Grace to You Resources
Grace to You - Resource

نحنُ نُتابعُ دراسَتنا خِلالَ هذهِ الأسابيع القليلة عن موضوعِ مُثابَرة القِدِّيسين. وهذهِ، في رأيي، تَسمية كِتابيَّة مُوَفَّقة تَصِفُ عَقيدةً غالبًا ما تُسَمَّى "الضَّمان الأبديّ" أو "ضَمان المُؤمِن". والخُلاصة في هذه العقيدة هي أنَّهُ عندما يُخَلِّصُ الرَّبُّ شخصًا، فإنَّ ذلكَ الخلاص يَدوم إلى الأبد ولا يُمكِن أنْ يُبْطَل. والكتابُ المقدَّسُ واضحٌ بخُصوصِ هذا الحَقِّ الجَوهريّ. والحَقُّ الجَوهريُّ هو أنَّ الخلاصَ (بِطبيعَتِه) لا يُنقَض.

وبالرَّغم مِن وضوح الكتاب المقدَّس بهذا الخصوص، هناكَ أشخاصٌ وَقَعوا تحتَ تأثيرِ تَعليمٍ يُنكرُ ذلك. وهناكَ كثيرونَ في الكنيسة المسيحيَّة يعيشونَ في خوفٍ مِنْ نوعٍ ما لأنَّهم يُؤمنونَ باحتماليَّة فُقدانِ خَلاصِهِم. وَهُم يُحَذَّرونَ مِنْ إمكانيَّة حُدوثِ ذلك إمَّا مِن خلال الخطيَّة أو عَدَم الإيمان أو إنكار ذلك الخلاص الَّذي أعطاهُمُ اللهُ إيَّاه. وهذا يعني أنَّ المؤمنَ قد يَصيرُ ثانيةً غيرَ مُؤمِن، وأنَّ الخليقة الجديدة في المسيح يمكن أنْ تَصيرَ مَرَّة أخرى خليقة عَتيقة، وأنَّ أولادَ اللهِ يُمكن أنْ يَصيروا الآنَ أولادَ الشَّيطان، وأنَّ المُواطِنينَ السَّماويِّين يُمكن أن يصيروا مواطني جَهَنَّم. والحقيقة هي أنَّ هذا يعني أنَّ كُلَّ ما نِلناهُ في المسيح يمكن أنْ يُفقَد ويَضيع.

ولا شَكَّ في أنَّ أولئكَ الَّذينَ يُعَلِّمونَ تلك العقيدة يُحاولونَ أن يُدَعِّموها بآياتٍ كِتابيَّة. فَهُم يأتونَ بلائحة مِنَ الآياتِ الكِتابيَّة الَّتي يَستخدمونَها لتدعيمِ فِكرةِ أنَّكَ قد تَخسر خلاصَكَ. وقد تَطَرَّقتُ إلى ذلكَ عَبْرَ السِّنين مَرَّات عديدة وكثيرة على عِدَّة جَبْهات. وفي إحدى المَرَّاتِ حاولتُ أنْ أُساعِدَ الرُّوسِيِّينَ (أيِ المُؤمِنينَ الرُّوسِيِّينَ) على فَهْمِ هذه العقيدة لأنَّهم تَعَلَّموا على مَدى سنواتٍ طويلة أنَّهُ مِنَ المُمكنِ أنْ يَفقدوا خَلاصَهُم.

وذاتَ مَرَّة (كَمَثَلٍ تَوضيحِيٍّ على هذه النُّقطة) كُنتُ في "مِنْسك" (Minsk) في رُوسيا البيضاء (Belarus). وروسيا البيضاء جُمهوريَّة مُدهشة جِدًّا. وقد كانت يومًا جُزءًا مِنَ الاتِّحادِ السُّوفييتيّ. وهي أكثر جُمهوريَّة تأثَّرت بكارثة تشيرنوبل (Chernobyl) لأنَّ التَّسَرُّب الإشعاعيّ الَّذي حَدَثَ في مُفاعِل تشيرنوبل أَصابَ الأرضَ، وأصابَ المياهَ، وأصابَ الموارِد الغِذائيَّة فصَارتِ الأُمَّةَ كُلُّها في حالة احتِضار. وهو مكانٌ رائعٌ للزِّيارة. وقد ذهبتُ إلى هناك مَرَّات عديدة.

وفي إحدى المَرَّات، ذَهبنا إلى مُعَسكرٍ شُيوعِيٍّ قديم لحضورِ مُؤتمرٍ للرُّعاة. وقد كانَ ذلكَ تَغييرًا مُدهشًا لأنَّهُ حيثُ كانَ الجُنودُ الشُّيوعيُّونَ يَتَلَقَّونَ التَّدريبَ، كانَ الرُّعاةُ يَتَلَقَّونَ التَّدريب. وقد ذَهبتُ إلى هناكَ مُدَّةَ أسبوعٍ لتدريبهم، وكنتُ أَنامُ في الثُّكْناتِ العَسكريَّة مَعَهُم في ذلك المكان، وأُعَلِّمُهم كلمةَ الله. وقد كانت مُحاضرات طويلة جدًّا ومُكَثَّفة طَوالَ اليوم، يومًا تلوَ الآخر تلو الآخر. وفي تلك الفترة قُلتُ شيئًا بخصوصِ حقيقة أنَّ الخلاصَ يَدومُ إلى الأبد، أيْ أنَّهُ أبَدِيٌّ، ولا يُمكن أنْ يَفْنَى. وأعتقد أنَّني قُلتُ ذلكَ في إطارِ دراسَتِنا لِرسالة رومية؛ ولا سِيَّما الأصحاح 8.

وأنا لم أَذكُر ذلكَ كنُقطة رئيسيَّة، بل أَبْدَيْتُ بِضعَ مُلاحظاتٍ عليها وتَابعتُ الحديثَ عنِ موضوعِ دراسَتِنا (أَيًّا كَان). وقد انتهى اليومُ وذَهبتُ بعدَ تَناوُلِ المُرَطِّباتِ إلى الثُّكنة العَسكريَّة الَّتي كنتُ أُقيمُ فيها وَنِمْتُ. وقد نَهَضتُ في الصَّباح وذَهبتُ إلى القاعة وتناولتُ إفطارًا صغيرًا قبلَ أنْ نَبتدِئ اجتماعاتِنا.

وعندما عُدتُ، استَقبلَني الشَّخصُ المسؤولُ عن تَنظيمِ المؤتمر فقالَ لي إنَّ ما قُلتَهُ في نِهايةِ الجَلسة المسائيَّة في اليومِ السَّابق عن أنَّ الخلاصَ لا يُمكن أنْ يُفقَد سَبَّبَ جَدَلاً ليسَ بالقَليل حَتَّى إنَّ سَبعةً وعِشرينَ قائدًا لم يَناموا طَوالَ اللَّيل. فقد سَهِروا طَوالَ اللَّيلِ وَكَتَبوا لائحةً بالآياتِ الَّتي تَجْعَلُهُم يُلاقونَ صُعوبةً في قَبولِ ذلكَ التَّعليم. وقد قالوا: "هذه هي الآيات. واليوم، نُريدُ منكَ أنْ تُجيبَ عن كُلِّ هذهِ الآيات".

وهذا مُنْصِف! حسنًا؟ فإنْ كانَ هذا التَّعليمُ صحيحًا، ينبغي أنْ يَصمُدَ أمامَ الكتابِ المقدَّس. لذا فقد حاولتُ جاهدًا أنْ أُفَسِّرَ تلكَ الآياتِ وأنْ أُبَيِّنَ لهم كيفَ يَفهمونَ تلكَ الآيات. ولكي أكونَ مُنْصِفًا معكم، ولا سِيَّما مَعَ الأشخاصِ الَّذينَ رُبَّما تَعَلَّموا أنَّ المؤمنَ قد يَفقِد خَلاصَهُ، فإنَّكم تَعرفونَ بعضَ هذهِ الآيات أيضًا. وَمِنَ المُهِمِّ أنْ نُشيرَ إليها. لِذا، أَوَدُّ أن أفعلَ ذلك. وبصورة رئيسيَّة، هذهِ هي الآياتُ الَّتي غَالبًا، أو هذهِ هي الآياتُ الرَّئيسيَّة الَّتي غالبًا ما يَستخدِمُها النَّاسُ لتدعيمِ فكرة أنَّكَ قد تَفقِد خَلاصَك.

والآية يوحنَّا 8: 31 هي واحدة مِن تلكَ الآيات. ويوحنَّا 8: 31 تَقول: "إِنْ ثَبَتُّمْ فِي كَلاَمِي فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ تَلاَمِيذِي". وقد قالوا: "كما تَرى، إنْ لم تَثْبُتْ في الكلمة فإنَّكَ لن تَعودَ تِلميذًا". ثُمَّ هناكَ الآية يوحنَّا 15: 6: "إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَثْبُتُ فِيَّ يُطْرَحُ خَارِجًا كَالْغُصْنِ، فَيَجِفُّ وَيَجْمَعُونَهُ وَيَطْرَحُونَهُ فِي النَّارِ، فَيَحْتَرِقُ". فسوفَ تَذهبُ إلى جَهَنَّم إنْ لم تَبْقَ أمينًا. وسوفَ تَذهبُ إلى جَهَنَّم إنْ لم تَثْبُت.

ثُمَّ هناكَ الآية مَتَّى 24: 13: "وَلكِنِ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهذَا يَخْلُصُ". لِذا، فإنَّ الأمرَ يَعتَمِدُ حقًّا على صَبْرِك. والنُّقطة نَفسُها مَذكورة أيضًا في إنجيل مَتَّى 10: 22. ثُمَّ هناكَ أعمال الرُّسُل 13: 43 حيثُ كانَ بولسُ وبرنابا يُكَلِّمان اليهودَ وَالدُّخَلاَءَ المُتَعَبِّدِينَ "وَيُقْنِعَانِهِمْ أَنْ يَثْبُتُوا فِي نِعْمَةِ اللهِ". لِذا، يبدو أنَّهُ ينبغي أنْ تَعقِدَ العَزمَ وأنْ تُكَرِّسَ نَفسكَ للثَّباتِ في نِعمةِ اللهِ لكي تَخلُص في النِّهاية.

وهناكَ آياتٌ أخرى مِثل رسالة رُومية والأصحاح الثَّاني. رسالة رُومية والأصحاح الثَّاني: فاللهُ (في العدد 6): "سَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ أَعْمَالِهِ. أَمَّا الَّذِينَ بِصَبْرٍ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ يَطْلُبُونَ الْمَجْدَ وَالْكَرَامَةَ وَالْبَقَاءَ، فَبِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّة". بعبارة أخرى، إنْ لم تَصْبُر في العملِ الصَّالح، ولم تَصبُر في طَلَبِ المجدِ والكرامةِ والبقاءِ فإنَّكَ لن تَنالَ الحياةَ الأبديَّة. ونَقرأ في الأصحاح 11 مِن رسالة رومية (وهناكَ آياتٌ أخرى، ولكِنَّ هذه هي أبرزُ الآيات)، في رسالة رومية 11: 22، نَقرأُ عن لُطفِ اللهِ وَصَرامَتُه: "عَلَى الَّذِينَ سَقَطُوا. وَأَمَّا اللُّطْفُ فَلَكَ، إِنْ ثَبَتَّ فِي اللُّطْفِ، وَإِلاَّ فَأَنْتَ أَيْضًا سَتُقْطَعُ".

