Grace to You Resources
Grace to You - Resource

لقد سَلَّمَني صديقي "رون" (Ron) مَقالةً صَغيرة نُشِرَتْ في صَحيفة "لوس أنجلوس تايمز" (Los Angeles Times) يوم الجُمعة 25 حزيران/يونيو، أيْ قبل أسبوعين فقط، تقول إنَّ صاروخ دلتا-2 حَمَلَ مِنظارًا خاصًّا بالوكالة الوطنيَّة للفضاء والطَّيران (NASA) مُنْطَلِقًا مِن "كيب كانيفرال" (Cape Canaveral) يوم الخميس في رحلة تَستَغرِق ثلاث سنوات بتكلفة 204 مليون دولار أمريكيّ لمحاولة اكتشاف أَصْل الكون. وهذا يعني أنَّ 204 مليون دولار مِن ضَرائِبِكم وضَرائبي تُستخدَم لمحاولة اكتشاف ما جاءَ في الأصحاح الأوَّل مِنْ سِفْر التَّكوين. مُدهش!

إنَّ الشَّيطانَ هو أَلَدُّ عَدُوٍّ لله. والشَّيطانُ كَذَّابٌ ومُخادِع. والكتاب المقدَّس يقول عنه إنَّهُ أبو الكَذِب. فالشَّيطانُ يَكرهُ الحقَّ الإلهيَّ ويُهيمِن على العالم الَّذي يَحْكُمُهُ بالكَذِب. والحقيقة هي أنَّنا نقرأ في رُومية 1 أنَّ البشرَ عامَّةً قد استبدلوا حَقَّ اللهِ بالكذب. بعبارة أخرى، فإنَّ العالمَ يَعيشُ في خِداعٍ وضَلالٍ شَديدَيْن. وأكاذيبُ الشَّيطانِ تُفسِد حَرفيًّا كُلَّ فِكْرٍ بشريٍّ يَقِفُ وراءَ كُلِّ عملٍ يتطلَّبُ ذكاءً، وكُلِّ عِلْمٍ، وكُلِّ فلسفةٍ، وكُلِّ عِلْمِ اجتماع، وكُلِّ عِلْمِ نَفْس، وكُلِّ شيءٍ آخر.

وهناكَ كِذْبَتان مُحَدَّدَتان تُوفِّران القاعدة الأساسيَّة للثَّقافة المُعاصِرة. كِذْبَتان. الكِذْبة الأولى هي أنَّ الحياة عَشوائيَّة – بِمَعنى أنَّ الأشياءَ بصورتِها الحاليَّة قد حَدَثَتْ وَحَسْب دونَ تَخْطيطٍ مِنْ أَحَدٍ، ودونَ تَنفيذٍ مِنْ أحد. فقد نَشَأت بتلك الطَّريقةِ وحَسْب. فالحياةُ عشوائيَّة. ولا يوجد لها قَصْد. ولا يوجد لها سَبَب. ولا توجد خُطَّة سِياديَّة تَجْري وتُنَفَّذ مِنْ قِبَلِ خالِقٍ مُصَمِّمٍ وقَدير. فالحياةُ عَشوائيَّة وحسب. بعبارة أخرى، فإنَّ الكَوْنَ بصورَتِه الحاليَّة لم يُخْلَقْ مِنْ قِبَلِ الله. واللهُ ليسَ صاحِبَ السُّلْطان على هذه الخَليقَة. فهي وُجِدَت بالصَّدفة العَمياء وبطريقة عشوائيَّة.

الكِذْبة الثَّانية: فالكِذبة الأولى هي أنَّ الحياة عَشوائيَّة. أمَّا الكِذْبة الثانية فهي أنَّ الحَقَّ نِسْبِيٌّ ... أنَّ الحَقَّ نِسْبِيٌّ. وهذا يَعني أنَّ الكتابَ المُقدَّسَ ليس كلمة الله، وأنَّ الكتابَ المقدَّسَ لا يُقدِّمُ لنا الحقيقةَ بخصوصِ الصَّوابِ والخطأ، أوِ الحياةِ والموتِ، أوِ الأخلاقِ والفُجورِ في الماضي والمُستقبل. فلا يوجد سُلْطان خَارِج نِطاقِ نَفْسِك. فالحياة عَشوائيَّة. والحَقُّ نِسْبِيٌّ.

وقد تَرَسَّخَتْ هاتانِ الكِذْبَتان في مُجتمعِنا حتَّى إنَّ النَّاسَ يَكرهونَ النَّظرة العالميَّة المسيحيَّة الَّتي تُعارِض هاتَيْنِ الكِذْبَتَيْن. فنحنُ لا نُؤمن بأنَّ الحياةَ عشوائيَّة. بل إنَّنا نُؤمنُ بأنَّ الكَوْنَ بصورته الحاليَّة قد خُلِقَ مِنْ قِبَلِ اللهِ، وأنَّهُ مَحْفوظٌ مِنْ قِبَلِ اللهِ، ويُدارُ مِنْ قِبَلِ الله. ونحنُ لا نؤمن بأنَّ الحَقَّ نِسْبِيٌّ، بل نؤمن بأنَّ الحَقَّ مُطْلَقٌ، وبأنَّهُ مُعْلَنٌ بالمُطْلَق مِن خلالِ صفحاتِ الكتابِ المقدَّسِ الَّذي هو إعلانُ الله.

وحين نقول إنَّ الحياةَ كما نَعْرِفُها، وأنَّ الكَوْنَ كَما نَعْرِفُهُ هُما عَمَلُ اللهِ الخالِقِ صاحِبِ السِّيادَةِ والذي يَحْفَظُ الكَوْنَ، وأنَّهُ هو الَّذي ابتدأَ الكَوْنَ، وهو الَّذي سيُبْطِلُه، فإنَّنا بذلك نُعارِض التَّيَّارَ السَّائدَ في ثقافَتِنا. وحين نقول إنَّ الحَقَّ مُطْلَقٌ وإنَّ الحَقَّ مُعلنٌ في الكتاب المقدَّس فإنَّنا بذلك نَجْلِبُ على أنفُسِنا عَداوَةَ المُجتمعِ مِنْ حولِنا. فهناكَ عَقيدَتانِ سائِدَتان: أنَّهُ لا يوجد خالِق، وأنَّهُ لا توجد شريعة أخلاقيَّة. وهذا يُنَصِّلُ الإنسانَ مِنْ أيَّة مُساءَلة.

وفي هذه السِّلْسِلَة، فإنَّنا نَتَفَحَّصُ كِلْتا هَاتينِ الكِذْبَتَيْن لأنَّ الكِذْبَة القائلة إنَّ الحياةَ عشوائيَّة تَتَطاوَل على ما جاءَ في الأصحاح الأوَّل مِن سِفْر التَّكوين. فالأصحاحُ الأوَّلُ مِنْ سِفْر التَّكوين يَختلف كُلَّ الاختلافِ عَمَّا تقولُهُ نظريَّة التطوُّر لأنَّهُ يُرَسِّخ حقيقة أنَّ اللهَ هو خالِقُ كُلِّ شيء كما نَعْرِفُهُ الآن. كذلك، مِنْ خلالِ قَبولِ ما يُعَلِّمُهُ الأصحاحُ الأوَّلُ مِنْ سِفْر التَّكوين كما هو، فإنَّنا نَصُدُّ الهُجومَ على الكتابِ المقدَّسِ ونؤكِّدُ أنَّهُ كلمة الله. فنحنُ نؤمن أنَّ الكتابَ المقدَّسَ هو كلمة الله بِغَضِّ النَّظَر عَمَّا يقولُه – سَواءٌ كانَ يتحدَّث عنِ التَّاريخِ أوِ الأخلاقِ أوِ الخَلْق.

وهاتانِ الكِذْبَتان تَسيرانِ جَنْبًا إلى جنب. وأنصارُ نظريَّة التطوُّر الَّذينَ يَرفضونَ فِكرة وجود إلَهٍ خالِق يَرفضونَ أيضًا فِكرة أنْ يكونَ الكتابُ المقدَّسُ كِتابًا ذَا سُلْطانٍ كَتَبَهُ ذلكَ الإلَهُ الخالِق. ولكِنَّ الأَدْهَى مِنْ ذلكَ هو أنَّ أنصارَ نظريَّة التطوُّر، سواءٌ أولئكَ الَّذينَ يُؤمنون بالتطوُّر الإلهيِّ (أيْ أولئكَ الَّذين يقولونَ إنَّ التطوُّر حَدَثَ، وإنَّ اللهَ موجودٌ، وَلكنَّهُ استخدمَ التطوُّر)، أو أنصار نظريَّة التطوُّر الَّذينَ يَتْبَعونَ المَذهبَ الإنسانيَّ، في كِلتا الحالَتَيْن، فإنَّ أيَّ نَصيرٍ مِنْ أنصار نظريَّة التطوُّر، سَواءٌ أَكانَ يؤمنُ بوجود الله أَمْ لا يؤمن بوجودِه، يَجِدُ نَفْسَهُ مُضْطَرًّا، لكي يُناصِر نَظريَّة التطوُّر، إلى إنْكارِ ما جاءَ في الأصحاح الأوَّل مِن سِفْر التَّكوين.

وهذا يُحَتِّمُ عليهِ أيضًا أنْ يُنْكِرَ أنَّ اللهَ خَلَقَ الكونَ بصورتِه الحاليَّة، ويُحَتِّمُ عليه أنْ يُنكرَ أنَّ قِصَّةَ الخَلْقِ [كما ذُكِرَتْ في الكتاب المقدَّس] معصومَة، ومُنَزَّهة، وصحيحة. لِذلك، فإنَّنا نُعارِضُ هاتينِ الكِذْبَتَيْنِ الخَطيرَتَيْن لأنَّ تكوين 1 يُؤكِّد أنَّ الله هو الخالِق، ويؤكِّد أنَّ قصَّة الخليقة المذكورة في الكتاب المقدَّس هي في الحقيقة: مَعصومة، ومُنَزَّهة، وصَادقة.

فالنَّظرة المسيحيَّة بِحَقّ تُؤمِنُ بأنَّ الكتابَ المقدَّسَ هو كلمة الله، وبأنَّ اللهَ موجودٌ، وبأنَّهُ أَعْلَنَ ذاتَهُ في الكتاب المقدَّس. لِذا فإنَّ النَّظرة المسيحيَّة بِحَقّ هي أنَّ اللهَ هو الخالق، وأنَّ اللهَ هو مُعطي الشريعة الأدبيَّة، وأنَّ الكونَ مِنْ حولِنا هو عَمَلُ يَدَيْه المُبْدِعَتَيْن، وأنَّ الكتابَ المقدَّسَ هو الإعلانُ عن شريعتِه الأدبيَّة والرُّوحيَّة. ونحنُ نُؤمنُ بأنَّ ما يقولَهُ تكوين 1 صحيح كأيِّ جُزءٍ آخر مِنَ الكتاب المقدَّس.

فتكوين 1 صحيحٌ كخُروج 20 الَّذي يُقَدِّمُ لنا الوصايا العَشْر. وهو صَحيحٌ كإشعياء 53 الَّذي يَصِفُ عَبْدَ اللهِ المُتألِّم الَّذي هو المَسِيَّا وحَامِل آثامِنا. وهو صَحيحٌ كَالأصحاح الأوَّل مِنْ إنْجيل مَتَّى الَّذي يُشيرُ إلى أنَّ يسوعَ سَيُحْبَل بهِ مِنْ مَرْيَمَ وأنَّهُ سيكونُ مُخَلِّصُ العالَم. وهو صحيحٌ كالأصحاح الثَّالِث مِنْ إنجيل يوحنَّا الَّذي يتحدَّث عن ضَرورةِ الولادة الثَّانية. وهو صحيحٌ كأيِّ جُزْءٍ آخَر وكُلِّ جُزْءٍ آخر مِنَ الكتاب المقدَّس.

فلا يوجد أساسٌ للتَّلاعُبِ بِصِحَّةِ تكوين 1، أوْ للتَّشكيكِ فيه، أوْ لِرَفْضِه – كما لا يوجد أساسٌ لِلقيامِ بذلك بأيِّ جُزءٍ آخر مِنَ الكتاب المقدَّس. والحقيقةُ هي أنَّ أيَّ عَدَمِ إيمانٍ بتكوين 1، أو تَلاعُبٍ بِهِ، أوْ تَحْويرٍ لَهُ هوَ تَمَرُّدٌ على اللهِ وكَلِمَتِه. والقيامُ بذلك هو أمرٌ خَطيرٌ [كَما هي حَالُ أيِّ تَمَرُّدٍ آخر] لأنَّ الشَّخصَ الَّذي يُهاجِمُ صِدْقَ اللهِ وكلمةِ اللهِ يَجْلِبُ على نفسهِ خَطَرَ الدَّينونة الإلهيَّة.

استمعوا إلى كلماتِ الأصحاحِ الأخير مِنَ الكتاب المقدَّس. فنحنُ نقرأ في سِفْر الرُّؤيا 22: 18: "لأَنِّي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هذَا الكِتَابِ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هذَا، يَزِيدُ اللهُ عَلَيْهِ الضَّرَبَاتِ المَكْتُوبَةَ فِي هذَا الكِتَابِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْذِفُ مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ هذِهِ النُّبُوَّةِ، يَحْذِفُ اللهُ نَصِيبَهُ مِنْ سِفْرِ الحَيَاةِ، وَمِنَ المَدِينَةِ المُقَدَّسَةِ، وَمِنَ المَكْتُوبِ فِي هذَا الكِتَاب".

