
الحقيقةُ هي أنَّهُ لا حاجَةَ إلى قَوْلِ الكَثيرِ في هذا الوقت. وأنا على يَقينٍ بأنَّ الأشخاصَ الذينَ نَظَّموا المُؤتمرَ، والأشخاصَ الذينَ خَدَموا، وَتَكَلَّموا، وَوَعَظوا، وعَلَّموا، وَأَجْروا المقابلاتِ قد شَملوا كُلَّ المواضيعِ الَّتي رَغِبْنا حَقًّا في التَّطَرُّقِ إليها. وأنا مُمْتَنٌّ جدًّا لكلِ شخصٍ صَعِدَ إلى هذهِ المِنَصَّةِ. وأنا أَوَدُّ أنْ أُعَبِّرَ عنِ امْتِناني لهم. فقد خَدَمونا جَيِّدًا باجتهادٍ، وبانفتاحِ ذِهْنٍ وقلبٍ لوقتٍ طويلٍ. وهذا كُلُّهُ أَوْصَلَنا إلى هُنا. لذلكَ، شُكْرًا جَزيلًا. فهؤلاءِ الأشخاصُ يَخْدِمونَ طَوالَ الوقتِ. وقد أَخَذوا على عاتِقِهِمْ أيضًا تَنْظيمَ هذا المُؤتَمَرِ بكُلِّ ما يَحتاجُ إليهِ مِنْ تَحْضيرٍ، وتَفكيرٍ، وصلاةٍ. لذلكَ، نَحْنُ مُمْتَنُّونَ جِدًّا. وأنا أَعلمُ أنَّ الوَعْظَ يُشْبِهُ قِمَّةَ الجَبَلِ الجَليدِيِّ. فهذا هُوَ ما تَرَوْنَهُ، ولكِنَّ ما لا تَعلَمونَهُ هُوَ ما يَكْمُنُ أَسْفَلَ ذلك. لذلكَ فإنَّنا نُعَبِّرُ عَنِ شُكْرِنا الجَزيلِ لكُلِّ الأشخاصِ الَّذينَ ساعَدونا في هذا المؤتمرِ، والذينَ سَتَسْتَمِرُّ خِدمَتُهم مِنْ هُنا.
ورُبَّما تَرغبونَ في مَعرفةِ أنَّهُ كانتْ هناكَ يوم أمس 127 دولة في العالمِ تُشاهِدُ البَثَّ الحَيَّ لهذ المُؤتمر ... يوم أمس. وهُناكَ أكثرُ مِنْ خَمسةٍ وعِشرينَ ألفَ نُقْطَة تَمَّ مِنْها بَثُّ المُؤتمرِ حَيًّا. ولا نَعلمُ عَدَدَ الأشخاصِ الَّذينَ كانوا حاضِرينَ في كُلِّ نُقْطَةٍ مِنْ تلكَ النّقاطِ.
ويا لَهُ مِنْ زَمانٍ مُدْهِشٍ هذا الَّذي نَعيشُ فيه. أليسَ كذلك؟ إنَّهُ زَمانٌ مُدهشٌ حَقًّا. ففي وقتٍ مَضَى مِنَ التَّاريخِ، كانَ الأمْرُ يَحْتاجُ إلى مِئاتِ السِّنين لِنَشْرِ الحَقِّ إلى هذا المَدى. فقبلَ سَنواتٍ قليلة، كانَ الأمْرُ يَتطلَّبُ سَنَواتٍ طويلة، أوْ رُبَّما أَشْهُر، أوْ رُبَّما أسابيع. أمَّا أنْ يَحْدُثَ ذلكَ في بَثٍّ مُباشِرٍ فهذا مُذْهِلٌ حَقًّا.
لذلكَ، شُكْرًا جَزيلًا لِجَميعِ المُتَكَلِّمين. والخبرُ السَّارُّ هُوَ أنَّ كُلَّ شَيءٍ قُلْناهُ بُثَّ حَوْلَ العالم. وهذه مَسؤوليَّة كبيرة وَخَطيرة بالنِّسبةِ إلينا. ولكِنَّ هؤلاءِ الرَّجالَ يقومونَ بمسؤوليَّتِهِم بِنُبْلٍ بِوَصْفِهِمْ خُدَّامًا للرَّبِّ. وما قِيْلَ كانَ يَنبغي أنْ يُقال. وقد قِيْلَ بالطَّريقةِ الَّتي يَنْبَغي أنْ يُقالَ فيها. ونحنُ مَسرورونَ بذلك.
كذلكَ، أنا مُمْتَنٌّ جِدًّا أيضًا لأنَّكُمْ تَحْمِلونَ الكِتابَ بينَ أيديكُمْ أوْ تَضَعونَهُ في مَكانٍ ما. وقد كانَ مِنَ المُهِمِّ جِدًّا أنْ تُدَوَّنَ هذهِ الأشياء. وكما قُلْتُ في فَقْرَةِ الأسئلةِ والأجوبةِ اليوم، عندما أراد اللهُ أنْ يُكَلِّمَنا، كَتَبَ كِتابًا. فَهُوَ لم يَصْنَعْ فيلمًا، بل كَتَبَ كِتابًا لأنَّ هذا يُجَمِّدُ الحَقَّ وَيُثَبِّتُهُ في مَكانِهِ.
وعليكُمْ أنْ تأخُذوا هذا الكِتابَ. وعندما تَقرأونَهُ فإنَّهُ سَيُنْعِشُ ذاكِرَتَكُمْ بخصوصِ الأشياءِ الَّتي سَمِعْتُموها هُنا. فأنتُمْ ستكونونَ الأشخاصَ الَّذينَ سيَحملونَ هذهِ الرِّسالةَ إلى أقاصي الأرْضِ وإلى كُلِّ مَكانٍ يَسْمَحُ اللهُ لَكُمْ بالوصولِ إليه. ويَجْلِسُ بيننا الآنَ أشخاصٌ مِنْ ما لا يَقِلُّ عَنْ ثلاثينَ أُمَّة مِنَ العالم، وَمِنْ جَميعِ أنْحاءِ بَلَدِنا في أمريكا الشَّمالِيَّة. أنتُمْ مَنْ سَيَعْمَلُ على تَوْصيلِ هذا الحَقِّ. وسوفَ يُساعِدُكُمُ الكِتابُ الَّذي كُتِبَ بعنايةٍ شديدةٍ وَزُوِّدَ بالمُلاحَظاتِ الهامِشِيَّةِ والتَّوثيقيَّةِ. وما أرْجوهُ هُوَ أنْ تَقرأوهُ بِعِنايَةٍ شديدة.
وأنا أعتقدُ أنَّ القضيَّةَ الَّتي ناقَشْناها في هذا الأسبوعِ قادِرَة على الصُّمودِ في وَجْهِ أَدَقِّ فَحْصٍ. وأنا أَدْعو أيَّ شَخْصٍ سَمِعَ ما قيلَ وَوَجَدَ صُعوبَةً في قَبولِهِ أنْ يأخُذَ الكِتابَ المقدَّسَ، وأنْ يَأخُذَ الكِتابَ، وَأنْ يَفْحَصَ بِدِقَّة كُلَّ ما قِيْلَ في ضَوْءِ كَلِمَةِ اللهِ. فنحنُ نَدْعو الجَميعَ إلى فَحْصِ الأمْرِ هكذا.
إنَّ الهَدَفَ الأوَّلَ والأخيرَ لهذا المؤتمرِ هُوَ مُساعَدَةُ الكنيسة. وأنا لا أَتَوَهَّمُ بأنَّ غيرَ المُؤمِنينَ يَفْهَمونَ ما نَتَحَدَّثُ عنهُ. وكما قُلنا، هناكَ أعدادٌ كبيرةٌ مِنْ غيرِ المؤمنينَ في هذهِ الحَرَكَة. وأنا لا أتوقَّعُ مِنهُم أنْ يَفهموا الحَقَّ. وأنا لا أتوقَّعُ مِنهُم أنْ يَرْغَبوا في مَعرفةِ الحَقِّ، أوْ أنْ يَكونَ لَديهُمْ جُوْعٌ للحَقِّ، أوْ أنْ يَبْحَثوا عنِ الحَقِّ. فغيرُ المُؤمِنينَ لا يَفعلونَ ذلكَ إلَّا إذا قادَهُمُ الرُّوحُ القُدُسُ إلى ذلك.
ولكِنَّنا نُريدُ أنْ نُساعِدَ الكنيسَة. وقد كُنَّا نُخاطِبُ النَّاسَ الَّذينَ يُؤمِنونَ بأنَّ الكِتابَ المقدَّسَ هُوَ كلمةُ اللهِ، والذينَ يُؤمِنونَ بأنَّ اللهَ أَعْلَنَ عَنْ ذاتِهِ بوضوحٍ، وبانْسِجامٍ، بَعيدًا عَنْ أيِّ تَناقُضٍ. فهذا الكَلامُ مُوَجَّهٌ للكنيسةِ الحَقيقيَّةِ ... للكنيسةِ الحَقيقيَّةِ ... لكي يُمَيِّزوا الحَقَّ، ولكي نَحْميهِمْ مِنَ التَّعاليمِ الخاطئةِ لكي يَكونوا مَصْدَرًا للحَقِّ للآخرينَ خارِجَ الكنيسة. فقد كُنَّا نُخاطِبُ شَعْبَ اللهِ، أوْ كنيسةَ اللهِ الحَقيقيَّة، في الملكوتِ الَّذي يَحْوي حِنْطَةً وزَوانًا مَعًا.
وَبسببِ هذا المُؤتَمَر، شَهِدْنا في السَّاعاتِ الأخيرةِ واليَوْمَيْنِ الأخيرَيْنِ هُجوماتٍ مُضادَّة. والحقيقةُ هيَ أنَّنا لم نَتَمَكَّنْ مِنْ تَجاهُلِها لأنَّها تَظْهَرُ، كَما تَعلمونَ، على الإنترنِت. وقد صَارَ بَعْضٌ مِنْكُم على اطِّلاعٍ بذلك. وأنا أوَدُّ حقًّا أنْ أَرُدَّ على تلكَ الهَجَمات. فأنا أُريدُ أنْ أُكَلِّمَكُمْ قليلًا مِنْ قَلبي في هذا المَساء.
وقد سَألَني "ستيف لاوسون" (Steve Lawson) في وقتٍ سابِقٍ عَنْ شُعورِ تُجاهَ ذلكَ فقلتُ: "هذا جَوابٌ تَصْعُبُ الإجابَةُ عنهُ لأنِّي لا أدري ماذا سأقول". ولكِنِّي سأقولُ ما في قلبي. وأعتقدُ أنَّهُ مِنَ المُهِمِّ أنْ أُجيبَ على النَّقْدِ الَّذي تَلَقَّيْناه. وسوفَ أفعلُ ذلكَ مِنْ خِلالِ ذِكْرِ الانْتِقادِ والرَّدِّ عليهِ رَدًّا قَصيرًا.
إنَّ أوَّلَ شيءٍ واضِحٍ هُوَ أنَّهُمْ يَتَّهِمونَنا بأنَّنا نَفْتَقِرُ إلى المَحَبَّة ... نَفْتَقِرُ إلى المَحَبَّة. ولكِنِّي أوَدُّ أنْ أقولَ لَكُمْ إنَّ أَسْمَى مَحَبَّة يُمكنُ لأيِّ شَخصٍ أنْ يُقَدِّمَها لَكَ أيُّ شَخصٍ هِيَ أنْ يَقولَ لكَ الحَقيقَة. فهذهِ هِيَ المحبَّةُ الحَقيقيَّة. فليسَ مِنَ المَحَبَّةِ في شَيْء أنْ تَتْرُكَ النَّاسَ في الظَّلامِ والضَّلال. ونحنُ نقولُ الحَقَّ بمَحَبَّة. ونحنُ لا نَتَحَدَّثُ هُنا فقط عنِ المَوْقِفِ أوْ عَنْ نَبْرَةِ الصَّوْتِ الَّتي نَتَحَدَّثُ بها. بل إنَّ قَوْلَ الحَقِّ في حَدِّ ذاتِهِ هُوَ عَمَلٌ مُحِبٌّ لأنَّهُ يُخَلِّصُ النَّاسَ مِنَ الضَّلال.
ولَعَلَّكُمْ تَذكرونَ ما جاءَ في الأصْحاح 20 مِنْ سِفْرِ أعْمالِ الرُّسُلِ إذْ إنَّ بولسَ الْتَقى بِشُيوخِ أَفَسُس وقالَ لَهُمْ: "اسْهَرُوا، مُتَذَكِّرِينَ أَنِّي ثَلاَثَ سِنِينَ لَيْلاً وَنَهَارًا، لَمْ أَفْتُرْ عَنْ أَنْ أُنْذِرَ بِدُمُوعٍ كُلَّ وَاحِدٍ". لأَنِّي أَعْلَمُ هذَا ... لأنِّي أَعْلَمُ هَذا: أَنَّهُ سيأتي مِنَ الخارِجِ وَمِنَ الدَّاخِلِ أُناسٌ مُضِلُّونَ ومُخادِعونَ يُضِلُّونَكُمْ. والحقيقةُ هي أنَّهُ إذا كُنْتَ راعِيًا أوْ شَيْخًا في الكَنيسَةِ، فإنَّ الوَاجِبَ يَدْعوكَ (كَما جاءَ في تِيْطُس 1 عَنْ مُؤهِّلاتِ الرَّاعي) إلى أنْ تكونَ قادرًا على اكْتِشافِ الأخْطاءِ والرَّدِّ عليها مِنَ الكِتابِ المقدَّسِ. فهكذا تَعْتَني بالخِراف. وهكَذا تُوَفِّرُ الحِمايَةَ لَهُم.
كذلكَ، فقدْ تَمَّ اتِّهامُنا بِالتَّسَبُّبِ في الانقسامات. وأنا لا أُنْكِرُ ذلك. فالحَقُّ بطَبيعَتِهِ يُفَرِّقُ بينَ النَّاسِ. لذلكَ فقد قالَ يَسوعُ: "لقد جِئْتُ لأُلقي سَيفًا. وقد جِئْتُ لأصْنَعَ انْقِسامًا بينَ النَّاسِ، وانْقِسامًا في العائلاتِ". فالحَقُّ بطبيعَتِهِ مُنْفَصِلٌ عَنِ الباطِل. وأنْ نَكونَ مُنْقَسِمينَ بسببِ الحَقِّ أَهَمُّ بِكَثير مِنْ أنْ نَكونَ مُتَّحِدينَ على الباطِل. لذلكَ فأنا أَفْهَمُ أنَّ الحَقَّ يُحْدِثُ انْقِسامًا.
وما زِلْتُ أَذْكُرُ أنِّي حينَ كَتَبْتُ قَبْلَ سَنَواتٍ كِتابَ "الإنْجيل بِحَسَب يَسوع" (The Gospel According to Jesus)، أَذْكُرُ أنَّ واعِظًا إنجيليًّا بارِزًا تَعْرِفونَهُ جَميعُكُمْ دَعاني إلى الغَداءِ وقالَ لي: "لَقَدْ قَسَّمْتَ جَسَدَ المَسيح". فقلتُ: "هل تَسْمَحُ لي بِسُؤال؟" فقال: "تَفَضَّل". قُلتُ: "هل ما كَتَبْتُهُ صَحيح؟ وهَلْ هُوَ الحَقّ؟" فهذا هُوَ السُّؤالُ الوَحيدُ الَّذي لَدَيَّ. لذلكَ، مِنَ المؤكَّدِ أنَّ الحَقَّ يَصْنَعُ انْقِسامًا. فَهُوَ يَفْصِلُ الباطِلَ عَنِ الحَقِّ في الحَال.
وهُناكَ انْتِقادٌ ثالثٌ قَرأتُ عَنْهُ اليومَ، وَهُوَ يَقولُ إنَّ المَسألَةَ غيرُ واضِحَةٍ في الكِتابِ المقدَّسِ. فوجودُ مُؤتَمَرٍ كهذا وَخِلافٍ مَعَنا مِنْ أُناسٍ مَعْروفينَ، وَحَتَّى مِنْ مُفَسِّرينَ مَعْروفينَ للكِتابِ المُقَدَّسِ يَدُلُّ على أنَّ الكِتابَ المقدَّسَ ليسَ واضِحًا في هذا الخُصوص. وأَوَدُّ أنْ أقولَ رَدًّا على ذلكَ إنَّهُ إنْ كانتِ المَسألةُ غيرَ واضِحَةٍ كَما يَدَّعي أُناسٌ، فإنَّها صَارَتْ كذلكَ فقط بسببِ تأثيرِ المُعَلِّمينَ الزَّائِفين.
فقد كانَتْ واضِحَةً للرُّسُل. وقد كانَتْ واضِحَةً لآباءِ الكنيسةِ الأولى. ويُمْكِنُكُمْ أنْ تَقرأوا أقوالَ هؤلاءِ الآباءِ في نِهايَةِ الكِتاب. وقد كانَتْ واضِحَةً للمُصْلِحين. ونحنُ نَعْرِفُ ذلك. وقد كانتْ واضحةً للطَّهورِيِّينَ. وقد حُسِمَتْ تلكَ المسألةُ في بياناتِ الإيمانِ مِثْلَ إقرارِ الإيمانِ الوِسْتمِنستريّ. وقد كانتْ واضحةً لِلَّاهوتِيِّينَ المُصْلَحينَ المُتَبَحِّرينَ في العِلْمِ، والنُّبلاء، والذينَ اقْتُبِسَتْ أقوالُهُمْ مِنْ أمثال "ب. ب. وورفيلد" (B.B. Warfield). وقد كانَتْ واضِحَةً لـِ "سبيرجن" (Spurgeon). وقد كانتْ واضحةً في الأزمنةِ الأكْثَرِ حَداثَةً لـِ "جيم بويس" (Jim Boice). وقد كانَتْ واضِحَةً لـِ "آر. سي. سبرول" (R.C. Sproul). فهل صارتِ الآنَ غيرَ واضِحَةٍ بسبب "آيمي سيمبل مَكفيرسون" (Aimee Semple McPherson)، وَ "كاثرين كولمان" (Kathryn Kuhlman)، وَ "جيمي سواغرت" (Jimmy Swsggart)، وَ "جيم بيكر" (Jim Bakker)، وَ "كينيث كوبلاند" (Kenneth Copeland)؟ إنَّها فِكرةٌ سَخيفَة. فبِحَسَبِ العَقيدةِ السَّليمةِ والصَّحيحَةِ والتَّاريخيَّةِ، كانَتْ هذهِ المَسألةُ وما تَزالُ واضِحَةً كُلَّ الوُضوح.
وهُناكَ تُهْمَةٌ أُخرى وَهِيَ أنَّنا نَتحَدَّثُ عَنْ شَيءٍ لا يَصحُّ إلَّا على فِئَةٍ صَغيرَة مَخْبولَةٍ وَمُتَطَرِّفَةٍ مِنَ الحَرَكَة. ولَكِنَّ هذا الكَلامَ ليسَ صَحيحًا البَتَّة. فهُناكَ ضَلالٌ في هذهِ الحَرَكَةِ يَجْتاحُها مِنْ أَقْصاها إلى أقْصاها. وقد سَمِعْنا اليومَ في فَقْرَةِ الأسئلةِ والأجوبةِ أنَّ تِسْعينَ بالمِئَة مِنَ النَّاسِ المُرْتَبِطينَ حولَ العالمِ بالحركةِ الخمسينيَّةِ يَتَمَسَّكونَ بإنْجيلِ الرَّخاءِ. وَأرْبَعَةٌ وعِشْرونَ أوْ خَمْسَةٌ وعِشرونَ مِلْيون مِنْهُمْ يُنْكرونَ الثَّالوث. وَمِئَة مِلْيون مِنْهُمْ يَنْتَمونَ للكنيسةِ الكاثوليكيَّةِ الرُّومانِيَّة. وكما قالَ "ناثان": "قوموا بِعمليَّة حِسابِيَّة بَسيطَة". فهذهِ ليسَتْ فِئَةً صَغيرةً، بل هِيَ الحَرَكَةُ بِرُمَّتِها. وَهِيَ تَنْمو بِسُرعةٍ كَبيرَة.
وهُناكَ مَنْ يَقول: "أنْتُ تُهاجِمُ الحَرَكَةَ الَّتي قَدَّمَتْ لنا هَذِهِ العِبادَةَ الغَنِيَّةَ". أيْ أنَّ هذهِ المُوسيقى الَّتي جاءَتْ بها الحَرَكَةُ الخَمسينيَّةُ تُغْني العِبادَةَ في الكَنيسَةِ. ولكِنِّي أَخْتَلِفُ مَعَ هؤلاءِ في الرَّأي. فأنا مُقْتَنِعُ بأنَّ الموسيقى المُعاصِرَة الَّتي جاءَ بها الخَمْسينيُّونَ هِيَ البابُ الَّتي دَخَلَ مِنْهُ اللَّاهوتُ الخَمْسينيُّ إلى الكَنائِسِ. فإنْ كُنْتُمْ تَقْبَلونَ هذهِ المُوسيقى، فإنَّ اللَّاهوتَ يَأتي بَعْدَها لأنَّكَ سَتَسْتَمِعُ فَجأةً إلى نفسِ التَّرانيمِ، وتَسْتَمِعُ إلى نفسِ الموسيقِيِّينَ، وتَخْتَبِرُ نَفْسَ العَواطِفِ، وتَخْتَبِرُ نفسَ المَشاعِرِ. فقد تكونُ الكنيسةُ ليسَتْ خَمسينيَّةً، ولكِنَّ كُلَّ المُوسيقى والأسلوبِ هُوَ نَفْسُ الَّذي يُمارَسُ في الكَنيسَةِ الخَمسينيَّةِ. لذلكَ فإنَّ المُوسيقى هِيَ المَدْخَل.
أَروني كَنيسَةً لَديها بَيانُ إيمانٍ قَوِيّ، وَبيانٌ عَقائِدِيٌّ قَوِيٌّ، وَبيانٌ عَقائِدِيٌّ تاريخِيٌّ، وأنا سَأُريكُمْ كَنيسَةً تَتَرَدَّدُ في قَبولِ حَتَّى الموسيقى. وأَروني كَنيسةً تُحِبُّ التَّرانيمَ العَظيمةَ، واللَّاهوتَ العَظيمَ مُعَبَّرٌ عَنْهُ في التَّرانيم، وأنا سَأُريكُمْ كَنيسَةً تَتَرَدَّدُ في قَبولِ مُوسيقى الحَرَكَةِ الخَمسينيَّة. ولأنَّ المُوسيقى لا تَدْخُل، فإنَّ اللَّاهوتَ لا يَدْخُلُ أيضًا. فالموسيقى هِيَ الطُّعْم.
وأنا لا أَتحدَّثُ عَنْ أمورٍ مُعَيَّنَةٍ لأنَّ هُناكَ تَرانيمَ مُعاصِرَة جَميلَة وَيُمْكِنُنا أنْ نُرَنِّمَها. ولكِنْ عندما تَكونُ التَّرانيمُ مُهَلْهَلَة، وعندما تَكونُ مُوسيقى لا تُخاطِبُ العَقْلَ، بل تُخاطِبُ الجَسَدَ، وعندما لا تكونُ عنِ الحَقِّ الَّذي نَفْهَمُهُ، بل عَنِ العَواطِفِ الَّتي نَشْعُرُ بها، فإنَّها تُنْتِجُ نَفْسَ المَشاعِرِ الَّتي تَتَّفِقُ معَ الحركةِ الخمسينيَّةِ وَتَفْتَحُ البابَ.
ولكِنْ إنْ كُنَّا جَميعًا نُرَنِّمُ التَّرانيمَ نَفْسَها، كيفَ يُعْقَلُ أنْ نُحْدِثَ انْقِساماتٍ؟ وأعتقدُ أنَّ الحركةَ الخمسينيَّةَ أَفْسَدَتِ العِبادَةَ كَثيرًا. فقد أَخْرَجَتْها مِنْ نِطاقِ الحَقِّ، وَمِنْ نِطاقِ العَقْلِ، وَجَعَلَتْها تُرَكِّزُ فقط على المَشاعِرِ النَّابعَةِ مِنَ الجَسَدِ.
وهُناكَ آخَرونَ يَنْتَقِدونَنا (وَقَدْ حَدَثَ ذلكَ في أوَّلِ المُؤتَمَرِ)، وَهُمْ يَقولون: "أنْتُمْ تُهاجِمونَ الإخْوَة ... أنْتُمْ تُهاجِمونَ الإخْوَة". وليتَ باسْتِطاعَتي أنْ أُؤكِّدَ ما قُلْتَهُ. فقد قُلْنا ذلكَ بِطريقةٍ أو بأخرى في هذا الأسبوع. إنَّ هذهِ الحَرَكَةَ تَتألَّفُ في مُجْمَلِها مِنْ غيرِ مُؤمِنين ... مِنْ غَيْرِ مُؤمِنين.
