
كَما تَعلمون، نَحنُ نَدرسُ البِداياتِ مِن سِفْر التَّكوين، ونَنظُرُ حَالِيًّا إلى سِفْر التَّكوين والأصحاحِ الثَّالث. وأوَدُّ أن أعتَرِفَ بَأنَّنا نَحيدُ قَليلاً عَن ذلكَ الأصحاحِ أحيانًا، ولكِنَّهُ النَّصُّ الرَّئيسيُّ لَنا. ويُمكِنُكُم أن تَفتَحُوا عليهِ في كِتابِكُم المُقَدَّس إذْ أُريدُ أن أُشيرَ إلى هَذهِ الآياتِ السَّبْعِ الأولى مِن تَكوين 3. ففي بِدايةِ الأصحاحِ الثَّالثِ مِن سِفْر التَّكوين، تَجِدونَ قِصَّةَ إغواءِ الحَيَّةِ في الجَنَّةِ لِحَوَّاء، وعِصيانِ حَوَّاء للهِ، ثُمَّ عِصيانِ آدَمَ بَعدَها. وبَعدَ ذلكَ العِصيانِ مُباشَرةً، شَعَرَ كِلاهُما بالخَجَل إذْ إنَّهُما أَدْرَكَا أنَّهُما عُريانانِ في العَددِ السَّابعِ وَصَنَعا لأنفسِهِما مَآزِرَ مِن أوراقِ التِّينِ لِتَغطيةِ عَورَتِهِما.
إنَّ هَذهِ الحَادِثَةَ مُهِمَّةٌ جدًّا. فَحَتَّى هذهِ اللَّحظةِ، بحسبِ الأصحاحِ الأوَّلِ والعَدد 31: "رَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ [أيْ كُلَّ شَيءٍ خَلَقَهُ في الأيَّامِ السِّتَّة] فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا". فقد كانَ كُلُّ شَيءٍ حَسَنًا جدًّا. ولا شَكَّ في أنَّ الأصحاحَ الثَّاني يَتَوَسَّعُ في وَصْفِ خَلْقِ الإنسانِ في اليومِ السَّادس. لِذا، في نِهايةِ الأصحاحِ الثَّاني، مَا زَالَ كُلُّ شَيءٍ حَسَنًا جدًّا. ولكِنْ عندما نَأتي إلى الأصحاحِ الثَّالثِ، يَحدُثُ تَغييرٌ جَذريٌّ. وَمُنذُ تلكَ اللَّحظةِ فَصاعِدًا يَصيرُ كُلُّ شيءٍ سَيِّئًا جدًّا.
إنَّ القِصَّةَ البَسيطَةَ في الآياتِ السَّبْعِ الافتتاحِيَّةِ مِن سِفْرِ التَّكوين والأصحاحِ الثَّالثِ تَصِفُ لَنا أوَّلَ عِصيانٍ بَشريٍّ؛ وَهُوَ العِصيانُ الَّذي جَلَبَ اللَّعنَةَ على كُلِّ الجِنسِ البَشريِّ: أيْ أنَّهُ جَلَبَ السُّقوطَ وتأثيرَ ذلكَ السُّقوطِ في كُلِّ جُزءٍ مِنَ الكَون. ولا نُخطِئُ إن قُلنا إنَّ كُلَّ شَيءٍ خَطَأ في عَالَمِنا هُوَ بِسَببِ الخطيَّة. فلو لم تَكُن هُناكَ خطيَّة لما كانَ يُوجَدُ شَيءٌ خَطأ. ولو لم تَكُن هُناكَ خطيَّة لكانَ كُلُّ شَيءٍ حَسَنًا جدًّا، وَلَكانَ كُلُّ شَيءٍ خُلِقَ في السَّماواتِ، وكُلُّ شَيءٍ خُلِقَ على الأرضِ جَيِّدًا جدًّا كَما كَانَ في اليومِ السَّادس. ولكِنْ بسببِ الخطيَّة، صَارَ كُلُّ شَيءٍ سَيِّئًا جدًّا. وَهذا يَشمَلُ الحُروبَ في العالَم، والإرهابَ، والقَتلَ الجَماعِيَّ، وجَرائِمَ القَتلِ المُتسلسلة، وتَحَطُّمَ الطَّائراتِ، وحَوادِثَ السَّيَّاراتِ، والحَرائقَ، وإصابَة النَّاسِ بالشَّلَلِ والعَجْزِ بسببِ الحَوادِثِ، وكَوارِثَ المُفاعِلاتِ النَّوويَّةِ مِثلَما حَدَثَ في مُفاعِل تشيرنوبل، والتَّسَمُّمَ الإشعاعِيَّ، والتَّلوُّثَ، والسَّرَطانَ، وأمراضَ القَلبِ، وكُلَّ الأمراضِ والعَلاقاتِ المُحَطَّمة، وكُلَّ حَالاتِ الطَّلاقِ، وكُلَّ الأطفالِ اليَتامَى، وكُلَّ المُخَدِّراتِ، وكُلَّ الجَرائِمِ، وكُلَّ إهْمالٍ أيًّا كَانَ شَكْلُهُ، وكُلَّ تَشويشٍ، وكُلَّ خِلافٍ، وكُلَّ صِراعٍ، وكُلَّ خَيبةِ أمل، وكُلَّ قَلَق، وكُلَّ خَوف، وكُلَّ شُعورٍ بالذَّنب، وكُلَّ اكتئابٍ، وكُلَّ حُزنٍ، وكُلَّ فَشَلٍ، وكُلَّ نَدَمٍ، وكُلَّ شَهوةٍ، وأنانيَّة، وكِبرياء، وكَراهِيَة، وَجَشَع، وتَمَرُّد، وقَتل، وسَرقة، وخَطِيَّة جِنسيَّة خَارِجَ نِطاقِ الزَّواجِ، وَعَدَمَ مَسؤوليَّة، وعَدَمَ طَاعَةٍ للوالِدَيْن. فباختصار: كُلُّ شَرٍّ وَحُزنٍ وفَشَلٍ ومَوتٍ هُوَ بسببِ الخطيَّة.
والنَّاسُ الَّذينَ لا يُؤمِنونَ بالخطيَّة ولا يَفهمونَ السُّقوطَ لا يَستطيعونَ أن يُشَخِّصُوا تَشخيصًا سَليمًا مُعضلةَ الإنسان. فَمِنَ المُستحيل أن تَفهمُوا العَالَمَ، ومِنَ المُستحيلِ أن تَفهموا الكَونَ، ونِظامَ الخَليقَةِ، ومِنَ المُستحيلِ أن تَفهموا الإنسانَ، ومِنَ المُستحيلِ أن تَفهموا تَفَكُّكَ المَادَّة، ومِنَ المُستحيلِ أن تَفهموا انهيارَ العَالَمِ والكَون، ومِنَ المُستحيلِ أن تَفهموا سُلوكَ الإنسانِ إن لم تَفهَموا أنَّ ذلكَ كُلَّهُ نَاجِمٌ عنِ الخطيَّة. وكُلُّ خطيَّةٍ في العَالَمِ نَاجِمَةٌ عَمَّا حَدَثَ في سِفْرِ التَّكوين والأصحاحِ الثَّالث.
لِذا فإنَّ الأصحاحَ الثَّالثَ مِن سِفْرِ التَّكوينِ [بِوَصْفِهِ نُقطةَ البِدايةِ] مُهِمٌّ جدًّا. والحقيقةُ هِيَ أنَّهُ على الأرجحِ أَهَمُّ أصحاحٍ في الكتابِ المقدَّسِ لأنَّهُ يُفَسِّرُ سَبَبَ سَرْدِ بَقيَّةِ الكتابِ المقدَّسِ لقِصَّةِ الفِداء. فَكُلُّ شَيءٍ خَطأ هُوَ بسببِ الخطيَّة. وفي النِّهاية، سَوفَ يَموتُ كُلُّ شَيء. فَكُلُّ شَيءٍ في العَالَمِ المَادِّيِّ سيَموت. والخَطِيَّةُ هِيَ القَاتِل.
لِذا، يجبُ علينا أن نُزيلَ القِناعَ الَّذي تَرتَديهِ الخطيَّةُ، وَأن نَكشِفَ سَبَبَ المَوتِ الَّذي يَختَفي وراءَ ذلكَ القِناع. وَقد قالَ كَاتِبٌ قَديمُ: "مَن هِيَ العَجوزُ الشَّمْطاءُ الَّتي تَحفُرُ قَبرَ الإنسان؟ وَمَن هِيَ الفَاتِنَةُ المُتَبَرِّجَةُ الَّتي تَسْلِبُهُ فَضيلَتَهُ؟ وَمَن هِيَ القَاتِلَةُ الَّتي تُدَمِّرُ حَياتَهُ؟ وَمَن هِيَ السَّاحِرَةُ الَّتي تَخدَعُهُ أوَّلاً ثُمَّ تَدينُ نَفسَهُ؟ الخطيَّة. وَمَن هِيَ الَّتي تَنفُثُ أنفاسًا بَارِدَةً تَجعَلُ زَهرة الشَّبابِ تَذبُل؟ وَمَن هِيَ الَّتي تُحَطِّمُ قُلوبَ الآباءِ والأُمَّهات؟ وَمَن هِيَ الَّتي تَجعَلُ الرِّجالَ المُسِنِّينَ يَمُوتونَ حَزَانَى؟ الخطيَّة. وَمَن هِيَ الَّتي تَستخدِمُ خُبْثَها وَدَهاءَها بأسلوبٍ مُحكَمٍ أكثرَ مِن أسلوبِ الشَّاعِرِ أوفيد (Ovid) لِتَحويلِ الأطفالِ الوُدَعاءِ إلى حَيَّاتٍ، وتَحويلِ الأُمَّهاتِ الرَّقيقاتِ إلى وُحوشٍ، وتَحويلِ الآباءِ إلى أشخاصٍ أسوأ مِن هيرودس؟ مَن هِيَ الَّتي تَقتُلُ بَراءَتَهُم؟ الخطيَّة. وَمَنِ الَّذي يَزرَعُ بُذورَ الخِصامِ في قُلوبِ العَائلةِ الواحِدَة؟ وَمَنْ هِيَ الَّتي تُشعِلُ فَتيلَ الحَربِ وَتَجعلُها تَنتَشِرُ في الأرضِ المُرتَعِبَة؟ وَمَنْ هِيَ الَّتي تَزرَعُ الخُصوماتِ في الكَنيسةِ وَتُمَزِّقُ ثَوبَ المَسيحِ الواحِد؟ الخطيَّة. وَمَن هِيَ دَليلَة (Delilah) الَّتي تُغَنِّي للنَّذيرِ كي يَنامَ ثُمَّ تُسَلِّمُ قُوَّةَ اللهِ إلى أيدي غير المختونين؟ وَمَن هِيَ الَّتي تَرسِمُ ابتساماتٍ مُصطَنَعَةً على وَجهِها، وَلِسانُها يَقطُرُ عَسَلاً، وتَقِفُ في البابِ مُتظاهِرَةً بِحُسْنِ الضِّيافَةِ؛ ولكِنَّها بَعدَ أنْ يَنامَ الشَّكُّ تَغرُزُ في أَصْداغِنا مُسمارًا؟ وَمَن هِيَ صَاحِبَةُ الصَّوتِ العَذْبِ الَّتي تَجلِسُ على صَخْرَةٍ بِجانِبِ البِرْكَةِ المُهْلِكَةِ وتَبتَسِمُ ابتساماتٍ خَادِعَةً، وتُغَنِّي لإيقاعِنا في فَخِّها، وتُقَبِّلُنا قُبُلاتٍ خَائِنَةً، وتُحيطُ أعناقَنا بِذِراعِها ثُمَّ تَقفِزَ بِنا إلى الهَلاك؟ الخطيَّة. وَمَن هِيَ الَّتي تُحَوِّلُ القَلبَ الرَّقيقَ واللَّيِّنَ إلى صَخْر؟ وَمَن هِيَ الَّتي تَنْطِقُ بالحُجَجِ المَنطِقيَّةِ مِن عَرشِها المُرتفعِ وتَجعلُ الخُطاةَ يَغضَبونَ عندما تَقفِزُ الخَنازيرُ مِن فَوقِ الجُرفِ إلى بُحيرةِ النَّار؟ الخطيَّة".
هَذا كَلامُ وَاقِعِيٌّ وصَحيح. وَهَذا هُوَ أساسُ أيَّةِ نَظرةٍ عَالميَّةٍ صَحيحَة. فَأيُّ فَهمٍ سَليمٍ للطَّريقةِ الَّتي تَسيرُ بها الأشياءُ في العَالَمِ يَتطلَّبُ فَهمًا للخطيَّة. فَبِدونِ فَهْمٍ للخطيَّة، لَن يَكونَ هُناكَ فَهمٌ سَليمٌ لأيِّ شَيءٍ لأنَّ الخطيَّةَ أَثَّرَتْ في كُلِّ شَيء. استَمِعُوا إلى مَا جَاءَ في رِسالة رُومية 8: 20: "إِذْ أُخْضِعَتِ الْخَلِيقَةُ لِلْبُطْلِ [أوِ الفَراغِ] لَيْسَ طَوْعًا، بَلْ مِنْ أَجْلِ الَّذِي أَخْضَعَهَا. بِعبارةٍ أخرى، لَم تَكُن كُلُّ الخَليقةِ رَاغِبَةً في هذا البُطْلِ، أو في هذهِ الحَالَةِ السَّاقِطَةِ، ولكِنَّ هذا البُطْلَ كَانَ عِقابًا مِنَ اللهِ بِسَببِ خَطيَّةِ الإنسان. وَنَقرأُ في العَدد 21 أنَّ الخَليقَةَ نَفسَها أَيْضًا "سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْفَسَاد". وَهذهِ جُملةٌ مُحَدَّدة. فَفي الوقتِ الحَاضِرِ، كُلُّ الخَليقةِ، أيْ كُلُّ شَيءٍ خُلِقَ في اليَومِ السَّادِسِ للخَلْقِ، مُستعْبَدٌ للفَساد. وَهذهِ جُملةٌ مُحَدَّدَةٌ في رِسالةِ رُومية 8: 21. لِذا فإنَّ العَددَ الثَّاني والعِشرينَ يَقولُ إنَّ: "كُلَّ الْخَلِيقَةِ تَئِنُّ وَتَتَمَخَّضُ مَعًا إِلَى الآنَ".
ومَرَّةً أخرى، فإنَّ كُلَّ الخَليقةِ، بِكُلِّ بُعْدٍ فيها، تَئِنُّ وَتَتألَّمُ بِسَببِ اللَّعنَةِ الَّتي وَضَعَها اللهُ عَليها، وبِسَببِ بُطْلِها وَعَدَمِ قُدرتِها على أن تَكونَ كَما أرادَ اللهُ لَها أن تَكون. وَهَذا كُلُّهُ بِسَببِ الخطيَّة. فَبِسَببِ الخَطيَّة، لا يَعمَلُ أيُّ جُزءٍ مِنَ الخَليقةِ كَما أرادَ اللهُ لَهُ أن يَعمَل. وَأنتَ لا تَحيا كَما أرادَ اللهُ لكَ في الأصلِ أن تَحيا. وَأنا لا أحيا كَما أرادَ لي اللهُ في الأصلِ أن أحيا. والطُّيورُ لا تَعيشُ كَما أرادَ اللهُ لها في الأصلِ أن تَعيش. والحَيَواناتُ لا تَعيشُ كَما أرادَ اللهُ لها في الأصلِ أن تَعيش. والنَّباتاتُ لا تَنْمُو كَما أرادَ اللهُ لها في الأصلِ أن تَنْمُو. والبُذورُ الَّتي تُزرَعُ في الأرضِ لا تَنْمُو كَما أرادَ اللهُ لها في الأصلِ أن تَنمُو. والمِياهُ لا تُوجَدُ كَما أرادَ اللهُ لها في الأصلِ أن تُوجَد. والأرضُ، والجِبالُ وكُلُّ الأَجْرامِ السَّماويَّةِ، وكُلُّ الكَواكِبِ، وكُلُّ النُّجومِ، وكُلُّ الأشياءِ المَوجودةِ في الكَونِ اللامُتَناهِي ليسَت على الصُّورةِ الَّتي أرادَها اللهُ لها في الأصل. فَكُلُّ شَيءٍ أُخْضِعَ لِمُستوىً مِنْ ماذا؟ انظُروا إلى العَدد 20: البُطْل. فَقد أُخضِعَتْ؛ أيْ أنَّها خُسِفَتْ. لَقد أُخْضِعَتْ؛ أيْ أنَّها جُعِلَتْ عَقيمةً. والكلمة "بُطْل" هِيَ تَرجمة للكلمة "ماتايوتيس" (mataiotes) في اللُّغَةِ اليُونانيَّة، ومَعناها في الأصل: "غَيْر نَاجِح". فَهذا هُوَ مَعناها، أو يُمكِنُنا أن نَقولَ إنَّها تَعني: "عَدم القُدرة على تَحقيقِ غَايَتِها"؛ أيْ أنْ تَفشَل.
لِذا فإنَّ المَعنى المَقصودَ هُنا هُوَ أنَّ كُلَّ الكَونِ المَخلوقِ قَد فَشِلَ في أن يَكونَ على الصُّورةِ الَّتي خَلَقَهُ اللهُ عليها في الأصل. فَالكُلُّ لم يُحَقِّق قَصْدَ الله. وَالكُلُّ لا يُحَقِّقُ الغَايَةَ المَرْجُوَّةَ مِنه. وَهُوَ عَاجِزٌ عَن تَحقيقِ القَصدِ مِنه. فَقد صَارَ الكُلُّ بسببِ السُّقوطِ خَاضِعًا للوُجودِ الفَاشِل.
ثُمَّ نَقرأُ في العَدد 21 [كَما ذَكرتُ قَبلَ قَليل] أنَّ هُناكَ عُبوديَّة للفَساد. والعُبوديَّةُ تُشيرُ إلى عَدَمِ القُدرةِ على تَحريرِ النَّفس. فَهُوَ قَيْدٌ لا يُكسَر. فَهَذا الكَونُ يُحاوِلُ عَبَثًا أن يُحَقِّقَ الغَايَةَ مِن وُجودِه. فَهُوَ عَاجِزٌ عَنِ القِيامِ بذلك. فَلا يُوجَدُ شَيءٌ في الكَون يَستطيعُ أن يَفعَلَ مَا أرادَ مِنهُ اللهُ أن يَفعلَهُ في الأصل. لِذا فإنَّهُ مُستعبَدٌ لِمَبادئِ الفَساد. وَيُمكِنُنا أن نَشْرَحَ ذلكَ ببساطَةٍ بكلمتَيْن: الفَسَاد، والمَوت. الفَسَاد والمَوت. فَكُلُّ شَيءٍ يَتَحَلَّل ويَتَّجِه نَحوَ الزَّوال. كُلُّ شَيءٍ في الكَونِ يَسيرُ في ذلكَ الاتِّجاه. فَالكَونُ كُلُّهُ مُستعبَدٌ للفَساد.
ثُمَّ نَقرأُ في العَدد 23 – عُذْرَا، بَلْ في العَدد 22 أنَّ: "كُلَّ الْخَلِيقَةِ تَئِنُّ" – "ستيناتزو" (stenazo). وذلكَ الفِعلُ يُستخدَمُ عَادَةً للإشارةِ إلى صَرخةِ إنسانٍ وَجَدَ نَفسَهُ في مَوقفٍ مُرعِبٍ وَفَقَدَ الأملَ في النَّجاة. فَهُوَ شَخصٌ يَمُرُّ في مَوقِفٍ مُستحيل. لِذا فإنَّ الخَليقةَ كُلَّها غَيرُ قادِرَةٍ على تَحقيقِ القَصدِ الَّذي وَضَعَهُ اللهُ لها، وَهِيَ خَاضِعَةٌ لِعَمليَّةِ التَّحَلُّلِ والمَوت. وَالصُّراخُ والأنينُ يُعَبِّرُ عن الإحباطِ النَّاجِمِ عَن عَجْزِكَ عن تَخليصِ نَفسِكَ مِن مَوقفٍ مُرعِب. عَدا عَن ذلكَ، فَإنَّ كُلَّ الْخَلِيقَةِ تَتَمَخَّضُ مَعًا. وَهَذا وَصْفٌ مَجازِيٌّ تَعبيرًا عَن أَشَدٍّ وَأطولِ الآلام. فالآلامُ الشَّديدةُ المُتزايِدَةُ في أثناءِ وِلادَةِ الطِّفلِ تُشبِهُ الآلامَ الَّتي تَشعُرُ بها الخَليقَة. فَهِيَ تَئِنُّ تَحتَ وَطأةِ آلامٍ دَائمةٍ وَشَديدةٍ تُشبِهُ آلامَ المَخاض.
والآن، هَذا وَصْفٌ للكَونِ الحَالِيّ. ويُضيفُ العَدد 23: "وَلَيْسَ هكَذَا فَقَطْ، بَلْ نَحْنُ الَّذِينَ لَنَا بَاكُورَةُ الرُّوحِ، نَحْنُ أَنْفُسُنَا أَيْضًا نَئِنُّ فِي أَنْفُسِنَا". وَهُوَ يَتَحَدَّثُ هُنا عَنِ المُؤمِنين. فَكُلُّ شَخصٍ يَئِنُّ، وَكُلُّ شَيءٍ يَئِنُّ تَحتَ وَطْأةِ هَذا الفَسادِ وَهذا المَوت. وَحَتَّى إنَّ المُؤمنينَ يَشعرونَ بِشِدَّةِ هذهِ الآلامِ [كَما يَقولُ] "مُتَوَقِّعِينَ التَّبَنِّيَ [لِنَصيرَ أبناءً]، ومُتَوَقِّعينَ فِدَاءَ أَجْسَادِنَا". فَنَحنُ نَنتَظِرُ أن نَتَحَرَّرَ أخيرًا مِن عُبودِيَّةِ الفَسادِ هَذِهِ، وَأنْ نَصيرَ لا فقط أشخاصًا على الصُّورةِ الَّتي خَلَقَنا اللهُ عليها في الأصل، بَل أيضًا أشخاصًا مَولودينَ ثَانِيَةً في المَسيح.
لِذا، هُناكَ كَوْنٌ بأسْرِه يُمكِنُ تَفسيرُهُ أفضلَ تَفسيرٍ مِن خِلالِ مَا جاءَ في رِسالة رُومية 8: 20-22. فَلا يُمكِنُ لأيِّ تَعليمٍ، أو عَلاقاتٍ اجتماعيَّةٍ، أو حَضارةٍ، أو عِلْمِ نَفسٍ، أو تِكنولوجيا، أو فسيولوجيا، أو أيِّ تَقَدُّمٍ في أيٍّ مِن هذهِ المَجالاتِ أن يُغَيِّرَ هذهِ المُعضِلَةَ المَحتومَة. فهذهِ هِيَ الحَالُ في الكَون. فَكُلُّ شَيءٍ يَتَّجِهُ نَحوَ المَوت. وَكُلُّ شَيءٍ يَمُرُّ بعمليَّةِ تَحَلُّل. فالكَونُ بأسْرِهِ يَشعُرُ بتأثيرِ كَوْنِهِ قَد أُخْضِعَ مِنْ قِبَلِ اللهِ للبُطْل.
والآن، يَأتي السُّؤال: مَا الَّذي سَبَّبَ كُلَّ هَذا؟ فَأنتُم تَنتقلونَ مِنْ كَوْنٍ قَرأنا في الأصحاحِ الأوَّلِ والعَدد 31 أنَّ اللهَ قالَ عَنْهُ إنَّهُ حَسَنٌ جِدًّا إلى كَوْنٍ لا يُوجَدُ فيهِ أيُّ شَيءٍ يُمكِنُ القَولُ عَنهُ إنَّهُ حَسَنٌ جدًّا. فَكُلُّ شَيءٍ فَاسِدٌ. وكُلُّ شَيءٍ قَد تَأثَّرَ بالفَسادِ ويَتَّجِهُ نَحوَ المَوت. وَهَذا تَغييرٌ هَائِل. وَهَذا تَغييرٌ شَامِل. وَهَذا نَقيضٌ كَامِل. ولكِنْ كيفَ حَدَثَ كُلُّ هَذا؟ للإجابَةِ عَن هذا السُّؤال، أريدُ مِنكُم أن تَعودوا مَرَّةً أخرى إلى رِسالة رُومية والأصحاحِ الخَامِس، وَأريدُ أن أُذَكِّرَكُم بآيةٍ قَرأتُها على مَسامِعِكُم في الأسبوعِ المَاضي. رِسالة رُومية 5: 12: "مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ". والآن، إنَّ مَا تَقولُهُ لنا هذهِ الآيةُ بَسيطٌ جدًّا. فالخطيَّةُ دَخَلَت إلى العالَم بإنسانٍ واحِد. ومِن خِلالِ تلكَ الخَطيَّة صَارَ هُناكَ مَوت. ولا شَكَّ في أنَّ ذلكَ يُشيرُ ضِمنيًّا إلى حُدوثِ تَحَلُّلٍ يُؤدِّي في النِّهاية إلى المَوت. وَحَتَّى إنَّ الآيةَ 1كورِنثوسَ 15: 22 تَقولُ ذلكَ بكلماتٍ أكثر اختصارًا وتَحديدًا إذْ نَقرأُ: "فِي آدَمَ يَمُوتُ الْجَمِيعُ".
والآن، اسمَعوني: يُمكِنُنا أن نَتَتَبَّعَ كُلَّ المَوتِ الموجودُ في العالَم وَأنْ نَنْسِبَهُ إلى إنسانٍ واحِد. فَيُمكِنُنا أن نَنْسِبَهُ إلى إنسانٍ واحِدٍ هُوَ آدَم. فَما فَعَلَهُ آدَمُ في الجَنَّةِ [كَما هُوَ مُدَوَّنٌ في سِفْر التَّكوين والأصحاحِ الثَّالثِ]، وَما فَعَلَهُ عندما قَادَتْهُ زَوجَتُهُ إلى القِيامِ بذلك، جَلَبَ الخَطيَّةَ حَرفيًّا إلى هَذا الكَون. وَبِدُخولِ الخَطيَّةِ دَخَلَ المَوتُ إلى الكَونِ كُلِّهِ إذْ إنَّ اللهَ أَخْضَعَهُ كُلَّهُ إلى البُطْلِ، وَجَعَلَهُ مُستعبَدًا للفَسادِ، وَتَرَكَهُ يَئِنُّ وَيَتَمَخَّضُ إلى أنْ يَحينَ يَومُ تَجديدِ الأرضِ حيثُ سَيُبطِلُ اللَّعنَةَ، وإلى أنْ يَأتي أخيرًا المُلْكُ الألفِيُّ حيثُ سَيُبْطِلُ الخَليقَةَ السَّاقِطَةَ ويَخلِقُ سَماءً جَديدةً وأرضًا جَديدة.
إنَّ قِصَّةَ عَالَمِنا هِيَ قِصَّةُ الخطيَّة. وَهَذا هُوَ حَقًّا كُلُّ ما أنتُم بحاجةٍ إلى مَعرفتِه. والآن، ارجِعُوا مَعي إلى سِفْر التَّكوين والأصحاحِ الثَّالث. وأريدُ أن أقومَ بهذا التَّمرينِ مَعَكُم، وأنا أفعلُ ذلكَ فقط مِن أجلِ التَّشديدِ عَلى هذا الأمر. ورُبَّما يُمكِنُكُم أن تَقوموا بهِ بأنفسِكُم، ولكنِّي أريدُ مِنكُم أن تُراقِبُوا كَيفَ يَحدُثُ هَذا الأمر. فالكلمة "خَطِيَّة" لا تَظهَر في الأصحاحِ الثَّالثِ مِن سِفْر التَّكوين. والكلمة "سُقوط" لا تَظهَر في الأصحاحِ الثَّالثِ مِن سِفْر التَّكوين. وعلى الرَّغمِ مِن ذلك، فإنَّنا نُسَمِّيهِ الأصحاحَ الَّذي دَخَلَتْ فيهِ الخَطيَّةُ إلى العَالَم. وَهَذا صَحيح. وَنَحنُ نُسَمِّيهِ السُّقوط. وَهَذا صَحيح. السُّقوط. لِذا فإنَّ السُّؤالَ المَطروحَ هُنا هُوَ: كيفَ نَعلَمُ أنَّ هَذا الأمرَ كَانَ مُهِمًّا جدًّا كَما نَصِفُهُ؟ بِعبارةٍ أخرى، لقد قُلتُ لكم في الأسبوعِ المَاضي إنَّ اليَهودَ يَنظرونَ إلى القِصَّةِ المَذكورةِ في الأصحاحِ الثَّالثِ مِن سِفْرِ التَّكوين ويَقولون: "هَذا هُوَ مَا فَعَلَهُ آدَم، وَهَذا هُوَ مَا فَعَلَتْهُ حَوَّاء. لِذا، إنَّها مُشكِلَتُهُما. وَلكِنَّهُمُا لم يُوَرِّثانا أيَّ شَيء. فاللاَّهُوتَ اليَهوديُّ لا يُؤمِنُ بالفَسادِ التَّامِّ. وَهُم لا يُؤمِنونَ بالخطيَّةِ الأصليَّة. فَهُم يَظُنُّونَ أنَّنا جَميعًا نَأتي إلى العالَمِ كَما لَو كُنَّا صَفحَةً بَيضاء، وَأنَّنا أُعطينا امتيازًا في أن نَتَّخِذَ قَرارًا خَاصًّا بنا فقط.
ولكِنَّ الأمرَ ليسَ كذلك. فَكَما قَرأتُ لَكُم في رِسالةِ رُومية 5: 12، عندما أخطأَ آدَمُ، أخطأنا جَميعًا. فَمِن خِلالِ خَطيَّةِ إنسانٍ واحِدٍ، دَخَلَتِ الخطيَّةُ إلى العالَم. وَمَعَ تِلكَ الخَطيَّةِ جَاءَ المَوت. فَقَد مُتْنا جَميعًا، وَقد مَاتَ كُلُّ شَيءٍ عندما أخطأ آدَم. لِذا، في كُلِّ التَّاريخِ البَشريِّ، كُلُّ شَيءٍ سَيِّء. وإنْ كُنْتَ تَشُكُّ في ذلك، كُلُّ ما يَنبغي لكَ أن تَفعلَهُ هُوَ أن تَبتَدِئَ مِنَ الأصحاحِ الثَّالث. ابتَدِئ وَحَسْب مِنَ الأصحاحِ الثَّالث. فأوَّلاً، في الأصحاحِ الثَّالثِ والعَددِ السَّابعِ، نَقرأُ أنَّهُما شَعَرا بالخَجلِ أوَّلَ مَرَّة. فنحنُ نَقرأُ في نِهايةِ الأصحاحِ الثَّاني والعَدد 25: "وَكَانَا كِلاَهُمَا عُرْيَانَيْنِ، آدَمُ وَامْرَأَتُهُ، وَهُمَا لاَ يَخْجَلاَن". وهل تَعلمُ لماذا كانا عُريانَيْنِ ولم يَشعُرا بالخَجَل؟ لأنَّهُما لم يَفتَكِرا يَومًا بأيَّةِ فِكرةٍ شِرِّيرة. فَلم تَكُن هُناكَ فِكرةٌ شِرِّيرةٌ في الوُجود. فقد كانت أفكارُهُما طَاهرةً، وَتُمَجِّدُ اللهَ، وتُعَلِّي اسْمَ الله. وَكانا يَنظُرانِ إلى الأشياءِ بِعَيْنَيِّ الله. ولم يَكُن هُناكَ وُجودٌ للأَنا، ولم يَكُن هُناكَ تَفكيرٌ في الذَّات، ولم يَكونا يَنظُرانِ إلى العالَمِ بأيَّةِ طَريقةٍ أنانيَّة. ولم يَكُن هُناكَ انحِرافٌ فِكريٌّ مِن أيِّ نَوع، ولم تَكُن هناكَ فِكرةٌ شِرِّيرة. لِذا، لم يَكُن لديهما أيُّ سَبَبٍ يَدعوهُما إلى الشُّعورِ بالخَجَلِ مِن عُريِهِما. فَقد كانَ آدَمُ وَحَوَّاءُ عُرْيانَيْن تَمامًا دُونَ أن يَشعُرا بأيِّ خَجَلٍ لأنَّهُ لَم يُوجَد شَيءٌ شِرِّيرٌ في ذِهنِهِما أو في أفعالِهما.
ولكِنْ فجأةَ، نَقرأُ في العَددِ السَّابعِ مِنَ الأصحاحِ الثَّالث: "فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَلِمَا أَنَّهُمَا عُرْيَانَان". ففجأةً، افتَكَرا بأفكارٍ لم يَفتَكِرا بها يَومًا. وفجأةً، صَارا يُفَكِّرانِ بأشياءٍ لم يُفَكِّرا بِها مِن قَبل. وقد صُدِمَا بسببِ ظُهورِ هَذا الشَّرِّ فشَعَرا بالخَجَلِ وَغَطَّيا نَفسيهِما. وَهذهِ هِيَ أوَّلُ إشارةٍ إلى ظُهورِ أفكارٍ شِرِّيرة... أفكارٍ شِرِّيرة. ثُمَّ إنَّ الشَّيءَ الثَّاني الَّذي حَدَثَ هُوَ أنَّهُما أرادا أن يَختَبِئَا مِنَ الله. فنحنُ نَقرأُ في العَددِ الثَّامنِ أنَّهُما حَاوَلا الاختباءَ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ الإِلهِ. فقد حَدَثَ شَيءٌ مُختلِفٌ حقًّا هُنا. ففجأةً، افتَكَرا بأفكارٍ شِرِّيرة، وَشَعَرا بالخَجلَ، وَغَطَّيَا نَفْسَيْهِما، ثُمَّ أرادَا أن يَهرُبا مِنَ الله. وَقد كانَا قَبلَ ذلكَ مُعتادَيْنِ على التَّمَشِّي والتَّحَدُّثِ مَعَ اللهِ عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ النَّهَار. ولم يَكُن يُوجَدُ سَبَبٌ لديهِما للاختباءِ مِنَ اللهِ لأنَّهُ لم يَكُن يُوجَدُ شَيءٌ يَرغَبانِ في إخفائِه. فلم تَكُن هُناكَ أيَّةُ أفكارٍ شِرِّيرة لا تُريدُ أن يَعرِفَ اللهُ عَنها، ولم تَكُن هُناكَ أيَّةُ كلماتٍ لا تُريدُ أن يَسمَعَها اللهُ، ولم تَكُن هُناكَ أيَّةُ أفعالٍ لا تُريدُ أن يَراها اللهُ. أمَّا الآن، فجأةً، أرادَا أن يَهرُبَا مِنَ اللهِ وَأن يَبتَعِدا حَتَّى إنَّ اللهَ رَاحَ يَبحَثُ عَنهُما.
ثُمَّ إذا قَرأتُم المَزيدَ في هذا الأصحاحِ، ستَجِدونَ أنَّ اللهَ واجَهَهُما بخصوصِ مَا فَعلاهُ فقالَ آدَم: "الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ [الَّتي فَعَلَت ذلك]". وَيُمكِنُكم أن تَسمَعُوا عِباراتِ اللَّوْم. وَهُوَ، في الحَقيقةِ، لَمْ يُلْقِ اللَّومَ على حَوَّاء، بَل أَلقَى اللَّومَ على الله. فَهُوَ لم يَقُل: "هذهِ المَرأة"، بَلِ: "الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي". وَقد كَانَ قَصدُهُ هُوَ: "لَقد نِمْتُ عَازِبًا، وَاستيقظتُ مُتزوِّجًا. وبصراحَة يا رَبّ، كانَ بِمَقدورِكَ أن تَختارَ أيَّ امرأةٍ أخرى؛ ولكِنَّكَ اختَرتَها هِيَ. الذَّنْبُ ليسَ ذَنبي". فَهُوَ يُلقي اللَّوْمَ حَقًّا على الله.
لِذا، مَا الَّذي حَدَثَ الآن؟ مَا حَدَثَ هُوَ أنَّكَ صِرْتَ تَشعرُ بالذَّنب، وتَشعرُ بالخَجَل، وتَختَبِئُ مِنَ الله. ثُمَّ إنَّكَ لم تَعُد تَتَحَمَّلُ مَسؤوليَّةَ خَطاياكَ، بَل صِرْتَ تُلقي اللَّومَ لا فقط على الآخرينَ، بَل أيضًا على اللهِ نَفسِهِ وتَقول: "حسنًا يا رَبّ، لو لم تَخلِقِ العالَمَ بهذهِ الطَّريقةِ، ولم تُعْطِني المرأةَ الَّتي أعطيتَني، لَما كانَتِ الحَالُ هَكذا. لِذا، أنتَ المُلام". حينئذٍ، أعلَنَ اللهُ الدَّينونَةَ عليهِما. فَنحنُ نَقرأُ الكلمةَ "مَلعونَة" في العَدد 14، ونَقرأُ الكلمة "مَلعونَة" في العَدد 17. فقد لَعَنَهُما اللهُ. وَقد شَعَرَ الكَونُ كُلُّهُ باللَّعنَة. فَقد كانَ مِنَ الواضِحِ أنَّ اللَّعنَةَ لم تَقَع عليهِما فقط. فَقَد لَعَنَ البَهائِمَ؛ ولكنَّهُا لُعِنَا أكثرَ مِنَ البَهائِم. وَقد لُعِنَا أكثرَ مِنْ جَمِيعِ وُحُوشِ البَرِّيَّة؛ ولكِنَّ ذلكَ الحَديثَ كَانَ مُوَجَّهًا إلى الشَّيطان. فَقَد لُعِنَ الشَّيطانُ أكثرَ مِن أيِّ حَيَوانٍ آخَر؛ ولكِنَّ الحَيَواناتِ لُعِنَتْ أيضًا. وقد لُعِنَتِ المرأةُ بآلامِ الوِلادَةِ والخِلافاتِ الزَّوجِيَّة. وَقد لُعِنَ الرَّجُلُ. ولأنَّ الأرضَ لُعِنَت أيضًا فإنَّها سَتُخرِجُ شَوكًا وَحَسَكًا، ولن تَكونَ كَما كانَت في جَنَّةِ عَدْن. لِذا، يُمكِنُكم أن تَرَوْا أنَّ اللَّعنةَ ابتدأتْ بالعَملِ في كُلِّ مَكان. وسوفَ نَتحدَّثُ عَن ذلكَ بِمَزيدٍ مِنَ التَّفصيلِ في المستقبل. ثُمَّ عندما تَصِلُونَ إلى نِهايةِ الأصحاحِ الثَّالثِ، تَقرأونَ أنَّ اللهَ طَرَدَهُما مِنَ الجَنَّةِ لأنَّهُ أرادَ أن يَحميهِما مِنَ الأكلِ مِن شَجرةِ الحَياة لِئَلاَّ يَعيشا إلى الأبدِ في حَالَةٍ مَلعونَةٍ لأنَّ تِلكَ ستَكونُ لَعنةً مُطلَقَةً.
ولا نَعلَمُ تَحديدًا مَتَى أَنْجَبَا أبناءً؛ ولكِنْ في الفترةِ الواقِعَةِ اليومِ السَّادسِ واليومِ السَّابعِ الَّذي استَراحَ فيهِ اللهُ، أَنْجَبَا أوَّلَ طِفلٍ لَهُما. وَلا نَدري أينَ حَدَثَ السُّقوط، ولا نَدري كَم عَاشَا في نَعيمِ عَدْن. ولكِنْ في الأصحاحِ الرَّابعِ، عندما أَنْجَبا طِفلاً، كَانا قَد سَقَطَا. وَهَذا أمرٌ واضحٌ جدًّا لأنَّهُما أَنْجَبا أطفالاً خُطاةً يَنبغي لَهُم أن يُقَدِّمُوا ذَبائِحَ إلى الله. فَلا حَاجَةَ إلى أنْ تُقَدِّمَ ذبائحَ إلى اللهِ إنْ لم تَكُن خَاطِئًا وَسَاقِطًا.
ثُمَّ نَقرأُ في العَددِ الرَّابعِ عَن حُدوثِ جَريمةِ قَتل. أليسَ كذلك؟ فأوَّلُ جَريمةٍ مُدَوَّنَة في الكتاب المقدَّس هِيَ القَتل. فقد قَتَلَ قَايينُ أخاهُ هَابيل. كذلك، نَقرأُ في الأصحاحِ الرَّابعِ والعَدد 19: "وَاتَّخَذَ لاَمَكُ لِنَفْسِهِ امْرَأَتَيْنِ". فَها نَحنُ نَقرأُ هُنا عَن تَعَدُّدِ الزَّوجات! وَنَقرأُ في العَدد 23: "وَقَالَ لاَمَكُ لامْرَأَتَيْهِ عَادَةَ وَصِلَّةَ: «اسْمَعَا قَوْلِي يَا امْرَأَتَيْ لاَمَكَ، وَأَصْغِيَا لِكَلاَمِي. فَإِنِّي قَتَلْتُ رَجُلاً لِجُرْحِي...". نَقرأُ هُنا عَن وُقوعِ جَريمَةِ قَتْلٍ بِدافِعِ الانتقام. وَهذِهِ هِيَ جَريمةُ القَتلِ الثَّانيةِ وَنَحنُ مَا زِلنا في الأصحاحِ الرَّابع. وبعدَ سِلسلةِ النَّسَبِ، انظُروا إلى الأصحاحِ السَّادس. وتُشيرُ سِلسلةُ النَّسَبِ إلى مُرورِ السِّنين. والسِّنينُ مَذكورة في سِلسلةِ النَّسَبِ تِلك: "هذَا كِتَابُ مَوَالِيدِ آدَمَ". ويُمكِنُكم أن تَقرأوها بِأنفسِكُم. وَهِيَ تَذكُرُ كَم عَاشُوا. ثُمَّ نَقرأُ في الأصحاحِ السَّادسِ والعَددِ الخَامِسِ أنَّ الرَّبَّ رَأى "أَنَّ شَرَّ الإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي الأَرْضِ، وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ. فَحَزِنَ الرَّبُّ أَنَّهُ عَمِلَ الإِنْسَانَ فِي الأَرْضِ، وَتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ. فَقَالَ الرَّبُّ: «أَمْحُو عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ الإِنْسَانَ الَّذِي خَلَقْتُهُ، الإِنْسَانَ مَعَ بَهَائِمَ وَدَبَّابَاتٍ وَطُيُورِ السَّمَاءِ، لأَنِّي حَزِنْتُ أَنِّي عَمِلْتُهُمْ»".
فقَد كانُوا جميعًا يَشعُرونَ باللَّعنَة. فَقد كانت كُلُّ الحَياةِ المَخلوقةِ تَشعُرُ باللَّعنَة. واللهُ يَقول: سَوفَ أُهْلِكُ كُلَّ شَيء. فنحنُ نَقرأُ في العَددِ الحادي عَشَر: "وَفَسَدَتِ الأَرْضُ أَمَامَ اللهِ، وَامْتَلأَتِ الأَرْضُ ظُلْمًا. وَرَأَى اللهُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ قَدْ فَسَدَتْ، إِذْ كَانَ كُلُّ بَشَرٍ قَدْ أَفْسَدَ طَرِيقَهُ عَلَى الأَرْض". وَلا أدري كَم مَرَّةً يَحتاجُ إلى تَكرارِ الكلمة "فَساد"؛ ولكِنَّهُ يُكَرِّرُها ثَلاثَ مَرَّات. ثُمَّ نَقرأُ في العَدد 13: "فَقَالَ اللهُ لِنُوحٍ..." – وَكُنَّا قَد قَرأنا أنَّ نُوْحًا كَانَ "رَجُلاً بَارًّا" (في العَددِ التَّاسِع). وَمِنَ الواضِحِ أنَّهُ كَانَ يَعيشُ مَعَ أبنائِهِ وَزَوجاتِهِم وَزَوجَتِهِ، وَأنَّهُمْ كَانُوا الأشخاصَ الوَحيدينَ الأبرار. واللهُ يَقول: "نِهَايَةُ كُلِّ بَشَرٍ قَدْ أَتَتْ أَمَامِي، لأَنَّ الأَرْضَ امْتَلأَتْ ظُلْمًا مِنْهُمْ. فَهَا أَنَا مُهْلِكُهُمْ مَعَ الأَرْضِ". وَقد فَعَلَ ذلكَ في الطُّوفانِ وَأهلَكَهُم، وَأَهْلَكَ الأرضَ بِمَعنى أنَّهُ أعادَ تَشكيلَها. وعندما نَدرُسُ قِصَّةَ الطُّوفانِ في الأصحاحِ السَّادسِ سنَتحدَّثُ عن ذلك.
وَبِصراحَة، أعتقدُ أنَّ أعظَمَ وَصْفٍ يُقَدِّمُهُ الكتابُ المقدَّسُ لِمَدَى استِفحالِ خَطيَّةِ الإنسانِ هُوَ ذَاكَ المَوجودُ في الأصحاحِ السَّادس. وَإن أردتُم أن تَعرِفُوا كَم كانَ الأمرُ سَيِّئًا، وَكَم كَانَتْ سُرعَةُ انتشارِ الفَسادِ، كُلُّ مَا يَنبغي لَكُم أن تَفعلوهُ هُوَ أن تَقرأوا مَا جَاءَ في العَددِ الخَامِسِ إذْ نَقرأُ أنَّ الرَّبَّ رَأى "أَنَّ شَرَّ الإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي الأَرْضِ، وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ". فَهذهِ جُملةٌ شَامِلَةٌ جدًّا حَتَّى إنَّ اللهَ "حَزِنَ... أَنَّهُ عَمِلَ الإِنْسَانَ فِي الأَرْضِ، وَتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ"، وَقالَ: "أَمْحُو عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ الإِنْسَانَ الَّذِي خَلَقْتُهُ". وفي العَدَدَيْن 11 و12، كَما قُلتُ، نَقرأُ الكلمة فَساد... فَساد... فَساد.
وَأقولُ مَرَّةً أخرى إنَّ هَذا الوَصفَ هُوَ أعظَمُ وَصْفٍ في الكتابِ المقدَّسِ لاستِفحالِ خَطيَّةِ الإنسان. وَنَحنُ نَتحدَّثُ هُنا عَن بِدايَةِ حَياةِ الإنسان. والحَقيقةُ هِيَ أنَّنا لا نَرى أيَّ تَحَسُّن. فَلا نَقرأُ أنَّ اللهَ خَلَقَ الإنسانَ وَأنَّ الإنسانَ تَحَسَّن، بَل نَقرأُ أنَّ اللهَ خَلَقَ الإنسانَ وَأنَّ الإنسانَ صَارَ أسوأ، وَأسوأ، وَهُوَ مُستمرٌّ في التَّقهقُر.
وَهُناكَ سَبعةُ عَناصِرَ في هذا الوَصف. واسمَحُوا لي أن أَذكُرَها لَكُم. فَهُناكَ سَبعُ طُرُقٍ رَئيسيَّةٍ يُشارُ فيها إلى الخطيَّة. فَهِيَ تُوْصَفُ أولاً مِن حَيْث نِطاقِها على الأرض. فَقد عَمَّتِ العالَمَ بأسْرِه. فنحنُ نَقرأُ في العَددِ السَّادس: "فَحَزِنَ الرَّبُّ أَنَّهُ عَمِلَ الإِنْسَانَ فِي الأَرْضِ". وَنَقرأُ في العَددِ السَّابعِ أنَّهُ أرادَ أن يَمحُو الإنسانَ عَن وَجهِ الأرضِ كُلِّها. ونَقرأُ في العَددِ الثَّاني عَشَر: "وَرَأَى اللهُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ قَدْ فَسَدَتْ، إِذْ كَانَ كُلُّ بَشَرٍ قَدْ أَفْسَدَ طَرِيقَهُ عَلَى الأَرْضِ". لِذا، نَرى [أوَّلاً] أنَّ نِطاقَ هذهِ الخَطِيَّةِ شَمِلَ الأرضَ كُلَّها. ثَانيًا: عُمْقُ الخَطيَّة. فَقد كانَت شَامِلَة، وقد كانَت مُتَفَشِّيَة، وَقد كانَت مَوجودةً دَاخِلَ الإنسانِ كَما يُشيرُ العَددُ الخَامِسُ إذْ نَقرأ: "وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ". وَهَذا يُشيرُ إلى أفكارِ الإنسان: أنَّ "كُلُّ نَواياه" أو "كُلَّ تَصَوُّرِ أفكارِ قَلبِه". إذًا، هُناكَ نِطاقُ الخَطِيَّةِ، وَهُوَ الأرضُ كُلُّها. وَهُناكَ عُمْقُ الخَطِيَّة. فَهي موجودةٌ في كُلِّ فِكرة. وَحَتَّى إنَّها تَكْمُنُ عَميقًا في ذَاتِ طَبيعةِ الإنسان، وَفي تَصَوُّرِ تلكَ الأفكار؛ أيْ ليسَ فقط في الأفكارِ، بَلْ في النَّوايا الكَامِنَةِ وَراءَ هذهِ الأفكار. فَهُوَ يَتحدَّثُ عَنِ النَّوايا الكَامِنَةِ وَراءَها. لِذا، يُمكِنُنا أن نَقولَ إنَّ دَافِعَ الإنسانِ فَاسِد. والأرضُ كُلُّها فَاسِدَة. وَتَفكيرُ الإنسانِ فَاسِد. وَذِهنُهُ فَاسِد، وَدَوافِعُهُ العَميقَةُ فَاسِدَة.
ثُمَّ إنَّهُ يَتحدَّثُ عَن السِّمَةِ الحَصريَّةِ المُطلَقَةِ لهذهِ الخطيَّة. فَهُوَ يَقولُ في العَددِ الخَامِس: "إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ". فَسُلوكُ الإنسانِ كَانَ شِرِّيرًا حَصْرِيًّا... شِرِّيرًا حَصريًّا. وَقَد كَانَ سُلوكُهُ شِرِّيرًا حَصريًّا [خَامِسًا]: "كُلَّ يَوم". كُلَّ يَوم. لِذا فإنَّكُم تَرَوْنَ الخطيَّةَ في نِطاقِها، وَتَرَوْنَ الخَطِيَّةَ في عُمْقِها إذْ إنَّها مَوجودةٌ في أنماطِ التَّفكيرِ، وَتَرَوْنَ الخَطيَّةَ في دَافِعِها إذْ إنَّها مَوجودةٌ في مُستوى النِّيَّة. وَأنتُم تَرَوْنَها في حَصْرِيَّتِها إذْ إنَّها خَطِيَّة بِكُلِّ مَعنى الكلمة. وَأنتُم تَرَوْنَها في استِمرارِها إذْ إنَّها خَطِيَّةٌ مُستمرَّة. ثُمَّ إنَّكُم تَرَوْنَها في شُمولِها. فَهُوَ يَقولُ في العَددِ الثَّاني عَشَر: "كُلُّ بَشَرٍ قَدْ أَفْسَدَ طَرِيقَهُ". كُلُّ بَشَرٍ... كُلُّ بَشَرٍ. وَإذا نَظَرتُم إلى الأصحاحِ الثَّامنِ والعَدد 21، تَجِدونَ أنَّ تلكَ الجُملةِ تَتكرَّر باختلافٍ بسيط. فنحنُ نَقرأُ في مُنتصفِ العَدد 21: "لأَنَّ تَصَوُّرَ قَلْبِ الإِنْسَانِ شِرِّيرٌ مُنْذُ حَدَاثَتِهِ". وَهَذا يُشيرُ إلى البِدايَةِ المُبَكِّرَةِ للخطيَّة. فَهِيَ مَوجودةٌ مُنذُ بِدايةِ الحَياة.
لِذا، تَجِدونَ هُنا وَصْفًا مُفَصَّلاً جدًّا للفَساد. فَهَذا وَصْفٌ دَقيقٌ جدًّا ومُفَصَّلٌ جدًّا لِلَّعْنَةِ الَّتي حَلَّتْ على الإنسان. وَنَحنُ مَا زِلنا في الأصحاحِ السَّادسِ مِن سِفْر التَّكوين. والأمرُ بِهَذا السُّوء! فَقد كَانَ الأمرُ سَيِّئًا جدًّا حتَّى إنَّ اللهَ أَغْرَقَ الكَوكَبَ كُلَّهُ (باستثناءِ ثَمانية أشخاص) في طُوفانٍ عَالَمِيٍّ. انظروا إلى الأصحاحِ السَّابعِ والعَدد 23. وَهَذا سَيُريكُم كَم كانَ الأمرُ سَيِّئًا: "فَمَحَا اللهُ كُلَّ قَائِمٍ كَانَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ: النَّاسَ، وَالْبَهَائِمَ، وَالدَّبَّابَاتِ، وَطُيُورَ السَّمَاءِ. فَانْمَحَتْ مِنَ الأَرْضِ. وَتَبَقَّى نُوحٌ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ فَقَطْ". فَقد مَحَا الله حَرفيًّا الكَوكَبَ باستثناءِ الحَيَواناتِ الَّتي كَانَتْ في الفُلْكِ، والأشخاصِ الثَّمانيةِ في عَائلةِ نُوح.
وَإنْ تَتَبَّعتُم القِصَّةَ إلى الأصحاحِ التَّاسِعِ تَقرأونَ أنَّ نُوحًا وعائلَتَهُ رَأَوْا أخيرًا أنَّ المِياهَ انحَسَرَت. لِذا فقد أُعطِيَتْ لِنوح مَأموريَّة جَديدة. وهي نَفسُ المَأموريَّةِ الَّتي أُعطِيَت لآدَمَ وَحَوَّاء. فنحنُ نَقرأُ في الأصحاحِ التَّاسعِ والعَددِ الأوَّل: "وَبَارَكَ اللهُ نُوحًا وَبَنِيهِ وَقَالَ لَهُمْ: أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ". لِنُجَرِّب ذلكَ مَرَّةً أخرى. فَيُمكِنُكُم أن تَسُودُوا على الحَيَوانات. فَهُوَ يَقولُ لَهُم في العَددِ الثَّاني: "وَلْتَكُنْ خَشْيَتُكُمْ وَرَهْبَتُكُمْ عَلَى كُلِّ حَيَوَانَاتِ الأَرْضِ وَكُلِّ طُيُورِ السَّمَاءِ، مَعَ كُلِّ مَا يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ، وَكُلِّ أَسْمَاكِ الْبَحْرِ. قَدْ دُفِعَتْ إِلَى أَيْدِيكُمْ". وَما يَعنيهِ هُنا هُوَ أنَّهُ يُمكِنُكُم أن تَقتُلوا أيَّ شَيءٍ تُريدون. أجل! يُمكِنُكُم أن تَقتُلوا أيَّ شَيءٍ تُريدون. "كُلُّ دَابَّةٍ حَيَّةٍ [في العَددِ الثَّالِثِ] تَكُونُ لَكُمْ طَعَامًا".
لِذا فإنَّهُ يَقولُ: "اخرُجوا وافعلوا الأشياءَ الَّتي أَعْطيتُ آدَمَ وَحَوَّاءَ في الأصلِ الحَقَّ في فِعلِها؛ أيْ أنْ تَسُودُوا على الخَليقةِ" - مَعَ أنَّ اللهَ لم يَكُنْ قَد سَمَحَ لَهُما قَبلَ السُّقوطِ أن يَقتُلاَ الحَيَوانات. فلم يَكُن هُناكَ شَيءٌ يُدعَى مَوْتًا لأنَّهُ لم يَكُن هُناكَ شَيءٌ يُدعَى خَطِيَّة. أمَّا الآن فَيُمكِنُهم أن يَقتُلوا الحَيَواناتِ الَّتي أُعطِيَتْ لَهُم. "أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا. لِنَفعل ذلكَ مَرَّةً أخرى". وعندما تَصِلُونَ إلى نِهايةِ الأصحاحِ، تَقرأونَ شَيئًا مُريعًا... شَيئًا مُريعًا جدًّا. فقد سَكِرَ نُوحٌ وَتَعَرَّى بِطَريقةٍ مُخزِيَة. وَقد حَلَّتْ لَعنَةٌ على ابنِهِ لأنَّهُ رَأى عَوْرَةَ أبيهِ عِندَمَا سَكِر. فقد سَكِرَ وَتَعَرَّى بطريقةٍ مُخزِيَةٍ فَحَدَثَتْ أوَّلُ خَطيَّةٍ جِنسيَّة.
ثُمَّ إنَّكُم تَقرأونَ مَزيدًا مِنَ الأنسابِ في الأصحاحِ العاشِرِ ثُمَّ تَنتَقِلونَ إلى الأصحاحِ الحَادي عَشَر. وَبِوصولِكُم إلى العَددِ السَّابعِ تَقرأونَ عَن نِزاعٍ إذْ نَقرأُ هُنا عَن بَلْبَلَةِ ألسِنَةِ النَّاس. وعندما تَصِلُونَ إلى الأصحاحِ الثَّاني عَشَر والأعداد مِن 10 إلى 20، تَقرأونَ عَنِ الكَذِب. فقد كَذَبَ إبراهيمُ بشأنِ زَوجَتِهِ سَارة وقالَ إنَّها ليست زَوجته. فقد كَذَبَ لأنَّهُ لم يَثِق بالله. فقد قالَ لِفِرْعَوْن إنَّ سَارة أُخته. وفي الأصحاحِ الثَّالث عشر، تَقرأونَ عَن نِزاعٍ حَدَثَ بينَ رُعاةِ إبراهيم ورُعاةِ لُوط. وفي العَدد 13 مِنَ الأصحاحِ الثَّالث عشر، نَقرأُ عَن سَدوم: "وَكَانَ أَهْلُ سَدُومَ أَشْرَارًا وَخُطَاةً لَدَى الرَّبِّ جِدًّا". ونَحنُ نَعلمُ مَاذا كانت خَطيَّةُ سَدوم. مَاذا كانت؟ لقد كانت خَطِيَّةَ المِثليَّة الجِنسيَّة. وأنا مُتَيَقِّنٌ مِن أنَّهُم كَانُوا يَفعلونَ كُلَّ أنواعِ الخَطايا الأخرى. وفي الأصحاحِ الرَّابع عشر، تَقرأونَ عَن أوَّلِ حَرب. وفي الأصحاحِ السَّادس عشر والعَددِ الرَّابع، تَقرأونَ عن حَادِثَةِ زِنَى. فقد زَنَى إبراهيمُ بِهاجَرَ وأنجبَ ابنًا. وفي الأصحاحِ الثَّامن عشر والعَدد 20، يَقولُ الرَّبُّ مَرَّةً أخرى: "إِنَّ صُرَاخَ سَدُومَ وَعَمُورَةَ قَدْ كَثُرَ، وَخَطِيَّتُهُمْ قَدْ عَظُمَتْ جِدًّا".
فقد سَاءَتِ الأمور. ونَقرأُ في الأصحاحِ التَّاسع عشر عن خَطِيَّةِ المِثليَّةِ الجِنسيَّةِ القَبيحَةِ والمُريعَةِ والغَريبَة. وبالمُناسَبة، نَقرأُ في الأصحاحِ التَّاسع عشر أنَّ المِثليِّينَ الجِنسيِّينَ حَاولوا أن يَغتصبوا المَلاكَيْن اللَّذَيْنِ جَاءا في الأصحاحِ التَّاسع عشر مِن سِفْر التَّكوين. وعندما تَصِلونَ إلى نِهايةِ الأصحاحِ التَّاسع عشر، تَقرأونَ أنَّ لُوطًا اقتَرَفَ خَطيئةَ سِفاحِ القُرْبَى باضْطِجاعِهِ مَعَ ابنَتَيْه. وعندما تَصِلونَ إلى الأصحاحِ العِشرين، تَقرأونَ عَنِ الكَذِبِ مَرَّةً أخرى. وعندما تَصِلونَ إلى الأصحاحِ الحَادي والعِشرين، تَقرأونَ عنِ القَسوةِ في مُعاملةِ هَاجَر وإسماعيل. وعندما تَصِلونَ إلى الأصحاحِ الثَّاني والعشرين والعَدد 24، تَقرأونَ عَن أوَّلِ سُرِّيَّة. والسُّرِّيَّةُ هِيَ جَارِيَةٌ تُستخدَمُ للمُتعَةِ الجِنسيَّةِ (بِلُغَةِ اليَوم). وعندما تَصِلونَ إلى الأصحاحِ السَّادس والعشرين تَقرأونَ عَن حُدوثِ مَجاعَة. كَما تَقرأونَ عنِ الكذبِ أيضًا في الأصحاحِ السَّادس والعشرين. ولن أدخُلَ في التَّفاصيل، ولكِنَّ إسحاقَ سَارَ على دَرْبِ أبيهِ إبراهيم وَكَذَبَ بشأنِ زَوجتِه؛ تَمامًا كَما فَعَلَ أبوه. وفي الأصحاحِ السَّادس والعشرين، تَقرأونَ عن ذلكَ الصِّراعِ المَريرِ المَذكور في الأعداد مِن 18 إلى 22؛ وَهُوَ صِراعٌ على آبارِ المَاء. وعندما تَصِلونَ إلى الأصحاحِ السَّابع والعشرين، تَقرأونَ عَنِ الخِداع. وَالحَالُ تَستَمِرُّ هَكذا. فيُمكِنُني أن أتحدَّثَ عَن ذلكَ سَاعَةً أخرى.
ولكِن اسمَحُوا لي أن أُلَخِّصَ لَكُم ذلكَ بسُرعة: في الأصحاح 29، نَرى خِيانَةً وَخِداعًا. وفي الأصحاح 30، نَرى غَضَبًا. وفي الأصحاح 30، نَرى زِنَى. وفي الأصحاح 30، نَرى تَعَدُّدَ زَوجات. وفي الأصحاح 31، نَرى خِداعًا. وفي الأصحاح 31، نَرى سَرِقَةً. وفي الأصحاح 31، نَرى عِبادَةَ أوثان. وفي الأصحاح 31، نَرى غَضَبًا، وفي الأصحاح 31، نَرى تَصَلُّبًا أو عَدَمَ مُرونَة. وفي الأصحاح 32، نَرى كَراهِيَةً. وفي الأصحاح 34، نَرى اغتصابًا. وفي الأصحاح 34، نَرى قَتلاً جَماعِيًّا. وفي الأصحاح 34، نَرى نَهْبًا. وفي الأصحاح 35، نَرى عِبادَةَ أوثان. وفي الأصحاح 37، نَرى بَيْعَ شَخصٍ ليصيرَ عَبْدًا، ونَرى خِيانَةً. وفي الأصحاح 37، نَرى دَعارَةً وَسِفاحَ قُرْبَى، وَهَلُمَّ جَرَّا.
والآن، أَلاَ تَظُنُّونَ أنَّ تَغييرًا جَذريًّا حَدَثَ بَعدَ تِلكَ الجُملةِ الَّتي تَقولُ: "وَرَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا"؟ بَلَى. فقد تَغَيَّرَ شَيءٌ مَا. هَذا صَحيح. وَالشَّيءُ الَّذي تَغَيَّرَ مَذكورٌ في سِفْر التَّكوين والأصحاحِ الثَّالث. وَالشَّيءُ الَّذي تَغَيَّرَ هُوَ أنَّ الخَطيَّةَ دَخَلَتِ المَشهدَ وَلَوَّثَتْ كُلَّ شَيءٍ. وَبِدُخولِها جَاءَ المَوت: "مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ".
والآن، كيفَ يَنبغي لنا أن نَفهمَ الخطيَّة؟ سوفَ نَعودُ إلى الأصحاحِ الأوَّلِ مِن سِفْر التَّكوين وننظُرُ إلى التَّفاصيل. ولكنِّي أريدُ منكم أن تَفهموا العالَمَ الَّذي نَعيشُ فيه. فكيفَ يَنبغي لنا أن نُعَرِّفَ الخَطيَّةَ ونَفهمَها؟ هُناكَ خمسة أسئلة نُحاولُ أن نُجيبَ عَنها: السُّؤالُ الأوَّل [على سَبيلِ تَذكيرِكُم]: مَا هِيَ الخطيَّة؟ مَا هِيَ الخطيَّة؟ إذا نَظرتُم إلى كلماتِ العهدِ القديمِ باللُّغَةِ العِبريَّةِ، سَتَجِدونَ كلماتٍ عَديدةً تُستَخدَمُ لوصفِ الخطيَّة. فَهُناكَ أكثرُ مِن عَشْرِ كلمات. وَهِيَ تَعني: يَزِلّ، أو يَضِلّ، أو يَتيه، أو يَتَعَدَّى، أو يَحيد عَنِ الطَّريق، أو يَحيد عَنِ الحَقّ، أو يَتمرَّد، أو يَأثَم، أو يُعانِد، أو يَتصَرَّف تَصَرُّفًا يَفتَقِرُ إلى الأمانَة، أو يَخُون، أو يُخادِع، أو يُعامِل بِعُنف، أو يَفعل شيئًا مَغلوطًا. وَهُوَ يَستخدِمُ أيضًا كلماتٍ تُشيرُ إلى شَيءٍ رَديءٍ أو شِرِّير. وهُناكَ أيضًا كلمة عِبريَّة أخرى تُشيرُ إلى اقترافِ ذَنْبٍ، وأخرى تُشيرُ إلى الإساءَة، وأخرى تُشيرُ إلى عَدَمِ البِرّ، وأخرى تُشيرُ إلى تَعويجِ الحَقّ، وأخرى تُشيرُ إلى تَشويهِ الحَقّ، وأخرى تُشيرُ إلى الجُنوح. وهذهِ كُلُّها طُرُقٌ لِوَصفِ أو تَعريفِ الخطيَّة.
وفي العهدِ الجديد، هناكَ كلماتٌ عَديدةٌ أيضًا تَصِفُ الخطيَّة. فَهِيَ تَعني أن تُخطِئَ الهَدَفَ، أو أن تَضِلَّ، أو أن تَتَعَدَّى. وهي تَعني أن تَفعلَ الشَّرَّ، أو أن تَسقُطَ، أو أن تَعصي، أو أن تَتَعَنَّتَ، أو أن تَكونَ غَيرَ بَارٍّ، أو أن تَكونَ أثيمًا، أو مَلومًا، أو أن تَكونَ جَاهِلاً، أو أن تَكونَ مَديونًا، أو أن تَكونَ شِرِّيرًا، أو أن تُعارِضَ اللهَ، وَهَلُمَّ جَرَّا. فَهِيَ تَعني كُلَّ هذهِ الأشياء.
ولكنْ كيفَ لَخَّصْنا ذلك؟ لقد لَخَّصْنا ذلكَ مِن خِلالِ مَا جاءَ في رسالة يوحنَّا الأولى 3: 4: "الخَطِيَّة هِيَ التَّعَدِّي [على النَّاموس]". فالخَطيَّةُ هِيَ عِصْيانُ الله. هذا هُوَ تَعريفُها. لِذا، فقد قَدَّمْتُ لَكُم التَّعريفَ التَّالي: الخَطِيَّةُ هِيَ أيُّ عَدَمِ انسجامٍ شَخصيٍّ مَعَ صِّفاتِ اللهِ الأدبيَّةِ أو نَامُوسِ الله. الخَطِيَّةُ هِيَ أيُّ عَدَمِ انسجامٍ شَخصيٍّ مَعَ صِّفاتِ اللهِ الأدبيَّةِ أو نَامُوسِ الله. فأيُّ شَيءٍ أَقَلُّ مِن قَداسةِ اللهِ هُوَ خطيَّة. فإنْ لم تَكُن قِدِّيسًا كَما أنَّ اللهَ قُدُّوسٌ فإنَّ هذهِ خَطيَّة. وَإنْ فَعلتَ أيَّ شَيءٍ يَتَعَدَّى على نَاموسِهِ فإنَّ هذهِ خَطيَّة. لِذا فإنَّ الخطيَّةَ هِيَ أيُّ عَدَمِ انسجامٍ شَخصيٍّ مَعَ صِّفاتِ اللهِ الأدبيَّةِ أو نَامُوسِ الله. وَأودُّ أن أعتَرِفَ لَكُم بأنَّ هَذا هُوَ تَعريف ماكآرثر (MacArthur). فَهَذا تَعريفٌ فَكَّرْتُ فيهِ في عَقلي لأنِّي أعتقدُ أنَّهُ يُلَخِّصُ مَعناها. فَأيَّةُ فِكرةٍ، أو أيَّةُ كلمة، أو أيُّ فِعْلٍ، أو أيُّ سَهْوٍ لا يَنسَجِمُ مَعَ طَبيعةِ اللهِ الكاملِ والقُدُّوسِ، أو أيُّ تَعَدٍّ على نَاموسِهِ هُوَ خطيَّة. فَالخطيَّةُ هِيَ التَّعَدِّي. وَتَركيبُ الآية 1يوحنا 3: 4 يُرينا أنَّ "التَّعَدِّي" وَ "الخطيَّة" كَلِمَتانِ مُترادِفتان.
وَكما قُلتُ في الأسبوعِ المَاضي، لا يُمكِنُكَ أن تُعَرِّفَ الخَطيَّةَ بأنَّها تَعَدٍّ على نَاموسِ اللهِ إنْ لم تَكُن تُؤمِنُ بأنَّ الكتابَ المقدَّسَ هُوَ نَاموسُ الله. أليسَ كذلك؟ لِذا، لأنَّ مُجتمعَنا يَرفُضُ الكتابَ المقدَّسَ لا يُوجَد تَعريفٌ للخطيَّة، بَل إنَّنا نَلجأُ إلى استِطلاعِ آراءِ النَّاسِ كُلَّ الوقت. وَقد تَقول: "وماذا عنِ الأشخاصِ الَّذينَ لا يَعرفونَ نَاموسَ اللهِ؟ وَماذا عنِ الأشخاصِ الَّذينَ يَجهَلونَ نَاموسَ الله؟" بِحسب مَا جَاءَ في رِسالة رُومية والأصحاحِ الأوَّل، نَقرأُ أنَّ هَؤلاءِ بِلا عُذْرٍ لأنَّ الأشياءَ الَّتي يَنبغي أن يَعرِفوها عَنِ اللهِ مُعلَنَة مِن حَولِهِم في العالَمِ المَخلوقِ وفي العَقل. كَما أنَّ الأصحاحَ الثَّاني مِن رسالةِ رُومية يَقولُ إنَّ نَاموسَ اللهِ مَكتوبٌ أين؟ في قُلوبِهم. فَجُزءٌ مِن كِيانِ الإنسانِ يَتَضَمَّنُ وُجودَ نَاموسِ اللهِ في قَلبِك؛ وَهُوَ نَاموسٌ مُوافِقٌ للكِتابِ المُقَدَّس.
إذًا، الخَطيَّةُ هِيَ تَعَدٍّ على الله. لِذا فإنَّ دَاودُ يَقولُ في المَزمور 51: 4: "إِلَيْكَ وَحْدَكَ أَخْطَأْتُ". فَكُلُّ خَطِيَّةٍ نَقتَرِفُها إنَّما نَقتَرِفُها بِصورةٍ رَئيسيَّةٍ ضِدَّ الله. صَحيحٌ أنَّكَ قَد تُخطِئُ بِحَقِّ إنسانٍ آخر، ولكِنَّ ذلكَ الأمرَ ثَانَوِيٌّ في ضَوْءِ الحَقيقةِ الرَّئيسيَّةِ وَهِيَ أنَّ تلكَ الخَطيَّةَ هِيَ تَعَدٍّ على اللهِ الَّذي أعطى النَّاموسَ وَالذي هُوَ كَامِلٌ أَدَبِيًّا.
لِذا فقد عَرَّفْنا الخطيَّة. أمَّا السُّؤالُ الثَّاني الَّذي طَرَحْناهُ فَهُوَ: مَا هِيَ سِماتُ الخطيَّة؟ وَقد أخبرتُكُم أنَّ الخَطيَّةَ تُنَجِّسُ الإنسان. بِعبارةٍ أخرى، إنَّها مَيْلٌ قَلبِيٌّ يُفسِدُ كُلَّ شَيءٍ نُفَكِّرُ فيه، وكُلَّ شَيءٍ نَقولُهُ، وكُلَّ شَيءٍ نَفعلُهُ حَتَّى إنَّهُ يُمكنُنا القولُ إنَّ اَلْقَلْبَ أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ نَجِيس، ويُمكِنُنا القولُ إنَّهُ لا يُوجَدُ فينا أيُّ شَيءٍ صَالحٍ، بَلْ إنَّ أفضلَ شَيءٍ فينا هُوَ مُجَرَّدُ خِرَقٍ بَالِيَة. فَهُناكَ نَجاسَةٌ في طَبيعَتِنا تُفْسِدُ كُلَّ شَيءٍ نَفعلُهُ.
ثَانيًا، الخَطيَّةُ لا تُنَجِّسُ الإنسانَ وَحَسْب، بَل إنَّها مُتَمَرِّدَة. فَهِيَ بِطبيعَتِها تَحْتَقِرُ اللهَ. وَهِيَ تَعني بِطبيعَتِها أنْ نَخْلَعَ اللهَ عَن عَرشِهِ وَأنْ نَجلِسَ على العَرْشِ بَدَلاً مِنه. ثَالثًا، الخَطيَّةُ ليست مُتمرِّدَةً فقط، بل إنَّها جَاحِدَة. فَهِيَ تُشبِهُ البُرْصَ التِّسْعَةَ الَّذينَ شَفاهُم يَسوعُ ولكِنَّ أحدًا مِنهُم لم يَرجِعْ لِيَشْكُرْهُ. فالخَطيَّةُ تَأخُذُ كُلَّ شَيءٍ يُعطينا اللهُ إيَّاه في عَالَمِهِ المَخلوقِ، ولكِنَّها لا تُقَدِّمُ لَهُ الشُّكرَ البَتَّة. فَهِيَ جُحودٌ تَامٌّ.
لِذا فقد قُلنا لَكُم في المَرَّةِ السَّابقةِ إنَّ الخَطيَّةَ تُنَجِّسُ الإنسانَ، وَإنَّها تَمَرُّدٌ، وَإنَّها جُحُودٌ. وَأعتقدُ أنَّنا تَوقَّفنا عِندَ النُّقطةِ التَّاليةِ وَهِيَ أنَّ الخَطيَّةَ هِيَ عَمَلٌ شَاقٌّ. هَل ذَكَرْنا ذلك؟ الخَطِيَّةُ هِيَ عَمَلٌ شَاقٌّ. ويجب عليكم أن تَعلموا أنَّ أغلبيَّةَ النَّاسِ يَذهبونَ إلى جَهَنَّمَ وَهُمْ يَتَصَبَّبُونَ عَرَقًا لأنَّهُم يَبذُلونَ جُهدًا هَائلاً جدًّا في اقترافِ أكبرٍ قَدرٍ مُمكِنٍ مِنَ الخَطايا. فَعلى الرَّغمِ مِن أنَّ الخطيَّةَ تُؤدِّي إلى الألمِ والمَوتِ، فإنَّ النَّاسَ يَبذُلونَ جُهدًا كَبيرًا جدًّا في اقترافِ الخَطايا بِنَجاح. فَهُمْ يَنْخَدِعونَ بِسَببِ شَهَواتِهِم [كَما يَقولُ يَعقوب]، ثُمَّ إنَّ الشَّهْوَةَ إِذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً، وَالْخَطِيَّةُ إِذَا كَمَلَتْ تُنْتِجُ مَوْتًا. وفي الأصحاحِ التَّاسعِ مِن سِفْر إرْميا، يَقولُ إرْميا: "يَا لَيْتَ رَأْسِي مَاءٌ، وَعَيْنَيَّ يَنْبُوعُ دُمُوعٍ، فَأَبْكِيَ نَهَارًا وَلَيْلاً قَتْلَى بِنْتِ شَعْبِي". فَهُوَ يَبكي بسببِ الخُطاةِ الَّذينَ عَاقَبَهُمُ اللهُ. وَهُوَ يَقولُ: "يَا لَيْتَ لِي فِي الْبَرِّيَّةِ مَبِيتَ مُسَافِرِينَ، فَأَتْرُكَ شَعْبِي وَأَنْطَلِقَ مِنْ عِنْدِهِمْ، لأَنَّهُمْ جَمِيعًا زُنَاةٌ، جَمَاعَةُ خَائِنِينَ. يَمُدُّونَ أَلْسِنَتَهُمْ كَقِسِيِّهِمْ لِلْكَذِبِ. لاَ لِلْحَقِّ قَوُوا فِي الأَرْضِ. لأَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْ شَرّ إِلَى شَرّ، وَإِيَّايَ لَمْ يَعْرِفُوا، يَقُولُ الرَّبُّ". فَهُمْ يَنتقلونَ مِن خَطِيَّةٍ إلى الَّتي تَليها، ثُمَّ إلى الَّتي تَليها. "اِحْتَرِزُوا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبِهِ، وَعَلَى كُلِّ أَخٍ لاَ تَتَّكِلُوا، لأَنَّ كُلَّ أَخٍ يَعْقِبُ عَقِبًا، وَكُلَّ صَاحِبٍ يَسْعَى فِي الْوِشَايَةِ. وَيَخْتِلُ الإِنْسَانُ صَاحِبَهُ وَلاَ يَتَكَلَّمُونَ بِالْحَقِّ. عَلَّمُوا أَلْسِنَتَهُمُ التَّكَلُّمَ بِالْكَذِبِ". ثُمَّ استَمِعُوا إلى مَا يَلي في العَددِ الخَامِس: "وَتَعِبُوا فِي الافْتِرَاءِ". فَهُمْ يُتْعِبونَ أنفسَهُم في اقترافِ الإثْم. وَهُمْ يَذهبونَ إلى جَهَنَّمَ وَهُمْ يَتَصَبَّبُونَ عَرَقًا.
ونَقرأُ في المَزمور 7: 14: "هُوَذَا يَمْخَضُ بِالإِثْمِ". فَهُمْ عَاكِفُونَ بِكُلِّ هِمَّةٍ وَنَشاطٍ على اقترافِ الخَطِيَّةِ حَتَّى إنَّهُم يَشعُرونَ بالإرهاق. وَهَذا مُوَضَّحٌ بِصُورةٍ درامِيَّةٍ في سِفْر التَّكوين والأصحاح 19. هَل تَذكرونَ مَاذا حَدَث؟ لقد جاءَ مَلاكانِ إلى سَدوم في المَساء. وكما يُمكِنُ للمَلائكةِ أن تَفعلَ فإنَّهُما أَخَذا هَيئةً بَشريَّةً. لِذا فقد جاءَ مَلاكانِ بِهيئةِ رَجُلَيْنِ فَرآهُما لُوطٌ وَقامَ لاسْتِقْبَالِهِمَا، وَسَجَدَ بِوَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ، وَقَالَ: "يَا سَيِّدَيَّ، مِيلاَ إِلَى بَيْتِ عَبْدِكُمَا". فَقد رَأى هَذينِ المَلاكَيْنِ الجَميلَيْنِ اللَّذَيْنِ جَاءَا بِهيئةِ رَجُلَيْنِ فقالَ لَهُما: "مِيلاَ إِلَى بَيْتِ عَبْدِكُمَا وَبِيتَا وَاغْسِلاَ أَرْجُلَكُمَا". وَهَذا يَدُلُّ على أنَّهُما ظَهَرَا في هَيئةٍ بَشريَّةٍ جدًّا. "ثُمَّ تُبَكِّرَانِ وَتَذْهَبَانِ فِي طَرِيقِكُمَا. فَقَالاَ: «لاَ، بَلْ فِي السَّاحَةِ نَبِيتُ»". فَقَد قَالاً: "سَوفَ نَبيتُ في السَّاحَة". "فَأَلَحَّ عَلَيْهِمَا جِدًّا، فَمَالاَ إِلَيْهِ وَدَخَلاَ بَيْتَهُ، فَصَنَعَ لَهُمَا ضِيَافَةً وَخَبَزَ فَطِيرًا فَأَكَلاَ. وَقَبْلَمَا اضْطَجَعَا أَحَاطَ بِالْبَيْتِ رِجَالُ الْمَدِينَةِ، رِجَالُ سَدُومَ، مِنَ الْحَدَثِ إِلَى الشَّيْخِ، كُلُّ الشَّعْبِ مِنْ أَقْصَاهَا".
فَقَد أحاطَتْ مَجموعَةٌ مِنَ الرِّجالِ بِبيتِهِ. "فَنَادَوْا لُوطًا وَقَالُوا لَهُ: «أَيْنَ الرَّجُلاَنِ اللَّذَانِ دَخَلاَ إِلَيْكَ اللَّيْلَةَ؟ أَخْرِجْهُمَا إِلَيْنَا لِنَعْرِفَهُمَا»". وَهَذا أسلوبٌ مُباشِرٌ جدًّا. أليسَ كذلك؟ نَحنُ نُريدُ أن نُقيمَ عَلاقَةً جِنسيَّةً مَعَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ الوَسِيمَيْن. "فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ لُوطٌ إِلَى الْبَابِ وَأَغْلَقَ الْبَابَ وَرَاءَهُ وَقَالَ: «لاَ تَفْعَلُوا شَرًّا يَا إِخْوَتِي. هُوَذَا لِي ابْنَتَانِ". وَقد كَانَ هَذا تَصَرُّفا أحمَقا؛ ولكِنَّهُ تَصَرَّفَ دُونَ تَفكيرٍ وَأخذَ قَرارًا سَيِّئًا. "هُوَذَا لِي ابْنَتَانِ لَمْ تَعْرِفَا رَجُلاً [أيِ ابْنَتانِ عَذراوَتان]. أُخْرِجُهُمَا إِلَيْكُمْ فَافْعَلُوا بِهِمَا كَمَا يَحْسُنُ فِي عُيُونِكُمْ. وَأَمَّا هذَانِ الرَّجُلاَنِ فَلاَ تَفْعَلُوا بِهِمَا شَيْئًا، لأَنَّهُمَا قَدْ دَخَلاَ تَحْتَ ظِلِّ سَقْفِي»". وَهَذا تَصَرُّفٌ أحمق جدًّا جدًّا. "فَقَالُوا: «ابْعُدْ إِلَى هُنَاكَ»"؛ أي: ابتَعِد عَن طَريقِنا. نَحنُ لا نُريدُ نِساءً. "ثُمَّ قَالُوا: «جَاءَ هذَا الإِنْسَانُ لِيَتَغَرَّبَ، وَهُوَ يَحْكُمُ حُكْمًا". وَهُما يُشيرانِ هُنا إلى لُوط. "الآنَ نَفْعَلُ بِكَ شَرًّا أَكْثَرَ مِنْهُمَا»".
"فَأَلَحُّوا عَلَى الْرَّجُلِ لُوطٍ جِدًّا وَتَقَدَّمُوا لِيُكَسِّرُوا الْبَابَ، فَمَدَّ الرَّجُلاَنِ أَيْدِيَهُمَا وَأَدْخَلاَ لُوطًا إِلَيْهِمَا إِلَى الْبَيْتِ وَأَغْلَقَا الْبَابَ". والمَلاكانِ هُمَا مَن فَعَلاَ ذلك. "وَأَمَّا الرِّجَالُ الَّذِينَ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ فَضَرَبَاهُمْ بِالْعَمَى...". ثُمَّ لاحِظُوا مَا يَقولُهُ النَّصُّ هُنا: "مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ، فَعَجِزُوا عَنْ أَنْ يَجِدُوا الْبَابَ". وَهَل تُريدونَ أن تَعرِفُوا شَيئًا؟ على الرَّغمِ مِن ذلكَ فَإنَّهُم لم يَستسلِمُوا! فقد أُصيبُوا بالعَمَى! فَقد أُصيبوا بالعَمى ولكِنَّهُم استَمَرُّوا في مُحاولةِ فَتْحِ الباب! عندما نَرى قُوَّةَ الشَّهوةِ فإنَّنا نُدركُ حَقيقةَ أنَّ الخطيَّةَ تَتطلَّبُ بَذْلَ جُهْدٍ كَبير. فَهِيَ تَستَنفِد حَياةَ النَّاسِ وَطاقَتهم.
فَنحنُ نَقرأُ في سِفْرِ الأمثال 4: 16: "لأَنَّهُمْ لاَ يَنَامُونَ إِنْ لَمْ يَفْعَلُوا سُوءًا. وَيُنْزَعُ نَوْمُهُمْ إِنْ لَمْ يُسْقِطُوا أَحَدًا". فَهُمْ يَبْقُونَ مُستيقِظينَ لكي يَأثَمُوا. وَهذهِ هي الخطيَّة. فَالأمرُ يَتطلَّبُ بَذْلَ مَجهودٍ كَبيرٍ كي تُخطِئ. والحَقيقةُ هِيَ أنَّنا نَقرأُ في سِفْر إشَعْياء 5: 18 إنَّ النَّاسَ يُشبِهونَ البَهائِمَ الَّتي تَجُرُّ الإثْمَ بِحِبالِ البُطْلِ والخَطِيَّة. فَهُمْ يَجُرُّونَ الخَطِيَّةَ كَما لَو أنَّهُم يَجُرُّونَ عَرَبَةً بِحِبال. فَهُم يُشبِهونَ ثَورًا، بَلْ ثَورًا غَبِيًّا رُبِطَ بِحُمولَةٍ مِنَ الخَطيَّة. فَهُمْ يَجُرُّونَها وَراءَهُم كَما تَجُرُّ البَهيمَةُ حِمْلاً. هَذا هُوَ مَا يَفعَلُهُ الخُطاة. فالخطيَّةُ مُرهِقَةٌ. والخَطِيَّةُ تَتطلَّبُ عَملاً شَاقًّا. وَهِيَ تُدَنِّسُ الإنسانَ. فَهِيَ تُدَنِّسُنا إلى أعماقِ كِيانِنا وطَبيعَتِنا. وَهِيَ تَمَرُّدٌ على الله. وَهِيَ تُريدُ أن تُطيحَ باللهِ. وَهِيَ جُحودٌ تُجاهَ الله. وَهِيَ عَمَلٌ شَاقٌّ جدًّا يَستَنفِذُ حَياةَ الإنسان. فالخُطاةُ يُرهِقونَ أنفسَهُم فيما يُحاولونَ أن يُشْبِعُوا شَهَواتِهم.
خَامسًا، الخَطيَّةُ دَاءٌ مُميتٌ ليسَ لَهُ دَواء. الخَطِيَّة دَاءٌ مُميتٌ ليسَ لَهُ دَواء. فالنَّفسُ الَّتي تُخطِئُ تَموت (كَما جَاءَ في سِفْرِ حِزْقيال والأصحاح 18). ونَقرأُ في رِسالةِ رُومية والأصحاحِ الثَّالث: "لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ". وَلا يَستطيعُ الإنسانُ أن يَفعلَ أيَّ شَيءٍ بشأنِها لأنَّ قَلبَهُ "أَخْدَعَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ نَجِيس" (كَما جَاءَ في سِفْر إرْميا والأصحاح 17). "كُلُّ الرَّأْسِ مَرِيضٌ" (كَما جَاءَ في سِفْر إشَعْياء 1: 4-6). فَهُوَ مَريضٌ مِنْ أَسْفَلِ الْقَدَمِ إِلَى الرَّأسِ وَما بَينَهُما. وَهُوَ مُصابٌ بِداءٍ عُضَالٍ سَيَفْتِكُ بِهِ في النِّهايةِ ويَحكُمُ عليهِ بالمَوتِ الأبديِّ. لِذا فإنَّ الآيَةَ إرْميا 13: 23 تَقول: "هَلْ يُغَيِّرُ الْكُوشِيُّ جِلْدَهُ أَوِ النَّمِرُ رُقَطَهُ؟" والجَوابُ هُوَ: كَلاَّ! "فَأَنْتُمْ أَيْضًا تَقْدِرُونَ أَنْ تَصْنَعُوا خَيْرًا أَيُّهَا الْمُتَعَلِّمُونَ الشَّرَّ!" فَلا يُمكِنُكُم أن تَصنَعُوا خَيرًا كَما أنَّ النَّمِرَ لا يَستطيعُ أن يُغَيِّرَ رُقَطَهُ بِغَسْلِها، وَكما أنَّ الكُوْشِيَّ لا يَستطيعُ أن يُغَيِّرَ جِلْدَهُ الدَّاكِن.
والمُشكلةُ هِيَ أنَّ الإنسانَ في أعماقِ أعماقِهِ [أيْ في ضَميرِهِ] نَجِسٌ. فَنحنُ نَقرأُ في الرِّسالة إلى تيطُس 1: 15: "بَلْ قَدْ تَنَجَّسَ...أَيْضًا ضَمِيرُهُمْ". فَحَتَّى إنَّ الشَّيءَ الوَحيدَ الَّذي قَد يَجعَلُهُم يَفعلونَ الصَّوابَ قَد تَنَجَّس. فَنِظامُ الإنذارِ مَعْطُوبٌ. وَنِظامُ الإنذارِ قَد تَنَجَّس. فالخَطِيَّةُ دَاءٌ عُضالٌ. وَقد كَتَبَ "جون فلافيل" [John Flavel] الطَّهورِيُّ مَا يَلي: "كُلُّ الدُّموعِ الَّتي يَنبغي للخَاطِئِ التَّائِبِ أنْ يَذرِفَها، حَتَّى لو كانت كثيرةً جدًّا كَعَدَدِ قَطَراتِ المَطَرِ الَّتي هَطَلَتْ مُنذُ بَدْءِ الخَليقَةِ، لا تَستطيعُ أن تَغسِلَ خَطيَّةً واحِدَةً. فالعَذابُ الأبديُّ في جَهَنَّمَ لا يَستطيعُ أن يُطفِئَ الضَّميرَ المُلتَهِبَ بسببِ أَصْغَرِ خَطيَّة" [نِهايةُ الاقتباس].
لا يُوجَدُ عِلاجٌ بَشريٌّ. وَلا تُوجَدُ طَريقةٌ يَستطيعُ الخَاطِئُ مِن خِلالِها أن يُكَفِّرَ عَن خَطيئَتِهِ حَتَّى ولو كانَ في جَهنَّم. وَهَذا هُوَ السَّببُ في أنَّ جَهَنَّمَ أبديَّة. فَهِيَ لا تُكَفِّرُ عَن خَطاياه. فَلا يُمكِنُ لأيِّ عِلاجٍ بَشريٍّ، أو حَلٍّ، أو إصلاحٍ، أو دِيانَةٍ، أو إعادَةِ تَأهيلٍ أن تُكَفِّرُ عَنها. فَلا يَستطيعُ الإنسانُ أن يَفعلَ أيَّ شَيءٍ لِعلاجِ هذا الدَّاءِ المُميت. فَهُوَ يَقتُلُهُ جَسديًّا كَما يَقتُلُهُ رُوحِيًّا، ثُمَّ يَقتُلُهُ في النِّهاية أبديًّا.
وأرجو أن تُلاحِظُوا مَا يَلي مِن فَضلِكُم: اللهُ لا يُحابي أحدًا. وَهُوَ ليسَ عُنصُرِيًّا. واللهُ لا يُقاوِمُ إنسانًا أو يَرفُضُ إنسانًا بسببِ عِرقِهِ، أو بسببِ لَونِهِ، أو لأنَّهُ فَقيرٌ، أو لأنَّهُ جَاهِلٌ، أو لأنَّهُ غَيرُ مُتَعَلِّمٍ، أو لأنَّهُ مُعاقٌ، أو لأنَّهُ ضَعيفٌ، أو لأنَّهُ مَريضٌ، أو لأنَّهُ غَيرُ مَشهور، أو لأنَّهُ مُحتَقَرٌ، أو لأنَّهُ مَنبوذ. فاللهُ لا يُقاوِمُ أو يَرفُضٌ إنسانًا لأيٍّ مِن هذهِ الأسباب. صَحيحٌ أنَّ اللهَ يَرفُضُ أُناسًا، ولكِنَّهُ يَرفُضُهُم لأنَّهُم خُطاة. فَأُجرةُ الخَطيَّةِ هِيَ مَوت. والنَّفسُ الَّتي تُخطِئُ تَموت. وَقَد "وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا مَرَّةً ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ الدَّيْنُونَةُ". لِذا فإنَّ اللهَ يَقولُ مِن خِلالِ كلماتِ النَّبيِّ إرْميا في سِفْر إرْميا 44: 4: "لاَ تَفْعَلُوا أَمْرَ هذَا الرِّجْسِ الَّذِي أَبْغَضْتُهُ". لا تَفعلوا ذلك. لِذا، هذِهِ هِيَ سِماتُ الخَطيَّة.
وَهَذا يَقودُنا إلى سُؤالٍ ثَالثٍ رُبَّما لا يَتَّسعُ الوقتُ للإجابَةِ عَنهُ في هذا المَساء، ولكنِّي أعتقدُ أنَّنا سنُمَهِّد لَهُ على الأقَلّ: كَم عَدَدُ النَّاسِ الَّذينَ تُؤثِّرُ فيهم الخطيَّة؟ مَا هِيَ الخَطيَّة؟ وَما هِيَ سِماتُ الخَطِيَّة؟ وَكَم عَدَدُ النَّاسِ الَّذينَ تُؤثِّر فيهم الخطيَّة؟ افتَحُوا على رِسالةِ رُومية والأصحاحِ الثَّالث. وأريدُ أن أُذَكِّرَكُم بِما جاءَ في رِسالة كورِنثوسَ الأولى 15: 22: "لأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ الْجَمِيعُ". وَنَقرأُ في رِسالةِ رُومية 5: 12: "كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ". فَحيثُ يُوجَدُ مَوتٌ تُوجَدُ خَطيَّة. وَكُلُّ إنسانٍ يَموتُ. لِذا فإنَّ الجَميعَ خُطاة. نَحنُ نَفهمُ ذلك. ولكنِ انظُروا إلى أكثرِ جُملةٍ تَتَحَدَّثُ مُباشَرَةً عَن ذلك وَهِيَ رُومية 3: 10: "كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ" – وَهَذا النَّصُّ مُقتَبَسٌ بِصورةٍ رَئيسيَّةٍ عنِ المَزمورِ الرَّابع عَشَر والأعدادِ الثَّلاثةِ الأولى مِنه: "أَنَّهُ لَيْسَ بَارٌّ وَلاَ وَاحِدٌ. لَيْسَ مَنْ يَفْهَمُ. لَيْسَ مَنْ يَطْلُبُ اللهَ. الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ". هَذا هُوَ الجَواب. هَذا هُوَ الجَواب.
ثُمَّ انظُروا إلى العَدد 19: "وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا يَقُولُهُ النَّامُوسُ فَهُوَ يُكَلِّمُ بِهِ الَّذِينَ فِي النَّامُوسِ، لِكَيْ يَسْتَدَّ كُلُّ فَمٍ". وَهَذا يَعني أنَّهُ لا يُوجَدُ إنسانٌ على الأرضِ يَستطيعُ أن يُدافِعَ عَن نَفسِهِ بِنَجاح. فَكُلُّ فَمٍ يَسْتَدُّ أمامَ نَاموسِ اللهِ الَّذي تَعَدَّيْنا عَليهِ جَميعًا. "وَيَصِيرَ كُلُّ الْعَالَمِ تَحْتَ قِصَاصٍ مِنَ اللهِ". "أَنَّهُ لَيْسَ بَارٌّ وَلاَ وَاحِدٌ". فَهُناكَ شَرٌّ في كُلِّ الكَون. "لَيْسَ مَنْ يَفْهَمُ". فَهُناكَ جَهْلٌ في كُلِّ الكَون. "وَلكِنَّ الإِنْسَانَ الطَّبِيعِيَّ لاَ يَقْبَلُ مَا لِرُوحِ اللهِ لأَنَّهُ عِنْدَهُ جَهَالَةٌ" (في رِسالةِ كورِنثوسَ الأولى 2: 14). "أَنَّهُ لَيْسَ بَارٌّ وَلاَ وَاحِدٌ". والعِبارةُ "وَلا وَاحِد" أُضيفَت لأنَّ شَخصًا قَد يَقولُ: "باستِثنائي أنا". لِذا فإنَّ الرُّوحَ القُدُسَ يَقولُ: "لا، وَلا حَتَّى أنتَ". لا أَحَد. "لَيْسَ مَنْ يَطْلُبُ اللهَ... لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا. لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ. هَذا هُوَ مَا يَقولُهُ العَددُ 12: "وَلا وَاحِد".
ثُمَّ إنَّ العَددَ 23 يُلَخِّصُ ذلك: "إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ". لِذا فإنَّ ذلكَ يُجيبُ عَنِ السؤال. فَهُوَ سُؤالٌ بَسيطٌ جدًّا: "كَم عَدَدُ الأشخاصِ الَّذينَ أَثَّرَتْ فيهِم الخَطيَّة؟" الجَواب: الجَميع. وَكَم عَددُ الأشخاص ِالذين يَموتون؟ الجَميع. هَل تَعرِفونَ أيَّ شَخصٍ لا يَهْرَم؟ هُناكَ أشخاصٌ كَثيرونَ يُحاولونَ أن يُقاوِموا الشَّيخوخَةَ بطُرُقٍ مُختلفة، ولا بأسَ في ذلك. ولكِن هل تَعرِفونَ أيَّ شَخصٍ لا يَهرَم؟ وَهَل تَعرِفونَ أيَّ شَخصٍ بَقِيَ في سِنِّ الحَاديةِ والعِشرين؟ وَهل تَعرِفونَ أيَّ شَخصٍ لم يَشِيخ؟ فالجَميعُ يَموتون. الجَميعُ يَموتون. الجَميع. والجَميعُ يَموتونَ لأنَّ كُلَّ إنسانٍ يُخطِئ.
فالخَطِيَّةُ تُنجِّسُ الإنسان. وَهِيَ قُوَّةٌ تُؤدِّي إلى التَّقهقُرِ في الجِنسِ البَشريِّ. لِذا فقد نَظَرَ دَاوُدُ في المَزمورِ الحَادي والخَمسين إلى الوَراءِ وَقال: "وبالخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بي أُمِّي". وَهُوَ لا يَعني بذلكَ أنَّهُ كَانَ طِفلاً غَيرَ شَرعِيٍّ، بَل يَعني: مُنذُ لَحْظَةِ الحَبَلِ بِي، كُنتُ خَاطِئًا. مُنذُ اللَّحظَةِ الَّتي حَبِلَتْ أُمِّي بِي، كُنتُ إنسانًا خَاطِئًا. وَمُنذُ وِلادَتي، كُنتُ إنسانًا خَاطِئًا. فَقد جِئتُ إلى هَذا العَالَمِ وَأنا خَاطِئ. وَإذا بَحثتُم عَن خَطيئَتي في الحِمْضِ النَّوَوِيِّ لَن تَرَوْها. وَلا يُمكِنُكم أن تَرَوْها في أُنبوبِ الاختبار، وَلا أنْ تَرَوْا خَطيئَتي إنْ أَخذتُم صُورةً بالأشِعَّةِ السِّينيَّةِ لِدِماغي. ألستُم سُعَداء لأنَّهُ عندما يَأخُذونَ لَكُم صُورةَ رَنينٍ مِغناطيسيٍّ فإنَّ ذلكَ الجِهازَ لا يَستطيعُ أن يَقرأَ أفكارَكُم؟ فَلا تُوجَدُ طَريقةٌ لِقراءَةِ الأفكار. وَلا تُوجَدُ طَريقةٌ لاكتشافِ خَطاياكُم عَن طَريقِ فَحصِ الحِمضِ النَّوَوِيّ. ولكِنْ يُمكِنُكُم فقط أن تَعرفُوا ذلكَ مِن خِلالِ مَعرفةِ مَن تَكونونَ في الحَقيقة. فَنَحنُ جَميعًا نَموت. لِذا فإنَّنا جَميعًا نُخطِئ.
والآن، صَحيحٌ أنَّ هُناكَ أشخاصًا لا يَقتَرِفونَ خَطايا شَنيعةً جدًّا، وَأنَّ هُناكَ أشخاصًا ليسُوا أسوأَ مِنْ غَيرِهم، وأنَّ هُناكَ أشخاصًا لا يَقترفونَ أسوأَ خَطايا مُمكِنَة؛ ولكِنَّ كُلَّ شَخصٍ مِنَّا سَيِّءٌ بالقَدْرِ الَّذي يُؤهِّلُهُ لأنْ يُدانَ في جَهَنَّم. وَكُلُّ شَخصٍ مِنَّا عَاجِزٌ عَنْ تَحقيقِ مِعيارِ الله. وَما هُوَ مِعيارُ الله؟ أنْ نَكونَ كَامِلينَ أَدَبِيًّا مِثلَ اللهِ، وَأنْ نُطيعَ نَامُوسَهُ طَاعَةً كَامِلَة. فإنْ لم تَكُن كَامِلاً مِثلَ اللهِ، تَكونُ قَد كَسَرْتَ نَامُوسَهُ وَتَستَحِقُّ المَوتَ الأبديَّ.
والمَوتُ الشَّامِلُ يُشيرُ إلى الطَّبيعةِ الشَّامِلَةِ للخطيَّة. والطَّبيعَةُ الشَّامِلَةُ للخَطِيَّةِ تُحَتِّمُ علينا أن نُخطِئ. هَل تَفهَمونَ ذلك؟ فالمَوتُ يُشيرُ ضِمنيًّا إلى وُجودِ طَبيعةٍ خَاطِئَة. وَوُجودُ طَبيعةٍ خَاطئةٍ يُشيرُ ضِمنيًّا إلى أنَّنا نُخطِئ. وَفي وَقْتٍ مَضَى، جَلَبَ شَخصٌ مَا هَذا الأمرَ على الجِنسِ البَشريِّ. وَنَحنُ نَعلَمُ مَن هُوَ هَذا الشَّخص. فَهُما آدَمُ وَزَوجَتُهُ حَوَّاء. وَقد تَقول: "كَمْ كُنتُ أَتَمَنَّى لو أنَّهُما لم يَفعَلاَ ذلك!" هَل تُريدونَ أن تَعلَمُوا شَيئًا؟ لو لَم يَفعَلاَ ذلكَ لَفَعَلْتَهُ أنتَ، وَلَفَعَلْتُهُ أنا.
إذًا، لَقد نَظرنا إلى مَعنى الخَطيَّة، وَإلى سِماتِها، وَإلى الأشخاصِ الَّذينَ تَأثَّرُوا بِها. وأريدُ أن أُجيبَ عَن سُؤالَيْنِ آخَرَيْنِ مَساءَ الأحدِ القادِم. السُّؤالُ الرَّابِع: مَاذا تَفعلُ الخَطِيَّةُ بِنا؟ وَهَذا مُدهِشٌ جدًّا. مَاذا تَفعَلُ الخطيَّةُ بِنا؟ ثُمَّ أخيرًا: كَيفَ أَثَّرَتْ فينا الخَطيَّة؟ وَهَذا سَيُعديُنا إلى خَطيَّةِ آدَم، وسَيُعيدُنا إلى الأصحاحِ الثَّالثِ مِن سِفْر التَّكوين. وعندما نَرَى ذلكَ سَتُدْهَشونَ مِمَّا ستَقرأونَهُ هُناك.
هَل يُمكِنُني أن أَختِمَ بِهذا؟ لا تَفقِدُوا تَركيزَكُم الآن. أشعُرُ بأنَّهُ كَانَ يَنبغي لي أن أَعْكِسَ تَرتيبَ العِظَتَيْنِ اليوم. فَقد وَعَظْتُ عَنِ التَّوبةِ في هذا الصَّباح، وَعَنِ الخطيَّةِ في هَذا المَساء. ولكِنَّ الأمرَ في الحَقيقةِ مَعكوس. أليسَ كذلك؟ فَفي هذا الصَّباحِ، طَلَبْنا مِنكُم أن تَتُوبوا. وَفي هَذا المَساءِ أخبرناكُم عنِ الشَّيءِ الَّذي يَنبغي أن تَتوبُوا عَنهُ. أليسَ مِنَ الرَّائعِ أن نَعرِفَ أنَّهُ على الرَّغمِ مِن كُلِّ هذهِ الحَقائقِ المُختصَّةِ بِنا فإنَّ اللهَ يَغفِرُ للخُطاة؟ وَهَذا هُوَ مَجْدُ الإنجيل. فَكما سَمِعتُم في الشَّهاداتِ بوضوحٍ شَديدٍ في هذا المساء، فإنَّ مَجدَ الإنجيلِ هُوَ أنَّ كُلَّ مَا قِيلَ عَنَّا صَحيحٌ. فَهَذِهِ هِيَ حَقيقَتُنا. وَهَذا هُوَ تَمامًا مَا نَستَحِقُّهُ: العِقابُ الأبديُّ. ولكِنَّ الحَقيقَةَ تَقولُ إنَّ اللهَ وَضَعَ آثامَنا على المَسيح. وَهَذهِ حَقيقةٌ عَظيمَة. فَقَد حَمَلَ المَسيحُ خَطايانا في جَسَدِه. وَقد صَارَ خَطِيَّةٍ لأجلِنا. لِذا فقد عَاقَبَهُ اللهُ عِوَضًا عَنَّا. هَذا هُوَ مَجدُ الإنجيل. أليسَ كذلك؟ فإنْ رَجَعْتَ إلى اللهِ، وَتُبْتَ إليهِ بَقَلبٍ صَادِقٍ، وآمَنتَ بأنَّ يسوعَ مَاتَ بَدَلاً عَنكَ، وطَلَبتَ مِنهُ أن يَغفِرَ خَطاياكَ، فإنَّهُ سيَسمَعُ تِلكَ الصَّلاةِ ويَستَجيب. آمين؟
يَا أبانا، نَشكُرُكَ على هَذا المَساءِ العَظيمِ، وَعلى هَذا اليَومِ العَظيم، وَعلى هَذا الحَقِّ العَظيمِ النَّابِعِ مِن كَلمِتَكَ العَميقَة. نَحنُ نَتوقُ إلى الاعترافِ بخطايانا. فَكما قَالَ دَاوُدُ فإنَّ خَطِيَّتَهُ أمَامَهُ دَائِمًا. يا رَبُّ، نَحنُ لا نَستطيعُ البَتَّة أن نَهرُبَ مِن وَاقِعِ الخطيَّة، بَلْ يَجِبُ علينا أن نَستمرَّ في الاعترافِ بها، وأن نَستمرَّ في التَّوبةِ عَنها، وأن نَستمرَّ في تَقديمِ الشُّكرِ لَكَ على غُفرانِكَ لَنا. وَنَحنُ نُبارِكُ دَائِمًا اسمَكَ وَاسمَ الرَّبِّ يَسوعَ المَسيحِ الَّذي حَمَلَ أُجرةَ خَطايانا على الصَّليبِ وَمَاتَ عَنَّا لكي نَحْيا إلى الأبد. نُسَبِّحُكَ ونُبارِكُكَ باسْمِ مُخَلِّصِنا. آمين!

This article is also available and sold as a booklet.