
لِنَفْتَح كَلمةَ اللهِ الآنَ عَلى الأصْحاحِ الثَّامِنِ مِنْ رِسالَةِ رُومية، ولنُتابِع تَأمُّلَنا في الحَياةِ بالرُّوحِ القُدُس. فقد كُنَّا نُحاولُ تَوضيحَ صُورَةِ الروحِ القدسِ الرَّائعِ والمُبارَكِ في أذهانِنا. وفي ضَوْءِ كَثْرَةِ مَا يُقال اليوم في الكَنيسةِ الإنجيليَّةِ عنِ الروحِ القدسِ، أَخْشَى أنَّ أغلبيَّةَ ما يُقالُ يُسيءُ إلى شَخْصِ الروحِ القدسِ وعَمَلِهِ. وقد ذَكَرْتُ في البِدايَةِ جُمْلَةً صَريحَةً، وسوفَ أُعيدُها: أنَّ رَبَّنا يَسوعَ دَانَ قادَةَ إسرائيلَ لأنَّهُمْ نَسَبوا أعْمالَ الروحِ القدسِ إلى الشَّيْطانِ. وما يَحْدُثُ في الحَرَكَةِ الخَمسينيَّةِ الحَديثَة اليوم هُوَ العَكْسُ إذْ إنَّ أعْمالَ الشَّيطانِ تُنْسَبُ إلى الروحِ القدس. وهذهِ إساءَةٌ مُحْزِنَةٌ جِدًّا تُحْزِنُ الروحَ القدسَ. وأحْيانًا يَكونُ ذلكَ تَجْديفًا على الروحِ القدسِ المُبارَكِ.
حينَ نَعْبُدُ اللهَ، فإنَّنا نَعْبُدُ اللهَ المُثَلَّثَ الأقانيمِ: الآبَ، والابْنَ، والروحَ القدسَ. ولا نُخْطِئُ إنْ قُلْنا إنَّ الروحَ القدسَ كانَ وما يَزالُ مُهْمَلًا بالرَّغْمِ مِنْ حَقيقةِ أنَّ الروحَ القدسَ هُوَ الأقنومُ الأكْثَرُ انْخِراطًا بطريقةٍ شخصيَّةٍ وحَميمةٍ في حَياةِ المُؤمِنِ.
وقد عَرَفْنا ذلكَ في هذا الأصْحاحِ الثَّامِنِ مِنْ رِسالَةِ رُومية. وها نَحْنُ نَجِدُ أنفُسَنا الآنَ في مُنْتَصَفِ الأصْحاحِ. وأَوَدُّ أنْ أَقرأَ على مَسامِعِكُمْ الأعْدادَ مِنْ 24 إلى 30 ... الأعْدادَ مِنْ 24 إلى 30. ومَعَ أنَّنا تَأمَّلْنا في العَدَدَيْن 24 و 25، يجبُ علينا أنْ نَقْرأَهُما مِنْ أجْلِ السِّياق. ومَعَ أنَّنا لَنْ نَتأمَّلَ في العَدَدَيْن 29 و 30، فإنَّنا سَنَقرأهُما أيْضًا لأنَّ ذلكَ سيُعطينا صُورةً كاملةً عَنْ هذا المَقْطَعِ.
رُومية 8: 24: "لأَنَّنَا بِالرَّجَاءِ خَلَصْنَا. وَلكِنَّ الرَّجَاءَ الْمَنْظُورَ لَيْسَ رَجَاءً، لأَنَّ مَا يَنْظُرُهُ أَحَدٌ كَيْفَ يَرْجُوهُ أَيْضًا؟ وَلكِنْ إِنْ كُنَّا نَرْجُو مَا لَسْنَا نَنْظُرُهُ فَإِنَّنَا نَتَوَقَّعُهُ بِالصَّبْرِ. وَكَذلِكَ الرُّوحُ أَيْضًا يُعِينُ ضَعَفَاتِنَا، لأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي. وَلكِنَّ الرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا. وَلكِنَّ الَّذِي يَفْحَصُ الْقُلُوبَ يَعْلَمُ مَا هُوَ اهْتِمَامُ الرُّوحِ، لأَنَّهُ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ يَشْفَعُ فِي الْقِدِّيسِينَ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ. لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ، لِيَكُونَ هُوَ بِكْرًا بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ. وَالَّذِينَ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ، فَهؤُلاَءِ دَعَاهُمْ أَيْضًا. وَالَّذِينَ دَعَاهُمْ، فَهؤُلاَءِ بَرَّرَهُمْ أَيْضًا. وَالَّذِينَ بَرَّرَهُمْ، فَهؤُلاَءِ مَجَّدَهُمْ أَيْضًا".
وفي دِراساتٍ سابِقَةٍ لهذا الأصْحاحِ، عَرَفْنا ارْتِفاعَ وعَرْضَ وعُمْقَ خِدْمَةِ الروحِ القدسِ في حَياةِ المُؤمِنِ الَّذي يَسْكُنُ فيه. وقد وَجَدْنا في العَدَدَيْن 2 و 3 أنَّهُ يُعْتِقُنا مِنَ الخَطِيَّةِ والموتِ. وقد عَلِمْنا مِنْ خلالِ العدد 4 أنَّهُ يُمَكِّنُنا مِنْ تَتْميمِ ناموسِ اللهِ المُقَدَّس. وقد رأينا في الأعْداد مِنْ 5 إلى 11 أنَّهُ يُغَيِّرُ طَبيعَتَنا. وقد رأينا في العَدَدَيْن 12 و 13 أنَّهُ يُعْطينا القُدرةَ على أنْ نَحيا حَياةً بارَّةً. وفي الأعْداد مِنْ 14 إلى 16، رأينا أنَّهُ يُؤكِّدُ تَبَنِّينا وأنَّنا صِرْنا أولادًا للهِ. وقد قادَنا ذلكَ إلى العدد 17. والمَقْطَعُ الطَّويلُ المُمْتَدُّ مِنَ العدد 17 إلى العدد 30 يُؤكِّدُ عَمَلَ الروحِ القُدُسِ في ضَمانِ مَجْدِنا الأبدِيِّ ... ضَمانِ مَجْدِنا الأبدِيِّ. وقد قَرَأنا للتَّوِّ عنِ الوَسيلةِ الأساسيَّةِ الَّتي يَعْمَلُ الروحُ القدسُ مِنْ خِلالِها على ضَمانِ ذلكَ المَجْد. وسوفَ نَتأمَّلُ في ذلكَ بِعُمْقٍ أكْبَر حينَ نَصِلُ إلى العدد 26 بعدَ قَليل.
ولكِنْ اسْمَحوا لي أنْ أُقَدِّمّ لَكُمْ الأساسَ لما سَنُفَكِّرُ فيهِ اليوم. فأعْظَمُ بَرَكَةٍ أعْطاها اللهُ للمؤمنينَ هيَ الوَعْدُ المَضْمونُ بالحياةِ الأبديَّةِ في مَجْدٍ سَماوِيٍّ. ونحنُ نَعْلَمُ مُنْذُ بِدايةِ الأصْحاحِ أنَّنا لَسْنا تَحْتَ الدَّينونَةِ قُدَّامَ اللهِ. ويَتِمُّ تَكْرارُ ذلكَ في العدد 34 مِنْ خِلالِ طَرْحِ هذا السُّؤالِ البَلاغِيِّ: "مَنْ هُوَ الَّذِي يَدِينُ؟" فَهَلْ تُوْجَدُ مَحكمةٌ أَعلى مِنَ المَسيحِ أوِ اللهِ؟ ونَرى مَرَّةً أُخرى أنَّهُ لا يُمْكِنُ لأيِّ شَيءٍ أنْ يَفْصِلَنا عنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتي لنا في يَسوعَ المَسيحِ رَبِّنا. لذلكَ فإنَّ الفِكرةَ الرئيسيَّةَ لهذا الفَصْلِ مِنَ البِدايةِ إلى النِّهايةِ هِيَ أنَّنا نُوْجَدُ في مَقامٍ أمامَ اللهِ لا يَتَغَيَّرُ ولا يَتَبَدَّلُ. فَهُوَ مَقامٌ دائِمٌ مِنْ عَدَمِ الدَّينونَةِ. بعبارةٍ أُخرى، فإنَّ الذينَ يَنْتَمونَ مِنَّا إلى المسيحِ سَيَتَمَجَّدون. وقد رَأينا تَلْخيصًا لذلكَ في العَدَد 29: "لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ". وهذا يَعني أنَّنا نَمْضي مِنْ الدَّعْوَةِ المُسَبَّقَةِ إلى التَّبريرِ ثُمَّ إلى التَّمْجيدِ دُوْنَ أنْ يُفْقَدَ أَحَدٌ في أثناءِ ذلك.
ويُمْكِنُني أنْ أَقولَ لَكُمْ، يا أحبَّائي، أنَّهُ لا تُوجدُ عَقيدةٌ في الكِتابِ المقدَّسِ تُريحُ المُؤمِنَ أكْثَرَ مِنْ هذهِ، أوْ تُقَوِّيهِ أكْثَرَ مِنْها، أوْ تُشَجِّعُهُ أكْثَرَ مِنْها. وهذا هُوَ السَّبَبُ في أنَّنا نَعيشُ على الرَّجاء. ... نَعيشُ على الرَّجاء. وهذهِ ليسَتْ أُمْنِيَةً، بَلْ هُوَ رَجاءٌ مُؤكَّدٌ تَمامًا وقائمٌ على وُعودِ اللهِ.
وهُناكَ مَقْطَعٌ يُوازي هذا وَنَجِدُ فيهِ فائدةً جَمَّةً. فكلماتُ بُطْرُس في رِسالتهِ الأولى 1: 3 هِيَ أَشْبَهُ بَصَلاةٍ افْتِتاحِيَّةٍ، أوْ بِصَلاةِ شُكْرٍ نابعةٍ مِنَ التَّأمُّلِ في هذا الواقِعِ المُخْتَصِّ بِمَجْدِنا المَضْمونِ إذْ يَكْتُبُ بُطْرُسُ: "مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي حَسَبَ رَحْمَتِهِ الْكَثِيرَةِ وَلَدَنَا ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مِنَ الأَمْوَاتِ، لِمِيرَاثٍ لاَ يَفْنَى وَلاَ يَتَدَنَّسُ وَلاَ يَضْمَحِلُّ، مَحْفُوظٌ فِي السَّمَاوَاتِ لأَجْلِكُمْ، أَنْتُمُ الَّذِينَ بِقُوَّةِ اللهِ مَحْرُوسُونَ". لذلكَ، لا عَجَبَ أنَّهُ انْفَجَرَ بهذهِ الصَّلاةِ. فنحنُ لَدينا وَعْدٌ بأنَّنا سَنَتَمَجَّدُ في المُستقبَلِ، وأنَّنا مَحروسونَ بِقُوَّةِ اللهِ مِنْ خِلالِ الإيمانِ إلى أنْ نَحْصُلَ على هذا المَجْد. وهذا يَعني أنَّنا حَصَلْنا بِسِيادَةِ اللهِ على إيمانٍ لا يَفْنى ولا يَموت. وهذا الإيمانُ مَضْمونٌ بالنِّسبةِ إلينا بِقُوَّةِ اللهِ. وقُوَّةُ اللهِ هِيَ قُوَّةُ الروحِ القدسِ نَفْسِهِ.
وفي يُوحَنَّا 6، ذَكَرَ يَسوعُ الشَّيءَ نَفْسَهُ إذْ قالَ: "كُلُّ مَا يُعْطِينِي الآبُ فَإِلَيَّ يُقْبِلُ، وَمَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ لاَ أُخْرِجْهُ خَارِجًا". "كُلُّ مَا أَعْطَانِي الآبُ يأتي إلَيَّ" و "لاَ أُتْلِفُ مِنْهُ شَيْئًا، بَلْ أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ". وقد قالَ: "هذهِ هِيَ مَشيئةُ الآبِ". والعَهْدُ الجديدُ يَدْعو هذا (مَثَلًا في رِسالةِ كورِنثوسَ الأولى، ورسالَة أفَسُس): خَتْمُ الروحِ القُدُسِ إذْ إنَّهُ يَخْتِمُنا ويَضْمَنُ مَجْدَنا المُستقبليَّ. وهذا هُوَ ما يَقولُهُ بولسُ عَنْ ذلك: "وَاثِقًا بِهذَا عَيْنِهِ أَنَّ الَّذِي ابْتَدَأَ فِيكُمْ عَمَلاً صَالِحًا يُكَمِّلُ إِلَى يَوْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ". ولكِنْ رُبَّما لا يوجَدُ نَصٌّ أَعْظَمُ أوْ أَقوى عَنْ هذهِ العَقيدةِ الرائعةِ مِنْ هذا النَّصِّ المَوجودِ أمامَنا. فنحنُ نَئِنُّ بانْتِظارِ تَمْجيدِنا. وقد رَأينا ذلكَ. أليسَ كذلك؟ فنحنُ نَعيشُ في عالَمٍ واقِعٍ تَحْتَ اللَّعْنَةِ.
ونحنُ أنْفُسُنا، بالرَّغْمِ مِنْ تَجْديدِنا مِنَ الدَّاخِلِ، مَا زِلْنا نَعيشُ في جَسَدٍ غَيْرٍ مَفْدِيٍّ. ونحنُ نَئِنُّ في بَشَرِيَّتِنا. فالأشياءُ الَّتي نُريدُ أنْ نَعْمَلَها، لا نَقومُ بها. والأشياءُ الَّتي نَقومُ بها لا يَجْدُرُ بِنا أنْ نَعْمَلَها. فَجَسَدُ الموتِ مُلْتَصِقُ بِنا، وَهُوَ جَسَدٌ فَانٍ نَتُوقُ إلى التَّخَلُّصِ مِنْهُ. فنحنُ نُريدُ أنَّ هذَا المائِتَ يَلْبَسُ عَدَمَ مَوْتٍ، وَأنَّ هَذا الفَاني يَلْبَسُ عَدَمَ فَناءٍ، وأنَّ هذا الفاسِدَ يَلْبَسُ عَدَمَ فَسادٍ. فنحنُ نَتوقٌ إلى المَجْد.
لذلكَ، ابْتِداءً مِنَ العدد 19 إلى العَدد 23، يَتحدَّثُ بولسُ عَنْ أَنينِ الخَليقَةِ، وكيفَ أنَّ العالَمَ نَفْسَهُ (العالَمَ المَخلوقَ الَّذي يَتألَّفُ مِنْ كائِناتٍ حَيَّةٍ وكائِناتٍ لَيْسَتْ حَيَّة) تَئِنُّ تَحْتَ وَطْأةِ اللَّعنةِ النَّاجِمَةِ عَنْ سُقوطِ آدَمَ وحَوَّاء. فليستِ الخَليقَة هِيَ الَّتي تَئِنُّ فحسب، بل إنَّنا نَحْنُ نَئِنُّ أيضًا، كَما يَقولُ العَدَد 23. فنحنُ نَئِنُّ في أنْفُسنا إذْ نَتوقُ إلى الحُصولِ على كُلِّ ما وُعِدْنا في الحُصولِ عليهِ مِنْ مَجْدٍ كامِلٍ. ونحنُ نَشعُرُ بِثِقَلِ خَطايانا، ونَشْعُرُ بِلَعْنَةِ اللهِ، ونَشْعُرُ بِقُوَّةِ الفَسادِ فينا. ونحنُ نَفهمُ الفَسادَ وحَتْمِيَّةَ الموتِ الَّتي تُلاحِقُنا جَميعًا. إذًا نحنُ نَئِنُّ. والخَليقَةُ تَئِنُّ. وكما قُلْتُ لَكُم في الأسبوعِ الماضي، فإنَّ الخَليقةَ كُلَّها تَئِنُّ بانتظارِ استعلانِ مَجْدِ أولادِ اللهِ، والكَشْفِ عَنْ أبناءِ اللهِ، وإلى كُلِّ ما سيَحْدُثُ عندَ خَلْقِ السَّماءِ الجديدةِ والأرضِ الجديدةِ إذْ إنَّ اللَّعنةَ كُلَّها سَتَزولُ في ما يُشْبِهُ انْحِلالَ الخَليقَةِ، أوْ في ما يُشْبِهُ الانْفِجارَ الذَّرِّيَّ الدَّاخِلِيَّ حيثُ إنَّ العَناصِرَ سَتَذوبُ مِنْ شِدَّةِ الحَرارَة. فكُلُّ شَيءٍ خَلَقَهُ اللهُ في هذا الكَوْنِ سَيَزولُ. وسوفَ تَكونُ هُناكَ سَماءٌ جديدةٌ وأرضٌ جَديدةٌ، ولن تَكونَ هُناكَ لَعْنَة.
وقد رَأينا أنَّ الخَليقَةَ تُشَخَّصُ كما لو أنَّها تَشْعُرُ بالألمِ، وَتَنْتَظِرُ، وَتَتوقُ إلى ذلكَ اليومِ. ونحنُ نَتوقُ حَقًا إلى ذلكَ اليوم. وحينَ أَتأمَّلُ في السَّماءِ، فإنَّني لا أَشْعُرُ أنِّي مَفْتونٌ بالشَّوارِعِ الذَّهبيَّةِ (مَعَ أنَّني سَعيدٌ لأنِّي سَأحْيا هُناكَ)، بل إنِّي أشْعُرُ بالفَرَحِ بسببِ انْعِدامِ الخَطِيَّةِ، وبسببِ زَوالِ التَّجربةِ. فَغِيابُ الجَهْلِ هُوَ الأمْرُ المُشَوِّقُ بخصوصِ السَّماءِ. ونحنُ جَميعًا نَتوقُ إلى المَجْد.
ولكِنْ هُناكَ أنينٌ ثالِثٌ في هذا المَقْطَعِ، وَهُوَ مُدْهِشٌ. وَهُوَ أنينٌ الروحِ القدس. إنَّهُ أنينُ الروحِ القدس. فالروحُ القدسُ المُبارَكُ الَّذي نَتَمَتَّعُ ... نَتَمَتَّعُ بالشَّرِكَةِ مَعَهُ في تلكَ الشَّرِكَةِ الَّتي تُسَمَّى "شَرِكَة الرُّوحِ القُدُس"، يَئِنُّ أيضًا ... يَئِنُّ بانْتِظارِ تَمْجيدِنا. فالخليقةُ تَتَألَّمُ بسببِ اللَّعنةِ. ونحنُ نَتألَّمُ بسببِ اللَّعنةِ. وحَتَّى إنَّ الروحَ القدسَ يَتألَّمُ بسببِ عَدَمِ اكْتِمالِ المُؤمِنينَ الذينَ يَسْكُنُ فيهم إلى أنْ تتِمَّ إزالَةُ اللَّعْنَة.
وأثناءَ تَأمُّلِنا في هذا الأصحاحِ، نَتَعَلَّمُ ما يَلي بِصورَةٍ أسَاسِيَّةٍ: أنَّ الروحَ القدسَ مَسؤولٌ عَنْ ثَلاثِ خِدْماتٍ رائعةٍ في حَياتِنا: الأولى هِيَ خِدْمَةُ التَّجْديد. فَهُوَ يُعْطينا حَياةً. ونحنُ نُوْلَدُ مِنَ الروحِ ... نُوْلَدُ مِنَ الروحِ. فَهُوَ أَعْطانا حَياةً في وقتٍ كُنَّا فيهِ أمْواتًا - التَّجْديد.
ثانيًا، خِدمة التَّقْديس. فَهُوَ الَّذي يُشَكِّلُنا تَدريجيًّا على صُورَةِ المَسيح. فنحنُ نَقرأُ في 2كورِنثوس 3: 18 أنَّهُ يَنْقِلُنا مِنْ مُستوى مِنَ المَجْدِ إلى الَّذي يَليه، والذي يَليه، والذي يَليه، والذي يَليه فيما نَنْظُرُ إلى المَسيحِ المُعْلَنِ في الكِتابِ المقدَّسِ والذي هُوَ المِثالُ الكامِلُ على الإنْسانِ المُمْتَلِئِ بالرُّوح. فإذْ نَسْتَمِرُّ في النَّظرِ إليهِ بِوَصْفِهِ المِثال، وإذْ نَسْتَمِرُّ في التَّأمُّلِ في كَمالِ لاهوتِهِ وَناسُوتِهِ، فإنَّ الروحَ يُغَيِّرُنا تَدريجيًّا على صُورَتِهِ ويأخُذُنا مِنْ مَجْدٍ إلى مَجْدٍ. فهذا هُوَ عَمَلُ التَّقديسِ الَّذي يَقومُ بِهِ.
وإلى جانِبِ عملِ التَّقديسِ، فإنَّ الخِدمةَ الثالثةَ الَّتي يَقومُ بها الروحُ القدسُ في عَصْرِ النِّعْمَةِ هذا هِيَ خِدمةُ الضَّمان. فَهُوَ يَضْمَنُنا إلى وَقْتِ اكْتِمالِ تلكَ الخِدمةِ الأخيرةِ (أيْ خِدْمَةِ التَّمْجيد). فكَما أنَّ الروحَ القدسَ أَقامَ المسيحَ مِنَ الأمواتِ، فإنَّهُ سَيُقيمُنا نحنُ أيضًا لنكونَ مُشابِهينَ لَهُ.
وأنا أُفَكِّرُ في عَمَلِ الروحِ القدسِ في حَياتي: تَجْديدي، وتَقديسي، وضَماني إلى المَجْدِ الأبَدِيِّ. ويا لَها مِنْ خِدمةٍ مُبارَكَةٍ. وطَوالَ تَفكيري في ذلكَ، فإنِّي أَحْزَنُ على المُفارَقَةِ الغَريبَةِ ... على المُفارَقَةِ الغَريبَةِ. فالخِدْماتُ نَفْسُها الَّتي يَقومُ بها الروحُ القدسُ والتي نَجِدُ أنَّها ثَمينَةٌ جِدًّا لَنا ومُعْلَنَةٌ بوضوحٍ في الكِتابِ المقدَّسِ هِيَ نَفْسُها الَّتي تُنْكِرُها الحَرَكَةُ الخَمسينيَّةُ. فَهُمْ يَدَّعونَ أنَّهُمْ حَرَكَةُ الامْتِلاءِ بالروحِ القدس. وَهُمْ يَزْعُمونَ أنَّهُمْ يَحْتَكِرونَ الروحَ القُدُسَ. وَهُمْ يَزْعُمونَ أنَّهُمْ اخْتَبَروا الروحَ القدسَ بِطَريقَةٍ لَمْ نَخْتَبِرْها نَحْنُ. ومعَ ذلكَ فإنهم يُنكِرونَ العَمَلَ الَّذي يَقومُ بهِ الروحُ القدسُ في حَياةِ المُؤمِنِ.
أوَّلًا، إنَّهُمْ يُنكِرونَ عَمَلَ التَّجديد. فالكِتابُ المقدَّسُ يُعَلِّمُنا أنَّنا جَميعًا أمْواتٌ بالذُّنوبِ والخَطايا، وأنَّنا لا نَسْتَطيعُ أنْ نَهَبَ أنْفُسَنا حَياةً، وأنَّنا يَنْبَغي أنْ نُوْلَدَ مِنْ فَوْق، وأنْ نُوْلَدَ مِنَ الرُّوحِ. وهذا كُلُّهُ هُوَ عَمَلُ الروحِ القدسِ، لا بِمَشيئَةِ جَسَدٍ، ولا بِمَشيئَةِ إنْسانٍ، بَلْ مِنَ اللهِ. فالروحُ القدسُ يَهِبُّ حيثُ يَشاءُ، كَما تَفْعَلُ الرِّيحُ. وَهُوَ يَفْعَلُ ما يَشاء مَعَ مَنْ يَشاء. فهذا عَمَلٌ يَحْدُثُ بِسيادَةِ اللهِ وقُدْرَتِهِ. ولكِنَّ الخَمْسينِيِّينَ يُريدونَ مِنَّا أنْ نُصَدِّقَ أنَّهُ عَمَلٌ تَعاوُنِيٌّ – أيْ أنَّ الروحَ القدسَ لَهُ دَوْرٌ فيهِ بِكُلِّ تأكيدٍ، ولَكِنَّ الخاطِئَ لَديهِ القُدرةَ في ذاتِهِ على اتِّخاذِ الخُطُواتِ اللَّازِمَةِ لإحْياءِ نَفْسِهِ بالتَّعاوُنِ مَعَ الروحِ القُدُس. وَهُمْ يُنْكِرونَ أيضًا عَمَلَهُ العَظيمَ في تَقْديسِنا. فَهُمْ لا يَهْتَمُّونَ كثيرًا بالعملِ الداخليِّ للروحِ القدسِ، ولا يَهتمُّونَ كثيرًا بأنَّهُ يَجْعَلُنا على صُورَةِ المَسيحِ. ولا يَهْتَمُّونَ كثيرًا بأنَّهُ يُعْطينا القُدرةَ على أنْ نُحِبَّ القَداسَةَ، وأنْ نُحِبَّ البِرَّ، وأنْ نُحِبَّ الطُّهْرَ. ولَكِنَّهُمْ يَهْتَمُّونَ بالحَرِيِّ بالأمورِ الخارجِيَّة.
وَمَعَ أنَّها تُسَمَّى "حَرَكَة القَداسَة"، فإنَّها ليسَتْ مُهْتَمَّةً بالقَداسَة. ومَعَ أنَّها تُسَمَّى "حَرَكَة الرُّوح القُدُس"، فإنَّها ليسَتْ مُهْتَمَّةً بالروحِ القدس. فَهِيَ لا تُبالي بالقَداسَةِ الداخِلِيَّةِ والطُّهْرِ الداخِلِيِّ، مَعَ أنَّ هذَينِ الأمْرَيْنِ يُمَثِّلانِ العَمَلَ الحَقيقيَّ للروحِ القدسِ. ولكِنَّهُمْ يَهْتَمُّونَ فقط بالظَّواهِرِ الخارِجِيَّةِ الَّتي يَنْسِبونَها إلى الروحِ القدسِ، مَعَ أنَّهُ لا صِلَةَ لها بِهِ في الحَقيقَة. ومِنَ الأمثلةِ على ذلكَ المَعْجِزات المَزعومَة، والتَّكَلُّم بالألْسِنَة، والسُّقوط أرْضًا، وسَماع الأصْوات، والنُّباح كالكِلاب، والضَّحِك الهِسْتيرِيّ، والثَّراء المادِّيّ، والنَّجاح العالَمِيّ. ولأنَّ ذلكَ كُلَّهُ ليسَ دَليلًا على القَداسَةِ، فإنَّ الحَرَكَةَ تُعاني الكَثيرَ مِنَ الفَضائِحِ، والجِنْسِ، والجَشَعِ، والفَسادِ، والانْحِرافِ.
والحَقيقَةُ هِيَ أنَّ صَرْفَ بَعْضَ الوقتِ في القِراءةِ عَنْ تاريخِ هذهِ الحَرَكَةِ هُوَ أمْرٌ مُمْتِعٌ جِدًّا. فإنْ سَألْتُكُمْ: "ما الحَرَكَةُ الدِّينِيَّةُ الأسْرَع نُمُوًّا في العالَمِ؟"، مِنَ المُرَجَّحِ أنَّكُمْ لَنْ تَعْرِفُوا الجَوابَ الصَّحيح. فالجوابُ الصَّحيحٌ هُوَ: الحَرَكَة الخَمسينيَّة. فهذهِ هِيَ أَسْرَعُ الحَرَكاتِ الدينيَّةِ نُمُوًّا في العالم. وَهِيَ لم تَكُنْ مَوجودَة في بِدايَةِ القَرْنِ العِشْرين. بل إنَّ حَفْنَةً مِنَ الأشخاصِ ابْتَدأوا شَيئًا ما في سَنَةِ 1901 في "توبيكا" (Topeka) بولاية كَنْساس. ثُمَّ إنَّ شَيئًا آخَرَ أَعْقَبَ ذلكَ في سنةِ 1906 في لوس أنْجلوس. وفي هذا الوقتِ، يُقَدَّرُ أنَّ هُناكَ نِصْفَ مِلْيارِ شَخْصٍ يَنْتَمونَ إلى هذهِ الحَرَكَةِ. مِنْ لا شَيء في سَنَة 1900 إلى نِصْفِ مِلْيار شَخْص. وهُناكَ ثلاثَةُ أشْكالٍ لهذهِ الحَرَكَة. فهناكَ الخَمسينيَّة التَّقليديَّة. وهُناكَ الخَمسينيَّة المُحْدَثَة. وَهُناكَ الحَرَكَة الخمسينيَّة مِنْ سَنَة 1960 فَصاعِدًا. ولَكِنَّها جَميعًا مُتداخِلَة بَعْضُها بِبَعْض.
وما حَدَثَ في هذهِ الحَرَكَةِ هُوَ أنَّ مَرْكِزَ الاهْتِمامَ انْتَقَلَ مِنَ الإنْجيلِ إلى مَعموديَّةِ الرُّوحِ القُدُس. بعبارةٍ أُخرى، فإنَّ التَّركيزَ انْتَقَلَ مِنَ الكِتابِ المُقدَّسِ إلى الخِبرةِ الشَّخصيَّةِ، بَلْ إلى خِبرةٍ شَخْصيَّةٍ زائفةٍ قائمةٍ على لاهُوتٍ خاطِئ. لذلكَ فإنَّ العِبادَةَ ابْتَعَدَتْ عَنِ العِبادةِ بالروحِ والحَقِّ وصَارَتْ مُجَرَّدَ تَحْليقٍ قائمٍ على العَواطِفِ فقط. وقد صارَ النَّاسُ ضَجِرينَ مِنَ الكِتابِ المقدَّسِ، وضَجِرينَ مِنْ سَماعِ الوَعْظِ. وقدِ ابْتَدَأَ الوَعْظُ الحَقيقيُّ بالزَّوال. وقد تَمَّ إقْصاءُ العَقيدةِ السَّليمةِ بعيدًا لأنَّ هذهِ الحَرَكَةَ لم تَكُنْ لِتَسْتَمِرَّ تَحْتُ تَمْحيصِ العَقيدةِ السَّليمَة. لذلكَ، عِوَضًا عَنِ الوَعْظِ بالكِتابِ المقدَّسِ والعَقيدةِ السَّليمة، حَلَّتِ المُوسيقى الصَّاخِبَة القائمة على المَشاعِرِ الخادِعَةِ والزَّائِفَة. وقد حَلَّ الكَذِبُ مَحَلَّ الحَقِّ. ولكِنَّ هَذا كُلَّهُ سَيَؤولُ إلى دَينونَتِها ... سَيَؤولُ إلى دَينونَتِها.
لقد تَمَّتِ الإساءَةُ تَمامًا إلى عَمَلِ الروحِ القدسِ. وهُناكَ ثلاثُ قُوى رَئيسيَّة في المَسيحيَّة. وهذهِ تُدْعى القُوَّة الثَّالِثَة. فهُناكَ كَنيسةُ الرُّوم الكاثوليك، وهُناكَ الكَنيسةُ البروتستنتيَّة، وهُناكَ الحَرَكة الخمسينيَّة. وقد قُلْنا الكَثيرَ عَبْرَ السِّنين عَنْ أخْطاءِ الكَنيسةِ الكاثوليكيَّةِ. وقد قُلنا الكَثيرَ عَنْ أخْطاءِ الكَنيسةِ الخمسينيَّةِ لأنَّ هذهِ الكَنائِسَ تَتَّهِمُنا بإحْداثِ الانْشِقاقاتِ وَتَدْفَعُ أُناسًا كَثيرينَ إلى الصَّمْتِ.
وأنا لا أُدافِعُ عنِ الحَقِّ لأجْلِ كَنيسَتي أوْ لأجْلِ رأيي الشَّخصِيِّ. بل إنِّي مُتَحَمِّسٌ للدِّفاعِ عنِ الحَقِّ لأجْلِ الروحِ القدسِ – لا لأَّنهُ في حاجَةٍ إلى مَنْ يُدافِع عَنْهُ، بل لأنَّهُ يُريدُ مِنِّي ألَّا أُحْزِنَهُ، وألَّا أُطْفِئَهُ، وألَّا أُهينَهُ. وَهُوَ يُريدُ مِنِّي أنْ أُمَيِّزَ الأشياءَ الَّتي تُسيءُ إليهِ. وأنا أَشْعُرُ بِمَشاعِرِ المُرَنِّمِ إذْ قال: "تَعْيِيرَاتُ مُعَيِّرِيكَ وَقَعَتْ عَلَيَّ". فعندما يُسِيءُ أَحَدُهُمْ إلى الروحِ القدسِ فإنِّي أشْعُرُ بالألم. ويبدو أنَّ كَثيرينَ يَجِدونَ مُتْعَةً في القيامِ بذلك.
لذلكَ لِنَنْظُرْ إلى الخِدمةِ الحقيقيَّةِ للروحِ القدسِ فيما يَخْتَصُّ بِأَنِيْنِهِ المُرْتَبِطِ بِضَمانِنا. ويا لَهُ مِنْ مَقطعٍ كِتابِيٍّ مُدهشٍ حَقًّا، ولا سِيَّما أنَّنا نَقرأُ في العَدَد 26: "وَكَذلِكَ الرُّوحُ أَيْضًا يُعِينُ ضَعَفَاتِنَا، لأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي. وَلكِنَّ الرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا". ولا شَكَّ أنَّ هذهِ الآيَة واحِدَةٌ مِنَ الكُنوزِ الكِتابِيَّةِ الثَّمينَة. فهي تَصِفُ الوسيلةَ الَّتي يَسْتَخدِمُها الروحُ القدسُ لِتَقْوِيَتِنا وضَمانِنا طَوالَ رِحْلَتِنا الرَّائعةِ إلى المَجْدِ الأبديِّ. ولكِنَّ هذهِ الآيَةَ هِيَ مِنْ أكثرِ الآياتِ الَّتي يُساءُ استِخدامُها في العهدِ الجديدِ مِنْ قِبَلِ الخَمْسينِيِّين. وأنا أتَوَقَّعُ دائمًا أنْ يَنْزِفَ الكِتابُ المقدَّسُ هُنا لأنَّهُ جُرِحَ مَرَّاتٍ عَديدَة. فَهُمْ يُريدونَ مِنَّا أنْ نُصَدِّقَ أنَّ هذهِ الآيةَ تُؤَكِّدُ موضوعَ التَّكَلُّمِ بألْسِنَةِ حينَ تَقول: "بأنَّاتٍ لا يُنْطَقُ بِها". فَهُمْ يُريدونَ مِنَّا أنْ نُصَدِّقَ أنَّ ما تَقولهُ هذهِ الآيَة هُوَ أنَّهُ عندما لا تَعْلَمُ كيفَ تُصَلِّي بكلماتٍ مَفهومَةٍ، وَتبْدأُ بِقَوْلِ كَلامٍ غَيْرِ مَفْهومٍ، فإنَّ الروحَ القدسَ هُوَ الَّذي يَفْعَلُ ما تَعْجَزُ عَنْ فِعْلِه. ولكِنَّ الآيَةَ لا تَعني ذلك. وهذا هُوَ ما سَنَراهُ بعدَ قَليل. فَمِنَ الغَريبِ جِدًّا أنْ نَفْرِضَ هَذا المَعنى على هذا النَّصِّ.
والآنْ، لِنَرْجِعْ إلى النَّصِّ: "وَكَذلِكَ الرُّوحُ أَيْضًا" ... "وَكَذَلِكَ". ولكِنْ ما المَقصودُ بالكلمة "وكَذلِكَ"؟ أيْ بِنَفْسِ الطريقةِ الَّتي تَئِنُّ فيها الخَليقَةُ بانْتِظارِ الاستِعلانِ المَجيدِ لأبناءِ اللهِ، وبذاتِ الطريقةِ الَّتي نَئِنُّ فيها نَحْنُ بانتِظارِ التَّبَنِّي فِداءَ أجْسادِنا، فإنَّ الروحَ القدسَ يَئِنُّ. وقد رَأينا أَنينَ الخَليقَةِ، وأَنينَ المُؤمِنِ، والآنْ أنينَ الروحِ القدس. وكُلُّ هذا الأنين مُخْتَصُّ بِمَجْدِنا المُستقبليِّ. وهُناكَ فَرْقٌ بينَ أنْ تَرْغَبَ الخَليقَةُ في أنْ تَكونُ مُمَجَّدَةً، وَأنْ يَرْغَبَ المُؤمِنُ في أنْ يُمَجَّد. ولكِنَّ هَذَيْنِ الأمْرَيْنِ في ذاتِهِما لا يُقَدِّمانِ بالضَّرورةِ أيَّ ضَمانٍ بحدوثِ ذلكَ التَّمْجيد. ولكِنَّنا نَرى هُنا أَهَمَّ أَنينٍ على الإطْلاق ... أَنينِ الرُّوحِ القدسِ مِنْ أجْلِ مَجْدِنا المُستقبليِّ. فالروحُ القدسُ يَئِنُّ بالطريقةِ نَفْسِها "بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا". ويا لَها مِنْ فِكرةٍ مُدهِشَة.
إنَّ الروحَ القدسَ يَقومُ بِدَوْرٍ فاعِلٍ جِدًّا في الأنينِ النَّاجِمِ عَنْ ثِقْلِ وَعِبْءٍ الخَطِيَّةِ في حَياةِ الأشخاصِ الذينَ يَسْكُنُ فيهم. فَهُوَ يَتَّحِدُ مَعَ رَغْبَتِنا في الانْعِتاقِ مِنَ الجَسَدِ، ومِنْ بَشَرِيَّتِنا غيرِ المَفْدِيَّةِ في سَبيلِ الحُصولِ على الخَلاصِ الكامِلِ، والبُنُوَّةِ الكامِلَةِ، والكَمالِ التَّامِّ في البِرِّ. لذلكَ فإنَّ مَجْدَنا الأبديَّ مَضْمونٌ مِنْ خِلالِ هذهِ الأنَّاتِ الشَّفاعِيَّةِ الَّتي يَقومُ بها الروحُ القدس. وهذا ضَرورِيٌّ. ارْجِعوا إلى العدد 26. فَهُوَ يَقولُ إنَّ الروحَ "يُعِينُ ضَعَفَاتِنَا". وقد عَرَفْنا ضَعْفَنا. فنحنُ نَئِنُّ في أنْفُسِنا، كما جاءَ في العدد 23. صَحيحٌ أنَّ لَدينا العَرْبونَ والباكورَةَ بأنَّنا سَنُمَجَّدْ في المُستَقبَل. ولكِنَّنا نَئِنُّ تَحتَ وَطْأةِ ضَعْفِنا النَّاجِمِ عَنْ خَطيئَتِنا الباقِيَةِ. والروحُ القدسُ هُوَ الَّذي يُعينُ ضَعْفَنا.
وهذا لا يُشيرُ إلى الصَّلواتِ الضَّعيفَةِ، ولا إلى حَياةِ الصَّلاةِ الضَّعيفَة، ولا إلى عَدَمِ فَهْمِ مَا يَحْدُث. بَلْ إنَّ المَعنى المَقْصودَ هُنا هُوَ القُوَّة الَّتي تَعْمَلُ على إضْعافِنا بسببِ البَقايا النَّاجِمَةِ عَنْ سُقوطِنا. وَهذا يُشيرُ إلى ضَعْفِنا العامِّ بسببِ طَبيعَتِنا السَّاقِطَةِ. وهذِهِ كَلِمَةٌ شامِلَةٌ. فالنِّطاقُ الكامِلُ لخَطيئَتِنا هُوَ عِبْءٌ على كَاهِلِنا، وَحِمْلٌ ثَقيلٌ، بَلْ ثَقيلٌ جِدًّا حَتَّى إنَّنا لا نَعْرِفُ كيفَ نُصَلِّي كما يَنْبَغي. وحَتَّى إنَّنا لا نَمْلِكُ اسْتراتيجيَّةً للتَّكَيُّفِ مَعَ ذلك. فنحنُ يائِسونَ جِدًّا في خَطيئَتِنا، ويائِسونَ جِدًّا في مُعاناتِنا، ولا نَعلمُ كيفَ نَتَغَلَّبُ على سُلْطانِ الخَطِيَّةِ في حَياتِنا. ونحنُ لا نَمْلِكُ المُقَوِّماتِ اللَّازِمَةَ لِحِمايَةِ أنفسنا.
وقد كنتُ أَقرأُ كِتابًا للاهُوتِيٍّ خَمْسينيٍّ مَشهورٍ قالَ فيه: "أنا أُوْمِنُ أنَّ الروحَ قَوِيٌّ جِدًّا، ولكِنَّ خَتْمَهُ يُمْكِنُ أنْ يُكْسَرَ إذا اخْتارَ المَرْءُ بإرادَتِهِ أنْ يَحْيا حَياةً في الجانِبِ المُظْلِمِ. فالخطِيَّةُ قَدْ تَمْنَعُ المَسيحيِّينَ مِنْ دُخولِ السَّماءِ. لذلكَ إذا لم تَكُنْ قادرًا على البَقاءِ مُخْلِصًا لزَوْجَتِكَ، لا يُمْكِنُكَ أنْ تَبْقى مُخْلِصًا للرَّبِّ، ولا أنْ تَبقى مُخْلِصًا لَهُ حَتَّى بعدَ دُخولِكَ السَّماء. وكما هِيَ حالُ الشَّيطانِ وَمَلائِكَتِهِ، قَدْ يَنْتَهي بِكَ المَطافُ مَطْرودًا مِنَ السَّماء". حَقًّا؟ وإلى أيِّ حَدٍّ نَفْتَقِرُ للضَّمان؟ فلا يُمْكِنُني أنْ أكونَ مُخْلِصًا مِنْ تِلْقاءِ ذاتي على الأرْض. ولا يُمْكِنُني أنْ أكونَ مُخْلِصًا مِنْ تِلْقاءِ ذاتي في السَّماء. وقد يَنْتَهي بي المَطافُ مَطْرودًا مِنَ السَّماءِ؟ هذا تَجاهُلٌ تامٌّ وكامِلٌ لِخِدْمَةِ الروحِ القدسِ الَّذي يَضْمَنُ المُؤمِنين.
وسوفَ أقولُ هذا بعباراتٍ بسيطَةٍ: إنْ كانَ هُناكَ احْتِمالٌ أنْ تَفْقِدَ خَلاصَكَ، ستَفْقِدُهُ. وإنْ كانَ ذلكَ مُحْتَمَلًا فسأفْقِدُهُ أنا أيضًا. والحقيقةُ هي أنَّهُ لو كانَ يَنْبَغي لي القيامُ بأيِّ شَيءٍ للحِفاظِ عليهِ، لَنْ أَتَمَكَّنَ مِنَ القيامِ بِهِ. فأنا لا أمْلِكُ القُوَّةَ الكَافِيَةَ لذلك. وَحَتَّى إنِّي لا أعْرِفُ كيفَ أَحْمي نَفسي. فأنا ضَعيفٌ جِدًّا. وأنا لستُ مَحْفوظًا بِقُوَّتي. وأنا لستُ مَحْفوظًا بصلواتي. صَحيحٌ أنَّنا نَقرأُ: "اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ". ولكِنْ إنْ كُنَّا مَتروكينَ بِمُفْرَدِنا دونَ مَعونَةِ اللهِ، فإنَّنا سَنَعْجَزُ عنِ القيامِ بذلك.
وهذا مُوَضَّحٌ لنا في الأصحاحِ الثَّاني والعِشرين مِنْ إنْجيلِ لوقا. فقد كانَ بُطْرُسُ يَجْلِسُ حَوْلَ النَّارِ قَبْلَ سُقوطِهِ المُريعِ في وَقْت مُحاكَمَةِ الرَّبِّ. وكانَ يَسوعُ قد حَذَّرَهُ مِنْ ذلك. فقد قالَ لهُ يَسوعُ في لوقا 22: 31: "سِمْعَانُ، سِمْعَانُ، هُوَذَا الشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ كَالْحِنْطَةِ!" فالشَّيطانُ يَسْعى خَلْفَكَ. وقد كانَ كذلكَ بالفِعْل. ولكِنَّهُ يَقولُ في العدد 32: "وَلكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لاَ يَفْنَى إِيمَانُكَ". وماذا كانَ مَوْقِفُ بُطْرُس مِنْ هذهِ التَّجرِبَة؟ لقد قال: "إنْ خَذَلَكَ الجَميعُ، أنا لَنْ أخْذِلَكَ". إنَّها ثِقَةٌ خاطِئَةٌ بالنَّفْس. فَهُوَ لم يَكُنْ يَعرِفُ كيفَ يُصَلِّي لأجْلِ نَفْسِهِ. وهُوَ لم يَكُنْ يَفْهَمُ الطَّبيعَةَ الصَّعْبَةَ لِضَعْفِهِ. وَهُوَ لم يَكُنْ قادرًا على فَهْمِ القُوى الَّتي سَيُواجِهُها. ولكِنَّهُ كانَ مَضْمونًا ليسَ بِإيمانِهِ الذَّاتِيِّ. وَقَدْ كانَ مَضْمونًا ليسَ بقُدْرَتِهِ الذاتِيَّةِ. بل إنَّهُ كانَ مَضمونًا لأنَّ الربَّ يَسوعَ صَلَّى لأجْلِهِ لكي لا يَفْنَى إيمانُهُ. وهذا العملُ الشَّفاعِيُّ الَّذي قامَ بِهِ الربُّ يَسوعُ المسيحُ هُوَ الَّذي حَفِظَ بُطرسَ. وَهَذا نَموذَجٌ على عَمَلِهِ بِوَصْفِهِ رَئيسَ الكَهَنَة. وَهُوَ حَيٌّ دائمًا لِيَشْفَعَ فينا.
والسَّبَبُ في أنَّكُمْ سَتَصِلونَ إلى المَجْدِ، والسَّبَبُ في أنَّكُمْ سَتَظَلُّونَ مُخَلَّصينَ وَمَضْمونينَ هُوَ أنَّ لَكُمْ رَئيسَ كَهَنَةٍ في السَّماءِ يَشْفَعُ فيكُمْ دائمًا. كذلكَ فأنْتُمْ لَدَيْكُمْ كَاهِنٌ مُتَشَفِّعٌ ثانٍ يَسْكُنُ فيكُمْ وَهُوَ: الرُّوحُ القُدُس. وما القُوَّةُ الَّتي يَتَطَلَّبُها ذلك؟ ما القُوَّةُ الإلهيَّةُ اللَّازِمَةُ لِنقْلِ المُؤمِنِ مِنَ النِّعْمَةِ إلى المَجْد؟ إنَّ ذلكَ يَتطلَّبُ شَفاعَةً مُستمرَّةً ولا تَنْتَهي ولا تَتَوَقَّفُ مِنَ الابْنِ والرُّوحِ القُدُس.
وهل تَظُنُّ أنَّكَ تَستطيعُ أنْ تَصْمُدَ وَحْدَكَ؟ نحنُ لا نَستطيعُ أنْ نَحْصُلَ على قِيامَةِ التَّمْجيدِ بقُوَّةِ أجْسادِنا. ونحنُ لا نَستطيعُ أنْ نَتَغَلَّبَ عَلى خَطيئَتِنا بأنْفُسِنا. ونحنُ لا نَستطيعُ أنْ نَحْمي أنفُسَنا مِنَ السُّقوطِ إلَّا إذا وَهَبَنا اللهُ إيمانًا يُساعِدُنا على عَدَمِ السُّقوطِ، وإلَّا إذا ضَمِنَ المَسيحُ والروحُ القدسُ ذلك. لذلكَ، أيًّا كانَتِ التَّجارِبُ الَّتي نَخْتَبِرُها في حياتِنا فإنَّ ذلكَ لا يَهُمُّ لأنَّ إيمانَنا لَنْ يُخْزَى. ومِنَ الأمثلةِ على ذلكَ: أيُّوب. فإيمانُنا لا يُخْزَى.
وعَودة إلى العدد 26، كيفَ يُعينُ الروحُ القُدُسُ ضَعَفاتِنا بالرَّغْمِ مِنْ حَقيقَةِ أنَّنا لا نَستطيعُ الدِّفاعَ عنْ أنْفُسِنا، حَتَّى مِنْ خِلالِ الصَّلاةِ، وَحَتَّى بالاتِّكالِ على القُوَّةِ الإلهيَّةِ؟ "الرُّوحُ نَفْسُهُ يَشْفَعُ" ... الرُّوحُ نَفْسُهُ يَشْفَعُ. "هُوبَرئينتونكانو" (huperentunchano)، وَهِيَ كَلِمَة قويَّة ومُرَكَّبَة مَعْناها أنْ تُنْقِذَ شَخْصًا تَعَرَّضَ لِخَطَرٍ شَديدٍ جِدًّا ولا يَستطيعُ أنْ يُنْقِذَ نَفْسَهُ – فالأمْرُ يُشْبِهُ شَخْصًا يَنْحَدِرُ مِنْ أَعلى الجَدْوَلِ المُتَّجِهِ إلى شَلالاتِ نياغْرا. فَهَذِهِ هِيَ قُوَّةُ التَّعبيرِ في هذا الفِعْل. فنحنُ في حَاجَةٍ إلى شخصٍ أَسْمَى مِنَّا، وأعلى مِنَّا، ولديهِ بَصيرَة أعْظَم مِنْ بَصيرَتِنا، وأقوى جِدًّا مِنَّا. وهذا كُلُّهُ يَتَوَفَّرُ في الروحِ القُدُسِ نَفْسِهِ. وكَمْ أُحِبُّ ذلكَ الضَّمير "آتو" (auto) الَّذي يُشيرُ إلى الروحِ القدس نَفْسِهِ. ليسَ إلى شَخْصٍ مُفَوَّضٍ مِنَ الروحِ القُدس، بل إلى الرُّوحِ نَفْسِهِ. فَهذا عَمَلُهُ. هذا هُوَ عَمَلُهُ. فَهُوَ الَّذي أَعْطانا حَياةً. وَهُوَ الَّذي يُغَيِّرُنا تَدريجيًّا على صُورةِ المَسيح. وَهُوَ الَّذي يَضْمَنُنا.
وكيفَ يَفعلُ ذلك؟ "بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا". ... "بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا". وأرْجو أنْ تَعلموا أنَّ الحَديثَ هُنا هُوَ ليسَ عَنِ الكَلامِ الفارِغِ وَالأجْوَفِ وَالتَّكَلُمِ بألْسِنَةٍ. فهذا ليسَ كَلامًا نابِعًا مِنْ حَالَةِ نَشْوَةٍ مُعَيَّنَةٍ. وهذا ليسَ أيَّ شَخصٍ يَقولُ أيَّ شَيءٍ يُمْكِنُ سَماعُهُ. بل إنَّ هذا يَصِفُ الروحَ القدسَ الَّذي يَقولُ أشْياءَ لا يُمْكِنُنا أنْ نَسْمَعَها. فَهذا ما يَقولُهُ النَّصُّ: "لاَ يُنْطَقُ بِهَا". فَهِيَ أنَّاتٌ صادِرَةٌ لا عَنْ بَشَرٍ، بلْ هِيَ أنَّاتٌ صَادِرَةٌ عنِ الروحِ القدسِ. والجَمالُ الأخَّاذُ هُنا هُوَ أنَّ قَلْبَ الروحِ القدسِ يَئِنُّ مِنْ أجْلِ تَمْجيدِ كُلِّ مُؤمِنٍ. وهذا الأنينُ، والشَّوقُ والتَّعاطُفُ إلى الاستعلانِ المَجيدِ لأبناءِ اللهِ يَجْعَلُ الروحَ القدسَ يَتَكَلَّمُ بِصَمْتٍ إلى الآبِ في حَديثٍ بينَ الأقانيمِ عَنْ خَيْرِ المُؤمِنين. فنحنُ ليسَ لَدَيْنا الضَّمان لأنَّ اللهَ قالَ ذلك فحسب، بل نحنُ لدينا الضَّمان لأنَّ اللهَ قالَ ذلكَ ولأنَّهُ يَحْرِصُ مِنْ خِلالِ عَمَلِ ابْنِهِ ورُوحِهِ القُدُّوسِ على تَحْقيقِ ذلك.
إنَّ الروحَ القدسَ يَفْهَمُ جَسَدَنا، ويَفهمُ ضَعْفَنا، ويَفهمُ تَجارِبَنا. وَهُو لا يُمْكِنُ البَتَّة أنْ يَقودَنا إلى مَوْقِفٍ لا يُمْكِنُنا احْتِمالُهُ. أليسَ كذلك؟ "لَمْ تُصِبْكُمْ تَجْرِبَةٌ إِلاَّ بَشَرِيَّةٌ". فاللهُ "سَيَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ أَيْضًا الْمَنْفَذَ". ونَجِدُ في يوحنَّا 18 مَثَلًا توضيحيًّا على ذلك. فحينَ جاءوا للقبضِ على يَسوعَ، لم يَسْمَحْ لهم بالقبضِ على التَّلاميذِ لأنَّ الكِتابَ كانَ لا بُدَّ أنْ يَتِمَّ بأنَّ أحدًا مِنْهُمْ لَنْ يُفْقَد. لذلكَ، فَإنَّهُ لَمْ يَسْمَحْ بأنْ يكونوا في مَوقِفٍ يُمْكِنُ فيهِ أنْ يَحْدُثَ ذلكَ الفُقْدان. فَهُوَ ليسَ ضَمانًا بالكَلامِ فقط، بل هُوَ ضَمانٌ دائِمٌ بواسِطَةِ عَمَلِ التَّشَفُّعِ الَّذي يَقومُ بهِ الابْنُ والروحُ القُدُس. فالروحُ القدسُ يَتوقُ إلى تَمْجيدِنا النِّهائِيِّ.
وهذا هُوَ قَلْبُ اللهِ حَقًّا. وقد كنتُ أَقرأُ الأصحاحَ الحادي عَشَرَ مِنْ سِفْرِ هُوْشَع فوصلتُ إلى العددِ الثَّامِنِ حيثُ يَقولُ اللهُ: "كَيْفَ أَجْعَلُكَ [أيْ: أَتَخَلَّى عَنْكَ] يَا أَفْرَايِمُ، أُصَيِّرُكَ يَا إِسْرَائِيلُ؟! كَيْفَ أَجْعَلُكَ كَأَدَمَةَ، أَصْنَعُكَ كَصَبُويِيمَ؟! قَدِ انْقَلَبَ عَلَيَّ قَلْبِي. اضْطَرَمَتْ مَرَاحِمِي جَمِيعًا". ولعِلْمِكُمْ، فإنَّ اللهَ لَمْ يَتَخَلَّ يومًا عَنْ إسرائيل بالمَعنى الحَقيقيّ. أليسَ كذلك؟ فَهُوَ سَيَرُدُّ إسرائيل. وهذا هوَ قلبُ اللهِ. كيفَ أَتَخَلَّى عَنْك؟
إنَّ هذهِ الأنَّاتِ لَها مُحْتَوى. وَلَها مَعْنى. وَلَها قَصْد. وَهِيَ أنَّاتٌ يُعَبَّرُ عَنْ كُلٍّ مِنْها على حِدَة في حَديثٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ الأقانيمِ يَخْلو مِنَ الكَلِماتِ وَيَسْمو عَلى أيِّ لُغَةٍ مِنْ أجْلِ ضَمانِ مَكانٍ لَكَ في السَّماء. ومَنِ الَّذي يَتَحَدَّثُ إليهِ الروحُ القدسُ؟ ارْجِعوا إلى العدد 27: "الَّذِي يَفْحَصُ الْقُلُوبَ يَعْلَمُ مَا هُوَ اهْتِمَامُ الرُّوحِ".
وَمَنْ يَكونُ هذا؟ مَنْ هُوَ الَّذي يَفْحَصُ القُلوبَ؟ حسنًا، نَقرأُ في 1صَموئيل 16: 7 أَنَّ "الإِنْسَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْعَيْنَيْنِ، وَأَمَّا الرَّبُّ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى الْقَلْبِ". ونَقرأُ في 1مُلوك 8: 39: "أَنْتَ وَحْدَكَ قَدْ عَرَفْتَ قُلُوبَ كُلِّ بَنِي الْبَشَرِ". ونَقرأُ في أخبار الأيَّامِ الأوَّل 28: 9: "لأَنَّ الرَّبَّ يَفْحَصُ جَمِيعَ الْقُلُوبِ، وَيَفْهَمُ كُلَّ تَصَوُّرَاتِ الأَفْكَارِ". ونَقرأُ في المَزمور 139: "يَا رَبُّ، قَدِ اخْتَبَرْتَنِي وَعَرَفْتَنِي. أَنْتَ عَرَفْتَ جُلُوسِي وَقِيَامِي". والمَزمورُ كُلُّهُ يُوَضِّحُ هذهِ الفِكرة. ونَقرأُ في أمْثال 15: 11: "اَلْهَاوِيَةُ وَالْهَلاَكُ أَمَامَ الرَّبِّ". ونَقرأُ في سِفْرِ إرْميا: "اَلْقَلْبُ أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ نَجِيسٌ، مَنْ يَعْرِفُهُ؟" وَيَأتي الجَوابُ: "أَنَا الرَّبُّ فَاحِصُ الْقَلْبِ". ونَقرأُ في سِفْرِ أعْمالِ الرُّسُل 1: 24: "أَيُّهَا الرَّبُّ الْعَارِفُ قُلُوبَ الْجَمِيعِ". ويقولُ كاتبُ الرسالةِ إلى العِبرانِيِّين: "وَلَيْسَتْ خَلِيقَةٌ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ قُدَّامَهُ، بَلْ كُلُّ شَيْءٍ عُرْيَانٌ وَمَكْشُوفٌ لِعَيْنَيْ ذلِكَ الَّذِي مَعَهُ أَمْرُنَا". لذلكَ فإنَّ الروحَ القدسَ يَشْفَعُ فينا مِنْ خِلالِ هذا التَّواصُلِ الخالي مِنَ الكَلِماتِ، مِنْ فِكْرِهِ الأزَلِيِّ المُقَدَّسِ إلى للهِ وَفِكْرِهِ. فاللهُ فاحِصُ القُلوبِ يَعْرِفُ فِكْرَ الروحِ القدسِ. لذلكَ فإنَّ التَّواصُلَ كامِلٌ بينَهُما لأنَّهُ يَشْفَعُ في القِدِّيسينَ بحسبِ مَشيئةِ اللهِ.
وما هِيَ مَشيئةُ اللهِ للقِدِّيسين؟ وما هِيَ مَشيئةُ اللهِ لَنا؟ أنْ نَتَمَجَّد؟ هل هذهِ هِيَ مَشيئَتُهُ؟ فَهَلْ كانتْ مَشيئَتُهُ هِيَ أنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ، فَهؤُلاَءِ دَعَاهُمْ أَيْضًا؟ وَالَّذِينَ دَعَاهُمْ، فَهؤُلاَءِ بَرَّرَهُمْ أَيْضًا؟ وَالَّذِينَ بَرَّرَهُمْ، فَهؤُلاَءِ مَجَّدَهُمْ أَيْضًا؟ وهل مَشيئَتُهُ هِيَ أنْ يَأتي بالبشرِ المَفديِّينَ إلى السَّماء؟ هل هذِهِ هِيَ مَشيئَتُهُ؟ وهل هذا هُوَ قَصْدُهُ؟ وهل هذِهِ هيَ خُطَّتُهُ؟ إنَّها خُطَّتُهُ بِكُلِّ تأكيد. فالآبُ وَضَعَ الخُطَّةَ. والابْنُ نَفَّذَها. والروحُ القدسُ يَحْفَظُها وَيَحْرُسُها. لذلكَ فإنَّ الروحَ يُصَلِّي مِنْ أجْلِ تَمْجيدِنا بِما يَتَّفِقُ معَ مَشيئةِ الآبِ. فالآبُ هُوَ الَّذي وَضَعَ خُطَّةَ تَمْجيدِنا. والابْنُ هُوَ الَّذي نَفَّذَ خُطَّةَ تَمْجيدِنا. والروحُ القدسُ هُوَ الذي يَحْمي تَمْجيدَنا. وهذهِ آيةٌ مُدهشةٌ حقًّا.
وفي أثناءِ سَيْرِكَ في الحَياةِ فإنَّكَ تُفَكِّرُ في أمورٍ كَثيرةٍ حَوْلَكَ وَخارِجَ نِطاقِ نَفْسِكَ. ولكِنْ هل فَكَّرتَ يومًا في أيِّ شَيءٍ في داخِلِكَ؟ هل فَكَّرتَ يومًا في العملَ الشَّفاعِيِّ المُستمرِّ لِرُوحِ اللهِ الَّذي لا يَنْعَسُ ولا يَنامُ لأنَّ اللهَ لا يَنْعَسُ ولا يَنام؟ وهل تُفَكِّرُ في حقيقةِ أنَّهُ في خِضَمِّ تَقَلُّباتِ وصِراعاتِ ومَشاكِلِ الحَياةِ، فإنَّ روحَ اللهِ يَشْفَعُ دائمًا فينا في صَمْتٍ، وفي تَواصُلٍ كامِلٍ معَ فِكْرِ اللهِ مِنْ أجْلِ تَتْميمِ مَقاصِدِ اللهِ؟ وهل تُفَكِّرُ في وُجودِ شَفيعٍ يُحامي عَنْكَ عِنْدَ تَوْجيهِ أيِّ تُهْمَةٍ إليكَ؟ وهذا الشَّفيعُ هُوَ يَسوعُ المسيحُ الَّذي يَجْلِسُ عَنْ يَمينِ الآبِ دِفاعًا عَنْكَ لأنَّهُ الَّذي دَفَعَ أُجْرَةَ خَطاياكَ بالكامِل؟ فهذا هُوَ ما يُوْصِلُكَ إلى المَجْد. ولهذا السَّبَبِ لا يُمْكِنُ لأيِّ شَخْصٍ أنْ يَدينَكَ.
والآن، هذا كُلُّهُ يَقودُ إلى الحَقِّ المُعْلَنِ في العدد 28. كُلُّ هذا يَقودُنا إلى العدد 28. وأنا أَعْلَمُ أنَّ الآيَة 28 هِيَ آيَةٌ مَعروفَة لأنَّ كُلَّ شَخْصٍ مَضَى على وُجودِهِ في الكَنيسَةِ أيّ وَقْتٍ يَعْرِفُها جَيِّدًا. وَهِيَ آيَةٌ تُقْتَبَسُ وَحْدَها غالبًا. ولكِنَّ السِّياقَ يُضْفي عليها مَعْنًى أَعْمَق. لذلكَ يجبُ عليكُمْ أنْ تَرَوْها في سِياقِها. "وَنَحْنُ نَعْلَمُ" – وَهَذا حَدَثٌ تابِعٌ، وَشَيْءٌ نَاجِمٌ عَمَّا سَبَق، وأَمْرٌ مُرْتَبِطٌ بِما سَبَق. فهذا يَحْدُثُ بسببِ الأنينِ، والخِدمةِ الشَّفاعيَّةِ للروحِ القدس، والتي تَتَوافَقُ تَمامًا مَعَ مَقاصِدِ اللهِ مِنْ أجْلِ تَحْقيقِ مَجْدِنا الأبَدِيِّ. فبسببِ عمَلِ الروحِ الشَّفاعِيِّ، وبسببِ قَصْدِ اللهِ واسْتِجابَتِهِ لِتَضَرُّعاتِ الرُّوحِ، فإنَّ "كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ".
وهذا لا يَحدثُ في الفَراغ. واسمَحوا لي أنْ أقولَ الآتي. فنحنُ لا نَستطيعُ أنْ نَتَعَمَّقَ في هذا كُلِّهِ. وقد قُمْتُ بذلكَ في السَّنواتِ السَّابقةِ إذْ تَعَمَّقْتُ في العدد 28. وهُناكَ الكَثيرُ لِنَقولَهُ عَنْها لأنَّها واحِدَة مِنَ الآياتِ الَّتي يُمْكِنُ التَّوَسُّعُ كَثيرًا في تَفسيرِها. ولكِن اسْمَحوا لي فقط أنْ أقولَ في هذهِ اللَّحظةِ إنَّ "الخَيْرَ" المُشارَ إليهِ هُنا هُوَ مَجْدٌ أبَدِيٌّ. إنَّ "الخَيْرَ" المُشارَ إليهِ هُنا هُوَ مَجْدٌ أبديٌّ لأنَّ المجدَ الأبديَّ هُوَ الهَدَفُ مِنْ كُلِّ شَيءٍ، كَما يُشيرُ العَدَد 30: "مَجَّدَهُمْ". ونَقرأُ في العدد 19: "اسْتِعْلاَنَ أَبْنَاءِ اللهِ". وفي العدد 21: "مَجْد أَوْلاَدِ اللهِ". فهذهِ هيَ الفِكرةُ الرَّئيسيَّةُ. والعَدَدان 24 و 25: "الرَّجاء" الَّذي لَنا. فالخَيْرُ المُشارُ إليهِ هُنا هُوَ مَجْدُنا الأبديُّ.
والنُّقطةُ الجَوهريَّةُ هِيَ: بسببِ خُطَّةِ اللهِ، وتَدْبيرِ المسيحِ، وحِمايَةِ الروحِ القدسِ مِنْ خِلالِ خِدْمَتِهِ الشَّفاعيَّةِ، فإنَّ اللهَ يَجْعَلُ كُلَّ الأشياءِ تَعملُ معًا لِخَيْرِنا الأخيرِ، والأبديِّ، والنِّهائِيِّ. فليستْ كُلَّ الأشياءِ في هذهِ الحياةِ تَعْمَلُ للخير – بل إنَّ العَكْسَ هُوَ الصَّحيح. صَحيحٌ أنَّكَ قَدْ تَسْتَخْلِصُ عِبْرَةً مِنْ ذلك. وصَحيحٌ أنَّكَ قَدْ تَسْتَخْلِصُ نَتيجَةً جَيِّدَةً مِنْ ذلك. وصحيحٌ أنَّ ذلكَ قَدْ يَقودُكَ إلى الرَّبِّ، أوْ قَدْ يُعَمِّقَ حَياةَ الصَّلاةِ لديكَ، ويُقَوِّيكَ، ويُعْطيكَ صَبْرًا، ويَجْعَلُكَ أكْثَر كَمالًا ونُضْجًا. وصحيحٌ أنَّ ذلكَ قد يَجعلُكَ قادرًا على تَقديمِ المَشورَةِ للآخرينَ وَتَشجيعِهِمْ لأنَّكَ تَستطيعُ أنْ تُعَزِّي الأشخاصَ الذينَ يَختبرونَ صِراعاتٍ مُشابِهَةٍ لِصراعاتِكَ الَّتي حَصَلْتَ على التَّعزيةِ فيها.
وهذه كُلُّها حَقائَق رائِعَة، ولكِنَّها ليسَتِ الخَيْرَ المُشارَ إليهِ هُنا. فالخيرُ المَذكورُ في هذا المَقطعِ هُوَ ذلكَ الخَيْرُ النِّهائِيُّ والأخيرُ المُتَمَثِّلُ في تَمْجيدِ المُؤمِنينَ الحقيقيِّين. وهذا الخَيْرُ النِّهائِيُّ وَالأفْضَلُ مَضْمونٌ لَنا. فاسْتِجابَة للعملِ الشَّفاعيِّ للروحِ القدسِ المُبارَكِ، فإنَّ اللهَ يَجْعَلُ كُلَّ الأشياءِ تَعملُ معًا للخيرِ. وهذا هُوَ نِطاقُ الضَّمانِ. فَهَذا هُوَ ما نَقْرَأُ عَنْهُ هُنا – نِطاقُ الضَّمانِ: "كُلَّ الأشياءِ" ... "كُلَّ الأشياءِ" ... "كُلَّ الأشياءِ". وما مَعنى ذلك؟ أنَّهُ لا يُمْكِنُ لأيِّ شَيءٍ أنْ يُغَيِّرَ الخَيْرَ الأسْمَى – لا شَيء. وهذهِ هِيَ الطَّريقةُ الإيجابيَّةُ لِقَوْلِ إنَّنا لَسْنا تَحْتَ الدَّينونَة. فلا حُدودَ لذلك. "كُلَّ الأشياء" ... "بانتو" (pantos) – أيًّا كانَتْ طَبيعَتُها، وأيًّا كانَ عَدَدُها، وأيًّا كانَ نِطاقُها، وأيًّا كانَتِ الأشياءُ الَّتي قَدْ تَحْدُثُ في هذا العالمِ السَّاقِطِ الفاسِدِ في حَياةِ النَّاسِ الَّذينَ ما زالوا يَحْمِلونَ ثِقْلَ اللَّعْنَةِ في بَشَرِيَّتِهِمْ غيرِ المَفْدِيَّةِ – كُلَّ الأشياءِ. فاللهُ يَجْعَلُ كُلَّ مَا قَدْ يَحْدُثُ، كُلَّ الأشياءِ، تَعْمَلُ معًا لِخَيْرِنا النِّهائِيِّ.
والعِبارَةُ "تَعْمَلُ معًا" هي تَرْجَمَة للكلمة "سينيرجي" (sunergei)، وَمَعْناها: "تَعاوُن". فاللهُ هُوَ أعْظَمُ مَنْ يَسْتَخْدِمُ التَّعاوُنْ. ويمكننا أنْ نَقولَ إنَّ هذا هُوَ المَقصودَ بالعِنايةِ الإلهيَّةِ ... عِنايَةِ اللهِ. فكُلُّ الأشياءِ قد لا تكونُ خَيِّرَةً في ذاتِها بالضَّرورة. وكُلُّ الأشياءِ قد لا تَجْتَمِعُ معًا لِتُشَكِّلَ معًا شَيئًا خَيِّرًا في هذهِ الحياةِ. وهناكَ أشْخاصٌ مِنْكُمُ يُعايِشونَ ذلك. فالحياةُ لا تأتي بالخيرِ دائمًا. فهناكَ الأمراضُ، وفُقدانُ الوَظيفَةِ، وفُقدانُ المَنْزِلِ، وفُقدانُ الكَثيرِ مِنَ الأشياءِ والأصدقاءِ. ولكِنْ في النِّهاية، هُناكَ خَيْرٌ، الخَيْرُ الأسْمَى، والمَجْدُ الأبديُّ، الَّذي سَيَتَحَقَّق بِكُلِّ تأكيد. وهذا النَّوْعُ مِنَ الخَيرِ هُوَ المَقصودُ هُنا. وَهُوَ مُرْتَبِطٌ بالرَّجاءِ المَذكورِ في العَدَدَيْن 24 و 25، أيْ بِرَجائِنا الأبَدِيِّ.
وهذا خَيْرٌ بالمَعْنى الأدَبِيِّ، وليسَ "كالوس" (kalos) الَّتي تُشيرُ إلى الخَيْرِ بالمَعْنى الَّذي نَراهُ بأعْيُنِنا. فالكلمة هُنا هي "أغاثوس" (agathos)، وَهِيَ تُشيرُ إلى الخيرِ بالمَعنى الأدَبِيِّ، أيِ الخَيْرِ الحَقيقيِّ، والخَيرِ الفِعليِّ، والخيرِ الأسْمى الَّذي يَجْعَلُنا نَقولُ إنَّ الأشياءَ الخَيِّرَةَ ... (ومِنَ الواضِحِ أنَّ الحَياةَ مُفْعَمَةٌ بالأشياءِ الخَيِّرَةِ الَّتي نَتَبارَكُ بها) ... إنَّ الأشياءَ الخَيِّرَةَ تَعملُ معًا لِخَيْرِنا. ولكِنَّ الأشياءَ السَّيِّئَةَ تَعْمَلُ لِخَيْرِنا أيضًا. فالأشياءُ السيِّئةُ تَعملُ معًا لِخَيرِنا (كالألمِ، والصِّراعِ مَع التَّجْرِبَة، وَحَتَّى الخَطِيَّة). فاللهُ يُمْسِكُ كُلَّ هذهِ الأشياءِ ويَجْعَلُها تَعملُ معًا لِخَيْرِنا اسْتِجابَةً للعملِ الشَّفاعِيِّ للروحِ القدس.
لذلكَ فإنَّ هذا هُوَ مُستوى الضَّمانِ الَّذي لَدينا. وكيفَ يُعْقَلُ أنْ نَفْقِدَ خَلاصَنا إنْ كانَ كُلُّ شَيءٍ يَعملُ معًا لِخَيْرِنا الأبديِّ؟ فلا يُوْجَدُ خِيارٌ آخَر.
لذلكَ فإنَّ هذا هُوَ مُستوى الضَّمانِ الَّذي لَدينا. وَمَنِ الذينَ يَسْتَفيدونَ مِنْ ذلك؟ مَنِ الَّذينَ يَستفيدونَ مِنْ هذا الضَّمانِ وَهَذا الوَعْدِ؟ في عُجالَة، نَقرأُ في العدد 27 أنَّ الروحَ يَشْفَعُ "فِي الْقِدِّيسِينَ". ... "في القِدِّيسينَ" – أيْ في أولئكَ الأشخاصِ المُقَدَّسينَ الذينَ اكْتَسَوْا بِبِرِّ المَسيحِ وصَاروا مُقَدَّسينَ أمامَ اللهِ. ولكِنَّ العَدَد 28 يُقَدِّمُ وَصْفًا آخَرَ لهؤلاءِ إذْ نَقْرَأ: "لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ" ... "لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ". فَهؤلاءِ هُمُ الذينَ يَحْصُلونَ على ذلك.
هل سَبَقَ أنْ فَكَّرْتَ في السُّؤالِ التَّالي: "كيفَ يُمْكِنُنا أنْ نَعْلَمَ إنْ كانَ هذا الشَّخْصُ أوْ ذاكَ مُؤمِنًا مَسيحيًّا حَقيقيًّا؟" فهل يَكْفي أنْ نَسْمَعَهُ يُصَلِّي صَلاةً أوْ نَعْلَمُ أنَّهُ يَذهبُ إلى الكنيسة؟" كيفَ نَعْلَمُ إنْ كانَ هذا الشَّخصُ مُؤمِنًا حَقيقيًّا؟ إليكُمْ الجَواب: المُؤمِنونَ الحَقيقيُّونَ يُحِبُّونَ اللهَ ... يُحِبُّونَ اللهَ ... إنَّهُمْ يُحِبُّونَ اللهَ. ولكِنْ لماذا يُحِبُّونَ اللهَ؟ لأنَّهُمْ الَّذينَ دَعاهُمْ. فهذهِ دَعوةٌ فِعليَّةٌ. إنَّها دَعوةٌ فِعليَّة. فهيَ ليسَتْ دَعوةً كتلكَ الَّتي نَقرأُ عنها في مَتَّى 22 حينَ دَعا الرَّبُّ النَّاسَ إلى المَجيءِ. بل هِيَ دَعوةٌ فِعليَّةٌ. وَهِيَ دَعوةٌ مُؤكَّدَةٌ. فنحنُ نَقرأُ في العدد 30: "وَالَّذِينَ دَعَاهُمْ، فَهؤُلاَءِ بَرَّرَهُمْ أَيْضًا". فهذهِ دَعوةٌ مِنَ الموتِ الروحيِّ إلى الحَياة. إنَّها دَعوةٌ فِعليَّة، كَما يُسَمِّيها اللَّاهُوتِيُّونَ. فجميعُ المَدْعُوِّينَ بهذهِ الطريقةِ مَدْعُوُّونَ إلى الحياةِ، وإلى الخَلاصِ بقُوَّةِ الروحِ القدسِ. ثُمَّ نَقْرَأُ أنَّ هَؤلاءِ يُحِبُّونَ اللهَ.
إذًا كيفَ نُمَيِّزُ المُؤمِنينَ الحَقيقيِّينَ؟ إنَّهُمْ يُحِبُّونَ اللهَ ... إنَّهُمْ يُحِبُّونَ اللهَ. فهذهِ هيَ الخُلاصَة: إنَّهُمْ يُحِبُّونَ اللهَ ... أنَّهُمْ يُحِبُّونَ المَسيح. "إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُحِبُّ الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ فَلْيَكُنْ مَلْعونًا" (كَما جاءَ في 1كورِنثوس 16: 22). فالمسيحيَّةُ الحَقيقيَّةُ تَعْني أنْ نُحِبَّ المَسيح ... أنْ نُحِبَّ المسيح. فنحنُ نُشبهُ تلكَ المرأة المذكورة في لوقا 7 في أنَّنا نُحِبُّهُ كَثيرًا لأنَّهُ غَفَرَ لَنا كَثيرًا. والوصيَّةُ العُظمى في العهدِ القديمِ هي: تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِك. ونحنُ نَتوقُ إلى ذلك. صَحيحٌ أنَّنا لا نَفعلُ ذلك، ولكِنَّنا نُحِبُّ اللهَ حَقًّا. ونَقرأُ في كُلِّ الكِتابِ المقدَّسِ أنَّ المؤمنينَ الحقيقيِّينَ هُمْ أولئكَ الذينَ يُحِبُّونَ اللهَ. "لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ. إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ الْعَالَمَ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَحَبَّةُ الآبِ". فنحنُ نُحبُّ اللهَ. ونحنُ نُحِبُّ يسوعَ المسيح.
وَهُوَ حُبٌّ يَتَرَكَّزُ على جَلالِ مَجْدِهِ. وَهُوَ حُبٌّ يَتوقُ إلى عِبادَتِهِ وإلى تَسْبيحِهِ. وَهُوَ حُبٌّ يَجْعَلُنا نُحِبُّ الشَّرِكَةَ مَعَ الذينَ يُحِبُّونَهُ. وَهُوَ حُبٌّ يَجْعَلُنا نُحِبُّ الذينَ يُحِبُّونَهُ والمَحبوبينَ مِنْهُ. وَهُوَ حُبٌّ يَجْعَلُنا نَأتي إلى الشَّرِكَةِ معَ اللهِ، وإلى العَلاقَةِ الحَميمَةِ مَعَهُ. وهُوَ حُبٌّ يَجْعَلُنا نَرْغَبُ في مَعْرِفَةِ المَزيدِ عنِ اللهِ وكلمةِ اللهِ ... أنْ نَعْرِفَ المَزيد. وهُوَ حُبٌّ يَجْعَلُنا مُرْهَفي الحِسِّ تُجاهَ الأشياءِ الَّتي تُمَجِّدُ اللهَ وَالأشياءِ الَّتي لا تُمَجِّدُهُ. وَهُوَ حُبٌّ يَجْعَلُنا نُبْغِضُ الأشياءَ الَّتي يُبْغِضُها اللهُ، وَنُحِبُّ الأشياءَ الَّتي يُحِبُّها اللهُ. وهُوَ حُبٌّ يَجْعَلُنا نَحْزَنُ حينَ نُخْطئ، ونَفْرَحُ حِيْنَ نَفْعَلُ البِرَّ. وَهُوَ حُبُّ يَجْعَلُنا نُبْغِضُ الأشياءَ العالَمِيَّةَ. وَهُوَ حُبٌّ يَجعَلُنا نَتَرَقَّبُ مَجيءَ يسوعَ المَسيحِ ثانِيَةً. ولكِنَّ الأهَمَّ مِنْ ذلكَ هُوَ أنَّهُ حُبٌّ يَجْعَلُنا نُطيعُ الكِتابَ المقدَّسَ. "إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي" افْعَلوا ماذا؟ "احْفَظُوا وَصَايَايَ". "اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي".
ولِجَميعِ أولئكَ المُؤمنينَ الحقيقيِّينَ الذينَ يُحِبُّونَ الرَّبَّ، فإنَّ الوَعْدَ هُوَ وَعْدٌ رائِعٌ. فالروحُ القدسُ يَشْفَعُ فينا في تَوافُقٍ تامٍّ معَ مَشيئةِ اللهِ حَتَّى إنَّ اللهَ يَجْعَلُ كُلَّ الأشياءِ الَّتي تَحْدُثُ في حَياةِ أولئكَ الذينَ يُحِبُّونَهُ تَعْمَلُ معًا في نِهايةِ المَطافِ لِخَيْرِهِمِ الأبديِّ ولِمَجْدِهِمِ الأبديِّ لأنَّ هذا هُوَ قَصْدهُ مُنْذُ الأَزَل. فَهُمْ مُعَيَّنونَ مُسَبَّقًا لهذهِ الغايَة. هذا هُوَ عَمَلُ الروحِ القدس. وأعتقدُ أنَّهُ حانَ الوقتُ في كنيسةِ الربِّ يسوعَ المسيحِ أنْ نُعْطي الكَرامَةَ للروحِ القدس، وأنْ نَعْبُدَهُ، وأنْ نُحِبَّهُ، وأنْ نُعْطيهِ المَجْدَ الَّذي يَليقُ بِهِ، وأنْ نَتوقَّفَ عَنِ الهُراءِ الَّذي يُسِيءُ إلى اسْمِهِ القُدُّوسِ.
نحنُ نَفعلُ الكثيرَ تَعْبيرًا عَنْ عِبادَتِنا للهَ. ونحنُ نَقولُ الكثيرَ تَعْبيرًا عَنْ عِبادَتِنا للهَ. ويبدو أنَّنا في هذا العَصْرِ تَحْديدًا نَحْتَفِلُ كَثيرًا. ولكِنَّنا لا يُمْكِنُ أنْ نَحْتَفِلَ أكْثَرَ مِنَ اللَّازِمِ بالآبِ، أوِ الابْنِ، أوِ الصَّليبِ، أوْ عَمَلِ المَسيحِ. فلا يُمْكِنُنا أنْ نُبالِغَ في الاحْتِفالِ بذلك. ولكِنْ في وَسَطِ هذا كُلِّهِ، يَبْدو أنَّنا قَدْ نَسينا الرُّوحَ القُدُسَ وَأَهْمَلْناه. ولَكِنَّهُ مُعادِلٌ للهِ ويَسْتَحِقُّ أنْ يُعْطي الإكْرامَ والتَّمْجيدَ نَفْسَهُ.
إنَّ هذهِ الأشياءَ هيَ أُمورٌ يَقينيَّةٌ لدينا. فنحنُ نَقرأُ في العدد 28: "وَنَحْنُ نَعْلَمُ" ... "نَحْنُ نَعْلَمُ". فهذا ليسَ احْتِمالًا وارِدًا، بل إنَّنا نَعْلَمُ ذلكَ يَقينًا. فَنَحْنُ لَدينا اليَقينَ بِضَمانِنا. "نَحْنُ نَعْلَمُ". وكيفَ نَعْلَمُ ذلك؟ لأنَّنا نَعْرِفُ قَصْدَ اللهِ مِنْ تَعْيينِ المَفْدِيِّينَ سابِقًا، وَدَعْوَتِهِمْ، وتَبْريرِهِم، وتَمْجيدِهِم. فهذِهِ هيَ الخُطَّة. والمسيحُ قَدَّمَ الذَّبيحَةَ اللَّازِمَةَ. والروحُ القدسُ يَضْمَنُ اسْتِمرارَ الخُطَّةِ إلى النِّهايَة.
والآنْ، بِسَبَبِ عُمْقِ العَدَدَيْن 29 و 30، سَنُرْجِئُ التَّأمُّلَ فيهِما للمَرَّةِ القادِمَةِ. ولكِنِّي أريدُ مِنْكُمْ أنْ تَسْمَعوني الآن. فعادَةً، حينَ أَنْتَهي مِنَ التَّأمُّلِ في كلمةِ اللهِ مَعَكُمْ فإنِّي أَخْتمُ بالصَّلاةِ ثُمَّ يَمْضي كُلٌّ مِنْكُمْ في سَبيلِهِ. ولكِنِّي لا أَعْلَمُ إلى أيْنَ تَذْهَبون. ولا أَعْلَمُ ما الأمْرُ العاجِلُ الَّذي يَدْفَعُكُمْ إلى المُغادَرَةِ سَريعًا. ولكِنِّي أشْعُرُ أنَّهُ التَّبْكيتُ العَميقُ. فَيَبْدو أنَّ مَنْ يُغادِرُ أوَّلًا يَشْعُرُ بِتَبْكيتٍ أكْبَر. لذلكَ، أَوَدُّ أنْ أسألَكُمْ الآتي: عندما أعَلِّمُ كلمةَ اللهِ فإنَّ روحَ اللهِ يَعْمَل. ألا تُؤمِنونَ بذلك؟ وأحْيانًا يَنْتَهي الأمْرُ هُنا. لذلكَ، ما سَنَفْعَلُهُ هُوَ أنَّني سَأَخْتِمُ بالصَّلاةِ مَعَكُمْ في نِهايةِ خِدْمَتِنا هذهِ. وكما تَعلمونَ فإنَّ غُرْفَةَ الصَّلاةِ مَفتوحَةٌ وَمُتاحَةٌ لَكُمْ حيث تَجِدونَ كُلَّ مُساعَدَةٍ مُمْكِنَةٍ رُوحِيًّا ... كُلَّ ما تَحْتاجونَهُ. وأُذَكِّرُكُمْ بأنَّ مَرْكِزَ العُضْوِيَّةِ مَفْتوحٌ لِمَنْ يَرْغَبُ في أنْ يَصيرَ عُضْوًا في الكَنيسَةِ، أوْ لِمَنْ يَرغبُ في الحصولِ على مَعلوماتٍ عنِ المَعموديَّةِ. وأنْتُمْ تَعرِفونَ هَذا كُلَّهُ.
ولكِنِّي سأطلُبُ مِنْكُمْ بعدَ الصَّلاةِ الخِتامِيَّةِ أنْ تَبْقوا جالِسينَ بِهُدوءٍ وأنْ تَتَأمَّلوا وَتَتَفَكَّروا في ما سَمِعْتُموه في حين يَعْزِفْ "ستيف" لمُدَّة ثلاثينَ ثانية تَقريبًا موسيقى هادئة. ولنحاوِلْ أنْ نَهْدَأ قليلًا وَأنْ نَفْحَصَ ذَواتنا. حَسَنًا؟ وحينَ يَضْرِبُ بِقَدَمَيْهِ الاثْنَتَيْن، فإنَّ هذهِ إشَارَة بأنَّهُ بإمْكانِكُمْ أنْ تُغادِروا. هل يُمْكِنُنا أنْ نَفعلَ ذلك؟ إذًا سوفَ نُنْهي وَقْتَنا معًا بطريقةٍ تأمُّلِيَّةٍ بعدَ هذهِ الصَّلاة.
نَشكُرُكُ، يا أبانا، ... نَشْكُرُكَ على كُلِّ شَيء. ماذا عَسانا أنْ نَقول؟ ماذا عَسانا أنْ نَقول؟ وماذا يُمْكِنُنا أنْ نَسْتَوْعِبَ مِنْ رَوْعَةِ هَذِهِ النِّعمةِ، ومِنْ هذهِ الرَّحْمَةِ الواسِعَةِ الَّتي رَحَمْتَنا بها؟ ونَشْكُرُكَ لا فقط لأنَّكَ أعْطَيْتَنا المَسيحَ كَمُحامٍ سَماوِيٍّ عَنَّا، بل لأنَّكَ أعطيتَنا أيضًا الروحَ القدسَ كَشَفيعٍ أرْضِيٍّ يَئِنُّ منْ أجْلِ تَمْجيدنا. وأنْتَ تَسْمَعُ وَتَسْتَجيب. ونحنُ نَتَمَتَّعُ بالضَّمانِ بواسِطَةِ مُدافِعٍ خارِقٍ للطَّبيعَةِ. ونحنُ نُعطيكَ المَجْدَ، يا ابْنَ اللهِ، على العَمَلِ العَظيمِ الَّذي عَمِلْتَهُ على الصَّليبِ، وعلى الثَّمَنِ الَّذي دَفَعْتَهُ مِنْ أجْلِ فِدائِنا. ونحنُ نُعْطيكَ المَجْدَ، أيُّها الرُّوحُ القُدُسُ المُبارَكُ، لأنَّكَ تُجَدِّدُنا، وَتُقَدِّسُنا، وَتَضْمَنُنا، ولأنَّكَ ستقومُ ذاتَ يَوْمٍ بتَمْجيدِنا. ونحنُ نُريدُ أنْ نُكْرِمَكَ، أيُّها الإلَهُ المُثَلَّثُ الأقانيمِ، بكُلِّ طَريقةٍ مُمْكِنَةٍ، وأنْ نَحْيا حَياةً تَشْهَدُ عَنْ كُلِّ حَقٍّ يَخْتَصُّ بِكَ بِكُلِّ ما أُوْتِيْنا مِنْ قُوَّةٍ وقُدْرةٍ بِوَصْفِنا بَشَرًا ضُعَفاء. ونَشْكُرُكَ لأنَّكَ جَعَلْتَنا أولادًا لَكَ، وتَبَنَّيْتَنا كأولادٍ لَكَ. ونحنُ نَئِنُّ أيضًا إلى يَوْمِ تَمْجيدِنا، إلى اليومِ الَّذي سَنَجْثو فيهِ عِنْدَ قَدَمَيْكَ ونَعْبُدُكَ فيهِ، يا رَبُّ، ببِرٍّ كامِلٍ. هذهِ هِيَ صَلاتُنا. وإلى أنْ يَحْدُثَ ذلكَ، فإنَّنا نُقَدِّمُ لكَ طَوالَ رِحْلَةِ النِّعْمَةِ هذهِ طَاعَتَنا لَكَ لكي يَتَمَجَّدَ المَسيحُ، ويَرْتَفِع، وَيَجْذِب آخَرينَ إليه. نُصَلِّي هذا باسْمِهِ.

This article is also available and sold as a booklet.