قبلَ بِضْعِ سَنواتٍ، كنتُ في مُقابَلَةٍ معَ مَحَطَّةِ "إنْ.بي.سي" (NBC)، وكانَتْ هُناكَ فَضيحةٌ كَبيرةٌ في العالمِ الإنجيليِّ. وكانَ المُراسِلُ التِّلفزيونِيُّ لمحطَّة "إنْ.بي.سي" يَتَحَدَّثُ إليَّ ويقول: "لماذا تَسْمَحونَ بِحُدوثِ أُمورٍ كهذِهِ؟" مَنْ – هذا هُوَ سُؤالُهُ: "مَنْ هُوَ الرَّقيبُ على حَرَكَتِكُمْ؟" ... "مَنْ هُوَ الرَّقيبُ على حَرَكَتِكُمْ؟" فَهُوَ لم يَكُنْ يَستوعِبُ حَقيقةَ أنَّ الإنجيليَّة كانَتْ مُباحَة للجَميع، وأنَّها لم تَكُنْ مَسؤولَةً أمامَ أيِّ سُلْطَة أوْ مَرْجِعِيَّة.
فقلتُ: "الحقيقةُ هيَ أنَّهُ لا يُوْجَدُ رَقيبٌ على الحَرَكة". وهذا أمْرٌ مُحْزِنٌ. فَمَنْ يَجِبُ أنْ يَكونَ رَقيبًا على الحَرَكَة؟ سأقولُ لَكُمْ مَنْ يَنبغي أنْ يكونَ رَقيبًا على الحَرَكة. كُلُّ راعٍ أمين، وكُلُّ شَيْخٍ أمين، وكُلُّ لاهُوتِيٍّ أمين، وكُلُّ واعِظٍ وَمُعَلِّمٍ لكلمةِ اللهِ يُراعي الأمانة. واسْمَحوا لي أنْ أقولَ إنَّهُ إنْ لم يَكُنِ قَادةُ الإصْلاحِ الَّذينَ يَعْرِفونَ الحَقَّ، ويَعرِفونَ الإنجيلَ، ويَعرفونَ كلمةَ اللهِ، إنْ لم يكونوا رُقَباءَ على الحَرَكةِ، فإنَّ الإرهابِيِّينَ الرُّوحِيِّينَ سَيَسُودون.
إنَّ الأمْرَ شَبيهٌ بالإسلام. فنحنُ نَسْمَعُ دائِمًا مَنْ يَقولُ إنَّ الإرهابِيِّينَ مُجَرَّدُ جَماعةٍ صَغيرةٍ مُتَطَرِّفَةٍ". ونحنُ نَسْتَمِرُّ في القول: "لماذا إذًا لا يَقِفُ المُسْلِمونَ المُحافِظونَ جَميعًا وَيَرْفُضونَ الإرهابِيِّين؟" إنَّهُمْ لا يَفعلونَ ذلك. لذلكَ، أعتقدُ أنَّ هُناكَ مَسؤوليَّةً كبيرَةً تَقَعُ على عَاتِقِ جَميعِ الأشخاصِ الَّذينَ يَعرفونَ كلمةَ اللهِ لكي يَنْهَضُوا ويَشْجُبوا هذهِ الحَرَكة. ولكِنَّكُمْ لا تَسْمَعونَ عَنْ مِثْلِ هذا الأمْر.
لذلكَ فإنَّ النَّاسَ يَقولون: "آه، إنَّ مَاك آرثر لا يَتَحَدَّثُ إلَّا عَنْ هذا الموضوع. إنَّهُ لا يَعْرِفُ شيئًا آخَرَ سِوى ذلك. إنَّهُ يَدورُ في نَفْسِ الحَلَقَة. إنَّهُ يَنتقدُ دائمًا الخَمسينيِّين".
حسنًا، إذا كُنْتُمْ جُزْءًا مِنْ كَنيسةِ النِّعْمَة (Grace Church)، مِنَ المؤكَّدِ أنَّكُمْ تَعلمونَ أنَّ هذا ليسَ صَحيحًا. فقد صَرَفْنا أكثرَ مِنْ أربعينَ سَنَةً في دِراسةِ العهدِ الجديدِ آية-آية. لذلكَ، لا أعتقدُ أنَّنا نُرَكِّزُ على أيِّ شيءٍ واحدٍ. فقد جِئْتُ هُنا في سنة 1969. ومُنذُ سنة 1969، عَقَدْنا مُؤتمرًا واحدًا عنِ الحَركةِ الخمسينيَّةِ وَهُوَ هذا المُؤتَمر. والحقيقةُ هِيَ أنَّنا تأخَّرْنا كثيرًا في عَقْدِهِ. لقد تأخَّرنا كثيرًا. فقد فَتَحْنا جُرْحًا كانَ يَنْبَغي أنْ يُفْتَحَ مُنْذُ وقتٍ طويل. ولكِنَّنا حاوَلْنا أنْ نَكونَ صَبورين. ولكِنِّي لستُ عالِقًا في هذا الموضوع. وبالمُناسبة، فقدِ اتَّهموني بذلكَ يومَ أمسٍ، أيْ بَعْدَ يَوْمَيْنِ مِنْ عَقْدِ هذا المُؤتَمَرِ بَعْدَ صَمْتٍ دامَ خَمْسًا وأربعينَ سَنَةً. فهناكَ قَضايا أُخرى نُرَكِّزُ عليها مِثْلَ تَمْجيدِ يَسوعَ المَسيحِ وَكُلِّ شيءٍ آخَرَ في كلمةِ اللهِ.
وقدِ اتُّهِمْنا أيضًا بالإساءةِ إلى النَّاسِ وَجَرْحِ مَشاعِرِهِم. أنا لا أَتَعَمَّدُ القيامَ بذلك. وقد تَمَّ تَقْديمي مِنْ قِبَلِ قائِدٍ خَمْسينِيٍّ في مُؤتَمَرٍ لِدُورِ النَّشْرِ والتَّوزيع فقال: "أُعَرِّفُكُمْ على صَديقي، جون ماك آرثر، وَهُوَ شَخْصٌ سَتَجِدونَهُ أَلْطَف بِكَثير شَخْصِيًّا مِمَّا يَكونُ عليهِ في عِظاتِهِ". وأرْجو أنْ تكونَ الحالُ هكذا دائمًا. فما أرْجوهُ هُوَ أنْ أَقولَ الحَقَّ بِلُطْفٍ. وما أرْجوهُ هُوَ أنْ أقولَ الحَقَّ بمحبَّة. ولكِنْ عندما أَفْتَحُ كلمةَ اللهِ، يَنْبَغي أنْ أَدَعَها تَتَكَلَّم. وبصراحَة، فإنِّي أهْتَمُّ بمشاعرِ النَّاسِ. وأنا أُراعي عَدَمَ الإساءَةِ إليهم. ولكِنِّي لا أُراعي ذلكَ أكْثَرَ مِمَّا أُراعي عَدَمَ الإساءَةِ إلى الله.
إنَّ هذهِ الحَرَكَةَ هِيَ حَرَكَةٌ دَخيلَة. إنَّها حَرَكَةٌ دَخيلَةٌ. وأنا لا أُريدُ أنْ أَدْخُلَ في تاريخِها، ولكِنِّي فَكَّرْتُ في هذا الموضوعِ كَثيرًا مؤخَّرًا. فهُناكَ تَيَّارٌ مِنَ التَّعليمِ الصَّحيحِ، والعقيدةِ السَّليمةِ، واللَّاهوتِ القويمِ يَعودُ تاريخُهُ إلى زَمَنِ الرُّسُل، وَيَعودُ تاريخُهُ إلى زَمَنِ "أثناسيوس" و "أُغسطينوس"، ويعودُ تاريخُهُ إلى زَمَنِ "لوثُر" و "كالفِن"، ويَعودُ تاريخُهُ إلى زَمَنِ الإصلاحِ العَظيمِ والمُصْلِحين، ويَعودُ تاريخُهُ، كما سَمِعْنا ليلَةَ أَمْس، إلى زَمَنِ الطَّهورِيِّينَ. فقد كانَ كُلُّ شيءٍ واضِحًا بالنِّسبةِ إليهم. وَهُوَ يَعودُ تاريخُهُ إلى "مَجْمَعِ لاهُوتِيِّي ويستمنستر"، وإلى زَمَنِ "تشارلز سبيرجن"، و "ديفيد مارتن لويد-جونز"، وَهَلُمَّ جَرَّا. فَهُوَ مُستمرٌّ مِنْ خِلالِ أشْخاصٍ مِثْلَ "إسْ. لويس جونسون"، و "جيم بويس"، وأسْماءٍ أُخرى ذَكَرْناها. وَهُوَ مُسْتَمِرٌّ اليومَ مِنْ خِلالِ أُناسٍ مِثْلَ "آر.سي. سبرول" وآخرين. فهذِهِ هِيَ العَقيدةُ السَّليمَة.
إنَّ أبْطالَ هذا الجِيْلِ مِنَ النَّاسِ الذينَ ظَلُّوا مُتَمَسِّكينَ بهذهِ العقيدةِ هُمْ أُناسٌ نَعْرِفُ مَنْ يَكونون. وقد سَمِعتُم عنهم في هذا الأسبوع. وأبطالُنا يَرْجِعُ تاريخُهُمْ إلى ذلكَ التَّيَّارِ نَفْسِهِ. فنحنُ نَرْجِعُ إلى "جون روجرز". ونحنُ نَرْجِعُ إلى شُهَداءِ "ماريون" المِئَتَيْنِ والثَّمانيةِ والثَّمانين". ونحنُ نَرْجِعُ إلى كِتابِ "الشُّهداء" لِفوكس (Foxe’s Book of Martyrs). ونحنُ نَذْرِفُ الدُّموعَ على صَفَحاتِ ذلكَ الكِتابِ حينَ نَرى ما حَدَثَ للأشخاصِ الذينَ حَرِصُوا على تَوصيلِ الحَقِّ إلى الجيلِ التَّالي ودفعوا ثَمَنًا باهِظًا مِنْ أجلِ ذلك. ونحنُ نَدينُ بالمَحَبَّةِ العَميقةِ لشخصٍ مِثْلَ "ويليام تِنديل" (William Tyndale) بسببِ ما فَعَلَهُ. فهؤلاءِ هُمْ أبطالُنا.
ولكِنْ يجب أنْ تَفهموا أنَّ هذا التَّيَّارَ الآخَرَ مِنَ الإنجيليَّةِ يَعودُ تاريخُهُ إلى سنةِ 1966 ... 1966، حينَ خَرَجَتْ مَجموعاتُ "الهِبِّيز" (hippies) مِنْ "سان فرانسيسكو"، وظَهَروا في "أورِنْج كاونتي"، وانْضَمُوا إلى كَنيسةِ "كالفاري شابيل" (Calvary Chapel)، فَصارتْ هُناكَ مَجموعةٌ غيرُ رَسْمِيَّةٍ مِنَ الشُّبَّانِ الَّذينَ اعتادوا على ارْتيادِ الشَّواطِئِ دونَ أَحْذِيَةٍ تحتَ تأثيرِ المُخَدِّراتِ، وصارَ هؤلاءِ هُمُ الَّذينَ يَقولونَ للكنيسةِ كيفَ يَنْبَغي للكنيسةِ أنْ تَعْمَل، وكيفَ ينبغي للكنيسةِ أنْ تَسْلُك. وحينئذٍ، لم تَعُدْ هُناكَ تَرانيمٌ مُحْتَرَمة. ولم تَعُدْ هُناكَ مَلابِسُ مُحْتَرَمة. وللمَرَّةِ الأولى في تاريخِ الكنيسةِ، راحَتِ الكَنيسَةُ تَتَشَكَّلُ على شَاكِلَةِ ثَقافَةٍ مُنْحَطَّةٍ تَرَعْرَعَتْ في أحْضانِ العَقاقيرِ المُخَدِّرَةِ والحَشيشَة في سان فرانسيسكو ثُمَّ هاجَرَتْ إلى جَنوبِ كاليفورنيا.
إنَّهُ تَيَّارٌ مُختلفٌ جِدًّا. وقد أدَّى ذلكَ إلى ظُهورِ الكنيسةِ غيرِ الرَّسميَّةِ المُنْقادَة وراءَ الثَّقافة، والتي تَشَكَّلَتْ وفقًا للثَّقافةِ، والتي ارْتَضَتْ أنْ تُقَدِّمَ للنَّاسِ ما يَشاؤون، والتي صَارَ شُغْلُها الشَّاغِلُ أنْ تَكونَ كَنيسَةً وَدودَةً. ثُمَّ ظَهَرَتْ حَرَكَة "فينيارد" (Vineyard). وَمِنْ "فينيارد" خَرَجَتِ الحَركةُ الخَمسينيَّةُ المُعاصِرَة. وهذا تَيَّارٌ مُختلفٌ تمامًا. إنَّهُ ليسَ تَيَّارَنا. وَهؤلاءِ ليسوا أبطالَنا.
فأنا لا أرْجِعُ إلى "لوني فريزبي" (Lonnie Frisbee) الَّذي قادَ "حَرَكَة يَسوع" (Jesus Movement) وماتَ بمرضِ الإيدز بسببِ شُذوذِهِ الجِنْسِيِّ. فأنا لا أرْجِعُ إلى هؤلاء. فهذا ليسَ تَيَّاري. ولكِنَّ هذا هُوَ التَّيارُ الَّذي أَنْشَأَ الكَنيسَةَ المُسْتَعْبَدَة للثَّقافَة، وَالمُنْساقَةَ وراءَ الثَّقافَةِ، والتي تُريدُ أنْ تُرْضي النَّاسَ. ومعَ أنَّهُ يُوْجَدُ ما هُوَ جَيِّد، وما هُوَ سَيِّئ، وما هُوَ أَفْضَل، وما هُوَ أَفْضَلُ الأفْضَل، وأَسْوَأُ الأسْوَأ، فإنَّ هذهِ هِيَ البيئة الَّتي وُلِدَتْ فيها تلكَ الحَرَكة.
ولكِنَّنا نَختلفُ عَنْهُم جِدًّا، نَختلفُ عَنْهُم جِدًّا. وأبطالُنا مُخْتَلِفونَ جِدًّا. فنحنُ نَعرفُ مَنْ هُمْ أبطالُنا. وإذا كُنْتَ تَقولُ إنَّكَ في هذا الجانِبِ، وكنتَ حَقًّا في هذا الجانِبِ، فإنَّ المَسؤوليَّةَ تُحَتِّمُ عليكَ أنْ تكونَ أمينًا لهذا التَّاريخِ الرَّائِعِ. وإنْ كانَ يَنْبَغي أنْ يَكونَ هُناكَ رَقيبٌ على هذهِ الحَركةِ، يجبُ أنْ يكونوا النَّاسَ الموجودينَ هُنا.
وهذا أمْرٌ يُقلِقُني كثيرًا. ولكِنْ في حالِ أنَّكُمْ لم تُدْرِكوه حَتَّى الآن، فقد كَتَبْتُ الفصلَ الثَّاني عَشَر في الكِتاب – لا تَفتحوا الكِتاب. أنا أُريدُكُمْ أنْ تَقرأوا الكِتاب. ولكِنْ في بِدايَةِ الفصلِ تَجِدونَ العُنوان: "رِسالة مَفتوحة إلى أصدقائي الاستمرارِيِّين" (An Open Letter To My Continuationist Friends) ... "رِسالة مَفتوحة إلى أصدقائي الاستمرارِيِّين".
ومَنْ هُم أصدقائي الاستمرارِيِّين؟ إنَّهُم أصدقائي، أصدقائي الحقيقيُّونَ الَّذينَ أحترمُهم، والذينَ كانَتْ لهم إسْهاماتٌ عظيمةٌ في الكنيسة، وفي جسدِ المسيحِ، والذينَ عَلَّمونا جميعًا، والذينَ عَلَّموني أنا شخصيًّا، والذين خَدَموا إلى جانِبي، وخَدَمْنا معًا يَدًا بِيَدٍ، والذين صَلَّيْتُ مَعَهُمْ، أحيانًا لساعاتٍ وساعات، والذينَ تَحَدَّثتُ معهم، وكَلَّمتُهم، وعَمِلْنا معًا على صِياغَةِ قَناعاتِنا. ولكِنَّهُمْ يُسَمُّونَ أنفُسَهُم "استمرارِيُّونَ" لأنَّهُمْ يُريدونَ أنْ يُفْسِحوا المَجالَ للحركةِ الخمسينيَّة.
وأَوَدُّ أنْ أقولَ إنَّهُمْ لا يُساعِدون، إنَّهُمْ لا يُساعِدون. فنحنُ نُريدُ مِنْهُمْ أنْ يُساعِدوا في مُراقَبَةِ الحَرَكة. وفي ذلكَ الفَصْل الأخير "رِسالة إلى أصدقائي الاستمرارِيِّين"، عَرَضْتُ ثَمانية أسْباب مُهِمَّة تَدعوهُمْ إلى مُساعَدَتِنا.
السَّببُ الأوَّل: إنَّ مَوقِفَ "الاستمرارِيِّينَ" يُعْطي شَرعيَّةً وَهميَّةً للحركةِ الخمسينيَّةِ عامَّةً. فإذا قُلْتَ: "أنا اسْتِمرارِيٌّ"، فقد أَعْطَيْتَ شَرْعِيَّةً لتلكَ الحَرَكة. ورُبَّما ينبغي أنْ تُوَضِّحَ ذلكَ قليلًا. ورُبَّما يَنبغي أنْ تَضْبُطَ ذلكَ. ولكِنْ عندما يُعْطي الاستمراريُّونَ المُحافِظونَ والذينَ لَهُمُ احترامُهُمْ لاهوتِيًّا ويُمَثِّلونَ أقليَّةً صَغيرةً جِدًّا مِنَ الحركةِ الخمسينيَّة، عندما يُضْفُونَ أيَّ مِصداقِيَّةٍ على الحَرَكة، فإنَّ الحَرَكة كُلَّها تَحْظى بالاحترامِ بسببِ هؤلاء.
ثُمَّ هُناكَ هذا الجيلُ الفَتِيُّ مِنَ الشُّبَّانِ الصِّغارِ المُضْطَرِبينَ الَّذينَ يأتونَ ويَلْتَصِقونَ بأبْطالِهِم الَّذينَ يُبْدونَ انْفِتاحًا لهذهِ الحركةِ الخمسينيَّةِ ويؤكِّدُونَ استمرارَ المواهبِ الروحيَّةِ، فإنَّ الشُبَّانَ يَسيرونَ على خُطَى أبْطالِهِمْ. وهُمْ إمَّا يَقبلونَ فِكرةَ استِمرارِ المواهبِ الروحيَّةِ، أوْ يُبْدونَ انفتاحًا للفكرة. والأمْرانِ سِيَّان.
وعندما يُعْطي العُلَماءُ الاستمرارِيُّونَ المُحْتَرَمونَ موافَقَتَهُمْ على التَّفسيراتِ الخمسينيَّة، أوْ لا يَدينونَ في الحالِ المُمارساتِ الخمسينيَّةَ غيرَ الكِتابِيَّة، فإنَّهُمْ يُوَفِّرونَ غِطاءً لاهوتِيًّا لِحَرَكَةٍ خَطيرَةٍ جِدًّا.
السَّبَبُ الثَّاني: مَوْقِفُ الاستمرارِيِّينَ يُقَلِّلُ مِنْ شأنِ الطَّبيعةِ المُعجِزيَّةِ للمواهبِ الحقيقيَّةِ الَّتي وَهَبَها اللهُ لكنيسَةِ القَرْنِ الأوَّل. وقد لَخَّصْنا في هذهِ الأسبابِ ما سَمِعْتُموهُ في هذا الأسبوع. وأُعيدُ النُّقطةَ الثَّانيةَ: مَوْقِفُ الاستمرارِيِّينَ يُقَلِّلُ مِنْ شأنِ الطَّبيعةِ المُعجِزيَّةِ للمواهبِ الحقيقيَّةِ الَّتي وَهَبَها اللهُ لكنيسَةِ القَرْنِ الأوَّل.
فنحنُ نَعلمُ أنَّ اللهَ كانَ يُعْطي إعلانًا في زَمَنِ المسيحِ والرُّسُل. وقد كانَتِ المواهِبُ والآياتُ والمُعْجِزاتُ قد أُعْطِيَتْ لتأكيدِ صِدْقِ أولئكَ الَّذينَ كانوا يُنادونَ بذلكَ الإعلانِ ويَكْتُبونَهُ. فنحنُ نَقرأُ في عِبرانِيِّين 2: 3: "قَدِ ابْتَدَأَ الرَّبُّ بِالتَّكَلُّمِ بِهِ، ثُمَّ تَثَبَّتَ لَنَا مِنَ الَّذِينَ سَمِعُوا، شَاهِدًا اللهُ مَعَهُمْ بِآيَاتٍ وَعَجَائِبَ وَقُوَّاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ وَمَوَاهِبِ الرُّوحِ الْقُدُسِ، حَسَبَ إِرَادَتِهِ".
والآنِ اسْمَعُوا: إنَّ هذا النَصَّ سيكونُ عَديمَ المَعْنى ... عَديمَ المَعْنى إنْ كانتِ الآياتُ والعَجائِبُ والمُعجِزاتُ والألسنةُ والنُّبوءاتُ والشِّفاءُ هِيَ لِكُلِّ شخصٍ ولِخِبرةِ كُلِّ شخصٍ اليوم. فهي ستكونُ بلا مَعنى. فَهِيَ ليسَتْ علامَةً على أيِّ شيءٍ.
عَلاوة على ذلك، عندما يَستخدِمُ الاستمرارِيُّونَ المُصْطَلَحاتِ الَّتي يَستخِدُمها العهدُ الجديدُ للإشارةِ إلى المواهبِ، ثُمَّ يُعَرِّفونَ هذهِ المواهِبَ تَعريفًا مُختلفًا، فإنَّهُمْ يُقَلِّلونَ مِنْ شأنِ الشَّيءِ الحَقيقيِّ. وَهُمْ يُقَلِّلونَ مِنْ شأنِ الطَّريقةِ المَجيدةِ الَّتي عَمِلَ بها الروحُ القدسُ في تأسيسِ الكَنيسةِ. فإنْ كانتِ المواهِبُ الَّتي تُمارَسُ في الكنائسِ الخمسينيَّةِ اليومَ مُعادِلَة للمواهبِ المَوصوفَةِ في العهدِ الجديد، فإنَّ تلكَ المواهبَ الأصليَّةَ لم تَكُنْ شيئًا مُمَيَّزًا، وعليهِ فإنَّ ذلكَ العَصْرَ لم يَكُنْ مُمَيَّزًا. فاستعارةُ مُصطلحاتِ العهدِ الجديدِ وإعادَةُ تَعريفِ المَواهبِ الروحيَّةِ يُقَلِّلُ أَسَاسًا مِنْ قيمةِ العُنْصُرِ المُعْجِزِيِّ الحَقيقيِّ وما كانَ اللهُ يَفْعَلُهُ في القرنِ الأوَّل. لذلكَ فإنَّ الاستمرارِيَّةَ المُصْلَحَةَ تُساعِدُ في سُوْءِ التَّمْثيلِ هذا.
السَّبَبُ الثَّالِثُ: إنَّ موقفَ الاسْتِمرارِيِّينَ يُقَيِّدُ كثيرًا قُدرةَ دُعَاتِها على مُواجَهَةِ الآخَرينَ مِمَّنْ يَقَعونَ ضَحِيَّةَ التَّشويشِ الخَمسينِيِّ. فما الَّذي سيَقولونَهُ للنَّاسِ الذينَ يَقَعونَ ضَحِيَّةَ الفَوضى والتَّشويش؟ وفي الكِتابِ، ستَقرأونَ أُمورًا غَريبَةً جِدًّا تَمَّ الإعلانُ عنها كما لو كانَتْ خِبراتٍ روحيَّةٍ مِنْ قِبَلِ أُناسٍ خَمسينيِّينَ مَشهورينَ جِدًّا كانَ أَحَدُهُمْ موجودًا هُنا اليوم. وسوفَ تَقرأونَ عَنْ أمورٍ غَريبةٍ جِدًّا عَنْ أشياءٍ يَنْبَغي أنْ تُشْجَبَ جُمْلَةً وتَفْصيلًا. ونحنُ ما زِلْنا نَنْتَظِرُ أنْ يأتي الشَّجْبُ مِنَ الاسْتِمرارِيِّينَ الذينَ نَعْتَقِدُ أنَّهُمْ يَعْلَمونَ ذلكَ أَفْضَلَ مِنْ غَيرِهِم.
ولكِنَّ ذلكَ لا يَحْدُث. فقد وَصَلوا إلى مَراتِبَ عالِيَة ولا يُمْكِنُهُمْ أنْ يَتَكلَّموا لأنَّهُمْ سَمَحوا بذلك. لذلكَ، ما المِعْيارُ الَّذي سيَسْتَخْدِمونَهُ لِتَفْنيدِ تلكَ الادِّعاءات؟
السَّبَبُ الرَّابِعُ: عندَ الإصرارِ على أنَّ اللهَ ما زالَ يُعْطي إعلاناتٍ جَديدَةً للمسيحيِّينَ اليومَ، فإنَّ الاسْتِمرارِيِّينَ يَفْتَحونَ الأبوابَ أكْثَر على مَزيدٍ مِنَ التَّشويشِ والضَّلال. وما أعنيهِ فقط هُوَ أنَّ هذهِ طَريقة أُخرى لقولِ ما نَقولُه. فَهُمْ يقولونَ إنَّهُ تُوجدُ نُبوءاتٌ اليوم، ولكِنَّها قد تكونُ خاطِئَة. وقد تكونُ هُناكَ أَلْسِنَة اليوم، ولكِنَّها ليسَت لُغات. وقد يكونُ هُناكَ شِفاءٌ اليوم، ولكِنَّهُ ليسَ شِفاءً بالمَعنى الَّذي كانَ يَحْدُثُ في زَمَنِ المسيحِ والرُّسُل.
لذلكَ فإنَّ مَوقِفَ الاسْتِمرارِيِّينَ يَدْعو أيَّ مُؤمِنٍ إلى تَفسيرِ أيِّ شَيءٍ كما لو كانَ مِنَ الله. فأيُّ نوعٍ مِنَ الكلامِ غيرِ المَفهومِ، وأيُّ نَوعٍ مِنَ الخِبراتِ الروحيَّةِ المَزعومةِ، وأيُّ انْطِباعٍ، أوْ قَوْلٍ، أوْ فِكرة تَخْطُرُ بالبالِ يُمْكِنُ أنْ تُفَسَّرَ على أنَّها نُبوءَة. وهذا كَفيلٌ بأنْ يُزيلَ المِعْيارَ المَوضوعِيَّ الموثوقَ بِهِ الذي يُسْتَخْدَمُ لِفَحْصِ شَرعيَّةِ أيِّ ادِّعاءٍ بوجودٍ إعلان.
فعندما يَسْمَحُ الاستِمرارِيُّونَ بأيِّ شَيءٍ مِنْ هذا القَبيل، فإنَّهُمْ سَيَنْتَهونَ بالسَّماحِ بِكُلِّ شَيءٍ لأنَّهُمْ لا يَمْلِكونَ أيَّ مِعْيارٍ لتحديدِ ما هُوَ صَوابٌ وما هُوَ خَطأ. والفِكرةُ نَفْسُها بأنَّ المسيحيِّينَ ينبغي أنْ يَتوقَّعوا إعلانًا إضافيًّا، أوْ إعلانًا مِنَ اللهِ خارِجَ ما هُوَ مُعْلَنٌ في الكِتابِ المقدَّسِ، أوْ خِبرةً روحيَّةً، أوْ كَلِماتِ نُبوءَةٍ إنَّما يَقودُ إلى التَّشويشِ اللَّاهوتِيِّ. فعندما تَبْحَثُ عَنْ شيءٍ خارِجَ كلمةِ اللهِ سَتَفْقِدُ القُدرةَ على احْتِواءِ الخَطأ.
السَّبَبُ الخامِسُ: مِنْ خلالِ الإصرارِ على أنَّ اللهَ ما زالَ يُعْطي إعلاناتٍ جديدة إلى المسيحيِّينَ اليومَ، فإنَّ الحَركةَ الاستمرارِيَّةَ تُنْكِرُ فِعليًّا عَقيدةَ الكِتابِ المُقَدَّسِ وَحْدَهُ. ولا حاجةَ إلى الوُقوفِ عندَ هذهِ النُّقطةِ لأنَّ "ستيف" (Steve) أَشْبَعَ الموضوعَ بَحْثًا ليلةَ أمْس. وأوَدُّ أنْ أقولَ لكم إنَّهُ لا يُوجدُ شخصٌ واحدٌ بينَ أصدقائي، لا يوجدُ بينَ أصدقائي الاسْتِمرارِيِّينَ المُصْلَحينَ شَخْصٌ واحِدٌ يُنْكِرُ أنَّ الأسفارَ المُقَدَّسَةَ القانونيَّةَ قَدْ خُتِمَتْ. فَهُمْ لا يُنْكِرونَ ذلك. مِنَ المؤكَّدِ أنَّهُمْ لا يُنكرونَ أنَّ الكِتابَ المقدَّسَ يَحوي سِتَّةً وسِتِّينَ سِفْرًا. وهُمْ لا يُنْكِرونَ سُلْطانَ الكِتابِ المقدَّسِ. وهُمْ لا يُنْكِرونَ كِفايةَ الكِتابِ المقدَّس. ولَكِنَّهُمْ يُخالِفونَ الشَّيءَ نَفْسَهُ الَّذي يُنْكِرونَهُ لأنَّهُمْ يُعَلِّمونَ المؤمنينَ أنْ يَتَوَقَّعوا إعلانًا إضافيًّا. وهُناكَ طُرُقٌ كثيرةٌ لإساءةِ استخدامِ ذلك. وسوفَ أقولُ لَكُمْ مُنْ يُسيءُ استِخدامَ ذلكَ أكْثَرَ مِنَ الآخَرين: إنَّهُمُ الأشخاصُ الَّذينَ هُمْ في مَوقِعِ سُلْطَةٍ والذينَ يُريدونَ أنْ يُوْهِموكُمْ بأنَّهُمْ يَتَكَلَّمونَ نِيابَةً عنِ اللهِ.
السَّبَبُ السَّادِسُ: مِنْ خِلالِ السَّماحِ للنَّاسِ بالتَّكَلُّمِ بالألْسِنَةِ بطريقةٍ غيرِ عَقلانِيَّةٍ، حَتَّى كَلُغُةٍ للصَّلاةِ الشَّخصيَّةِ، فإنَّ الاسْتِمرارِيِّينَ يَفتحونَ البابَ أمامَ الخَمسينِيِّينَ للتَّصَرُّفِ بطريقةٍ بَلْهاء. فَهُمْ يُقِرُّونَ بأنَّ الألسِنَةَ ليسَتْ لُغَةً اليوم. إذًا، ما هِيَ؟ إنَّ الأمْرَ بهذهِ البَساطَة. فإنْ لم تَكُنِ النُّبوءةُ اليومَ كما كانتْ عليهِ النُّبوءاتُ الكِتابِيَّةُ لأنَّ نُبوءاتِ اليومَ مُعَرَّضة للخطأ، وإنْ لَمْ تَكُنِ الألسِنَةُ كما كانتْ عليهِ الألْسِنَةُ الكِتابِيَّةُ لأنَّها كَلامٌ فارِغٌ وليسَتْ لُغَةً، وإنْ لم يَكُنِ الشِّفاءُ كما كانَتْ عليهِ الشِّفاءاتُ الَّتي أَجْراها المسيحُ، فإنَّهُمْ ليسوا اسْتِمرارِيِّينَ، بَلْ هُمْ يُؤمِنونَ في مَخادِعِهِمْ بتوقُّفِ تلكَ المَواهِب. فقد قالوا للتَّوِّ إنَّها تَختلفُ عَمَّا كانَتْ عليه. إذًا، ما الَّذي فَعَلوه؟ لقد قَبِلوا، بِبَساطَة، شَيئًا زائِفًا. ولا يُعْقَلُ أنْ يَكونَ أَحَدٌ فَخورًا بذلك. فقَبولُ الأشياءِ المُزَيَّفَةِ ليسَ شيئًا نَبيلًا. وَهَذا تَزْييفٌ باعْتِرافِهِمِ الشَّخْصِيِّ.
سابعًا، مِنْ خِلالِ التَّأكيدِ على أنَّ مَوهبةَ الشِّفاءِ مُستمرَّة حَتَّى وقتِنا الحاضِرِ، فإنَّ مَوْقِفَ الاسْتِمرارِيِّينَ يُؤكِّدُ الادِّعاءَ الأساسِيَّ الَّذي يَدْعَمُ الخِدْمَةَ الاحتياليَّةَ الَّتي يَقومُ بِها مَنْ يَدَّعونَ القُدْرَةَ على شِفاءَ النَّاسِ في الحَركةِ الخمسينيَّة. فإذا كُنْتُمْ تَقولونَ إنَّ مَوْهِبَةَ الشِّفاءَ ما زالَتْ موجودة، ولكِنَّكُمْ تَقولونَ ذلكَ دُوْنَ أنْ تَكونوا مُتَيَقِّنينَ، فلا يُوْجَدُ دَليلٌ على أنَّ ذلكَ صحيح – لا اخْتِبارِيًّا، ولا كِتابِيًّا. ولكِنْ إنْ كُنْتُمْ تَقولونَ إنَّها ما تَزالُ مَوجودةً، فإنَّكُمْ تُوافِقونَ مَنْ يَدَّعونَ القُدْرَةَ على الشِّفاءَ على أفعالِهم.
وَمَنْ يُريدُ أنْ يَفعلَ ذلك؟ أليسوا هُمْ أَحَطّ المُنْحَطِّينَ؟ أليسوا أَسْوأُ السَّيِّئينَ؟ فَهُمْ لا يَذهبونَ إلى المُسْتَشْفَياتِ. بَلْ هُمْ يَقْتاتونَ على النَّاسِ اليائِسينَ جِدًّا، وعلى المَرْضَى جِدًّا، وعلى مَنْ ليسَ لَدَيْهِمْ رَجاء، وعلى البائِسين، وعلى أَفْقَرِ النَّاسِ في أغلبِ الأحيانِ إذ يَكْذِبونَ عليهم ويَغْتَنونَ على ظُهورِهِمْ. فَمَنْ يُريدُ أنْ يَفعلَ أيَّ شيءٍ لمُساعدتهم وتَشجيعِهم؟
ثامنًا وأخيرًا، إنَّ مَوقِفَ الاسْتِمرارِيِّينَ يُهينُ الرُّوحَ القُدُسَ في نِهايةِ المَطافِ مِنْ خِلالِ إبْعادِ النَّاسِ عنْ خِدْمَتِهِ الحقيقيَّةِ، وإغْوائِهِمْ بأمورٍ زائِفَة. ألا يَكْفي أنْ يَسْكُنَ الرُّوحُ القُدُسُ فينا ويَمْلأَنا؟ ألا يَكْفي أنْ نَمْتَلِكَ مَواهِبَ الرُّوحِ القُدُسِ، وأنْ يَكونَ لَدينا ثَمَرُ الرُّوحِ القُدُس، وَأنْ نَحْظى بِنِعْمَةِ الرُّوحِ القُدُس؟ ألا يَكْفي أن تَكونَ لدينا كُلُّ وُعودِ الرُّوحِ القُدُس؟ وهل أنا في حَاجَةٍ إلى أنْ آتي إلى اللهِ وأنْ أقولَ لَهُ: "أَعْطِني المَزيدَ، أَعْطِني ذلكَ الشَّيء الآخَر؟ فأنا أُريدُ ذلك". ما نَوْعُ العَجْزِ الَّذي تَتَّهِمونَ الرُّوحَ القُدُسَ بِهِ؟
لقد أَهَنْتُم الرُّوحَ القُدُسَ. وقد غَرَّرْتُمْ بالنَّاسِ وَجَذَبْتُموهُمْ إلى أمورٍ زائِفَةٍ بدلًا مِنْ أنْ تُعَلِّموهُمْ أنْ يَشْعْرُوا بالامتنانِ والشُّكْرِ القَلْبِيِّ على المِلْءِ الكامِلِ الَّذي يُعْطينا إيَّاهُ الرُّوحُ القُدُسُ. فَهُوَ لا يُعْطي رُوْحَهُ بِماذا؟ بِكَيْلٍ. وفي رأيي، فإنَّ مَوْقِفَ الاسْتِمرارِيِّينَ يَضَعُ حِجارَةَ عَثْرَةٍ في طَريقِ التَّقديسِ والنُّموِّ الرُّوحِيِّ. وهذا يَحْدُثُ لِسَبَبَيْن: الأوَّلُ هُوَ أنَّهُ يَجعلُ النَّاسَ يَظُنُّونَ أنَّهُمْ لا يَمْلِكونَ ما يَحْتاجونَ إليه. ثانيًا، إنَّهُ يَجْعَلُ النَّاسَ يَظُنُّونَ أنَّ هُناكَ شَيئًا يَنْبَغي لَهُمْ أنْ يَسْعَوْا للحُصولِ عليه. وهذا مُحْزِنٌ حَقًّا.
وهُناكَ الكَثيرُ لِيُقال عن ذلك. وسوفَ تَقرأونَ الكَثيرَ مِنَ التَّفاصيلِ عَنْهُ في الكِتاب. ولكِنِّي مُتَيَقِّنٌ أنَّ الحَرَكَةَ الخمسينيَّةَ الواسِعَةَ النِّطاقِ قدْ فَتَحَتِ البابَ على مَزيدٍ مِنَ الأخْطاءِ اللَّاهُوتِيَّةِ ... اسْمَعوا: مَزيدٍ مِنَ الأخْطاءِ اللَّاهوتِيَّةِ أكْثَرَ مِنْ أيِّ ضَلالٍ عَقائِدِيٍّ آخَرَ في وَقْتِنا الحَاضِرِ. فقد كانَ التَّحَرُّرُ سَيِّئًا. وقد كانَ عِلْمُ النَّفْسِ سَيِّئًا. وقد كانتِ الحركةُ المَسْكونِيَّةُ سَيِّئَةً. وقد كانَتِ الفَلْسَفَةُ الذَّرائِعِيَّةُ سَيِّئَةً. وقد كانَ التَّصَوُّفُ سَيِّئًا. ولكِنْ لا يُوْجَدُ ما هُوَ أَسْوَأُ مِنَ الحَركةِ الخمسينيَّةِ بسببِ تأثيرِها الهائِل. وحالَما يَصيرُ لذلكَ النَّوْعِ مِنَ الاخْتِبارِيَّةِ مَوْطِئ قَدَم، لا تُوْجَدُ بِدْعَةٌ أوْ شَرٌّ إلَّا وَيَزْحَفا إلى الكَنيسَة.
لذلكَ فإنَّ ذلكَ اللَّاهوتَ الخَمْسينيَّ يَصيرُ النَّارَ الغَريبةَ لِجِيْلِنا. ولا يَنْبَغي للمسيحيِّينَ الإنْجيلِيِّينَ أنْ يَلْعَبوا بتلكَ النَّارِ على أيِّ صَعيدٍ. وأعتقدُ أنَّ الوقتَ قَدْ حانَ لكي تَقومَ الكنيسةُ بالرَّدِّ. وقد حانَ الوقتُ للنَّاسِ الَّذينَ يَقِفونَ على أكْتافِ المُصْلِحينَ في كُلِّ مَجالٍ مِنْ لاهُوتِهِمْ أنْ يكونوا أُمناءَ للَّاهوتِ المُصْلَحِ بِكُلِّ مَعْنى الكَلِمَة. فإذا كُنَّا نَزْعُمُ أنَّنا أَوْفِياء للمُصْلِحين، يجبُ علينا أنْ نَتَصَرَّفُ بنفسِ القَدْرِ مِنَ الشَّجاعَةِ. لذلكَ لا تَدْعوا أنْفُسَكُمْ خَمْسينيِيِّنَ كالفِنِيِّين. فقد كانَ جون كالفِن سيَرفُضُ ذلك. وقد رَفَضَ جون كالفِن ذلك. لذلكَ، يَجِبُ عليكُمْ أنْ تُسْقِطُوا الكَلِمَة "كالفِنِيِّين".
وأنا أقولُ هذا لأنِّي أعتقدُ أنَّ هؤلاءِ الأصدقاءَ الطَيِّبينَ والأتْقياءَ يُمْكِنُ أنْ يَصْنَعُوا فَرْقًا هائلًا في ما يُؤمِنُ بِهِ هذا الجيلُ الفَتِيُّ والجيلُ القادِمُ بخصوصِ هذهِ الحَرَكَةِ في حالِ أنَّهُمْ أَخَذوا موقِفًا مُشَرِّفًا عندما يَتَطَلَّبُ الأمْرُ ذلك.
والآنْ، رُبَّما تَظُنُّونَ أنِّي انْتَهَيْت. ولكِنِّي لَمْ أنْتَهِ. أرْجو أنْ تَفتحوا كُتُبَكُم المُقَدَّسة على الأصْحاحِ الأخيرِ مِنَ الرِّسالةِ الأولى إلى تيموثاوُس. وأنا لَنْ أَصْرِفَ وقتًا طويلًا في التَّحَدُّثِ عَنْ ذلك. ولكِنِّي أُريدُ أنْ أَقولَ شيئًا آخَرَ وَهُوَ التَّالي: لو لم آخُذْ هذا المَوْقِف، ولو لم يَأخُذْ هؤلاءِ الرِّجالُ هذا المَوْقِفَ مَعي، لما كُنَّا أُمناءَ لِدَعْوَتِنا الرَّعَوِيَّة.
إنَّ هذا الأمْرَ لا يُزْعِجُني. وَالأمْرُ ليسَ مُشكلةً شَخْصِيَّةً مَعي. بل إنَّ هذا الأمْرَ نَابِعٌ مِنْ واجِبي كَراعٍ. وأنا سأُحاسَبُ أمامَ اللهِ على قيامي بهذهِ المسؤوليَّة. وعِنْدَما أَدْرَكَ بولُسُ أنَّ حَياتَهُ شَارَفَتْ على الانْتِهاءِ، كما قالَ لَنا "كونراد" (Conrad) مِنْ قَبْل، كَتَبَ إلى تيموثاوُس. فَهُوَ يُسَلِّمُهُ الرَّايَةَ. وَهُوَ يُسَلِّمُهُ المَسؤوليَّة.
وَهُوَ يُذَكِّرُ تيموثاوس في 1تيموثاوُس 6 أنَّهُ كانَ جِهادًا. لقد كانَ الأمْرُ جِهادًا: "جِهادًا حَسَنًا". فَهَكذا يَدْعو الإيمانَ. لقد كانَ جِهادًا. ثُمَّ يَقولُ لتيموثاوس في الأصحاح 6 والعدد 20: "يا تيموثاوُس" ... "يَا تِيمُوثَاوُسُ، احْفَظِ الْوَدِيعَةَ". ولكِنْ ما الَّذي يَتَحَدَّثُ عَنْهُ؟ ما الَّذي تَعْنيهِ بالوَديعَة الَّتي اؤْتِمِنْتَ عَليها؟
حَرْفِيًّا: "احْفَظْ الكَنْز". وما هُوَ الكَنْز؟ إنَّهُ الحَقُّ الإلهِيُّ. الحَقُّ الإلهيُّ. احْفِظْ ما أُوْدِعَ في عَقْلِكَ، أيِ: الحَقَّ الإلهيَّ، "مُعْرِضًا عَنِ الْكَلاَمِ الْبَاطِلِ الدَّنِسِ، وَمُخَالَفَاتِ الْعِلْمِ الْكَاذِبِ الاسْمِ، الَّذِي إِذْ تَظَاهَرَ بِهِ قَوْمٌ زَاغُوا مِنْ جِهَةِ الإِيمَانِ".
هذهِ هيَ الخُلاصَةُ الأخيرةُ في الرِّسالةِ الأولى الَّتي يَكْتُبُها إلى تيموثاوُس وَهُوَ يُسَلِّمُهُ الرَّايَة. فالكلمةُ الأخيرةُ هِيَ: "احْفِظْ وَديعَةَ الحَقِّ، مُعْرِضًا عَنِ الْكَلاَمِ الْبَاطِلِ الدَّنِسِ، وَمُخَالَفَاتِ الْعِلْمِ الْكَاذِبِ الاسْمِ، الَّذِي إِذْ تَظَاهَرَ بِهِ قَوْمٌ زَاغُوا مِنْ جِهَةِ الإِيمَانِ". وهذهِ مَسؤوليَّة أساسيَّة لِرَجُلِ اللهِ إذْ يَتَعَيَّنُ عليهِ أنْ يَحْفَظَ الوَديعَةَ، وأنْ يَحْمي الكَنْزَ في زَمانِهِ، وَأنْ يُسَلِّمَهُ إلى الزَّمانِ الَّذي يَأتي بَعْدَهُ.
لقد كانَ بولسُ قَلِقًا جِدًّا على تيموثاوُس. لذلكَ، بعدَ أنْ كَتَبَ إلى تِيْطُس، وَهِيَ الرِّسالةُ قبلَ الأخيرة الَّتي كَتَبَها بولُس، فإنَّهُ يَكْتُبُ رِسالتَهُ الأخيرةَ إلى تيموثاوُس. وهيَ الرِّسالةُ الثَّانيةُ إلى تيموثاوُس. انْظُروا إليها. إنَّها رِسالَتُهُ الأخيرة. وَهُوَ قَلِقٌ جِدًّا على تيموثاوُس ... قَلِقٌ جِدًّا. وهوَ يقولُ في العددِ السادسِ: "أُذَكِّرُكَ أَنْ تُضْرِمَ أَيْضًا مَوْهِبَةَ اللهِ الَّتِي فِيكَ بِوَضْعِ يَدَيَّ". فقد رُسِمَ في الخِدمةِ لكي يَعِظَ بكلمةِ اللهِ. ولكِنَّهُ أَهْمَلَ تِلْكَ الموهبةَ وَلَمْ يَسْتَخْدِمْهَا. فقد كانَ خائفًا مِنَ النَّاسِ في الكنيسةِ ولا سِيَّما أنَّهُمْ كانُوا يُثيرونَ المَتاعِب. وقد كانَ خائفًا مِنَ الاضْطهادِ خارِجَ الكنيسةِ. فالخوفُ مِنَ الداخلِ، والخوفُ مِنَ الخارجِ كانَ يَدْفَعُهُ إلى الصَّمْتِ. وقد كانَ هذا جُبْنًا.
وفي العَدَدِ السَّابِعِ: "لأَنَّ اللهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الْفَشَلِ [أيِ: الجُبْن]، بَلْ رُوحَ الْقُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالنُّصْحِ". وقد كانَ هذا الوقتُ عَصيبًا على بولُس لأنَّهُ سَيُسَلِّمُ الرَّايةَ إلى تيموثاوُس، ولكِنَّ تيموثاوُسَ يَبدو ضَعيفًا.
بعبارةٍ أُخرى فإنَّهُ يَقولُ لهُ في العددِ السَّادِسِ: "لا تَخْجَلْ مِنَ الحَقِّ. لاَ تَخْجَلْ مِنْ أنْ تَعِظَ وأنْ تُعْلِنَ الحَقَّ مِنْ خِلالِ الموهبةِ الَّتي لديكَ والتي تأكَّدَتْ بوَضْعِ يَدَيِ الشُّيوخِ. لا تَكُنْ جَبانًا". وفي العَدَد 8: لا تَخْجَلْ بِشَهَادَةِ رَبِّنَا".
هَلْ أنْتَ جَادٌّ في ما تَقول؟ هَلْ تَعْني أنَّ تيموثاوُسَ، بَعْدَ كُلِّ هذهِ السِّنينِ الَّتي عَاشَها مَعَ بولُس، وبعدَ أنْ رَأى كُلَّ انْتِصاراتِ خِدْمَةِ بولُس، أنَّ تيموثاوُسَ كانَ مُتَقَوْقِعًا على نَفْسِهِ، وَأنَّهُ كانَ يَخْجَلُ مِنَ الشَّهادةِ للرَّبِّ ويَخْجَلُ مِنْ أنْ يُقالَ عَنْهُ إنَّهُ كانَ مُرافِقًا لبولُس؟ مِنَ الواضِحِ، في رَأيي، أنَّ هذا كانَ وقتًا عَصِيبًا في حياةِ بولُس، وأنَّهُ كانَ خائِفًا على تيموثاوُس.
وما خُطورَةُ الأمْرِ؟ نَقرأُ في العَدد 13: "تَمَسَّكْ بِصُورَةِ الْكَلاَمِ الصَّحِيحِ الَّذِي سَمِعْتَهُ مِنِّي، فِي الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. اِحْفَظِ الْوَدِيعَةَ الصَّالِحَةَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ السَّاكِنِ فِينَا". أنا أَفْهَمُ ذلكَ في وَقْتِنا الحَاضِر. فهناكَ جَميعُ أنواعِ الأشخاصِ الذينَ تَنْحَصِرُ قُدْرَتُهُمْ على التَّواصُلِ في سُوْقِ الأسْهُمِ. فَهُمْ يُظْهِرونَ كُلَّ لُطْفٍ، وَلَباقَةٍ، وذَكاءٍ، وَقُدْرَةٍ على جَذْبِ انْتباهِ النَّاسِ. ولكِنَّ بولسَ يُوْصِي تيموثاوسَ أنْ يَتَمَسَّكَ بِصورةِ الكلامِ الصَّحيحِ وَأنْ يَحْفَظَ الحَقَّ كَما لو كانَ كَنْزًا.
فالخِدْمَةُ مَسؤوليَّة. ونحنُ لسنا نُنادي بالحَقَّ فقط، بل إنَّنا نَحْمي الحَقَّ أيضًا. وقد كانَ قَلْبُ بولُس مَكسورًا حَقًّا في نِهايةِ حَياتِهِ. فَهُوَ يَقولُ لتيموثاوُسَ في العدد 15: "أَنْتَ تَعْلَمُ هذَا أَنَّ جَمِيعَ الَّذِينَ فِي أَسِيَّا ارْتَدُّوا عَنِّي، الَّذِينَ مِنْهُمْ فِيجَلُّسُ وَهَرْمُوجَانِسُ". فالجَميعُ تَخَلَّوْا عَنْهُ. وقد كانَ وَحيدًا. وهذا مُدْهِشٌ. ولكِنْ كانَ هُناكَ اسْتِثْناءٌ: "لِيُعْطِ الرَّبُّ رَحْمَةً لِبَيْتِ أُنِيسِيفُورُسَ، لأَنَّهُ مِرَارًا كَثِيرَةً أَرَاحَنِي وَلَمْ يَخْجَلْ بِسِلْسِلَتِي".
لقد تَخَلَّى الجميعُ عَنْ بولُس. فقد كانَ الثَّمَنُ باهِظًا جِدًّا. وها هُوَ بولسُ يَقولُ في نِهايةِ حَياتِهِ: "أرْجوكَ يا تيموثاوُس. لقد حَفِظْتُ عِنْدَكَ الوَديعَةَ. احفَظِ الوَديعَةَ. وَتَمَسَّكْ بِصورةِ الكلامِ الصَّحيحِ". وفي الأصحاحِ الثَّاني، يُواصِلُ بولُسُ الحَديثَ نَفْسَهُ: "فَتَقَوَّ أَنْتَ يَا ابْنِي بِالنِّعْمَةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. وَمَا سَمِعْتَهُ مِنِّي بِشُهُودٍ كَثِيرِينَ [وَالحَديثُ هُنا هُوَ عَنِ الكَنْزِ، أوْ عَنِ الحَقِّ المُعْلَنِ الَّذي وَصَلَ إليهِ مِنْ خِلالِ الرَّسولِ بولُس]، أَوْدِعْهُ أُنَاسًا أُمَنَاءَ، يَكُونُونَ أَكْفَاءً أَنْ يُعَلِّمُوا آخَرِينَ أَيْضًا". فهُناكَ أربَعَةُ أجيالٍ: بولُس ... إلى تيموثاوُس ... إلى أُناسٍ أُمَناء ... إلى آخَرينَ أيضًا. فَهُوَ أَشْبَهُ بِسِباقِ التَّتابُع.
وإنَّهُ لَيُحْزِنُني طَوالَ الوقتِ أنْ أَرى تلكَ المُؤسَّساتِ الَّتي تَدَّعي أنَّها كَنائِس والتي تَقولُ عَنْ نَفْسِها إنَّها مُنْفَصلَة عَنْ أيِّ شَيءٍ في الماضي. فَهُمْ يَقولونَ: "هذهِ ليسَتْ كَنيسَةَ جَدِّك" أوْ "هَذِهِ ليسَتْ كَنيسَةَ جَدَّتِك". أوْ "نَحْنُ ليسَ لَدينا كِيانٌ. تَعالَوْا كَما تَشاؤون". فَهُمْ مُسْتَعِدُّونَ لعملِ أيِّ شيءٍ لجَعْلِ النَّاسِ يَرَوْنَ أنَّهُمْ مُنْفَصِلونَ عَنْ أيِّ خِبْراتٍ كَنَسِيَّةٍ أُخرى.
ويقولُ بولُس: "لقد سَلَّمْتُكَ الحَقَّ. وأنْتَ سَلِّمْهُ إلى الجيلِ التَّالي لكي يُتَمَكَّنوا مِنْ تَسليمِهِ إلى الجيلِ الَّذي يَليه". فالأمْرُ كُلُّهُ يَخْتَصُّ بأنْ تكونَ أمينًا في الحِفاظِ على ما سُلِّمَ إليك. فَهُوَ لا يَخْتَصُّ بالقُدُراتِ الإبداعِيَّة. ثُمَّ يَقولُ: "فَاشْتَرِكْ أَنْتَ فِي احْتِمَالِ الْمَشَقَّاتِ كَجُنْدِيٍّ صَالِحٍ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ. لَيْسَ أَحَدٌ وَهُوَ يَتَجَنَّدُ يَرْتَبِكُ بِأَعْمَالِ الْحَيَاةِ ... جَاهِدْ كَما يُجاهِدُ الرِّياضِيُّ المُحْتَرِفُ". وَهُوَ يَمْضِي في اسْتِخْدامِ كُلِّ هَذِهِ الصُّوَر: الرِّياضِيّ، والحَرَّاث، والجُنْدِيّ، والمُعَلِّم. وبعدَ أنْ يَقولَ "اُذْكُرْ يَسُوعَ الْمَسِيحَ" (لأنَّهُ قُدْوَتُكَ في الأمانَةِ)، فإنَّهُ يَقولُ في العَدَدِ التَّاسِعِ: "الَّذِي فِيهِ أَحْتَمِلُ الْمَشَقَّاتِ حَتَّى الْقُيُودَ كَمُذْنِبٍ. لكِنَّ كَلِمَةَ اللهِ لاَ تُقَيَّدُ".
وهذهِ هِيَ الكلمةُ الأخيرةُ والنِّهائيَّةُ لأيِّ خادِمٍ شابٍّ. وَهِيَ مِنَ الرَّسولِ الَّذي كانَ على وَشْكِ أنْ يَضَعَ رَأسَهُ على خَشَبَةٍ لِيَهْوي عليه فَأسٌ لامِعٌ تَحْتَ أشِعَّةِ الشَّمْسِ وَيَفْصِلُهُ عَنْ جَسَدِهِ لِيَذْهَبَ ويكونَ عِنْدَ الرَّبِّ. ثُمَّ إنَّ الجيلَ القادِمَ سيكونُ بينَ يَدَيِ تيموثاوُس.
وأنا أُفَكِّرُ في ذلكَ عندما أَنْظُرُ إلى شَخْصِيَّةِ وأُسْلوبِ العَديدِ مِنْ هؤلاءِ الأشخاصِ الذينَ هُمْ رُعاةِ. فكيفَ سيكونُ الجيلُ القادِمُ إنْ كانَ ما تَلَقَّوْهُ بينَ أيْديهِم؟ وما الَّذي سيَفعلُهُ تيموثاوُس؟ نَقرأُ في العَدَد 14: "فَكِّرْ بِهذِهِ الأُمُورِ، مُنَاشِدًا قُدَّامَ الرَّبِّ أَنْ لاَ يَتَمَاحَكُوا بِالْكَلاَمِ. الأَمْرُ غَيْرُ النَّافِعِ لِشَيْءٍ، لِهَدْمِ السَّامِعِينَ. اجْتَهِدْ أَنْ تُقِيمَ نَفْسَكَ للهِ مُزَكُى، عَامِلاً لاَ يُخْزَى، مُفَصِّلاً كَلِمَةَ الْحَقِّ بِالاسْتِقَامَةِ". إذًا، هَذِهِ هِيَ النُّقطةُ الجَوهريَّة: احْفَظْ العَقيدةَ السَّليمَة، واحْرُس الكَنْزَ، وَفَصِّلْ كلمةَ الحَقِّ بالاستقامَة. فهذا هُوَ ما يُوْصيهِ بِهِ.
وَهُوَ يَقولُ لَهُ مَرَّةً أُخرى: "وَأَمَّا الأَقْوَالُ الْبَاطِلَةُ الدَّنِسَةُ فَاجْتَنِبْهَا، لأَنَّهُمْ يَتَقَدَّمُونَ إِلَى أَكْثَرِ فُجُورٍ، وَكَلِمَتُهُمْ تَرْعَى كَآكِلَةٍ [أيْ: كالمَرَضِ الخَبيث]". فتلكَ الأقوالُ الباطِلَةُ الدَّنِسَةُ تُحْدِثُ أضْرارًا جَسيمَةً وَتُبْعِدُ النَّاسَ عَنِ الحَقِّ.
ثُمَّ نَنْتَقِلُ إلى العدد 20 فَنَقْرَأُ هَذِهِ الكَلِماتِ: "وَلكِنْ فِي بَيْتٍ كَبِيرٍ لَيْسَ آنِيَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَقَطْ، بَلْ مِنْ خَشَبٍ وَخَزَفٍ أَيْضًا، وَتِلْكَ لِلْكَرَامَةِ وَهذِهِ لِلْهَوَانِ". وَهَلْ تَسْمَحونَ لي بأنْ أكونَ فَظًّا قليلًا؟ فَكُلُّ بيتٍ في الأزمِنةِ القديمةِ كانَ يَحْوي آنِيَةً كهذهِ. فَهُمْ لم يكونوا يَمْلِكونَ شَبَكَةَ مِياهٍ أوْ شَبْكَةَ صَرْفٍ صِحِّيٍّ. لذلكَ فقد كانَتْ لديهم آنِيَة مِنْ ذَهَب وَفِضَّة. وقد كانتْ آنِيَةُ الفِضَّةِ والذَّهب تُسْتَخْدَمُ لِغاياتٍ مُحْتَرَمَةٍ إذْ كانُوا يَضَعونَ الطَّعامَ فيها، ويُقَدِّمونَ الطَّعامَ فيها. أمَّا الآنِيَةُ الَّتي مِنْ خَشَبٍ وَخَزَفٍ فكانَتْ تُسْتَخْدَمُ لِغاياتٍ وَضيعَةٍ إذْ كانُوا يَضَعونَ فيها القُمامَةَ والفَضَلات. والآنْ، ماذا تُريدُ أنْ تَكون؟ أَتُريدُ أنْ تَكونَ آنِيَة لِلْهَوان (كَما كانُوا يُسَمُّونَها)؟ أَمْ تُريدُ أنْ تَكونَ آنِيَة مِنْ ذَهَب؟
"فَإِنْ طَهَّرَ أَحَدٌ نَفْسَهُ مِنْ هذِهِ" ... مِنْ ماذا؟ ما المَقْصودُ بِعِبارَة: "مِنْ هَذِهِ"؟ أيْ مِنْ تأثيرِ الأَقْوَالِ البَاطِلَةِ الدَّنِسَةِ الَّتي تَقودُ إلى الفُجورِ والكَلامِ الَّذي يَنْتَشِرُ كالمَرَضِ الخَبيثِ. فإنْ طَهَّرْتَ نَفْسَكَ مِنْ تأثيرِ الأشياءِ المُخالفةِ للكِتابِ المقدَّسِ، تَكونُ "إِنَاءً لِلْكَرَامَةِ، مُقَدَّسًا، نَافِعًا لِلسَّيِّدِ، مُسْتَعَدًّا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ. أَمَّا الشَّهَوَاتُ الشَّبَابِيَّةُ فَاهْرُبْ مِنْهَا، وَاتْبَعِ الْبِرَّ وَالإِيمَانَ وَالْمَحَبَّةَ وَالسَّلاَمَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ الرَّبَّ مِنْ قَلْبٍ نَقِيٍّ. وَالْمُبَاحَثَاتُ الْغَبِيَّةُ وَالسَّخِيفَةُ اجْتَنِبْهَا، عَالِمًا أَنَّهَا تُوَلِّدُ خُصُومَاتٍ".
وما أَعْنيهِ هُوَ أنَّ هذا كُلَّهُ يُوْصِلُنا إلى النَّتيجَةِ نَفْسِها. أليسَ كذلك؟ إلى النَّتيجةِ نَفْسِها. وقد سَمِعْنا اليومَ مِنْ "كونراد" (Conrad) رِسالَةً رائِعَةً عَنْ ذلك. ثُمَ نَقرأُ في الأصْحاح 3 والعَدد 15: "وَأَنَّكَ مُنْذُ الطُّفُولِيَّةِ تَعْرِفُ الْكُتُبَ الْمُقَدَّسَةَ، الْقَادِرَةَ أَنْ تُحَكِّمَكَ لِلْخَلاَصِ. كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ".
وَتَذَكَّرْ أنَّ كُلَّ ما تَصْنَعْهُ سيكونُ "أَمَامَ اللهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الْعَتِيدِ أَنْ يَدِينَ الأَحْيَاءَ وَالأَمْوَاتَ، عِنْدَ ظُهُورِهِ وَمَلَكُوتِهِ". ثُمَّ يَقولُ لَهُ: "اكْرِزْ بِالْكَلِمَةِ. اعْكُفْ عَلَى ذلِكَ فِي وَقْتٍ مُنَاسِبٍ وَغَيْرِ مُنَاسِبٍ. وَبِّخِ، انْتَهِرْ، عِظْ بِكُلِّ أَنَاةٍ وَتَعْلِيمٍ. لأَنَّهُ سَيَكُونُ وَقْتٌ لاَ يَحْتَمِلُونَ فِيهِ التَّعْلِيمَ الصَّحِيحَ، بَلْ حَسَبَ شَهَوَاتِهِمُ الْخَاصَّةِ يَجْمَعُونَ لَهُمْ مُعَلِّمِينَ مُسْتَحِكَّةً مَسَامِعُهُمْ".
وما أَعْنيهِ هُوَ: هَلْ تَسْمَعونَ كُلَّ ما قالَهُ؟ وَلِعِلْمِكُمْ، فإنَّهُ مُنذُ أنْ كُنْتُ شابًّا وأعْطاني أبي أوَّلَ كِتابٍ مُقَدَّسٍ ابْتَدأتُ بالوَعْظِ مِنْهُ، كانَ قَدْ كَتَبَ عليهِ هذهِ الكلمات: "عزيزي جوني، اكْرِزْ بالكَلِمَة". وقد سَلَّمَ الرَّايَةَ لي. اكْرِزْ بالكَلِمَة.
ولم يَتَطَلَّبِ الأمْرُ وقتًا طويلًا لأجدَ أنَّ الوصيَّةَ "اكْرِزْ بالكَلِمَة" لها سِياقٌ. وقد نَظَرْنا إلى هذا السِّياقِ للتَّوّ. وقد أَدْرَكْتُ أنِّي مَسؤولٌ أمامَ اللهِ في أنْ أكونَ أمينًا للكلمة. وما يَعْنيهِ هذا هُوَ أنْ أكونَ أمينًا للعَقيدةِ القَويمَةِ، وأنْ أَحْفَظَ الوَديعَةَ الَّتي أؤتمنْتُ عليها.
وَيَخْتِمُ بولُسُ حَياتَهُ حَقًّا بأنْ يُذَكِّرَ تيموثاوُسَ ثانِيَةً: "قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ". فَهُوَ يَقولُ ذلكَ مَرَّةً أُخرى. فقد كانَ ذلكَ جِهادًا. "أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الإِيمَانَ" – الإيمانَ، أيِ الحَقَّ الَّذي يَقومُ عليهِ الإيمانُ المَسيحيُّ. وأنا ذاهبٌ للحُصولِ على مُكافَأتي.
لم يَكُن الأمرُ سَهْلًا عليه. فَكُلُّ الَّذينَ كانوا في أَسِيَّا تَخَلّوْا عَنْهُ إذْ نَقرأُ في العدد 10: "لأَنَّ دِيمَاسَ قَدْ تَرَكَنِي إِذْ أَحَبَّ الْعَالَمَ الْحَاضِرَ وَذَهَبَ إِلَى تَسَالُونِيكِي، وَكِرِيسْكِيسَ إِلَى غَلاَطِيَّةَ، وَتِيطُسَ إِلَى دَلْمَاطِيَّةَ. لُوقَا وَحْدَهُ مَعِي". تَخَيَّلوا كُلَّ ما مَرَّ بِهِ. وَهُوَ وَحيدٌ. وَهُوَ يَشْعُرُ بالوَحْدَة. فلم يَبْقَ مَعَهُ سِوى لوقا. وَهُوَ يَطْلُبُ أنْ يَذْهَب إليهِ مَرْقُس ليكونَ في شَرِكَةٍ مَعَهُ. وَهُوَ يَطْلُبُ مِعْطَفًا وبَعْضَ الرُّقوقِ الجِلْدِيَّة.
ثُمَّ يَقولُ في العدد 16: "فِي احْتِجَاجِي الأَوَّلِ لَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ مَعِي، بَلِ الْجَمِيعُ تَرَكُونِي. لاَ يُحْسَبْ عَلَيْهِمْ. وَلكِنَّ الرَّبَّ وَقَفَ مَعِي وَقَوَّانِي، لِكَيْ تُتَمَّ بِي الْكِرَازَةُ، وَيَسْمَعَ جَمِيعُ الأُمَمِ، فَأُنْقِذْتُ مِنْ فَمِ الأَسَدِ. وَسَيُنْقِذُنِي الرَّبُّ مِنْ كُلِّ عَمَل رَدِيءٍ وَيُخَلِّصُنِي لِمَلَكُوتِهِ السَّمَاوِيِّ. الَّذِي لَهُ الْمَجْدُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ. آمِينَ".
سوفَ يَكونُ الأمْرُ كذلك. فَكما تَعْلَمونَ، أنا مُحاطٌ بأُناسٍ رَائِعين. وأنا مُتَبارِكٌ جِدًّا. لذلكَ، لا يُمْكِنُني أنْ أقولَ معَ بولُس: "الْجَمِيعُ تَرَكُونِي". فأنا مُتَبارِكٌ، ولم يَتْرُكْني الجَميع. ولكِنِّي أعتقدُ أنَّ أيَّ شَخْصٍ مِنَّا يأخُذُ مَوقِفًا مِنَ المَسائِلِ الشَّبيهَةِ بهذِهِ يَعْلَمُ مَعْنى أنْ يَطْعَنَ أَحَدُهُمْ في سُمْعَتِهِ، أوْ أنْ يُتَّهَمَ بأمْرٍ ما، أوْ أنْ يُهاجَمَ، أوْ أنْ يُعْتَدى عليه. وفي نِهاية المَطافِ فإنَّ المَرْءَ يَقولُ: "وَلَكِنَّ الرَّبَّ يُقَوِّيني". فينبغي أنْ تَفْعَلَ ذلك. فقد تَجِدُ نَفسكَ مَعْزولًا بسببِ موقفٍ تُحاوِلُ فيهِ أنْ تأخُذَ مَوْقِفًا. والرَّبُّ سيُقَوِّيكَ ويُكافِئُكَ على أمانَتِكَ.
ويا لَها مِنْ رِسالَةٍ قَلْبِيَّةٍ إلى تيموثاوُس. وإذا كُنْتَ تَتَساءَلُ عَنْ رَدِّ فِعْلِ تيموثاوُس، فإنَّ الجَوابَ عَنْ هذا السُّؤالِ يأتي في نِهايةِ الرِّسالةِ إلى العِبرانِيِّينَ إذْ إنَّ كاتِبَ الرِّسالةِ إلى العِبرانِيِّينَ يَقولُ في الأصْحاح 13 والعَدَد 23: "اِعْلَمُوا أَنَّهُ قَدْ أُطْلِقَ الأَخُ تِيمُوثَاوُسُ". مِنْ أيْن؟ مِنَ السِّجْن. فقد كانَ تيموثاوُسُ مَسْجونًا. وقد أُطْلِقَ سَراحُهُ. فقد أَهْمَلَ تيموثاوُسُ مَوْهِبَتَهُ لِكَيْ يَتَجَنَّبَ ذلك. وقد كانَ جَبانًا عندما كَتَبَ بولُسُ رِسالَتَهُ. وقد كانَ هذا هُوَ ما يُحاوِلُ أنْ يَتَجَنَّبَ حُدوثَهُ. وقدْ تَلَقَّى تلكَ الرِّسالة. وأعتقدُ أنَّها اسْتَحْوَذَتْ على قَلبِهِ. وأعتقدُ أنَّهُ صَارَ شُجاعًا وأنَّهُ سُجِنَ. ولَكِنَّهُمْ أَطْلَقُوا سَراحَهُ. إنَّها كَلِمَة صَغيرة، ولكِنِّي مَسْرورٌ لِوُجودِها. بل مَسْرورٌ جِدًّا لِوجودِها.
لقد غَيَّرتِ رِسَالةُ بولُس مَسارَ حَياةِ تيموثاوُس. وليتَها تَفْعَل الشَّيءَ نَفْسَهُ مَعَكَ، وَمَعَنا جَميعًا. وليتَنا نَحْفَظ الوَديعَة، وَنَتَمَسَّك بالتَّعليمِ القَويم، ونَدْرُسُ الكَلِمَة لكي نَكونَ مَرْضِيِّينَ أمامَ اللهِ، ولكي نَكونَ عُمَّالًا لا نَخْزى، مُفَصِّلينَ كَلِمَةَ الحَقِّ بالاسْتِقامَة. وبعدَ أنْ نُفَصِّلَ كلمةَ الحَقِّ بالاستقامةِ، ليتَنا نَكْرِزُ بالكلمةِ بأمانَة. وإنْ لم يَقِفْ أَحَدٌ مَعَنا، لا بأس. فالرَّبُّ لَنْ يَتَخَلَّى عَنَّا.
نَشْكُرُكَ، يا أبانا، على هذا الوَقْتِ الَّذي صَرَفْناهُ مَعًا في هذهِ الأيَّامِ. فقد كانَ بَرَكَةً عَظيمَةً لنا. فنحنُ نَشْعُرُ أنَّنا كُنَّا في أعْلى الجَبَل، وأنَّنا اقْتَرَبْنا مِنَ المَجْدِ. وينبغي أنْ تكونَ هذهِ هِيَ مَشاعِرُنا وهذا هُوَ مَوْقِفُنا لأنَّنا ... لأنَّنا كُنَّا نُرَكِّزُ بِشِدَّة عليكَ وعلى كَلِمَتِكَ ... حَيْثُ يَتَجَلَّى المَجْدُ، لأنَّكَ مُعْلَنٌ في كَلِمَتِكَ بِصِفَتِكَ اللهَ صَاحِبَ كُلّ مَجْد.
ونَشْكُرُكَ على الشَّرِكَةِ الَّتي تَمَتَّعْنا بها. ونَشكرُكَ على الصَّداقاتِ الجديدةِ الَّتي حَصَلنا عليها. وقد حاوَلْنا، يا رَبُّ، أنْ نُقَدِّمَ إليكَ عِبادَتَنا وَخِدْمَتَنا في هذا المُؤتَمَر، وأنْ نَرْفَعَ أمامَكَ أذْهانَنا وقُلوبَنا، وأنْ نَسْتَعِدَّ لمُستوىً جَديدٍ مِنَ الخِدْمَة، وأنْ نَكونَ نَافِعينَ أكْثَرَ لَكَ فَرْدًا فَرْدًا بحسبِ قُدْراتِنا المُتواضِعَةِ، وأنْ نَضَعَ حَدًّا لِكُلِّ ما يُهينُ اسْمَكَ.
يا اللهُ، الآبُ، والمسيحُ مُخَلِّصُنا، والرُّوحُ القُدُسُ المُبارَكُ الَّذي يُقَوِّينا وَيُعينُنا: نَحْنُ نَفعلُ هذا كُلَّهُ مِنْ أَجْلِ تَمْجيدِكِ وَإكْرامِكَ ... في كُلِّ ما نَفْعَل. ونحنُ نُقَدِّمُ هذا باتِّضاعٍ، عالِمينَ أنَّ أَفْضَلَ ما يُمْكِنُنا أنْ نُقَدِّمَهُ لا يَفيكَ حَقَّكَ. فكُلُّ كَلِماتِنا، وكُلُّ أفكارِنا، وكُلُّ بَصيرَتِنا، وكُلُّ جُهودِنا، بِوَصْفِنا مُتَكَلِّمينَ أوْ مُسْتَمِعينَ، كُلُّ ما نُقَدِّمُهُ وَنَفْعَلُهُ إنَّما نَفْعَلُهُ لِتمجيدِكَ. وليتَ هذهِ تكونُ فقط نُقْطَةَ البِدايَةِ ... نُقْطَةَ البِدايَةِ لِحَياةٍ مُكَرَّسَةٍ لهذهِ الغَايَةِ لأجْلِ تَمْجيدِكَ.
وليتَنا نَشْعُرُ بالألمِ حِيْنَ يُهانُ اسْمُكَ. وليتَكَ تَسْتَخْدِمنا، يا رَبُّ، كأدواتٍ نافِعَةٍ لاخْتِطافِ النَّاسِ مِنَ النَّارِ ومُساعدةِ المُؤمِنينَ على النَّجاةِ مِنَ الضَّلالِ الَّذي لا مُبَرِّرَ لَهُ.
ونحنُ نُقَدِّمُ لكَ هذا الأسبوعَ مِنْ خِلالِ إعْلانِ الحَقِّ مِنْ هذا المَكانِ إلى جَميعِ أنْحاءِ العالَم. خُذِ الرِّسالَةَ حَيْثُ تَشاء. واسْتَخْدِمْها بِحَسَبِ مَشيئَتِكَ. فهذا هُوَ كُلُّ مَا نَطْلُب. ونحنُ نَفْرَحُ ونَشْعُرُ بالرَّاحَةِ لِما تَفْعَلُهُ بِما وَضَعْناهُ على المَذْبَحِ. وصَلاتُنا هِيَ أنْ تَتَمَجَّدَ، يا رَبّ. آمين.

This article is also available and sold as a booklet.