والخُلاصةُ هي أنَّ الكِتابَ المقدَّسَ يُخْتَمُ بتحذيرٍ يَنْهاكَ عَنِ التَّلاعُبِ بالكتابِ المقدَّس. وأيُّ شخصٍ يتلاعبُ بالكتاب المقدَّس مِنْ خلالِ الزِّيادةِ عليه أوِ الحَذْفِ مِنْه يَضَعُ نفسَهُ تحتَ الدَّينونةِ الإلهيَّة. لِذلك، يمكننا أنْ نَستنتجَ بسُرعة أنَّ تَغييرَ الكِتابِ المقدَّس، أوِ التَّلاعُبِ بالكتابِ المقدَّس، أوْ مُجَرَّد عَدَمِ تَصديقِ الكتابِ المقدَّس هو شيءٌ لا يُعْقَلْ أنْ يَفْعَلَهُ المؤمنُ الأمينُ الحَكيم. فهو أمرٌ مُستحيل. فالشَّيءُ الوحيدُ الَّذي يُمْكِن تَصديقُه هو أنْ يُهاجِمَ غيرُ المُؤمِنينَ والحَمْقى شَهادَةَ الكتابِ المقدَّس. وَهُمْ يَفعلونَ ذلك طَوالَ الوقت. فهذا هُوَ نَمَطُ حَياتِهِم.

أمَّا أنْ يُهاجِمَ مُؤمِنٌ صِحَّةَ الكتابِ المقدَّسِ فهذا أمرٌ لا يَتَخَيَّلُهُ عَقْلٌ. وبالرَّغمِ مِن ذلك، هناكَ أشخاصٌ كَثيرونَ يَزْعُمونَ أنَّهُمْ مَسيحيُّونَ ويَفعلونَ ذلك. فَهُمْ لا يُنكرونَ شَرْعِيَّةَ الوصايا العَشْر في خُروج 20. وَهُمْ لا يُنكرونَ الشَّهادةَ النَّبويَّةَ عنْ مَجيءِ العَبْدِ المُتألِّم في إشعياء 53. وهُمْ لا يُنكرونَ أنَّ يسوعَ المسيحَ وُلِدَ مِنْ عَذراء. وَهُمْ لا يُنكرونَ إنجيلَ النِّعمة والحاجة إلى الولادة الجديدة. وهُمْ لا يُنكرونَ أمورًا أخرى في الكتاب المقدَّس. ولكنَّهُمْ يُنكرونَ التَّعليمَ الواضحَ للأصحاح الأوَّل مِنْ سِفْر التَّكوين.

ولماذا يَفعلونَ ذلك؟ ولماذا يَجْلِبُ مَنْ يَدَّعونَ أنَّهُمْ مَسيحيُّونَ على أنفسهم هذا الخَطَرَ ويُعَرِّضونَ أنفُسَهم للتَّحذيرِ المذكورِ في الجُزءِ الأخيرِ مِنَ الكتاب المقدَّس والذي يقول إنَّ أسماءَهُمْ سَتُحْذَفُ مِنْ سِفْرِ الحياةِ ومِنَ المدينةِ المُقدَّسَةِ، وإنَّ الضَّرَبَاتِ المَكْتُوبَةَ فِي الكتاب المقدَّس سَتَحِلُّ عليهم كَلَعْناتٍ إلهيَّة؟

فلماذا يُهَدِّدُ النَّاسُ حَياتَهُمْ بسببِ تَلاعُبِهِم بالكتابِ المقدَّس بالرَّغمِ مِنْ هذه التَّحذيرات؟ فهل يَفعلونَ ذلك لأنَّهُمْ يَرغبونَ في إرضاءِ عُلماءِ التطوُّر بَدَلاً مِنْ إرضاءِ اللهِ القُدُّوس؟ وهل يُحِبُّونَ أنْ يُصَفِّقَ النَّاسُ لهم؟ وهل يُحِبُّونَ السُّمعةَ الأكاديميَّةَ أكثرَ مِنَ اللهِ؟ وهل يَسْعَوْنَ إلى الحُصولِ على رِضَا رُؤساءِ الأقْسامِ الَّتي يَعملونَ فيها أكثرَ مِنَ الحُصولِ على رِضَا اللهِ القُدُّوسِ خَالِقِ الكَوْن؟

إنَّها أسئلة مَنطقيَّة؟ أليسَ كذلك؟ فمِنَ المُستحيل، مِنْ وُجْهَة نَظري، أنْ يُنْكِرَ الأشخاصُ الذينَ يَصِفونَ أنْفُسَهُمْ بأنَّهُمْ مَسيحيُّونَ سِفْرَ التَّكوين. على أيِّ أساسٍ؟ فهذه كلمة الله. ولكِنَّ الشَّيطانَ نَجَحَ نَجاحًا هائلاً في التَّرويجِ لهذه الكِذبة الَّتي تُسَمَّى نَظريَّة التطوُّر حَتَّى إنَّ أغلبيَّةَ المَسيحيِّينَ المُعْتَرِفينَ - أغلبيَّةَ المَسيحيِّينَ المُعْتَرِفينَ - يُنكرونَ الشَّهادة البسيطة والمُباشِرة لِتكوين 1 بأنَّ اللهَ خَلَقَ الكَوْنَ كُلَّهُ (كما هُوَ مَعروفٌ لدينا الآن) في سِتَّة أيَّام يتألَّفُ كُلٌّ مِنها مِنْ 24 ساعة، وأنَّ ذلكَ حَدَثَ قبلَ نحو سِتَّة آلاف أو سَبعة آلاف سنة.

فبصورة إجماليَّة، فإنَّ أغلبيَّة المسيحيِّينَ الإنجيليِّينَ (أيِ المَسيحيِّينَ المُعتَرِفينَ) يُنكرونَ ذلك. ولكِنْ لماذا يُنكرونَ التَّعليمَ الواضحَ للكتاب المقدَّس، ويتلاعبونَ بصدْقِ كلمةِ اللهِ ونَزاهَتِها، ويَجلبونَ على أنفسهم مِثْلَ هذا الخطر؟ إنَّ الشَّيطانَ ذكيٌّ جدًّا، وماكِرٌ جدًّا. وقد نَجَحَ نَجاحًا باهرًا في التَّرويجِ لِكِذبةِ التطوُّر.

ولا يوجد جُزْءٌ مِنْ كِذبة التطوُّر يُعْلَنُ بصوتٍ أعلى أوْ يُلاقي تَرحيبًا على نِطاقٍ أوسَع مِنْ تَطَوُّر الإنسان. والحقيقة هي أنَّهُ عندما يُفَكِّر أغلبيَّةُ الناس بنظريَّة التطوُّر، فإنَّهم يُفكِّرونَ في الإنسان. فَهُمْ يُفكرون في صورةٍ نَشَرَتْها "ناشيونال جيوغرافيك" لمَخلوقٍ شَبيهٍ بالقِرْد يَمشي على أرْبَع، تَعْقُبُها فجأةً نَحْوَ عَشْرِ صُوَر مُختلفة تُظْهِرُ هذا المخلوقَ الَّذي يَمشي على أرْبَع يَستقيمُ فجأةً ويأخذُ شَكْلَ إنسان. وَهُمْ يُخبرونَنا أنَّ هذه هي مراحل تَطَوُّر الإنسان. وقد رأينا جميعًا تلك الصُّور الخياليَّة لتطوُّر الإنسان إذْ يقولون إنَّهُ تَطَوَّرَ مِنْ قِرْدٍ إلى إنسانٍ ويُمَثِّلونَ ذلك في سلسلة مِنَ الرُّسوم. وكُلُّ طِفْلٍ في المدارس الحُكوميَّة يَتَعَلَّم بصورة دائمة أنَّ الإنسانَ تَطَوَّرَ بهذه الطَّريقة مِنَ القُرود.

وَهُمْ يَفترِضونَ قائِلين إنَّ هناكَ أحافير [أوْ مُسْتَحَاثَّات] تُدَلِّلُ على ذلك. وأودُّ أنْ أتحدَّثَ قليلًا عن هذه النُّقطة لأنَّني إنْ لم أفعل فإنَّ أحدًا مِنْكُم سيسألني عنها. فَهُمْ يَفترِضونَ وُجود أحافير. فبينَ الحين والآخر، يَجِدُ شخصٌ ما عَظْمَةً في مَكانٍ ما في إفريقيا أوْ مكانٍ آخر. وَهُمْ يُخبرونَنا أنَّهُمْ وَجَدوا مِنْ خلالِ تلك العَظْمَة الحَلْقَات المفقودة في هذا التَّتابُع. وهذا على افتراض أنَّهُ توجَد أحافير تُبَرْهِن ذلك.

والحقيقة هي أنَّهُ لا توجد أحافير كهذه. فكُلُّ هذه الأحافير تقريبًا هي خُدَع. فالاقتراضُ المُسَبَّقُ لديهم هو أنَّ التطوُّر صحيح. وَهُمْ يحاولونَ أنْ يَصنعوا عِظامًا تُوافِقُ الرُّسومَ الَّتي عَرَضَتْها "ناشيونال جيوغرافيك". وفي كِتابٍ كَتَبَهُ "جون أنكيربيرغ" (John Ankerberg) و "جون ويلدون" (John Weldon) بعُنوان "قَفْزة إيمان داروين" (Darwin’s Leap of Faith)، نَقرأ: "بالرَّغم مِنَ الاعتقاد الشَّائع بعكس ذلك، فإنَّ سِجِلَّ الأحافير البشريَّة غير كافٍ البَتَّة لتَسويغ أيِّ اعتقادٍ بالتطوُّر. وبالرَّغمِ مِنْ مُرور 130 سنة على البحث، لا توجد أحافير تُقْنِعُنا بأنَّ الإنسانَ يَنتمي إلى أيِّ جِنْسٍ آخر. فكُلُّ هذه الأحافير أَثْبَتَتْ زِيْفَها الكامِل".

وكما قُلتُ، فإنَّ الكثيرَ مِنْ هذه الأحافير هي مُجَرَّد خُدَع. وقد ذَكَرَتْ اختصاصيَّة عِلْم الإنسان "كاثلين ج. رايكس" (Kathleen J. Reichs)، مُحَرِّرة كتاب "أُصول البَشَر" (Hominid Origins)، ذَكَرتْ عُلماء كثيرين لا يُوافقون على تَفسيرات هذه الاكتشافات الكثيرة الَّتي يُزْعَمُ بأنَّها تَختصُّ بأجدادِ البشر. وقد كَتَبَتْ تقول: "ما لم تُكْتَشَف طريقة يمكن مِن خلالها تحديد العُمْر الدَّقيق لهذه الأحافير، يجب أنْ تَبقى الصِّلة بينها وبين البشر ضَئيلة في أفضلِ الأحوال". وها نَحْنُ أمامَ واحدٍ مِنْ عُلماء الإنسان الأُمناء، وواحدٍ مِنْ أنصارِ نظريَّة التطوُّر الأُمناء إذْ إنَّها تقول إنَّ جميعَ هذه الأحافير لا تُثْبِتْ شيئًا.

ويَكتُب "دوين غيش" (Duane Gish): "لا يوجد دليل، لا في العالم الحاضِر ولا في العالم الماضي، على أنَّ الإنسان تَطَوَّرَ مِنْ مَخلوقٍ أَدنى. فهو يَقِفُ وحيدًا بوصفِهِ جِنْسًا مُنفصلاً ومُتميِّزًا، أو بوصفِهِ مَخلوقًا مورفولوجيًّا أساسيًّا مُنِحَ صِفاتٍ تَجْعَلُهُ أَسْمَى مِنْ كُلِّ الكائنات الحيَّة الأخرى".

وأنا لا أريدُ أنْ أتَعَمَّقَ في أُمورٍ تِقَنِيَّة، ولكنِّي أريدُ فقط أنْ أُبيِّنَ لكم أنَّهُ بمقدوركم أنْ تَبحثوا هذا الموضوعَ بأنفسكم وأنْ تَجِدوا أنَّ الكتابَ المقدَّسَ سيبقى صامدًا. ويُشيرُ أنصار نظريَّة التطوُّر إلى تَطَوُّر الإنسان باستخدام ثلاثة مُصطلحات لاتينيَّة: "رامابيثيكوس" (Ramapithicus)، و "أوسترالوبيثيكوس" (Australopithecus)، و "بيثيكانثروبوس" (Pithecanthropus). وهذه الأسماءُ ستأتي في الامتحان بِكُلِّ تأكيد. وهذه جميعُها مُصطلحاتٌ لاتينيَّة أُطْلِقَت على الأحافير المَزعومة وقالوا عنها إنَّها سُلالات انتقاليَّة بين القرد والإنسان.

ورُبَّما ما يزال رَجُلُ الشَّارعِ العاديِّ يُصَدِّق أنَّ هذه التَّصنيفات تُمَثِّل أشكالاً مُتوسِّطة حقيقيَّة، ولكنَّها ليست كذلك. فحتَّى أنصار نظريَّة التطوُّر أنفسُهم مُنقسمون بشدَّة حولَها. ولا يوجد تَصنيفٌ واحدٌ مِنْ هذه التَّصنيفات يُوَثِّق أيَّ تَطَوُّرٍ للإنسان. فمثلاً، إنَّ الـ "رامابيثيكوس"، وهو السُّلالة الأولى، هو مُجَرَّد حَلْقَة في سِلسِلة طويلة مِنَ المَخلوقات الَّتي اقْتُرِحَتْ في وقتٍ مِنَ الأوقات. بعبارة أخرى، فإنَّ أنواعًا مُختلفةً كثيرةً مِنَ العِظام أُطْلِقَ عليها هذا الاسم: "رامابيثيكوس". وقد قيلَ عنها جميعًا أنَّها الحَلْقات المفقودة. ولكِنْ عندما تَوَفَّرت أدلَّة أكثر، وُجِدَ أنَّها كُلها تَرتبط بِسُلالة قُرود.

