويل كَتبوا عن بُرج بابل فقالوا أمورًا غريبة جدًّا. وَهؤلاء مِن أحبار اليهود الَّذينَ أرادوا أن يُعَبِّروا عن قَلقهم على النَّاس.
فقد كان هناك أحبارٌ لليهود أبدوا قَلقًا شديدًا مِن أنَّ النَّاس في إسرائيل لم يكونوا يُبالون بإظهار الحُبِّ للآخرين. لذا فقد أخذوا قصَّة بُرج بابل وقالوا إنَّ السَّبب في أنَّ الله بَلْبَلَ ألسنةَ النَّاس وشَتَّت الأمم في جميع أنحاء الأرض هو أنَّ... ولعلَّكم تذكرون أنَّهم كانوا يبنون هذا البُرجَ وأنَّهم ارتفعوا في بنائه أكثر فأكثر فأكثر. وقد أساء هؤلاء الأحبار تفسير هذه القصَّة المدهشة عن الأشخاص الَّذينَ كانوا يحملون المِلاط، أو يَحملون الطِّين والطُّوب إلى أعلى. فكلَّما زاد ارتفاع البناء أكثر فأكثر، كان يتعيَّن عليهم أن يصعدوا أكثر إلى أعلى، وأن يمشوا، وأن يصعدوا إلى أعلى وأعلى وأعلى.
وبحسب هذا الرَّأي الَّذي نادت به فئة مِن أحبار اليهود، سقط كثيرون منهم عن السِّقالاتِ وماتوا. وكان الأمر يتطلَّب ساعات طويلة جدًّا كي يحمل الرَّجُل حُمولةً مِن الطُّوب وموادِّ البناء إلى أعلى. ولا شَكَّ في أنَّه إذا سقطَ رجُلٌ في أثناء نُزوله مِن البُرج فإنَّ أحدًا لن يَكترث به. أمَّا إن سقط في أثناء صُعوده فإنَّهم سيخسرون الطُّوب. لذا فقد كانوا يَنوحون لأنَّ الطُّوب سقط. وهذا هو السَّبب في أنَّ الله بَلبَل ألسنتهم لأنَّهم كانوا يَهتمُّون بالطُّوب أكثر مِن اهتمامهم بموت النَّاس.
وقد فَسَّر أحبارُ اليهود ذلك المقطع بهذه الطَّريقة مِن أجل توصيل فكرتهم. وهي نُقطة جيِّدة. فيجب عليك أن تهتمَّ بالنَّاس أكثر مِمَّا تهتمَّ بالطُّوب. ولكنَّ هذا غير مكتوب في القصَّة. لِذا، لا تُفَسِّر آياتِ الكتاب المقدَّس بعيدًا عن سِياقِها. ولا تحاول أن تُثبِتَ نُقطةً مَا على حساب التَّفسير السَّليم والصَّحيح. وهذا يتطلَّب اجتهادًا، ودراسةً دقيقةً، ودراسةً مُتأنِّيةً كي نُفَصِّل كلمة الحقِّ بالاستقامة دون أن نَخْزَى (2تيموثاوس 2: 15).
ثانيًا، تَجنَّب التَّفسير السَّطحيَّ. تجنَّب التفسير السطحيّ. فواحدة من المشاكل الشائعة في تفسير الكتاب المقدَّس هي العبارة القصيرة التَّالية: "إنَّ هذه الآية تعني بالنِّسبة إليَّ كذا وكذا وكذا". اسمحوا لي أن أقول لكم شيئًا: لا أهميَّة لِما تعنيه بالنِّسبة إليك. فالمسألةُ تتعلَّق بمعناها حتَّى لو لم تكن أنت على قَيْد الحياة؟ فما هو معناها حتَّى لو لم تكن أنت على قَيْد الحياة؟
فما تعنيه وحسب هي النُّقطة الجوهريَّة؛ لا ما تعنيه بالنِّسبة إليك. فأحيانًا تسمعون النَّاس يجتمعون معًا ويعقدون ما يُسَمُّونه "درس كتابٍ مُقدَّس"؛ ولكنَّه ليس أكثر مِن تَجَمُّعٍ للجهل. فالنَّاس يقولون: "أنا أنظر إلى هذه الآية وأشعر أنَّ هذه الآية تقول كذا". لا أهميَّة لما تشعر به. فلا صِلَة لمشاعرك بهذا الأمر.
فلا صِلة للأمر بمشاعرك تُجاه الآية، ولا بما تعتقد أنَّها تَعنيه بالنِّسبة إليك. تجنَّب الارتجال في تفسير الكتاب المقدَّس، وتجنَّب العشوائيَّة في تفسير الكتاب المقدَّس، أو المُعالجة الاعتباطِيَّة لكلمة الله. فنحن جميعًا نريد أن نُقِرِّ بكهنوت المؤمن. أجل، نحن جميعًا نريد أن نُقِرَّ بأنَّ لنا مَسحة مِن الله، مِن روح الله الَّذي يسكن فينا. وروح الله الَّذي يسكن فينا هو المُعلِّم الَّذي يُعلِّمنا. نحن جميعًا نريد أن نُقِرَّ بذلك. ولكنَّ هذا لا يُعطينا مُبرِّرًا لتفسير الكتاب المقدَّس اعتباطيًّا. لذا فإنَّ الآية 1تيموثاوس 5: 17 تقول: "أَمَّا الشُّيُوخُ الْمُدَبِّرُونَ حَسَنًا فَلْيُحْسَبُوا أَهْلاً لِكَرَامَةٍ مُضَاعَفَةٍ". فهو عمل جَادّ.
تَجنَّب التَّفسير السَّطحيَّ. وتجنَّب القول: "هذا يعني في نظري كذا". فلا يجوز أن تكون هذه هي الجُملة الَّتي تسبق أيَّ تفسير للكتاب المقدَّس. فالسُّؤال الحقيقيُّ هو: ما الَّذي تعنيه الآية لو لم تكن أنت على قَيْد الحياة؟ وما الَّذي كانت تعنيه قبل حتَّى أن تُولد أنت؟ وما هو معناها بعد أن تموت؟ وما معناها بالنِّسبة إلى الأشخاص الَّذينَ لم يلتقوكَ يومًا؟ فمعناها وَحَسْب هو النُّقطة الجوهريَّة.
ثُمَّ ثالثًا...هناك شيء آخر أريد أن أَذكرَه، وَهُوَ يختصُّ بالتجنُّب: تَجنَّب إضفاء صِبغة رُوحيَّة أو مَجازيَّة على الكتاب المقدَّس. تَجنَّب إضفاء صِبغة رُوحيَّة أو مَجازيَّة على الكتاب المقدَّس. وما أعنيه بذلك هو إضفاء معنى صُوفيٍّ على الكتاب المقدَّس. بعبارة أخرى، أن تقول إنَّ المعنى الواضح ليس هو المعنى الحقيقيَّ، بل إنَّ المعنى المُبَطَّن هو المعنى الحقيقيّ. وهذا أسلوبٌ شائعٌ جدًّا. ويمكننا أن نتحدَّث مُطَوَّلاً عن إضفاء صبغةٍ مجازيَّة غير صحيحة. فهو أمر شائع جدًا بالرَّغم مِن أنَّه ليس شائعًا اليوم كما كان شائعًا في وقتٍ مَضى، ولكنَّه في طريقه إلى الانتشار مِن جديد.
وإضفاء صِبغة مجازيَّة يعني أن تقول إنَّ المعنى التاريخيَّ ليس هو المعنى الحقيقيَّ، بل إنَّه في الحقيقة قد يكون تلفيقًا وحسب. أيْ أن تقول إنَّ المعنى التاريخيَّ ليس هو المعنى الحقيقيَّ، بل إنَّ المعنى الحقيقيَّ هو المعنى الروحيَّ الكامِن تحت السَّطح. وحالما تقول إنَّ شيئًا ما في الكتاب المقدَّس مَجازيٌّ (أي أنَّه مُجرَّد رمزٍ للحقيقة) فإنَّك تجعل معرفة ذلك المعنى الحقيقيّ أمرًا مستحيلاً لأنَّه إن لم يكن بمقدورنا أن نُميِّز ذلك المعنى الحقيقيَّ مِن خلال الفهم العاديِّ للُّغة، كيف يمكن تمييزه؟
فمثلاً، هناك كتاب كُتب قبل سنوات طويلة بعنوان: "إذا هَلَكْتُ، هَلَكْتُ" (If I Perish, I Perish). وقد كان القصد منه هو أن يكون كتاب تفسير لسفر أستير. وفي هذا الكتاب، تَمَّ إضفاء صبغة مجازيَّة على سِفْر أستير فصارت أستير هي الرُّوح القُدُس. وقد تَمَّ تفسير القصَّة بأسرها بأنَّها تحكي عن عمل الرُّوح القُدُس في حياة مؤمنةٍ في معركةٍ بين الجسد والرُّوح، وأنَّ هناك حرب روحيَّة، وما إلى ذلك. وأغلبيَّة الأشياء المذكورة في ذلك الكتاب هي حقائق يذكرها العهد الجديد، ولكِنْ لا صِلة لها البتَّة بسفر أستير. لذا فقد تَمَّ التَّلاعب بمعنى سِفْر أستير. ولا يمكن لأيِّ شخص يقرأ سِفْر أستير أن يفهم ذلك المعنى. فلا يمكن للفهم العاديِّ لسفر أستير أن يَنقل ذلك المعنى.
كُنَّا أنا وزوجتي "باتريشا" (Patricia) في مؤتمرٍ للكتاب المقدَّس في "ليك جنيفا" (Lake Geneva)، وكنتُ أنا هناك مع مُتكلِّم آخر أو واعِظ آخر. ولن أنسَ يومًا تلك المناسبة لأنَّه كان يَعِظ، وكنتُ أنا أعظ، وكُنَّا نتبادل. وقد صَرفنا وقتًا ممتعًا في القيام بذلك. وقد قلتُ له... في أثناء فترة الغداء أو الاستراحة في المقهى الصَّغير في مركز المؤتمرات ذاك، في "كُليَّة جورج وليامز" (George Williams College) في "ليك جنيفا". فقلتُ: "ما موضوع عظتك في هذا المساء؟" قال: "سأعظ عن اختطاف الكنيسة".
قلتُ: "آه، هذا عظيم. سيكون ذلك رائعًا. وأنا مُتيقِّنٌ مِن أنَّ الحُضور سيتشجَّعون". ثُمَّ قلتُ: "وما المقطعُ الكتابيُّ الَّذي ستستخدمه؟" قال: "إنجيل يوحنَّا والأصحاح 11". قلتُ في نفسي: "إنجيل يوحنَّا والأصحاح 11؟" إنَّ الاختطاف مذكور في يوحنَّا 14، وفي رسالة تسالونيكي الأولى 4، وفي رسالة كورنثوس الأولى 15. ماذا يوجد في يوحنَّا 11؟" قلتُ: "يوحنَّا 11 يتحدَّث عن قيامة لِعَازَر. فهو كُلُّه يتحدَّث عن إقامة لِعازَر من القبر، وعن مريم ومرثا". وقلتُ: "كيف ستعظ عن الاختطاف مِن يوحنَّا 11؟" قال: "يجب أن تأتي اللَّيلة". قلتُ: "أعتقد أنَّني سآتي". لِذا فقد وعظ عن الاختطاف مِن إنجيل يوحنَّا والأصحاح 11.
والآن، لا يمكنني أن أَذكُر ما حدث...فقد كانت العظة ذكيَّة، وكان النَّاس يقولون: "إنَّها عميقة...عميقة...ورائعة". ولكنَّهم لا يَعلمون الحقيقة. فقد فَسَّرَ أنَّ لِعازَر هو الكنيسة، وأنَّ خُروجه مِن القبر يَرمز إلى قيامة الأبرار الأموات مِن الموت. وأعتقد أنَّهُ قال إنَّ مرثا ترمز إلى قدِّيسي العهد القديم، وإنَّ مريم ترمز إلى قدِّيسي العهد الجديد. وقد راح يَعِظ مُدَّة ساعة بطريقة ذكيَّة جدًّا. ولكنَّ التَّفسير لم يكن صحيحًا.
وعندما انتهى، التقينا مَرَّةً أخرى فقال لي... قال: "هل رأيتَ ذلك يومًا في يوحنَّا 11؟" قلتُ: "لم يَرَ أحدٌ ذلك يومًا في يوحنَّا 11". وفي اليوم التَّالي، عندما نهض ليعظ، قال: "يجب أن تَعلموا أنِّي حَصلتُ على إطراءٍ رائعٍ يوم أمس. فقد قال جون ماك آرثر لي إنَّ أحدًا قبلي لم يَرَ ذلك في يوحنَّا 11". صحيحٌ أنِّي أُوْمِنُ باختطاف الكنيسة، ولكنَّه ليس مذكورًا في يوحنَّا 11. فهناك أمور أخرى في يوحنَّا 11 ينبغي أن تكون مادَّة الوعظ.
ولكن حين تقول لي إنَّ ما يقوله ليس ما يعنيه، يمكنك حينئذٍ أن تقول لي إنَّه يعني أيَّ شيء. فإن لم أتمكَّن من معرفة المعنى مِن خلال الاستخدام العاديِّ للُّغة، كيف يمكنني أن أعرف المعنى؟ وقد استمعتُ إلى سلسلةٍ مِن ثمانية أجزاء، وهي دراسة...دراسة لسفر نحميا. وأنا أذكر ما يلي تمامًا لأنَّنا كُنَّا قد اجتمعنا للتَّحاور والمشورة عندما كان "جيري ميتشيل" (Jerry Mitchell) أحد الرُّعاة لدينا قبل سنوات. فقد جاء "جيري" إليَّ وقال: "لديَّ جلسة مشورة غريبة جدًّا في هذا الصَّباح يا جون. ربَّما يمكنك أن تساعدني فيها.
"أنا أُقدِّم المشورة لشابٍّ وفتاة يرغبان في الزَّواج. فقد قَرَّرا أن يتزوَّجا. وقد ابتدأت بسؤالهم عن سبب رغبتهما في الزَّواج. والجواب الوحيد الَّذي قَدَّماه هو إنَّهما سيتزوَّجان بسبب عظة قَدَّمها راعي كنيستهما". وقد كان هو نفس الرَّاعي الَّذي قَدَّم تلك السِّلسلة الَّتي كنتُ أستمع إليها. فقلتُ: "حسنًا، وما الموضوع الَّذي قَدَّمه في عظته؟" فقال: "لقد تحدَّث عن أسوار أريحا"؟ قلتُ: "ماذا تعني أنَّه تحدَّث عن أسوار أريحا؟ ما علاقة ذلك بزواجهما؟"
قال: "ما حدث هو التَّالي: إذا طلبتَ شيئًا ودُرْتَ حَوله سبع مرَّات ستسقط أيُّ مُمانعة وتحصل عليه. لذا فقد قال إنَّك إذا رأيتَ فتاةً تؤمن حقًّا بأنَّها اختيار الله لك، اعثر وحسب على طريقةٍ للدَّوران حولها سبع مرَّات. وحينئذٍ ستسقط أسوار قلبها". وعلى أساس تلك العظة، قَرَّر هذا الشَّاب وهذه الفتاة أن يتزوَّجا. وقد قال "جيري": "ماذا، في رأيك، ينبغي أن تكون مشورتنا إليهما لأنَّنا...؟" وقد خُضْنا نقاشًا مدهشًا.
وقد انتقلتُ مِن ذلك إلى السِّلسلة الَّتي تتحدَّث عن نحميا فوجدتُ أنَّه يقول إنَّ نحميا يرمز إلى الرُّوح القُدُس، وإنَّ بِرْكَة المَلِك الَّتي في المدينة...فكما تَعلمون، عندما كانوا يبنون السُّور، يَذكُر نحميا بِرْكَة الملك. والبِرْكَة تَرمِزُ إلى معموديَّة الرُّوح القُدُس. وبناء السُّور، والطِّين الَّذي يوضع بين الطُّوب هو ألسِنَة. والقصد الرئيسيُّ مِن سِفْر نحميا هو أنَّ الله يريد أن يُرسل الرُّوح القُدُس كي يُعَمِّدَكَ بالرُّوح ويبني الأسوار المُنهدمة لشخصيَّتك البشريَّة مِن خلال التكلُّم بألسنة.
والآن، هل تَرون! إن كنتم ستفعلون ذلك بالكتاب المقدَّس، لن تحصلوا على ذلك مِن النَّصّ. فهذا مُجَرَّد خَيال. ولكنَّ هذا يحدث طَوال الوقت. ولطالما قلتُ...فأحيانًا أقول للرُّعاة لدينا: "لستم بحاجة إلى الكتاب المقدَّس مِن أجل ذلك. فإن كنتم ستفعلون ذلك، يمكنكم أن تستخدموا أيَّ شيء...يمكنكم أن تستخدموا أيَّ شيء". فيمكنكم أن تعظوا عن "بو پيپ" (Bo Peep) الصَّغيرة. يمكنكم ذلك. فيمكنك أن تبتدئ بالقول: " بو پيپ الصَّغيرة! صحيحٌ أنَّها كانت صغيرة، ولكنَّ الله يستطيع أن يستخدم الصِّغار. وقد كان اسمها...لقد كان اسمها بو پيپ. ويا له مِن اسمٍ عاديّ! وقد كان اسمُها مَحَطَّ سُخرية! ولكنَّ الله يستخدم الأشخاص الَّذينَ يَسخَر الآخرون منهم. بو پيپ الصَّغيرة أضاعت خروفها. وفي جميع أنحاء العالم، الخِرافُ تضيع. وهي لا تعرف أين ستعثر عليه؟" والجزء الوحيد الَّذي لم أفهمه هو كيف ستُفسِّرون تحريك تلك الخِراف لأذيالها وراءها!
فمِن الخطر جدًّا أن تُضْفوا صِبغةً مجازيةً أو روحيَّة على الكتاب المقدَّس. فما يعنيه هو ما يقوله حين يُفهَم فَهمًا صَحيحًا في سياقه التاريخيّ. وسوف أكتفي بهذا القدر في هذا المساء. وفي يوم الأحد القادم، سأخبركم كيف تفعلون ذلك. حسنًا؟ انظروا كيف مَضى الوقت! اعذروني! دعونا نُصَلِّي:
يا أبانا، ساعدنا على أن نُحِبَّ كلمتك، وأن تنمو هذه المحبَّة في قلوبنا إلى الحَدِّ الَّذي يدفعنا إلى دراستها بأمانة واجتهاد. نشكرك على إعطائنا كلمتك. ونشكرك على موهبة اللُّغة الَّتي نستطيع مِن خلالها أن ننقل الحقَّ بطريقة بسيطة ومباشِرة. يا رَبّ، أَرِنا الحقَّ في أثناء دراستنا الجادَّة لكلمتك. فيا ليتنَا نُفَصِّلها بالاستقامة كي تعمل حقائقُها على تغييرنا وتمجيدك. باسم المسيح. آمين!

This article is also available and sold as a booklet.