لِذا، هناكَ هذه التَّحذيرات بخصوصِ الثَّبات، والصُّمود، والصَّبر، والاستمرار. ورُبَّما نَجِد في رسالة كولوسي والأصحاح الأوَّل تَحذيرًا مُشابهًا إذْ نَقرأ في العدد 21: "وَأَنْتُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلاً أَجْنَبِيِّينَ وَأَعْدَاءً فِي الْفِكْرِ، فِي الأَعْمَالِ الشِّرِّيرَةِ، قَدْ صَالَحَكُمُ الآنَ فِي جِسْمِ بَشَرِيَّتِهِ بِالْمَوْتِ، لِيُحْضِرَكُمْ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ وَلاَ شَكْوَى أَمَامَهُ". فهو يَتحدَّثُ عنِ الخلاص. فقد كُنتم أشرارًا، ولكِنَّهُ جَعَلَكُمُ الآنَ قِدِّيسين. ونَقرأ في العدد 23: "إِنْ ثَبَتُّمْ عَلَى الإِيمَانِ، مُتَأَسِّسِينَ وَرَاسِخِينَ وَغَيْرَ مُنْتَقِلِينَ عَنْ رَجَاءِ الإِنْجِيلِ، الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ". لِذا، نَجِدُ مَرَّةً أخرى الكلمة "ثَبَتُّم". فالكلماتُ مُتشابهة جدًّا في كُلِّ الآيات: اثبُتوا، ارسَخوا، استمرُّوا. وهي كُلُّها مُشتقَّة مِنْ نفسِ الأصلِ اليونانيّ.

ويُضيفُ الأصحاح الثَّالث مِنَ الرِّسالة إلى العِبرانيِّين شيئًا آخرَ إلى ذلك. وقد كانت هذه أيضًا آيات اضْطُرِرْتُ إلى مُناقَشتِها معَ الإخوة الأعِزَّاء في رُوسيا لمساعدتهم على فَهمِها. فنحنُ نَقرأ في الرِّسالة إلى العِبرانيِّين 3: 6: "وَأَمَّا الْمَسِيحُ فَكَابْنٍ عَلَى بَيْتِهِ. وَبَيْتُهُ نَحْنُ إِنْ تَمَسَّكْنَا بِثِقَةِ الرَّجَاءِ وَافْتِخَارِهِ ثَابِتَةً إِلَى النِّهَايَة". وفي العدد 14: "لأَنَّنَا قَدْ صِرْنَا شُرَكَاءَ الْمَسِيحِ، إِنْ تَمَسَّكْنَا بِبَدَاءَةِ الثِّقَةِ ثَابِتَةً إِلَى النِّهَايَة". فالفكرة تَختصُّ بالثَّبات. وهي تَختصُّ بالصَّبْر. وهي تَختصُّ بالاستمراريَّة. وهي تَختصُّ بالرُّسوخ. وهي تَختصُّ بالمُثابرة. وَكُلُّ هذه الآيات يَنبغي أنْ تُفْهَم.

فهل هي تَحذيرات للتَّمَسُّكِ بِخلاصِك؟ وهل هي تَحذيرات مِن أنَّكَ إنْ تَخَلَّيتَ عَنْ ثَباتِكَ، أوْ إنِ انْحَرَفْتَ قَليلاً، أوْ إنْ زُغْتَ قليلاً، أوْ إنْ أخفقتَ في المُثابرة فإنَّكَ ستفقد خَلاصَكَ؟ لو كانت كذلك، لكانَ الكتابُ المقدَّسُ يُناقِضُ نَفسَهُ. فَمِنَ الواضحِ أنَّ الكتابَ المقدَّسَ يُعَلِّمُ أنَّ الخلاصَ يَدومُ إلى الأبد. وَهُوَ يُعَلِّمُ أيضًا أنَّ الخلاصَ هُوَ مِنَ اللهِ، وأنَّكَ لا يُمكن أنْ تَفقِد خَلاصَكَ لا مَبدئيًّا ولا بِصورة دائمة. ففي الأصل، لم يَكُن بمقدورِكَ أنْ تَخلَصَ بقُدرتكَ الذَّاتيَّة، أو بقوَّةِ إيمانِكَ الذَّاتيّ. ولا يُمكنكَ أنْ تَبقى راسخًا بقوَّةِ إيمانِكَ الذَّاتيّ. وقد قُلنا ذلكَ مِرارًا.

إنَّ الفكرة هنا هي أنَّ هذهِ ليست تحذيرات للمؤمنينَ لكي يَتمسَّكوا بِكُلِّ قُوَّتِهم لِئلَّا يَفقِدوا خلاصَهم، بل هي بالحَرِيِّ جُمَلٌ تَقولُ إنَّ أولئكَ الَّذينَ يَثبُتونَ، والَّذين يُواظبونَ، والَّذين يُثابرونَ، والَّذينَ يَتمسَّكونَ بقوَّة يُبَرهِنونَ على أنَّهم المُخَلَّصون. لِذا، يمكنكَ أنْ تأخذ كُلَّ هذهِ الآيات وأنْ تُجيبَ عنها بالطَّريقةِ ذاتِها. فيسوعَ يقول: "إِنْ ثَبَتَّ فِي كَلاَمِي فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُ تِلميذي. وإنْ لم تَثْبُت في كلامي، فإنَّكَ لستَ تِلميذًا حقيقيًّا. وإنْ كُنتَ شخصًا ثابتًا، فإنَّكَ ستَحصُل على خَلاصِكَ النِّهائيّ. وإنْ استمرَّيتَ في نِعمةِ اللهِ، واستمرَّيتَ في رَجاءِ الإنجيل، واستمرَّيتَ بثبات، وتَمَسَّكتَ، فإنَّكَ تُبرهِنُ على عَمَلِ اللهِ المُخَلِّص لأنَّكَ تَمتلك الإيمانَ الوحيدَ الَّذي يُخَلِّص وَهُوَ الإيمانُ المُثابِر.

لِذا فإنَّ هذهِ الآياتِ تُشيرُ إلى طَبيعةِ الإيمانِ المُخَلِّص. فهي ليست تَحذيرات بِمَعنى أنَّهُ ينبغي تَحذيرُ المؤمنينَ وَحَضُّهم على الثَّبات، بل هي تحذيرات للمؤمنينَ السَّطحيِّينَ، وللمؤمِنين المُصطَنَعينَ، وللمؤمنينَ المُدَّعينَ الَّذينَ هُمْ ليسوا مُؤمنينَ حقيقيِّين. وَهذهِ الآياتُ تَقولُ إنَّهُ إنْ كانَ إيمانُكَ حقيقيًّا فإنَّهُ سَيَصمُد إلى النِّهاية، ويكونُ مَحفوظًا مِنَ اللهِ، ومَحميًّا مِنَ الله.

ولكِنْ كيفَ يَحمينا اللهُ؟ مِن خلالِ الإيمان. فهو يُعطينا إيمانًا مُخَلِّصًا، وإيمانًا يَصْبِرُ إلى النِّهاية. فقد خلصنا بالإيمان. ونحنُ نَثْبُت بالإيمان. فهو ليسَ إيمانًا طبيعيًّا، بل هو خارقٌ للطَّبيعة. وهو عَطِيَّة مِنَ اللهِ (كما تَقولُ الآيتان أفسُس 2: 8 و 9). فكما أنَّكَ لم تَخْلُص بِمَعزِلٍ عن الإيمانِ الَّذي هُوَ عَطِيَّة مِنَ اللهِ، فإنَّكَ لا تَستطيعُ أنْ تُحافظَ على خَلاصِكَ إلى أنْ تُمَجَّد مِنْ خِلالِ أيِّ إيمانٍ بَشريٍّ، بل بالحَرِيِّ مِنْ خِلالِ نَفسِ الإيمانِ الخارقِ للطبيعة الَّذي وَهَبَهُ اللهُ لَكَ. فقد أَوصاكَ اللهُ أنْ تُؤمِنَ فَفَعَلْتَ وَنِلتَ الخلاص. وقد أوصاكَ أنْ تُطيعَ الإنجيلَ للخلاص. وقد فَعلتَ. والآن، إنَّهُ يُوصيكَ بأنْ تُؤمِن وتُطيع للقداسة. وأنتَ تَفعلُ ذلك. وهو يُوصيكَ بأنْ تَصْبِر في الطَّاعة والإيمان حَتَّى النِّهاية. وأنتَ سَتَفعل ذلك.

وما يَقولُهُ كُتَّابُ الكتابِ المقدَّسِ هو أنَّ هذه هي الطَّريقة الوحيدة لمعرفةِ المؤمنِ الحقيقيِّ. فأنتَ ستكونُ مُؤمِنًا حقيقيًّا إنْ بَقيتَ ثابتًا. والآيةُ الَّتي يَستَنِدُ إليها كُلُّ هذا التَّفسيرِ في الحقيقة هي رسالة يوحنَّا الأولى 2: 19: "مِنَّا خَرَجُوا، لكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنَّا، لأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مِنَّا لَبَقُوا مَعَنَا. لكِنْ لِيُظْهَرُوا أَنَّهُمْ لَيْسُوا جَمِيعُهُمْ مِنَّا". فإنْ تَرَكَ شخصٌ ما الإيمانَ فإنَّ هذا يُبَرهِنُ بالفعل على أنَّهُ لم يَكُن إيمانًا مُخَلِّصًا. فهو لم يكن إيمانًا خارقًا للطبيعة مِنَ النَّوعِ الَّذي يُعطيهِ اللهُ لأنَّهُ لم يَثْبُت، ولأنَّهُ لم يَصْمُد، ولأنَّهُ لم يَستمرّ، ولأنَّهُ لم يَتَشَبَّث، ولأنَّهُ لم يَصْبِر.

وفي رسالة تيموثاوس الثانية 2: 12، نَقرأ ما يَلي: "إِنْ كُنَّا نَصْبِرُ فَسَنَمْلِكُ أَيْضًا مَعَهُ. إِنْ كُنَّا نُنْكِرُهُ فَهُوَ أَيْضًا سَيُنْكِرُنَا". فهناكَ احتمالان فقط للنَّاسِ الَّذينَ يَعترفونَ بالمسيح وَهُما إمَّا أنْ يَكونوا حَقيقيِّينَ وإمَّا أنْ يكونوا زائِفين. فإنْ ثَبَتْنا فإنَّ إيمانَنا حقيقيٌّ وَسَوفَ نَملِك. وإنْ أَنكرناهُ فإنَّهُ سَيُنكِرُنا. وهل تَعلمونَ ماذا قالَ يَسوع؟ "فَكُلُّ مَنْ يَعْتَرِفُ بِـي قُدَّامَ النَّاسِ أَعْتَرِفُ أَنَا أَيْضًا بِهِ قُدَّامَ مَلائكةِ اللهِ أو قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. وَلكِنْ إنْ أَنكرتموني قُدَّامَ النَّاسِ فإنَّني سأُنكِرُكم". فإنْ أَنكرَ أيُّ شَخصٍ المسيح، أو رَفَضَ المسيح، فإنَّ ما يُعلِنُهُ هو أنَّهُ لم يَكُن يَملِكُ يومًا إيمانًا حقيقيًّا لأنَّ الإيمانَ الحقيقيَّ هو إيمانٌ يَثْبُت. فهو عَطِيَّةُ الإيمانِ الخارق للطَّبيعة الَّذي يَثبُت إلى النِّهاية.

ونقرأ في رسالة تيموثاوس الثانية 2: 13: "إِنْ كُنَّا غَيْرَ أُمَنَاءَ فَهُوَ يَبْقَى أَمِينًا، لَنْ يَقْدِرَ أَنْ يُنْكِرَ نَفْسَهُ". وقد قَرَنَ اللهُ نَفسَهُ بِكَ. وقد أعطاكَ امتيازَ أنْ تَشترِك في حَياتِهِ. والَّذين يَصبُرونَ هُمُ المؤمنونَ الحقيقيُّون. والذين لا يَصبُرونَ هم أشخاصٌ مُدَّعونَ زائفون. والمؤمنونَ الحقيقيُّونَ يُواجهونَ صِراعات مؤقَّتة في إيمانهم.