ثُمَّ نأتي إلى الـ "أوسترالوبيثيكوس". فقد قالوا إنَّ هذه السُّلالة هي الدَّليلُ على تَطَوُّر الإنسان. ويقولُ هذا الرَّأيُ إنَّ هذه الأحافير تُمَثِّل حَلْقات وَصْل حقيقيَّة. ولكِنَّ هذا الرَّأيَ واجَهَ انتقادًا مِنَ عالِمَيِّ التَّشريحِ البريطانيّينِ المشهورَيْن: "سولي لورد زوكرمان" (Solly Lord Zucjerman) والدُّكتور "تشارلز أوكسنارد" (Dr. Charles Oxnard)، الَّذي كانَ يَعمل سابقًا مُديرًا للدِّراسات العُليا، وأُستاذَ تَشريحٍ في كُليَّة الطِّبِّ بجامعة جنوب كاليفورنيا.

فقد تَرَأَّسَ "زوكرمان" فريقَ بَحْثٍ على مَدى خمسةَ عَشَرَ عامًا، ودرسوا السِّمات التَّشريحيَّة لنوعٍ مِنَ القِرَدَة، والبَشَر، ونوعٍ آخر مِنَ القِرَدة، وأحافير الـ "أوسترالوبيثيكوس"، وعَيِّنات تَشريحيَّة مأخوذة مِنْ مئاتِ القِرَدَة الشَّبيهة بالإنسان، والبَشَر، والقِرَدَة الأخرى؛ وقارَنوها بجميع أجزاء الأحافير الموجودة تقريبًا لهذا الصِّنْفِ تحديدًا. فيَبدو أنَّ أغلبيَّة أنصار التطوُّر يَميلونَ إلى تَصنيف الـ "أوسترالوبيثيكوس" بأنَّهُ جِنْسٌ مِنَ البَشَر أوِ العائلة البشريَّة، لا مِنَ القِرَدَة.

ولكِنَّ "زوكرمان" رَدَّ عليهم جميعًا قائلا: "أنا شَخصيًّا لستُ مُقتنعًا. ففي كُلِّ مَرَّة تقريبًا حاولتُ فيها أنْ أَفْحَصَ الادِّعاءات التَّشريحيَّة الَّتي تقوم عليها حَالة "أوسترالوبيثيكوس"، أَنْتَهي بالفشل". وهو يَخْلُصُ إلى القول إنَّ هذا مُجَرَّد قِرْدٍ لا علاقة له البَتَّة بالجِنْسِ البشريِّ. وها هُوَ واحدٌ مِنَ العُلماءِ النَّزيهينَ الَّذينَ يُؤمنونَ بالتطوُّر يَنظرُ إلى كُلِّ هذه الأشياء ويُفَنِّدُها. وقد كانتِ الدِّراسةُ الَّتي أَجراها "زوكرمان" و "أوكسنارد" حاسمةً جدًّا حَتَّى إنَّ عُلماءَ آخرينَ كثيرينَ اضْطُرُّوا إلى التَّسليمِ بها.

وهذا هُوَ ما انتهتِ الحالُ إليهِ في النَّوعِ الأخير الَّذي ذَكَرْتُهُ لكم وهو: "بيثيكانثروبوس". فالقصَّةُ تُكَرِّرُ نَفسَها. فالإنسانُ المَعروفُ باسم "بيثيكانثروبوس"، أوْ "إنسان جاوا" (Java man) أوْ "إنسان بِكِّين" (Peking man)، هو إعادة تَشكيل لِهيكلٍ انتقاليٍّ مِنْ بعض أجزاءٍ دقيقةٍ لهيكلٍ عَظْمِيٍّ. وَهُمْ يَعتقدونَ الآنَ أنَّ هذا لم يَكُنْ إنسانًا أصلاً، بل بعض المخلوقاتِ مِنْ فصيلة القرود. وهذه القرودُ لم تَكُنْ عائلةً تَسْكُنُ في الجِهَة المُقابلة مِنَ الشَّارع، بل كانت قِرَدَة – كَما تَعلمون. وَهُمْ يَعلمونَ الآنَ أنَّ "الكرومانيون" (Cro-Magnon) و "النياندرتال" (Neanderthal) لم يكونا سِوى هَيْكَلَيْنِ عَظْمِيَّيْنِ بَشَرِيَّيْن.

وهناكَ كِتابٌ رائعٌ عن هذا الموضوع إنْ كنتم ترغبونَ حقًّا في القراءة عنه – لأنِّي لا أريدُ أنْ أتحدَّثَ عنهُ أكثر مِمَّا فَعلت. ولكِنْ هناكَ كِتابٌ رائعٌ بعُنوان "عِظامٌ سَبَّبَتْ خِلافًا" (Bones of Contention). وهو عُنوانٌ جَيِّد. وهو تَقْييمٌ للأحافير البشريَّة مِنْ قِبَلِ عالمٍ بارزٍ جِدًّا يُؤمِنْ بالخَلْق اسْمُهُ "مارفن لوبيناو" (Marvin Lubenow). وقد نَشَرَتْهُ دار النَّشْر "بيكر" (Baker) في سنة 1992. "عِظامٌ سَبَّبَتْ خِلافًا" (Bones of Contention). فإنْ أردتُم أنْ تَدرسوا هذا الموضوعَ أكثَر، ستجدونَ في هذا الكِتابِ تَفنيدًا لكُلِّ هذه الأشكال المُتَحَجِّرَة الانتقاليَّة المَزعومة.

والآنْ، إليكُم تَبسيطًا لهذا الموضوع. لأنَّ الإنسانَ لم يَتَطَوَّرْ مِنْ جِنْسٍ آخر، مِنَ المُستحيلِ أنْ يُثْبِتوا أنَّهُ تَطَوَّر. اتَّفَقْنا؟ فهل يمكنكم أنْ تَستوعبوا هذه النُّقطة؟ فَهُمْ يواجهونَ صُعوبةً في إثباتِ أنَّ الإنسانَ تَطَوَّرَ مِنْ جنسٍ آخر لأنَّهُ لم يتطوَّر. لِذلك فإنَّهُمْ يَعيشونَ في تَشويشٍ ويأسٍ لأنَّهُم يحاولونَ أنْ يَجعلوا هذه الفكرة بِمُجملِها تَتَّفِقُ معَ الرُّسومِ الَّتي نَشَرتها "ناشيونال جيوغرافيك"؛ ولكنَّهم أخفقوا في ذلك.

وسوفَ أقرأُ لكم بعضَ الأقوال الصَّادرة عن بعض أشْهَرِ أنصار نظريَّة التطوُّر. فقد كَتَبَ "روبرت مارتن" (Robert Martin): "لا يَجِدُ المَرْءُ مَفَرًّا مِنَ استخلاصِ أنَّهُ لا توجد صورة عِلميَّة واضحة لتطوُّرِ الإنسان. نُقطة". وهناكَ عَالِمٌ مشهورٌ جدًّا في تَطَوُّرِ الإنسان اسْمُهُ "ليكي" (Leaky)، وهو عَالِمٌ مُختصٌّ بأصول البَشَر، يقول: "قد لا نتمكَّن يومًا مِنَ القولِ إنَّ المخلوقَ الفُلانِيَّ تَطَوَّرَ إلى مَخْلوقٍ فُلانِيٍّ آخَر". وهذا وَصْفٌ شامِلٌ جدًّا! وكأنَّ الأمرَ يَستحقُّ أنْ تَهْدُرَ حَياتَكَ بأسْرِها للوصولِ إلى هذه النَّتيجة!

وهناكَ عالِمٌ آخر اسْمُهُ "ليكي" – "ريتشارد ليكي" (Richard Leaky)، قالَ في مُقابلةٍ تَختصُّ بدراسة الإنسان الأوَّل (وأنا أقتبسُ كَلامَهُ): "أعتقدُ أنَّنا ما زِلْنا نقومُ بالكثيرِ مِنَ التَّخمين". وقد عَلَّقَ "ديفيد بيلبيم" (David Pilbeam): "لا توجد طريق واضحة ومُحَدَّدة تُبَيِّن أنَّ القِرْدَ صارَ إنسانًا". وفيما يَختصُّ بما إذا كانَ الإنسانُ قد تَطَوَّرَ مِنَ الشَّمبانزي، أوْ مِنْ إنسانِ الغَابِ، أوْ مِنَ القِرَدَة الشَّبيهة بالإنسان، قال: "إنَّ سِجِلَّ الأحافير فَضْفاضٌ جِدًّا حَتَّى إنَّهُ يَصْلُح لِتَخَيُّلِ أيّة قِصَّة".

وهو يقولُ في سِياقٍ آخر: "رُبَّما كانَتْ هُناك أجيالٌ مِنَ التَّلاميذِ الَّذين يَدرسون التطوُّرَ البشريَّ، بِمَنْ فيهم أنا، يَتخبَّطونَ في الظَّلام. فقاعدةُ البياناتِ الَّتي لدينا شَحيحَة جِدًّا وهَشَّة جِدًّا حَتَّى إنَّها غير قادرة على تَشْكيل نَظريَّاتِنا. لِذلك فإنَّ نَظريَّاتِنا هي مُجَرَّد عِبارات تُعَبِّر عَنَّا وعن أفكارِنا بدلًا مِنْ أنْ تُعَبِّر عنِ الماضي".

وهُناك عَالِمَة أُخرى تُدعى "ليكي" – "ماري ليكي" (Mary Leaky)، وهي عَالِمَة إنسان مَشهورة، عَلَّقَتْ على الجُهْدِ الَّذي بَذَلَتْهُ طَوالَ حياتِها لِرَسْمِ شَجرة عائلة تُوافِق نظريَّة التطوُّر. وهي تقول: "أنا لا أُوْمِنُ بأنَّهُ يُمْكِن تَشكيل الأحافير البشريَّة المعروفة بنَمَطٍ جَديرٍ بالتَّصديق".

ومِنَ المُؤكَّد أنَّ هذا غير مُمكِن لأنَّ ذلك لم يَحْدُث. فالأمرُ لم يَحْدُث هكذا بكُلِّ تأكيد. والحقيقة هي أنَّهُمْ يُحْرِجونَ أنْفُسَهُم. فأقْدَمُ أُحْفورٍ بَشريٍّ تَمَّ العُثورُ عليه يُسَمَّى "كي-بي-271" (KP271. وَهُمْ يَعتقدونَ أنَّ هذا هو أَقْدَمَ أُحْفورٍ بَشَريٍّ عَثَرَ عليهِ عُلماءُ الإنسانِ الَّذينَ يُؤمنونَ بالتطوُّر. وَهُمْ يُؤَرِّخونَهُ قبل (4.5) مليون سنة.

ونحنُ نَعلم أنَّ الخليقة كُلَّها خُلِقَتْ قبل سِتَّة آلاف أو سبعة آلاف سنة. ولكنَّهم يَستخدمونَ نِظامَهُم القائم على نظريَّة الاتِّساق، أو نِظامَهُم القائم على نظريَّة التطوُّر [وهُما نِظامانِ تَمَّ اختراعُهُما لتبريرِ التطوُّر الَّذي يؤمنون أنَّه يمكن أنْ يحدث إنْ كانَ هناكَ وَقْتٌ كَافٍ. لِذا فإنَّهُم يَدَّعونَ أنَّ كُلَّ شيءٍ قد حَدَثَ على مَدى ملايين السِّنين. والشَّيء المُدهش في هذا هو أنَّهم يقولونَ إنَّ أقدمَ أُحفورٍ بَشريٍّ يَرجِع تاريخه إلى (4.5) مليون سنة.

فَضْلاً عن ذلك، يبدو أنَّ هذا الأحفورَ البشريَّ ظَهَرَ فجأةً دون أيِّ أجدادٍ تَطَوَّرَ مِنهم. وإنْ كانَ هذا الأحفورُ بشريًّا حقًّا فإنَّ نظريَّة التطوُّر البشريّ تفقد مِصداقِيَّتَها تمامًا. تفقد مِصداقِيَّتَها تمامًا. لأنَّهُ إنْ كان هناكَ بَشَرٌ قبل (4.5) مليون سنة، لا يمكن للتطوُّر أنْ يحدث لأنَّهُ يجب عليهم أيضًا أنْ يُؤرِّخوا عُمْرَ الحَيَواناتِ في الوقتِ نفسه. والحقيقة هي أنَّ الحَيَواناتِ الَّتي ظَنُّوا أنَّها خَضَعَت للتطوُّر تُؤرَّخُ بعدَ ذلك. وهذا يعني أنَّهُم يُواجِهونَ مُشكلةً حقيقيَّة.

كذلك، فإنَّ العظامَ الَّتي عُمرها (4.5) مليون سنة مُطابِقَة للبشر اليوم. فلم يحدث تَطَوُّر طَوال (4.5) مليون سنة. وما أعنيه هو أنَّ الأمرَ كُلَّهُ هُوَ مِنْ بَناتِ أَفْكارِهم لأنَّهم "لَمْ يَسْتَحْسِنُوا أَنْ يُبْقُوا اللهَ فِي مَعْرِفَتِهِمْ" (رومية 1)، ولأنَّهم "اسْتَبْدَلُوا حَقَّ اللهِ [المُعلنِ في الكتابِ المقدَّسِ] بِالكَذِب".

فالبشرُ لا يُريدونَ اللهَ، ولا يريدونَ الكتاب المقدَّس. أليسَ كذلك؟ فَهُمْ لا يريدون أنْ يَضْغَطَ اللهُ حياتَهُم. وَهُمْ لا يريدونَ أنْ يَضَعَ الكتابُ المقدَّسُ أيَّ مَعاييرَ أخلاقيَّة لحياتهم. فالعُلَماءُ والأشخاصُ الذينَ يَتْبَعونَ أكاذيبَهُم وضَلالَهُم بخصوصِ التطوُّر يُشبهونَ اليهودَ في زمنِ يسوعَ إذْ قالوا: "لاَ نُرِيدُ أَنَّ هذَا" [ماذا؟] "يَمْلِكُ عَلَيْنَا". فنحنُ لا نريدُ أنْ نَخضعَ لسيادةِ الله. لِذا فقد صارَ يَنطبق عليهم ما جاءَ في المزمور 14: 1 والمزمور 53: 1: "قَالَ الجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: لَيْسَ إِلهٌ".

وأنا أَفْهَمُ أنَّ غيرَ المؤمنينَ يُؤمنونَ بنظريَّة التطوُّر. وأنا أَفْهَمُ أنَّ غيرَ المؤمنين لا يريدونَ أنْ يَزْحَمَ اللهُ حَياتَهُم. وأنا أَفْهَمُ أنَّ الأشخاصَ الَّذينَ يُحبُّونَ الخطيَّة ويريدونَ أنْ يَقترفوا الخطيَّة لا يريدونَ قاضيًا أدبيًّا يُدَقِّقُ في ما يَفعلونَهُ، ويُحاسِبُهم، ويَدينُهم في جَهَنَّم الأبديَّة. فأنا أَفْهَمُ رغبتهم في التخلُّصِ مِنَ الله. وأنا أَفْهَمُ السَّببَ الَّذي يَجعلهم غير راغبين في قبول الأصحاح الأوَّل مِنَ الكتاب المقدَّس، والسَّبب الَّذي يَجعلهم غير راغبين في قبول القصَّة الواضحة لسفر التَّكوين.

ولكنِّي لا أَفْهَمُ التَّهاوُنَ السَّخيفَ الَّذي لا يُطاق لهذه الضَّلالة مِنْ قِبَلِ المسيحيِّين المُعْتَرِفين. فأنا عاجِزٌ عَنِ استيعابِ ذلك. وحَتَّى إنَّ النبيَّ مَلاخي (في سِفْر ملاخي 2: 10) عَبَّرَ عن ذلك بهذه الكلمات البسيطة: "أَلَيْسَ إِلهٌ وَاحِدٌ خَلَقَنَا؟" فنحنُ جميعًا خَليقَة الله. فالكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ. وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ.

والحقيقة بخصوص أصْل الإنسان هي أنَّهُ خُلِقَ على الصُّورة الَّتي هو عليها الآن. فآدم لم يكن مُختلفًا عنك. والحقيقة، إن كانَ قد حَدَثَ تَغَيُّر، فإنَّكَ لستَ مِثْلَهُ. فأنتَ أَدْنَى مِنْه. وأنا على يقينٍ بأنَّ هذا صحيح. لا بسببكَ أنْتَ شخصيًّا، بل بسبب الخطيَّة. ويمكننا أنْ نقرأَ عن خَلْقِ الإنسان في اليومِ السَّادس. لِذا، لِنُلْقِ نَظرةً على النصَّ ابتداءً مِنْ تكوين 1: 24:

ونُلاحِظُ أنَّ طريقةَ الخَلْقِ لا تَختلف عنِ الأيَّامِ الأُخرى: "وَقَالَ اللهُ: «لِتُخْرِجِ الأَرْضُ ذَوَاتِ أَنْفُسٍ حَيَّةٍ كَجِنْسِهَا: بَهَائِمَ، وَدَبَّابَاتٍ، وَوُحُوشَ أَرْضٍ كَأَجْنَاسِهَا». وَكَانَ كَذلِكَ. فَعَمِلَ اللهُ وُحُوشَ الأَرْضِ كَأَجْنَاسِهَا، وَالْبَهَائِمَ كَأَجْنَاسِهَا، وَجَمِيعَ دَبَّابَاتِ الأَرْضِ كَأَجْنَاسِهَا. وَرَأَى اللهُ ذلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ.

وَقَالَ اللهُ: «نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا، فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ».  فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ.

وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا، وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ». وَقَالَ اللهُ: «إِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُكُمْ كُلَّ بَقْل يُبْزِرُ بِزْرًا عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ، وَكُلَّ شَجَرٍ فِيهِ ثَمَرُ شَجَرٍ يُبْزِرُ بِزْرًا لَكُمْ يَكُونُ طَعَامًا. وَلِكُلِّ حَيَوَانِ الأَرْضِ وَكُلِّ طَيْرِ السَّمَاءِ وَكُلِّ دَبَّابَةٍ عَلَى الأَرْضِ فِيهَا نَفْسٌ حَيَّةٌ، أَعْطَيْتُ كُلَّ عُشْبٍ أَخْضَرَ طَعَامًا».

وَكَانَ كَذلِكَ. وَرَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا سَادِسًا".

وكُنَّا قدِ انتهينا مِنَ الأيَّامِ الخمسةِ الأولى للخَلْق. وقد كانتِ الأيَّامُ الخمسةُ الأولى بِحَقّ تَجهيزًا للمسكنِ الَّذي سيسكنُ فيه الإنسان. فالإنسانُ هو مَلِكُ الأرض. والإنسانُ هو تاجُ خليقةِ اللهِ لأنَّهُ خَلَقَهُ على صُورته. وببساطة، فإنَّ كُلَّ الخليقة الأخرى تُوَفِّرُ له المَسكنَ وَتُهَيِّئ الأرضَ لاستقبالِ الإنسان. وحتَّى في اليومِ السَّادِسِ الَّذي قرأتُهُ قبل قليل، نَجِدُ لَمْسَةً نِهائيَّةً للخليقة.

ولَعَلَّكم تَذكرون أنَّ اللهَ خَلَقَ في اليومِ الخامسِ كُلَّ المخلوقاتِ البحريَّةِ وكُلَّ طُيورِ السَّماء. لِذلك، في بداية اليوم السَّادس، كانَ لا بُدَّ أنْ يَخْلُقَ المخلوقات البَرِّيَّة المُصَنَّفَة في العددَيْن 24 و 25 في ثلاثِ فِئاتٍ: بَهَائِم، وَدَبَّابَات، وَوُحُوش أَرْض.

وقد كانت تلك هي اللَّمسةُ الأخيرةُ لأنَّ اللهَ كانَ يُعِدُّ المكانَ الَّذي سيعيشُ فيهِ الإنسان. فقد كانَ الإنسانُ هو الهدف. وقد كانَ الإنسانُ هو المسألة الأساسيَّة. فقد كانَ اللهُ يُفَكِّرُ في خَلقِ الإنسانِ وفي قَصْدِهِ الفِدائيِّ. فكُلُّ شيءٍ آخر في الكَوْن سيَزول. وكُلُّ شيءٍ آخر في الكون سيَفْنَى. فالنُّجومُ ستسقط (بحسب ما جاء في سِفْر الرُّؤيا)، والشَّمس ستنطفئ، والقمر سيزول، والكونُ كُلُّهُ سيُطوى كما تُطْوَى لِفافَة مِنْ وَرَق. والخليقةُ كُلُّها سَتَنْحَلُّ مُحْتَرِقَةً. فسوفَ تَنْحَلُّ بصورة معكوسة.

فسوفَ تُبْطَلُ الخَليقَة. وكُلُّ الطَّاقةِ الذَّرِّيَّةِ الَّتي كانت لازمةً لتكوينها ستَدورُ بصورة معكوسة (كما هي الحالُ عندما تَعْرِضُ فيلمًا إلى الوراء) فَتُبْطَلُ ولا يَعودُ لها وجود. فكُلُّ شيءٍ حَيٍّ على هذه الأرض، وكُلُّ شيءٍ أخضر، وكُلُّ نَباتٍ، وكُلُّ شجرة، وكُلُّ كائنٍ بحريٍّ، وكُلُّ طَيْرٍ، وكُلُّ حَيَوانٍ بَرِّيٍّ، وكُلُّ مَخلوقٍ في كُلِّ مكانٍ في الكون سيموتُ في نهاية حياتِهِ ويَرْجِع إلى التُّراب ولا يعودُ لَهُ وجود. ولكِنَّ هذا لا يَنطبق على الإنسان.

فالإنسانُ هو الشَّخصيَّة الرئيسيَّة. وَقِصَّةُ الخَلْقِ بِرُمَّتِها تَرْمي إلى خَلْقِ مَسْرَحٍ يَصْلُحُ لأنْ تُعْرَضَ عليهِ مَسرحيَّةُ الفداء العظيمة الَّتي تتحدَّثُ عن أنَّ اللهَ يَبحثُ عن عَروسٍ لابْنِهِ، وتتحدَّثُ عن أنَّ اللهَ يَسْعى إلى إظهارِ نِعْمَتِهِ ورَحمتِهِ ومحبَّتِهِ وقُدرتِه المُخلِّصة أمامَ الملائكةِ، وأمامَ البشرِ أيضًا.

لِذا فإنَّ خَلْقَ الإنسانِ هو النُّقطةُ الجوهريَّة. ونجدُ أنَّ الوقتَ الَّذي يُخَصِّصُهُ النَّصُّ الكِتابِيُّ للحديثِ عنْ خلقِ الإنسانِ هُو أطول مِنَ الوقتِ الَّذي يُخَصِّصُهُ للحديثِ عن أيِّ شيءٍ آخر في الخليقة. كذلك فإنَّ الأصحاحَ الثَّاني يتوسَّع في الحديثِ عن خَلْقِ الإنسانِ لأنَّ ذلكَ مُهِمٌّ جدًّا.

والآنْ، اسمحوا لي أنْ أُبَيِّنَ لكم التَّوازي هُنا. فاليومُ السَّادسُ لِخَلْقِ الحَيَواناتِ والإنسانِ يُوازي اليوم الثالث. ففي اليوم الثَّالث، تَمَّ خَلقُ الأرض. وفي اليوم السادس، تَمَّ خَلْقُ الكائنات الحيَّة على الأرض. وفي اليومِ الثالث، بعدَ تنظيمِ واكتمالِ الطبيعة والجمادات والنَّباتاتِ، تَمَّ خَلْقُ الحَيواناتِ البَرِّيَّةِ الَّتي ستتسلَّط عليها في كُلِّ الأرض.

لِذلك، في اليوم السَّادس أيضًا، بعدَ أنْ اكتملَ خَلْقُ الحياةِ النباتيَّة والحَيَوانيَّة، تَمَّ خَلْقُ الإنسانِ الَّذي سيتسلَّط على كُلِّ الحياةِ المَخلوقة على الأرض. لِذا فإنَّ هذا يُوازي اليوم السَّادس. وقد رأينا هذا التَّوازي في كُلِّ الأصحاح. فاليومُ الأوَّل يُوازي اليوم الرَّابع. واليومُ الثَّاني يُوازي اليوم الخامس. واليومُ الثَّالث يوازي اليوم السَّادس.

ونَرى هُنا أنَّ النَّمَطَ لم يتغيَّر إذْ نقرأ في العدد 24: "وَقَالَ اللهُ". وفي العدد 25: "فَعَمِلَ اللهُ". وهذه عبارات مُشابهة جِدًّا. فاللهُ يَخْلِقُ حَرْفيًّا بأنْ يأمُرَ الأشياءَ أنْ تَكونَ فَتَكون. ووفقًا للأسلوبِ العِبْرِيِّ – وَفْقًا للأسلوبِ العِبريِّ المُتَعارَف عليه فإنَّ عملَ الخَلْقِ هذا يُكَرَّرُ بطريقتين مُختلفتين لتوضيحِ النصِّ وتأكيدِهِ بصورة لا جِدالَ فيها. فالعبارة "وقالَ اللهُ" تُوازي العبارة "فَعَمِلَ اللهُ" الَّتي تُؤكِّد أنَّ ما قالَهُ اللهُ قَدْ تَمّ.

ونقرأُ هنا: "وَقَالَ اللهُ: لِتُخْرِجِ الأَرْضُ ذَوَاتِ أَنْفُسٍ حَيَّةٍ"؛ ذَواتِ أَنْفُسٍ حَيَّة. وهي كائناتٌ بَرِّيَّة. فقد تَمَّ خَلْقُ الكائنات البحريَّة في اليوم الخامس. وقد تَمَّ خَلْقُ الكائنات الَّتي تَطيرُ في السَّماءِ، أيِ الطُّيورِ بأنواعِها، في اليوم الخامس. ولم يَبْقَ سِوى الحَيَوانات البَرِّيَّة. وبالمُناسبة، فإنَّها لم تتطوَّر. بل إنَّها خُلِقَتْ حالًا.

فقد خَلَقَ اللهُ كائناتٍ حَيَّة صَنَّفَهُا في ثلاثِ فِئاتٍ. وبالمُناسبة، أعتقد أنَّها مُدهشة. وهذه لا تَتَّفِقُ معَ التَّصنيفِ المُعاصِرِ أوِ التَّبويبِ المُعاصِرِ للحيوانات كالبرمائيَّاتِ، والزَّواحِف، والثَّدْيِيَّات، وَهَلُمَّ جَرَّا. فالكتابُ المقدَّسُ يُصَنِّفُ الحَيَواناتِ البَرِّيَّة في ثلاث فئات بسيطة: بَهَائِم، وَدَبَّابَات، وَوُحُوش أَرْض.

