Grace to You Resources
Grace to You - Resource

لِنَفْتَحِ كَلِمَةَ اللهِ عَلى الأصْحاحِ الثَّامِنِ مِنْ رِسالَةِ رُومية. وسوفَ نَتأمَّلُ مبدئيًّا في آيَتينِ فقط ... آيَتينِ فقط. ولكِنْ لكي يَرْسَخَ المَقطعُ الكِتابيُّ في أذهانِكُم، سَأقرأُ ثلاثَ آياتٍ وَهِيَ 28 و 29 و 30. فَهِيَ تُؤلِّفُ مَقطعًا واحدًا. وقد تأمَّلنا سابقًا في العدد 28، وفي النِّصْفِ الثَّاني مِنَ العدد 29. ولكِنِّي أَوَدُّ أنْ أقرأَ هذهِ الآياتِ على مَسامِعِكُم:

رومية 8: 28: "وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ. لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ، لِيَكُونَ هُوَ بِكْرًا بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ. وَالَّذِينَ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ، فَهؤُلاَءِ دَعَاهُمْ أَيْضًا. وَالَّذِينَ دَعَاهُمْ، فَهؤُلاَءِ بَرَّرَهُمْ أَيْضًا. وَالَّذِينَ بَرَّرَهُمْ، فَهؤُلاَءِ مَجَّدَهُمْ أَيْضًا".

والآنْ، كما عَرَفْنا، ولمُجَرَّدِ إعطائِكُم صُورة عامَّة، ولَنْ أُطيلَ الحَديثَ في هذهِ النُّقطة، ولكِنَّها نُقطةٌ مُهمَّة. فكما ذَكَرْتُ سابقًا، فإنَّ العملَ المُنْعِمَ والعَظيمَ والعَجيبَ الَّذي يَقومُ بهِ الروحُ القدسُ نِيابةً عَنْ كُلِّ مؤمنٍ مَسيحيٍّ هُوَ أكْثَرُ مِنْ كَافٍ لِحَفْزِنا على العِبادةِ مِنْ كُلِّ قُلوبنا بفرحٍ وامتِنان. والعِبادةُ هيَ الأولويَّةُ الأولى لدى المُؤمِن. فنحنُ عابِدونَ أوَّلًا وأخيرًا. والآبُ يَطْلُبُ عابِدينَ حَقيقيِّينَ. ونحنُ الذينَ نَعبُدُ بالروحِ، كما يَقولُ الرسولُ بولُس. فنحنُ عابِدونَ أولًّا وأخيرًا. وموضوعُ عِبادَتِنا هُوَ اللهُ المُثَلَّثُ الأقانيم: الآب، والابْن، والروح القُدُس.

وبصورةٍ مَبدئيَّةٍ، فإنَّنا على اطِّلاعٍ جَيِّدٍ بعبادةِ اللهِ الآبِ. فنحنُ نَفهمُ صِفاتِهِ، ونَفهمُ أعمالَهُ العَظيمَةَ، ونَحْتَفِلُ بها مِنْ خِلالِ عِبادَتِنا الفَرديَّة والجَماعيَّة. ونحنُ على اطِّلاعٍ جَيِّدٍ أيضًا بعبادةِ ابْنِ اللهِ. فنحنُ نَفهمُ حَياتَهُ وخِدمَتَهُ. ونحنُ نَفهمُ مَوتَهُ، وقيامَتَهُ، وصُعودَهُ، وعَمَلَهُ الشَّفاعِيَّ، ومَجيئَهُ الثَّاني. ونحنُ نَفْعَلُ حَسَنًا حينَ نَعْبُدُ اللهَ الابْنَ. ولكِنَّنا، في الكنيسةِ الإنجيليَّةِ على أقَلِّ تَقدير، لا نَفهمُ خِدمةَ الروحِ القدسِ. لذلكَ، فإنَّنا لا نَعبُدُ الروحَ القدسَ كما يَنبغي. ولذلكَ فإنَّنا لا نَعبُدُ اللهَ المُثَلَّثَ الأقانيمَ العِبادةَ الكاملةَ الَّتي تَليقُ بِه.

إنَّ عِبادَتَنا للروحِ القدسِ لا تَختلفُ عَنْ عِبادَتِنا للهِ الآبِ واللهِ الابْنِ. فَهِيَ صَحيحَةٌ تمامًا، وطاهِرَةٌ تمامًا، ولائقةٌ تَمامًا – ولا سِيَّما حينَ تَقْتَرِنُ بمَعرفةِ شَخْصِ الروحِ القدسِ وعَمَلِه. ولَمَّا كانَتْ هذهِ مُشكلة واضحة في العالمِ الإنجيليِّ اليوم، فقد انْطَلَقنا في رِحلةٍ نَستكشِفُ فيها خِدمةَ الروحِ القدسِ الَّتي يَستحقُّ أنْ يُعبَدَ عليها. وأودُّ أن أقولَ في البداية إنَّ الروحَ القدسَ لا يَقِلُّ سِيادَةً عنِ الابْنِ أوِ الآبِ. إنَّهُ لا يَقِلُّ سِيادَةً. فَهُوَ لا يَقِلُّ في سُلْطانِهِ عَنْ أيٍّ مِنَ الأُقْنومَيْنِ الآخَرَيْن. لذلكَ يَنبغي أنْ يُطاعَ كما هِيَ الحالُ معَ الابْنِ والآبِ. وينبغي أنْ يُكْرَمَ ويُخْضَعَ لَهُ كما هِيَ الحالُ معَ الابْنِ والآبِ.

ولكِنَّ الكنيسةَ الإنجيليَّةَ عَامَّةً في وقتِنا الرَّاهِنِ قد خُدِعَتْ فيما يَختصُّ بفَهْمِ شَخْصِ الروحِ القدسِ، وعَمَلِهِ، وخِدْمَتِهِ. لذلكَ، فإنَّ عِبادَتَنا للروحِ القدسِ ليسَتْ كَما يَنبغي، بل هِيَ مُحاطَة بالجَهْل. فالحركةُ الخمسينيَّةُ الَّتي ابتدأتْ في بدايةِ القرنِ العِشرين أَنْتَجَتْ مَفاهيمَ خاطِئَة لا نِهايَةَ لها عنِ الروحِ القدسِ، وأَساءَتْ إلى الروحِ القدسِ إساءاتٍ لا مُتَناهِيَةً، وَجَدَّفَتْ كَثيرًا على اسْمِ الروحِ القدس. وباسْمِ الوَحْدةِ، وباسْمِ المحبَّةِ، وباسْمِ القَبولِ، قَرَّرَتِ الكَنيسةُ الإنجيليَّةُ ألَّا تُصَحِّحَ هذا الخَطأَ الواسِعَ الانتشار. ولكِنَّ التَّحَفُّظَ في مُعالجةِ هذا الخَطَأ هُوَ أمْرٌ خَطير. فينبغي تَصْحيحُ هذهِ الضَّلالَة وكَشْفُها.

إنَّ نَظرةَ الحركةِ الخمسينيَّةِ إلى الروحِ القدسِ هي نَظرةٌ خاطئةٌ. فَهِيَ لا تَنظُرُ إلى الروحِ القدسِ بِصِفَتِهِ اللهَ صَاحِبَ السِّيادَةِ، ولا بِصِفَتِهِ الروحَ المُهَيْمِنَ الَّذي يَقودُ المُؤمِنَ، ولا بِصِفَتِهِ الروحَ الَّذي يَنبغي أنْ نَخْضَعَ لَهُ ونُطيعَ كَلِمَتَهُ، بل إنَّهُمْ يُصَوِّرونَ الروحَ القدسَ كَقُوَّة وليسَ كشَخْص. فَهُوَ في نَظَرِهِمْ مُجَرَّد قُوَّة خارِقَة للطَّبيعةَ تَخْدِمُ المُؤمِنَ، وتَخْضَعُ لإرادَتِهِ، وتُحَقِّقُ رَغَباتِهِ، وَتَعْمَلُ مَشيئَتَهُ، وَتَفْعَلُ ما يَقولُهُ المُؤمِنُ لَها، وتَأتَمِرُ بِأمْرِ المُؤمِن. فالروحُ القدسُ (في نَظَرِهِمْ) يُحَقِّقُ للمؤمنِ رَغَباتِهِ الشخصيَّة، وأُمنياتِهِ الشخصيَّة، وما يَتَمَنَّاهُ على الصَّعيدِ الشخصيِّ، وطُموحاتِهِ الشخصيَّةِ، وما يَطْلُبُهُ بخصوصِ صِحَّتِهِ، وثَرائِهِ، ورَخائِهِ، وتَوْقِهِ إلى دُخولِ عالمِ الخِبراتِ التَّصَوُّفِيَّةِ والمَشاعِرِ الباطِنِيَّةِ. فهذهِ جَميعُها (في نَظَرِهِم) هيَ أمورٌ يَقومُ بها الروحُ القدسُ استجابةً لِمَطالِبِ المُؤمِنِ وما يُعَبِّرُ عنهُ مِنْ خِلالِ كَلِماتِهِ.

فعلى سبيلِ المِثالِ، هُناكَ واعِظٌ مَشهورٌ في الحركةِ الخَمسينيَّةِ يُدْعى "بِني هِن" (Benny Hinn). وإليكُمْ ما يَقولُهُ "بِني هِن": "لا تَذهبْ يومًا إلى الربِّ وتَقُلْ لَهُ: ’إنْ كانَتْ هذهِ هِيَ مَشيئَتُك‘". وَهُوَ يَقولُ أيضًا: "إنَّ عَمَلَ الروحِ القدسِ يَتوقَّفُ على كَلِماتي. فهوَ لن يَتحرَّكَ إلَّا حينَ أقولُ لهُ أنْ يَفعلَ ذلك". إذًا، فَهُوَ المُهَيْمِنُ. والروحُ القدسُ هُوَ مُجَرَّد قُوَّة خارقة للطَّبيعة تَعملُ استجابةً لكلماتِهِ. ويُمكنُكم أنْ تَلْحَظوا ذلكَ في كُلِّ الكَلامِ الَّذي يَنْطِقُ بهِ الواعِظونَ الَّذينَ يُرَكِّزونَ على فِكرةِ أنَّ الإنسانَ قادرٌ على الحُصولِ على كُلِّ ما يَطْلُبْ إنْ كانَ يَطْلُبُهُ بإيمان. ومِنَ الأمثلةِ على ذلكَ "جُويل أوستين" (Joel Osteen). وهذا التَّضليلُ يَرْجِعُ إلى "كينيث هيجين" (Kenneth Hagin) الَّذي سَرَقَ هذهِ الأفكارَ مِنْ "إي. دبليو، كينيون" (E.W. Kenyon) الَّذي أَخَذَ هذهِ الأفكارَ عَنْ جَماعَةِ العِلْمِ المَسيحيِّ. ولكِنَّ هؤلاءِ جَميعًا يَنْظُرونَ إلى الروحِ القدسِ بالطَّريقةِ نَفْسِها. فَهُوَ في نَظَرِهِمْ ليس شَخْصًا، بَلْ مُجَرَّد قُوَّة.

والحقيقةُ هي أنَّ "بِني هِنّ" يَقولُ إنَّهُ حَصَلَ على مَسْحَةِ الروحِ القدسِ هذهِ بشكلٍ خاصٍّ في أثناءِ زِيارَتِهِ لِقَبْرِ امرأتَيْنِ مَيِّتَتَيْنِ، أوْ واعِظَتَيْنِ زائِفَتَيْنِ هُما "إيمي سيمبل مكفيرسون" (Aimee Semple McPherson) و "كاثرين كولمان" (Kathryn Kuhlman). فهوَ يَقولُ إنَّهُ حينَ وَصَلَ إلى قَبرَيْهِما، حَلَّتْ مَسْحَةُ الروحُ القدسُ عليه. وَهُوَ يَقولُ إنَّ هذهِ المَسْحَة كانَتْ قَوِيَّةً عليهِ حَتَّى إنَّهُ يَستطيعُ أنْ يَخلعَ مِعْطَفَهُ، وَأنْ يَفْرُكَ مِعْطَفَهُ بِجِسْمِهِ فَتَنْتَقِلُ المَسْحَةُ إلى المِعْطَف. وإذا لَوَّحَ بالمِعْطَف بِيَدِهِ وقال: "بام، بام، بام"، فإنَّ النَّاسَ الحاضِرينَ سيَسقُطونَ جميعًا لأنَّهُ قادِرٌ على تَطْويعِ هذهِ القُوَّةِ الَّتي تُسَمَّى بالروحِ القدس. وهذا هُوَ ما يَقْصِدونَهُ بالحديثِ عنِ "الغَيبوبَةِ بالرُّوح". فالنَّاسُ يَسْقُطونَ أفرادًا وَجماعاتٍ تحتَ تأثيرِ هذهِ القُوَّة. ويَدَّعي هؤلاءِ المُبَشِّرونَ (مِنْ أمثال "بِني هِنّ") أنَّهُمْ يُحْكِمونَ السَّيطرةَ على الروحِ القدسِ حَتَّى إنَّهُمْ يَستطيعونَ أنْ يَأمُروهُ بأنْ يَظْهَرَ في أماكِن مُعَيَّنة في السَّاعةِ السَّابعةِ والنِّصْف مِنْ مَساءِ يومِ الأرْبِعاء، وَأنْ يَتَحَكَّموا بِهِ كَيْفَما شَاءوا.

إنَّ هذا النِّظامَ فاشِلٌ. فَهُوَ قائمٌ على عالَمِ الغَيْبِيَّاتِ. وَهُوَ قائمٌ على فِكرةِ أنَّ الروحَ القدسَ هُوَ قُوَّة خَفِيَّة وأنَّ هُناكَ قوانينَ مُعَيَّنة تَعْمَلُ في الكَوْنِ بطريقةٍ ميتافيزيقيَّة (أوْ غَيبيَّة). فإذا فَهِمْتَ تلكَ القوانين واستَخدمتَها، فإنَّ الروحَ القدسَ سيتحرَّك بقوَّة. ولكِنَّ اسْمَ الروحِ القدس يُستخدمُ لإعْطاءِ المِصداقِيَّة للمُعَلِّمينَ الزائفين. صحيحٌ أنَّ الأرواحَ قد تكونُ حاضِرَة آنذاك، ولكِنَّهُ ليسَ الروح القدس. ومعَ ذلكَ فإنَّ اسْمَ الروحِ القدسِ يُستخدَمُ لأنَّهُ يَجْعَلُ الواعِظَ يَبدو صَادِقًا. وَهذا يَجْعَلُهُ مَشهورًا أيضًا وغَنِيًّا. وهُوَ يَحْصُلُ على الإكْرامِ في الوقتِ الَّذي يُهانُ فيهِ الروحُ القدس.

وما مَدى خُطورَة ذلك؟ في سِفْرِ الخُروج 20: 7، حيثُ نَجِدُ الوصايا العَشْر، نَقرأُ الكلماتِ التَّالية: "لاَ تَنْطِقْ بِاسْمِ الرَّبِّ إِلهِكَ بَاطِلاً". فهذا أمْرٌ خَطيرٌ جدًّا. ولكِنَّ هذا هُوَ ما يَحْدُثُ في هذهِ النَّظرةِ الماوَرائِيَّةِ للروحِ القدس. فَما يَحْدُثُ يَدْخُلُ في نِطاقِ النُّطْقِ باسْمِ الربِّ باطِلًا. والكِتابُ المقدَّسُ يَقول: "لاَ تَنْطِقْ بِاسْمِ الرَّبِّ إِلهِكَ بَاطِلاً لأَنَّ الرَّبَّ لاَ يُبْرِئُ مَنْ نَطَقَ بِاسْمِهِ بَاطِلاً". وأنا لستُ المَحكمةَ العُلْيا الَّتي ستُقَرِّرُ ما سيَحدثُ لهؤلاءِ النَّاسِ. فاللهُ هُوَ الدَّيَّان. وَهُمْ لن يَنْجُوا مِنَ العِقاب. وقد يَتمنَّى المرءُ أحيانًا أنْ يأتي العِقابُ سريعًا دُوْنَ إبْطاءٍ مِنْ أجْلِ الأشخاصِ الذينَ يَقَعونَ ضَحِيَّةَ الخِداع.

إنَّ الكِتابَ المقدسَ يَنْسِبُ إلى الروحِ القدسِ كُلَّ صِفَةٍ تُنْسَبُ إلى الابْنِ والآبِ. فَالروحُ القدسُ هُوَ اللهُ، وَهُوَ صَاحِبُ السِّيادةِ على كُلِّ المؤمنين. وهُوَ لا يُطيعُنا، ولا يَفعلُ مَشيئَتَنا. وَهُوَ لا يَعْمَلُ وَفْقًا لقوانينَ مَاوَرائيَّة مُعَيَّنة ولا يأتَمِرُ بأمْرِنا. وَهُوَ لا يَتحرَّكُ وفقًا لأقوالِنا وكلماتِنا. وَهُوَ ليسَ قُوَّة مُحايِدَة تَنتظرُ الأوامِرَ مِنَّا لكي تَتَحَرَّك. فالروحُ القدسُ مُهَيْمِنُ على كُلِّ مُؤمنٍ. وينبغي لنا نَحْنُ أنْ نُطيعَ كَلِماتِهِ، وأنْ نَخضَعَ لسُلْطانِهِ. ويجبُ علينا أنْ نَسْلُكَ في الروحِ، وأنْ نَحْيا في الروحِ، وأنْ نُطيعَ الروحَ، وأنْ نَمتلئَ دائمًا بالروحِ. فَهُوَ سُلْطانُ اللهِ فينا وَعَلينا.

وقد تَحدَّثنا عَنْ الخِدمةِ الحقيقيَّةِ للروحِ القدسِ وَفْقًا لما جاءَ في الأصحاحِ الثامنِ مِنْ رسالةِ رُومية. لذلكَ، لِنَنتقل إلى هُناكَ الآن. فَهُنا نَرى العناصِرَ الَّتي تُشَكِّلُ عَمَلَهُ المُنْعِمَ في حياةِ المُؤمِنين. ويُمْكِنُنا أنْ نُلَخِّصَ ذلكَ في الكلماتِ التَّالية (وكما تَعلمونَ فإنَّني أُحاوِلْ أنْ أُرِيَكُمْ الصُّوَرَ الكَبيرةَ لأنَّ هذا مُهِمٌّ): فالآبُ هُوَ الَّذي وَضَعَ خُطَّةَ الخلاصِ مُنْذُ الأزل. فالآبُ هُوَ الَّذي وَضَعَ خُطَّةَ الخلاصِ، والابْنُ هُوَ الَّذي نَفَّذَها على الصَّليبِ وَأَظْهَرَها في حَياتِهِ. فقد أَظْهَرَ مَعْنى أنْ يكونَ الإنسانُ كامِلًا. وقد أَظْهَرَ مَعْنى أنْ يكونَ الإنْسانُ مُخَلَّصًا، ومُقَدَّسًا بالتَّمام، وَمُمَجَّدًا.

إذًا، الآبُ هُوَ الَّذي وَضَعَ خُطَّةَ الخلاصِ هذهِ. والابْنُ نَفَّذَها على الصَّليبِ وأَظْهَرَها في حَياتِهِ. ولكِنَّ الروحَ القدسَ هُوَ الَّذي فَعَّلَها. فنحنُ لا نُفَعِّلُ الروحَ القدسَ، بل إنَّ الروحَ القدسَ هُوَ الَّذي يُفَعِّلُ عَمَلَ اللهِ فينا. وهذا أمْرٌ شَامِلٌ. فالروحُ القدسُ هُوَ الَّذي يَقودُنا إلى التَّوبةِ. فَهُوَ الَّذي يُبَتِّكُتنا على خَطِيَّةٍ وبِرٍّ ودَينونَة. والروحُ القدسُ هوَ الَّذي يُجَدِّدُنا ويُعطينا حياةً وفَهْمًا لكي نُؤمِن. لذلكَ، فإنَّ الروحَ القدسَ هوَ الَّذي يُبَكِّتُنا ويُجَدِّدُنا. كذلكَ فإنَّ الروحَ القدسَ هوَ الَّذي يُقَدِّسُنا. والروحُ القدسُ هُوَ الَّذي يُعْطينا الضَّمانَ، أيْ إنَّهُ يَضْمَنُ أنَّنا سَنُمَجَّد في المُستقبَل. والروحُ القدسُ هُوَ الَّذي يُمَجِّدُنا. فاللهُ سيُقيمُنا بقُوَّةِ الروحِ القدسِ الَّتي أَقامَتْ يَسوعَ مِنَ الأموات.

لذلكَ فإنَّنا نَرَى هُنا العَمَلَ كُلَّهُ، أوْ العمليَّةَ الكاملةَ لتَفعيلِ عَمَلِ الخلاصِ الَّذي خَطَّطَ لَهُ اللهُ، ونَفَّذَهُ المَسيحُ، وفَعَّلَهُ الروحُ القدس. بعبارةٍ أُخرى، فإنَّ الآبَ شاءَ أنْ يُخَلِّصَ أُناسًا مُعَيَّنينَ، والابْنَ قَدَّمَ الذبيحةَ اللَّازِمَةَ لِجَعْلِ ذلكَ الخلاصِ مُمْكِنًا، والروحَ القدسَ أَنْتَجَ ذلكَ الخَلاص. فَهُوَ الَّذي يُبَكِّتُنا، ويُجَدِّدُنا، ويُقَدِّسُنا. وَهُوَ الَّذي سيُمَجِّدُنا ذاتَ يوم. لذلكَ فإنَّ الروحَ القدسَ هُوَ الَّذي يُجَدِّدُ المُؤمِنَ، ويُقَدِّسهُ، ويَضْمَنُهُ، ويُمَجِّدُهُ. فهذا هُوَ عَمَلُهُ الحقيقيُّ.

والآنْ، لقد تَحَدَّثْنا عَنْ عملِ الروحِ القدسِ في الأصحاحِ الَّذي أمامَنا. وقد وَصَلنا الآنَ إلى هذا المَقطعِ (أيِ الأعداد 28-30). ومُنْذُ أنْ وَصَلْنا إلى العدد 17، تَحَدَّثنا تَحديدًا عنْ عملٍ واحدٍ يقومُ بهِ الروحُ القدسُ وُهُوَ أنَّهُ يَضْمَنُنا. فقد تَحَدَّثنا عَنْ عَمَلِهِ في تَجديدِنا. وقد تَحَدَّثنا عَنْ عَمَلِهِ في تَقديسِنا، وَإعْتاقِنا مِنَ الخطيَّةِ والموتِ، وإعطائِنا القُدرةَ على تَتميمِ النَّاموسِ، وتَغييرِ طبيعَتِنا، ومُساعَدَتِنا على السُّلوكِ باستقامَة، وتَبَنِّينا في عائلةِ اللهِ وَجَعْلِنا أولادًا لهُ. لقد تَحَدَّثنا عَنْ هذهِ العَناصرِ المُختصَّةِ بالتَّقديسِ والاتِّحادِ معَ المسيح.

والآنْ، نحنُ نَتأمَّلُ في العملِ الأخيرِ الَّذي ما زالَ يَنتظرُنا. فالروحُ القدسُ يَضْمَنُ أوْ يُؤكِّدُ مَجْدَنا الأبديَّ. وهذا مَذكورٌ في الأعْداد مِنْ 17 إلى 30. فنحنُ نَتأمَّلُ في هذهِ الخدمةِ الَّتي يقومُ بها روحُ اللهِ والتي تَتَمَثَّلُ في أنَّهُ يَضْمَنُ خَلاصَكَ الأبديَّ ويَضْمَنُ لكَ مَكانًا في السَّماء. وقد قرأتُ لكُمْ مِنْ رِسالةِ بُطرسَ الأولى عَنْ قَصْدٍ لأنِّي أرَدْتُ أنْ أُذَكِّرَكُمْ أنَّكُمْ مَضمونونَ لميراثِكُم المُستقبليِّ المَحفوظِ لكُم. وَهَذا مَضْمونٌ بقوَّةِ اللهِ، وتَحديدًا بقوَّةِ الروحِ القدس. فَهُوَ يَنْتَظِرُكُمْ هُناكَ. وَهُوَ لا يَفنى، وَلاَ يَتَدَنَّسُ، وَلاَ يَضْمَحِلُّ. بل هُوَ مَحْفُوظٌ لأجلِكُم. وأنتُمْ مَحفوظونَ حَتَّى تكونوا هُناكَ ذاتَ يومٍ. فهذا هوَ عملُ الضَّمانِ الَّذي يقومُ بهِ الروحُ القدس. لذلكَ فإنهُ يُدعى روح الموعد. فهوَ الضَّمانةُ، والدُّفعةُ الأولى، وخاتمُ الخُطوبَة، وَخَتْمُ اللهُ بأنَّهُ سيأخذنا إلى المجدِ الأبديِّ.

لذلك، ابتداءً بالعدد 17، تَتَغَيَّرُ الفِكرةُ مِنَ الحديثِ عنِ التَّجديدِ والتَّقديسِ إلى الحديثِ عنِ المَجْد. ففي العدد 17، ابتدأنا في الحديثِ عنْ أنَّنا مُمَجَّدونَ مَعَهُ. وقد تَحَدَّثنا في العدد 18 عنِ المجدِ الَّذي سيُعلَنُ فينا. وقد تَحَدَّثنا في العدد 21 عنْ مجدِ أولادِ اللهِ. وقد ابتدأنا جميعًا في النَّظرِ إلى المستقبل. وقد تَحَدَّثنا عَنْ رجاءِ ذلكَ المجد في العدد 24. ثُمَّ رَأينا الرَّجاءَ مَرَّة أخرى في العدد 25 وحَتَّى العدد 30 حيثُ نَجِدُ الكلمة "مَجَّدَهُمْ". لذلكَ فإنَّ الفِكرة في الأعداد مِنْ 17 إلى 30 هي مَجْدُنا المُستقبليُّ والتَّركيزُ على عملِ الروحِ القدسِ الَّذي يَضْمَنُنا لذلكَ المجدِ المستقبليِّ.

ونَرى هُنا أنَّهُ يَفعلُ ذلكَ بطريقةٍ رائعةٍ جِدًّا في العدَدَيْن 26 و 27. فهو يَشْفَعُ فينا بأنَّاتٍ لا يُنْطَقُ بها. فَهُو شَفيعُنا. فَهُوَ يَتَشَفَّعُ فينا أمامَ اللهِ بلُغَةٍ غيرِ مَنطوقةٍ، أوْ بِطَريقةٍ للتَّخاطُبِ بينَ الأقانيمِ الثَّلاثةِ دونَ كلماتٍ. فالروحُ يُكَلِّمُ الآبَ دونَ كلماتٍ – وهُوَ أمْرٌ مُختلفٌ جِدًّا عَنِ اللُّغةِ الَّتي يَستخدِمُها البَشَر. فاللُّغةُ البشريَّةُ تَبقى عاجِزَةً عَنْ هذا التَّخاطُبِ. فالروحُ يَتكلَّمُ دونَ كلماتٍ، ويُخاطِبُ الآبَ بانسجامٍ كاملٍ معَ مَشيئةِ اللهِ. فنحنُ نَقرأُ في العدد 27 أنَّهُ يَشفعُ في القِدِّيسينَ بحسبِ مشيئةِ اللهِ، وأنَّ الَّذي يَفحصُ القُلوبَ (أيِ: الله) يَعلمُ ما هوَ اهتمامُ الرُّوح. لذلكَ فإنَّنا نَرى هُنا أنَّ خُطَّةَ الآبِ مَعلومة لدى الروح القدس، وأنَّ الروحَ القدسَ يَشفعُ في إطارِ تلكَ الخُطَّةِ بحسبِ مشيئةِ اللهِ. وفي ضَوْءِ خِدمةِ الروحِ القدسِ الشَّفاعيَّةِ الرَّائعةِ فإنَّ مَجْدَنا الأبديَّ مَضمونٌ.

والروحُ يَئِنُّ لأجْلِنا لكي نَحْصُلَ على التَّمجيد. والخليقةُ تَئِنُّ (كما رأينا في الأعداد 19-22). والمؤمنونَ يَئِنُّونَ في الأعداد 23-25. ولكِنَّ هذهِ الأنَّاتِ ليسَتْ فاعِلَة. أمَّا أنَّات الروحِ القدسَ فهيَ أنَّاتٌ فاعِلَةٌ، وأنَّاتٌ قَوِيَّةٌ تَضْمَنُ مَجْدَنا الأبديَّ. وهذا هوَ ما يَفعلُهُ الروحُ القدسُ لأجلِنا. وبسببِ هذهِ الخِدمةِ الشفاعيَّةِ الَّتي يقومُ بها روحُ اللهِ، فإنَّ الآبَ نَفسَهُ (كما جاءَ في العدد 28) يَجْعَلُ كُلَّ الأشياءِ تَعملُ معًا لخَيْرِنا الأبديِّ لأنَّ هذا هُوَ قَصْدهُ، ولأنَّهُ دَعانا لِنَفْسِهِ لكي نُحِبَّهُ إلى الأبد.

لذلكَ فإنَّنا نَرى أنَّ الصُّورةَ تَنتقلُ إلى المجدِ المُستقبليِّ، وإلى الاستعلانِ المجيدِ لأولادِ اللهِ. وَهذا هُوَ الأمرُ الَّذي خَطَّطَ اللهُ لَهُ منذُ البداية. أليسَ كذلك؟ وهذا يأخُذُنا إلى العدَدَيْن 29 و 30 لِنَجِدَ مُلَخَّصًا مُوْجَزًا. وقد تَحَدَّثنا عَنْ القَصْدِ مِنَ الخلاصِ في العدد 29. واسمحوا لي أنْ أُذَكِّرَكُمْ بذلك. فالقَصْدُ هُوَ أنْ يُغَيِّرَنا. وهذا هُوَ الهدفُ الثانويُّ أوِ الَّذي يَسْبِقُ القَصْدَ النِّهائِيَّ: أنْ يُغَيِّرَنا ويَجْعَلَنا مُشابِهينَ صُورَةَ ابْنِهِ. فهذا هُوَ قَصْدُهُ الثَّانويُّ، قَصْدُ اللهِ الثَّانويّ مِنْ تَخليصِ النَّاسِ طَوالَ تاريخِ الفِداءِ. فَقَصْدُهُ الثانويُّ هُوَ أنْ يَجْعَلَ المُؤمنينَ على صُورَةِ ابْنِهِ.

وربما مِنَ الأفضلُ أنْ نَفهمَ الأمرَ بهذهِ الطَّريقة: إنَّ كلَ تاريخِ الفداءِ يَتَلَخَّصُ في بَحْثِ الآبِ عنْ عروسٍ لابنِهِ. فالآبُ يُحبُّ الابنَ. فَهُوَ يُحبُّ الابنَ محبَّةً كاملةً. وهوَ يريدُ أنْ يُعطي الابْنَ هَدِيَّةَ مَحَبَّة. وهذهِ الهديَّة هي البشريَّة المَفْدِيَّة الَّتي تتألَّفُ مِنَ عَروسٍ مُحِبَّة – عَروسٍ مُحِبَّةٍ، وخاضِعَةٍ، ومُبْتَهِجَة. لذلكَ فإنَّ الآبَ يَعملُ طَوالَ تاريخِ الفِداءِ على جَذْبِ العَروس – على جَذْبِ العَروس. وحتَّى عندما نَصِلُ إلى السَّماءِ، فإنَّ أورُشليمَ الجديدةَ تُدْعى "المَدينة العَروسِ". وهيَ نازِلَة مِنَ السَّماءِ كعروسٍ مُزَيَّنَةٍ لعريسِها. والكنيسةُ هِيَ العَروس. والمَفديُّونَ هُمُ العَروس. وَحَتَّى إنَّ المُؤمِنينَ في إسرائيلَ في العهدِ القديمِ كانُوا عَروسَ الرَّبِّ، أيْ عَروسَ الابْنِ.

إذًا، فإنَّ الآبَ يَبْحَثُ عَنْ عَروسٍ لابْنِهِ. وقد كانَ هناكَ مَهْرٌ يَنبغي للابنِ أنْ يَدْفَعَهُ (كما كانَتِ الحالُ في الأزمنةِ القديمَة). فعندما تأخُذُ عَروسًا، ينبغي أنْ تَدْفَعَ مَهْرَ العَروسِ. والثَّمنُ الَّذي كانَ يَنبغي للابْنِ أنْ يَدفعَهُ هُوَ حَياتُهُ. فَهُوَ لم يُقَدِّمْ فِضَّةً وَذَهَبًا (كما يقولُ بُطرُس)، بل إنَّهُ سَفَكَ الدَّمَ الثَّمينَ الَّذي يَجري في عُروقِهِ إذْ إنَّهُ بَذَلَ حياتَهُ لكي يَدفعَ مَهْرَ العروسِ الَّتي أرادَ الآبُ أنْ يُعْطيها لَهُ. لذلكَ فإنَّ السَّماءَ ستَتألَّفُ مِنَ العَروسِ الَّتي سَتُجْلَب إلى مَدينةِ العُرْسِ. فحينَ تَصيرُ العروسُ جاهزةً فإنَّ تاريخَ الفِداءِ سيَنْتَهي. وسوفَ يَجْتَمِعُ المُؤمِنونَ حولَ الابْنِ. وسوفَ يُحِبُّونَهُ، ويُبَجِّلونَهُ، ويَخْدِمونَهُ، ويَعْبُدونَهُ. وهُناكَ عُنصرٌ آخَرُ وَهُوَ أنَّهُمْ سيَتأمَّلونَ في مَجْدِهِ. وسوفَ يكونونَ على صُورَتِهِ. وقد تَحَدَّثْنا عنْ ذلكَ بالتَّفصيل. لذلكَ، لن نَتَحَدَّثَ عَنْ هذا الموضوعِ الآنْ. وهذا هوَ القَصْدُ الثَّانويُّ. أمَّا القصدُ الرئيسيُّ والنِّهائِيُّ (كما جاءَ في العدد 29) فَهُوَ أنْ يكونَ هُوَ (أيِ الربُّ يسوعُ)، بِكْرًا بينَ إخْوةٍ كَثيرين. فالهدفُ الأَسْمَى هُوَ تَفَوُّقُ المَسيح. ففي النهاية، سيُعطيهِ الآبُ اسْمًا فوقَ كُلِّ اسْمٍ. وسوفَ تَنْحَني لَهُ كُلُّ رُكْبَة.

إذًا ما هُوَ القَصْدُ مِنْ تاريخِ الفِداءِ؟ إنَّ الآبَ يُحِبُّ الابْنَ. وقد قَرَّرَ أنْ يُعْطي الابْنَ هَدِيَّةً مَحَبَّة مُتَمَثِّلَةً في عَروسٍ تَخْدِمُهُ، وَتَحْتَرِمُهُ، وتَعْبُدُهُ، وتُحِبُّهُ، وتَعْكِسُ مَجْدَهُ. وبطريقةٍ ما فإنَّ انْعِكاسَ ذلكَ المَجْد هُوَ أعظمُ مِمَّا سيكونَ مِنْ دُوْنِ فِداءِ تلكَ العَروس. والسَّببُ في ذلكَ هوَ أنَّ هؤلاءِ المؤمنينَ سيَعكِسونَ شيئًا لا يُمْكِنُ أنْ يَظْهَرَ مِنْ دُوْنِهِمْ وَهُوَ "نِعْمَة الله". فلكي يُظْهِرَ اللهُ كُلَّ صِفاتِهِ العَظيمةِ الَّتي تُشَكِّلُ جُزءًا مِنْ نِعمتِهِ ورَحمَتِهِ، يجبُ عليهِ أنْ يَفدي خُطاةً غيرَ مُسْتَحِقِّين. وهذا هوَ القَصْدُ مِنَ الخلاص. وفي النهاية، سوفَ نُعْطي كُلَّ المجدِ للمسيح. وسوفَ نَطْرَحُ أكاليلَنا عِنْدَ قَدَمَيْهِ (كما فَعَلوا في سِفْرِ الرُّؤيا)، ونَعترفُ بِهِ رَبًّا وَسَيِّدًا. فهذا هوَ القَصْدُ مِنَ الخلاص. وفي النهاية، سوفَ يكونُ المسيحُ الكُلَّ في الكُلِّ. وأنتُمْ تَعلمونَ كيفَ تَنتهي القصَّة حقًّا. فبعدَ أنْ تُقَدَّمَ الكنيسةُ إلى المسيحِ لِمَجْدِهِ وإكْرامِهِ، فإنَّ المسيحَ سيَأخذُ الكنيسةَ ويُقَدِّمُ نَفْسَهُ والكنيسةَ إلى الآبِ تَعبيرًا عَنْ مَحَبَّتِهِ المُتبادَلَةِ. وهذا شَيءٌ مُذهلٌ جِدًّا.

والآنْ، ماذا عَنِ الأمورِ الَّتي سَتَحْدُثُ إلى أنْ يَتَحَقَّقَ هذا القَصْد؟ فهذا هُوَ القَصْدُ مِنَ الخلاص. فالقصدُ الثَّانويُّ هُوَ أنْ نَصيرَ مِثْلَ المَسيح. والقصدُ الرئيسيُّ هوَ أنْ يَكونَ هُوَ المُتَفَوِّقُ والمُرْتَفِعُ. ولكِنَّ العمليَّةَ الَّتي ستَحْدُثُ لتحقيقِ هذا القَصْدِ مَذكورة في العَدَدَيْن 29 و 30. والآنْ، لِمُساعَدتِكُم، قد تَسمعونَ أحيانًا عَنِ اللَّاهوتِ المُصْلَح. فلا بُدَّ أنَّكُمْ سَمِعْتُمْ هذا المُصطَلَح، أوْ سَمِعْتُمْ عَنْ عَقيدةِ النِّعمةِ، أوْ عنِ الكالفِنيَّة. ورُبَّما تتساءلونَ عَنْ مَعنى ذلك. حسنًا، الخُلاصَةُ هِيَ ما جاءَ هُنا. فَهِيَ مَذكورة هُنا. فنحنُ نَجِدُ هنا أفضلَ مُلَخَّصٍ لعقيدةِ النِّعمة، ولِجَوْهَرِ عِلْمِ الخَلاصِ المُصْلَح، وَلجوهرِ الكالفِنيَّة. فهذهِ هِيَ الخُلاصَة. هذا هُوَ جانِبُ الخَلاصِ مِنْها. وَهذا كُلُّهُ يَحْدُثُ في عَمليَّة مُتتابِعَة.

والأمْرُ يَحْدُثُ كالتَّالي: العَدَد 29: "لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ". ثُمَّ انظروا العدد 30: "وَالَّذِينَ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ، فَهؤُلاَءِ دَعَاهُمْ أَيْضًا. وَالَّذِينَ دَعَاهُمْ، فَهؤُلاَءِ بَرَّرَهُمْ أَيْضًا. وَالَّذِينَ بَرَّرَهُمْ، فَهؤُلاَءِ مَجَّدَهُمْ أَيْضًا". المَعرفة المُسَبَّقَة، ثُمَّ التَّعيينُ المُسَبَّق، ثُمَّ الدَّعوة، والتَّبرير، والتَّمْجيد. فهذهِ هيَ الحقائقُ الرئيسيَّة الخَمْس الَّتي تُؤلِّفُ القَصْدَ الفِدائيَّ العَظيمَ للهِ في الخَلاص. هذهِ العناصِرُ الخَمْسَة.

وبالمُناسَبَة، فإنَّنا نُدْهَشُ مَرَّة أخرى بسببِ المُفْرَداتِ الَّتي يَستخدِمُها الروحُ القدسُ لِجَمْعِ هذهِ العناصرِ معًا والتَّعبيرِ عَنْها في هذهِ العِباراتِ القليلة. ولا أُبالِغُ إنْ قُلتُ إنَّ ملايينَ الصَّفْحاتِ كُتِبَتْ عَنْ هذهِ الأمورِ الخَمْسَة. ولكِنْ دَعونا نُلقي نَظرةً عليها. ولنحاول أنْ نَفهمَ العمليَّة إنْ جازَ أنْ نُسَمِّيها عَمَلِيَّة (لأنَّهُ لا وُجودَ للعمليَّاتِ في فِكْرِ اللهِ إذْ إنَّهُ يَرى كُلَّ شيءٍ في مِلْئِهِ وكَمالِهِ). ولكِنْ بالنِّسبةِ إلينا، فإنَّ ما يَحْدُثُ هُوَ عَمليَّة مُتَتابِعَة. وقد تَمَّ التَّعبيرُ عَنْ ذلكَ هُنا بهذهِ المُصطلحاتِ اللُّغويَّة.

فأيْنَ يَبتدئُ الخلاصُ؟ وما النقطة الأوليَّة الَّتي يَبتدئُ فيها الأمْرُ بِرُمَّتِه؟ نَقرأُ في العدد 29: "لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ" ... "لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ". وهُناك مَنْ يَرَوْنَ أنَّ هذهِ هِيَ نُقطةُ التحوُّلِ وقبولِ سيادَةِ اللهِ الكامِنَة في الخَلاص. فَهُمْ يقولون: "آه، هذا هو المِفتاح. فَهُوَ يَعْلَمُ كُلَّ شيءٍ مُسَبَّقًا". فلأنهُ يَعرفُ كُلَّ شيءٍ سيَحدُث، فقد نَظَرَ إلى المستقبل ورأى ما سيَفعلُهُ الناسُ بمِلْءِ إرادَتِهِمْ. ولأنَّهُ عَرَفَ ما سيَفعلونَهُ فقدِ اختارَهُمْ ليكونوا خاصَّتَهُ.

هل هذا هوَ التَّعريفُ الصحيحُ لعِلْمِ اللهِ السَّابِق - أنَّهُ رَأى ما سيَحدُثُ؟ واسمحوا لي أن أقولَ لكُمْ إنَّهُ يَعْلَمُ المُستقبَل. فَهُوَ يَعرفُ النهايةَ مُنذُ البداية. وهوَ يَعرفُ كُلَّ ما سيحدثُ قبلَ أنْ يَحدُث. وهذا صحيح. فهوَ لَدَيْهِ عِلْمٌ سَابِقٌ إنْ أرَدْنا أنْ نُعَبِّرَ عنِ الأمرِ بهذهِ الطريقة. فَهُوَ يَعْرِفُ ما لم يَحْدُث بعد، بل إنَّهُ يَعرفُ كُلَّ شيءٍ عن ذلك. ولكِنْ هل هذا هوَ ما تَتحدَّثُ عنهُ هذهِ الآية؟ فهلِ الأمْرُ يَقتصرُ على أنَّ اللهَ نَظَرَ إلى المستقبلِ إلى هؤلاءِ النَّاسِ المُستقلِّينَ تمامًا وقال: "حسنًا، إنَّ هؤلاءِ سيُؤمِنونَ، وهؤلاءِ لن يُؤمِنوا. وحيثُ إنِّي أَعلمُ مَنْ سَيُؤمِن، فإنَّي سأختارُهُم"؟

هناكَ عَدَدٌ مِنَ الإجابات. أوَّلًا، إنَّ هذا التَّفسيرَ يَجعلُ الكلمة "اختيار" لا مَعنى لها لأنَّهُ لم يَخْتَرْ أيَّ شيء. وفي هذهِ الحالة، يجبُ علينا أنْ نَنسى عقيدةَ الاختيار لأنَّهُ لم يَخْتَرْ أيَّ شيء. فالتَّسميةُ الَّتي تَليقُ بها هي "عَقيدة رَدِّ الفِعْل". ولا أردي إنْ كُنْتُمْ تَرغبونَ في الوعظِ عَنْ عقيدةِ رَدِّ الفِعْلِ الإلهيّ. أوْ رُبَّما تَرغبونَ في الوعظِ عَنْ عقيدةِ السِّيادةِ البشريَّة. ولكِنْ حينئذٍ، ينبغي لكم أنْ تَطرحوا هذا السُّؤال: ما هي القُوَّة الَّتي استخدموها للتغلُّبِ على طَبيعَتِهِم السَّاقِطَة؟ فما هي القوَّة الَّتي استخدمها هؤلاءِ النَّاسُ الذينَ نَظَرَ اللهُ إليهم ورأى ما سَيَفعلونَهُ في المستقبل بِمِلْءِ إرادَتِهِمْ، ما هي القوَّة الَّتي استخدموها للتغلُّبِ على فَسادِهِمْ، وحالَتِهِمْ السَّاقِطَة، ومَوْتِهِمِ الرُّوحِيِّ، والعَمى والظَّلامِ الَّذي يَعيشونَ فيه؟ ثُمَّ يَنبغي أنْ تَسألوا أنفُسَكُمْ: إنْ كانَ اللهُ قد نَظَرَ إلى المستقبل ورَأى أنَّ الناسَ لن يَختاروا الإنجيلَ، ولن يَختاروا أنْ يُؤمِنوا، وأنَّهم سيذهبونَ إلى جَهَنَّم، لماذا خَلَقَهُمْ أصْلًا؟ لأنَّ السَّبَبَ الوَحيدَ الَّذي جَعَلَ الناسَ يَخرُجونَ بهذهِ الفكرةِ بأنَّ اللهَ تَجاوَبَ معَ ما عَرَفَ أنَّهُ سيحدُث هُوَ أنْ يُخَلِّصوهُ مِنْ مُعْضِلَةٍ أُخرى. فَهُمْ يحاولونَ أنْ يُنقذوا سُمْعَةَ اللهِ كَيْلا يَتَّهِمهُ النَّاسُ بأنَّهُ المَسؤولُ عنْ ذهابِ الناسِ إلى جَهَنَّم. لذلكَ، فقد رَغِبوا في إنقاذِ اللهِ مِنْ هذا المَأزِقِ بالقولِ إنَّهُ تَجاوَبَ معَ ما عَرَفَ أنَّ النَّاسَ سيَفعلونَهُ. ولكِنْ إنْ لم يَكُنْ قد خَلَقَ أيَّ إنْسانٍ بَعْد، ما الَّذي جَعَلَهُ يَخْلِقُ أُناسًا يَعلمُ أنهم سيَفعلونَ ذلك؟ أو يُمكنكم أنْ تَطرحوا سؤالًا أصْعَب وَهُوَ: لماذا خَلَقَ اللهُ أناسًا قادِرينَ على فِعْلِ ذلكَ إلَّا إنْ كانَ لَدَيْهِ قَصْدٌ مِنْ وَراءِ ذلك؟ فلا يُمْكِنُكُمْ أنْ تُخَلِّصوا اللهَ مِنْ هذهِ الوَرطةِ مَهما حاوَلْتُم. فما حَدَثَ هُوَ في إطارِ قَصْدِه.

إذًا، مَا المقصودُ بالمعرفة المُسَبَّقة؟ ما المقصودُ بذلك؟ حسنًا، نحنُ جَميعًا نَفهمُ أنَّ ذلكَ لا يَعني أنَّ اللهَ كانَ يَعلمُ ما سيَحدثُ وأنَّهُ تَجاوَبَ وفقًا لذلك. فقد فهِمنا ذلك. لماذا؟ لأنَّ يسوعَ قالَ لنيقوديموس في يوحنَّا 3: "يَنْبَغِي أَنْ تُولَدُوا مِنْ فَوْقُ" ... "يَنبغي أنْ تُوْلَدوا مِنْ فَوق". وقد قالَ يسوعُ في يوحنَّا 6: "لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُقْبِلَ إِلَيَّ إِنْ لَمْ يَجْتَذِبْهُ الآبُ". وهوَ يقولُ في نهايةِ الأصحاح (في العدد 65): "لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَأتِيَ إِلَيَّ إِنْ لَمْ يُعْطَ مِنْ أَبِي". فنحنُ نَفهمُ ذلك. واستمعوا إلى ما جاءَ في إنجيل مَتَّى 11: 27: "كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِـــي، وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الابْنَ إِلاَّ الآبُ، وَلاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الآبَ إِلاَّ الابْنُ وَمَنْ أَرَادَ الابْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ".

عَجَبًا! فالطريقةُ الوحيدةُ الَّتي يُمكنكُ مِنْ خِلالها أنْ تَعرفَ اللهَ هيَ أنْ يُعْلِنَهُ لكَ الابْنُ. والطريقةُ الوحيدةُ الَّتي يمكنكَ مِنْ خِلالِها أنْ تَعرفَ الابْنَ هيَ أنْ يَجتذبكَ الآبُ إليهِ. وبالمناسبة، هل لاحَظْتُم الكلمة "يَعْرِف" هُنا؟ فهذا هوَ المِفتاحُ الأوَّلُ. فلا أحدَ يَعرفُ الابْنَ إلَّا الآبَ. ولا أحدَ يَعرفُ الآبَ إلَّا الابْنَ. وقد تَقولُ: "مَهلًا، مَهلًا، مَهلًا. فنحنُ نَعرفُ عنِ الابْنِ. ونحنُ لدينا مَعلوماتٌ عن الابْنِ. والملائكةُ لديها معلوماتٌ عن الابْنِ. والشَّياطينُ لديها معلوماتٍ عنِ الآبِ والابْنِ. فما الَّذي تَقْصِدُهُ بالقولِ إنَّهُ لا أحدَ يَعرفُ الابْنَ إلَّا الآبَ، وإنَّهُ لا أحدَ يَعرفُ الآبَ إلَّا الابْنَ؟" مِنَ المؤكَّدِ أنَّ الكلمة "يَعْرِف" لا تَعني امتلاكَ المعلوماتِ فقط. حسنًا؟ مِنَ المؤكَّدِ أنَّها تَعني شيئًا آخَرَ غيرَ امتلاكِ المعلوماتِ لأنَّ الملائكةَ والشَّياطينَ والنَّاسَ لديهم مَعلومات عنِ الآبِ ومعلومات عن الابْنِ، ولكنَّها ليسَتْ مَعرفةً بالمَعنى الحَقيقيِّ. وما المَقصودُ بأنَّها ليسَتْ مَعرفة بالمَعنى الحَقيقيّ؟

وماذا عَنْ ما جاءَ في يوحنَّا 10؟ فهذا مَقطعٌ يَستخدمُ الكلمةَ نَفسَها. فنحنُ نَقرأُ في العدد 14 مِنْ يوحنَّا 10: "أَمَّا أَنَا فَإِنِّي الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَأَعْرِفُ خَاصَّتِي وَخَاصَّتِي تَعْرِفُنِي، كَمَا أَنَّ الآبَ يَعْرِفُنِي وَأَنَا أَعْرِفُ الآبَ". وما نوعُ المَعرفةِ هذهِ؟ فعندما يقولُ يسوعُ: "أنا أعرفُ خاصَّتي"، هلِ يَعني بذلكَ أنَّهُ يَمتلكُ مَعلوماتٍ عَنهم، وكأنَّهُ لا يَمتلكُ معلوماتٍ عنِ الآخرينَ جميعًا؟ يَقولُ اللهُ في سِفْرِ عَاموس 3: 2: "إِيَّاكُمْ فَقَطْ عَرَفْتُ مِنْ جَمِيعِ قَبَائِلِ الأَرْضِ". فقد عَرَفَ إسرائيل فقط. وما مَعنى ذلك؟ فَاللهُ يَعرفُ كُلَّ شيء. ولكنَّهُ عَرَفَ إسرائيلَ فقط. لذلكَ فإنَّ المَعنى مُختلفٌ هنا. ونَقرأُ في إنجيل يوحنَّا 10: 26: "وَلكِنَّكُمْ لَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنْ خِرَافِي". عَجَبًا! "خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا". أنا أعْرِفُها. ولكِنْ ما نَوْعُ هذهِ المَعرفة؟ وما الَّذي نَتَحَدَّثُ عنهُ هنا؟ نَقرأُ في إنجيل يوحنَّا 17: 25: "أَيُّهَا الآبُ الْبَارُّ، إِنَّ الْعَالَمَ لَمْ يَعْرِفْكَ، أَمَّا أَنَا فَعَرَفْتُكَ، وَهؤُلاَءِ عَرَفُوا أَنَّكَ أَنْتَ أَرْسَلْتَنِي. وَعَرَّفْتُهُمُ اسْمَكَ". ولكِنْ ما نوعُ المَعرفةِ الَّذي نَتحدَّثُ عنهُ هُنا؟

اسْمَحوا لي أنْ أُقَدِّمَ لكُم تَشبيهًا لمساعدتكم مِنْ تَكوين 4. ولا حاجةَ لأنْ تَفتحوا عليه. فتكوين 4 يَقولُ في اللُّغةِ الأصليَّةِ: "وَعَرَفَ قَايِينُ امْرَأَتَهُ فَحَبِلَتْ". وعَرَفَ قايينُ امرأتَهُ. وفي اللُّغةِ الجميلةِ والمُهَذَّبة واللَّطيفةِ للكتابِ المقدَّسِ، فإنَّ هذهِ المَعرفة هي مَعرفة جِنْسيَّة. فهيَ علاقة حُبّ حَميمَة. والأمْرُ الَّذي صَدَمَ مَرْيَم حينَ ظَهَرَ لها الملاكُ جِبرائيل وأخبرها أنَّها سَتَلِدُ ابْنًا هوَ أنَّها لم تَعْرِف يوسُف قَطّ. فهيَ لم تَعْرِفْهُ قَطّ. وهذهِ هيَ المَعرفةُ الَّتي نَتحدَّثُ عنها هُنا. فنحنُ نَتحدَّثُ عَنِ المَعرفةِ الحَميمَة. ونَقرأُ في سِفْرِ هُوشَع 13: 5: "أَنَا عَرَفْتُكَ فِي الْبَرِّيَّةِ". وما مَعنى ذلك؟ المقصودُ هُوَ أنِّي أَحْبَبْتُكُمْ. فقد أَنْشأتُ علاقَةَ حُبٍّ مَعَكُمْ في البَرِّيَّةِ.

ويُمكنُنا أنْ نَرى ذلكَ في مواضِعَ عديدةٍ في العهدِ الجديد. "كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِــي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأنَا، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟ (مَتَّى 7) فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي" ماذا؟ "لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ!" إنِّي لم أعْرِفْكُمْ يومًا. فمنَ المؤكَّدِ أنَّهُ كانَ يَعْرِفُ هُوِيَّتِهِمْ. وكانَ يَعْرِفُ مَنْ يَكونون. ولكنَّهُ لم يَكُنْ يَتمتَّعُ بعلاقَةِ مَحَبَّةٍ حَميمَةٍ مَعَهُمْ. فهذا هُوَ نَوعُ المَعرفةِ الَّذي نَتحدَّثُ عنهُ هُنا.

واسْمَحوا لي أنْ أُرِيَكُمْ بِضْعَ آياتٍ. ورُبَّما يَنبغي أنْ تُدَوِّنوا ما سأقول لأنَّ هذا السُّؤالَ يُطْرَحُ كثيرًا بخصوصِ المَعرفةِ المُسَبَّقَةِ. وسوفَ أحاولُ أنْ أُساعِدَكُمْ في الإجابةِ عنهُ في أذهانِكُم وفي أذهانِ مَنْ تَرغبونَ في مُساعَدَتِهِمْ على الفَهْم. اسْتَمِعوا إلى ما جاءَ في 1كورِنثوس 8: 3. فالأمرُ بَسيطٌ. فهذهِ الآيَةُ تُوَضِّحُ الأمْرَ كُلَّهُ. "إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُحِبُّ اللهَ، فَهذَا مَعْرُوفٌ عِنْدَهُ". هل فَهِمْتُم ذلك؟ هذا هُوَ الأمْرُ بِرُمَّتِه. ضَعُوا عَلامَةً بجانبِ هذهِ الآيَة. "إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُحِبُّ اللهَ، فَهذَا مَعْرُوفٌ عِنْدَهُ".

وسوفَ أَطْرَحُ عليكُمْ سُؤالًا: فنحنُ نُحِبُّهُ لأنَّهُ ماذا؟ لأنَّهُ أَحَبَّنا أوَّلًا. فَهُوَ أَحَبَّنا أوَّلًا، ثُمَّ نَحْنُ أَحْبَبْناه. وهذا يَعني أنَّهُ يَعْرِفُنا. وعندما يَقولُ الكِتابُ المقدَّسُ إنَّكَ مَعروفٌ مِنَ اللهِ، فإنَّ الابْنَ يَقولُ: "كَمَا أَنَّ الآبَ يَعْرِفُنِي وَأَنَا أَعْرِفُ الآبَ". فهناكَ مَحَبَّة حَميمَة. وقد قالَ يسوعُ في إنجيل يوحنَّا 17 إنَّ الآبَ يَعرفُ المُؤمِنينَ وإنَّ الابْنَ يَعرفُهُم. إنَّها المَحَبَّةُ الحَميمَة. وما أَعْنيهِ هُوَ أنَّ هذا هُوَ المَقصودُ بالمَعرفة. ولماذا هِيَ مَعرفة مُسَبَّقَة؟ لأنَّهُ قَبْلَ التَّعبيرِ عَنْ تلكَ المحبَّة، وقبلَ وِلادةِ أيِّ شخصٍ، كانَ الأمْرُ مَقْضِيًّا. لذلكَ فإنَّها مَعرفة مُسَبَّقَة. وهذا هُوَ التَّعيينُ المُسَبَّق. فَهُوَ مُؤسَّسٌ قَبْلَ حُدوثِهِ.

ونَقرأُ في غلاطِيَّة 4: 9 عَنِ الخلاصِ بالطريقةِ التالية: "وَأَمَّا الآنَ إِذْ عَرَفْتُمُ اللهَ، بَلْ بِالْحَرِيِّ (وَكَمْ أُحِبُّ هذا) عُرِفْتُمْ مِنَ اللهِ". إذًا ما مَعنى أنْ تَخْلُص؟ أيْ أنْ يَعْرِفَكَ اللهُ. وما مَعنى أنْ يَعرفكَ اللهُ؟ أنْ يَعرفَ أنَّكَ موجودٌ؟ أنْ يَعرفَ مَعلوماتٍ عَنكَ؟ لا، بل أنْ يُؤسِّسَ عَلاقَةَ مَحَبَّةٍ مَعَكَ. وحَتَّى في الأصحاح 11 مِنْ رِسالةِ رُومية (وهُوَ أصحاحٌ مُهِمٌّ حَقًّا عنْ موضوعِ الاختيارِ الإلهيِّ بِرُمَّتِهِ) إذْ نَقرأُ في بدايةِ الأصحاحِ، وتحديدًا في العددِ الثَّاني: "لَمْ يَرْفُضِ اللهُ شَعْبَهُ الَّذِي سَبَقَ فَعَرَفَهُ" ... "لَمْ يَرْفُضِ اللهُ شَعْبَهُ الَّذِي سَبَقَ فَعَرَفَهُ". وما المقصودُ بذلك؟ أيِ الذينَ عَيَّنَ سابقًا أنْ يُحِبَّهُمْ.

ارْجِعوا إلى كِتاباتِ مُوسَى. والسُّؤالُ المَطروحُ هُوَ: لماذا إسرائيل؟ لماذا إسرائيل؟ وقد كَتَبَ "ريتشارد وولف" (Richard Wolffe) ذاتَ مَرَّة ما يلي: "كَمْ هُوَ غَريبٌ أنْ يَختارَ اللهُ اليَهود". لماذا إسرائيل؟ إنَّهُ يَقول: "لَيْسَ مِنْ كَوْنِكُمْ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ الشُّعُوبِ، الْتَصَقَ الرَّبُّ بِكُمْ وَاخْتَارَكُمْ، لأَنَّكُمْ أَقَلُّ مِنْ سَائِرِ الشُّعُوبِ". فقد كانَ هذا العملُ مُقَرَّرًا سَلَفًا بمُقتضى السِّيادةِ الإلهيَّةِ والمحبَّةِ الإلهيَّةِ الفريدة. وهذهِ هِيَ المَعرفة المُسَبَّقة. وقد قَرأنا عنها في رِسالةِ بُطرسَ الأولى. "بِمُقْتَضَى عِلْمِ اللهِ الآبِ السَّابِقِ، فِي تَقْدِيسِ الرُّوحِ لِلطَّاعَةِ، وَرَشِّ دَمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ". فالحقيقةُ البَديهيَّةُ في خُطَّةِ الخلاصِ هِيَ أنَّ الأمرَ كُلَّهُ ابتدأَ بقرارٍ إلهيٍّ بأنْ يُحِبَّ شعبًا مُعيَّنًا. وكما نَقرأُ في يوحنَّا 13، فقد أَحَبَّهُمْ إلى المُنْتَهى. وهذهِ هيَ المَعرفة المُسَبَّقة. فهيَ قَرارٌ مُسَبَّقٌ وَمُعَيَّنٌ سَلَفًا، وَمَنْظورٌ مسَبَّقًا بكُلِّ تأكيدٍ بأنْ يُحِبَّهُمْ.

وقد قرأتُ للتَّوِّ مِنْ رِسالةِ بُطرسَ الأولى، ولكنِّي لم أقرأ الأصحاحَ كُلَّهُ. لذلكَ، اسمحوا لي أنْ أقرأَ مَرَّة أخرى على مَسامِعِكُمْ ما جاءَ في 1بُطرس 1: 2: فقد خَلُصْنا "بِمُقْتَضَى عِلْمِ اللهِ الآبِ السَّابِقِ". ثُمَّ استمعوا إلى ما جاءَ في العَدَدَيْن 19 و 20 مِنَ الأصحاحِ نَفْسِهِ والكاتِبِ نَفْسِهِ: فقد نِلْنا الخَلاصَ وَافْتُدينا "بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَل بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ، مَعْرُوفًا سَابِقًا قَبْلَ تَأسِيسِ الْعَالَمِ". وما مَعنى العِبارة "مَعروفًا سابقًا" فيما يَختصُّ بالمسيح؟ فهل نَظَرَ اللهُ إلى المستقبل وقال: "واو، عَجَبًا، انظروا إلى ذلك. سوفَ يَنْتَهي بهِ المَطافُ مُعَلَّقًا على الصَّليب! يجب أنْ أفعلَ شيئًا بهذا الخُصوص"؟ إنَّ القولَ بأنَّ المسيحَ مَعروفٌ سابقًا قبلَ تأسيسِ العالمِ لِتَقديمِهِ حَمَلًا بلا عَيْبٍ وَلا دَنَسٍ يَعني أنَّ اللهَ قَرَّرَ ذلكَ، وَعَقَدَ العَزْمَ على ذلك، وَأكَّدَ ذلك. وقد أُظْهِرَ في الأزمنةِ الأخيرةِ مِنْ أجْلِكُمْ. فالمعرفةُ السَّابقةُ تَعْمَلُ هَكذا. فاللهُ هُوَ الَّذي يُقَرِّرُها مُنْذُ الأزَلِ السَّحيق، وَهِيَ تَحْدُثُ في الوقتِ المُعَيَّنِ لها.

وهناكَ مَثَلٌ تَوضيحيٌّ آخَرُ على استخدامِ هذا المُصطلحِ وَرَدَ في أعْمالِ الرُّسُل 2: 23. فقد كانَ بُطرسُ يَعِظُ عنِ المسيحِ في يومِ الخمسين، ويَتحدَّثُ عنْ موتِ المسيحِ وَعَنْ تَسْميرِهِ على الصَّليبِ. ولكنَّهُ يَقولُ إنَّ المسيحَ سُلِّمَ بِمَشُورَةِ اللهِ الْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ السَّابِقِ. فقد سُلِّمَ إليكُمْ ليُصْلَبَ بمُقتضى خُطَّةِ اللهِ السَّابقة. ويمكنكُم أنْ تَضَعوا خَطًّا تحتَ هذهِ الآية. فبُطرسُ هوَ الَّذي كَتَبَ ما قرأتُهُ للتَّوّ. وبُطرسُ هوَ الَّذي وَعَظَ هذهِ الكلمات. فقد فَهِمَ بُطرسُ مَعنى العِلْمِ السَّابِق. هذَا [أيْ: المسيح] سُمِّرَ على الصَّليبِ بأيدي أَثَمَةٍ وَماتَ بمُقتضَى مَشُورَةِ اللهِ الْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ السَّابِقِ. والكلمة "مَشورَة" هي تَرجمة للكلمة اليونانيَّة "بولي" (boule). وهي تُستخدَمُ في الأدبِ اليونانيِّ بمَعنى "قَرار" أوْ "مَجموعة أعمال ناجِمَة عَنْ قَرار". أمَّا الكلمة "مَحْتومَة" فهي تَرجمة للكلمة اليونانيَّة "هوريتزو" (horizo) الَّتي اشْتُقَّتْ مِنْها الكلمة الإنجليزيَّة "هورايزن" (horizon) ومَعْناها: "خَطُّ الأُفُق"، وهيَ تَعني رَسْم حَدٍّ فاصِلٍ. لذلكَ فإنَّ الكلمة "مَحتومة" تُشيرُ إلى رَسْمِ حُدودٍ فاصِلَةٍ لشيءٍ ما. فاللهُ وَضَعَ الحُدودَ الفاصلةَ بمُقتضى مَشورَتِهِ الإلهيَّة. وقد حَدَّدَ سابِقًا ما سَيَفْعَلُهُ.

وكما رأينا فإنَّ الكلمة "مَحتومة" هيَ تَرجمة صَحيحَة. فما حَدَثَ هُوَ بقَصْدٍ وَخُطَّةٍ وقَرارٍ مُسَبَّقٍ مِنَ اللهِ. ثُمَّ يُضيفُ بُطرسُ قائلًا: " وَعِلْمِهِ [أيْ: عِلْمِ اللهِ] السَّابِقِ". ... وَعِلْمِهِ السَّابِق. فقد تَمَّ ذلكَ بقرارٍ مُسَبَّقٍ مِنَ اللهِ بأنْ يُخَلِّصَ شَعبًا مُعَيَّنًا وأنْ يُقيمَ علاقَةَ مَحَبَّةٍ مَعَهُم. وقد عَبَّرَ عَنْ مَحَبَّتِهِ لَهُمْ (كما فَعَلَ معَ إسرائيل) قبلَ تأسيسِ العالَم. هذهِ هيَ المَعرفة السَّابقة. إنَّها حقيقة ... إنَّها حَقيقة راسِخَة.

والآنْ، لِنَرْجِعْ إلى رُومية 8. ففي رُومية 8 ... وما أُريدُهُ مِنكُم هوَ أنْ تَفهموا مسألةَ المَعرفة السَّابقة لأنَّ الأمورَ اللَّاحِقَةَ تَعْتَمِدُ على فَهْمِنا الصَّحيحِ لهذهِ النُّقطة. وقد تَحَدَّثنا عنْ تلكَ الأمورِ في أوقاتٍ سابقةٍ. فنحنُ نَقرأُ في العدد 29: "لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ". وما هُوَ التَّعيينُ السَّابِق؟ إنَّ هذا يُشيرُ إلى النِّهاية، أيْ إلى المَصير. وبالمناسبة فإنَّ الكلمة "سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ" هي تَرجمة للكلمة اليونانيَّة "برو-أوريتزو" (proorizo). وهيَ تُشيرُ إلى تَحديدِ الحُدودِ بصورةٍ نِهائيَّة. فهذا هُوَ القصدُ النِّهائيُّ. فالآيةُ تُخْبِرُنا أنَّهُ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ، لِيَكُونَ هُوَ بِكْرًا بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ. لذلكَ، مِنْ خِلالِ اتِّخاذِ قَرارٍ (وَهَذا هُوَ سَبْقُ التَّعيين)، وهُوَ قَرارٌ راسِخٌ مُنْذُ الأزلِ السَّحيق، كانتْ مَشورةُ اللهِ المَحتومة هيَ أنْ يُقيمَ عَلاقَةَ حُبٍّ حَميمَة معَ شَعْبٍ مُعَيَّن. وقد فَعَلَ ذلكَ بِمَشورَتِهِ. وبناءً على ذلكَ القَرار الَّذي تَمَّ في الماضي، عَيَّنَ المُستقبَلَ أوِ النِّهايةَ، أوِ القَصْدَ النِّهائيَّ. فقد عَيَّنَ مُنْذُ البِداية ما ستَكونُ عليهِ النِّهاية. فأسماؤُنا مَكتوبة في سِفْرِ حَياةِ الخَروفِ مُنْذُ تأسيسِ العالَم. فهذا هوَ ما جاءَ في رُؤيا 13: 8 ورؤيا 17: 8. فكُلُّ ما قَصَدَ اللهُ أنْ يَفعلهُ كانَ مُحَدَّدًا منذُ البداية ومُعَيَّنًا إلى النِّهاية. هذهِ هيَ الصُّورةُ الكَبيرةُ هُنا. والحقيقة هي أنَّنا نَقرأُ في أعمالِ الرُّسُل 4: 28 أنَّ اللهَ يَفعلُ كُلَّ مَا سَبَقَ فَعَيَّنَتْ يَدُهُ وَمَشُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ. أعمال 4: 28. فكُلُّ ما سَبَقَ فَعَيَّنَ لا بُدَّ أنْ يَتَحَقَّق.

لذلكَ فإنَّ المَعرفة السَّابقة تُشيرُ إلى اختيارِ اللهِ. وقد تقولَ إنَّ هذا "اختيار". ولكِنَّ التَّعيينَ السَّابِقَ يُشيرُ إلى نَتيجةِ ذلكَ الاختيار، أوْ إلى النِّهاية. لذلكَ، فإنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ. ثُمَّ لِنَنْتَقِل إلى العدد 30: "وَالَّذِينَ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ، فَهؤُلاَءِ دَعَاهُمْ أَيْضًا". والآنْ، فإنَّنا نَنتقلُ إلى الزَّمَن. والآنْ، نَحنُ نَدخُلُ التَّاريخَ البشريَّ. "الذينَ دَعاهُمْ". ما المَقصود بالكلمة "دَعاهُمْ"؟ حسنًا، إنَّ المَعنى المَقصودَ هُنا يَختلفُ عَنِ الدَّعوةِ بمَعناها المألوف. فالمعنى يَختلفُ عَنِ المَعنى المذكورِ في الإنجيلِ بأنَّ المَدعوِّينَ كَثيرون، أوْ بأنْ نَذهبَ ونَدعو النَّاسَ إلى المَجيء. لا، فهذهِ دَعوةٌ مِنْ نَوعٍ مُختلفِ. إنَّها دَعوةٌ مُختلفةٌ. فنحنُ نَعرِفُ مِنْ خِلالِ العَدَد 28 في السِّياقِ نَفسِهِ أنَّ هذهِ الدَّعوة مُرتبِطَة (كما جاءَ في العدد 28) بِقَصْدِهِ. فاللهُ يَجعلُ كُلَّ الأشياءِ تَعملُ معًا للخيرِ للذينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ. ونحنُ نَتحدَّثُ عَمَّا يُسَمِّيهِ اللَّاهوتِيُّونَ بالدَّعوةِ الفاعِلَةِ، أوِ الدَّعوةِ الفَعَّالَةِ، أوِ الدَّعوةِ القَوِيَّةِ. وهُناكَ تَسميةٌ تاريخيَّةٌ أُخرى أُفَضِّلُها وَهِيَ "الدَّعوةُ الَّتي لا تُقاوَم". فهيَ دَعوةٌ بِمُقتضى النِّعْمَة. ولكِنَّها تَبقى دَعوة فَعَّالة. وهيَ ليست دَعوة خارجيَّة. فهيَ ليست دَعوة تَصِلُ إلى الآذانِ وَيُمْكِنُ أنْ يَرْفُضَها الشَّخصُ أوْ يَقْبَلَها. بل هيَ دعوةٌ داخليَّةٌ. وهذا هُوَ ما يُمَيِّزُها.

إنَّها حَقًّا دَعوةٌ تَحْدُثُ مِنْ خِلالِ العملِ العظيمِ للروحِ القدسِ في إطارِ التَّجْديدِ بِرُمَّتِه. فهيَ دَعوةُ اللهِ المُخَلِّصَة. وقد تَمَّتُ الإشارةُ إلى هذهِ الدَّعوةِ بهذهِ الطَّريقةِ مِرارًا. فنحنُ نَقرأُ في رُومية 1: 7: "إِلَى جَمِيعِ ... أَحِبَّاءَ اللهِ، مَدْعُوِّينَ قِدِّيسِينَ". ... "إِلَى جَمِيعِ ... أَحِبَّاءَ اللهِ، مَدْعُوِّينَ قِدِّيسِينَ". فنحنُ نَجِدُ الأمْرَيْنِ مَعًا هُنا. فحيثُ إنَّ اللهَ قَرَّرَ أنْ يُنشِئَ عَلاقَةَ حُبٍّ مَعَكَ، فقد دَعاكَ داخِلِيًّا وَجَدَّدَكَ. فَهِيَ دَعوةٌ إلى الخَلاصِ، والفِداءِ، والتَّجْديد.

اسْمَعوا: في كُلِّ مَرَّة تَرَوْنَ فيها فِكرةَ الدَّعوة في الرَّسائلِ وفي الكِتاباتِ الَّلاحِقَةِ للأناجيل، أيْنَما رَأيتُمْ ذلك، فإنَّها تُشيرُ دائمًا إلى هذا العَمَلِ المُخَلِّصِ الَّذي يقومُ بهِ رُوحُ اللهِ مِنْ خِلالِ التَّجديد. وهذا يَستمرُّ طَوالَ الطَّريقِ الَّتي نُدْعَى مِنْ خِلالِها. ورُومية 8: 28 هِيَ مَثَلٌ جَيِّدٌ على هذهِ الآيات: "الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ". فهي دَعوةٌ مُرتبطةٌ بقَصْدِهِ. وقَصْدُهُ هُوَ أنْ يُخَلِّص. وَهُوَ يَدْعو النَّاسَ مِنْ أجْلِ تَحْقيقِ ذلكَ القَصْد. والحقيقةُ هي أنَّهُ في العهدِ الجديدِ، وَحَتَّى في وقتِنا هذا بكُلِّ تأكيد، فإنَّنا نَتْبَعُ ذلك. فنحنُ دُعِيْنا "الكَنيسَة" وهل تَعلمونَ ما الكَنيسَة؟ إنَّها تَرْجَمَة لكلمة يونانيَّة هيَ "إكليسيَّا" (ekklesia)، وَهِيَ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الفِعْل "إيكاليئو" (ekkaleo). والكلمة "كاليئو" (kaleo) تَعني "دَعوة". والسَابِقَة "إيك" (ek) تَعني: "للخُروج". لذلكَ فإنَّ الكلمة "إيكاليئو" تُشيرُ إلى أنَّنا الكَنيسَة لأنَّنا مَدعوُّونَ للخُروج مِنَ العالمِ، ومِنَ الموتِ، ومِنَ الظَّلامِ، ومِنَ الجَهْلِ. فنحنُ مَدعُوُّون. وهذهِ هيَ نِعمةُ اللهِ لنا مِنْ أجْلِ تَتْميمِ قَصْدِهِ الأزليِّ.

فلا يُمْكِنُكُمْ أنْ تُضيفوا شيئًا إلى ما جاءَ في الرِّسالةِ الثانيةِ إلى تيموثاوُس (أعتقدُ أنَّ ذلكَ جاءَ في الأصحاحِ الأوَّلِ والعدد 9 ... أجَلْ) إذْ نَقرأُ: "الَّذِي خَلَّصَنَا" .... "بِحَسَبِ قُوَّةِ اللهِ" (أيْ بِقُوَّةِ الروحِ القُدُسِ الَّذي هُوَ قُوَّةُ اللهِ) "الَّذِي خَلَّصَنَا وَدَعَانَا دَعْوَةً مُقَدَّسَةً". وهذا يَعني أنَّها دَعوةٌ إلى القَداسَة. فَهذا تَغْييرٌ حَقيقيٌّ. وَهُوَ تَجديدٌ حَقيقيٌّ. وَهِيَ دَعوةٌ إلى القداسَة. إنَّها دَعوةٌ إلى القداسةِ الكاملةِ. وهيَ دَعوةٌ إلى الكَمالِ النِّهائِيِّ. وهيَ دَعوةٌ إلى المجدِ الأبديِّ. وهيَ تأتي مِنْ خِلالِ الإنجيل. فهيَ لا تَأتي بِمَعْزِلٍ عنِ الإنجيل. فهيَ لا تَأتي بِمَعزلٍ عنهُ، كَما تَعلمون. أليسَ كذلك؟ فالإيمانُ يأتي بماذا؟ بسماعِ الكلمةِ المُختصَّةِ بالمسيح. ولكي يَسْمَعوا، يجب أنْ يكونَ هُناكَ كَارِزٌ. والكارِزُ يَنبغي أنْ يُرْسَل. لذلكَ فإنَّ الدَّعوةَ تأتي مِنْ خِلالِ الإنْجيل.

واستمعوا إلى ما جاءَ في 2تسالونيكي 2: 13: "وَأَمَّا نَحْنُ فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَشْكُرَ اللهَ كُلَّ حِينٍ لأَجْلِكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْمَحْبُوبُونَ مِنَ الرَّبِّ". وكَمْ أُحِبُّ هذهِ العِبارَة: "المَحبوبونَ مِنَ الرَّبِّ". فهذهِ عِبارَةٌ مُرتبطةٌ باختيارِهِ. فَهُوَ أَحَبَّنا حَتَّى قبلَ أنْ نُوْلَدَ، وقَبْلَ أنْ يَخْلِقَ أيَّ شَيءٍ. ولكِنَّ الربَّ يُحِبُّنا الآنَ لأنَّهُ اخْتارَنا مِنَ البَدْءِ. فقدِ اخْتارَكُمْ مِنَ البدءِ للخلاص. ثُمَّ نَقرأُ: "الأَمْرُ الَّذِي دَعَاكُمْ إِلَيْهِ بِإِنْجِيلِنَا، لاقْتِنَاءِ مَجْدِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ". فجميعُ العناصِرِ موجودة هُنا. فقدِ اختارَكُمْ. ثُمَّ دَعاكُمْ بواسطةِ الإنجيلِ لكي يُمَجِّدَكُمْ. وأقولُ مَرَّةً أُخرى إنَّ هذهِ دَعوة بِمُقتضَى سِيادةِ اللهِ. فهيَ دَعوةٌ فَعَّالَةٌ. وهيَ الدَّعوةُ الَّتي نَعْرِفُها بأنَّها: "الخَلاص". وعَوْدَة إلى العدد 30: "وَالَّذِينَ دَعَاهُمْ، فَهؤُلاَءِ بَرَّرَهُمْ أَيْضًا".

ثُمَّ نأتي الآنَ إلى الحَقيقةِ الرَّابعَةِ مِنْ هذهِ الحَقائقِ العظيمةِ وَهِيَ الحَقيقةُ الرَّائعةُ المُتَمَثِّلَةُ في التَّبرير. وما هُوَ التَّبرير؟ أنْ تُعْلَنَ بَراءَتُنا أمامَ اللهِ. وَهُوَ مُصْطَلَحٌ قانونِيٌّ يُشيرُ إلى أنَّ اللهَ رَاضٍ عَنْ ذبيحةِ المسيحِ عَنْ جَميعِ خَطايانا. وحيثُ إنَّ اللهَ راضٍ بتلكَ الذَّبيحةِ، وأنَّ أُجرةَ الخطيَّةِ قد دُفِعَتْ بالكامِلِ، فإنَّ العدالَةَ تَحَقَّقت ... العَدالة الإلهيَّة. فأُجرةُ خَطايانا قَدْ دُفِعَتْ بالكاملِ وَحُسِبَتْ على المسيحِ مِنْ خِلالِ مَوتِهِ. وبالنِّعمةِ، حَسِبَ اللهُ بِرَّ المسيحِ لَنا. وهذا هُوَ ما يَجْعَلُهُ يُعْلِنُ أنَّنا أبرار. فالأمرُ لا يَتوقَّفُ على أنَّنا أبرارٌ في ذَواتِنا، ولا على أنَّنا نَمْتَلِكُ أيَّ بِرٍّ فينا، بل إنَّنا حَصَلْنا على البِرِّ لأنَّ اللهَ أَعْلَنَ ذلكَ بناءً على ذبيحةِ المسيحِ الَّتي غَطَّتِ العِقابَ الَّذي نَستحقُّهُ نحنُ بناءً على احتسابِ بِرِّ المسيحِ لَنا. فهُوَ يُغَطِّينا بذاتِ بِرِّ اللهِ في المسيح. ونحنُ نَعرفُ الكَثيرَ عَنْ ذلك. فَهُوَ صَارَ خَطِيَّةً لأجلِنا لِنَصيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فيه (2كورِنثوس 5: 21).

لذلكَ فإنَّ اللهَ عَرَفَنا سابقًا بمَعنى أنَّهُ قَرَّرَ سابقًا علاقةَ المَحَبَّة الحَميمَة والأبديَّة معَ مَجموعةٍ مُعَيَّنةٍ مِنَ النَّاسِ. وقدْ عَيَّنَ سابقًا أنَّ تلكَ العلاقةَ سَتُتَوَّجُ بمجْدٍ أبديٍّ. وقد حَدَثَ هذا كُلُّهُ قَبْلَ أنْ يَبدأَ الزَّمَن. وفي الوقتِ المُعَيَّنِ، فإنَّهُ يَدعو الأشخاصَ الذينَ اختارَهُمْ، ويُبَرِّرُ الذينَ دَعاهُمْ. ثُمَّ تأتي النِّهاية إذْ نَقرأُ في العدد 30: "وَالَّذِينَ بَرَّرَهُمْ، فَهؤُلاَءِ" ماذا؟ "مَجَّدَهُمْ أَيْضًا". فنحنُ جَميعًا سَنَصِلُ إلى المَجْد، يا أحبَّائي. فقد قالَ يسوع: "كُلُّ مَا يُعْطِينِي الآبُ فَإِلَيَّ يُقْبِلُ" وَ "كُلُّ مَا أَعْطَانِي لاَ أُتْلِفُ مِنْهُ شَيْئًا". فَهُوَ يَشْفَعُ فينا أمامَ كُلِّ الاتِّهاماتِ الَّتي تُوَجَّهُ إلينا. والروحُ القدسُ يَشْفَعُ فينا في داخِلِنا ويَضْمَنُ وُصولَنا إلى المجدِ الأبديَّ.

وهل لاحَظْتُمْ شيئًا للتَّوّ؟ فجميعُ الأفعالِ في هذهِ الآيةِ هيَ في الزمنِ الماضي. وهذا يَصحُّ على المَعرفةِ السابقةِ. فهوَ عَرَفَ (وهذا فِعْلٌ في الزمنِ الماضي). وهذا يَصحُّ أيضًا على التَّعيينِ السَّابقِ لأنَّهُ حَدَثَ في الماضي. ولكِنْ ماذا عنِ الفِعْلِ "دَعاهُمْ"؟ ألا يَجْدُرُ بهِ أنْ يكونَ "سَيَدعوهُمْ"؟ وماذا عَنْ الفِعْلِ "بَرَّرَهُمْ"؟ ألا يَجْدُرُ بهِ أنْ يكونَ "سَيُبَرِّرُهُمْ"؟ وما أعنيهِ هُوَ أنَّهُ لم يَنْتَهِ مِنْ ذلكَ بَعْد. وبالمناسبة، ماذا عنِ الفِعْلِ "مَجَّدَهُمْ"؟ فلماذا تَرِدُ جميعُ هذهِ الأفعالِ في الزمنِ الماضي؟ هذا هوَ أحدُ الفُروقُ الدَّقيقةُ الأخرى في اللُّغةِ اليونانيَّةِ. ويُسَمِّي أحدُ الكُتَّابِ هذا الزَّمَنَ بالماضي المُستقبليّ. وهذهِ حقيقةٌ رائعةٌ نَراها في الكِتابِ المقدَّس، وهي تَتمثَّلُ في استخدامِ الزمنِ الماضي للحديثِ عنْ شيءٍ مُؤكَّدٍ يمكنكَ أنْ تَتحدَّثَ عنهُ كما لو أنَّهُ حَدَثَ بالفعل. فَمَجْدُكُمْ هُوَ شَيءٌ مُؤكَّدٌ كَتَعيينِكُمْ السَّابِق. فالتَّعيينُ السَّابقُ حَدَثَ في الماضي. والمعرفةُ السابقةُ حدثتْ في الماضي. ومِنْ جِهَةِ اللهِ، فإنَّ دَعْوَتَكُمْ وتَبريرَكُمْ سَيَؤولانِ إلى تَمجيدِكُمْ النِّهائيِّ. وَهُوَ بِمَقدورِهِ أنْ يَتحدَّثَ عنْ ذلكَ كما لو أنَّهُ حَدَثَ بالفعل.

وأرجو أنْ تَشعروا بالأمان. فهذا هُوَ عملُ الروحِ القدسِ. وما هُوَ عملُ الروحِ القدسِ؟ أنْ يَضْمَنَنا، وأنْ يَشفعَ فينا، وأنْ يَشْهَدَ أنَّنا أولادُ اللهِ، وأنْ يُعطينا القُدرةِ على تَتْميمِ ناموسِ اللهِ، وعلى السُّلوكِ بالبِرِّ، وعلى أنْ نَصْرُخَ "يَا أَبَا الآب"، وأنْ نَتمتَّعُ بِبُنُوَّتِنا وعلاقَتِنا الحميمةِ معَ اللهِ، وأنْ يَضْمَنَنا بطريقةٍ خارقةٍ للطَّبيعةِ.

وما الَّذي يَخْطُرُ بِبالِكُمْ حينَ تُفَكِّرونَ في تَعزيةِ الرُّوح؟ ففي نِهايةِ المَطافِ فإنَّ الروحَ القدسَ هُوَ المُعَزِّي. أليسَ كذلك؟ فقد قالَ يسوع: "وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّيًا آخَرَ". ومِنْ أيْنَ تأتي تَعزية الروح القدس؟ فهل تَبحثونَ عَنْ شَيءٍ يأتي ويَذهبُ سريعًا؟ وهل تَبحثونَ عنْ شيءٍ يَحْدُثُ في حياتِكُمْ ثُمَّ لا تَجِدونَهُ بعدَ ذلكَ فَتَتساءَلونَ: "أيْنَ هُوَ المُعَزِّي؟" انظروا: أنا على قَناعةٍ بأنَّ الروحَ القدسَ يُعْطينا نِعمةً في أوقاتٍ كهذهِ. ولكِنَّ تَعْزِيَتَكُمْ الَّتي هِيَ مِنَ الروحِ القدسِ تأتي مِنْ مَعرفةِ ما يَفعلُهُ الروحُ القدسُ في حَياتِكُمْ لكي يَضْمَنَ مَجْدَكُم المُستقبليَّ. فهل هذهِ التَّعزية كافِيَة لَكُمْ؟ هل يوجدُ ما هوَ أَثْمَنُ مِنْ ذلك، أيْ مِنْ مَعرفةِ أنَّ مَصيرَكَ الأبديَّ مَضمونٌ لأنَّهُ تحتَ رِعايةِ المُعَزِّي؟ فهذهِ هيَ أكْبَرُ تَعزيةٍ لَكُمْ. فلا تَعزية أُخرى تَفوقُ هَذِهِ.

فأيُّ تَعزيةٍ أُخرى هي تَعزية مُؤقَّتة. وأنا على يَقينٍ بأنَّ روحَ اللهِ يُعْطي مِثْلَ هذهِ الأشياء. وأنا على يَقينٍ بأنَّ الآيةَ الَّتي تَقولُ "مُلْقِينَ كُلَّ هَمِّكُمْ عَلَيْهِ، لأَنَّهُ هُوَ يَعْتَنِي بِكُمْ" هيَ خِبرة حَقيقيَّة في حياةِ المُؤمِنين. وأنا على يَقينٍ بأنَّ روحَ اللهِ يُعْطي تَعزيةً. ولكنِّي لا أَظُنُّ أنَّ هذهِ التَّعزيةَ تَأتي مِنْ فَراغ. لذلكَ فإنَّنا نَقرأُ عَنْ تَعزيةِ الكِتابِ المقدَّسِ. فحينَ نَعرفُ عملَ الروحِ القدسِ المُرْتَبِطِ بعملِ الابْنِ المُرتبطِ بمشيئةِ الآبِ، فإنَّ تَعْزِيَتَنا مَضمونَة. فَهُوَ المُعَزِّي لَنا. وهُوَ يُعَزِّينا مِنْ خِلالِ تأكيدِ أنَّ قُدرتَهُ ونِعْمَتَهُ ستأتي بنا إلى المجدِ الأبديِّ. والآنْ، لا أَدْري كيفَ ستَتجاوَبونَ معَ ذلك. ولكِنْ إنْ كُنْتَ تَعتقدُ أنَّ هذا جَيِّدٌ، انْتَظِرْ إلى أنْ نَصِلَ إلى العَدَد 31 وَبَقِيَّةِ هذا الأصحاحِ في المَرَّةِ القادِمَة.

والآنْ، كما قُلنا في الأسبوعَيْنِ السَّابِقَيْن. سوفَ أَخْتِمُ بالصَّلاةِ. وفي هذهِ الأثناءِ، أرجو أنْ تَبقوا في أماكِنِكُمْ وأنْ تَتأمَّلوا بهدوءٍ في أثناءِ العَزْفِ على الأورغِنْ بِضْعَ لَحَظاتٍ حَتَّى تَسْتَقِرَّ هذهِ الأفكارُ في أعماقِكُمْ. وأوَدُّ أنْ أُذَكِّرَكُمْ بأنَّ غُرفةَ الصَّلاةِ مَفتوحة في الرُّكْنِ الأيْمَن. ونحنُ في خِدْمَتِكُمْ هُناك. ومَرْكِزُ الزُّوَّارِ في هذا الجانِب. ومَرْكِزُ الأعْضاءِ والأشخاصِ الرَّاغبينَ في المَعموديَّةِ أوْ في العُضويَّةِ، أو لديهم حاجة رُوحيَّة، أوْ يَرغبونَ في معرفةِ المزيدِ عنِ الخلاصِ، أوْ في أنْ يُصَلِّي شخصٌ مَعَهُمْ. فإنْ كُنْتُمْ في حاجةٍ إلى شَخصٍ يَفعلُ ذلك، أوْ كُنْتُمْ بحاجةٍ إلى مَشورة، أو مُساعدة، أرجو أنْ تَعلموا أنَّنا مَوجودونَ هُنا لِخِدمَتِكُمْ بتلكَ الطريقة. ولكِنْ بصورةٍ خاصَّة، إنْ لم تَكُنْ مُتأكِّدًا أنَّ الرُّوحَ القُدُسَ يَسْكُنُ فيكَ، وأنَّكَ سَتَذْهَبُ إلى السَّماءِ، فَمِنْ دَواعي سُرورِنا أنْ نَتحدَّثَ إليكَ عنِ الخَلاص. لذلكَ، لِنُصَلِّ. ثُمَّ يُمْكِنُكُمْ أنْ تَتَأمَّلوا قليلًا وَتَسْمَحوا لتلكَ الأشياءِ بالاستقرارِ في قُلوبِكُمْ.

نَشكُرُكَ، يا أبانا، على كُلِّ مَا تَعَلَّمْناهُ عَنْ هذهِ الأمْجادِ العظيمةِ المُختصَّةِ بِهَذا القَصْدِ الفِدائِيِّ الفَريد. والشَّيءُ المُذهلُ جِدًّا بهذا الخُصوصِ هُوَ كيفَ حَصَلْنا على هذهِ الأمْجاد. فقد حَصَلْنا عليها لا لِشَيءٍ صالحٍ فينا، ولا بسببِ خِياراتِنا الصَّحيحَة، ولا بسببِ إنجازٍ شَخْصِيٍّ، ولا لاسْتِحْقاقٍ فينا. فأنْتَ هُوَ الَّذي شِئْتَ أنْ تُعْلِنَ مَحَبَّتَكَ لنا، وأنْ تُحِبَّنا مَحَبَّةً أبديَّةً، وأنْ تُعْطينا امْتيازَ أنْ نَعرِفَكَ بالمَعنَى الحَقيقيِّ، وأنْ نُحِبَّكَ إلى أبدِ الآبِدينَ، وأنْ نَخْتَبِرَ مَحَبَّتَكَ ومَحَبَّةَ ابْنِكَ. ونحنُ مَحبوبونَ الآنَ مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ الَّذي يُحِبُّنا ويُحِبُّكَ بما يَكفي لِضَمانِنا إلى الأبد. نَشكُرُكَ على قُوَّةِ كلمةِ اللهِ على تَوصيلِ هذهِ الحَقائقِ الَّتي صَارَتْ مَصْدَرَ تَعزيةٍ لَنا. وليتَكَ تُعطينا نِعمةً لكي نَتمتَّعَ بهذهِ التَّعزيةِ ونَفعلَ كُلَّ ما في وُسْعِنا للتَّعبيرِ عَنْ ذلكَ الفَرَحِ في هذهِ الحَياةِ، حَتَّى في وَسَطِ المِحَنِ، وَحَتَّى في وَسَطِ التَّجاربِ المُتَنَوِّعَةِ (كما يَقولُ بُطْرُس). وساعِدْنا مِنْ فَضلكَ على أنْ نُحِبَّ هذهِ الحَقائقَ مَحَبَّةً كافيةً حَتَّى نُشارِكَها معَ أولئكَ الَّذينَ لا يَعرفونَ بَعْد تَعزيةَ المجدِ الأبديِّ الَّتي بِوُسْعِهِمْ أنْ يَجِدوها مِنْ خِلالِ إيمانِهِمْ بالمسيح. واستَخْدِمْنا لهذهِ الغايَة. نُصَلِّي هذا باسْمِ المسيح. آمين.

This sermon series includes the following messages:

Please contact the publisher to obtain copies of this resource.

Publisher Information
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969

Welcome!

Enter your email address and we will send you instructions on how to reset your password.

Back to Log In

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize
View Wishlist

Cart

Cart is empty.

Subject to Import Tax

Please be aware that these items are sent out from our office in the UK. Since the UK is now no longer a member of the EU, you may be charged an import tax on this item by the customs authorities in your country of residence, which is beyond our control.

Because we don’t want you to incur expenditure for which you are not prepared, could you please confirm whether you are willing to pay this charge, if necessary?

ECFA Accredited
Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Back to Cart

Checkout as:

Not ? Log out

Log in to speed up the checkout process.

Unleashing God’s Truth, One Verse at a Time
Since 1969
Minimize