وهذا صحيح. فهناكَ أوقاتٌ يَضعُفُ فيهِ إيمانُنا. وهل نَنسى كلماتِ يسوعَ الَّذي قال لأتباعِهِ المُكَرَّسين: "يَا [ماذا؟] قَلِيلِــي الإِيمَانِ؟" ولكنهم لم يُنكروهُ إنكارًا صَريحًا بالمعنى التَّامِّ أوِ الكامل. لِذا، مِنَ المُناسب تمامًا أن نَفتح على رسالة بُطرس لأنَّ بُطرس كانَ يَمتلك إيمانًا حقيقيًّا مُخَلِّصًا، ولكِنَّهُ أَظهرَ أيضًا ضَعفًا مُؤقَّتًا، وَحَتَّى إنَّهُ أَنكَرَ يسوعَ مؤقتًا عندما تَمَّت مواجَهَتُه في أثناءِ مُحاكمة يسوع. لِذا، لِنَرجِع إلى نَصِّنا في رسالة بطرس الأولى والأصحاح الأوَّل.

فبُطرس هو الشَّخص الَّذي نَرجِع إليه عندما نريدُ أن نَرى شهادةً قويَّةً على المُثابرة بالرَّغمِ مِنَ الإيمان الضَّعيف، وعندما نُريدُ أن نَرى حمايةَ اللهِ بإيمانٍ لا يُمكن أنْ يَفْنَى. فإيمانُ بُطرس كانَ ضَعيفًا أحيانًا. وقد أَنكرَ يسوعَ مُؤقَّتًا. ويُمكنني أنْ أُذَكِّرَكُم بحقيقة بسيطة. فبطرسُ انْتَكَسَ انتكاسةً مُريعةً مُؤقَّتةً (كما تَذكرونَ) قبلَ يومِ الخمسين؛ أيْ قبلَ أنْ يأتي الرُّوحُ القُدُسُ ويَسكُن فيه. "لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ" (كما قالَ يَسوع).

وبعدَ حُلولِ الرُّوحِ القُدُس في يومِ الخمسين، لا تَسمعونَ أيَّ إنكارٍ مِن جانب بُطرس مَرَّةً أخرى. فهو يَقِفُ أمامَ حَشدٍ كبيرٍ في أورُشليم ويَكرِز بالمسيح. ولكِنَّ بُطرسَ فَهِمَ الإيمانَ المُثابر. فقد فَهِمَ الانتكاساتِ، ولكنَّهُ فَهِمَ أيضًا الإيمانَ المُثابِر. فَانتكاسَتُهُ لم تَكُن نهائيَّة ولم تكن كاملة. فقد فَهِمَ بِكُلِّ تأكيد مَحَبَّةَ اللهِ الأمينة. وقد فَهِمَ الرَّدَّ. ولَعَلَّكُم تَذكرونَ كيفَ أنَّ الرَّبَّ أعادَهُ وَرَدَّهُ. وقد فَهِمَ النِّعمة. وقد فَهِمَ قُوَّةَ الإيمانِ الَّتي وَهَبها اللهُ لَهُ. فإذا كنتَ مؤمنًا حقًّا فإنَّ إيمانَكَ لن يَسقُط كُليًّا أو نهائيًّا، بل إنَّكَ ستستمرّ حتَّى النِّهاية في الاتِّكال على المسيح لأنَّكَ مَحفوظ.

لِنَنظُر إلى العدد 5. رسالة بطرس الأولى 1: 5: "أَنْتُمُ الَّذِينَ بِقُوَّةِ اللهِ مَحْرُوسُونَ، بِإِيمَانٍ". وهذه جُملة مُهمَّة جدًّا. فنحنُ مَحروسونَ بقوَّةِ اللهِ بإيمانٍ. إذًا، كيفَ يَحفَظُنا اللهُ؟ مِن خلالِ إيمانِنا. مِن خلالِ إيمانِنا المُثابِرِ والثَّابتِ والمستمرّ. والآن، تَذَكَّروا أنَّ بُطرس يَكتُب إلى مؤمنينَ مُضطَهدينَ استُشهِدَ كثيرونَ مِنهُم. وفي خِضَمِّ ذلك، كانوا يَتساءلونَ إنْ كانَ إيمانُهم سَيَصمُد. وقد كانوا قَلِقينَ جدًا بسببِ ذلك. فهل سيُخفِق إيمانُهم إنْ تَمَّ سَجْنُهُم؟ وهل سيُخفِق إيمانُهم لو تَعَرَّضوا للضَّرب؟ وهل سيُخفِق إيمانُهم لو وَاجَهوا الموت؟

فَهُمْ لم يكونوا يَثِقونَ في قُوَّتهم الذَّاتيَّة لأنَّهم كانوا يَعلمونَ ضَعَفاتِهم بوصفِهم مُؤمِنين. وقد كانوا يَعلمونَ أنَّهم كانوا جميعًا يعيشونَ كما هُوَ مَذكور في رسالة رُومية والأصحاح 7 إذْ إنَّهم لا يَفعلونَ ما ينبغي أنْ يَفعلوا، بل يَفعلونَ ما لا يَجوزُ أنْ يَفعلوا. وقد كانوا يَخوضونَ مَعركةً ضِدَّ طبيعتهِم العَتيقة. وقد كانوا يَتساءلونَ إنْ كانوا سيتمكَّنونَ يومًا مِنَ النَّجاحِ في امتحانٍ صَعبٍ فيهِ اضْطهاد. فَهُمْ لم يكونوا يَثِقونَ بِإيمانهم الذَّاتيّ، بل كانوا يَخْشَونَ أنْ يَسقُطَ إيمانُهم.

وبُطرسُ يَكتُبُ هذه الرِّسالة ويَقولُ إنَّهم سيواجهونَ أوقاتًا عصيبةً جدًّا جدًّا. وَهُوَ يَتحدَّث في الأصحاحِ الثَّاني والعدد 20 عن سُوءِ المُعاملةِ واحتمالِ ذلك ... احتمالِهِ بِصَبر. وَهُوَ يَتحدَّثُ في الأصحاح الثَّالث عنِ الألمِ الَّذي قد يَتعَرَّضونَ إليهِ. وَهُوَ يَتحدَّثُ في الأصحاحِ الرَّابعِ عن مُعاناتِهِم بِوَصفِهم مُؤمِنين (في العدد 16) مِنْ دونِ أنْ يَشعُروا بالعارِ، بل أنْ يُمَجِّدوا اللهَ. وما أعنيه هو: مِنَ الواضح تمامًا أنَّهم سَيُواجهونَ أوقاتٍ عصيبة جدًّا. ونقرأ في الأصحاح 5 والعدد 1: "بَعْدَمَا تَأَلَّمْتُمْ يَسِيرًا ... إِلهُ كُلِّ نِعْمَةٍ ..."، إلخ، إلخ.

لِذا فإنَّ الرِّسالة تُقِرُّ بأنَّهم يُواجهونَ خوفًا وتهديدًا خطيرًا جدًّا. وَهُم قَلِقونَ بشأنِ ما إذا كانَ إيمانُهم سيَصمُد. وبُطرسُ يقولُ في العدد 5: "أنتُم مَحروسونَ ... أنتُم مَحروسونَ بِقُوَّةِ اللهِ بِإِيمَانٍ". وما أحاولُ أن أقولَهُ هو أنَّ الثَّباتَ لا يَتوقَّفُ على إيمانِكَ، بل على الإيمانِ الَّذي يأتي مِنْ عندِ اللهِ والذي يُعطيكَ إيَّاه كَهِبَة. فَهُوَ إيمانٌ خارِق للطَّبيعة.

والآن، نحنُ نَنظُرُ إلى عَناصرِ أوْ مُكَوِّناتِ هذهِ الحماية. واسمحوا لي أنْ أعودَ إلى الوراء، إلى ما قُلناه في المَرَّة السَّابقة. فأوَّلاً، نحنُ مَحروسونَ برجاءٍ حَيٍّ ... مَحروسونَ برجاءٍ حَيٍّ إذْ نَقرأُ في رسالة بطرس الأولى 1: 3 و 4: "مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي حَسَبَ رَحْمَتِهِ الْكَثِيرَةِ وَلَدَنَا ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مِنَ الأَمْوَاتِ، لِمِيرَاثٍ لاَ يَفْنَى وَلاَ يَتَدَنَّسُ وَلاَ يَضْمَحِلُّ [وَأنا أُحِبُّ الكلمات الَّتي تَلي ذلك:] مَحْفُوظٌ فِي السَّمَاوَاتِ لأَجْلِكُمْ".

فأنتُم تَمتلكونَ رَجاءً حَيًّا. وما هو هذا؟ إنَّهُ رَجاءٌ لا يَفنى. وهذه هي النُّقطة الجوهريَّة. فهو رَجاءٌ لا يَفنى. فهو لا يُمكن أنْ يَفنى يومًا. فنحنُ نقرأ في الرِّسالة إلى العِبرانيِّين 6: 19 أنَّ هذا الرَّجاءَ: "هُوَ لَنَا كَمِرْسَاةٍ لِلنَّفْسِ مُؤْتَمَنَةٍ وَثَابِتَةٍ". وما هو رجاؤنا؟ إنَّ رَجاءَنا هو السَّماء. فَرَجاؤُنا هو أنْ نَرى المسيح، وأنْ نَحصُلَ على مُكافأتِنا السَّماويَّة، وأنْ نَذهبَ إلى بيتِنا السَّماويِّ، وأنْ نَأخُذَ مِيراثَنا.

فهذا هو المُستقبَلُ بالنِّسبةِ إلينا، المُستقبلُ في الحياةِ الآخِرَة. وَهُوَ ميراثٌ يَصِفُهُ بُطرس بأنَّهُ لا يَفنى. وما أَعنيه هو: بِكَمْ طَريقة يُمكنُهُ أن يَقولَ ذلك؟ فهو لا يَفنى، ولا يَتَدَنَّس، ولا يَفسَد، ولا يَضمَحِلّ، ولا يَزول، ومَحفوظٌ. فَهُوَ في الحقيقة مَحفوظٌ لأجلِكُم فِي السَّمَاوَات. وبالمُناسبة، فإنَّ السَّماءَ هي أكثرُ مَكانٍ آمِن لِوَضعِ أيِّ شيء. لِذا فإنَّنا نَقرأُ في الرِّسالة إلى العِبرانيِّين والأصحاح 6 إنَّ رَئيسَ كَهَنَتِنا العظيم (الرَّبَّ يسوعَ المسيح) دَخَلَ بِنَفسِهِ إلى السَّماء. فقد دَخَلَ إلى السَّماء. ثُمَّ استمعوا إلى هذه الكلمات: فهذا الرَّجاءُ [كما قَرأتُ قبلَ قليل] "هُوَ لَنَا كَمِرْسَاةٍ لِلنَّفْسِ مُؤْتَمَنَةٍ وَثَابِتَةٍ، تَدْخُلُ إِلَى مَا دَاخِلَ الْحِجَابِ، حَيْثُ دَخَلَ يَسُوعُ كَسَابِق لأَجْلِنَا".

فقد دَخَلَ يسوعُ السَّماءَ ورَسَّخَ لنا هُناكَ رَجاءَنا الأبديَّ. وهذا الرَّجاءُ مُؤتَمَنٌ وثابتٌ في أكثرِ مَكانٍ آمِن وَهُوَ: السَّماء. وهذا يُذَكِّرُني بما جاءَ في إنجيل مَتَّى 6: 19-21 إذْ نَقرأ: "اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا فِي السَّمَاءِ، حَيْثُ لاَ يُفْسِدُ سُوسٌ وَلاَ صَدَأٌ، وَحَيْثُ لاَ يَنْقُبُ سَارِقُونَ وَلاَ يَسْرِقُونَ". فهي أكثرُ مَكانٍ آمِنٍ.