ومِنَ المُرَجَّحِ أنَّ "البَهائِمَ" (وأعتقدُ أنَّ جميعَ عُلماءِ اللُّغة العِبْريَّة تقريبًا يُوافِقونَني الرَّأيَ) هي كلمة تُشيرُ إلى الحَيَوانات الَّتي يمكن تَدْجينُها وتَرْبِيَتُها لاستخدامِ الإنسان. وحَالَما نُفَكِّرُ في الحيواناتِ القابلة للتَّدجين فإنَّنا نُفَكِّرُ حالاً في الكِلاب. ولكِنَّ هذا ليسَ ما يَعنيهِ الكِتابُ المقدَّسُ لأنَّ الكِلابَ ليست مُفيدة حقًّا إلَّا إذا دَرَّبْتَها لإحْضار الجَريدة. أمَّا عَدا عَنْ ذلكَ فإنَّها غير مُفيدة.

فالكلبُ لا يستطيعُ أنْ يَجُرَّ مِحْراثًا. ولكنِّي أعتقدُ أنَّهُ يُمكن أنْ يُدَرَّب على حِماية القَطيع إنْ تَمَّ تدريبُهُ جَيِّدًا. ورُبَّما يَصيرُ في هذه الحالةِ نافِعًا ويمكن وَضْعُهُ في هذه الفئة. ولكن بصورة عامَّة، هناكَ نوعٌ مِنَ الحَيَوانات الَّتي تُعْطي، على سَبيلِ المِثالِ، حَليبًا (كالماعِزِ والبقرة)، وحَيَواناتٍ يمكنُ امْتِطاؤُها (كالدَّوابِ)، وما شابَهَ ذلك. فهي حَيَواناتٌ يُمكن تَدْجينُها واستخدامُها مِنْ قِبَلِ الإنسان.

ثُمَّ هُناكَ فئة ثانية وهي "الدَّبَّاباتُ" (أوِ الزَّواحِف). ولا شَكَّ أنَّ أوَّلَ شيءٍ يَخْطُرُ ببالِنا هو الأفاعي، والسَّحالي، ومَا شَابَهَ ذلك. ولكِنْ مِنَ المُرَجَّحِ أنَّ مَعناها يَمتدُّ ليَشمل أنواعًا أخرى مِثْلَ أيِّ شيءٍ يَزْحَفُ أوْ يَدُبُّ على الأرضِ. وهذا يَضُمُّ أنواعًا كثيرةً مِنَ الحشرات. ويقولُ أغلبيَّةُ عُلماءِ اللُّغة العِبْريَّة إنَّها تُشيرُ أيضًا إلى الحيواناتِ الصَّغيرة الَّتي تمتلك قوائم قصيرة وتَعْدو بسُرعة (كتلك الأرانِب الَّتي تأتي طَوالَ الوقتِ إلى سَاحَةِ بيتِنا وتأكُلُ الأزهار).

ويقولُ كاتبٌ عِبْرِيٌّ إنَّ الحَيَواناتِ ذات القوائم القصيرة هي "حَيَواناتٌ لها قوائم قصيرة ولا يَعلو بَطْنُها كثيرًا عنِ الأرض. وهي تَضُمُّ الحشراتِ، والقوارِض، وأيضًا الأفاعي والبَرْمائيَّات، إلخ، إلخ". وبالمُناسبة، فإنَّ هذه الحَيَواناتُ يُشارُ إليها في سِفْر اللَّاويِّين 11: 29: "وَهذَا هُوَ النَّجِسُ لَكُمْ مِنَ الدَّبِيبِ الَّذِي يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ: اِبْنُ عِرْسٍ وَالْفَأْرُ وَالضَّبُّ عَلَى أَجْنَاسِهِ، وَالْحِرْذَوْنُ [وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ السَّحالي] وَالْوَرَلُ وَالْوَزَغَةُ وَالْعِظَايَةُ وَالْحِرْبَاءُ".

لِذا فإنَّكم تَجِدونَ هُنا لائحةً بهذه الأشياء. فابْنُ عرْسٍ والفأرُ مِنْ بينِها، وكذلك الزَّواحِف. ورُبَّما كانت هذه فئة عامَّة للزَّواحِف.

ثُمَّ هناكَ الفئة الثَّالثة وهي "وحوش الأرض"، وهي الحيواناتُ الَّتي لها أرْبَع أَرْجُل، وتكونُ كبيرة الحجم إلى حَدٍّ ما وغير مُدَجَّنَة. وأوَّلُ ما يَخْطُرُ ببالِنا الأسود، والزَّرافات، والفِيَلَة، ووحيدُ القَرْن، وفَرَسُ النَّهر، والنُّمور، والحَيَوانات المشابهة الَّتي لا تُرَبَّى في البيت لأيِّ مَنافِعَ للإنسان، بصورة عامَّة، معَ أنَّني أعتقدُ أنَّهُ يمكن استخدام الفيلِ الهنديِّ [وليسَ الفيلَ الإفريقيَّ] لبعض الاستخدامات. وأنا شخصيًّا رَكِبْتُ على ظَهْرِ فيلٍ هنديّ. فهي قابلة للتَّدْجين. ولكِنْ بصورة عامَّة، فإنَّ هذه هي الثَّدييَّات الكبيرة الَّتي تَعيشُ على الأرضَ دُوْنَ تَدْجينٍ وتَبقى بَرِّيَّة.

لِذلك، فإنَّنا نَقرأُ هنا عن هذه الحَيَوانات. وما أعنيه هو أنَّهُ لا يوجد ما يُقال عنها أكثر مِنْ ذلك. فهناكَ حَيَواناتٌ يمكن تَدْجينُها. وهناكَ حَيَواناتٌ لا يمكن تَدْجينُها. وهناكَ حَيَواناتٌ تَعلو عنْ سَطْحِ الأرض، وحَيَواناتٌ تَزْحَفُ أوْ تَدبُّ على الأرض. فهذه هي فِئاتُها. وكما ذَكَرْتُ، فإنَّ هذا التَّصنيفَ العَامَّ لا صِلَةَ لَهُ البَتَّة بالنِّظامِ الاعْتِباطِيِّ الَّذي وَضَعَهُ الإنسانُ لتصنيفِ الحَيَوانات. بل هو مُجَرَّدُ نِظامٍ طبيعيٍّ بسيط.

والآنْ، أوَدُّ أنْ أُشيرَ إلى حقيقة أنَّ جميعَ هذه الفئات الثَّلاث خُلِقَتْ في آنٍ واحِد لأنَّكُم إذا نَظرتُم إلى العدد 24 ستقرأون: "بَهَائِمَ، وَدَبَّابَاتٍ، وَوُحُوشَ أَرْضٍ". وقد يَقولُ قائِلٌ: "آه! لقد جاءتِ البَهائِمُ أوَّلاً، ثُمَّ تَطَوَّرَتْ منها الدَّبَّاباتُ، ثُمَّ تَطَوَّرَتْ منها وُحوشُ الأرضِ". ولكِنَّ هذه مشكلة لأنَّنا نَجِدُ الكلماتِ نَفْسَها تَتكرَّرُ في العدد 25، ولكِنْ بترتيبٍ مَعْكوس. فوُحوشُ الأرضِ تُذْكَرُ أوَّلاً، والبهائمُ ثانيًا، والدَّبَّاباتُ ثالثًا. وكما تَرَوْنَ، فإنَّ تَغْييرَ التَّرتيبِ هو طريقة جيِّدة جدًّا للإشارة إلى أنَّ هذه المخلوقاتِ خُلِقَتْ في آنٍ واحِد.

فهي لم تتطوَّر بعضُها مِنْ بعض. بل إنَّها خُلِقَتْ جميعًا في آنٍ واحِدٍ بِقُدرةِ الله. فلا وُجودَ البَتَّة للتطوُّر، ولا لِصِراعِ البَقاء، ولا لِبَقاءِ الأصْلَح، ولا للطَّفرات. بل إنَّ اللهَ خَلَقَ كُلَّ هذهِ الحَيَوانات. وأليسَ مِنَ المُدهشِ والعَجيبِ أنَّها تَمْتَلِكُ كُلَّ هذا التنوُّع؟ وما أعنيه هو: انظروا إلى تَنَوُع الأسماك في البحر، والحيوانات بما فيها الثَّدييَّاتِ الَّتي تَسْبَحُ في البحر. فهذا أمرٌ مُذْهِل!

وَحَتَّى إنَّهُمْ ما زالوا يَكتشفونَ المزيد. فهناكَ آلافُ الفئاتِ مِنَ الحَيَواناتِ الَّتي انقرضَت، والطُّيورِ الَّتي تَطيرُ في الجَوّ. وهُناكَ أشخاصٌ يَتَخَصَّصونَ في دراسة الطُّيور ويَبحثونَ مِنْ خِلالِ مَناظيرِهِم في كُلِّ مكانٍ بَحْثًا عن غَرائِبِ الطُّيورِ في السَّماء. وعندما تَرَوْنَ الحَيواناتِ، والحشراتِ، وكُلَّ الزَّواحِفِ والأشياءِ الَّتي تَزْحَف على سَطْحِ الأرضِ، فإنَّنا نَتَعَجَّبُ حقًّا لأنَّ اللهَ يَمْلِكُ قُدرةً فِكريَّةً هائلةً لِخَلْقِ وتَصْميمِ كُلِّ هذه المخلوقات. ولكِنَّ هذا هو ما فَعَلَهُ.

ونقرأ في العدد 24: "لِتُخْرِجِ الأَرْضُ" – لِتُخْرِجِ الأَرْضُ. والآنْ، لماذا يَقولُ ذلك؟ لماذا يقول: "لِتُخْرِجِ الأَرْضُ"؟ أعتقد أنَّها طريقة أخرى لِقَوْل: "لِتَظْهَر على الأرض". ولكِنَّها عبارة صحيحة أيضًا. وأودُّ أنْ أُوَضِّحَ هذه النُّقطة لكم وهي أنَّ أجسادَ الحَيَواناتِ تتألَّف مِنْ نفسِ عناصِرِ الأرض. أجل. فأجسادُ الحَيَواناتِ تتألَّفُ مِنْ نفسِ العناصرِ الكيمياويَّةِ الَّتي تتألَّفُ مِنْها الأرض. وهي تَخْرُجُ مِنَ الأرضِ وتأخُذ شكلاً وهيئةً. وعندما تَموتُ فإنَّها تَعودُ إلى الأرض كَحالَتِها السَّابقة لأنَّها خُلِقَتْ مِنْ نَفسِ العناصِر.

والحقيقةُ هي أنَّ الأمرَ نَفسَهُ يَصِحُّ على الإنسانِ أيضًا. انظروا إلى العدد 2: 7: "وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ". فَقَدْ جَبَلَ الإنسانَ تُرَابًا مِنَ الأَرْض. لِذا، فقد أخذَ اللهُ نفسَ العناصِرِ الَّتي خَلَقَ منها الأرضَ وَخَلَقَ مِنْها الحَيَوانات. فهي نفس المادَّة الكيمياويَّة.

وعندما خَلَقَها دَعاها "ذَوات أَنْفُس حَيَّة". وأودُّ أنْ أُذَكِّرَكُمْ بأنَّ هذه فِكرة مُهِمَّة جدًّا. فالنباتاتُ لَمْ تُدْعَ قَطّ "ذوات أنْفُس حَيَّة". والأشجارُ لم تُدْعَ قَطّ "ذوات أنْفُس حَيَّة". فنحنُ نَقرأ عنْ خَلْقِ الحياةِ النباتيَّة في العَدَدَيْن 11 و 12. وهي تُدعى "عُشْبًا وَبَقْلاً" هُناك. والبعضُ يُتَرْجِمُها "أعْشاب"، ولكِنْ مِنَ الأفضَل أنْ تُتَرْجَمَ "بُقول". ولكنَّها لا تُسَمَّى البَتَّة "ذوات أنْفُس حَيَّة".

وعندما تَصِلونَ إلى العدد 20، فإنَّ أوَّلَ مَرَّةٍ تَقرأونَ فيها عنْ ذواتِ الأنفُس الحيَّة هي عندَ خَلْقِ الكائنات البحريَّة والكائناتِ الَّتي تَطير – أيِ الطُّيورِ والأسماكِ والكائنات البحريَّة الأخرى. فهي تُسَمَّى "ذوات أنفُس حيَّة". وما الَّذي قُلْتُهُ لكم عنِ سِمَةِ الكائناتِ الحيَّة؟ أنَّها تَتحرَّك. فالنَّباتاتُ لا تتحرَّك. أمَّا الكائناتُ الحيَّةُ فتتحرَّك وتمتلك وَعْيًا. فهي تتحرَّك وتَمتلك وعيًا. لِذا فإنَّها تَختلف عنِ النَّباتات.

فلا يمكنكم أنْ تُدَرِّبوا نَبْتَةً بِمَعْنى أنْ تَجعلوها تَفعل شيئًا ما. صَحيحٌ أنَّهُ بمقدورِكم أنْ تَجعلوها تَنْموا باتِّجاهِ الشَّمسِ، ولكنَّ هذا الأمرَ هُوَ مِنَ السِّماتِ الطَّبيعيَّةِ للنَّباتاتِ لأنها تَستمدُّ حَياتَها مِنَ الضَّوْء. ولكِنْ لا يُمكنكم أنْ تُدَرِّبوا نَبْتَةً لأنَّها لا تَمتلك وَعْيًا. فالكائناتُ الحيَّة تَمتلك وَعْيا وقُدرةً على الحركة. وهي بهذا تَختلفُ عنِ النَّباتات.

فالكائناتُ الحيَّة تَمتلكُ وَعْيًا، ولكِنَّهُ ليسَ بالضَّرورة وَعْيا ذاتيًّا. فهي واعِيَة لبيئَتِها ويمكنها أنْ تَتفاعَلَ معها. فالكلبُ يَستطيعُ أنْ يَبتعدَ عَنْ طريقِ سَيَّارة. والكلبُ يَستطيعُ أنْ يَتعلَّمَ أنْ يُطيعَ الأوامر. وحَتَّى إنَّ هُناكَ نَوْعًا مِنَ الحِيتان يمكن أنْ تُدَرَّب على إطاعة الأوامر أوْ على أنْ تَقْفِزَ مِنَ الماءِ وَتَرْكُلُ بأنْفِها كُرَةً لِعُلْوٍ يَصِلُ إلى عِشرينَ قَدَمًا في الهواء. وبالإمكان تدريبُها على ذلك لأنَّها تَمتلك وعيًا لبيئتِها ولأنَّها تَستخِدم ذلك للحصول على الطَّعام.

ولكِنَّ هذا لا يَعني أنَّها واعية لِذاتِها. فهي قد تَتفاعل مع بيئتِها، ولكنَّها لا تَعِي ذلك. فالوَعْيُ الذَّاتيُّ يَعني أنَّكَ تَعِي مَنْ أنت، وأنَّكَ تَعِي أنَّكَ تتفاعلُ مع بيئتِك. ومَعَ أنَّ الحيواناتِ تَمتلك وَعْيًا، فإنَّهُ ليسَ وعيًا ذاتيًّا. وعندما تَموت فإنَّها تَعودُ إلى التُّراب. فهي موجودة في العالم كَجُزْءٍ مِنَ الزِّينَة الخارجيَّة الَّتي وَضَعَها اللهُ لإظهارِ قُدرتِه العجيبة لِمَلِكِ الأرضِ وَتاجِ خَليقَتِهِ – أيِ الإنسان الَّذي خَلَقَهُ على صُورَتِه.

والآنْ، لاحِظوا في العَدَدَيْن 24 و 25 أنَّ هُناكَ تَكْرارًا للكلمة "كَجِنْسِهِ" إذْ إنَّها تَتكرَّر مَرَّتَيْن في العدد 24، ومَرَّتَيْن أيضًا [أو في الحقيقة: ثلاث مَرَّات] في العدد 25. وقد صارَ مَعنى ذلك مَفهومًا لدينا. فهذه الكلمة تتكرَّر عَشْرَ مَرَّاتٍ في تكوين 1. "كَجِنْسِهِ" ... "كَجِنْسِهِ" ... "كَجِنْسِهِ".

واسمحوا لي أنْ أقولَ الآتي بأبسط صورة مُمكنة: إنَّ هذا يُشيرُ إلى وُجودِ قُيودٍ على التنوُّع. فهذا يُشيرُ إلى وُجودِ قُيودٍ على التنوُّع. ولا حاجةَ إلى الدُّخولِ في التَّفاصيلِ التِّقَنِيَّةِ والقولِ إنَّ هذه الكلمة تَعني "أجناسًا" أو "أنواعًا" أو "عائلاتٍ" أو "أصنافًا"، أو أيَّ لَفْظٍ عَلميٍّ آخر لتصنيفِ الكائنات. ولكنَّنا نَكتفي بالقول إنَّهُ توجد قُيود على التنوُّع.

ففي كُلِّ حالة، هناكَ شَفرة وراثيَّة. وفي كُلِّ حالة، هناكَ حَمْضٌ نَوَوِيٌّ، وشريطٌ مِنَ الكروموسومات المُشَفَّرة في كُلِّ خليَّة في كُلِّ كائنٍ حَيٍّ، وهو يُحَدِّد طبيعة ذلك الكائن الحيّ. لِذا فإنَّهُ سيكونُ موافقًا لطبيعتِه. صحيحٌ أنَّهُ قد يوجد بعض التنوُّع في إطار ذلك الحَمْض النَّوويّ، ولكنَّهُ لا يمكن أنْ يَصيرَ شيئًا مُختلفًا عن طبيعته. فهذا أمْرٌ لَهُ ضَوابِط (كما قُلْنا مَرَّاتٍ عديدة) مِنْ خلال الحَمْض النَّوويّ. فهذا هو المَعنى الضِّمنيّ للكلمة "كَجِنْسِهِ" - كَجِنْسِهِ.

وبالمُناسبة، إليكم هذه الملاحظة الهامشيَّة: لقد تَمَّ خَلْقُ النباتاتِ قبلَ خَلْق أيِّ حياةٍ حَيَوانيَّة؛ أيْ قَبْلَ خَلْقِ الأسماكِ وَخَلْقِ الطُّيور. وهذا يُناقِضُ تمامًا ما تَقولُهُ نظريَّة التطوُّر التقليديَّة إذْ إنَّها تقول إنَّ جميعَ الحياةِ الحيوانيَّة ابتدأتْ في البحر ثُمَّ زَحَفَتْ مِنَ البحرِ في وقتٍ ما على مَدى مئاتِ الملايينِ مِنَ السِّنين. إذًا، فقد زَحَفت خارِجَةً مِنَ البحر. وفي نفسِ اللَّحظةِ الَّتي وَصَلَتْ فيها إلى اليابسة، نَشَأتِ النَّباتاتُ. ولكِنَّكُم تَجِدونَ في سِفْر التَّكوين أنَّ النباتاتِ خُلِقَتْ قَبلَها. فالحياةُ النباتيَّةُ خُلِقَتْ قَبلَ الحَيَوانيَّة، ثُمَّ جاءَ خَلْقُ الكائنات البحريَّة، والكائناتُ الَّتي تَطيرُ في الجَوّ، والكائنات البَرِّيَّة.

لِذا فإنَّ أفضلَ ما يمكننا أن نقولَهُ عنِ الأنواعِ هي أنَّها كانت مَحدودةً في تَنَوُّعِها. فاللهُ خَلَقَ هذه المخلوقات على الصُّورة الَّتي هي عليها الآن. فالكِلابُ كانت كلابًا، والأحْصِنَةُ كانتْ أحْصِنَةً، والدَّلافين كانت دلافين، وسَمَك البَرَكودا كان سَمَك بَرَكودا، والنَّمْلُ كانَ نَمْلاً بالرَّغم مِنْ وجود أنواعٍ كثيرة منه. والعناكِبُ كانت عَناكِب. والأفاعي كانت أفاعي. والضَّفادِعُ كانت ضَفادِع.

فبالرَّغمِ مِنْ وجودِ أنواعٍ عديدة، هناكَ قُيود على ذلك التنوُّع. فلا يمكن أنْ يَتطوَّرَ أحدُ الأنواعِ ويَصيرَ نوعًا آخر. وهذهِ الحقيقة تَتكرَّرُ عَشْرَ مَرَّاتٍ في الأصحاح الأوَّل مِنْ سِفْر التَّكوين. وكأنَّ اللهَ كانَ يَعلمُ أنَّ شخصًا ما سيأتي ويحاول أنْ يَكْذِب قائلاً إنَّ أحدَ الأنواعِ صارَ نوعًا آخر، وإنَّهُ لا توجد قيود على التنوُّع.

ونقرأ في نهاية العدد 24: "وَكَانَ كَذلِكَ". وقد سَمِعْنا هذه العبارة مِنْ قَبْل. فعندما أَمَرَ اللهُ بِخَلْقِها، خُلِقَتْ. وهذه عبارة صغيرة مُهمَّة. فهي ليست مذكورة هنا لِمَلْءِ الفَراغِ وحسب، بل هي مذكورة في العدد 9: "وَكَانَ كَذلِكَ". وهي مذكورة في العدد 11: "وَكَانَ كَذلِكَ". وفي العدد 15: "وَكَانَ كَذلِكَ". وهي مذكورة هنا في العدد 24: "وَكَانَ كَذلِكَ". وهي تعني أنَّ الأمرَ كانَ مَقْضِيًّا، وكانَ مُنْتَهِيًا، وكانَ دائمًا، وأنَّهُ بَقِيَ كذلك.

فعندما قالَ اللهُ في البداية: "لِيَكُنْ نُورٌ"، لا نَقرأ العبارة: "وكانَ كذلك" لأنَّ ذلكَ النُّورَ، عندما خُلِقَ في الأصل، كانَ مُجَرَّدَ نُوْر، ولكنَّهُ لم يَكُنْ مُقْتَرِنًا بَعْد بالأَجْرامِ السَّماويَّة، ولا بالأجْرامِ الَّتي تَعْكِسُ النُّور (كالقَمَر والشَّمس والنُّجوم). وعندما خَلَقَ اللهُ الأرضَ، كانت مُجَرَّدَ كُتلة مِنَ العناصرِ المَغمورة في الماء. واللهُ لم يَقُلْ: "وكانَ كذلك" لأنَّها لم تَكُنْ بعد في شَكْلِها النِّهائيِّ.

ولكِن في العدد 9، عندما ابتدأَ اللهُ يَفْصِل المياهَ الَّتي فوقَ الجَلَد عنِ المياهِ الَّتي تَحْتَ الجَلَد، وَظَهَرَتِ اليابسةُ، وأخذتِ الأرضُ شَكْلَها فصارت هُناكَ يابسة وبحار، كانَ ذلك هو الشَّكلُ الدَّائمُ لها. وحينئذٍ فإنَّنا نقرأُ العِبارَة: "فكانَ كذلك".

لِذلك، في العدد 11، عندما خُلِقَتِ النَّباتاتُ على الأرض، كانَ ذلكَ شيئًا دائمًا وثابتًا وما يَزالُ موجودًا حتَّى اليوم. وفي العدد 15، عندما تَمَّ وَضْعُ القَمَرِ والشَّمسِ والنُّجومِ في السَّماء، نقرأُ العبارة: "وكانَ كذلك". فقد تَثَبَّتَتْ بتلك الطريقة. وهُنا، في العدد 24، تَمَّ خَلْقُ الحَيَواناتِ وبقيت على حَالِها. فهي ما تزالُ على تلكَ الحَال. "وَكانَ كذلك"، أيْ أنَّها بقيت ثابتةً، وراسخةً، ودائمةً. وقد ظَلَّتْ على تلك الحال إلى وقتنا الحاضِر. وقد بَقِيَتْ في إطارِ جِنْسِها لأنَّ التَّغييرَ الَّذي طَرَأَ عليها مَحْدود.

فهناكَ بعضُ التَّغييرات. وهناكَ بعضُ الاختلاف. ونحنُ نَعلَم ذلك. فالجينات الوراثيَّة قد تَفعل ذلك. والتَّهجينُ قد يَفعل ذلك. ولكنَّها تبقى مَخلوقاتٍ مِنْ نفس النَّوع بصورة رئيسيَّة.

وأخيرًا، فإنَّ خَلْقَ تلكَ المخلوقات البَرِّيَّة يَنْتَهي بتَعليقٍ مِنَ اللهِ في نهاية العدد 25. فقد رأى اللهُ ذلكَ أنَّهُ حَسَنٌ. وبالمُناسبة، فإنَّ اللهَ كَرَّرَ ذلكَ في كُلِّ هذا الأصحاح. فنحنُ نقرأ في العدد 4 أنَّ اللهَ رأى النُّورَ أنَّهُ حَسَنٌ. ونقرأ في العدد 10 أنَّ اللهَ رأى عَالَمَ اليابسةِ والبحرِ أنَّهُ حَسَنٌ. وفي العدد 12 رأى عَالَمَ النَّباتاتِ أنَّهُ حَسَنٌ. وفي العدد 18 رأى عَالَمَ الأجْرامِ السَّماويَّةِ أنَّهُ حَسَنٌ أيضًا. وفي العدد 21 رأى عَالَمَ المخلوقات البحريَّة والطُّيور أنَّهُ حَسَنٌ. وفي العدد 25 رأى عَالَمَ الحَيَواناتِ الَّتي تَعيشُ على الأرضِ أنَّهُ حَسَنٌ. وأخيرًا، نقرأُ في العدد 31، أيْ بَعْدَ خَلْقِ الإنسان، أنَّ كُلَّ ما عَمِلَهُ حَسَنٌ جِدًّا.

فكُلُّ ما عَمِلَهُ اللهُ كانَ حَسَنًا. والآنْ، اسمعوا ما سأقول: لم تَكُنْ هناكَ عُيوب. لم تكن هناكَ عُيوب. ولم تَكُن هناكَ طَفْرات. ولم تكن هناك دُوْنِيَّة. ولم يَكُنْ هناكَ انتِخابٌ طَبيعيٌّ أوْ بَقاءٌ للأصْلَح لأنَّهُ لم تَكُنْ هناكَ حَيَواناتٌ غير صَالِحَة. فقد كانُ الكُلُّ حَسَنًا. ولم تكن هناكَ عُيوب. ولم يَكُنْ هناكَ انتِخابٌ طَبيعيٌّ. ولم تَكُنْ هُناكَ دُوْنِيَّة قَطّ. فقد كانَ كُلُّ شيءٍ حَسَنًا جِدًّا. وسوفَ نتحدَّثُ أكثَر عنْ مَعْنى العِبارة "حَسَنٌ ِجِدًّا" حينَ نَصِلُ إلى العدد 31.

أمَّا في هذه النُّقطة، فقد كانَ كُلُّ شيءٍ حَسَنًا. لقد كانَ حَسَنًا. فلم يَكُنْ هناكَ حَتَّى مَوْتٌ في العالَم. لم يَكُنْ هناكَ حَتَّى مَوْتٌ في العالَم. فالموتُ لم يَدْخُل المَشْهَد إلَّا حينَ أَخْطَأَ الإنسانُ في الأصحاح الثَّالث. ولكِنْ في هذه النًّقطة، كانتِ الأرضُ جاهزةً للإنسان – الإنسان الَّذي سيصيرُ مَلِكَ الأرض والمُهيمِن عليها.

وبالمناسبة، لا بُدَّ أنَّ اللهَ خَلَقَ كُلَّ الحَيَواناتِ في الجزءِ الأوَّلِ مِنَ اليوم السَّادسِ لأنَّ الجُزْءَ المُتَبَقِّي مِنَ اليومِ خُصِّصَ لِخَلْقِ الإنسان. وقد قامتِ الحَيَواناتُ بِدَوْرٍ مُعَيَّن. ونحنُ لا نَقرأُ عن دورِها هُنا في هذا الأصحاح، ولكِنَّ الأصحاحَ الثَّاني يُخبرُنا عن ذلك. وسوفَ نتحدَّثُ عن ذلكَ لاحقًا.

ولكِنْ لننظر إلى العَدَدَيْن 26 و 27 – فعلى أقَلِّ تقدير، لننظر إليهما نَظرةً سريعة جدًّا. فنحنُ نأتي إلى تَاجِ خَليقةِ اللهِ: "وَقَالَ اللهُ: «نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا، فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ». فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ".

فهذه هي الذُّروة. وهذا هو تاجُ الخَليقة. وهذا هوَ سَبَبُ كُلِّ ذلك. ومَرَّةً أخرى، لديكم الصِّيغَة نفسَها إذْ نقرأ في العدد 26: "وَقَالَ اللهُ". وفي العدد 27 نَجِدُ عبارةً مُشابِهَةً لها: "فَخَلَقَ اللهُ" – فَخَلَقَ اللهُ. وهي نفسُ الصِّيغَة. فاللهُ يَتكَلَّمُ فَيَخْلُقُ. فَهُما نفسُ الشَّيء. وهذا هوَ ما نَدْعوهُ الخَلْق مِنْ خِلال "كُنْ فَيَكون". والكلمة "كُنْ" هِيَ فِعْلُ أَمْر: "كُنْ" فَيَكون. فاللهُ يأمُرُ الأشياءَ أنْ تُوْجَدَ فَتُوْجَد.

"لِيَكُنْ"..."لِيَكُنْ". وقد سَمِعْنا هذه الكلمة المَرَّةَ تِلْوَ المَرَّة تِلْوَ المَرَّة: "لِيَكُنْ"..."لِيَكُنْ"..."لِيَكُنْ". ولكِنْ لاحِظوا ما يَلي: فهو لا يقول في العدد 26: لِيَكُنْ"، بل يقول ماذا؟ "نَعْمَلُ الإنسانَ". وهذه عبارة جديدة، يا أصدقائي. إنَّها عبارة جديدة. وهذا فَرْقٌ مُهِمٌّ جدًّا. وهذا تَغَيٌّرٌ كبيرٌ في اللُّغَة.

ففي كُلِّ الأصحاح (في العدد 3، والعدد 6، والعدد 9، والعدد 11، والعدد 14، والعدد 20، والعدد 24) نقرأ: "لِيَكُنْ"..."لِيَكُنْ"..."لِيَكُنْ"..."لِيَكُنْ". وهذه صيغة غير شخصيَّة للفِعْلِ العِبْرِيّ: "لِيَكُنْ"..."لِيَكُنْ". وكأنَّ اللهَ ليسَ مَعْنِيًّا بِصُورة حَميمَة: "لِيَكُنْ"..."لِيَكُنْ". أمَّا هُنا: "نَعْمَلُ".

ففي هذه النُّقطة، صارَ اللهُ شَخْصِيًّا. ولأنَّ [اسمعوني]: لأنَّ اللهَ مُثَلَّث الأقانيم، عندما يُقَدِّم نَفْسَهُ شخصيًّا فإنَّهُ يَفعل ذلك بصيغَة الجَمْع. فهو يَستخدِم صيغَة الجَمْع. وما أعنيه هو أنَّهُ في إنجيل يوحنَّا والأصحاح الأوَّل، نَقرأُ أنَّ يسوعَ المسيحَ خَلَقَ. "كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ". وَهُنا نقرأُ أنَّ اللهَ خَلَقَ. وفي يوحنَّا 1 نَقرأُ أنَّ يسوعَ خَلَقَ كُلَّ شيء.

وحتَّى إنَّنا نَقرأُ أنَّ رُوْحَ اللهِ شَكَّلَ الخليقةَ في وقتٍ سابقٍ مِنْ تكوين 1. فالثالوثُ كُلُّهُ قامَ بذلك. وعندما يأتي اللهُ إلى خَلْقِ الجنسِ البشريِّ فإنَّهُ لا يَستخدِمُ صيغةَ الأمْرِ غير الشَّخصيَّة: "ليَكُنْ"، بل يَستخدمُ لُغَةً تُبَيِّنُ أنَّهُ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ: "نَعْمَلُ" – "نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا". وهل تَعلمونَ ما الَّذي يُطْلِعُنا عليه؟ إنَّهُ يُطْلِعُنا على خُطَّةِ الثَّالوث. فَهُوَ في شَرِكَةٍ مَعَ نَفسِهِ بخصوصِ أَهَمِّ مَخلوقٍ مِنْ مَخلوقاتِه.

وأنا أُوْمِنُ أنَّ هذا واضحٌ، وأنَّهُ [في الحقيقة] يُشيرُ دُوْنَ نِقاشٍ أوْ جِدالٍ إلى الثَّالوث. وأنا أُقِرُّ، على غِرارِ كُلِّ دارِسٍ للكتابِ المقدَّسِ، بأنَّ أَوْفَى توضيحٍ لعقيدةِ الثَّالوث موجود في العهد الجديد إذْ إنَّكُمْ تَجِدونَ في العهد الجديد النَّظرةَ اللَّاهوتيَّة الكاملةَ والتوضيحَ الكامل لعقيدة الثَّالوث. ولكِنْ مِنَ المؤكَّدِ أنَّ الثَّالوثَ واضِحٌ في العهدِ القديم.

فَرُوْحُ اللهِ يُشَارُ إليهِ مِرارًا في العهدِ القديم. ولديكُم مَلاكُ الرَّبِّ الَّذي هو ليسَ إلَّا ابن الله قبلَ التَّجَسُّد. ولديكم اللهُ نَفْسُهُ. فنحنُ نَرى هنا تَخاطُبًا داخليًّا بينَ الأقانيمِ الثَّلاثة هُنا: "نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا". والمُرَنِّمُ يَقول: "قالَ الرَّبُّ لِرَبِّي". وهذا حَديثٌ بينَ الآبِ[دُوْنَ شَكٍّ] والابْن.

وهناكَ العديدُ مِنَ الإعلاناتِ عنِ الثَّالوثِ في العهدِ القديم. ففي المزمورِ الثَّاني، يقولُ الآبُ للابْن: "أَنَا اليَوْمَ وَلَدْتُكَ. اسْأَلْنِي فَأُعْطِيَكَ الأُمَمَ مِيرَاثًا لَكَ". فهذا وَعْدٌ مَسيحانِيٌّ. وَهُوَ وَعْدٌ نَبَوِيٌّ في المزمور الثاني.

وهناك شَواهِد عديدة عنِ الثَّالوثِ في العهدِ القديم. وأنا لا أَعْني ضِمْنِيًّا أنَّهُ لا توجَد شَواهِد لأنَّهُ تُوْجَد. والحقيقةُ هي أنَّهُ بالإشارة إلى المَسيح، الأقنومِ الثَّاني في الثَّالوث، فإنَّنا نَقرأُ في المزمور 45: 7: "أَحْبَبْتَ الْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ الإِثْمَ، مِنْ أَجْلِ ذلِكَ مَسَحَكَ اللهُ إِلهُكَ بِدُهْنِ الابْتِهَاجِ أَكْثَرَ مِنْ رُفَقَائِكَ". وهذه كلمات تَنْسَبْ مباشرةً إلى المسيَّا، أيْ إلى الربِّ يسوعَ المسيح. وهذه، مَرَّةً أخرى، إشارة إلى أنَّ اللهَ يُخاطِبُ الابن.

وهناكَ مقاطع أخرى عديدة مُشابِهَة. وأنا مُتَرَدِّدٌ في سَرْدِها كُلِّها، ولكِنْ يَكفي أنْ أذكُرَ شَاهِدَيْن. فالمزمور 110، في اعتقادي، ورُبَّما أكونُ مُخْطِئًا – ولكِنْ بَلَى، إنَّهُ هذا المزمور: "قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ". وقد جاءَ حَتَّى في العهدِ الجديدِ أنَّ هذه الكلمات تُشيرُ إلى المسيح. لِذلك فإنَّ اللهَ الآبَ يُخاطِبُ اللهَ الابْنَ في حَديثٍ بينَهُما.

لِذا، هناك شواهِد عنِ الثالوث في العهد القديم. ومِنَ المُهِمِّ أنْ نَعْلَمَ ذلك. ولكِنَّ الفَهْمَ الكامل للثالوث يَظْهَرُ جَلِيًّا حقًّا في العهد الجديد. ونحنُ نَفهم لماذا. أليسَ كذلك؟ لأنَّ الأقنومَ الثَّاني في الثالوث يصيرُ ماذا؟ يَصيرُ إنسانًا. أيْ يَصيرُ مُتَجَسِّدًا. إذًا، ما الَّذي تَرَوْنَهُ هُنا؟ ما الَّذي تَرَوْنَهُ مِنْ خلالِ الكلمة "نَعْمَلُ" هُنا؟ وأعترفُ لكم أنَّني أستطيعُ أنْ أَسْتَرْسِلَ في الحديثِ عن ذلك لأنَّني أعرفُ إلى حَدٍّ ما موضوعَ النِّقاشِ أوْ موضوعَ الحديث.

وقد تقول: "وكيفَ تَعْرِفُ ذلك؟" حسنًا! هناك طريقة واحدة لمعرفةِ أيِّ شيء وهي أنْ يكونَ مُدَوَّنًا في الكتاب المقدَّس. ولكنِّي أعرفُ شيئًا عن موضوعِ ذلك الحديث. فقد كانَ عنِ الفِداء. لقد كان عن الفداء لأنَّ [استمعوا إلى ما سأقول]: لأنَّ الأرضَ كانت قد شُكِّلَتْ. أليسَ كذلك؟ هل هذا صحيح؟ حسنًا. وبحسب الكتاب المقدَّس، وما جاء في رؤيا 13: 8، ورؤيا 17: 8، فإنَّ أسماءَنا كُتِبَتْ في سِفْرِ حَياةِ الخَروف مَتى؟ قبلَ تأسيسِ الأرض. حسنًا؟

لذلك فإنَّنا نَعرفُ شيئًا عن موضوعِ ذلك الحديث قَبْلَ تَشكيل وخَلْقِ الأرض، وقَبْلَ خَلْقِ الإنسان. فقد كان حديثًا وَصَلَ مُسْتَوىً مُعَيَّنًا حَتَّى إنَّ أسماءً كُتِبَتْ حقًّا في سِفْرِ اللهِ. ولكِنْ أسماءُ مَنْ كُتِبَتْ فيه؟ اسمي. أليسَ كذلك؟ واسْمُكَ، إنْ كُنْتَ مُؤمِنًا. وأنا أَعلم أيضًا، بحسب ما جاء في الأصحاح الأوَّل مِنْ رسالة أفسُس، أنَّهُ تَمَّ اختيارُنا لنكونَ في المسيح قَبْلَ تَأسِيسِ العَالَم. أليسَ كذلك؟ أليسَ هذا هو ما يقولُهُ الأصحاح الأوَّل مِنْ رسالة أفسُس؟

لِذا فإنَّني أعرفُ شيئًا عن موضوعِ ذلك الحديث. فقد كانوا يتحدَّثونَ عنِ الفِداءِ في الثَّالوث، أو يتخاطبونَ بخصوص الفداء. وقد تَمَّ الكَشْفُ عن خُطَّةٍ كانت موجودة في فِكْرِ اللهِ. وإليكم هذه الخطَّة: لقد كانَ اللهُ يُحِبُّ الابنَ محبَّةً كاملة. وقد أرادَ اللهُ أنْ يُبَيِّنَ مَحبَّتَهُ للابْن. وقد تحدَّثنا عن ذلك في السَّابق. وهذا هو المكانُ الصَّحيحُ لِذِكْرِها.

فقد كانَ اللهُ يُحِبُّ الابنَ محبَّةً كاملة. وقد أرادَ أنْ يُبَيِّنَ مَحبَّتَهُ للابْن، أيْ مَحَبَّتَهُ الخالصة للأقنومِ الثَّاني في الثَّالوث. وقد قَرَّرَ أنْ يَفعلَ ذلكَ بطريقة مُمَيَّزة وهي أنْ يَأخُذَ عَروسًا لابْنِهِ. وقد قَصَدَ بالكلمة "عَروس" أنَّهُ سيأخُذُ شَعْبًا مَفْدِيًّا يُكْرِمونَ ابْنَهُ، ويَعْبُدونَ ابْنَهُ، ويُحِبُّونَ ابْنَهُ، ويَسْجُدونَ لابْنِهِ، ويَخْدِمونَ ابْنَهُ إلى الأبد. وهو سيأتي حرفيًّا بهؤلاء البشر المَفديِّين إلى أعلى، أيْ إلى حيث مَسْكَنِ الثَّالوث في أمْجادِ السَّماءِ لكي يَحْيَوْا هناكَ إلى الأبد. فقد كانت هذه هي الخُطَّة.

وقد كانَ خَلْقُ الأرضِ وكُلِّ الكونِ وكُلِّ شيءٍ فيه هو المَسْرَحُ الَّذي سَتُنَفَّذُ عليهِ الخُطَّة. وقد تقول: "ولكِنْ هل كانَتْ هناكَ ضَرورة تُحتِّمُ خَلْقَ كُلِّ تلك الخليقة؟" بِكُلِّ تأكيد. لأنَّ تلك الخليقة تُشيرُ إلى اللهِ وإلى طَبيعَتِهِ، ولأنَّها تُخْبِرُ الإنسانَ عن عَظَمَتِه ومَجْدِه وقُدرَتِه. أليسَ كذلك؟ فالسَّماواتُ تُحَدِّثُ بماذا؟ بِمَجْدِ اللهِ. وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ. وفي رومية 1، تَقرأونَ أنَّكم إذا نَظرتُم إلى الأرضِ سَتَرَوْنَ أنَّ اللهَ مَوجودٌ حَتَّى إنَّ طَبيعَتَهُ غَيْرَ المَنْظُورَةِ تُدْرَكُ مِنْ خلالِ خَليقَتِهِ المَنظورة حَتَّى إنَّنا بِلا عُذْر. فكُلُّ ذلك خُلِقَ للإعلانِ عن طبيعةِ الله.

وإذا نَظرتُم إلى الخليقة سَتَرَوْنَ قُدرَتَه، وتَرَوْنَ ذَكاءَهُ، وتَرَوْنَ حِكمَتَهُ، وتَرَوْنَ مَحَبَّتَهُ للجَمال، وعَقْلَهُ الخَارِق، وحِكْمَتَهُ المُذهلة. وَتَرَوْنَ رِقَّتَهُ ولُطْفَهُ وَحُنُوَّهُ مِنْ خلالِ بَتْلَةِ الزَّهرة. ويمكنكم أنْ تَرَوْا قُدرَتَهُ في البَرْقِ، وفي الرَّعْدِ، وفي الأجْرامِ السَّماويَّةِ العَظيمةِ الَّتي تَسْبَحُ في الفَضاءِ الفَسيحِ في مِلياراتِ المَجَرَّاتِ الموجودة فيه. فيمكنكم أنْ تُدْرِكُوا الكثيرَ عنِ الله مِنْ خلالِ الكَوْن. فهذا كُلُّهُ يُحَدِّثُ عنِ الله.

ولكِنَّ الشَّيءَ الَّذي يُحَدِّثُ عنِ اللهِ بطريقة فريدة حقًّا هو أنَّهُ مُنْعِمٌ جِدًّا حَتَّى إنَّهُ يُخَلِّصُ الخُطاة. أليسَ كذلك؟ ولم يَكُنْ إظْهارُ ذلك مُمْكِنًا (أيْ أنَّ اللهَ مُنْعِمٌ، وأنَّ اللهَ رَحيمٌ، وأنَّ اللهَ غَفورٌ، وأنَّ اللهَ لَطيفٌ، وأنَّ اللهَ رَقيقُ القَلْبِ)، لم يَكُنْ إظْهارُ ذلكَ مُمْكِنًا ما لم يَكُنْ هناكَ بعضُ الخُطاةِ لكي يكونَ اللهُ مُنْعِمًا مِنْ نَحْوِهِم. أليسَ كذلك؟

لذلك، في مكانٍ ما قبل تأسيس العالم، كانت هناك خُطَّة مُسَبَّقة. واللهُ الَّذي حَاشَا أنْ يَكْذِب، يقول في 2تيموثاوس 1: 9 إنَّهُ قَصَدَ في المسيح يسوع أنْ يَفْدي البشريَّة. فأوَّلاً، لقد كانَ لَهُ قَصْدٌ مِنْ خَلْقِهِم. لِذا فإنَّ خُطَّةَ اللهِ المُثَلَّث الأقانيم هي: "سوفَ نأتي ببشرٍ مَفْدِيِّينَ إلى المجد".

وقد كانت الملائكةُ قد خُلِقَتْ آنذاك. وقد خُلِقَتْ لمجدِ الله. ولكِنْ عَدا عَنْ ذلك، لم يُظْهِر اللهُ نِعْمَتَهُ للملائكة. لِذلك، لا يمكن أنْ يُظْهِرَ اللهُ نِعمتَهُ ورَحمتَهُ وغُفرانَهُ للملائكة لأنَّهُ لا يوجد خَلاصٌ للملائكة. فالملائكة إمَّا أنْ يكونوا قِدِّيسينَ أوْ ساقِطين. والملائكةُ السَّاقطون سيبقونَ دائمًا ساقِطينَ ومَحْكومٌ عليهم بالهلاك في بُحيرة النَّار.

ولكِنَّ اللهَ قَرَّرَ في وقتٍ ما قبلَ تأسيسِ العالم أنَّهُ سيُخَلِّصُ خُطاةً، وأنَّهُ سيُخَلِّصُ بَشَرًا. فهو سيَخْلُقُهُم ويُخلِّصُهُم. وهو سيأتي بهم إلى المجد، وسيكونونَ عَروسًا لابْنِهِ، ويَخْدِمونَ ابْنَهُ، ويُحِبُّونَهُ، ويَعبدونَهُ إلى دَهْرِ الدُّهورِ وإلى أبدِ الآبِدين. وهو سيَملأُ السَّماءَ حرفيًّا بجَوْقَةِ تَسْبيح لن تَفعلَ شيئًا سوى تَسبيحِهِ وخِدْمَتِهِ طَوالَ الأبديَّة.

لقد كانَ هذا هو موضوعُ الحديثِ بينَ أقانيمِ الثَّالوث. فقد كانوا يتحدَّثونَ عن هذا القصدِ المُدْهِشِ والعظيمِ لله. فهو لم يكن مُضْطَرًّا أنْ يَخْلِقَ أيًّا مِنَّا. وهو لم يكن مُضطرًّا أيضًا أنْ يَخلقَ أيَّ شيءٍ آخر. ولكنِ اسْمَعوني: لقد خَلَقَ كُلَّ شيءٍ آخر لكي يُعِدَّ المَسْرَحَ لِلإعلانِ عن نفسِه لنا. لذلك فقد قالَ يَسوعُ في الأصحاحِ السَّادسِ مِنْ إنجيل يوحنَّا: "كُلُّ مَا يُعْطِينِي الآبُ فَإِلَيَّ يُقْبِلُ". فقد اخْتارَ جَميعَ الأشخاصِ الذينَ سيأتي بهم ويُقَدِّمُهم لابنِهِ هَدِيَّة مَحَبَّة.

وقد كَتَبَ أسماءَ هؤلاء في سِفْرٍ قبلَ تأسيسِ العالم. فقد تَمَّ اختيارُنا مُسَبَّقًا قبلَ خَلْقِ العالم. لذا فإنَّني أعرفُ شيئًا عن ذلك الحديث. ويمكنكم أنْ تَعرفوا أنَّهُ عندما يقولُ الكتابُ المقدَّسُ: "وَقَالَ اللهُ: نَعْمَلُ الإِنْسَانَ"، فإنَّ تلك هي اللَّحظة الَّتي شَاءَ فيها الثَّالوثُ أنْ يَفْعَلَ هذا الأمر. أليس كذلك؟ فقد كانتْ تلك هي اللَّحظةُ الحاسِمَة. لقد كانتْ تلك هي اللَّحظة الحاسِمَة. وقد كانت هذه هي الذُّرْوَة في اليوم السَّادِس.

إذًا فقد اشْتَرَكَ الأقانيمُ الثَّلاثةُ في ذلك: "نَعْمَلُ الإِنْسَانَ". فهو لم يقل: "لِيَكُنْ"...لِيَكُنْ... "لِيَكُنْ" (بطريقة غير شخصيَّة)، بل إنَّ اللهَ يَفْعَل ذلكَ بطريقة شَخصيَّة جدًّا هُنا لأنَّهُ يَخْلُقُ الآنَ أُناسًا سيَحْيَوْنَ إلى الأبد، أيْ أُناسًا سَيُمَجِّدونَهُ إلى الأبد إمَّا في السَّماءِ أوْ في جَهَنَّم. وهذه هي ذُرْوَةُ كُلِّ شيء. "نَعْمَلُ الإِنْسَانَ". فاللهُ يَعْمَلُ هُنا بطريقة شخصيَّة جدًّا جدًّا.

وبِقَدَرِ ما نَمْتازُ عَجَبًا لأنَّنا مَخلوقونَ على صُورتِه، أودُّ أنْ أُذَكِّرَكُم بالعدد السَّابِع مَرَّةً أخرى: "وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ". فقد قالَ: "نَعْمَلُ الإِنْسَانَ". وقد فَعَلَ ذلك. فقد خَلَقَنا. وكيفَ فَعَلَ ذلك؟ لقد جَبَلَ الإنسانَ مِنْ تُرابٍ مِنَ الأرض. فنحنُ مَخلوقونَ مِنْ نفس العناصر الأساسيَّة كأيِّ شيءٍ آخر. والعناصر الماديَّة تتألَّف مِن عناصر كيمياويَّة مُعَيَّنة. ونحنُ خُلِقْنا جميعًا مِنَ المادَّة نفسِها. لذلك فإنَّ الأجسادَ تَتَحَلَّلُ وتَرْجِعُ إلى التُّراب. مِنْ تُرابٍ إلى تُراب.

وقد "نَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً" – نَفْسًا حَيَّةً. فهو يُشبهُ الكائنات الحيَّة الأخرى في أنَّهُ يَتَحَرَّك ولديهِ وَعْي. فهو يتحرَّك ويمتلك وَعْيًا. ولكِنَّ جَسَدَكَ مَخلوقٌ في الأصْل مِنْ نفسِ المواد الخامّ الَّتي خُلِقَتْ منها بقيَّة المخلوقات. فهل تَذكرونَ أنَّني أخبرتُكم قبل بضعة أسابيع أنَّ جَسَدَكُم يتألَّفُ مِنْ ماذا؟ مِنْ لا شَيء. فتِسْعونَ بالمئة مِنْ جَسَدِكَ هو "لا شيء". فأكثر مِنْ 99 بالمئة مِنْ جَسَدِكَ هو "لا شيء" لأنَّ تلك النِّسبة مِنَ الذَّرَّة تتألَّفُ مِنْ "لا شيء".

والجسدُ يتألَّفُ مِنْ نفسِ المادَّة الذَّريَّة الخَام الَّتي يتألَّفُ منها أيُّ شيءٍ آخر في الخليقة. وعلى غِرارِ الكائنات الحيَّة الأخرى، فقد أُعْطِيْتَ نَسَمَةَ حَياة. فقد خُلِقْتَ كائنًا حَيًّا بِمَعنى أنَّكَ تَمتلك وَعْيًا وأنَّكَ تَتحرَّك. وبالمناسبة، نقرأ عن الحَيَواناتِ في سِفْر التَّكوين 7: 22 أنَّهُ كانَ فِي أَنْفِها نَسَمَةُ رُوحِ حَيَاةٍ.

لذلك فإنَّ هذا النصَّ يَتحدَّث ببساطة عن التَّشكيلِ الجسديِّ في الأصحاح الثَّاني والعدد 7. فقد خُلِقْنا مِنَ التُّراب. وقد خُلِقْنا مِنْ نفس العناصر الذَّرِّيَّة كأيِّ شخصٍ آخر وكأيِّ خليقةٍ أخرى. وقد أُعْطينا وَعْيًا كبقيَّة الكائنات الحيَّة. ولكِنَّنا نَقْرأُ عَنْ فَرْقٍ كبيرٍ هُنا، وَهُوَ الآتي: أنَّنا خُلِقْنا على صُورة الله. وإنْ أرَدْتُم أنْ تَعرِفوا مَعنى ذلك، يجب عليكم أنْ تأتوا في الأسبوع القادِم. هذا هو كُلُّ شيء، يا أصدقائي. فأنا أنظر إلى السَّاعة ولا أُصَدِّق أنَّ الوقتَ انْقَضى وأنَّهُ يجب علينا أنْ نتوقَّف.

ويا لأهميَّة هذه النُّقطة! وأنا لا أُحِبُّ أنْ أتوقَّف. فقد صَرَفْتُ كُلَّ هذا الوقتِ ولم أَصِلْ إلى هذه النُّقطة العظيمة الَّتي كان ينبغي أنْ نَصِلَ إليها. ولكِنَّنا سنتحدَّثُ عنها في المرَّة القادمة. أليسَ كذلك؟

نَشكُرُك، يا أبانا على الكَلِمَة. ونَشكُرك على الرَّجاءِ العظيمِ الَّذي في قلوبِنا فيما يَختصُّ بالمستقبل لأنَّنا نَثِقُ أنَّك إلَهٌ أمين. فأنتَ خَالِقُنا، ومُخَلِّصُنا، وفادينا، ومَلِكُنا الآتي. آمين!

This sermon series includes the following messages:

Please contact the publisher to obtain copies of this resource.

Publisher Information
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969

Welcome!

Enter your email address and we will send you instructions on how to reset your password.

Back to Log In

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize
View Wishlist

Cart

Cart is empty.

Subject to Import Tax

Please be aware that these items are sent out from our office in the UK. Since the UK is now no longer a member of the EU, you may be charged an import tax on this item by the customs authorities in your country of residence, which is beyond our control.

Because we don’t want you to incur expenditure for which you are not prepared, could you please confirm whether you are willing to pay this charge, if necessary?

ECFA Accredited
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Back to Cart

Checkout as:

Not ? Log out

Log in to speed up the checkout process.

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize