
في هَذا الصَّباح، أرْجُو أنْ تَفْتَحُوا الكِتابَ المُقَدَّسَ عَلى الأصْحاحِ الثَّالِثِ وَالخَمْسينَ مِنْ سِفْرِ إشَعْياء (إشَعْياء – الأصْحاح 53). فسوفَ نَبتدئُ بدراسةِ هذا الجُزْءِ المهمِّ جدًّا مِنَ العهدِ القَديمِ مِنْ خِلالِ هَذِهِ السِّلسلةِ الَّتي سنَسْتَكْشِفُ فيها المَسيحَ في أسْفارِ العَهْدِ القَديم. والحقيقةُ، يا أحِبَّائي، هِيَ أنَّهُ لا بُدَّ مِنْ كَلِمَةٍ تَحذيريَّةٍ هُنا. فالحقيقةُ هِيَ أنَّكُم سَتَشعرونَ بأنَّكُمْ طَلَبَةُ دِراساتٍ عُلْيا في كُلِّيَّةِ اللَّاهوتِ. ولَكِنَّ الضَّرورَةَ تُحَتِّمُ عَلَيَّ أنْ أُعْطيكُمْ مُقَدِّمَةً وَأنْ أُمَهِّدَ لهذا المَقْطَعِ الكِتابِيّ.
فَيَجِبُ عليكُمْ أنْ تَفْهَموا طَبيعَةَ هَذا المَقْطَعِ وَالسِّياقَ الَّذي جَاءَ فيهِ لِكَيْ تَتَمَكَّنُوا مِنَ اسْتِكْشافِ جَميعِ الكُنوزِ الكامِنَةِ في هذا الأصْحاح. ومَعَ أنَّكُمْ قَدْ تَقولونَ إنَّكُمْ قد سَمِعْتُمْ عِظاتٍ عَنْ إشَعْياء 53، فَإنَّ مَا سَتَسْمَعونَهُ الآنَ مُخْتَلِفٌ. فَسَتَسْمَعونَ سِلْسِلَةً مِنَ العِظاتِ طَوالَ شَهْرَيْنِ تَقْريبًا. وَلِكَيْ نَدْرُسَ هَذا المَوضوعَ مِنْ جَميعِ جَوانِبِهِ، وَتَتَمَكَّنوا مِنْ رُؤيَةِ رَوْعَةِ هَذا المَقْطَعِ الكِتابِيِّ، لا بُدَّ مِنْ هَذِهِ المُقَدِّمَةِ في هَذا الصَّباح. لذلكَ، يَجِبُ أنْ تُرَكِّزُوا جَيِّدًا، وَأنْ تَتَأمَّلُوا مَلِيًّا في كُلِّ ما سَتَسْمَعونَهُ، وَأنْ تَكونُوا جَاهِزينَ لِدِراسَةٍ عَميقَةٍ وَصَعْبَةٍ بَعْضَ الشَّيءٍ.
سَنَخْتَبِرُ سِعَتَكُم التَّخزينِيَّةَ في هَذا الصَّباحِ وَنَرى مِقْدارَ المَعلوماتِ الَّتي يُمْكِنُكُمْ أنْ تَسْتَوْعِبوها. وَلَكِنَّنا سَنُخَزِّنُ هَذِهِ العِظاتِ على أقْراصٍ مَضْغوطَةٍ أوْ عَلى مَلَفَّات (MP3) في المُستقبَل. فَهِيَ مِنَ العِظاتِ الَّتي قَدْ تَرْغَبونَ في العَوْدَةِ إليها والاسْتِماعِ إليها مَلِيًّا في المُستقبَل. وإذْ نَأتي إلى إشَعْياء 53، يَقْتَضي التَّنويهُ إلى أنَّ هذا المَقْطَعَ يَبْتَدِئُ في الحَقيقَةِ مِنَ الأصْحاح 52 وَالعَدَد 13. لِذلكَ، عِنْدَما أَذْكُرُ شَاهِدًا كِتابِيًّا أثناءَ دِراسَتِنا لإشَعْياء 53، فَإنِّي أُشيرُ عُمومًا إلى هَذا المَقْطَعِ بِمُجْمَلِه (مِنْ 52: 13 إلى 53: 12) – أَجَلْ، إلى هَذِهِ الآياتِ الخَمْسَ عَشْرَةَ ابْتِداءً مِنَ الأصْحاح 52 وَالعَدَد 13. فَهَذِهِ جَميعُها تُشَكِّلُ مَقْطَعًا واحِدًا. وَكَمْ كُنْتُ أَتَمَنَّى لو أنَّ العُلَماءَ الَّذينَ رَقَّمُوا الأصْحاحَ الثَّالِثَ وَالخَمْسين ابْتَدأوا في تَرْقيمِهِ مِنَ العَدَد 13 (مِنَ الأصْحاح 52) لأنَّ العَدَد 13 هُوَ المُقَدِّمَةُ لِما جَاءَ في الأصْحاحِ الثَّالِثِ وَالخَمْسين.
والآنْ، إذا كانَ قَدْ مَضى عَلى إيمانِكَ بالمَسيحِ بَعْض الوقتِ، مِنَ المؤكَّدِ أنَّكَ تَعْرِفُ هذا الجُزْءَ مِنَ الكِتابِ المُقدَّسِ، وَهَذا واجِبٌ عليكَ. فَبَعْضُ عَلَماءِ الكِتابِ المُقَدَّسِ الباكِرينَ أَطْلَقُوا على هَذا الجُزْءِ اسْمَ "الإنْجيلِ الخَامِس". أجَلْ "الإنْجيل الخَامِس" (بَعْدَ مَتَّى، وَمَرْقُس، وَلُوقا، وَيُوحَنَّا). وَقَدْ كانَ أُغَطْسينُوس قَدْ قالَ في القَرْنِ الخامِسِ للميلاد: "إنَّهُ لَيْسَ نُبوءَةً، بَلْ هُوَ إنْجيل". أمَّا "بوليكاربوس" (وَهُوَ تِلْميذٌ وَصَديقٌ للرَّسولِ يُوحَنَّا) فَقالَ عَنْ هَذا المَقْطَعِ مِنَ الكِتابِ المُقَدَّسِ إنَّهُ "دُرَّةُ العَهْدِ القَديم".
وَقَدْ قالَ "مَارْتِنْ لوثَر" نَفْسُهُ: "يَجِبْ على كُلِّ مُؤمِنٍ أنْ يَحْفَظَ هَذا الجُزْءَ عَنْ ظَهْرِ قَلْب". لِذَلِكَ، سَوْفَ يَكونُ هَذا هُوَ الواجِبُ المَطلوبُ مِنْكُمْ: أنْ تَحْفَظُوا هَذِهِ الآياتِ ابْتِداءً مِنْ إشَعْياء 52: 13 إلى نِهايَةِ 53: 12 لأنَّ هَذا المَقْطَعَ سَيَبْقى مَعَكُمْ إلى نِهايةِ حَياتِكُم. ومِنَ المُرَجَّحِ أنَّكُمْ تَعْرِفونَ أغلبيَّةَ هذا المَقطعِ إنْ كُنْتُمْ تُواظِبونَ على دِراسَةِ الكِتابِ المُقَدَّسِ مُنْذُ بَعْضِ الوَقْتِ. وَقَدْ كَتَبَ عالمانِ ألمانِيَّانِ في سَنَةِ 1866 الكَلِماتِ التَّالِيَة: "قَدْ يُخَيَّلُ للإنْسانِ أنَّ هَذا المَقْطَعَ كُتِبَ مِنْ تَحْتِ صَليبِ الجُلْجُثَة". وَقَدْ أَضَافا: "إنَّ هذا المَقْطَعَ يُذيبُ شِغَافَ القَلْب". وَقَدْ قالَ هَذانِ العالِمانِ أيْضًا: "إنَّ هذا الأصْحاحَ هُوَ أَهَمُّ وَأعْمَقُ وَأسمى شَيءٍ تَفَوَّقَتْ فيهِ نُبوءاتُ العَهْدِ القَديمِ على نَفْسِها".
وسَتَجِدونَ في هذا المَقْطَعِ مِنَ الكِتابِ المُقَدَّسِ جُذورَ التَّفْكيرِ المَسيحيِّ - بالرَّغْمِ مِنْ أنَّهُ مَقْطَعٌ وَرَدَ في العَهْدِ القَديم. وَسَتَجِدونَ هُنا مُصْطَلَحاتٍ دَخَلَتْ في الخِطاباتِ وَالأحاديثِ المَسيحيَّةِ وَبَقِيَتْ فيه. وَسَتَجِدونَ في هَذا المَقْطَعِ مِنَ الكِتابِ المُقَدَّسِ النَّصَّ الَّذي اسْتَخْدَمَهُ وُعَّاظُ الإنْجيلِ والكُتَّابُ المَسيحيُّونَ عَبْرَ التَّاريخِ أكْثَرَ مِنْ أيِّ مَقْطَعٍ آخَرَ في العَهْدِ القَديم. وَالحقيقَةُ هِيَ أنَّ إشَعْياء 53 هُوَ قَلْبُ الكِتابَةِ العِبْرِيَّةِ. وَهُوَ النَّصُّ المَسِيحَانِيُّ والنَّبَوِيُّ الأبْرَزُ الَّذي يَسْمُو على أيِّ نَصٍّ آخَرَ في العَهْدِ القَديم.
والحَقيقَةُ هِيَ أنَّ تَألُّقَ هَذِهِ الجَوْهَرَةِ النَّبَوِيَّةِ يَزْدادُ مِنْ خِلالِ السِّياق. لِذَلِكَ، أرْجو أنْ تَحْتَفِظُوا بالكِتابِ المُقَدَّسِ في مُتَناوَلِ اليَدِ لأنَّكُمْ سَتَحْتاجُونَ إليهِ أثْناءَ اسْتِماعِكُمْ إلَيَّ. فَسَوْفَ أَضَعُكُمْ في أَجْواءِ مَا يَحْدُثُ هُنا، مُبْتَدِئًا بِنَظْرَةٍ عَامَّة. فَسِفْرُ إشَعْياء يُقْسَمُ إلى قِسْمَيْنِ: الأوَّلُ يَبْتَدِئُ بالأصْحاحِ الأوَّلِ وَيَنْتَهي بِنِهايَةِ الأصْحاح 39، والثَّاني يَبْتَدِئُ بالأصْحاح 40 وَيَنْتَهي بِنهايَةِ الأصْحاح 66. ومِنَ الواضِحِ أنَّهُ واحِدٌ مِنْ أسْفارِ العَهْدِ القَديمِ الطَّويلَة، والمُفَصَّلَة، وَالرَّائِعَة جِدًّا. وَقَدْ كُتِبَ في نَحْوِ سَنَةِ 680 قَبْلَ الميلاد، أيْ قَبْلَ نَحْوِ 700 سَنَةٍ مِنْ ميلادِ المَسيح. ويَتَحَدَّثُ القِسْمُ الأوَّلُ مِنْ هَذا السِّفْرِ (أيِ الأصْحاحات مِنْ 1 إلى نهاية 39) عَنِ الدَّيْنونَةِ القادِمَةِ وَالسَّبْيِ. فَقَدْ تَكَلَّمَ اللهُ في هَذِهِ الأصْحاحاتِ التِّسْعَةِ وَالثَّلاثينَ مِنْ خِلالِ النَّبِيِّ إشَعْياءَ عَنِ الدَّيْنونَةِ، أيِ الدَّيْنونَةِ الَّتي سَتَحِلُّ على إسْرائيلَ آنَذاك. وَقَدْ تَحَقَّقَتْ هَذِهِ النُّبوءاتُ حَرْفِيًّا.
فَقَدْ تَحَقَّقَتْ هَذِهِ النُّبوءاتُ خِلالَ فَتْرَةٍ تَقِلُّ عَنِ المِئَةِ سَنَةٍ مِنْ كِتابَتِها إذْ إنَّ السَّبْيَ البابِلِيَّ ابْتَدَأَ حِيْنَ تَمَّ سَبْيُ المَمْلَكَةِ الجَنُوبِيَّةِ (أيْ: مَمْلَكَةِ يَهُوذا) بِأسْرِها. أمَّا الجُزْءُ المُتَبَقِّي (أي المَمْلَكَةُ الشَّمالِيَّةُ) فَكانَتْ قَدْ سُبِيَتْ قَبْلَ سَنَواتٍ مَضَتْ (في سَنَة 720 قَبْلَ الميلاد). لِذَلِكَ فإنَّ سَبْيَ المَمْلَكَةِ الجَنوبِيَّةِ هُوَ المَوضوعُ الرَّئيسِيُّ للأصْحاحاتِ التِّسْعَةِ وَالثَّلاثين الأولى. وَبَعْدَ ذَلِكَ هُناكَ تَحْذيراتٌ مِنْ دَيْنونَةِ اللهِ على الخُطاةِ في كُلِّ العُصُورِ وَالأزْمِنَةِ، وَهُناكَ إشَارَةٌ إلى وُجودِ دَيْنونَةٍ أخيرَةٍ، أيْ إلى يَوْمِ الدَّينونَةِ العَظيم. وَلَكِنَّ الأصْحاحات مِنْ 1 إلى 39 هِيَ عَنِ الدَّيْنونَةِ وَالسَّبْيِ (أيِ السَّبْيِ البَابِلِيِّ)، وَعَنْ مَوْضوعِ دَيْنونَةِ الخُطاةِ، وَأيْضًا عَنْ الدَّيْنونَةِ الأخيرَةِ في نِهايَةِ التَّاريخِ البَشَرِيِّ.
لِذَلكَ فإنَّ الأصْحاح 39 يَنْتَهي بإعْلانِ الدَّيْنونَةِ الَّتي سَتَحِلُّ على إسْرائيلَ مِنْ خِلالِ السَّبْيِ البَابِلِيِّ إذْ إنَّهُمْ سَيَقَعونَ أَسْرى بِيَدِ البابِلِيِّين. أرْجو أنْ تَسْتَمِعُوا إلى ما جَاءَ في العَدَدَيْن 6 و 7: "هُوَذَا تَأتِي أَيَّامٌ [العَدَد 6 مِنَ الأصْحاح 39] يُحْمَلُ فِيهَا كُلُّ مَا فِي بَيْتِكَ، وَمَا خَزَنَهُ آبَاؤُكَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ، إِلَى بَابِلَ. لاَ يُتْرَكُ شَيْءٌ، يَقُولُ الرَّبُّ. وَمِنْ بَنِيكَ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ مِنْكَ الَّذِينَ تَلِدُهُمْ، يَأْخُذُونَ، فَيَكُونُونَ خِصْيَانًا فِي قَصْرِ مَلِكِ بَابِلَ". وَهَذِهِ نُبوءَةٌ مُحَدَّدَةٌ عَنِ الأسْرِ البابِلِيِّ الَّذي ابْتَدَأَ في سَنَةِ 603 قَبْلَ الميلاد، أيْ بَعْدَ نَحْوِ 80 سَنَة مِنْ كِتابَةِ إشَعْياء لِهَذِهِ النُّبوءَة. فَقَدْ تَنَبَّأَ إشَعْياءُ عَنْ حُدوثِها. وَقَدْ تَحَقَّقَتْ. وَقَدْ تَمَّ تَرْحيلُ اليَهودِ عَلى ثَلاثِ مَراحِل: الأولى في سَنَة 603، والثَّانية في سَنَة 597، وَالأخيرَةُ في سَنَة 586 قَبْلَ الميلاد. وَهُمْ لَمْ يَرْجِعُوا مِنَ السَّبْيِ إلَّا بَعْدَ 70 سَنَة مِنْ تِلْكَ المَرْحَلَةِ الأخيرَة. لِذَلِكَ مِنَ المُؤكَّدِ أنَّ هَذا القِسْمَ الأوَّلَ كُتِبَ بِوَحْيٍ إلَهِيٍّ لأنَّ التَّاريخَ أَكَّدَ تَحْقيقَ تِلْكَ النُّبوءاتِ حَرْفِيًّا.
وَهَذا يَأتي بِنا إلى القِسْمِ الثَّاني. فَقَدْ تَبَقَّى لَدينا سَبْعَة وَعِشْرونَ أصْحاحًا (مِنْ بِدايَةِ الأصْحاح 40 إلى نِهايَةِ الأصْحاح 66). أمَّا الفِكْرَةُ الرَّئيسيَّةُ للقِسْمِ الثَّاني فَهِيَ النِّعْمَةُ وَالخَلاص – النِّعْمَةُ وَالخَلاص. وَهَذِهِ الأصْحاحاتُ السَّبْعَةُ وَالعِشْرونَ (الَّتي تَبْتَدِئُ بالأصْحاح 40) هِيَ أَسْمَى وَأغْنى جُزْءٍ في نُبوءاتِ العَهْدِ القَديم. وَهِيَ نُبوءَةٌ واحِدَةٌ، وَرُؤيا عَظيمَةٌ واحِدَةٌ، وَإعلانٌ جَليلٌ وَاحِدٌ عَنِ الخَلاصِ مِنْ خِلالِ المَسِيَّا الَّذي سَيَأتي. إنَّها سَامِيَةٌ جِدًّا. وَهِيَ رَائِعَةٌ. وَهِيَ شَامِلَةٌ. وَهِيَ لا تَتَحَدَّثُ فَقَطْ عَنْ تَحْريرِ بَني إسْرائيلَ مِنَ السَّبْيِ البابِلِيِّ، ولا تَتَحَدَّثُ فَقَطْ عَنْ تَحْريرِ الخُطاةِ مِنَ الخَطِيَّةِ، بَلْ تَتَحَدَّثُ عَنْ تَحريرِ الأُمَمِ مِنْ اللَّعْنَةِ، وَعَنْ دُخولِهِمْ مَلَكوتَ المَسِيَّا. لِذَلِكَ فإنَّها تَمْلِكُ تِلْكَ العَناصِرَ نَفْسَها. فالجُزْءُ الأوَّلُ يَتَحَدَّثُ عَنْ دَيْنونَةِ إسْرائيل، وَهَذا الجُزْءُ يَتَحَدَّثُ عَنْ دَيْنونَةِ الخُطاةِ، وَعَنِ الدَّيْنونَةِ الأخيرَةِ. وَيَتَحَدَّثُ النِّصْفُ الثَّاني عَنْ تَحْريرِ بَني إسْرائيلَ، وَعَنْ تَحْريرِ الخُطاةِ، وَعَنْ التَّحْريرِ النِّهائيِّ والدُّخولِ إلى مَلَكوتِ المَسِيَّا.
والمُدْهِشُ أكْثَرَ مِنْ هَذا كُلِّهِ هُوَ أنَّ النِّصْفَ الثَّاني (الَّذي سَنُرَكِّزُ عليهِ – أيِ الأصْحاحات 40-66) يَبْتَدِئُ مِنَ النُّقْطَةِ نَفْسِها الَّتي يَبْتَدِئُ مِنْها العَهْدُ الجَديد. وَأوَدُّ مِنْكُمْ أنْ تَنْظُروا قَليلًا إلى الأصْحاح 40 لِكَيْ تَرَوْا التَّشابُهَ المُذْهِلَ بَيْنَهُما. فَنحنُ نَقرأُ في الأصْحاح 40: "عَزُّوا، عَزُّوا شَعْبِي، يَقُولُ إِلهُكُمْ". وَهَذِهِ هِيَ نُقْطَةُ التَّحَوُّلِ في سِفْرِ إشَعْياء: مِنْ إعْلانِ الدَّيْنونَةِ في الأصْحاحاتِ التِّسْعَة وَالثَّلاثينَ الأولى، إلى التَّعْزِيَةِ في النِّصْفِ الثَّاني بِفَضْلِ النِّعْمَةِ وَالخَلاص: "طَيِّبُوا قَلْبَ أُورُشَلِيمَ". ثُمَّ تَأتي النُّبوءَةُ في العَدَدِ الثَّالِثِ عَنْ يُوحَنَّا المَعْمَدان: "صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. قَوِّمُوا فِي الْقَفْرِ سَبِيلاً لإِلَهِنَا".
وَلا شَكَّ في أنَّ يُوحَنَّا المَعْمَدانَ هُوَ الَّذي جَاءَ، وَأنَّهُ هُوَ الَّذي حَقَّقَ تِلْكَ النُّبوءَةَ. فَقَدْ كانَ هُوَ الَّذي جَاءَ قَبْلَ المَسِيَّا. وَهُوَ الصَوْتُ الصَّارِخُ في البَرِّيَّةِ: "أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. قَوِّمُوا فِي الْقَفْرِ سَبِيلاً لإِلَهِنَا". وَالحَقيقَةُ هِيَ أنَّ العَهْدَ الجَديدَ يَبْتَدِئُ مِنْ هُنا. فالعَهْدُ الجَديدُ يَبْتَدِئُ بيوحَنَّا المَعْمَدان. وَهُنا يَبْتَدِئُ النِّصْفُ الآخَرُ مِنْ سِفْرِ إشَعْياء. لِذلكَ فإنَّ هَذا القِسْمَ الَّذي يُسَمَّى "إنْجيلًا" مِنْ سِفْرِ إشَعْياء يَبْتَدِئُ مِنَ النُّقْطَةِ نَفْسِها الَّتي يَبْتَدِئُ فيها إنْجيلُ العَهْدِ الجَديد. وَيَنْتَهي هَذا القِسْمُ مِنْ سِفْرِ إشَعْياء في النُّقْطَةِ الَّتي يَنْتَهي فيها العَهْدُ الجَديدُ أيْضًا. وَهَذِهِ سِمَةٌ مُمَيَّزَةٌ أُخرى في الأصْحاح 65 مِنْ سِفْرِ إشَعْياء. فَعِنْدَما نَصِلُ إلى نِهايَةِ هَذا الأصْحاحِ، نَقْرَأُ الكَلِماتِ التَّالِيَة في العَدَد 17: "لأَنِّي هأَنَذَا خَالِقٌ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً". السَّماواتُ الجَديدَةُ والأرْضُ الجَديدَةُ (الأصْحاح 65 وَالعَدَد 17).
ثُمَّ نَقْرَأُ في الأصْحاحِ الأخير (الأصْحاح 66 وَالعَدَد 22)، بالقُرْبِ مِنَ النِّهايَة تَقريبًا: "لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ السَّمَاوَاتِ الْجَدِيدَةَ وَالأَرْضَ الْجَدِيدَةَ الَّتِي أَنَا صَانِعٌ تَثْبُتُ أَمَامِي، يَقُولُ الرَّبُّ"، وَهَلُمَّ جَرَّا. وَهَلْ تَعْلَمونَ أيْنَ يَنْتَهي العَهْدُ الجَديد؟ إنَّهُ يَنْتَهي في رُؤيا 21 و 22 بالسَّماواتِ الجَديدَةِ وَالأرْضِ الجَديدَة. لِذَلِكَ فإنَّ هَذا القِسْمَ مِنْ سِفْرِ إشَعْياء يَبْتَدِئُ مِنْ نَفْسِ النُّقْطَةِ الَّتي يَبْتَدِئُ فيها العَهْدُ الجَديدُ (بِمَجيءِ يُوحَنَّا المَعْمَدان). وَهُوَ يَنْتَهي في نَفْسِ المَكانِ الَّذي يَنْتَهي فيهِ العَهْدُ الجَديد (بالسَّماواتِ الجَديدَةِ وَالأرْضِ الجَديدَة). لِذَلِكَ فإنَّنا نَرى التَّشابُهَ العَجيبَ بَيْنَ هَذِهِ النُّبوءَةِ المُدْهِشَةِ وَالعَهْدِ الجَديد. وَلا يَجِبُ أنْ يَغيبَ عَنْ بَالِنا أنَّ هَذِهِ النُّبوءاتِ كُتِبَتْ قَبْلَ 700 سَنَة مِنْ مَجيئِ المَسِيَّا والابْتِداءِ في تَحْقيقِها.
وَالآنْ، مَنِ الَّذي سَيَجْلِبُ هَذِهِ النِّعْمَةَ وَهَذا الخَلاص؟ وَمَنِ الَّذي سَيَأتي بِهَذا التَّحرير؟ إنَّ الجَوابَ هُوَ: عَبْدُ الرَّبِّ! عَبْدُ الرَّبِّ! فَهَذا هُوَ اللَّقَبُ الَّذي يُلَقَّبُ بِهِ. وَالكَلِمَةُ العِبْرِيَّةُ "عَبْد" قَدْ تُشيرُ إلى العَبْدِ أوِ الخَادِم. وَهِيَ كَلِمَةٌ مُسْتَخْدَمَةٌ مِئاتِ المَرَّاتِ في العَهْدِ القَديم. وَهِيَ الكَلِمةُ العِبْرِيَّةُ الَّتي تُسْتَخْدَمُ للإشارَةِ إلى العَبْدِ أوِ الخَادِمِ. فَعَبْدُ الرَّبِّ (أيْ: خَادِمُ الرَّبِّ) هُوَ الَّذي سَيَجْلُبُ الخَلاصَ. وَهُوَ الَّذي سَيَجْلُبُ الرَّاحَةَ. وَهُوَ الَّذي سَيَجْلُبُ غُفْران الخَطايا. لِذَلِكَ فإنَّهُ سَيَصيرُ الفِكْرَةَ الرَّئيسيَّةَ لِهَذا القِسْمِ الأخيرِ مِنْ سِفْرِ إشَعْياء.
وَالآنْ، لِنَنْظُرْ إلى الأصْحاح 53 قَليلًا دُوْنَ أنْ نَنْسى هَذِهِ الصُّورَةَ الشَّامِلَةَ الَّتي تَكَوَّنَتْ لَدَيْنا. فَنَحْنُ نَقْرَأُ في العَدَد 13 مِنَ الأصْحاح 52: "هُوَذَا عَبْدِي" ... "هُوَذَا عَبْدِي". عَبْدي ... عَبْدي. إنَّهُ اللَّقَبُ نَفْسُهُ الَّذي ذُكِرَ في مَقْطَعٍ سَابِقٍ جِدًّا مِنْ هَذا القِسْمِ مِنْ سِفْرِ إشَعْياء. فَهَذِهِ هِيَ النُّبوءَةُ الرَّابِعَةُ عَنِ العَبْدِ. الأولى وَرَدَتْ في الأصْحاح 42. والثَّانِيَةُ وَرَدَتْ في الأصْحاح 49. والثَّالِثَةُ وَرَدَتْ في الأصْحاح 50 والأعْداد مِنْ 4 إلى 11. وَهَذِهِ هِيَ النُّبوءَةُ الرَّابِعَةُ مَمَّا يُمْكِنُ أنْ نُسَمِّيهِ "نَشيدُ إشَعْياءَ عَنِ العَبْد" أوْ "نُبوءاتُ إشَعْياء عَنِ العَبْد".
وَالآنْ، في هَذا العَرْضِ الَّذي أمامَنا عَنِ العَبْدِ، يَدْعُونا النَّبِيُّ إلى النَّظَرِ إلى هَذا العَبْدِ بانْدِهاشٍ. لِذَلِكَ إنْ أرَدْتُ أنْ أَضَعَ عُنْوانًا لِهَذِهِ العِظَةِ، سَيَكونُ هَذا العُنْوانُ هُوَ: "عَبْدُ الرَّبِّ المُدْهِش". وَلا أَدْري مَا العُنْوانُ الَّذي سَيَخْتارُهُ القائِمونَ على هَذا البَرْنامَجِ، وَلَكِنِّي أخْتارُ العُنْوانَ: "عَبْدُ الرَّبِّ المُدْهِش". فَهَذا أَكْمَلُ وَأَقْوَى وَأهَمُّ إعْلانٍ عَنِ المَسِيَّا في العَهْدِ القَديمِ بِمُجْمَلِه، وَهُوَ مَاثِلٌ أَمَامَنا هُنا.
وَإلَيْكُمْ خَلْفِيَّةً أُخرى عَنْ ذَلِك. فَإنْ رَجَعْتُمْ إلى سِفْرِ صَموئيلَ مَثَلًا، فإنَّكُمْ تَبْتَدِئونَ في رُؤيَةِ إعْلانِ اللهِ مِنْ خِلالِ الأنْبياء. فَقَدْ كانَ مُوْسَى نَبِيًّا. فَقَدْ أَعْطى نُبوءاتٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ. بَلْ إنَّهُ تَنَبَّأَ عَنِ المَسِيَّا حِيْنَ تَحَدَّثَ عَنْ نَبِيٍّ يَأتي بَعْدَهُ. وَقَدْ عَيَّنَ هُوِيَّتَهُ. وَلَكِنَّ الخِدْمَةَ النَّبَوِيَّةَ الحَقيقيَّةَ المَعْروفَةَ لَدينا ابْتَدَأتْ بِصَموئيل. وَلا شَكَّ أنَّ الآخَرينَ تَكَلَّمُوا بِلِسانِ اللهِ أيْضًا وَكانَتْ لَدَيْهِمْ خِدْمَة نَبَوِيَّة. وَلَكِنَّ الخِدْمَةَ النَّبَوِيَّةَ الحَقيقيَّةَ ابْتَدَأتْ بِصَموئيل. وَكانَ ذَلِكَ في نَحْوِ سَنَةِ ألْفٍ قَبْلَ الميلاد، أيْ قَبْلَ نَحْوِ 300 سَنَة مِنْ إشَعْياء.
وَكانَ اللهُ يُعْلِنُ دائِمًا للأنْبياءِ أنَّهُ سَيَأتي عَصْرٌ يَمْلِكُ اللهُ فيهِ مِنْ خِلالِ بَني إسْرائيلَ على العالَم. وَلَكِنَّ هَذِهِ المَعلومَةَ أوَّلِيَّة. فَسَوْفَ يَأتي وَقْتٌ يَمْلِكُ اللهُ فيهِ مِنْ خِلالِ بَني إسْرائيلَ عَلى العَالَم. وَلا شَكَّ في أنَّ هَذا مُرْتَبِطٌ بالوعودِ الَّتي قَطَعَها اللهُ لإبراهيمَ وَداوُدَ كَما تَعْلَمون. فَاللهُ سَيَمْلِكُ وَيَحْكُمُ مِنْ خِلالِ بَني إسْرائيلَ عَلى العَالَمِ. وَهَذا هُوَ المِفْتاحُ: مِنْ خِلالِ مَلِكٍ بَارٍّ. مِنْ خِلالِ مَلِكٍ بارٍّ يُدْعى في العَهْدِ الإبراهيميِّ بـ "النَّسْل"، وَفي العَهْدِ الدَّاوُدِيِّ بـ "ابْنِ دَاوُد". مَلِكٌ بارٌّ. وَهَذا المَلِكُ سَيُخَلِّصُ بَني إسْرائيلَ مِنْ أعْدائِهِمْ، كَما نَرى في صَلاةِ زَكَرِيَّا. وَهَذا المَلِكُ سَيُخَلِّصُ بَني إسْرائيلَ مِنْ خَطاياهُمْ. لِذَلِكَ، سَيَكونُ الخَلاصُ مُؤقَّتًا. وَالأهَمُّ مِنْ ذَلِكَ هُوَ أنَّهُ خَلاصٌ رُوْحِيٌّ.
وَمُنْذُ تِلْكَ الوُعودِ بالنَّسْلِ، وَالمَلِكِ، وَالمَلِكِ البارِّ الَّذي سَيَأتي وَيَجْلِبُ الخَلاصَ وَالتَّحريرَ لِبَني إسْرائيلَ (وَالعَالَمِ كُلِّهِ مِنْ خِلالِهِمْ)، صَارَ رَجاءُ اليَهودِ كَبيرًا. فَقَدْ أرادُوا ذَلِكَ المَلِك. وَقَدْ كانُوا يَترقِبونَ مَجيءَ ذَلِكَ المَلِك. ولا شَكَّ في أنَّنا نَسْتَطيعُ أنْ نَرْجِعَ إلى زَمَنِ صَموئيل وَأنْ نَرى أنَّ بَني إسْرائيلَ أرادُوا مَلِكًا عَلَيْهِم. لِذَلِكَ فَقَدِ اخْتارُوا لَهُمْ مَلِكًا يُدْعى "شَاوُل". وَقَدْ عَلَّقُوا آمالَهُمْ على شَاوُل. وَرُبَّما كانُوا يَظُنُّونَ أنَّ شَاوُلَ هُوَ المَلِكُ الَّذي سَيَأتي، وَيَجْلِبُ الخَلاصَ، وَيَجْعَلُ بَني إسْرائيلَ دُرَّةَ العَالَمِ، وَيَمْلِكُ مِنْ إسْرائيلَ على العَالَمِ كُلِّهِ، وَيُقيمُ مَمْلَكَةَ البِرِّ وَالسَّلام.
وَلَكِنَّ شَاوُلَ رُفِضَ. فَقَدْ رُفِضَ مِنَ اللهِ بِسَبَبِ تَدَخُّلِهِ السَّافِرِ في العَمَلِ الكَهَنوتِيِّ، وَبِسَبَبِ تَعَدِّيهِ وَتَخَطِّيهِ حُدودَهُ. فَقَدْ كانَ رَجُلًا خاطِئًا. لِذَلِكَ، فَقَدْ رُفِضَ وَتَمَّ اسْتِئْصالُ نَسْلِهِ لِئَلَّا يَمْلِكُوا ثانِيَةً في إسْرائيل. ثُمَّ تَعَلَّقَ رَجاءُ بَني إسْرائيلَ بِدَاوُد. وَلَكِنَّ دَاوُدَ كانَتْ لَهُ مَشاكِلُهُ أيْضًا. وَقَدْ كانَ دَاوُدُ رَجُلًا خاطِئًا. وَبِسَبَبِ تَلَطُّخِ يَدَيْهِ بالدِّماءِ، لَمْ يَسْمَحِ اللهُ لَهُ بِبِناءِ الهَيْكَلِ. وَلَعَلَّكُمْ تَذْكُرونَ أنَّ دَاوُدَ قالَ لِناثانَ النَّبِيِّ: "أُريدُ أنْ أَبْني الهَيْكَلَ". فَقالَ لَهُ نَاثان: "اذْهَبِ افْعَلْ كُلَّ مَا بِقَلْبِكَ". وَفي تِلْكَ اللَّيْلَةِ كَلَّمَ الرَّبُّ نَاثان وَقالَ لَهُ: "لِماذا قُلْتَ لَهُ ذَلِك؟ أنْتَ لَمْ تَسْألني. أنا لا أُريدُ مِنْهُ أنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ. فَهُوَ رَجُلُ دِماءٍ".
لِذَلِكَ فَقَدْ كانَ داوُدُ رَجُلًا لَهُ مَشاكِلُهُ. وَكانَ رَجُلًا خاطِئًا. وَلَمْ يَكُنْ هُوَ المَلِكُ البَارّ. وَلَكِنَّ الوَعْدَ جَاءَ في الأصْحاحِ السَّابِعِ مِنْ سِفْرِ صَموئيلَ الثَّاني بأنَّ سُلَيْمانَ سَيَصيرُ مَلِكًا. وَعندئذٍ، تَعَلَّقَتِ الآمالُ بِسُلَيْمان. وَلا شَكَّ في أنَّ الأمْرَ بَدا مُشَجِّعًا عِنْدَما مَلَكَ سُلَيْمانُ لأنَّهُ وَسَّعَ تُخومَ المَمْلَكَةِ كَثيرًا، وَلأنَّهُ صَارَ أغْنى جِدًّا مِنْ أغْنى أغْنياءِ العَالَم. وَفَضْلًا عَنْ ذَلِكَ، لأنَّهُ طَلَبَ مِنَ اللهِ الحِكْمَةَ عِنْدَ ابْتِداءِ مُلْكِهِ، فَإنَّ اللهَ أَعْطاهُ حكْمَةً وَفيرَةً فَكانَ نَاجِحًا في كُلِّ مَا فَعَل.
وَلَكِنَّ سُلَيْمانَ انْتَهى نِهايَةً مَأسَاوِيَّةً جِدًّا. فَقَدْ تَحَوَّلَ قَلْبُهُ عَنِ اللهِ لأنَّهُ تَزَوَّجَ نِساءً كَثيراتٍ وَكانَتْ لَدَيْهِ سَراري كَثيرات، وَلأنَّهُ تَوَرَّطَ جَسَدِيًّا مَعَ المِئاتِ مِنَ النِّساءِ. لِذَلِكَ فَقَدْ عَاشَ سُلَيْمانُ حَياةً خَليعَةً وَلَمْ يَكُنْ هُوَ المَلِكُ البَارّ. وَبَعْدَ مَوْتِ سُلَيْمان، انْقَسَمَتِ المَمْلَكَةُ إلى مَمْلَكَتَيْنِ. وَقَدْ زالَتِ المَمْلَكَةُ الشَّماليَّةُ تَمامًا. وكانَ كُلُّ مَلِكٍ في المَمْلَكَةِ الشَّماليَّةِ رَديئًا، وَفاسِدًا، وَمُنْحَطًّا، وَشِرِّيرًا. فَلَمْ يَكُنْ هُناكَ مَلِكٌ واحِدٌ صَالِحٌ. أمَّا المَمْلَكَةُ الجَنوبِيَّةُ فَقَدْ نَاضَلَتْ مِنْ أجْلِ البَقاءِ وَكانَ أغْلَبِيَّةُ مُلوكِها فَاسِدينَ باسْتِثْناءِ عَدَدٍ قَليلٍ مِنْهُم.
وكانَ النَّاسُ قَدِ ابْتَدَأوا يَفْقِدونَ رَجاءَهُمْ في أيِّ مَلِكٍ بَشَرِيٍّ حَتَّى لَوْ كانَ سَيَخْرُجُ مِنْ نَسْلِ دَاوُد. وَالحَقيقَةُ هِيَ أنَّ نَسْلَ دَاوُدَ كانَ سَيِّئًا جِدًّا حَتَّى إنَّ وَاحِدًا مِنْ نَسْلِ دَاوُد (وَيُدْعى: "مَنَسَّى") صَارَ في وَقْتٍ مِنَ الأوقاتِ مَلِكًا. وَمِنَ المُرَجَّحِ أنَّكُمْ تَذْكُرونَ المَلِكَ مَنَسَّى. وَاسْمَحُوا لي أنْ أُذَكِّرَكُمْ بِهِ. فَهَذا هُوَ كُلُّ مَا تَحْتاجونَ إلى مَعْرِفَتِهِ عَنْهُ. أخْبارِ الأيَّامِ الثَّاني 33: 9: "وَلكِنْ مَنَسَّى أَضَلَّ يَهُوذَا وَسُكَّانَ أُورُشَلِيمَ لِيَعْمَلُوا أَشَرَّ مِنَ الأُمَمِ الَّذِينَ طَرَدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ". إذًا فَقَدْ أَضَلَّ واحِدٌ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ بَني إسْرائيلَ لِيَعْمَلوا أَشَرَّ مِنَ الكَنْعانِيِّينَ الذينَ طَرَدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ أَمامِ بَني إسْرائيل. وَقَدْ كانَ الكَنْعانِيُّونَ فاسِقينَ، وَعَبَدَةَ أوْثانٍ، وَمُنْغَمِسينَ في الشُّرور. لِذَلِكَ، كانَتِ الأحْوالُ بِهَذا السُّوْءِ.
كانَ جَميعُ مُلوكِ المَمْلَكَةِ الشَّمالِيَّةِ فَاسِدين. كَذَلِكَ، كانَ مُلوكُ المَمْلَكَةِ الجَنوبِيَّةِ فَاسِدينَ، وَلَكِنْ كانَتْ هُناكَ اسْتِثْناءاتٌ قَليلَة. وَلَمْ يَكُنْ أيٌّ مِنْ هَؤلاءِ المُلوكِ يَسْتَوْفي الشُّروطَ المَطْلوبَةَ في المَلِكِ البَارّ. فَقَدْ أَخْفَقَ كُلٌّ مِنْهُمْ في هَذا الأمْرِ أوْ ذَاك. وَكَما تَعْلَمونَ، فَقَدْ كانَ هُناكَ عَدَدٌ مِنَ المُلوكِ الصَّالِحينَ في المَمْلَكَةِ الجَنوبِيَّةِ. وَلَكِنَّ أيًّا مِنَ المُلوكِ الأرْضِيِّينَ لَمْ يَنْجَحْ في تَحْقيقِ هَذا الوَعْد. وَالحَقيقَةُ هِيَ أنَّ حَياةَ إشَعْياء انْتَهَتْ في عَهْدِ المَلِكِ مَنَسَّى. أَجَلْ، فَقَدْ أُعْدِمَ إشَعْياءُ في عَهْدِ المَلِكِ مَنَسَّى الَّذي أَمَرَ بِنَشْرِهِ إلى نِصْفَيْنِ بِمِنْشارٍ خَشَبِيٍّ. فَهَذا هُوَ مَا يَقولُهُ التَّقليدُ لَنا. وَهَذا يَتَّفِقُ مَعَ مَا جَاءَ في عِبْرانِيِّين 11: 36 و 37 – وَهُوَ مَقْطَعٌ يُشيرُ إلى أنَّ عَدَدًا مِنْ أبْطالِ الإيمانِ في العَهْدِ القَديمِ أُعْدِمُوا نَشْرًا. وكانَ إشَعْياءُ واحِدًا مِنْ هَؤلاء.
وَكَمْ كَانَتِ الحَالُ سَيِّئَةً! فَلَمْ يَكُنْ هُناكَ رَجاءٌ في أيِّ مَلِكٍ بَشَرِيٍّ. وَقَبْلَ أنْ يُنْشَرَ إشَعْياءُ إلى نِصْفَيْنِ، أيْ في الوَقْتِ الَّذي تَوَلَّى فيهِ مَنَسَّى الحُكْمَ، كانَ إشَعْياءُ قَدْ تَنَبَّأَ في عَهْدِ أرْبَعَةِ مُلوكٍ. وَإذا كانَتْ ذَاكِرَتي صَحيحَة فَإنَّ هَؤلاءِ المُلوك هُمْ: "عُزِّيَّا" وَ "يُوثَام" وَ "آحَاز" وَ "حِزْقِيَّا". "عُزِّيَّا" وَ "يُوثَام" وَ "آحَاز" وَ "حِزْقِيَّا". وَكَما تَذْكُرون: "فِي سَنَةِ وَفَاةِ عُزِّيَّا الْمَلِكِ، رَأَيْتُ السَّيِّدَ" (الأصْحاح 6). وهُناكَ المُلوكُ الثَّلاثَةُ الآخَرون. أمَّا نُبوءاتُهُ في تِلْكَ السَّنَواتِ فَهِيَ المُدَوَّنَةُ في هَذا السِّفْر. وَلَكِنْ عِنْدَما مَلَكَ مَنَسَّى، وَفْقًا لأفْضَلِ المَصادِرِ التَّاريخيَّةِ، تَمَّ إعْدامُ إشَعْياء بِنَشْرِهِ إلى نِصْفَيْن في نَحْوِ سَنَة 686 قَبْلَ الميلاد. وَرُبَّما كانَ قَدْ كَتَبَ هَذا السِّفْرَ قَبْلَ ذَلِكَ بِفَتْرَةٍ قَصيرَة. لِذَلِكَ فَقَدْ كَتَبَ هَذِهِ النُبوءَةَ المُفْعَمَةَ بالرَّجاءِ وَالنِّعْمَةِ وَالخَلاصِ في لَحْظَةٍ حَالِكَةِ الظَّلامِ في تَاريخِ مَمْلَكَةِ يَهوذا.
فَقَدْ كانَ مَنَسَّى مَلِكًا على يَهوذا. وَكانَتِ المَمْلَكَةُ قَدْ تَعَرَّضَتْ للسَّبْيِ. وَلَمْ يَكُنْ هُناكَ مَا هُوَ أسْوأُ مِنْ ذَلِك. فَقَدْ كانَ الهَيْكَلُ قَدْ دُمِّرْ. وكانَتْ عَاصِمَتُهُمْ قَدْ دُمِّرَتْ. وكانَتِ المَمْلَكَةُ الشَّمالِيَّةُ قَدْ ذَهَبَتْ إلى غَيْرِ رَجْعَة. وكانَ دَوْرُهُمْ قَدْ حَانَ الآن. وفي وَقْتٍ كانَ فيهِ نَسْلُ يَهوذا فَاسِدًا جِدًّا، وَرَديئًا جِدًّا، وَشِرِّيرًا جِدًّا، تَدَخَّلُ اللهُ وَأعْطى إشَعْياءَ رُؤيا جَديدَةً تَمامًا عَنِ المَلِكِ البَارّ – رُؤيا جَديدَةً تَمامًا عَنِ المَلِكِ البَارّ. وَإنْ كانَ هُناكَ وَقْتٌ في تاريخِ مَمْلَكَةِ يَهوذا احْتاجَتْ فيهِ إلى الرَّجاءِ، فَإنَّهُ ذَلِكَ الوَقْت. أليسَ كَذَلِك؟ فَقَدِ انْعَدَمَ كُلُّ رَجاءٍ لَدَيْهِمْ. فَقَدْ كانُوا ذَاهِبينَ إلى السَّبْيِ. لَقَدْ كانُوا يُغادِرونَ المَمْلَكَة. لَقَدِ انْتَهى كُلُّ شَيْءٍ. وَكانَتْ هُناكَ مَذْبَحَةٌ دَمَوِيَّةٌ عِنْدَما دَخَلَ البابِلِيُّون.
وَالآنْ، جَاءَ هَذا الخَبَر. إنَّهُ خَبَرٌ صَادِمٌ. إنَّهُ خَبَرٌ مُدْهِشٌ. فَهُوَ لَنْ يَكونَ مَلِكًا حَاكِمًا، بَلْ سَيَكونُ عَبْدًا مُتَألِّمًا. أَجَلْ! إنَّهُ لَنْ يَكونَ مَلِكًا حَاكِمًا، بَلْ سَيَكونُ عَبْدًا مُتَألِّمًا. وَلَكِنَّ مَجْدَهُ لَنْ يَظْهَرَ إلَّا بَعْدَ أنْ يَتَألَّم. فَضْلًا عَنْ ذَلِكَ، فَإنَّهُ لَنْ يَتَألَّمَ مِنْ أجْلِ أيِّ شَرٍّ اقْتَرَفَهُ. فَهُوَ مَلِكٌ بارٌّ. وَلَكِنَّهُ سَيَتألَّمُ مِنْ أجْلِ الآثامِ الَّتي اقْتَرَفَها الآخَرون. فَهُوَ سَيَتألَّمُ نِيابِيًّا. وَهَذا إعْلانٌ جَديدٌ. فالمَلِكُ البارُّ سَيَتألَّمُ. وَالمَلِكُ البارُّ سَيَموتُ. وَلَكِنَّهُ لَنْ يَموتَ مِنْ أجْلِ خَطاياه، بَلْ سَيَموتُ مِنْ أجْلِ خَطايا الشَّعْبِ. وَهُوَ سَيَموتُ لِكَيْ يَدْفَعَ أُجْرَةَ خَطايا شَعْبِهِ. وَهُوَ سَيَموتُ بَدَلًا مِنْ شَعْبِهِ. وَمَعَ أنَّ هَذِهِ الحَقيقَةَ مُصَوَّرَةٌ مِنْ خِلالِ نِظامِ الذَّبائِحِ الحَيَوانِيَّةِ، فَإنَّها لَمْ تَتَوَضَّحْ تَمامًا إلَّا مِنْ خِلالِ هَذِهِ النُّبوءَةِ.
وَالآنْ، لِنَتَعَرَّفْ إلى هَذا العَبْدِ المُتَألِّمْ. سَأقْرَأُ ابْتِداءً مِنَ العَدَد 13: "هُوَذَا عَبْدِي يَعْقِلُ، يَتَعَالَى وَيَرْتَقِي وَيَتَسَامَى جِدًّا. كَمَا انْدَهَشَ مِنْكَ كَثِيرُونَ. كَانَ مَنْظَرُهُ كَذَا مُفْسَدًا أَكْثَرَ مِنَ الرَّجُلِ، وَصُورَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ بَنِي آدَمَ. هكَذَا يَنْضِحُ أُمَمًا كَثِيرِينَ. مِنْ أَجْلِهِ يَسُدُّ مُلُوكٌ أَفْوَاهَهُمْ، لأَنَّهُمْ قَدْ أَبْصَرُوا مَا لَمْ يُخْبَرُوا بِهِ، وَمَا لَمْ يَسْمَعُوهُ فَهِمُوهُ. مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا، وَلِمَنِ اسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ الرَّبِّ؟ نَبَتَ قُدَّامَهُ كَفَرْخٍ وَكَعِرْق مِنْ أَرْضٍ يَابِسَةٍ، لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيَهُ".
"مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحَزَنِ، وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا، مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ. لكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَابًا مَضْرُوبًا مِنَ اللهِ وَمَذْلُولاً. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا".
"كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا. ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. مِنَ الضُّغْطَةِ وَمِنَ الدَّيْنُونَةِ أُخِذَ. وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ قُطِعَ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ، أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي؟ وَجُعِلَ مَعَ الأَشْرَارِ قَبْرُهُ، وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ. عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْمًا، وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ. أَمَّا الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحَزَن".
"إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ يَرَى نَسْلاً تَطُولُ أَيَّامُهُ، وَمَسَرَّةُ الرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ. مِنْ تَعَبِ نَفْسِهِ يَرَى وَيَشْبَعُ، وَعَبْدِي الْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ، وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا. لِذلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ الأَعِزَّاءِ وَمَعَ الْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ، وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي الْمُذْنِبِينَ".
هَلْ تَرَوْنَ المَسيح هُنا؟ إنَّ الدَّليلَ على أنَّ اللهَ هُوَ الَّذي أَوْحى بالكِتابِ المُقَدَّسِ وَعلى أنَّ يَسوعَ هُوَ الَّذي تَمَّمَ النُّبوءاتِ مَوْجودٌ في هَذا الأصْحاحِ المُنْفَرِد. فَقَدْ تَحَقَّقَتْ هَذِهِ النُّبوءَةُ حَرْفِيًّا مِنْ خِلالِ مَوْتِ يَسوعَ المَسيحِ، وَدَفْنِهِ، وَقِيامَتِهِ، وَصُعودِهِ، وَشَفاعَتِهِ، وَتَتْويجِهِ، وَخَلاصِهِ الَّذي قَدَّمَهُ. وَقَدْ أَشارَ يَسوعُ نَفْسُهُ، وَرُسُلُ العَهْدِ الجَديدِ، وَكُتَّابُ العَهْدِ الجَديدِ، مِنْ خِلالِ المُناداةِ بالإنْجيلِ، أَشارُوا إلى إشَعْياء 53 مَرَّاتٍ عَديدَة وكَثيرَة. فَقَدْ أَشارَ يَسوعُ إليهِ. وَقَدْ أَشارَ الرُّسُلُ إليهِ. وَقَدْ أَشارَ كُتَّابُ العَهْدِ الجَديدِ إليهِ مِرارًا وَتَكْرارًا. فَهُناكَ اقْتِباساتٌ مِنْ إشَعْياء 53 في إنْجيل مَتَّى، وَمَرْقُس، وَلُوقا، وَيُوحَنَّا، وَفي سِفْرِ أعْمالِ الرُّسُل، وفي رِسالَةِ رُومية، ورِسالَة كورِنثوس الأولى، ورِسالَة كورِنثوس الثَّانية، وَغلاطِيَّة، وأفَسُس، وتيموثاوُس الأولى، وتِيْطُس، والعِبرانِيِّين، ورِسالَة بُطرس الأولى، ورِسالَة يُوحَنَّا الأولى.
وَلا يُوْجَدْ نَصٌّ مُقْتَبَسٌ في العَهْدِ الجَديدِ عَنِ العَهْدِ القَديمِ يَصُحُّ عَلى يَسوعَ المَسيحِ بِهَذِهِ الصُّورَةِ المُقْنِعَةِ وَالمُتَكَرِّرَةِ أكْثَرَ مِنْ هَذا الأصْحاحِ. فَكُتَّابُ العَهْدِ الجَديدِ يُشيرونَ إلى كُلِّ آيَةٍ مِنْ آياتِ الأصْحاحِ الثَّالِثِ وَالخَمْسين. وَهذا الأصْحاحُ يَحْوي خُلاصَةَ الإنْجيلِ وَزُبْدَتَهُ. وَإنْ كانَ المَرْءُ يَرْفُضُ المَسيحَ فإنَّهُ يَرْفُضُ الشَّهادَةَ التَّاريخيَّةَ الواضِحَةَ بأنَّهُ تَمَّمَ كُلَّ جُزْءٍ دَقيقٍ مِنْ هَذِهِ النُّبوءَة. وَلَكِنْ هُناكَ مَا هُوَ أهَمُّ مِنَ المِعْيارِ التَّاريخِيِّ وَتَحْقيقِ النُّبوءَةِ. فَهُناكَ سُؤالٌ حَيَوِيٌّ وَمُهِمٌّ ورائِعٌ جِدًّا يَطْرَحُ نَفْسَهُ هُوَ: مَا الَّذي يَعْنيهِ هَذا كُلُّهُ لي؟ فَهَذا هُوَ السُّؤالُ الأهَمُّ!
فَقَدْ تُدْهِشُكَ الحَقائِقُ التَّاريخيَّةُ. وَقَدْ تُدْهِشُكَ النُّبوءاتُ التَّفصيليَّةُ عَنْ حَياةِ هَذا الشَّخْصِ وَمَوْتِهِ وَقِيامَتِهِ، ولا سِيَّما أنَّ هَذِهِ النُّبوءاتِ قِيْلَتْ قَبْلَ 700 سَنَة مِنْ وِلادَتِهِ. وَهُوَ أمْرٌ مُدْهِشٌ دُوْنَ شَكٍّ. وَقَدْ تُدْهِشُكَ حَقيقَةُ أنَّهُ لا يُمْكِنُ لأيِّ شَخْصٍ أنْ يَعْلَمَ ذَلِكَ. وَهَذا يُؤكِّدُ أنَّ الكِتابَ المُقَدَّسَ مُوْحَى بِهِ مِنَ اللهِ لأنَّهُ الوَحيدُ الَّذي يَعْرِفُ المُستقبَلَ وَيُقَرِّرُه. لِذَلِكَ، لا غَرابَةَ في أنْ تُدْهَشَ مِنْ طَبيعَةِ الكِتابِ المُقَدَّسِ. فَهَذا أمْرٌ لا مَفَرُّ مِنْهُ. وَلَكِنَّنا لا نُريدُ أنْ نَتَوَقَّفَ هُنا. فَهُناكَ سُؤالٌ أكْبَرُ مِنْ هَذا. فَما الَّذي يَعْنيهِ ذَلِكَ بالنِّسْبَةِ إليكَ؟ مَا الَّذي يَعْنيهِ ذَلِكَ بالنِّسْبَةِ إلَيَّ وَإلى كُلِّ شَخْصٍ آخَر؟
لِذَلِكَ اسْمَحُوا لي أنْ أتَحَدَّثَ عَنْ هَذا المَوْضوعِ قَليلًا. فَحَقيقَةُ هَذِهِ النُّبوءَةِ القَديمةِ وَتَحْقيقُها في يَسوعَ المَسيحِ تُجيبُ عَنِ السُّؤالِ الأكْثَر أهميَّةً وَإلْحاحًا وَدِقَّةً الَّذي قَدْ يَطْرَحُهُ أيُّ إنْسانٍ. وَسَوْفَ أُحاوِلُ أنْ أُبَيِّنَ لَكُمْ أهميَّةَ هَذا السُّؤالِ مِنْ خِلالِ هَذِهِ الأوْصافِ: فَهَذا المَقْطَعُ يُجيبُ عَنْ أَهَمِّ سُؤالٍ يُمْكِنُ لأيِّ إنْسانٍ أنْ يَطْرَحَهُ. فَهُوَ السُّؤالُ الرَّئيسيُّ، وَالسُّؤالُ الجَوْهَرِيُّ، وَالسُّؤالُ الأبْرَزُ، وَالسُّؤالُ الأثْقَلُ وَزْنًا، والسُّؤالُ الأكْثَرُ خُطورَةً، وَالسُّؤالُ الأكْثَرُ جِدِّيَّةً، والسُّؤالُ الأعْظَمُ شَأنًا، وَالسُّؤالُ الَّذي لا يَفوقُهُ في الأهميَّةِ سُؤالٌ آخَر. وَهَذا لا صِلَةَ لَهُ بالصِّحَّة، وَلا بالغِنى، وَلا بالنَّجاحِ، وَلا بالتَّعليمِ، وَلا بالأخْلاقِ، وَلا بالرَّخاءِ، وَلا بالفَلْسَفَةِ، وَلا بِعِلْمِ الاجْتِماعِ، وَلا بالسِّياسَةِ. فالسُّؤالُ الأهَمُّ الَّذي يَنْبَغي لِكُلِّ إنْسانٍ أنْ يَطْرَحَهُ وَالذي يُجيبُ عَنْهُ هَذا الأصْحاحُ لا صِلَةَ لَهُ بالأمورِ الَّتي تُشْغِلُ أذْهانَ النَّاسِ.
وَأعْتَقِدُ أنَّكُمْ إذا كَتَبْتُم على الإنْترنِت "ما الأسْئِلَةُ الَّتي يَطْرَحُها النَّاسُ أكْثَرَ مِنْ غَيْرِها؟" سَتَجِدونَ آلافَ الأسْئِلَةِ قَبْلَ أنْ تَعْثُروا على هَذا السُّؤالِ، أوْ رُبَّما لَنْ تَعْثُروا عَلَيْهِ أبدًا. وَلَكِنَّ هَذا السُّؤالَ يَنْبَغي أنْ يُطْرَحَ أوَّلًا. فَهُوَ السُّؤالُ الأكْثَرُ إلْحاحًا. وَهُوَ السُّؤالُ الأَهَمُّ. وَهُوَ السُّؤالُ المَصيرِيُّ أكْثَرَ مِنْ أيِّ سُؤالٍ آخَر. وَلَكِنَّهُ، وَالحَقُّ يُقالُ، أكْثَر سُؤالٍ يَتَجَنَّبُهُ النَّاسُ. فَمَعَ أنَّهُ يَفوقُ في أهميَّتِهِ كُلَّ الأسْئِلَةِ الأُخرى، فإنَّهُ غَيْرُ مَوْجودٍ على لائِحَةِ الأسْئِلَةِ الَّتي يَطْرَحُها النَّاسُ عادَةً.
وَلَكِنْ مَا هَذا السُّؤال؟ إليكُمْ السُّؤال: "كَيْفَ يُمْكِنُ للخَاطِئِ أنْ يَكونَ بارًّا أمامَ اللهِ، وَأنْ يَنْجُو مِنْ جَهَنَّمَ وَيَدْخُلَ السَّماء؟" هَذا هُوَ أَهَمُّ سُؤالٍ بالمُطْلَق: كَيْفَ يُمْكِنُ للخَاطِئِ أنْ يَكونَ بارًّا أمامَ اللهِ، وَأنْ يَنْجُو مِنْ جَهَنَّمَ وَيَنالَ الحَياةَ الأبديَّة؟ هَذا هُوَ السُّؤال. كَيْفَ يُمْكِنُ للإنْسانِ أنْ يَتَبَرَّرَ قُدَّامَ اللهِ؟ وَكَيْفَ يُمْكِنُ للهِ القُدُّوسِ أنْ يُبَرِّرَ الخَاطِئ؟ هَذا هُوَ السُّؤال. وَهَذِهِ هِيَ أكْبَرُ مُعْضِلَةٍ أَدَبِيَّةٍ مَوْجودَةٍ في العَالَم؟ اسْتَمِعُوا جِيِّدًا! لَقَدْ كُتِبَ الكِتابُ المُقَدَّسُ للإجابَةِ عَنْ هَذا السُّؤال. هَلْ تَفْهَمونَ هَذا؟ لَقَدْ كُتِبَ الكِتابُ المُقَدَّسُ تَحْديدًا بِهَدَفِ الإجابَةِ عَنْ هَذا السُّؤالِ. وَقَدْ كُتِبَ الأصْحاحُ الثَّالِثُ وَالخَمْسونَ مِنْ سِفْرِ إشَعْياء للإجابَةِ عَنْ هَذا السُّؤال. هَذا هُوَ السُّؤال.
في زَمَنِ كِتابَةِ العَهْدِ الجَديد، كانَ هُناكَ مَلايينُ العَبيدِ. وكانَتْ إساءَةُ مُعامَلَةِ العَبيدِ أمْرًا شائِعًا وَشَنيعًا. وَالحَقيقَةُ هِيَ أنَّ عَدَدَهُمْ كانَ هائِلًا جِدًّا! فَهُناكَ مَنْ يَقولُ إنَّ عَدَدَ العَبيدِ كانَ يُقَدَّرُ بِنَحْوِ خَمْسَةَ عَشَرَ مَلْيونِ عَبْد. وَهُناكَ مَنْ يَقولُ إنَّهُمْ كَانُوا سِتِّينَ مَلْيونِ عَبْد. وَهُناكَ أُناسٌ يَفْتَرِضونَ، مِنْ وُجْهَةِ النَّظَرِ الاجْتِماعيَّةِ، أنَّهُ كانَ يَنْبَغي للعَهْدِ الجَديدِ أنْ يُعالِجَ قَضِيَّةَ المُتاجَرَةِ بالبَشَرِ، وَالعُبوديَّةِ لأنَّهُ كانَ يُوْجَدُ في ذَلِكَ الوَقْت أُناسٌ يَسْتَغِلُّونَ العَبيدَ لأغْراضٍ جِنْسِيَّة – وَهُوَ أمْرٌ رُبَّما تَعْلَمونَهُ جَيِّدًا إنْ كُنْتُمْ على اطِّلاعٍ على التَّاريخِ القَديم. فَقَدْ كانُوا يُسيئونَ مُعامَلَةَ العَبيدِ جِدًّا.
وَلَكِنَّ ما يُدْهِشُني هُوَ أنَّ الرَّسولَ بولسَ (الَّذي كَتَبَ ثَلاثَةَ عَشَرَ سِفْرًا مِنْ أصْلِ الأسْفارِ السَّبْعَةِ وَالعِشْرينَ الَّتي يَتَألَّفُ مِنْها العَهْدُ الجَديد)، ما يُدْهِشُني أنَّ الرَّسولَ بولُس لَمْ يَكْتُبْ شَيْئًا عَنِ الظُّلْمِ الاجْتِماعِيِّ المُرافِقِ للعُبودِيَّة. وَلَكِنَّهُ تَوَسَّعَ في الكِتابَةِ عَنْ كَيْفَ يُمْكِنُ للخَاطِئِ أنْ يَصيرَ بارًّا أمامَ اللهِ وَأنْ يَنْجُو مِنَ العِقابِ الأبَدِيِّ وَيَدْخُلَ السَّماءَ الأبديَّة. وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ في رِسالَتِهِ إلى أهْلِ رُومية. وَيُمْكِنُ القَوْلُ إنَّ إشَعْياء 53 هُوَ رِسالَةُ رُوْمية العَهْدِ القَديم. فَالرِّسالَةُ إلى أهْلِ رُومية هِيَ أعْظَمُ إعْلانٍ في العَهْدِ الجَديدِ يُجيبُ عَنْ ذَلِكَ السُّؤال. وَلا شَكَّ في أنَّ كُلَّ شَيءٍ آخَرَ في العَهْدِ الجَديدِ هُوَ أيضًا جُزْءٌ مِنَ الجَوابِ عَنْ ذَلِكَ السُّؤال. وَلَكِنَّ الرِّسالَةَ إلى أهْلِ رُوْمية تَجْمَعُ هَذا كُلَّهُ وَتُرَكِّزُ تَحْديدًا على الإجابَةِ عَنْ هَذا السُّؤال. كَذَلِكَ فإنَّ إشَعْياء 53 هُوَ أعْظَمُ إعْلانٍ في العَهْدِ القَديمِ بِخُصوصِ السُّؤالِ نَفْسِه.
وبالمُناسَبَة، فإنَّ كُلًّا مِنْ إشَعْياء وَبُولُس يُقَدِّمانِ الإجابَةَ نَفْسَها. إنَّهُما يُقَدِّمانِ الجَوابَ نَفْسَهُ. وَهَذا هُوَ الجَواب: يُمْكِنُ للخاطِئِ أنْ يَتَبَرَّرَ قُدَّامَ اللهِ، وَيَنْجُو مِنَ الهَلاكِ الأبدِيِّ، وَيَنالَ الحَياةَ الأبديَّةَ لأنَّ عَبْدَ الرَّبِّ صَارَ البَديلَ وَاحْتَمَلَ دَيْنونَةَ اللهِ بَدَلًا عَنِ الخَاطِئ. هَذِهِ هِيَ رِسالَةُ رُومية. وَهَذِهِ هِيَ رِسالَةُ إشَعْياء. فاللهُ سَكَبَ غَضَبَهُ الَّذي يَسْتَحِقُّهُ الخُطاةُ على العَبْدِ البَديل. وَهَذا هُوَ لُبُّ الرِّسالَةِ الَّتي نَجِدُها في الأصْحاحات مِنْ 40 إلى 66. وَسَوْفَ أُبَيِّنُ لَكُمْ رَوْعَةَ هَذا الجَانِبِ الصَّغيرِ في هَذا المَقْطَع.
هُناكَ سَبْعَة وَعِشْرونَ أصْحاحًا. أجَلْ! مِنَ الأصحاح 40 إلى 66 - سَبْعَةٌ وَعِشْرونَ أصْحاحًا. وَهَذِهِ الأصْحاحات مُقَسَّمَة إلى ثَلاثَةِ أقْسام (تِسْعَةُ أصْحاحاتٍ، وتِسْعَة، وَتِسْعَة) وَفْقًا لِمَوْضُوعَاتِها. والقِسْمُ الأوَّلُ يَنْتَهي بِهَذِهِ الكَلِمات: "لاَ سَلاَمَ ... لِلأَشْرَارِ". والقِسْمُ الثَّاني يَنْتَهي بِهَذِهِ الكَلِمات: "لاَ سَلاَمَ ... لِلأَشْرَارِ". والقِسْمُ الثَّالِثُ يَنْتَهي (في الأصْحاح 66 والعَدَد 24) بالكَلِماتِ نَفْسِها وَالدَّيْنونَةِ نَفْسِها. فَكُلُّ قِسْمٍ مِنْ هَذِهِ الأقْسامِ الثَّلاثَةِ يَنْتَهي بِتَحْذيرٍ مِنَ الدَّيْونَةِ الَّتي سَتَقَعُ على الأشْرار. وَلَكِنَّ الأقْسامَ الثَّلاثَةَ تَعِدُ بالخَلاص. فَهِيَ تَبْشيرِيَّةٌ جِدًّا. فَهِيَ تَعِدُ بالخَلاصِ وَتَنْتَهي بالتَّحْذيرِ لِمَنْ يَرْفُضُ هَذا الخَلاص. وَكُلُّ قِسْمٍ مِنْ هَذِهِ الأقْسامِ الثَّلاثَةِ يَعِدُ الأبْرارَ بالبَرَكَةِ وَالسَّلامِ، وَيَعِدُ الأشْرارَ بالدَّيْنونَةِ وَانْعِدامِ السَّلام. وَكُلُّ قِسْمٍ مِنْ هَذِهِ الأقْسامِ الثَّلاثَةِ يُؤكِّدُ أنَّ مَصيرَ الأبْرارِ وَالأشْرارِ سَيَكونُ أبَدِيًّا. فَمَصيرُهُمْ لَنْ يَتَغَيَّر.
وَيَتَحَدَّثُ القِسْمُ الأوَّلُ عَنِ الخَلاصِ مِنَ السَّبْيِ البَابِلِيِّ. وَيَتَحَدَّثُ القِسْمُ الثَّاني عَنِ الخَلاصِ مِنَ الخَطِيَّةِ. وَيَتَحَدَّثُ القِسْمُ الثَّالِثُ (أيِ الأصْحاحاتُ التِّسْعَةُ الأخيرَةُ) عَنِ الخَلاصِ مِنَ الأرْضِ المَلْعُونَة. إذًا، يَتَحَدَّثُ القِسْمُ الأوَّلُ عَنْ تَحْريرِ بَني إسْرائيلَ مِنَ السَّبْيِ البابِلِيِّ. وَيَتَحَدَّثُ القِسْمُ الأوْسَطُ (كَما ذَكَرْتُ آنِفًا) عَنْ تَحْريرِ الخُطاةِ مِنَ الخَطِيَّةِ. وَيَتَحَدَّثُ القِسْمُ الثَّالِثُ عَنْ تَحْريرِ الأرْضِ مِنَ اللَّعْنَةِ – أيْ عَنْ مَجيءِ مَمْلَكَةِ المَسِيَّا المَجيدَة.
لِذَلِكَ فإنَّ القِسْمَ الأوْسَطَ هُوَ القِسْمُ الَّذي نَحْنُ بِصَدَدِ دِراسَتِه. وَهَذا القِسْمُ الأوْسَطُ يَبْتَدِئُ بالأصْحاح 49 وَيَنْتَهي بِنِهايَةِ الأصْحاح 57. وَيَتَحَدَّثُ هَذا القِسْمُ الأوْسَطُ عَنْ غُفْرانِ الخَطِيَّةِ. وَهُوَ يَطْرَحُ السُّؤالَ المُخْتَصَّ بالخَلاصِ مِنَ الخَطِيَّة. فَهُوَ لا يَتَحَدَّثُ عَنِ الخَلاصِ المُؤقَّتِ مِنَ السَّبْيِ البَابِلِيِّ، وَلا عَنِ المَمْلَكَةِ الَّتي سَتَأتي في المُسْتَقْبَل، بَلْ يَتَحَدَّثُ عَنِ الخَلاصِ مِنَ الخَطِيَّةِ. وَهَذا يَطْرَحُ سُؤالًا مُهِمًّا جِدًّا. وَأرْجُو أنْ لا تُفَوِّتُوا هَذا السُّؤال. فَهُوَ سُؤالٌ يَسْتَحِقُّ كُلَّ هَذا الانْتِظار: لِماذا يُريدُ اللهُ أنْ يُخَلِّصَ شَعْبَهُ مِنْ خَطاياهُم؟ هَذا سُؤالٌ كَبيرٌ! سُؤالٌ مُهِمٌّ!
وَقَدْ كانَ هَذا هُوَ الشُّغْلُ الشَّاغِلُ لَدى اليَهود. فَهُمْ لَمْ يَكونوا مُقْتَنِعينَ بِحاجَتِهِمْ ... اسْتَمِعُوا جَيِّدًا: لَمْ يَكونوا مُقْتَنِعينَ بِحاجَتِهِمْ إلى مُخَلِّص. فَقَدْ كانُوا يَظُنُّونَ أنَّهُمْ في حَاجَةٍ إلى مَلِكٍ بَارٍّ فَقَط. وَقَدْ كانُوا يَظُنُّونَ أنَّهُمْ مِنْ خِلالِ نَسْلِ إبْراهيم، وَمِنْ خِلالِ العُهودِ وَالوُعودِ وَذَلِكَ كُلِّهِ، أنَّهُمْ قَدْ نَالُوا البَرَكَةَ بِفَضْلِ صَلاحِهِمْ وَتَدَيُّنِهِمْ، وَبِفَضْلِ جُهودِهِمْ في مُمارَسَةِ الأنْشِطَةِ والأعْمالِ وَالطُّقوسِ الدِّينيَّةِ، وَمِنْ خِلالِ مُحاولاتِهِمْ لإطاعَةِ شَريعَةِ اللهِ، وَأنَّهُمْ نَالُوا فَضْلًا مِنَ اللهِ بِسَبَبِ عِرْقِهِمْ وَبِسَبَبِ اسْتِحْقاقِهِمْ.
لِذَلِكَ فإنَّ هَذِهِ الرِّسالَةَ الَّتي تَتَحَدَّثُ عَنْ مَجيءِ مُخَلِّصٍ يُحَرِّرُنا مِنْ خَطايانا لِكَيْ نَنْجُو مِنَ العَذابِ الأبَدِيِّ وَنَنالَ الحَياةَ الأبديَّة - لَقَدْ كانَتْ لُغَةُ هَذِهِ الرِّسالَةِ غَريبَةً بالنِّسْبَةِ إليهِمْ. وَلَكِنْ لا غَرابَةَ البَتَّةَ في هَذِهِ الرِّسالَة. فَلَنْرجِعْ إلى الأصْحاحِ الأوَّلِ مِنْ سِفْرِ إشَعْياء. فَقَدْ كانَ إشَعْياءُ يُحاوِلُ تَوْصيلَ هَذِهِ الرِّسالَةِ إليهِمْ. الأصْحاح 1 وَالعَدَد 4: "وَيْلٌ لِلأُمَّةِ الْخَاطِئَةِ، الشَّعْبِ الثَّقِيلِ الإِثْمِ، نَسْلِ فَاعِلِي الشَّرِّ، أَوْلاَدِ مُفْسِدِينَ! تَرَكُوا الرَّبَّ، اسْتَهَانُوا بِقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ، ارْتَدُّوا إِلَى وَرَاءٍ. عَلَى مَ تُضْرَبُونَ بَعْدُ؟ تَزْدَادُونَ زَيَغَانًا!"
ثُمَّ نَقْرَأُ: "كُلُّ الرَّأسِ مَرِيضٌ، وَكُلُّ الْقَلْبِ سَقِيمٌ" - أيْ: ضَعيف. وَكَما جَاءَ في إرْميا 17: "اَلْقَلْبُ أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ نَجِيسٌ" – "مِنْ أَسْفَلِ الْقَدَمِ إِلَى الرَّأْسِ لَيْسَ فِيهِ صِحَّةٌ، بَلْ جُرْحٌ وَأَحْبَاطٌ وَضَرْبَةٌ طَرِيَّةٌ لَمْ تُعْصَرْ وَلَمْ تُعْصَبْ وَلَمْ تُلَيَّنْ بِالزَّيْتِ. بِلاَدُكُمْ خَرِبَةٌ. مُدُنُكُمْ مُحْرَقَةٌ بِالنَّارِ. أَرْضُكُمْ تَأْكُلُهَا غُرَبَاءُ قُدَّامَكُمْ" – إنَّهُ يَتَحَدَّثُ عَنِ الخَراب. "اِسْمَعُوا كَلاَمَ الرَّبِّ" (العَدَد 10) "يَا قُضَاةَ سَدُومَ! أَصْغُوا إِلَى شَرِيعَةِ إِلهِنَا يَا شَعْبَ عَمُورَةَ".
"لِمَاذَا لِي كَثْرَةُ ذَبَائِحِكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ. اتَّخَمْتُ مِنْ مُحْرَقَاتِ كِبَاشٍ وَشَحْمِ مُسَمَّنَاتٍ، وَبِدَمِ عُجُول وَخِرْفَانٍ وَتُيُوسٍ مَا أُسَرُّ. حِينَمَا تَأْتُونَ لِتَظْهَرُوا أَمَامِي، مَنْ طَلَبَ هذَا مِنْ أَيْدِيكُمْ أَنْ تَدُوسُوا دُورِي؟ لاَ تَعُودُوا تَأْتُونَ بِتَقْدِمَةٍ بَاطِلَةٍ. الْبَخُورُ هُوَ مَكْرَهَةٌ لِي. رَأْسُ الشَّهْرِ وَالسَّبْتُ وَنِدَاءُ الْمَحْفَلِ. لَسْتُ أُطِيقُ الإِثْمَ وَالاعْتِكَافَ".
"رُؤُوسُ شُهُورِكُمْ وَأَعْيَادُكُمْ بَغَضَتْهَا نَفْسِي. صَارَتْ عَلَيَّ ثِقْلاً. مَلِلْتُ حَمْلَهَا. فَحِينَ تَبْسُطُونَ أَيْدِيَكُمْ أَسْتُرُ عَيْنَيَّ عَنْكُمْ، وَإِنْ كَثَّرْتُمُ الصَّلاَةَ لاَ أَسْمَعُ. أَيْدِيكُمْ مَلآنَةٌ دَمًا. اِغْتَسِلُوا. تَنَقَّوْا. اعْزِلُوا شَرَّ أَفْعَالِكُمْ مِنْ أَمَامِ عَيْنَيَّ. كُفُّوا عَنْ فِعْلِ الشَّرِّ. تَعَلَّمُوا فَعْلَ الْخَيْرِ. اطْلُبُوا الْحَقَّ. انْصِفُوا الْمَظْلُومَ. اقْضُوا لِلْيَتِيمِ. حَامُوا عَنِ الأَرْمَلَةِ. هَلُمَّ نَتَحَاجَجْ، يَقُولُ الرَّبُّ. إِنْ كَانَتْ خَطَايَاكُمْ كَالْقِرْمِزِ تَبْيَضُّ كَالثَّلْجِ. إِنْ كَانَتْ حَمْرَاءَ كَالدُّودِيِّ تَصِيرُ كَالصُّوفِ".
لَقَدْ كانُوا في حَاجَةٍ إلى الخَلاصِ. بَلْ كانُوا في حَاجَةٍ مَاسَّةٍ إلى الخَلاص. فَقَدْ كانُوا شَعْبًا شِرِّيرًا. وَكَما ذَكَرْتُ، فَقَدْ كانَ الوَقْتِ الَّذي حَكَمَ فيهِ مَنَسَّى هُوَ أسْوَأُ الأوْقاتِ في حَياتِهِمْ لأنَّهُمْ كَانُوا يَسْلُكونَ مِثْلَ الكَنْعانِيِّين، وَكانُوا في حَاجَةٍ مَاسَّةٍ إلى الخَلاصِ وَالفِداء. لِذلكَ عِنْدَما نَأتي إلى "أناشيدِ العَبْدِ" في الأصْحاح 42 مِنْ سِفْرِ إشَعْياء، نَجِدُ الوُعودَ بأنَّهُ سَيَجْلِبُ خَلاصًا. وَنَقْرَأُ في الأصْحاحَ 42 (الَّذي أَتَمَنَّى أنْ أَقْرَأَهُ كُلَّهُ عَلى مَسامِعِكَمْ) ... نَقْرَأُ: "هكَذَا يَقُولُ اللهُ الرَّبُّ (العدد 5)، خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَنَاشِرُهَا، بَاسِطُ الأَرْضِ وَنَتَائِجِهَا، مُعْطِي الشَّعْبِ عَلَيْهَا نَسَمَةً، وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا رُوحًا".
" أَنَا الرَّبَّ قَدْ دَعَوْتُكَ بِالْبِرِّ، فَأُمْسِكُ بِيَدِكَ وَأَحْفَظُكَ وَأَجْعَلُكَ عَهْدًا لِلشَّعْبِ وَنُورًا لِلأُمَم" [وَهُوَ يُخاطِبُ العَبْدَ هُنا. إنَّهُ يُخاطِبُ المَسِيَّا]. "وَأَجْعَلُكَ عَهْدًا لِلشَّعْبِ وَنُورًا لِلأُمَم، لِتَفْتَحَ عُيُونَ الْعُمْيِ، لِتُخْرِجَ مِنَ الْحَبْسِ الْمَأسُورِينَ، مِنْ بَيْتِ السِّجْنِ الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ. ثُمَّ في العَدَد 10: "غَنُّوا لِلرَّبِّ أُغْنِيَةً جَدِيدَةً، تَسْبِيحَهُ مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ". فَقَدْ كانَ اللهُ مُزْمِعًا أنْ يَجْلِبَ الخَلاصَ إلى شَعْبِهِ.
ثُمَّ نَقْرَأُ في الأصْحاح 43 والعَدَدِ الأوَّل: "وَالآنَ هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ، خَالِقُكَ يَا يَعْقُوبُ وَجَابِلُكَ يَا إِسْرَائِيلُ: لاَ تَخَفْ لأَنِّي فَدَيْتُكَ. دَعَوْتُكَ بِاسْمِكَ. أَنْتَ لِي. إِذَا اجْتَزْتَ فِي الْمِيَاهِ فَأَنَا مَعَكَ، وَفِي الأَنْهَارِ فَلاَ تَغْمُرُكَ. إِذَا مَشَيْتَ فِي النَّارِ فَلاَ تُلْذَعُ، وَاللَّهِيبُ لاَ يُحْرِقُكَ. لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ ..." ثُمَّ مَاذا يَقولُ بَعْدَ ذَلِك؟ ماذا؟ "مُخَلِّصُكَ" ... "مُخَلِّصُك" ... "مُخَلِّصُك". (العدد 11): "أَنَا أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ غَيْرِي مُخَلِّصٌ. أَنَا أَخْبَرْتُ وَخَلَّصْتُ. هَكَذا يَقولُ الرَّبُّ". (ثُمَّ في العدد 14): "فَادِيكُمْ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ".
أنا أَكونُ مُخَلِّصُكُمْ. أنا أَكونُ فادِيْكُم. لِذَلِكَ فإنَّ هَذا القِسْمَ يَبْتَدِئُ بالتَّعْزِيَة. وَفي الأصْحاح 40: "عَزُّوا، عَزُّوا شَعْبِي. طَيِّبُوا قَلْبَ أُورُشَلِيمَ وَنَادُوهَا بِأَنَّ جِهَادَهَا قَدْ كَمُلَ، أَنَّ إِثْمَهَا قَدْ عُفِيَ عَنْهُ، أَنَّهَا قَدْ قَبِلَتْ مِنْ يَدِ الرَّبِّ ضِعْفَيْنِ عَنْ كُلِّ خَطَايَاهَا". فالخَلاصُ يَقْتَرِب. وَهَلْ كانُوا في حاجَةٍ إلى الخَلاص. أَجَل. أمَّا التَّشْخيصُ المَذْكورُ في الأصْحاحِ الأوَّلِ فَيَتَكَرَّرُ بإيْجازٍ في الأصْحاحِ السَّادِسِ عِنْدَما رَأى إشَعْياءُ مَجْدَ اللهِ فَقال إنَّهُ: "إِنْسَانٌ نَجِسُ الشَّفَتَيْنِ"، وَإنَّهُ "سَاكِنٌ بَيْنَ شَعْبٍ نَجِسِ الشَّفَتَيْنِ". فَقَدْ كانَ إشَعْياءُ يُدْرِكُ الحاجَةَ إلى الخَلاصِ، وَالحاجَةَ إلى التَّطْهير.
إذَنْ هَذا هُوَ القِسْمُ الأوْسَطُ مِنْ هَذِهِ الأقْسامِ الثَّلاثَةِ الَّتي يَتألَّفُ كُلٌّ مِنْها مِنْ تِسْعَةِ أصْحاحاتٍ. القِسْمُ الأوَّلُ يَتَحَدَّثُ عَنِ الخَلاصِ مِنَ السَّبْيِ البَابِلِيِّ. وَالقِسْمُ الأخيرُ يَتَحَدَّثُ عَنِ الخَلاصِ المُسْتَقْبَلِيِّ والمَلَكوت. أمَّا القِسْمُ الأوْسَطُ فَيَتَحَدَّثُ عَنْ خَلاصِ شَعْبِ اللهِ (مِنَ اليَهودِ وَالأُمَم) مِنَ الخَطِيَّة. وَسَوْفَ يَتَحَقَّقُ هَذا الخَلاصُ مِنْ خِلالِ العَبْدِ الَّذي سَيَكونُ المُخَلِّص المُرْسَل مِنَ اللهِ. ثُمَّ في القِسْمِ المُتَوَسِّطِ، أرْجُو أنْ تُصْغُوا جَيِّدًا، فالأصْحاحات مِنْ 49 إلى 57 يَتَوَسَّطُها أصْحاحانِ هُما 52 و 53. والآيَةُ المُتَوَسِّطَةُ في الأصْحاح 53 هِيَ الآيَةُ الخامِسَةُ الَّتي تَقول: "وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا". وَإذا انْتَبَهْنا إلى القِسْمِ المُتَوَسِّطِ، والأصْحاحَيْنِ المُتَوَسِّطَيْنِ، وَمُنْتَصَفِ الأصْحاحِ، وَمُنْتَصَفِ الآيَةِ، نَجِدُ إنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَتَرَكَّزُ عَلى مَوْتِ عَبْدِ الرَّبِّ البَدَلِيِّ عَنَّا.
وَلَكِنْ مَا الوَسيلَةُ الَّتي سَيَسْتَخْدِمُها اللهُ لِتَخْليصِ شَعْبِهِ؟ وَمَا الوَسيلَةُ الَّتي سَيَسْتَخْدِمُها لِتَقْديمِ الغُفْرانِ لَهُمْ عَنْ خَطاياهُمْ؟ مِنْ خِلالِ المَوْتِ البَدَلِيِّ وَالكَفَّارِيِّ لِخادِمِهِ (أوْ لِعَبْدِهِ)، أيِ المَسِيَّا، المَلِكِ البارّ. فَالمَسِيَّا هُوَ الَّذي سَيُتَمِّمُ هَذِهِ النُّبوءَة. وَهَذا النَّصُّ، يا أصْدقائي، يُشيرُ إلى الرَّبِّ يَسوعَ المَسيح. وَهَذا أمْرٌ وَاضِحٌ تَمامًا وَلا يَحْتَمِلُ الشَّكَّ.
وَالآنْ، اسْمَحُوا لي أنْ أُقَدِّمَ لَكُمْ خَلْفِيَّةً تَاريخيَّةً قَصيرَة. فاليَهودُ القُدَماءُ فَسَّرُوا هَذِهِ النُّبوءَةَ تَفْسيرًا مسيحانِيًّا في الأصْلِ. حَسَنًا؟ فَفي جَميعِ الأدَبِ اليهوديِّ القَديمِ، نَجِدُ أنَّ هَذا الأصْحاح (53)، وَهَذا المَقْطَعَ بِمُجْمَلِه، وَهَذا القِسْمَ (أيِ القِسْمَ المُتَوَسِّطَ مِنَ الأصْحاحاتِ السَّبْعَةِ وَالعِشْرينَ الأخيرَة) تَتَحَدَّثُ جَميعُها عَنِ المَسِيَّا. إنَّها كُلُّها تَتَحَدَّثُ عَنِ المَسيح مَعَ أنَّها لا تُوَضِّحِ الطَّريقَةَ الَّتي سَيَتَألَّمُ بِها. وَعِنْدَما وَصَلُوا إلى الأصْحاحِ 53، كَتَبُوا مَا يَلي. لَقَدْ كَتَبَ مُعَلِّمو الشَّريعَةِ مَا يَلي: "إنَّهُ سَيَكونُ شَفُوقًا، وَهُوَ سَيَشْعُرُ بِآلامِنا وَيَتَعاطَفُ مَعَها". وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَكْتُبوا شَيْئًا آخَر.
فَقَدْ فَهِمُوا أنَّ المَسِيَّا سَيَكونُ مُتَعاطِفًا وَأنَّهُ سَيَكونُ مَلِكًا بَارًّا. وَلَكِنَّهُمْ ظَنُّوا أنَّهُ سَيَشْعُرُ بالأسَفِ الشَّديدِ لأنَّ شَعْبًا نَبيلًا كَهَذا قَدْ تَألَّمَ كُلَّ هَذا الألَمِ، فَيَشْعُرُ بألَمِهِمْ. فَهُمْ لَمْ يُدْرِكوا مَوْتَ المَسيحِ البَدَلِيِّ بالرَّغْم ِمِنْ حَقيقَةِ أنَّ الحَيَواناتِ كانَتْ تَموتُ في كُلِّ يَوْمٍ في تاريخِهِمْ، مُشيرَةً إلى المَوْتِ البَدَلِيِّ. فَكُلُّ مَا رَأَوْهُ في كِتاباتِهِمْ كانَ التَّعاطُفُ وَالشَّفَقَة. وَبالمُناسَبَة، فإنَّ هَذِهِ النَّظْرَةَ المَسيحانِيَّة إلى هَذا القِسْمِ تَظْهَرُ في الطُّقوسِ اليهوديَّةِ المُخْتَصَّةِ بِيومِ الكَفَّارَة.
وَإليكُمْ اقْتباسًا مِمَّا كانُوا يَقولونَهُ: "لَقَدْ وَقَعَ عَلَيْنا رُعْبٌ. وَلَيْسَ لَنا مُنْقِذ. لَقَدْ حَمَلَ نِيْرَ آثامِنا وَمَعاصينا. فَهُوَ مَجْروحٌ لأجْلِ مَعاصينا. وَهُوَ حَمَلَ خَطايانا على كَتِفِهِ لِكَيْ يَغْفِرَ آثامَنا. وَنَحْنُ شُفينا بِجُروحِهِ عِنْدَما صَارَ بالمَشيئَةِ الأزَلِيَّةِ خَليقَةً جَديدَةً. ارفَعوهُ مِنْ كُرَةِ الأرْض. ارْفَعوهُ مِنْ سَعير وَاجْتَمِعُوا في المَرَّةِ الثَّانِيَةِ فَوْقَ جَبَلِ لُبْنان بِيَدِ يِينون" (Yinon). وَ "يينون" هِيَ كَلِمَة عِبْرِيَّة تُشيرُ إلى المَسِيَّا.
لِذَلِكَ فَقَدْ كانُوا في يَوْمِ الكَفَّارَةِ يُعيدونَ صِياغَةَ ما جاءَ في إشَعْياء 53، ثُمَّ يَبْتَعِدونَ عَمَّا جاءَ فيهِ وَيَقولونَ إنَّ ذَلِكَ يَعْني إنَّهُ سَيَكونُ مُتَعاطِفًا مَعَهُم. فَهَلْ يُعْقَلُ أنْ يَموتَ المَسِيَّا؟ إنَّ هَذا غَيْرُ مُمْكِنٍ وَغَيْرُ مَقْبولٍ. لِذَلِكَ فَقَدِ اقْتَبَسَ يَسوعُ مِنَ العَهْدِ القَديمِ لِكَيْ يُبَيِّنَ لَهُمْ حَتْمِيَّةَ تَألُّمِه. وَالرُّسُلُ كَرَزوا بِذَلِكَ أيْضًا. وَلَكِنَّ اليَهودَ لَمْ يَرْغَبوا في سَماعِ ذَلِك.
وَإلَيْكُم النُّقْطَة المُهِمَّة، وَهِيَ مُهِمَّةٌ جِدًّا. فَهُمْ لَمْ يَكونُوا يَشْعُرونَ بِحاجَتِهِمْ إلى مُخَلِّص. وَهُمْ لَمْ يَكونُوا يَشْعُرونَ بِحاجَتِهِمْ إلى ذَبيحَةٍ عَنِ الخَطِيَّة. فَلا أَحَدَ في النِّظامِ القائِمِ على الأعْمالِ يَشْعُرُ بِحاجَتِهِ إلى مُخَلِّص. فَقَدْ كَانُوا في حَاجَةٍ إلى مَنْ يَتَعاطَفُ مَعَهُمْ. وَقَدْ كانُوا يُرَحِّبونَ بِمَنْ هُوَ مُسْتَعِدٌّ للتَّعاطُفِ مَعَهُمْ. وَقَدْ أرادُوا مَلِكًا يَتَعاطَفُ مَعَ بَلِيَّتِهِمْ وَيَتَجاوَبُ بِدافِعِ تَعاطُفِهِ وَإشْفاقِهِ عَلَيْهِمْ بأنْ يُعْطيهم مَا يَسْتَحِقُّونَهُ حَقًّا. لَقَدْ كانَتْ هَذِهِ هِيَ نَظْرَةُ اليَهودِيَّةِ القَديمَة. وكانَتْ هَذِهِ هِيَ نَظْرَةُ اليَهودِ في زَمَنِ العَهْدِ الجَديد. وَكانَتْ هَذِهِ نَظْرَة اليَهودِ بَعْدَ زَمَنِ العَهْدِ الجَديد. وَمَا تَزالُ هَذِهِ هِيَ نَظْرَةُ اليَهودِ اليوم.
فَاليَهوديَّةُ لا تُقِرَّ بِحالَتِها المَذْكورَة في الأصْحاحِ الأوَّلِ مِنْ سِفْرِ إشَعْياء (أيْ أنَّها سَقيمَةٌ مِنْ أَسْفَلِ القَدَمِ إلَى الرَّأسِ). فَهُمْ يَظُنُّونَ أنَّهُمْ لَيْسُوا في حَاجَةٍ إلى مُخَلِّص. لِذَلِكَ، إذا لَمْ تَفْهَمُوا عَقيدَةَ الفَسادِ، وَلَمْ تُدْرِكُوا أنَّكُمْ عَاجِزونَ عَنْ تَخْليصِ أنْفُسِكُمْ مِنْ خِلالِ أيِّ شَيْءٍ تَقومونَ بِهِ، فَإنَّكُمْ لَنْ تَشْعُروا بِحاجَتِكُمْ إلى مُخَلِّصٍ لِتَخْليصِكُمْ. بَلْ إنَّكُمْ سَتَظُنُّونَ أنَّكُمْ سَتُتَمِّمونَ خَلاصَكُمْ بأنْفُسِكُمْ. وَلَكِنَّ أيَّ نِظامٍ يَقولُ إنَّ الأعْمالَ تُخَلِّص لا مَكانَ لَهُ في الكَفَّارَةِ البَدَلِيَّة. فَبَعْدَ أنْ جَاءَ الرَّبُّ يَسوعُ، وَوُلِدَتِ الكَنيسَةُ، مِنَ الوَاضِحِ تَمامًا أنَّ الكَنيسَةَ فَسَّرَتْ إشَعْياء 53 هَكَذا. بَلْ إنَّ كُلَّ كُتَّابِ العَهْدِ الجَديدِ فَعَلوا ذَلِكَ كَما ذَكَرْتُ. فالكَنيسَةُ ابْتَدَأتْ في الكِرازَةِ لليَهودِ بأنَّ يَسوعَ هُوَ الَّذي تَمَّمَ مَا جَاءَ في إشَعْياء 53.
وَلأنَّ اليَهودَ لَمْ يَرْغَبُوا في سَماعِ ذَلِكَ، راحُوا يَضْطَهِدونَ الكَنيسَة. فَقَدْ قَتَلُوا المَسيحيِّينَ كَما تَعْلَمون. وَحَتَّى هَذا اليَوْم، فإنَّ اليَهودِيَّةَ (كَمُؤسَّسَة) تَرْفُضُ يَسوعَ المَسيحَ وَتَرْفُضُ أنْ يَكونَ يَسوعُ المَسيحُ هُوَ مَنْ تَمَّمَ إشَعْياء 53. عِنْدَما قَرَأتُ المَقْطَعَ لَكُمْ قَبْلَ قَليل، كانَ ذَلِكَ مُؤثِّرًا. أليسَ كَذَلِك؟ فَمُجَرَّدُ سَماعِ المَقْطَعِ مُؤثِّرٌ لأنَّ كُلَّ قَارِئٍ مَسيحيٍّ يَشْعُرُ بِقُوَّةِ هَذا الوَصْفِ الَّذي يَنْطَبِقُ على يَسوعَ المَسيح. فَنَحْنُ نَشْعُرُ بِقُوَّةِ عَمَلِهِ الَّذي قامَ بِهِ لأجْلِنا إذْ حَمَلَ خَطايانا نِيابَةً عَنَّا على الصَّليب. وَلَكِنَّ اليَهودِيَّ الَّذي يَقْرَأُ هَذا المَقْطَعَ يَرى شَيئًا مُخْتَلِفًا. فَهُوَ يَرى (وَهَذا هُوَ التَّفْسيرُ المُتَداوَلُ) ... إنَّهُ يَرى إسْرائيل. أجَلْ، إنَّهُ يَرى إسْرائيلَ المُتَألِّمَة.
فَإسْرائيلُ، في نَظَرِ اليَهودِ، هِيَ العَبْدُ المُتَألِّمُ الَّذي عَانى، وَتَألَّمَ، وَذاقَ العَذابَ، وَسَيُمَجَّدُ في يَوْمٍ مَا. فَمَجْدُ إسْرائيلَ آتٍ، وَلَكِنَّها الآنَ تَجُوْزُ في الألَمِ، وَالظُّلْمِ، والجوْرِ. وهَذا هُوَ التَّفْسيرُ اليَهودِيُّ المَغْلوطُ لإشَعْياء 53. فَهُمْ يَظُنُّونَ أنَّهُمْ شَعْبٌ نَبيلٌ، وَأنَّهُمْ يَتَألَّمونَ ظُلْمًا، وَأنَّهُمْ يَعيشونَ أيَّامًا عَصيبَةً. وَلَكِنْ في يَوْمٍ مَا، سَيَخْرُجونَ إلى المَجْدِ الَّذي وُعِدُوا بِهِ، وَسَيَصيرونَ الأُمَّةَ العَظيمَةَ الَّتي سَيَتَبارَكُ العَالَمُ كُلُّهُ بِها. وَسَوْفَ يَكْسَبونَ مَجْدَهُمْ بِسَبَبِ دِيانَتِهِمْ، وَبِسَبَبِ بِرِّهِمِ الذَّاتِيِّ، وَبِسَبَبِ آلامِهِمْ. وَلَكِنَّ يَسوعَ غَيْرُ مَوْجودٍ في إشَعْياء 53.
وَالحَقيقَةُ هِيَ أنَّ هَذا هُوَ السَّبَبُ الَّذي جَعَلَ البَعْضَ يَقولونَ إنَّ الأصْحاح 53 مِنْ سِفْرِ إشَعْياء هُوَ حُجْرَةُ تَعْذيبٍ لِمُعَلِّمي الشَّريعَةِ اليَهود. وَهَذا هُوَ السَّبَبُ في أنَّ البَعْضَ قالُوا عَنْ إشَعْياء 53 إنَّهُ الضَّميرُ المُعَذّبُ لِمُعَلِّمي الشَّريعَةِ اليَهودِ لأنَّكَ لا تَسْتَطيعُ أنْ تَضَعَ إسْرائيلَ هُناك. فَإسْرائيلُ لَمْ تَكُنْ يَوْمًا مُتَواضِعَةً. وَهِيَ لَمْ تَتَألَّمْ باتِّضاعٍ. وَهِيَ لَمْ تَتَألَّمْ بِإرادَتِها. وَهِيَ لَيْسَتْ بَارَّةً، ولَيْسَتْ بِلا خَطِيَّة. وَهِيَ لَمْ تَتَألَّمْ ظُلْمًا وَلَمْ تَتَألَّمْ بَدَلًا مِنْ أيِّ شَخْصٍ آخَر. لِذَلِكَ، لا يُمْكِنُ بأيِّ حَالٍ مِنَ الأحْوالِ أنْ تَكونَ إسْرائيلُ هِيَ مِحْوَرُ الحَديثِ في الأصْحاح 53 مِنْ سِفْرِ إشَعْياء. فالحَديثُ هُنا هُوَ عَنْ يَسوع.
وَلَكِنْ في هَذِهِ النُّقْطَةِ، أوَدُّ أنْ أَقولَ لَكُمْ شَيْئًا يُساعِدُكُمْ. فَإسْرائيلُ آنَذاكَ (أيْ إسْرائيلُ في زَمَنِ يَسوع)، وَإسْرائيلُ في الوَقْتِ الحاضِر لا تَشْعُرُ بِحاجَتِها إلى ذَبيحَةٍ بَدَلِيَّةٍ. فَهُمْ لا يَشْعُرونَ بالحَاجَةِ إلى مُخَلِّصٍ بَدَلِيٍّ. وَهُمْ لا يَشْعُرونَ بِالحاجَةِ إلى وَسيطٍ لِيَموتَ عَنْهُمْ. فَكُلُّ مَا يَحْتاجونَ إليهِ هُوَ مَلِكٌ مُتَعاطِفٌ. فَهُمْ يُريدونَ حَاكِمًا فَقَطْ. وَهُمْ يُريدونَ مَلِكًا فَقَط. فَلا أَحَدَ مِنْهُمْ يَحْتاجُ إلى مُخَلِّصٍ يَحْمِلُ خَطاياهُمْ. وَلا أَحَدَ مِنْهُمْ يَحْتاجُ إلى مُخَلِّصٍ يُزيلُ غَضَبَ اللهِ عَنْهُمْ. بَلْ هُمْ يُريدونَ مَلِكًا يُنْقِذُهُمْ مِنْ جَميعِ المُعاناةِ وَجَميعِ الظُّلْمِ وَالألَمِ، وَيَرْفَعُ مِنْ شَأنِهِمْ بإعْطائِهِمِ المَكانَةِ الَّتي يَسْتَحِقُّونَها لِكَوْنِهِمْ مِنْ نَسْلِ إبْراهيم، وَبِسَبَبِ الوَعْدِ الدَّاوُدِيِّ، وَبِسَبَبِ صَلاحِهِمِ الذَّاتِيِّ.
لِذَلِكَ، إنْ تَكَلَّمْتُمْ يَوْمًا مَعَ يَهودِيٍّ، فإنَّ السُّؤالَ الَّذي يَنْبَغي أنْ تَطْرَحُوهُ عَلَيْهِ هُوَ: "هَلْ أنْتَ في حَاجَةٍ إلى مُخَلِّص؟ هَلْ أنْتَ في حَاجَةٍ إلى مُخَلِّص؟" فالمَسيحِيَّةَ تُقَدِّمُ المُخَلِّص. فَهَلْ أنْتَ في حَاجَةٍ إلى بَديلٍ لِيَموتَ عَنْكَ؟ وَهَلْ أنْتَ في حَاجَةٍ إلى شَخْصٍ يَحْمِلُ غَضَبَ اللهِ عَنْ خَطاياك؟ هَذا هُوَ السُّؤال. وَهَذا يَعودُ بِنا إلى السُّؤالِ الأهَمِّ: كَيْفَ يُمْكِنُ للخَاطِئِ أنْ يَكونَ بارًّا أمامَ اللهِ، وَأنْ يَنْجُو مِنْ جَهَنَّمَ وَيَنالَ الحَياةَ الأبديَّة؟ وَالجَوابُ الوَحيدُ هُوَ: "إنْ وَجَدَ هَذا الخَاطِئُ مَنْ يَدْفَع أُجْرَةَ خَطاياه بالكامِل". والشَّخْصُ الوَحيدُ الَّذي يَقْدِرُ أنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ هُوَ الذَّبيحُ البَدَلِيُّ وَالكَفَّارِيُّ المُخْتار: يَسوعُ المَسيحُ شَخْصِيًّا.
والفَرْقُ الجَوْهَرِيُّ المُهِمُّ بَيْنَ اليَهودِيَّةِ وَالمَسيحيَّةِ هُوَ التَّالي: اليَهودِيَّةُ دِيانَةٌ تُعَظِّمُ الجُهْدَ البَشَرِيَّ وَلا تُقِرُّ بالحاجَةِ إلى مُخَلِّص. أمَّا المَسيحِيَّةُ فَدِيانَةٌ تُقَلِّلُ مِنْ شَأنِ الجُهْدِ البَشَرِيِّ وَتُرَكِّزُ على الحَاجَةِ المَاسَّةِ إلى مُخَلِّص. هَذا هُوَ الفَرْقُ. فاليَهودُ لا يُقِرُّونَ بِحاجَتِهِمْ إلى بَديلٍ يَحْمِلُ عُقوبَةَ خَطاياهُمْ. فَهُمْ يَظُنُّونَ أنَّ اللهَ سَيَقْبَلُهُمْ عَلى أَسَاسِ عَهْدِهِ مَعَ إبْراهيم، وَعَلى أسَاسِ صَلاحِهِمْ وَامْتيازاتِهِمْ وَالوُعودِ الَّتي قُطِعَتْ لَهُمْ. هَذا هُوَ الفَرْقُ. لِذَلِكَ، مِنَ الخَطَأِ أنْ يَظُنَّ أيٌّ مِنْكُمْ أنَّهُ لا تُوْجَدُ هُوَّةٌ سَحيقَةٌ بَيْنَ الفَريقَيْن. فاليَهودُ لا يُقِرُّونَ بِحاجَتِهِمْ إلى مُخَلِّصٍ يُخَلِّصهُمْ مِنْ خَطاياهُمْ شَخْصِيًّا. فَهُمْ يُقِرُّونَ فَقَطْ بِحاجَتِهِمْ على مُخَلِّصٍ يُنْقِذهُمْ مِنْ أعْدائِهِمْ وَمِنْ ضِيْقاتِهِمْ. أمَّا المَسيحيُّونَ فَيُقِرُّونَ بِحاجَتِهِمْ إلى مُخَلِّصٍ يُخَلِّصَهُمْ مِنْ آثامِهِمْ وَمَعاصِيْهِمْ وَخَطاياهُم.
لِذَلِكَ، فإنَّ السُّؤالَ الَّذي يَنْبَغي طَرْحُهُ عَلى كُلِّ يَهودِيٍّ هُوَ: "هَلْ أنْتَ بِحاجَةٍ شَخْصِيًّا إلى مُخَلِّصٍ يَحِلُّ مَكانَكَ وَيَموتُ عَنْكَ بِسَبَبِ دَيْنونَةِ اللهِ لِخَطاياك؟" هَلْ أنْتَ في حَاجَةٍ إلى مُخَلِّص؟" هَذا هُوَ السُّؤال. وَهَذِهِ هِيَ المُعْضِلَةُ الأدَبِيَّةُ في الوُجودِ البَشَرِيِّ بِأسْرِه. "وَعَبْدي" – (العَدَد 11 مِنَ الأصْحاح 53): "وَعَبْدِي الْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ (أيْ يَجْعَلهُمْ أبْرارًا قُدَّامَ اللهِ)". كَيْفَ؟ بِأنْ يَحْمِلَ مَاذا؟ "آثامَهُمْ": "وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا". فَمِنْ خِلالِ الكَفَّارَةِ، فإنَّ عَبْدَ الرَّبِّ يُبَرِّرُ كَثيرين. وَقَدْ وَعَدَ في العَهْدِ القَديمِ بأنَّهُ سَيَأتي مِنْ بَني إسْرائيل، مِنْ نَسْلِ إبْراهيم، وَمِنْ نَسْلِ دَاوُد. وَالعَهْدُ القَديمُ يَقولُ إنَّهُ سَيُوْلَدُ في بَيْتِ لَحْمٍ. وَقَدْ قالَ إشَعْياءُ إنَّهُ سَيُوْلَدُ مِنْ عَذْراء.
وَلَكِنَّنا لَمْ نَعْرِفَ هُوِيَّتَهُ إلَّا عِنْدَ مَجيئِهِ. وَهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا هُوِيَّتَهُ. وَلَكِنْ عِنْدَما جَاءَ فَقَدْ عَلِمْنا مَنْ يَكونُ لأنَّهُ عِنْدَ مَعْمودِيَّتِهِ سُمِعَ صَوْتُ الآبِ مِنَ السَّماءِ يَقول: "هذَا هُوَ ابْنـِــي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ". وَلَكِنْ ما الَّذي كانَ اللهُ يَقْصِدُهُ هُنا؟ لَقَدْ كَانَ يُرَدِّدُ مَا جَاءَ في إشَعْياء 42: 1: "هُوَذَا عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ، مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ". وَهَذا هُوَ مَا حَدَثَ في المَعْمودِيَّة. فَقَدْ نَزَلَ الرُّوحُ عَلَيْهِ مِثْلَ حَمامَةٍ. وَالعَبْدُ الكُفْءُ لِهَذِهِ المُهِمَّةِ بِشَهادَةِ اللهِ وَحُلولِ الرُّوحِ القُدُسِ هُوَ يَسوعُ دُوْنَ سِواه. فَهُوَ حَمَلُ اللهِ الَّذي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ العَالَم.
لِذَلِكَ، في الخِتام، افْتَحُوا عَلى الأصْحاحِ الثَّامِنِ مِنْ سِفْرِ أعْمالِ الرُّسُل. لَقَدْ أَنْهَيْتُ العِظَةَ في الوَقْتِ المُحَدَّدِ تَقْريبًا. فَقَدْ كُنْتُ أظُنُّ أنِّي سَأحْتاجُ إلى سَاعَةٍ وَنِصْف في هَذا الصَّباح. وَعلى أيِّ حَالٍ، سَأَخْتِمُ بالأصْحاحِ الثَّامِنِ مَنْ سِفْرِ أعْمالِ الرُّسُل. فَلا يُمْكِنُني أنْ أَتجاهَلَ هَذا المَقْطَع. وَلَكِنَّ الجُزْءَ المُتَبَقِّي لَنْ يَسْتَغْرِقَ وَقْتًا طَويلًا. لَعَلَّكُمْ تَذْكُرونَ فِيْلُبُّسَ وَالخَصِيَّ في أعْمالِ الرُّسُل 8؟ فَقَدْ قَادَ الرُّوحُ فِيْلُبُّسَ لِمُرافَقَةِ مَرْكَبَةِ هَذا الرَّجُلِ الَّذي كانَ وَزيرًا. وَقَدِ اقْتَرَبَ مِنْ هَذا الرَّجُلِ الَّذي كانَ أُمَمِيًّا مُتَهَوِّدًا. فَقَدْ كانَ في أُورُشَليم. وَكانَ يَقْرَأُ في سِفْرِ إشَعْياء. أَجَلْ، لَقَدْ كانَ يَقْرَأُ النَّبِيَّ إشَعْياء. وَقَدْ سَألَهُ في العَدَد 30: "أَلَعَلَّكَ تَفْهَمُ مَا أَنْتَ تَقْرَأُ؟" فَقَالَ: "كَيْفَ يُمْكِنُنِي إِنْ لَمْ يُرْشِدْنِي أَحَدٌ؟"
لِذَلِكَ ، صَعِدَ فيلُبُّسُ إلى المَرْكَبَةِ، وَأَمَّا فَصْلُ الكِتَابِ الَّذِي كَانَ يَقْرَأُهُ فَكَانَ هذَا: "مِثْلَ شَاةٍ سِيقَ إِلَى الذَّبْحِ، وَمِثْلَ خَرُوفٍ صَامِتٍ أَمَامَ الَّذِي يَجُزُّهُ هكَذَا لَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. فِي تَوَاضُعِهِ انْـــتُزِعَ قَضَاؤُهُ، وَجِيلُهُ مَنْ يُخْبِرُ بِهِ؟ لأَنَّ حَيَاتَهُ تُنْتَزَعُ مِنَ الأَرْضِ". (وَهُوَ مَقْطَعٌ مِنْ إشَعْياء 53). "فَأَجَابَ الْخَصِيُّ فِيلُبُّسَ وَقَالَ: «أَطْلُبُ إِلَيْكَ: عَنْ مَنْ يَقُولُ النَّبِيُّ هذَا؟ عَنْ نَفْسِهِ أَمْ عَنْ وَاحِدٍ آخَرَ؟» (وَكَمْ أُحِبُّ ذَلِك!) فَفَتَحَ فِيلُبُّسُ فَاهُ وابْتَدَأَ مِنْ هذَا الْكِتَابِ فَبَشِّرَهُ بِيَسُوعَ. وَهَذا هُوَ مَا سَنَفْعَلُهُ يا أحِبَّائي. فَسَوْفَ نُبَشِّرُ بِيَسوعَ مِنْ خِلالِ هَذا المَقْطَعِ الكِتابِيِّ نَفْسِهِ.
نَشْكُرُكَ يا أبانا عَلى هَذا الوَقْتِ الَّذي مَنَحْتَنا إيَّاه في هَذا الصَّباح. فَهُوَ وَقْتٌ للاحْتِفالِ، وَوَقْتٌ للابْتِهاجِ، وَوَقْتٌ للعِبادَةِ، وَوَقْتٌ للتَّأمُّلِ في عَظَمَةِ كَلِمَتِكَ وابْنِكَ مُخَلِّصِنا. نُصَلِّي أنْ تَكونَ مَعَنا وَأنْ تُبارِكَنا اليَوْم. باسْمِهِ المُبارَكِ نُصَلِّي. آمين!

This article is also available and sold as a booklet.