ونقرأ في سِفْر الرُّؤيا 21: 27: "وَلَنْ يَدْخُلَهَا شَيْءٌ دَنِسٌ وَلاَ مَا يَصْنَعُ رَجِسًا وَكَذِبًا". فلا يُمكن لِلُّصوصِ أنْ يَدخُلوا إلى هُناكَ وأنْ يَسرِقوا مِيراثَكُم. ونَقرأ في الأصحاح 22 والعدد 14: "طُوبَى لِلَّذِينَ يَصْنَعُونَ وَصَايَاهُ لِكَيْ يَكُونَ سُلْطَانُهُمْ عَلَى شَجَرَةِ الْحَيَاةِ، وَيَدْخُلُوا مِنَ الأَبْوَابِ إِلَى الْمَدِينَةِ، لأَنَّ خَارِجًا الْكِلاَبَ وَالسَّحَرَةَ وَالزُّنَاةَ وَالْقَتَلَةَ وَعَبَدَةَ الأَوْثَانِ، وَكُلَّ مَنْ يُحِبُّ وَيَصْنَعُ كَذِبًا". فهي أكثرُ مَكانٍ آمِنٍ يُمكنكَ أنْ تَضَعَ فيهِ أيَّ شيءٍ لأنَّ المَفدِيِّينَ والأبرارَ هُمُ الوحيدونَ الموجودونَ هناك. وما هو موجودٌ في السَّماءِ مَختوم.

ارِجعوا قليلاً إلى رسالة أفسُس والأصحاح الأوَّل. ففي رسالة أفسُس والأصحاح الأوَّل، نَجِدُ هذه الكلماتِ الرَّائعة المذكورة في الأعداد مِن 3 إلى 14. فالآياتُ مِن 3 إلى 14 (بِحَسَبِ رأيِ أغلبيَّةِ مُفَسِّري الكتابِ المقدَّس) هي جُملة واحدة. وهذا يَعني أنَّ بولسَ كانَ مُتَحَمِّسًا جدًّا هُنا. فَهُوَ لا يَضَعُ أيَّ نُقطة هُنا، بل إنَّ الجُملة تَستمرُّ وَحَسْب. ولكِنَّ الجُملة تَبتدئ هكذا: "مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ" – بِكُلِّ بَرَكة رُوحيَّة. بِكُلِّ بَرَكة رُوحيَّة. وما هي هذهِ البَرَكات؟ أنَّهُ "اخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ". والآن، افهَموا الآتي مِنْ فَضلِكُم: فقدِ "اخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأسِيسِ الْعَالَمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ".

فقبلَ حَتَّى أنْ يَبتدئَ العالَم، وقبلَ أنْ يُوجَدَ الزَّمن، اختارَنا اللهُ لِنكونَ هُناكَ (في النِّهاية) مَعَهُ في المَجد. لِذا فإنَّهُ سَيَحرِصُ على أنْ يَأخُذَنا إلى هناك. "إِذْ سَبَقَ فَعَيَّنَنَا لِلتَّبَنِّي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لِنَفْسِهِ، حَسَبَ مَسَرَّةِ مَشِيئَتِهِ، لِمَدْحِ مَجْدِ نِعْمَتِهِ". فقد سَبَقَ فَعَيَّنَنا للتَّبَنِّي. فقد كانَ هذا هو قَصدُه. وقد كانت هذه هي مَشيئَتُه. وقد فَعَلَ ذلكَ لِمَدْحِ مَجْدِ نِعمَتِه. إذًا، فقد سَبَقَ فَعَيَّنَنا مِنَ الأزلِ السَّحيق لكي يأتي بِنا إلى المَجد. فقد سَبَقَ وَعَيَّنَ ذلك.

إذًا، فقد أَنْعَمَ بِهَذِهِ النِّعمةِ "عَلَيْنَا فِي الْمَحْبُوبِ، الَّذِي فِيهِ لَنَا الْفِدَاءُ بِدَمِهِ، غُفْرَانُ الْخَطَايَا، حَسَبَ غِنَى نِعْمَتِهِ، الَّتِي أَجْزَلَهَا لَنَا بِكُلِّ حِكْمَةٍ وَفِطْنَةٍ، إِذْ عَرَّفَنَا بِسِرِّ مَشِيئَتِهِ، حَسَبَ مَسَرَّتِهِ الَّتِي قَصَدَهَا فِي نَفْسِهِ". ثُمَّ نَقرأ في العدد 11: "الَّذِي فِيهِ أَيْضًا نِلْنَا نَصِيبًا". فقد نِلنا نَصيبًا مُعَيَّنِينَ سَابِقًا حَسَبَ قَصْدِهِ. فالحديثُ هُنا هو عن مِيراثٍ مُعَيَّنٍ سابقًا قبلَ بَدْءِ الزَّمن. فَمَصيرُنا الأبديُّ كانَ مَحسومًا، ومَختومًا، ومُسَلَّمًا قبلَ حَتَّى أنْ يُخلَقَ العالَم.

وقد حَدَثَ كُلُّ ذلك (كما جاءَ في العدد 11) حَسَبَ قَصْدِهِ إذْ هُوَ يَعملُ كُلَّ شيءٍ حَسَبَ رَأْيِ مَشِيئَتِهِ. والهَدَفُ مِن ذلكَ هُوَ أنْ نَكُونَ نَحْنُ الَّذِينَ قَدْ سَبَقَ رَجَاؤُنَا فِي الْمَسِيحِ لِمَدْحِ مَجْدِهِ. "الَّذِي فِيهِ أَيْضًا أَنْتُمْ، إِذْ سَمِعْتُمْ كَلِمَةَ الْحَقِّ، إِنْجِيلَ خَلاَصِكُمُ، الَّذِي فِيهِ أَيْضًا إِذْ آمَنْتُمْ..." ثُمَّ اسمَعوا ما يَقول: "الَّذِي فِيهِ أَيْضًا إِذْ آمَنْتُمْ..." [ما هي الكلمة الَّتي تَلي ذلك؟] "خُتِمْتُمْ بِرُوحِ الْمَوْعِدِ الْقُدُّوس".

والآن، يُمكنكُم أنْ تُسَمُّوا الرُّوحَ القُدُسَ بأسماءٍ كثيرة. ولكِنْ عندما تُسَمِّي الرُّوحَ القُدُسَ: "رُوْح المَوْعِد القُدُّوس" فإنَّكَ تَعني بذلكَ أنَّ الرُّوحَ القُدُسَ يأتي لِيَضمَنَ شيئًا ما في المُستقبَل ... شيئًا لم يَتحقَّق بعد. "الَّذِي فِيهِ خُتِمْتُمْ في اللَّحظةِ الَّتي آمَنتُم فيها فأُعطِيَ رُوحُ المَوْعِدِ القُدُّوسِ لَكُم عُرْبُونًا". وهذه تَرجمة للكلمة اليونانيَّة "أَرابُون" (arrabon)؛ أيْ: "دُفعة تَحتَ الحِساب". دُفعة تَحتَ الحِساب. وهي كلمة تُستخدَم أيضًا للإشارة إلى خَاتَم الخِطبة. "عُرْبونُ مِيراثِنا".

فقد أُعطيتُم الرُّوحَ القُدُسَ كَخَتْمٍ في اللَّحظة الَّتي آمَنتُم بها إذْ إنَّ اللهَ نَظَرَ إلى المُستقبَل وإلى "فِدَاءِ الْمُقْتَنَى، لِمَدْحِ مَجْدِهِ". وهذه العِبارة "لِمَدْحِ مَجْدِهِ" تَتَكَرَّرُ المَرَّة تِلوَ المَرَّة.

لِذا، يجب عليكم أنْ تَفهموا أنَّهُ مُنذُ اللَّحظة الَّتي آمَنتُم فيها، خُتِمْتُم وَنِلتُم مِيراثًا لا يَتغيَّر. فهذه هي الطَّريقة الَّتي خَطَّطَ اللهُ فيها هذا الأمرَ مُنذُ الأزَلِ السَّحيق. وهذا هو قَصدُهُ. وهذه هي مَشيئَتُه. وهذا هو بالضَّبط ما سَيَفعَلُه. فَمُنذُ اللَّحظةِ الَّتي آمنتُم فيها، خُتِمْتُم. والرُّوحُ أُعطِيَ لكم خَتْمًا.

انظروا إلى الأصحاح 4 مِنْ نفس الرِّسالة. رسالة أفسُس 4: 30: "وَلاَ تُحْزِنُوا رُوحَ اللهِ الْقُدُّوسَ الَّذِي بِهِ خُتِمْتُمْ لِيَوْمِ الْفِدَاءِ". فقد أُعطيتُم رَجاءً حَيًّا، يا أحبَّائي. رجاءً حَيًّا. وَهُوَ رجاءٌ لا يَفْنَى. وميراثٌ لا يَتغيَّر. وقد أُعطيتُم عُرْبونًا وضَمانةً مِنْ خلالِ سُكنى رُوْحِ المَوعِدِ القُدُّوس الَّذي يَخْتِمُكُم إلى ذلكَ اليوم. لذا فإنَّكُم مَحميُّونَ بقوَّةِ اللهِ مِنْ خلالِ رَجاءٍ حَيٍّ.

ثانيًا، نَحنُ مَحروسونَ بِقُوَّةِ اللهِ الذَّاتيَّة. وأودُّ أنْ أتوسَّعَ في هذه الفِكرة الَّتي عَلَّقتُ عليها للتَّوّ. فقد قُلنا (ببساطة) في المرَّة السَّابقة إنَّ القَصْدَ مِنَ العِبارةِ المذكورة في العدد 5 "أَنْتُمُ الَّذِينَ بِقُوَّةِ اللهِ مَحْرُوسُونَ" هو أنْ نَتذكَّر أنَّنا مَحروسونَ بأعظم قوَّة موجودة. فنحنُ مَحروسونَ بقوَّةِ اللهِ "بِإِيمَانٍ، لِخَلاَصٍ مُسْتَعَدٍّ أَنْ يُعْلَنَ فِي الزَّمَانِ الأَخِير". فنحنُ مَحروسونَ بقوَّةِ اللهِ إلى أنْ يَحينَ وقتُ ذلكَ الخلاص الَّذي هو مُستَعَدٌّ الآن. والكلمة تَعني "جاهِز" أو "مُتَأهِّب" أو "حاضِر" أو "مُكتَمِل". أيْ إلى أنْ يُسَلَّمَ تمامًا في الزَّمانِ الأخير عندما نَرى المَسيحَ في مَجدِه. وهذا يُشبِهُ ما جاءَ في رسالة فيلبِّي 1: 6: "وَاثِقًا بِهذَا عَيْنِهِ أَنَّ الَّذِي ابْتَدَأَ فِيكُمْ عَمَلاً صَالِحًا يُكَمِّلُ إِلَى يَوْمِ يَسُوعَ الْمَسِيح". ويومُ يَسوعَ المسيح هو يومُ الفداءِ، أوِ اليومُ الَّذي سَنرى فيهِ المسيحَ ونَدخُلُ إلى المجدِ الأبديّ. وَهُوَ اليومُ الَّذي قَصَدَهُ يُوحَنَّا في رسالة يوحنَّا الأولى 3: 2 بِقولِهِ: "أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، الآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ اللهِ، وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ".

كذلك، في رسالة تيموثاوس الثَّانية، لا يُمكنُنا أنْ نُفَوِّتَ هذهِ الآية (4: 7): "قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الإِيمَانَ، وَأَخِيرًا قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ الْبِرِّ، الَّذِي يَهَبُهُ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، الرَّبُّ الدَّيَّانُ الْعَادِلُ، وَلَيْسَ لِي فَقَطْ، بَلْ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ ظُهُورَهُ أَيْضًا". فنحنُ مَختومونَ إلى أنْ يَصيرَ ذلكَ الخَلاَصُ المُسْتَعَدُّ أَنْ يُعْلَنَ فِي الزَّمَانِ الأَخِير لنا. ونحنُ مَحروسونَ لَهُ بالقوَّةِ الإلهيَّة؛ أيْ بِقُوَّةِ اللهِ نَفسِهِ. وهذا يَقودُنا في أذهانِنا إلى مَقطعٍ مُهِمٍّ جدًّا. افتحوا على رسالة رُومية والأصحاح 8.

وهُنا في هذا المقطَع (الَّذي رُبَّما هو أَعظمُ مَقطعٍ عن مُثابرة القِدِّيسين) نَرى وَحَسْب كيفَ هي قُدرةُ اللهِ. رُومية 8: 38 و 39: "فَإِنِّي مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لاَ مَوْتَ وَلاَ حَيَاةَ، وَلاَ مَلاَئِكَةَ وَلاَ رُؤَسَاءَ وَلاَ قُوَّاتِ، وَلاَ أُمُورَ حَاضِرَةً وَلاَ مُسْتَقْبَلَةً، وَلاَ عُلْوَ وَلاَ عُمْقَ، وَلاَ خَلِيقَةَ أُخْرَى، تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا". فلا توجد أيُّ قُوَّة يُمكن أنْ تَهزِم قُوَّةَ اللهِ ومحبَّتَهُ لِخاصَّتِه. لِذا، فقد كانت هذهِ مُراجَعَة. فنحنُ مَحروسونَ مِن خلالِ رَجاءٍ حَيٍّ، ومِنْ خلالِ قُوَّةِ اللهِ.

ثالثًا (وهذه نُقطة مُهِمَّة جدًّا بالنِّسبة إلينا): فنحنُ مَحروسونَ بالرَّجاء، ومَحروسونَ بالقوَّة، ومَحروسونَ بالتَّجارب. فنحنُ مَحروسونَ بالتَّجارب. وقد تبدو هذهِ النُّقطة مُعارِضَة للحَدْس ومُنافِيَة للمَنطِق للوَهلة الأولى، ولكنِّي أريدُ أن أُريكم مَدى أهميَّة ذلك. فإنْ لم تَفهموا شيئًا سوى هذه النُّقطة، سَتَفهمونَ لُبَّ وَجَوهرَ هذا الحَقِّ المُعلَن هُنا. انظروا إلى العدد 6: "الَّذِي بِهِ تَبْتَهِجُونَ".

بِكُلِّ تأكيد! فَمِنَ المؤكَّدِ أنَّنا نَبتهجُ لأنَّنا مَحروسونَ بقوَّةِ اللهِ، ومَحروسونَ برجاءٍ حَيٍّ. فنحنُ نَبتَهِجُ بذلك. فنحنُ نَبتهِجُ "مَعَ أَنَّكُمُ الآنَ إِنْ كَانَ يَجِبُ تُحْزَنُونَ يَسِيرًا..." [أيْ إنْ قَرَّرَ اللهُ أنَّ هذا ضَروريّ] "تُحزَنونَ بِتَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ". والآن، تَوقَّفوا هُنا قليلاً.

"الَّذي بِهِ تَبتَهِجونَ، مَعَ أَنَّكُمُ الآنَ إِنْ كَانَ يَجِبُ تُحْزَنُونَ يَسِيرًا بِتَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ". والتَّجاربُ مُختلفة في حياةِ كُلِّ شخصٍ لأنَّ الضَّروراتِ الرُّوحيَّةَ مُختلفة لكُلِّ شخص. فنحنُ جميعًا قَطَعْنا أشواطًا مُختلفة في دَرْبِ النُّمُوِّ الرُّوحِيِّ. والرَّبُّ يَفعلُ أمورًا مُختلفة في حياتِنا. لذا فإنَّنا نَحصُل على تَجارب بحسب الضَّرورة الَّتي يَرى اللهُ أنَّهُ ينبغي أنْ نَحصُل عليها، ونحنُ نَبتَهِجُ بهذهِ التَّجارب.

فَعِوَضًا عن أنْ يَنظرَ هؤلاءِ النَّاسُ إلى احتماليَّة اعتقالِهم، وَوَضْعِهِم في السِّجْن، وتَعذيبهم أو استشهادِهم، وَعِوَضًا عن أنْ يَخافوا مِنْ أنْ يَسقُطَ إيمانُهم، فإنَّهُ يَقول: "ينبغي أنْ تَبتهجوا في هذهِ التَّجارب القاسية". وفي العدد 7، إليكُم السَّبب: "لِكَيْ تَكُونَ تَزْكِيَةُ إِيمَانِكُمْ، وَهِيَ أَثْمَنُ مِنَ الذَّهَبِ الْفَانِي، مَعَ أَنَّهُ يُمْتَحَنُ بِالنَّارِ، تُوجَدُ لِلْمَدْحِ وَالْكَرَامَةِ وَالْمَجْدِ عِنْدَ اسْتِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيح".

والآن، انظروا فقط إلى الجُزءِ الأوَّل مِنْ تلكَ الآية. فهذا هو البُرهانُ على إيمانِكُم. فنحنُ مَحروسونَ بالتَّجارب. فاللهُ يَحفَظُ إيمانَنا. ويُمكنكم أنْ تَفهموا ذلكَ بالطَّريقة التَّالية: إنَّ اللهَ يَحفظُ إيمانَنا لا مِنْ خِلالِ إبعادِهِ عَنِ التَّجارِب، ولا مِن خلالِ التَّيَقُّنِ مِنْ أَنَّنا لن نُجَرَّب. فاللهُ لا يَحمينا، ولا يُمْسِكَنا، ولا يُساعِدُنا على التَّمَسُّكِ دائمًا والتَّشَبُّثِ بإيمانِنا مِنْ خِلالِ جَعْلِ الحياة سَهلة. بل إنَّهُ يَفعلُ العَكسَ. فاللهُ يَحفظُ إيمانَنا الحقيقيَّ مِنْ خِلالِ السَّماحِ لَهُ بأنْ يَجتازَ في أوقاتٍ صَعبة. فهو يَحفظُ إيمانَنا مِنْ خلالِ التَّجارب.

فأنتَ تَمُرُّ بتجربة وتَجتازُ التَّجربة وأنْتَ مُتَّكِلٌ على الله. وأنتَ تقول: "هذا الإيمانُ حَقيقيّ". والكلمة "تَبتهجونَ" قد تُفاجِئكم. فكما تَعلمونَ، فإنَّنا نَفهمُ الأمرَ بالعكس. وبالطَّبع، نحنُ لا نَحصُل على أيِّ مُساعدة مِنْ هؤلاءِ الوُعَّاظِ الَّذينَ يُنادونَ بإنجيلِ الرَّخاءِ المَزعوم في كُلِّ مكان ويُعطونَ النَّاسَ رَجاءً زائفًا، ويَقولونَ لهم أكاذيب، ويُنادونَ بالرَّخاءِ عِوَضًا عنِ الألمِ والتَّجارب.

لذا فإنَّ العبارة "تَبْتَهِجُونَ في التَّجارب" قد تَسترعي انتباهَكُم وَتُدهِشُكم. ولكِن تَذَكَّروا أنَّ هؤلاءِ النَّاسَ كانوا يُواجهونَ اضطهادًا يُهَدِّدُ حياتَهم. فالخوفُ رَدُّ فِعْلٍ بَشَرِيّ. وبُطرس يقول: "إنَّكُم تَبتهجونَ". لماذا؟ أنتُم تَبتهجونَ لأنَّ هذهِ التَّجارب تُبَرهِن على نَوعِ إيمانِكُم. فالإيمانُ البشريُّ سيَختفي.

ونحنُ نَعلمُ ذلكَ إنْ رَجَعْتُم إلى مَثَلِ الزَّارع. فقد سَقَطَ بَعْضٌ مِنَ البُذورِ [إنْ كُنتُم تَذكرونَ] عَلَى الأَمَاكِنِ الْمُحْجِرَةِ، حَيْثُ لَمْ تَكُنْ لَهُ تُرْبَةٌ كَثِيرَةٌ. أَتَذكرونَ ذلك؟ فهي أرضٌ صَخريَّة. فَنَبَتَ بعضَ الوقتِ. وعندما جاءَ الاضطهادُ، ماذا حدث؟ جَفَّ ومَات. فالتَّجربة هي دائمًا امتحانٌ لحقيقةِ الحياةِ الرُّوحيَّة. فهي دائمًا امتحان.

فالتَّجاربُ تُقَوِّي الإيمانَ وَتَكشِفُ الإيمانَ الحقيقيّ. انظروا إلى رسالة يعقوب والأصحاح الأوَّل. فرسالة يعقوب 1: 2 تَقولُ الشَّيءَ نَفسَهُ تقريبًا: "اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ". وأنا أعتقد أنَّ هناكَ شيئًا رائعًا في بُلوغِ العُمرِ الَّذي بَلَغتُهُ أنا. فالنَّاسُ يَسألونَني: "هل تَشُكُّ في خَلاصِك؟" فأحيانًا يَسألُني الشُّبَّانُ هذا السُّؤال. وحَتَّى إنَّ شخصًا سألني هذا السُّؤال في هذا الصَّباحِ قائلاً: "أنا أَشُكُّ في ما إذا كُنتُ مُؤمِنًا حقيقيًّا أَمْ لا. هل تَشُكُّ أنتَ أيضًا في ذلك؟" وجوابي الصَّريح هو: لا.

فعندما كُنتُ يافعًا جدًّا، كما تَعلمون، كانَ الشَّيطانُ يَغْمُرني بالشُّكوك. والحقيقة هي أنَّني لا أَشُكُّ في حقيقةِ إيماني المُخَلِّص لأنَّهُ صَمَدَ في وَجْهِ تَجارِب كثيرة جدًّا. وفي كُلِّ مَرَّة تَجتازُ فيها تَجربة فإنَّكَ تَرى طَبيعةَ إيمانِك. فالتَّجارب لا تُساعِد الله في مَعرفة نوعِ إيمانِك. فهو الَّذي أعطاكَ إيَّاه. وَهُوَ لا يَحتاجُ إلى معلوماتٍ عن إيمانِك. ولكِنْ: "اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ...حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًا. وَأَمَّا الصَّبْرُ فَلْيَكُنْ لَهُ عَمَلٌ تَامٌّ".

وما أعنيه هو: ما الشَّيء الأروع مِن ذلك؟ وما العطيَّة الأعظم مِنَ التَّمَتُّع بيقين الخلاص؟ فهل هناكَ ما هو أفضل مِن ذلك؟ فإنْ عِشتَ يومًا في الشُّكوكِ والمخاوفِ وكُلِّ ذلك، مِنَ الرَّائعِ أن تَعلمَ أنَّ إيمانَكَ حَقيقيّ. ومِنَ الرَّائعِ أن تَرى قُدرَتَهُ على النَّجاةِ في الكوارِث. والحقيقة هي أنَّني اكتشفتُ في حياتي الشَّخصيَّة أنَّهُ كُلَّما زادت قُوَّة التَّجربة، زادَ إيماني، وزادت ثِقَتي بالله.

ونَجِدُ في رسالة تيموثاوس الثانية نَصًّا آخَرَ يُساعِدُنا في فَهمِ ذلك. ففي رسالة تيموثاوس الثانية 1: 8، يَقولُ بولس: "اشْتَرِكْ فِي احْتِمَالِ الْمَشَقَّاتِ لأَجْلِ الإِنْجِيلِ بِحَسَبِ قُوَّةِ اللهِ". وفي العدد 9: "[الله] الَّذِي خَلَّصَنَا وَدَعَانَا دَعْوَةً مُقَدَّسَةً، لاَ بِمُقْتَضَى أَعْمَالِنَا، بَلْ بِمُقْتَضَى الْقَصْدِ وَالنِّعْمَةِ الَّتِي أُعْطِيَتْ لَنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ". فهنا نَجِدُ عقيدةَ الاختيار، وعقيدةَ التَّعيين السَّابق الَّتي هي أساسُ ضَمانِنا.

ولكِنَّهُ يقولُ في العدد 10: "وَإِنَّمَا أُظْهِرَتِ الآنَ بِظُهُورِ مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي أَبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ. الَّذِي جُعِلْتُ أَنَا لَهُ كَارِزًا وَرَسُولاً وَمُعَلِّمًا.... لِهذَا السَّبَبِ أَحْتَمِلُ هذِهِ الأُمُورَ أَيْضًا. لكِنَّنِي لَسْتُ أَخْجَلُ". فهو يَقولُ: "أنا أَنْجو بصورة مُذهلة. والحقيقة هي أنَّني أَرتفعُ إلى مُستوى الأحداث. فكُلَّما زادت شِدَّة التَّجربة، يبدو أنَّ شَهادَتي تَزدادُ تَألُّقًا. لذا فإنَّ بولسَ يَقولُ مِنْ واقِعِ خِبرَتِهِ الشَّخصيَّة في مُنتصفِ العدد 12: "لأَنَّنِي عَالِمٌ بِمَنْ آمَنْتُ".

وكيفَ تَعرِفُهُ؟ لأنَّهُ أَظهَرَ نَفسَهُ. فقد أَظهرَ نَفسَهُ في كُلِّ ضيقاتي، وفي كُلِّ تجاربي. وأنا عَالِمٌ بِمَنْ آمَنت. "لأنَّني عَالِمٌ بِمَنْ آمَنْتُ وَمُوقِنٌ أَنَّهُ قَادِرٌ أَنْ يَحْفَظَ وَدِيعَتِي إِلَى ذلِكَ الْيَوْم".

وما هو ذلكَ اليوم؟ يوم الفِداء، ويوم المسيح، واليوم الَّذي ستَرَونَهُ فيهِ وجهًا لوجه. فأنا عَالِمُ بِمَنْ آمَنت. وأنا عَالِمٌ أنَّني قد آمَنْتُ. وأنا عَالِمٌ أنَّهُ قادرٌ ("دوناتوس" – “dunatos”). فهو قَادرٌ أنْ يَحفظَ وَديعَتي. وبالمُناسبة، فإنَّ الكلمة المُستخدمة هنا هي "باراثيكي" (paratheke)، ومَعناها: "وَديعَة": أَنْ يَحْفَظَ وَدِيعَتِي؛ أيْ حياتي، وَنَفسي، وأبديَّتي. فأنا عَالِمٌ أنَّهُ قادرٌ أنْ يَحفَظَها. أنا عَالِمٌ أنَّهُ قادرٌ أنْ يَحفظَها مِن خِلالِ إيماني لأنَّهُ مهما كانت شِدَّة التَّجارب، فإنَّ إيماني لا يَسقُط أبدًا. فقد أعطاني إيمانًا يَستطيعُ أنْ يَصْمُدَ فيها بأسرِها. والإيمانُ الحقيقيُّ يَخرُج مِنَ التَّجاربِ أقوى مِنْ أيِّ وقتٍ مَضَى.

ولنَعُد إلى رُومية 8 مَرَّةً أخرى. فلا يُمكنكم أنْ تَبقوا بَعيدينَ عن ذلكَ الأصحاحِ الَّذي يَتحدَّثُ عن هذا الموضوع. ولكِنْ في رومية 8، يَقولُ بولس في العدد 35: "مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيح؟" فهل هناكَ أيُّ شيءٍ قد يَحدث ويَجعل المسيح يتوقَّف عن حُبِّهِ لنا؟ أو يُمكنكم أنْ تَعكِسوا الجُملة. فالجُملة تُقرأُ بالطَّريقَتَيْن في اللُّغة اليونانيَّة. فهل هُناكَ أيُّ شيءٍ قد يَحدث يَجعلُنا نتوقَّف عن حُبِّنا للمسيح؟ "أَشِدَّةٌ أَمْ ضِيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟" وقد تَظُنُّونَ أنَّهُ اختارَ هذهِ الكلماتِ عَشوائيًّا؟ ولكِنْ لا، بل إنَّها كَلمات تَصِفُ سِيرَتَهُ الذَّاتيَّة. فقد اختبرَ ذلكَ بنفسِه.

أَشِدَّة؟ لقد كانت هناكَ مؤامراتٌ يوميَّة تَستهدِفُ حَياتي. وكانَ هناكَ ضيق، وجُوع، وعُرْي، وبَرد، وأخطار في البحر، واضطهاد مُستمرّ، وجُوع غالبًا، وعُرْي كَسَجين، بجَلداتٍ بالسَّوْطِ والعِصِيِّ، بأخطارِ لُصوصٍ، بِأَخْطَارٍ مِنْ جِنْسِي، بِأَخْطَارٍ مِنَ الأُمَم. فهو يُعطي لائحة طويلة في رسالة كورِنثوس الثَّانية والأصحاح 11. وقد كانَ هناكَ خَطَرُ السَّيفِ الَّذي يُلَوَّحُ بِهِ في وَجهي. وأنا أقولُ لكم إنَّهُ بالرَّغمِ مِن ذلكَ كُلِّه، ومعَ أنَّنا "مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ النَّهَارِ. قَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْحِ [في العدد 37] وَلكِنَّنَا فِي هذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا". وَمِنْ هُنا جاءت كلمة "نايكي" (Nike). فالكلمة "نِيْكيه" (nike) تَعني "المُنْتَصِر". وكما تَرَونَ، فإنَّ هذا النَّوعَ مِنَ الإيمان الَّذي يُعطيهِ اللهُ يَرتَفِع فوقَ التَّجارب. فهو يَرتفع.

والآن، أنا لم أُضْطَهَد يومًا. فقد واجهتُ بعضَ البيئاتِ المُعادية جِدًّا. ويجب عليكَ أنْ تَضَعَ إيمانَكَ على المِحَكِّ في بعضِ البيئات. وقد وَجدتُ مُستوى مِنَ الطَّاقة، ومُستوى مِنَ التَّكريس، ومُستوى مِنَ الاقتناع، ومُستوى مِنَ الجُرأة في هذهِ البيئاتِ رُبَّما أكبر مِن غيرِها. وَهُنا يأتي عَمَلُ الرُّوحِ القُدُس حَتَّى تَصيرَ التَّجربة بالنِّسبةِ إليَّ تأكيدًا بأنَّ الإيمانَ (ليسَ إيماني الذَّاتيّ، بلِ الإيمان الَّذي يُعطيهِ اللهُ لي) هو الشَّيء الحَقيقيّ.

فالتَّجاربُ تَعْمَلُ (بالعودة إلى نَصِّنا) على التَّضييقِ علينا إلى حِيْن. وهي تَصيرُ كَالنَّارِ الَّتي تَحرِقُ الشَّوائِب. وهذا هو المَعنى المقصود. فالتَّجاربُ لا تَكشِفُ إيمانَكَ فَحَسْب، بل إنَّها تُنَقِّيهِ أيضًا. وما نَراهُ في رسالة بُطرس الأولى والأصحاح الأوَّل هو إيمانٌ أَثْمَنُ مِنَ الذَّهَبِ الْفَانِي، مَعَ أَنَّهُ يُمْتَحَنُ بِالنَّار. وعندما يُمتَحَنُ إيمانُكَ فإنَّهُ يَزدادُ نَقاوةً ويَصيرُ أكثرَ قيمةً. وأودُّ أنْ أقولَ لكم (فيما تَزالُ هذهِ الأفكارُ حَيَّة في أذهانِكُم): عِوَضًا عن أنْ تَطلبوا مِنَ اللهِ أنْ يَحميكُم مِنَ التَّجارب، اطلُبوا مِنهُ أنْ يَحرِصَ على السَّماحِ لكم باختبارِ كُلِّ تَجارب ضروريَّة لزيادة ثِقَتِكُم بأنَّ إيمانَكُم حَقيقيّ.

وأنا أُحِبُّ ما جاءَ في سِفْرِ أعمال الرُّسُل 5: 41: "وَأَمَّا هُمْ فَذَهَبُوا فَرِحِينَ مِنْ أَمَامِ الْمَجْمَعِ". فكما تَعلمونَ، فإنَّ مَجمعَ اليهودِ اسْتَدْعَى الرُّسُلَ وَجَلَدَهُم. فهذا هو ما فَعَلَهُ السِّنهدريم. وقد أَوْصَوْهُمْ أَنْ لاَ يَتَكَلَّمُوا بِاسْمِ يَسُوعَ". وهل تَعلمونَ ماذا فَعَلَ الرُّسُل؟ "وَأَمَّا هُمْ فَذَهَبُوا مِنْ أَمَامِ الْمَجْمَعِ فَرِحِينَ لأَنَّهُمْ حُسِبُوا مُسْتَأْهِلِينَ أَنْ يُهَانُوا مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ". فهل تَعلمونَ لماذا خَرَجوا مِنْ هُناكَ فَرِحينَ جدًّا؟ فبالرَّغمِ مِن أنَّهم كانوا يَنزفونَ، ومَرضوضينَ، ومَسحوقينَ، ومُحْرَجينَ، ومُهانينَ، فإنَّهم كانوا مُمتلئينَ فَرَحًا! لماذا؟ لأنَّهم عَلِموا أنَّهم يَملكونَ إيمانًا حقيقيًّا. فقد عَلِموا أنَّهم يَملكونَ الشَّيءَ الحقيقيّ. وكُلُّ ما فَعَلَهُ ذلكَ الاضطهاد هو أنَّهُ جَعَلَهُم أكثر جُرأةً. ونحنُ نَقرأُ في العدد 42 (وكَمْ أُحِبُّ هذهِ الكلمات): "وَكَانُوا لاَ يَزَالُونَ كُلَّ يَوْمٍ فِي الْهَيْكَلِ وَفِي الْبُيُوتِ مُعَلِّمِينَ وَمُبَشِّرِينَ بِيَسُوعَ الْمَسِيح". وهذا شيءٌ مُؤكَّد. فأقصى شيءٍ كانَ بمقدورِ المَجمعِ أنْ يَقومَ بِهِ ضِدَّهُم هو أنْ يَستدعيهم ويَجلِدَهُم مَرَّة أخرى. ولكِنَّ هذا كانَ سَيَزيدُ إيمانَهُم أكثر.

وَحَتَّى إنَّ يسوعَ المسيحَ نَفسَهُ تَقَوَّى مِنْ خلالِ الآلام. فنحنُ نَقرأُ في رسالة بُطرس الأولى: "الَّذِي إِذْ شُتِمَ لَمْ يَكُنْ يَشْتِمُ عِوَضًا، وَإِذْ تَأَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُهَدِّدُ بَلْ كَانَ يُسَلِّمُ لِمَنْ يَقْضِي بِعَدْل". وكاتِبُ الرِّسالة إلى العِبرانِيِّين يَقولُ إنَّهُ تَكَمَّلَ بالآلام.

لِذا فإنَّنا مَحروسون. فنحنُ مَحروسونَ لأنَّ اللهَ قد أعطانا رجاءً حَيًّا. هذا يعني أنَّهُ رَجاءٌ يُؤلِّفُ جُزءًا لا يَتَجَزَّأُ مِنْ إيمانِنا ولا يُمكن أنْ يَفْنى. فاللهُ أعطانا إيمانًا يَستَمِدُّ القُوَّةَ مِنَ القوَّة الإلهيَّة الَّتي لا يُمكن أنْ تَسقُط. فلا توجد قُوَّة مُساوية لها. واللهُ يَحمينا أيضًا مِن خلالِ إيمانٍ يُمْتَحَنُ ويُجَرَّب.

وهناكَ شيءٌ آخر هُنا ينبغي أنْ أَذكُرَهُ لكم في رسالة بطرس الأولى، وَهُوَ النُّقطة الرَّابعة في لائحتي الصَّغيرة: فنحنُ مُحروسونَ بِقَصْدٍ أبديّ. وقد تَحَدَّثنا كثيرًا عن ذلك. لذا، لا حاجةَ إلى أنْ أتكلَّمَ عن هذهِ النُّقطة بتفصيلٍ شديد. ولكِنَّنا مَحروسونَ بقصدٍ أبديّ. فنحنُ مَحروسونَ بِرجاءٍ حَيٍّ، وبقوَّة إلهيَّة، وبالتَّجارِبِ، وبقصدٍ أبديّ. انظروا إلى العدد 7:

فنحنُ نَسيرُ نَحْوَ تَزْكِيَةٍ (كما جاءَ في العدد 7) "تُوجَدُ لِلْمَدْحِ وَالْكَرَامَةِ وَالْمَجْدِ عِنْدَ اسْتِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيح". فإيمانُنا مُصَمَّمٌ لكي يَصمُدَ حَتَّى النِّهاية. وهذا وَعدٌ رائع. فنحنُ لدينا إيمانٌ مُفعمٌ بالرَّجاء. وإيمانٌ حَصينٌ مَحميٌّ بقوَّة إلهيَّة. وبقوَّة إيمان تَتَقَوى أكثر مِن خلالِ التَّجارِب. فنحنُ نَمتلكُ إيمانًا قويًّا ومُمَحَّصًا يَجِدُ تَحقيقَهُ في قَصدِ وخُطَّةِ اللهِ في اتِّحادٍ معَ الرَّبِّ يسوعَ المسيحِ عندَ استعلانِهِ. وفي ذلكَ الوقت، سنحصُلُ على المَدحِ والكرامةِ والمَجدِ مِنَ الله. وهذا يَقودُنا إلى السَّببِ الَّذي لأجلِهَ نِلنا الخَلاصَ في البداية. فنحنُ مُختارونَ لكي يأتي بنا اللهُ إلى مجدٍ أبديّ.

وأنتُم تَعلمونَ ما يُعَلِّمُهُ الكتابُ المقدَّسُ بهذا الخُصوص. فنحن سنكونُ مِثلَهُ. فسوفَ نَحصُلُ على جَسَدٍ يُشبِهُ جَسَدَهُ. وسوفَ يكونُ لدينا مَنزِلٌ سَماويّ. فَهُوَ يُعِدُّ مَكانًا لنا. ونحنُ مُجَرَّدُ سائِحينَ في هذا العالم. فنحنُ لسنا مُواطِنينَ هُنا. وخِفَّةُ ضيقَتِنا الوقتيَّة هذهِ الَّتي نُعاني مِنها لا تُقارَنُ بِثِقَلِ المَجدِ الأبديِّ الَّذي يَنتظرُنا عندَ ظُهورِهِ. ونحنُ نَتوقُ إلى فِداءِ أجسادِنا لأنَّنا نَعلمُ مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذينَ يُحِبُّونَهُ. وأنتُم تَعلمونَ كُلَّ هذهِ الآيات. فنحنُ في الأصل مُواطِنونَ سَماوِيُّون. وأبونا هُناكَ. ومَنزِلُنا هُناكَ. وحياتُنا هُناكَ. ووَعْدُ اللهِ هو أنْ يأتي بنا إلى مَجْدٍ أبديٍّ. وبالمُناسبة، لقد كانَ هذا هو وَعدُهُ لا عندما سَمِعْنا الإنجيلَ وآمَنَّا بِهِ، بل إنَّهُ وَعْدُهُ لنا مُنذُ الأزَلِ السَّحيق؛ أيْ قَبلَ وقتٍ طَويلٍ مِنْ خَلْقِنا أوْ خَلْقِ أيِّ شخصٍ آخر. فاللهُ عَيَّنَ سَابقًا آنذاكَ أنَّهُ سيأتي بنا إلى مَجدٍ أبديٍّ.

وهذا يعني أنَّكم لا تَفهمونَ الخلاصَ البَتَّة إنْ لم تكونوا تَفهمونَ أبعادَهُ الثَّلاثة. فهناكَ نُقطة آمَنتَ فيها. وهناكَ العَمليَّة الَّتي تُحْفَظُ مِنْ خِلالِها. وهُناكَ الخلاصُ النِّهائيُّ الَّذي تُمَجَّدُ فيه. وعندما عَيَّنَ اللهُ سابقًا أنْ يُخَلِّصَكَ، عَيَّنَ حُدوثَ هذهِ الأمور الثَّلاثة جميعًا، وليسَ جُزءًا مِنها فقط. لِذا فإنَّ بولسَ يَقولُ في رسالة رُومية 8: 18: "فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلاَمَ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا". فأيًّا كانَ الألمُ الَّذي نُقاسيهِ هُنا، فإنَّنا نَفرحُ لأنَّهُ يُرينا أنَّنا نَملِكُ إيمانًا حقيقيًّا، ويُقَوِّي ذلكَ الإيمان. ولا يوجد ألم يُمكن أنْ يُقارَن بالمجدِ الَّذي عَيَّنَهُ اللهُ سابقًا لنا.

لِذا فإنَّنا مَحروسونَ برجاءٍ حَيٍّ، وبقوَّة إلهيَّة، وبالتَّجارب، وبالوعدِ بالمجدِ الأبديّ. وهل يُمكنُني أنْ أَذكُرَ لكم نُقطةً أخرى، وهي النُّقطة الخامسة؟ نحنُ مَحروسونَ بمحبَّة لا تَموت. نحنُ مَحروسونَ بمحبَّة لا تَموت. فنحنُ نَقرأُ في العدد 8: "الَّذِي وَإِنْ لَمْ تَرَوْهُ تُحِبُّونَهُ". الَّذِي وَإِنْ لَمْ تَرَوْهُ تُحِبُّونَهُ. فهذه هي الخُلاصة. فنحنُ نُحِبُّ يسوعَ المسيح. "إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُحِبُّ الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ [في رسالة كورِنثوس الأولى 16: 22] فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا!" وهذه جُملة رائعة عن طبيعةِ الخَلاصِ الحَقيقيّ. فهو خَلاصٌ يَتَّسِمُ لا فقط بالإيمانِ بالمسيح، وبالإيمانِ بِهِ، بل أيضًا بِمَحَبَّتِنا لَهُ.

ورُبَّما سَمِعتُم شخصًا في المعموديَّة يقول: "لأنِّي كُنْتُ أُوْمِنُ بالحقائق، افتَرَضْتُ أنَّني مَسيحيٌّ". ولكِنَّكَ قد تُؤمِنُ بالحقائق مِن دونِ أن تَكونَ مُخَلَّصًا. فإبليسُ يُؤمِنُ بالحقائق. والشَّياطينُ تُؤمِنُ بالحقائق. فَهُمْ يَعلمونَ أنَّها الحقيقة. ولكِنَّ المسألة هُنا تَختصُّ بمحبَّتِنا للرَّبِّ يسوعَ المسيح. "إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي فَاحْفَظُوا [ماذا؟] وَصَايَايَ". إنْ كُنتمُ تُحِبُّونَني فإنَّكم سَتَطلبونَ مَجدي وَكَرامَتي". "الَّذِي وَإِنْ لَمْ تَرَوْهُ تُحِبُّونَهُ".

وإنْ أردتُم أن تُعَرِّفوا المسيحيَّة بِمَعناها الصِّرْف، يجب عليكم أنْ تَستخدِموا الكلمة "مَحَبَّة". فيمكنكم أنْ تتحدَّثوا عنِ الإيمانِ بالمسيح، ولكِنَّكم لن تُصيبوا الهَدَفَ لأنَّ أُناسًا كثيرينَ جدًّا يَقولونَ إنَّهُم يُؤمنونَ بيسوعَ المسيح. والحقيقة هي أنَّني قَرأتُ مَقالةً سَخيفةً اليوم قالَ فيها أحدُ الأشخاصِ إنَّ هناكَ ثلاثة مليارات مسيحيّ في العالَم. صحيحٌ أنَّهُ رُبَّما كانَ هناكَ ثلاثة مليارات شخص يُؤمنونَ بيسوع، ولكنِّي على يَقينٍ بأنَّهُ لا يوجد هذا العَدَد مِنَ الأشخاصِ الَّذينَ يُحِبُّونَهُ؛ أيِ الَّذينَ يُحِبُّونَهُ مَحَبَّة مُضَحِّية، والَّذينَ يُحبونَهُ تمامًا، والَّذين يُحِبونه بطاعة، والَّذين يُحبُّونَهُ بعبادة، والَّذين يُحبونهُ بِبِرّ. "الَّذِي وَإِنْ لَمْ تَرَوْهُ تُحِبُّونَهُ [في العدد 8] ذلِكَ وَإِنْ كُنْتُمْ لاَ تَرَوْنَهُ الآنَ لكِنْ تُؤْمِنُونَ بِهِ، فَتَبْتَهِجُونَ بِفَرَحٍ لاَ يُنْطَقُ بِهِ وَمَجِيدٍ".

فَيُمكنُكم أنْ تُمَيِّزوا المؤمنينَ الحقيقيِّينَ لأنهم يُحبُّونَ المسيحَ محبَّة فائقة تَفيضُ فَرَحًا. فهي تَفيضُ فَرَحًا. فهل تَعلمونَ أنَّ الدِّيانةَ الوحيدَةَ في العالمِ الَّتي تُغَنِّي هي المسيحيَّة؟ هل تَعلمونَ ذلك؟ فهناكَ ديانات أُخرى تُغَنِّي بألحان بسيطة تُشبِهُ أغاني الرَّاب (rap) غير الكِتابيَّة. وهل تَعلمونَ شيئًا؟ إنَّ المسيحيَّة الحقيقيَّة تُغَنِّي ألحانًا حقيقيَّة. فنحنُ نُغَنِّي. ولماذا نُرَنِّم؟ نحنُ نُرَنِّمُ لأنَّنا مُمتلئونَ فَرَحًا. وَعَنْ مَنْ نُرَنِّم؟ نحنُ نُرَنِّمُ عنِ المسيح.

وأنا أُحِبُّ جَوْقاتِ التَّسبيح، ولكِنِّي أعتقد أنَّ تِسعينَ بالمِئة مِنْ جَوْقاتِ التَّسبيح تُرَتِّلُ تراتيلَ مِنَ العهدِ القديم. ولكنِّي أُحِبُّ أنْ أُرَنِّمَ عن يسوعَ المسيح. فَمَعَ أنَّني لا أُمَانِعُ في أنْ أُرَتِّلَ تَراتيلَ مِنَ العهدِ القديم، فإنَّني أُحِبُّ أنْ أَصِلَ إلى الجُزءِ الجَيِّد وَهُوَ: المسيح. فنحنُ نُحبُّهُ. وماذا قالَ يسوعُ لبُطرس في إنجيل يوحنَّا والأصحاح 21 عندما أرادَ أنْ يَسترِدَّهُ؟ لقد قالَ لَهُ عندَ بحرِ الجليل: "يَا بُطرُس، هل [ماذا؟] تُحِبُّني؟" فهذه هي الطريقة الَّتي عَرَّفَ فيها عَلاقَتَهُ بِهِ: "أَتُحِبُّني؟" وقد قالَ بُطرس: "أنا أُحِبُّكَ". فقالَ لَهُ: "إذًا، افعل ما أَقوُلهُ لَكَ. ارْعَ خِرَافِي".

ثُمَّ قَالَ لَهُ أَيْضًا ثَانِيَةً: "أَتُحِبُّنِي؟" قَالَ لَهُ بُطرس: "نَعَمْ، أنا أُحِبُّكَ". قَالَ لَهُ: "ارْعَ غَنَمِي". ثُمَّ قَالَ لَهُ ثَالِثَةً: "يَا بُطرس، أَتُحِبُّنِي؟" والسَّبَبُ في أنَّهُ سألَهُ ثلاثَ مَرَّاتٍ، بِكُلِّ تأكيد، هو أنَّ بُطرسَ أَنكَرَهُ ثَلاثَ مَرَّات. فقد كان الرَّبُّ يَعلمُ أنَّ بُطرسَ يَعلمُ أنَّ المحبَّة تَظهرُ مِن خِلالِ الطَّاعة. وقد قالَ لَهُ مَرَّة ثالثة: "يا بُطرس، أَتُحِبُّني؟" وقد كانَ بُطرسُ يَعلمُ أنَّهُ لا يَستطيعُ أنْ يَتَّكِلَ على طَاعَتِهِ لأنَّهُ لم تَكُن هناكَ طَاعة. لِذا فإنَّني أُحِبُّ ما قالَهُ. فقد قال: "يَا رَبُّ، أَنْتَ تَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ. أَنْتَ تَعْرِفُ أَنِّي أُحِبُّكَ". وَكَمْ أُحِبُّ ذلك! فقد قالَ لَهُ: "أنتَ كُلِّيُّ العِلْمِ. وأنتَ تَعلمُ ما في قلبي. وأنتَ تَعلمُ أنِّي أُحِبُّكَ". "ارْعَ غَنَمِي".

فهو يَعلمُ إنْ كُنَّا نُحِبُّهُ. ونحنُ نَقرأُ في رسالة يوحنَّا الأولى 4: 19: "نَحْنُ نُحِبُّهُ لأَنَّهُ؟ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلاً". فأنتُم تَعلمونَ أنَّ العلاقة البشريَّة الحقيقيَّة تَتطلَّب مَحَبَّةً وثِقَةً. مَحَبَّةً وثِقة. وكذلكَ هي حالُ العلاقةِ بالمسيح. فهكذا تُحَدَّدُ هذهِ العلاقة. ولا يوجد شيء اسمُهُ "مَسيحيّ" لا يُحِبُّ المسيح. فَطَوالَ حَياتِكَ في الإيمان، أنتَ تَنمو في مَحَبَّتِكَ للمسيح. وأنتَ تَنمو في عَاطِفَتِكَ تُجاهَهُ.

لِذا فإنَّ الرَّسولَ بولسَ يَقول: "لأَعرِفَهُ". لأنَّهُ كُلَّما أَحببتَ شخصًا ما، زادَت رَغبتُكَ في مَعرفَتِه. وقد كانَ بُطرسُ يَعلمُ أنَّهُ كانَ مَحبوبًا. وَعودة إلى رسالة رومية والأصحاح 8، لقد كانَ يَعلمُ أنَّهُ لا يوجد شيء يُمكن أنْ يَفصِلَهُ عن محبَّة المسيح لَهُ. ولكِنَّهُ كانَ يَعلم أيضًا أنَّهُ لا يوجد شيء يَقدِر أنْ يَفصِلَهُ عن محبَّتِهِ هو للمسيح. وما أعنيه هو: أليسَت هذه هي الفِكرة الجوهريَّة؟ فيمكنكَ أنْ تَفعلَ بي ما تَشاء. فيمكنكَ أنْ تُجيزَني في ألم، وفي ضيق، وفي اضطهاد، وفي عُرْي، وفي جُوع وَسَيف؛ ولكِن لا يوجد شيء يُمكن أنْ يُغَيِّرَ مَحَبَّتي للمسيح. لا شيء. فأنا أُحِبُّهُ بالمحبَّة الَّتي أعطاني هو إيَّاها إذْ نَقرأُ في رسالة رُومية 5: 5: "لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا". فهي هِبَة مِنَ الله؛ تمامًا مِثلَ الإيمان. فقد أُعطيتُم إيمانًا خارقًا للطبيعة. وقد أُعطيتُم محبَّة خارقة للطبيعة لا يُمكن أن تَتغيَّر.

لِذا، إنَّهُ ذلكَ الحُبُّ الَّذي لا يموتُ الَّذي يُمْسِكُ بنا. وهو عُنصرٌ مِن عَناصِرِ إيمانِنا. لذا فإنَّنا مَحروسونَ بإيمانٍ (في العدد 5). والآن، نَنتقل إلى العدد 9 لنَرى النُّقطة الأخيرة. فما هي الغَايَة؟ "نَائِلِينَ..." استمعوا إلى هذهِ الكلمات: "غَايَةَ" [ماذا؟] "إِيمَانِكُمْ خَلاَصَ النُّفُوسِ". لِذا فإنَّنا نَقولُ الآتي أيُّها الأحبَّاء: إنَّ هذه العقيدة ينبغي أنْ تُسَمَّى "مُثَابرة القِدِّيسين" أو الأفضل مِن ذلك: "مُثَابرة الإيمان".

فقد أُعطيتُم إيمانًا لا يَفْنَى. وقد أُعطيتُم إيمانًا مَحميًّا بقوَّةِ اللهِ، وإيمانًا يَتَّسِمُ برَجاءٍ لا يَموت، وإيمانٍ ثَابتٍ بقوَّةِ اللهِ الَّتي لا يُمكِن أنْ تُهْزَم، وبإيمانٍ مُمَحَّصٍ ومُختَبَرٍ ومُعَزَّز بالتَّجارِب. وبإيمانٍ مُصَمَّمٍ لتحقيقِ مَجدٍ أبديٍّ وُعِدَ بِهِ قبلَ تأسيسِ العالَم. وإيمانٍ يَتَّصِفُ بمَحَبَّةٍ لا تَموت للمسيح. وغايةُ ذلكَ الإيمان هي أنْ تَحصُلوا على الخلاصِ النِهائيِّ لِنُفوسِكُم.

وببساطة، يا أحبَّائي: ليسَ هُناكَ مَفَرٌّ مِنْ هذهِ الحقيقة. لا مَفَرّ. فَغايةُ هذا الإيمان المُخَلِّص هي خَلاصكُم النِّهائيّ. فالخلاصُ الحاليُّ الَّذي تَختبرونَهُ الآن نَاجِمٌ عن هذا الإيمان. والخلاصُ المَبدئيُّ كانَ نَاجمًا عن هذا الإيمان. والخلاصُ النِّهائيُّ سيكونُ مِنْ نَصيبِكُم بسببِ هذا الإيمان لأنَّ هذا الإيمانَ سَيَصمُد ويَثبُتْ حَتَّى النِّهاية. فهذه هي طبيعةُ هذا الإيمان. فهو عَطِيَّة أبديَّة مِنَ الله.

وإنْ فَكَّرتَ [لو مُجَرَّدَ تَفكير] في احتماليَّة أنْ تَفقِدَ خَلاصَكَ، تَكونُ قد شَوَّهتَ نِعمةَ اللهِ، وَشَوَّهتَ طَبيعةَ الإيمان، وعَطَيَّةَ مَحَبَّتِه، وعَمَلِ رُوحِه. وَهُوَ تَشويهٌ لقُدرَتِهِ وقَصدِه. وَهُوَ تَشويهٌ للمَشورة الأزليَّة في حياةِ مُختاريه. أجل، إنَّ هذا صحيح. ورُبَّما ينبغي أنْ يَنتهي هذا التَّشويهُ الآنَ إنْ كانَ مَوجودًا. فنحنُ نَقرأُ في رسالة فيلبِّي 1: 6 (كما قُلتُ سابقًا): "وَاثِقًا بِهذَا عَيْنِهِ أَنَّ الَّذِي ابْتَدَأَ فِيكُمْ عَمَلاً صَالِحًا يُكَمِّلُ إِلَى يَوْمِ يَسُوعَ الْمَسِيح". أَلا يَحْسِمُ هذا الأمرُ النِّقاش؟ فإنْ كانَ هُوَ الَّذي ابتدأَهُ، فإنَّهُ ماذا؟ أنتُم تَعلمونَ الجَواب.

يا رَبّ، نَشكُركَ على الوقتِ الرَّائعِ الَّذي صَرَفْناهُ في التَّأمُّلِ في هذهِ الحقائق الَّتي أَغْنَتْنا جِدًّا. ونَشكُرُكَ على هذهِ العَطِيَّة الَّتي لا نَستَحِقُّها. ونَشكُرُكَ على الفَرَحِ النَّابِعِ مِنْ مَعرِفَتِنا بأنَّها عَطِيَّة دائمة إلى الأبد. املأ قُلوبَنا بِفَرَحٍ لا يُنطَقُ بهِ ومَجيد. وساعِدنا على أنْ نَبتهجَ جِدًّا بِدَوامِ عَطِيَّةِ النِّعمة هذهِ.

ونَشكُرُكَ على إيمانِنا الثَّابت، ومَحَبَّتِنا الثَّابتة، ورجائِنا الثَّابت. ونَشكركَ لأنَّ هذا كُلَّهُ ابتدأَ مُنذُ الأزل السَّحيق، وأنَّهُ سيَكتملُ في الأبديَّة الَّتي ستأتي، وأنَّ كُلَّ هذا سَيَؤولُ إلى مَجدِكَ، وإلى تَسبيحِكَ؛ وَهذا أعظمُ فَرَحٍ لدينا. ونَشكركَ على الشَّهاداتِ الَّتي سَمِعناها اللَّيلة مِن أولئكَ الأشخاصِ الَّذينَ اختَرتَهُم لكي يأتوا الآنَ إلى الإيمان، وَهُمْ في طَريقهم إلى الخلاصِ النِّهائيّ.

ويا رَبّ، نحنُ نَعلمُ (كما قالَ بولس) أنَّ خلاصَنا الآنَ ... أنَّ خلاصَنا النِّهائِيَّ أَقربُ مِنَ الوقتِ الَّذي آمَنَّا فيه، ونَعلمُ أنَّ يسوعَ المسيحَ سَيَشُقُّ قريبًا السَّماواتِ ويَجمَعُنا إليهِ. وسوفَ يكونُ ذلكَ اليومُ، يومُ الفِداءِ ذاك، ويومُ المسيحِ ذاك حقيقةً، وأنَّ تلكَ الأبديَّة المَجيدة الَّتي سيأخُذُنا إليها إيمانُنا المُثابر ستكونُ أروعَ مِنْ أيِّ شيءٍ قد نَتَخَيَّلُه. نَشكُرُكَ على هذهِ النِّعمة وهذا الخلاص. باسمِ المسيح. آمين!

This sermon series includes the following messages:

Please contact the publisher to obtain copies of this resource.

Publisher Information
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969

Welcome!

Enter your email address and we will send you instructions on how to reset your password.

Back to Log In

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize
View Wishlist

Cart

Cart is empty.

Subject to Import Tax

Please be aware that these items are sent out from our office in the UK. Since the UK is now no longer a member of the EU, you may be charged an import tax on this item by the customs authorities in your country of residence, which is beyond our control.

Because we don’t want you to incur expenditure for which you are not prepared, could you please confirm whether you are willing to pay this charge, if necessary?

ECFA Accredited
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Back to Cart

Checkout as:

Not ? Log out

Log in to speed up the checkout process.

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize